برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد عبد الرحمن القفطي، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل السيد
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) دعوى– عوارض سير الخصومة- انقطاع سير الدعوى- مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه بذاته انقطاع سير الخصومة- لا يحصل الانقطاع بمجرد بلوغ القاصر سن الرشد, حيث يحصل الانقطاع حينئذ بسبب ما يترتب على البلوغ من زوالِ صفة مَن كان يباشر الخصومة عن القاصر، فإذا بلغ القاصر سن الرشد بعد رفع الدعوى أو الطعن, ولم تُنَبَّهْ المحكمةُ إلى هذا التغيير, وتُرِكَ مَنْ يباشر الخصومة عنه حتى تمَّ حجز الدعوى أو الطعن للحكم, فإن حضور الولي أو الوصي في هذه الحالة عنه يكون منتجًا لآثاره؛ إذ لم تَزُلْ صفةُ النائبِ هنا في تمثيل الأصيل, بل تغيرت فقط إلى نيابة اتفاقية بعد أن كانت قانونية.
– المادة (130) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968, والمعدَّل بموجب القانون رقم 23 لسنة 1992.
(ب) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- مناطها- دعوى البطلان لها طبيعة خاصة، فهي توجه إلى الأحكام الصادرة بصفة نهائية، وفي غير حالات البطلان المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، فهي طريق طعن استثنائي، لا يتوسع فيه، يقف عند الحالات التي تنطوي على عيبٍ جوهري جسيم يصيب كيان الحكم ويفقده صفته كحكم، وذلك بفقدانه أحد أركانه الأساسية، التي حاصلها أن يصدر عن محكمة تتبع جهة قضائية، وأن يصدر عنها بما لها من سلطة قضائية في خصومة، وأن يكون مكتوبًا- أسباب الطعن الموضوعية التي تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، لا تمثل إهدارًا للعدالة، ولا يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بأي عيبٍ ينحدر به إلى درجة الانعدام، وهو مناط قبول دعوى البطلان الأصلية.
(ج) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- ما لا يُعد من حالاتها- صدور حكم عن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف أحكام مستقرة بالمحكمة دون إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة, لا يفقد الحكم صفته كحكم قضائي، ولا يفقده أحد أركانه الأساسية([2]).
(د) مجلس الدولة– دائرة توحيد المبادئ- مناط الإحالة إليها- يتعين على أي من دوائر المحكمة الإدارية العليا أن تحيل الطعن المنظور أمامها إلى الدائرة المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة، متى تبينت أن ما اتجهت إليه من رأي ستسطره في حكم تنوي إصداره، يخالف أحكاما سبق صدورها عنها أو عن دائرة أخرى بالمحكمة، أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانوني مستقر في أحكام المحكمة- هذا الأمر مَرَدُّه إلى ما وقر في يقين الدائرة نفسها، ولا تسوغ المجادلة أو المناقشة فيه أو التعقيب عليه، لاسيما أن الخروج على أحكام ومبادئ سابقة مقررة بالمحكمة لا يتأتى إلا عند تطابق الحالات بواقعاتها ووقائعها تطابقًا تامًا، أما إذا اختلفت إحدى الجزئيات في الواقعات وصدر الحكم في ضوئها، فلا يكون هناك خروجٌ على أحكامٍ سابقة.
– المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، والمعدَّل بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984.
في يوم الأربعاء الموافق 23/8/2006 أودع الأستاذ/… المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعنة بصفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل، قُيِّدَ في سجلات المحكمة برقم 35600 لسنة 52 القضائية عليا, يتضمن المنازعة بموجب دعوى البطلان الأصلية في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) بجلسة 7/6/2006 في الطعن رقم 8748 لسنة 50 القضائية عليا, الذي قضى بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعنة المصروفات.
وطلبت الطاعنة بصفتها -للأسباب الواردة في تقرير الطعن- الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر عن هذه المحكمة بجلسة 7/6/2006 في الطعن رقم 8748 لسنة 50ق.ع، وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى بالمحكمة الإدارية العليا, للقضاء مجددًا لها بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من استبعاد نجلها من القبول بكلية الشرطة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل الأتعاب.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق. كما أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسبَّبًا برأيها القانوني.
وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إحالته إلى الدائرة السادسة (موضوع), والتي نظرته على النحو المبين بالمحاضر، وبجلسة 25/3/2015 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/5/2015 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين, وأودع نائب الدولة خلال هذا الأجل مذكرة دفاع طلب في ختامها (أصليًا) الحكم بعدم قبول الطعن لزوال صفة الطاعنة في تمثيل نجلها لبلوغه سن الرشد القانونية، و(احتياطيًّا) برفض الطعن بدعوى البطلان الأصلية، مع إلزام الطاعنة المصروفات في أي من الحالتين، وقررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم قبول الطعن شكلا لزوال صفة الطاعنة في تمثيل نجلها لبلوغه سن الرشد، فإنه ولئن كانت المادة (130) من قانون المرافعات([3]) تنص على أن: “ينقطع سير الخصومة بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم, أو بفقده أهلية الخصومة, أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين, إلا إذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها…”.
ومفاد ذلك -وعلى ما جرى القضاء وذهب إليه الفقه- أن مجرد وفاة الخصم أو فقده أهلية الخصومة يترتب عليه لذاته انقطاع سير الخصومة, أما بلوغ سن الرشد فإنه لا يؤدي بذاته إلى انقطاع سير الخصومة, وإنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر.
وحيث إنه من الثابت أن الطاعنة كانت قد أقامت هذا الطعن ابتداء بصفتها وصية شرعية على نجلها القاصر “…”, فمن ثم يكون الطعن قد رُفِعَ صحيحًا، وإذ بلغ نجلها المذكور سن الرشد القانونية أثناء سير الطعن, ولم تنبه هي ولا ابنها المحكمة إلى التغيير الذي طرأ على حالته, فإن ترك الابن والدته تحضر عنه بعد بلوغه سن الرشد إلى أن تقرر حجز الطعن للحكم, فإن حضورها يكون في هذه الحالة بقبول ابنها ورضائه, ويكون حضورها -وعلى ما جرى به القضاء والفقه المصريان على نحو ما سلفت الإشارة إليه- حضورًا منتجًا لآثاره القانونية, ذلك لأنه ببلوغ القاصر سن الرشد أصبحت نيابة والدته عنه نيابةً اتفاقية بعد أن كانت نيابةً قانونية, ويكون حضورها في هذه الحالة برضائه, وتظل صفتها قائمة في تمثيله, وينتج هذا التمثيل كل آثارة القانونية, ولا ينقطع سير الخصومة في هذه الحالة, لأنه ينقطع بزوال صفة النائب في تمثيل الأصيل, وهذه الصفة لم تَزُلْ هنا, بل تغيرت فقط فبعد أن كانت نيابةً قانونية أصبحت اتفاقيةً, الأمر الذي يتعين معه الالتفات عن الدفع المشار إليه.
………………………………………………….
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أن المدعية بصفتها (الطاعنة بصفتها) كانت قد أقامت بتاريخ 25/11/2002 الدعوى رقم 5012 لسنة 57 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري -الدائرة العاشرة- ضد المطعون ضده بصفته طالبة فيها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم قبول نجلها “…” بكلية الشرطة للعام الدراسي 2002/2003، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكرت شرحًا للدعوى أن ابنها المذكور حصل على الثانوية العامة بمجموع 79%, وتقدم بأوراقه للالتحاق بكلية الشرطة, واجتاز الاختبارات المؤهلة للقبول بما في ذلك كشف الهيئة, إلا أنها فوجئت لدى إعلان النتيجة بعدم إدراج اسمه ضمن المقبولين بالكلية, رغم قبول من هم دونه في المجموع والمستوى الاجتماعي, مما حداها على إقامة الدعوى بالطلبات المتقدمة, ناعيةً على القرار المطعون فيه مخالفته القانون وإساءة استعمال السلطة.
………………………………………………….
وبجلسة 28/3/2004 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلا، ورفضها موضوعًا, وألزمت المدعية المصروفات.
وشيَّدت المحكمة قضاءها بعد استعراض نصي المادتين (10) و(11) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بشأن أكاديمية الشرطة, ونصوص اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة, على أن الثابت أن نجل المدعية تقدم للالتحاق بكلية الشرطة للعام الدراسي 2002/2003 مجتازًا الاختبارات التمهيدية المقررة لذلك حتى بلوغ كشف الهيئة, ومثل أمام اللجنة المشكلة لذلك وناقشته في بعض الموضوعات ووضعت له درجات عناصر التقييم الفرعية, والتي حصل فيها على 71 من 200 درجة، أي أقل من 50% من مجموع درجات هذا الاختبار, ومن ثم يعد غير مقبول بكلية الشرطة, فيكون القرار المطعون فيه قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، وخلصت إلى حكمها المشار إليه.
ولم ترتض الطاعنة بصفتها حكم محكمة القضاء الإداري المذكور سالفًا, فطعنت عليه أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة), وقيد طعنها بجدول المحكمة الإدارية العليا برقم 8748 لسنة 50 القضائية عليا، التي قضت فيه بجلسة 21/6/2006 بقبوله شكلا، ورفضه موضوعًا, وألزمت الطاعنة المصروفات.
………………………………………………….
وحيث إن الطاعنة بصفتها تنعى على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا المذكور سالفًا, أنه قد صدر مشوبًا بالبطلان, لأسباب حاصلها:
(أولا) أنه من المقرر طبقًا لحكم المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة -المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984- أنه إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون, أنه قد صدرت عنها أو عن إحدى دوائر المحكمة أحكامٌ سابقة يخالفُ بعضُها البعضَ, أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة عن المحكمة الإدارية العليا, تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارًا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه، وأنه رغم ذلك فإن الدائرة نفسها التي أصدرت الحكم محل دعوى البطلان الماثلة سبق لها أن أصدرت حكمًا في الطعن رقم 3432 لسنة 50ق.ع بجلسة 26/1/2005 يخالف هذا الحكم, دون أن تقوم بإحالة الطعن محل الدعوى الماثلة للدائرة المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) المذكورة سالفًا, مما يكون معه هذا الحكم محلًّا لدعوى البطلان.
(ثانيًا) أن الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان يناقض القواعد والأسباب التي قضت بموجبها المحكمة في الطعن رقم 3432 لسنة 50 القضائية عليا بجلسة 26/1/2005 المشار إليه, حيث اشترطت في الحكم الأخير أن يكون قرار استبعاد الطالب قائمًا على أسبابه المبررة له, ومستخلصًا استخلاصًا سائغًا من أصول واقعية تنتجه قانونًا, بينما أغفلت في حكمها محل الطعن تلك الرقابة, وأعرضت عنها, واعتدت بما انتهت إليه لجنة القبول المذكورة من رأي, وهو ما يهدر العدالة, رغم تماثل المراكز القانونية, فضلا عن التزام الدائرة بمبادئ دائرة توحيد المبادئ في حكمها الصادر في الطعن المشار إليه, دون طعنها محل دعوى البطلان.
………………………………………………….
وحيث إن من المستقر عليه أن المحكمة الإدارية العليا، بما وسد لها القانون من اختصاص في الرقابة على أحكام محاكم مجلس الدولة تحقيقًا للشرعية وسيادة القانون، وبما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته بغير معقب على أحكامها، تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، فلا يكون من سبيل إلى إهدار أحكامها إلا استثناءً محضًا بدعوى البطلان الأصلية التي لها طبيعة خاصة, فهي توجه إلى الأحكام الصادرة بصفة نهائية, وفي غير حالات البطلان المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، فهي طريق طعن استثنائي يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم يمثل إهدارًا للعدالة, على نحو يفقد معها الحكم وظيفته وتتزعزع قرينة الصحة التي تلازمه، أما إذا قامت دعوى البطلان الأصلية على أسباب موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهدارًا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، ومن ثم لا تصمه بأي عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام, وهو مناط قبول دعوى البطلان الأصلية, وإذا كان الحكم قد صدر صحيحًا ومطابقًا للأوضاع والإجراءات الشكلية الجوهرية والموضوعية المنصوص عليها قانونًا, ولم يعتَرِه أي سبب يفقده صفته كحكم أو يفقده أحد أركانه الأساسية، ومن ثم يكون هذا الحكم صحيحًا، ومطابقًا للقانون، ولا محل للطعن عليه بدعوى البطلان الأصلية.
كما أنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنها تختص بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر عنها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى البطلان الأصلية، ولا يكون ذلك إلا إذا كان الحكم المطعون فيه يمثل إهدارًا للعدالة، ويفقد الحكم فيها وظيفته، وتنتفي عنه صفة الحكم القضائي, كأن يصدر الحكم عن قاضٍ قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية، أو يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية، ولا ريب أن الطعن في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بدعوى البطلان الأصلية هو استثناء ينطوي على مساس بحجية الحكم المطعون فيه، وبذلك يقف هذا الاستثناء عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم يعيب الحكم, ويفقده صفته كحكم قضائي له حجيته, بوصفه قد صدر عن المحكمة الإدارية العليا, وهي أعلى محكمة طعن في القضاء الإداري.
كما أنه من المسلم به أن الحكم القضائي متى صدر صحيحًا يظل منتجًا لآثاره، فيمتنع بحث ما قد يلحقه من عوار إلا عن طريق الطعن عليه بطرق الطعن المقررة, والتي حددها القانون على سبيل الحصر، فإذا كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق، فلا سبيل لإهداره بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة نهائية لمساس ذلك بحجيته، كذلك فإنه ولئن كان قد أجيز -استثناء من هذا الأصل- الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، إلا أن هذا الاستثناء شأنه شأن أي استثناء لا يتوسع فيه، لأنه لا يرد سوى في غير الحالات التي نص عليها المشرع في المادة (147) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم فهو يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم يصيب كيان الحكم ويفقده صفته هذه كحكم، وذلك بفقدان أحد أركانه الأساسية, والتي حاصلها أن يصدر عن محكمة تتبع جهة قضائية، وأن يصدر عنها بما لها من سلطة قضائية في خصومة، وأن يكون مكتوبًا.
– وحيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن ببطلان الحكم المطعون فيه, والمتمثل في عدم إحالة الدائرة للطعن رقم 8748 لسنة 50 القضائية (عليا) إلى دائرة توحيد المبادئ, فإن المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، المضافة بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984، تنص في فقرتها الأولى على أنه: “إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون, أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض, أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارًا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه”, وهو ما مفاده أن هناك قاعدةً تلزم أيًّا من دوائر المحكمة الإدارية العليا أن تحيل الطعن المنظور أمامها إلى الدائرة المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) المشار إليها, متى تبينت اختلاف الأحكام السابق صدورها عنها أو عن دائرة أخرى بالمحكمة، أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانوني مستقر في أحكام المحكمة، بيد أن تطبيق هذه القاعدة رهين بما تتبينه الدائرة المعنية من أن ما اتجهت إليه من رأي ستسطره في حكم تنوي إصداره، سيأتي مخالفًا لمبدأ قانوني مستقر أو لأحكام سابق صدورها عنها أو عن إحدى الدوائر الأخرى بالمحكمة، وهو أمر مرده إلى ما وقر في يقين الدائرة نفسها بما لا يسوغ معه المجادلة أو المناقشة فيه أو التعقيب عليه، لاسيما أن الخروج على أحكام ومبادئ سابقة مقررة بالمحكمة لا يتأتى إلا عند تطابق الحالات بواقعاتها ووقائعها تطابقًا تامًا، أما إذا اختلفت إحدى الجزئيات في الواقعات وصدر الحكم في ضوئها، فلا يكون هناك خروجٌ عن أحكامٍ سابقة، فرغم تماثل الحالات إلا أن الاختلاف في جزئية ما يؤدي بالمحكمة إلى إصدار الحكم الذي يبدو مخالفًا أو متعارضًا مع أحكام أخرى أو مبادئ مستقرة، أو منطويًا على عدول عن مبدأ ما, وهو ليس كذلك لعدم تطابق الحالات، ويغدو الحكم صحيحًا متفقًا وأحكام القانون، فلا مخالفة للقاعدة الأخيرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة.
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإنه طبقًا لِما استقر عليه القضاء والإفتاء والفقه, فإنه لا بطلان إلا بنص، وإذ خلا نص المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة من تقرير أي بطلان للأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا دون التزام بما ورد في النص من وجوب الإحالة إلى الدائرة المشكلة طبقًا لتلك المادة، فإنه لا يسوغ تقرير مثل هذا البطلان, لاسيما أنه كان بمكنة المشرع إذا أراد تقرير مثل هذا البطلان ما أعوزه النص عليه صراحة, كأثر مترتب على الخروج على النص وعدم الالتزام بأحكامه الوجوبية، بيد أن المشرع لم يقدم على تقرير هذا البطلان حفاظًا على هيبة القضاء وقدسية أحكامه وما تتمتع به من حجية ما قضت به وهو ما يجعلها واجبة التنفيذ، ويجعل الامتناع عن هذا التنفيذ أو تعطيله جريمة يعاقب عليها القانون على وفق ما جاءت به المادة (72) من الدستور، وهو المنهج نفسه الذي سار عليه المشرع من عدم تقريره البطلان للأحكام الصادرة عن محاكم من الدرجات الأدنى إذا صدرت بالمخالفة للمبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا، مما ينهار معه السبب الأول الذي استندت إليه الطاعنة بصفتها في إقامتها دعواها بالبطلان.
– وحيث إنه عن السبب الثاني الذي استندت إليه في طعنها الماثل, والمتمثل في تناقض القواعد والأسباب التي قضت بموجبها المحكمة في الطعن رقم 3432 لسنة 50 القضائية عليا بجلسة 26/1/2005 المشار إليه, عن تلك التي استندت إليها بحكمها الصادر في الطعن محل البطلان, فإن هذا السبب لا يعدو أن يكون تعقيبًا على أسباب الحكم الأخير وما انتهى إليه قضاؤه، وهو ما يخرج عن نطاق دعوى البطلان الأصلية عملا بمبادئ المحكمة الإدارية العليا المذكورة سالفًا.
وحيث إنه لِما تقدم تكون دعوى البطلان الأصلية الماثلة في غير محلها بالنسبة لجميع الأسباب التي بُنِيَت عليها، مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلا, وبرفضه موضوعًا، وإلزام الطاعنة المصروفات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعنة (بصفتها) المصروفات.
([1]) يراجع في المبادئ (ب) و(ج) و(د): حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في دعوى البطلان المقيدة برقم 10646 لسنة 52ق. عليا بجلسة 13/6/2009 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عامًا، مكتب فني، الجزء الثاني، المبدأ رقم 77، ص921).
([2]) راجع كذلك: المبدأ رقم (62) في هذه المجموعة. وقد أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا أن صدور حكم عن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف أحكام مستقرة بالمحكمة دون إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة، لا يترتب عليه البطلان؛ إذ لم ينص المشرع على البطلان في هذه الحالة، كما أن هذا لا يفقد الحكم صفته كحكم قضائي، أو يفقده أحد الأركان الأساسية المتعين توفرها فيه، وهو ما ينتفي معه مناط قبول دعوى البطلان. (حكمها في الطعن رقم 10646 لسنة 52ق ع بجلسة 13/6/2009، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 77/ج).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |