بسم اللــــه الرحمـــن الرحيــــم
رقم التبليغ:
بتاريــخ: / /2021
ملف رقم: 86/4/2113
الســيد الأستاذ/ وزير الخارجية
تحية طيبة، وبعد،
فقد اطلعنا على كتابكم المؤرخ 26/10/2020، بشأن طلب الإفادة بالرأي القانوني في مدى جواز التجاوز عن استرداد المبالغ السابق صرفها لأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي لموظفي الخارجية بموجب أحكام قضائية قُضي بإلغائها بموجب أحكام المحكمة الإدارية العليا.
وحاصل الوقائع- حسبما يبين من الأوراق- أن عددًا من السادة السفراء والدبلوماسيين والموظفين بالوزارة، من بينهم السفير/ ماهر العدوي، والسفير/مؤيد فتح الله محمد، والوزير المفوض/ خالد محمد حسام الدين، والسفيرة/ فاطمة فتح الباب جلال– ومنهم من أحيل إلى التقاعد ومنهم من لا يزال في الخدمة- كانوا قد أقاموا دعاوى قضائية بمجلس الدولة للمطالبة بمستحقات مالية لهم قِبَل الوزارة، وقد صدرت لهم أحكام قضائية بأحقيتهم في تلك المستحقات، فنهضت الوزارة إلى تنفيذ هذه الأحكام وصرف المستحقات المالية المترتبة عليها في حينه، وفي المقابل قامت هيئة قضايا الدولة بواجبها المنوط بها بالطعن على تلك الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا، حتى قُضى فيها بإلغاء الأحكام المطعون فيها ورفض الدعاوى، وبمناسبة اتخاذ إجراءات استرداد ما صُرِف نفاذًا للأحكام الملغاة تقدم ذوو الشأن المحكوم ضدهم بطلبات إلى الوزارة يلتمسون فيها التجاوز عن رد تلك المبالغ المالية السابق صرفها نظرًا لعدم تمكنهم من ردها، خاصة مع بلوغ بعضهم السن القانونية وإحالتهم إلى التقاعد، وليس لديهم مصدر دخل آخر خلاف معاشاتهم، فأثير التساؤل حول مدى جواز التجاوز عن استرداد المبالغ السابق صرفها، وإزاء ذلك طلبتم الإفادة بالرأي.
ونفيد أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المعقودةفى 13 من يناير عام 2021م الموافق 29 من جمادى الأولى عام 1442هـ؛ فاستعرضت ما تواتر عليه إفتاؤها (ملف 86/3/965 بجلسة 5/5/1999- ملف رقم 86/4/1423 بجلسة 16/2/2000- ملف رقم 86/4/1850 بجلسة 28/12/2016) من أن نشأة الدولة بما تضمه من سلطات عامة صاحبه ظهور القانون العام بفروعه المتعددة، ومنها القانون الإداري الذى ينتظم بأحكامه المرافق العامة فى الدولة والعاملين بها. وهذا القانون قد نشأ فى سنوات عمره الأولى في رحاب القانون الخاص الذى ينتظم بأحكامه العلاقات بين أشخاص القانون الخاص، إلا أنه نظرًا لطبيعة العلاقات والروابط التي يحكمها هذا القانون العام، وتباينها في كثير من الأمر عن العلاقات والروابط التي يحكمها القانون الخاص، فقد ظل القانون العام يستقى من القانون الخاص حينًا، فيأخذ من قواعده ما يحكم به الروابط التي تخضع له، ويخرج على هذه القواعد حينًا متى تعارض تطبيقها والأخذ بها مع طبيعة الروابط التي يحكمها.
وأخذ القانون الإدارى فى إنشاء قواعد وأحكام خاصة به تتلاءم وطبيعة الروابط التى يحكمها، وأعانه على ذلك من عملوا في رحابه- قضاء وإفتاء- يؤازرهم الفقه الإدارى، فابتكروا الحلول ووضعوا القواعد، يحدوهم في ذلك رعاية المصلحة العامة بغير جور أو إهدار للمصلحة الخاصة، ناظرين إلى الموازنة بين الشرعية والاستقرار على نحو يمازج بينهما، وبما يجدل هياكل الحقوق والمراكز القانونية.
وما أن مضى حين من الدهر حتى ضرب هذا القانون بجذوره واشتد عوده واستوى على سوقه، وأصبح يقف شامخًا بجوار القانون الخاص، وأضحى من المستقر عليه أن تطبيق قواعد وأحكام القانون الخاص على الروابط التى يحكمها القانون العام، إنما يكون بالقدر الذى يتلاءم وطبيعة هذه الروابط. وحمل مجلس الدولة هذه الأمانة منذ إنشائه عام 1946، يطبق ما يسنّه المشرع من تشريعات فى مختلف ميادين القانون العام، فإن لم يجد الحل فى هذه النصوص يجتهد رأيه ولا يألو، فيستقى الحل من أحكام القانون الخاص تارة، ويبتكر الحل تارة أخرى مستهديًا فى ذلك بالمبادىء العامة وقواعد العدالة ممزوجة بالقواعد العامة فى القانون الإدارى.
وفى مجال علاقة الدولة بالعاملين بمرافقها العامة المتعددة، فقد بات الرأي مستقرًا على أنها علاقة تنظيمية من روابط القانون العام تدور فى فلكه وتخضع لأحكامه، وأثير بشأن هذه العلاقة أمر الموازنة بين الشرعية والاستقرار، فالشرعية تتطلب تصحيح كل ما هو معيب بغض النظر عمّـا مضى عليه من الزمن، بينما من دواعى الاستقرار الاعتداد بما صدر معيبًا متى مضت عليه مدة معينة، حفظًا لاستقرار المراكز القانونية من الزعزعة والخلخلة، وقد ثقلت موازين دواعي الاستقرار، فنشأت قاعدة التحصن، والتى يغدو بموجبها القرار المعيب بمنأى عن السحب والتعديل بمرور ستين يومًا.
والعامل وهو ينخرط فى خدمة أحد مرافق الدولة نظير أجر، فإنه يعتمد- بحسب الغالب الأعم- على هذا الأجر فى أمر معيشته ونفقات أسرته التى يعولها، فيرتب حياته وتستقيم معيشته على أساس هذا الأجر، فإذا ما قامت جهة الإدارة بتسوية حالته على نحو زاد فى أجره بما ليس من حقه، ولم تقترن هذه التسوية بسعى غير مشروع من العامل أو بما يدخل به الغش على الجهة الإدارية، فإن دواعى الاستقرار التى ثقلت موازينها فى القانون الإدارى، وقواعد العدالة التى تحتل شأوًا عظيمًا فى فروع القانون عامة والقانون الإدارى خاصة، والمبادئ العامة التى تمليها ضرورات سير المرافق العامة وما تقتضيه من رعاية عمال المرافق العامة وتأمينهم ضد المفاجآت التى تضطرب بها حياتهم؛ حتى ينخرطوا فى خدمة المرفق آمنين مطمئنين يعطون أفضل ما عندهم، تقتضى القول بألا يُسترد من العامل ما سبق صرفه إليه بغير وجه حق إثر تسوية تبين خطؤها كلها أو فى جزء منها على نحو ما سلف بيانه، حتى لا تضطرب حياة هذا العامل ويختل أمر معيشته وأسرته اختلالاًشديدًا ، دون أن يكون له شأن بالخطأ الذى وقعت فيه جهة الإدارة.
ولا جرم أن ذلك كله منوط بتوافر حسن النية لدى العامل والقائمين على أمره بالجهة الإدارية، سدًّا لكل ذريعة نحو التحايل أو المجاملة، فإذا أفصحت الأوراق عن غش أو تواطؤ أو مجاملة، فينهض حق جهة الإدارة فى الاسترداد من العامل، لرد قصده عليه وتفويتًا لباطل مسعاه، فضلا عن المساءلة التأديبية للعامل ولمن شاركوه هذا الإثم، قطعًا للسبيل أمام كل من تسول له نفسه أن يعطى أو يأخذ غير المستحق من أموال المرفق الذى يعمل به غشًّا أو مجاملة، ومرد الأمر فى ذلك إنما يكون فى ضوء كل حالة واقعية وفقًا لظروفها وملابساتها.
ولا يُحاجّ فى ذلك بأن أحكام القانون المدنى تقضى بالتزام من أخذ مبالغ بغير حق بردها، ذلك أن علاقة الدولة بالعاملين بها- كما سبق القول- علاقة تنظيمية تدور فى فلك القانون العام وتخضع لأحكامه، ولايسرى عليها بالضرورة كل ما يسرى على روابط القانون الخاص.
ولما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المبالغ التى تم صرفها للمعروضة حالاتهم كانت بناء على أحكام قضائية تم إلغاؤها فيما بعد، وقد خلت الأوراق مما يفصح عن أن صدور تلك الأحكام وصرف المبالغ المترتبة عليها للمعروضة حالاتهم قد داخله غش أو سعى غير مشروع من جانبهم، أو مجاملة من القائمين على أمرهم فى جهة عملهم، ومن ثم لا يترتب على إلغاء تلك الأحكام استرداد ما سبق صرفه إليهم، مما مؤداه- وفقًا لِما سلف بيانه- جواز التجاوز عن استرداد ما سبق صرفه نزولا على ما استقر عليه إفتاء الجمعية العمومية فى هذا الشأن، وهو ما يتفق مع اتجاه المشرع فى القوانين السابقة الصادرة فى شأن التجاوز عن استرداد ما صُرِف بغير وجه حق مـن مرتبات أو أجور أو بدلات أو رواتب إضافية- ومنها القانون رقم (4) لسنة 2000- والتى كانت تقضى بالتجاوز عن استرداد المبالغ التى صُرِفت إذا كان الصرف قد تم تنفيذًا لحكم قضائي.
لـــذلــــك
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى جواز التجاوز عن استرداد ما سبق صرفه للمعروضة حالاتهم، وذلك على النحو المبين بالأسباب.
.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحريرًا في: / /2021
رئـيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
المستشار/
يسرى هاشم سليمان الشيخ
النــائـــب الأول لرئـيـس مـجـلـس الـدولــة
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |