برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الله إبراهيم فرج ناصف
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، والسيد إبراهيم السيد الزغبي، وأحمد محفوظ محمد القاضي، وخالد جابر عبد اللطيف محمد
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- تختص دائرة طلبات أعضاء مجلس الدولة بالمحكمة الإدارية العليا بنظر المنازعة المتعلقة بطلب استردادهم مصاريف العلاج([1]).
(ب) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- حقوقهم الصحية- الجهات المتصلة موضوعًا بالمنازعة المتعلقة بطلب استرداد مصاريف العلاج هي وزارة الصحة، والهيئة العامة للتأمين الصحي، وصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية- ليس لرئيس مجلس الدولة أو أمينه العام صفة في هذه المنازعة.
– أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية.
– أحكام قانون التأمين الاجتماعي، الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
– قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 فى شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة.
(ج) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- حقوقهم الصحية- أسبغ المشرِّعُ على أعضاء مجلس الدولة الرعاية الطبية؛ بوصفهم من العاملين بالدولة، ومن المستفيدين بأحكام قانون التأمين الاجتماعي- قوامُ هذه الرعاية الطبية إلزامُ الدولة علاجهم على نفقتها مما عساه يلحقهم من أمراض أو يدركهم من حوادث أو نحوها، مِمَّا يستلزمُ تدخلا طبيًّا بجميع أشكاله ومناحيه- من أوجه العلاج أو الرعاية المنوطة بالهيئة العامة للتأمين الصحي: صرف الأدوية التي تُقرِّر الجهة الطبية المعالجة لزومها لمواجهة المرض الذي أصاب المؤمَّن عليه، وعلى أن يستمر صرف العلاج أو الأدوية إلى أن يُشفَى أو يَثْبُت عجزُه- ناط المشرِّعُ كذلك بوزارة العدل (مُمَثَّلة في صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية) رعايةَ هؤلاء الأعضاء صحيًّا؛ صونًا لاستقلالهم، وتحصينًا لكرامتهم، وضنًّا بهم وهم يؤدون عملهم عن مذلة السؤال- يلتزمُ الصندوقُ بصرف العلاج الذي تُقرِّره الجهاتُ الطبية المختصة لمواجهة ما يلحقهم أو يعتريهم من أمراض، ولا يجوز له التذرع بنقص الموارد تحللا من هذا الواجب كليًّا أو جزئيًّا- ما يلزمُ من تحاليل طبية أو أشعات سابقة أو لاحقة لصرف الأدوية، وانتقال العضو لإجراء هذا أو ذاك، هو مما يدخل في عموم علاجه؛ إذ يُعَدُّ كلاهما من حلقاتِ سلسلة كفالته ورعايته طبيًّا.
(د) تأمين صحي– الالتزام بتأمين العلاج والرعاية الطبية للمستفيدين- لا يجب أن تضع الدولة حدًّا أقصى لِما تلتزم به من نفقاتٍ بعلاج المواطنين؛ لِما في ذلك من إخلال بحقهم الدستوري، وما قد يُؤدِّي إليه من تعريض حياتهم للخطر، إذا كانت هذه المبالغُ غيرَ كافيةٍ لعلاجهم، لاسيما في الحالات التي ترتفع فيها تكاليفُ العلاج بما يفوق قدراتهم المالية، فلا يجوز التذرع في ذلك بقلة الموارد.
(هـ) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- رعايتهم طبيَّا- إثبات المرض- متى أثبتت إحدى الجهات الثلاث (صندوق الخدمات بوزارة العدل، أو الهيئة العامة للتأمين الصحي، أو وزارة الصحة) أن المريضَ المشمول برعايتها الصحية مُصابٌ بإحدى الأمراض الموجبة لعلاجه على نفقتها، فقد استقامَ للمريضِ مركزٌ قانوني يُخَوِّلُه العلاجَ، ليس فحسب على نفقة الجهة التي قامت بهذا الكشف، بل وعلى نفقة الجهتين الأخريين، دون إلزامٍ عليه أن يطرق بابهما للكشف الطبي سبيلا لحملهما على علاجه- الكشف الطبي الموقَّع من جهةٍ رسمية حكومية يُجزِئُ في الاستيثاق والاحتجاج على الجهاتِ الأخرى بثبوت المرضِ والعلاج اللازم له كمًّا وكيفًا، فلا تستقيم لأيٍّ منها حجةٌ قِبل المريض في الامتناع عن صرف العلاج الذي تقرَّر بكشفٍ طبي، ولو من غير عياداتها أو أطبائها المعتمدين، مادام قد تقرَّر من قِبل نظيراتها الأخرى.
– المادة رقم (17) من دستور سنة 1971.
– المادة رقم (1) من القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية.
– المادتان رقما (47) و(85) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
– المواد أرقام (1) و(2) و(3) و(4) و(6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 فى شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة.
– المواد أرقام (13) و(15) و(20) و(22) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بإعادة تنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية وقواعد الإنفاق منه، وتعديلاته.
في يوم الأربعاء الموافق 24/6/2012 أودع وكيلُ الطاعنِ قلمَ كُتَّابِ المحكمة تقريرَ الطعنِ الماثل، طلب في ختامه الحكم بإلزام المطعون ضدهم (وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، ومساعد وزير العدل لشئون الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، ووزير الصحة بصفته الرئيس الأعلى للهيئة العامة للتأمين الصحي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي، ومدير فرع الهيئة العامة للتأمين الصحي بالإسكندرية، ورئيس مجلس الدولة، وأمين عام مجلس الدولة) أن يدفعوا للطاعن مبلغًا مقداره (60000) جنيه (ستون ألف جنيه) قيمة باقي مصاريف العلاج والأدوية والحقن والانتقالات التي تحمَّلها الطاعنُ من ماله الخاص، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسَبَّبًا بالرأي القانوني. وجرى تداول الطعن أمام المحكمة، على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة 24/5/2014، وفيها قررت إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 7/6/2014 ليُقدِّم الطاعنُ الإيصالات الدالة على سداده مقابل إجراء الفحوص والتحاليل والأشعات التي قام بعملها، وكذا مذكرة بأسس تحديد مقابل مصاريف الانتقال اللازمة لتلقي العلاج اللذين يطالب بهما (مقابل الفحوص، ومقابل الانتقال)، وإذ لم يُنفِّذ الطاعنُ قرار المحكمة، فقد قررت بالجلسة الأخيرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضدهم الثالث والسادس والسابع (وزير الصحة- ورئيس مجلس الدولة- والأمين العام للمجلس)، فإنه دفعٌ سديدٌ بالنسبة للأخيرين فقط؛ ذلك أن الجهات المتصلة موضوعًا بالمنازعة بحسبانها المنوطة قانونًا بالقيام على علاج الطاعن هي وزارة الصحة؛ عملا بأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن العلاج على نفقة الدولة، والهيئة العامة للتأمين الصحي؛ عملا بأحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية؛ على وفق أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء هذا الصندوق، ومن ثم يكون طلب إخراج كلٍّ من رئيس مجلس الدولة والأمين العام من الطعن مُصادِفًا محله، وتورد المحكمة ذلك في الأسباب دون ذكر له في المنطوق.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن أقام طعنه الماثل ابتغاءَ الحكم بطلباته المشار إليها، على سندٍ من أنه يشغلُ وظيفةَ نائب رئيس مجلس الدولة، وفي غضون شهر مارس سنة 2011، وعند إجرائه التحاليل الطبية الدورية بمجمع العيادات الطبية لأعضاء الهيئات القضائية بالإسكندرية، تبين أنه مُصابٌ بمرض الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (C)، مع ارتفاع إنزيمات الكبد بالدم، وقد تقرَّر لعلاجه عقار الإنترفيرون (بيجاسيس) والزيبافيرين لمدة عام بواقع حقنة أسبوعيًّا، لمدة 48 أسبوعا، مع المتابعة الشهرية مع الطبيب المعالج، وقد لجأ إلى هيئة التأمين الصحي- فرع الإسكندرية- فرفضت توفير العلاج المشار إليه، وبناءً على تعليمات الطبيب المعالج بسرعة تعاطي الدواء لخطورة التأخير على صحته، فقد بادر بشراء العلاج الشهري على نفقته الخاصة بواقع 5000 جنيه (خمسة آلاف جنيه) شهريًّا، ثم تقدم إلى صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية طَلَبًا لِصرف قيمة العلاج، إلا أن الصندوق اكتفى بالمساهمة بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه (15000 جنيه) خلال العامين 2011 و2012، وقام (أي الصندوق) بحجز أصول بعض فواتير العلاج، وذلك بالرغم من أنه مُلزَمٌ قانونًا بكل مستلزمات علاجه، مما اضطره إلى الاستدانة للتمكن من شراء العلاج، لاسيما أن الطبيب المعالج قد حذره من وقف تعاطيه للمدة المحدَّدة، ومن ثم شعر بقصور أحواله المادية.
………………………………………………..
وقد رد الصندوق المشار إليه على الطعن طالبًا رفضه؛ على سندٍ من أنه تمَّ صرفُ مبلغ خمسة عشر ألف جنيه للطاعن خلال السنة العلاجية، وهو الحد الأقصى المقرَّر صرفه كإعانة لأدوية الفيروس الكبدي (C)؛ وذلك إعمالا لأحكام القانون رقم 36 لسنة 1975، ولائحة الصندوق الصادرة بقرار وزير العدل رقم 4835 لسنة 1981 (المادة 15)، كما ردت الهيئة العامة للتأمين الصحي على الطعن بأن قدمت حافظة مستندات طويت على حكم محكمة القضاء الإداري بجلسة 14/5/2011 في الدعوى رقم 5792 لسنة 65 ق.
………………………………………………..
وحيث إن المادة (17) من الدستور الصادر سنة 1971 (الذي تمَّ في ظله علاجُ الطاعن) تنص على أن: “تكفلُ الدولةُ خدمات التأمين الاجتماعي والصحي،… للمواطنين جميعًا، وذلك وفقًا للقانون”.
وينص القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة في المادة الأولى على أن: “يكون تقريرُ علاج العاملين والمواطنين داخل وخارج الجمهورية وفقًا لأحكام هذا القرار”.
وينص في المادة الثانية على أن: “تُشَكَّلُ بقرارٍ من وزير الصحة مجالسُ طبية مُتخصِصة في فروع الطب المختلفة…”.
وينص في المادة الثالثة على أن: “تختصُّ المجالسُ الطبية المذكورة بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج من الفئات الآتية، وتقدِّمُ تقاريرها وتوصياتها عنهم: (أ) العاملون بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة…”.
وينص في المادة الرابعة على أن: “تُوصِي المجالسُ بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياتُه في الداخل واقتضت حالته ذلك”.
وفي المادة السادسة على أن: “يكونُ العلاجُ على نفقة الدولة بقرارٍ من رئيس مجلس الوزراء…”.
وقد صدر قرارُ رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 1987 بتفويض وزير الصحة في الترخيص بالعلاج على نفقة الدولة بالداخل والخارج، المنصوص عليه في القرار الجمهوري المذكور.
وحيث إن المادة (47) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 المشار إليه تنص على أنه: “يُقْصَدُ بالعلاج والرعاية الطبية ما يأتي: (1)… (2)… (3)… (4)… (5) العمليات الجراحية وأنواع العلاج الأخرى حسب ما يلزم. (6)… (7) صرف الأدوية اللازمة في جميع الحالات المشار إليها فيما تقدم. (8)…”.
وتنص المادة (85) من القانون نفسه على أن: “تتولى الهيئةُ العامة للتأمين الصحي علاجَ المصابِ أو المريضِ ورعايته طبيًّا إلى أن يُشفى أو يَثْبُت عجزُه، وللهيئة المختصة الحق في ملاحظة المصاب أو المريض حيثما يُجرى علاجُه. ويُقْصَدُ بالعلاج والرعاية الطبية ما هو منصوص عليه بالمادة (47)…”.
وتنص المادة الأولى من القانون رقم 36 لسنة 1975 بشأن إنشاء صندوقٍ للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية على أن: “يُنْشَأُ بوزارة العدل صندوقٌ، تكونُ له الشخصيةُ الاعتبارية، تُخصِّصُ له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفالة الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين بالهيئات القضائية الآتية:
(1) القضاء والنيابة العامة.
(2) مجلس الدولة.
(3) هيئة قضايا الدولة.
(4) النيابة الإدارية…”.
وتنفيذًا لحكم هذه المادة، صدر قرارُ وزير العدل رقم 1734 لسنة 1975 بتنظيم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية وقواعد الإنفاق منه، ثم صدر قرارُ وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بإعادة تنظيم الصندوق، وأدخلت عليه عدةُ تعديلاتٍ بموجب قراراتٍ وزارية متتابعة، وتنص المادة (13) من هذا القرار على أن: “ينتفعُ بنظامِ الصندوقِ أعضاءُ الهيئاتِ القضائية الحاليون والسابقون وأسرهم…”.
وتنص المادة (15) منه على أن: “تشملُ الخدماتُ الصحية شئون العلاج والرعاية الطبية الآتية:
(أ) العلاج الطبي الذي يؤديه الأطباء الأخصائيون في فروع الطب المختلفة في عيادات الصندوق أو العيادات الخاصة.
(ب) العلاج والإقامة بالمستشفى أو المصحة.
(جـ) العمليات الجراحية. (د)…
(هـ) صرف الأدوية اللازمة للعلاج.
(و) الفحوص الطبية…
(ح) الرعاية الطبية المنـزلية عند الاقتضاء.
ويتمُّ ذلك كله طبقًا للقواعد التي يقرِّرُها مجلس الإدارة”.
وتنص المادة (20) من القرار نفسه على أنه: “إذا رأى العضو أو أحدُ أفراد أسرته أن يجري تحليلا طبيًّا أو فحصَ أشعة أو أيَّ فحصٍ طبي آخر لدى أطباء من غير المتعاقد معهم أو علاجًا بالمستشفيات غير المتعاقد معها، بعد توصية طبيب الصندوق بضرورة هذا الفحص، فيتحمَّلُ الصندوقُ حينئذٍ المصاريف الفعلية”.
وتنص المادة (22) منه على أن: “لا يتحمَّلُ الصندوقُ بثمن الدواء إلا إذا كانت التذاكر الطبية صادرةً من أطباء الصندوق أو من المستشفيات المتعاقد معها أو مراكز الإسعاف في حالة الطوارئ”.
وحيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة، وبالقدر اللازم للفصل في الطعن الماثل، أن القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 المشار إليه قد أسبغ على طوائف المواطنين الوارد ذكرها به، ومن فيهم العاملون بالدولة، رعايةً طبية قوامها إلزام الدولة بعلاجهم على نفقتها مما عساه يلحقهم من أمراض أو يدركهم من حوادث أو نحوها، مما يستلزم تدخلا طبيًّا بجميع أشكاله ومناحيه، كما أن المشرع ناط بالهيئة العامة للتأمين الصحي علاج المؤمَّن عليه الخاضع لأحكام قانون التأمين الاجتماعي رقم 79 لسنة 1975 ورعايته طبيًّا، ومن بين أوجه العلاج أو الرعاية: صرف الأدوية التي تُقرِّر الجهة الطبية المعالجة لزومها لمواجهة المرض الذي أصابه، وعلى أن يستمر صرف العلاج أو الأدوية إلى أن يُشفَى المريضُ أو يَثْبُت عجزُه.
كما ناط المشرع بوزارة العدل (مُمَثَّلة في صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية) رعايةَ هؤلاء الأعضاء صحيًّا، صونًا لاستقلالهم، وتحصينًا لكرامتهم، وضنًّا بهم وهم يحملون مشاعل الحق والعدل عن مذلة السؤال، فلا يُترَكون حال مرضهم نهبًا للمسألة، أُعطوا أو مُنِعُوا، بل بات لِزامًا على الصندوق رعايتهم بصرف العلاج الذي تُقرِّره الجهاتُ الطبية المختصة لمواجهة ما يلحقهم أو يعتريهم من أمراض، وذلك إنفاقًا مِمَّا تُمَوِّلُه الدولة من موارد وما تُوَفِّرُه من أموال قيامًا على هذا الواجب، دون التذرع بنقص الموارد أو ضيق ذات اليد، تحللا من هذا الواجب كليًّا أو جزئيًّا، فذلك مِمَّا تأباه وظيفةُ أو مهمة الهيئة أو الصندوق أو مقتضياتها، بعد أن وُكِلَ إليها تغطيةُ جميع أوجه علاج عضو الهيئة القضائية الذي تُقرِّر الجهةُ الطبية المختصة لزومه.
ومن نافلة القول، وأخذًا بقاعدةِ أن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، فإن ما يلزم من تحاليل طبية أو أشعَّات سابقة أو لاحقة لصرف الأدوية، وانتقال العضو لإجراء هذا أو ذاك، هو مما يدخل في عموم علاجه؛ إذ يُعَدُّ هذا أو ذاك حلقةً أو حلقاتٍ في سلسلة كفالته أو رعايته طبيًّا، ما يجب على الهيئة أو الصندوق القيام به في غمار واجباتهما المقرَّرة قانونًا في هذا الشأن. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 15752 لسنة 56 ق. عليا بجلسة 28/9/2010).
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يمكن بحال أمام سطوة المرض وجبروته الذي لا يرحم أن تضع الدولة حدًّا أقصى لِما تلتزم به من نفقات لعلاج المواطنين؛ لِما في ذلك من إخلال بحقهم الدستوري، وما قد يُؤدِّي إليه من تعريض حياتهم للخطر، إذا كانت هذه المبالغُ غيرَ كافيةٍ لعلاجهم، لاسيما في الحالات التي ترتفع فيها تكاليفُ العلاج بما يفوق قدراتهم المالية، ولا يجوز التذرع في ذلك بقلة الموارد، حيث إن صحةَ المواطن أهم وأغلى من المال، إذ هي من أعلى مراتب الأولويات. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 6429 لسنة 56 ق. عليا بجلسة 2/7/2011).
وقد جاء هذا التوجه مُوَاكِبًا قضاءَ المحكمة الدستورية العليا الذي انتهى إلى أن الدستور قد حرص -في المادة (17) المشار إليها- على دعم التأمين الاجتماعي، حين ناط بالدولة مدَّ خدماتها في هذا المجال إلى المواطنين بجميع فئاتهم في الحدود التي يُبينها القانون، من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم؛ وذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي هي التي تكفل بمداها واقعًا أفضل يُؤَمِّن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع، ولازم ذلك أن الرعاية التأمينية ضرورةٌ اجتماعية بقدر ما هي ضرورةٌ اقتصادية، وأن غايتها أن تُؤَمِّن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تباعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، بما مؤداه أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرِّعُ في هذا النطاق يكون مجافيًا لأحكام الدستور منافيًا لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها أو يعود بها إلى الوراء. (في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 1 لسنة 18 ق. دستورية بجلسة 9/9/2000).
وحيث إنه إعمالا لِما تقدم، فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن يشغل وظيفة نائب رئيس مجلس الدولة، وبتوقيع الكشف الطبي عليه من قبل الجهة الطبية المختصة التابعة لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية بتاريخ 5/5/2011، وُجِدَ أنه يُعاني من التهاب كبدي فيروسي مُزمن (C)، مع ارتفاع بإنزيمات الكبد بالدم، ويحتاج للعلاج بالإنترفيرون والزيبافيرين لمدة عام، مع المتابعة الشهرية، ومن ثمَّ تقرَّر له علاج شهري يشمل ضمن ما يشمل عقار الإنترفيرون، والثابت أن الطاعن قد قام بشراء هذا العلاج على نفقته من الصيدليات الخاصة، وبلغ إجمالي قيمة العلاج (53873 جنيهًا) (ثلاثة وخمسين ألفًا وثمانِ مِئة وثلاثة وسبعين جنيهًا) طبقًا لفواتير الشراء المودعَة حافظة مستندات الطاعن، وإذ تقدم إلى صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية طَلَبًا لِصرف مقابل العلاج، فقد قرر صرف مبلغ مقداره خمسة عشر ألف جنيه (15000 جنيه فقط)، على سندٍ من أن هذا المقدار هو الحد الأقصى المسموح به طبقًا لقرار وزير العدل رقم 1930 لسنة 2011، كما تقدم للهيئة العامة للتأمين الصحي لِصرف مقابل العلاج، ولكنها رفضت إجابته لطلبه على نحو ما قرره بتقرير الطعن، ولم تنكره، بل إن الثابت أن الطاعن خضع للفحوص الطبية بلجنة الكبد بالهيئة في الفترة من 9/5 حتى 16/5/2011، ومع ذلك وبالرغم من علمها اليقيني من واقع هذه الفحوص، وبما قدمه لها الطاعن من التقارير الطبية والفحوص المؤكِّدة لإصابته بفيروس الكبد، وبضرورة علاجه بعقاري (الإنترفيرون وبيجاسيس) بصفةٍ دورية شهرية لمدة عام، على النحو المتقدم، فإنها لم تنهض إلى تقديم هذا العلاج أو صرف مقابله، وإذ كان ذلك، وكان المشرع قد ناطها تكليفًا بصرف الأدوية اللازمة لعلاج المرضى الخاضعين لمظلتها التأمينية (والطاعن كعضو هيئة قضائية أحدهم) فمن ثم تقضي المحكمة بإلزامها أن تؤدي له الفرق بين مقابل علاجه الذي قام بشرائه على نفقته الخاصة والبالغ مقداره (53873 جنيهًا) وما صُرِفَ إليه من الصندوق ومقداره (15000 جنيه)، ومن ثم تلتزم أن تؤدي له مبلغًا مقداره 38873 جنيهًا (ثمانية وثلاثون ألفًا وثمانِ مِئة وثلاثة وسبعون جنيهًا).
ولا ينال مما تقدم ما تتذرع به الهيئة المطعون ضدها من أنه لا إلزام عليها في مجال علاج مرضى الفيروس الكبدي (C) سوى بالإنترفيرون المنتَج محليًّا (المصري) وذلك بعد فحص المريض من قِبل اختصاصييها المعتمدين بعيادات التأمين الصحي التابعة لها؛ فذلك مردودٌ بأنه متى أثبتت إحدى الجهات الثلاث المشار إليها (صندوق الخدمات بوزارة العدل- الهيئة العامة للتأمين الصحي- وزارة الصحة) أن المريضَ المشمول برعايتها الصحية مُصابٌ بإحدى الأمراض الموجبة لعلاجه على نفقتها الخاصة، فقد استقام للمريض مركزٌ قانوني يخوِّلُه العلاج، ليس فحسب على نفقة الجهة التي قامت بهذا الكشف، بل على نفقة الجهتين الأخريين، دون إلزام عليه أن يطرق بابهما للكشف الطبي سبيلا لحملهما على علاجه، ذلك أن الكشف الطبي الموقَّع من إحداها، وهي جهة رسمية حكومية، يُجزِئُ في الاستيثاق والاحتجاج على الأخرى بثبوت المرض والعلاج اللازم له كمًّا وكيفًا، أي أن الكشف الطبي يضحى في هذه الحالة بمثابة استيثاق من تحقق المرض وسبل علاجه، لِينهض مناطًا لصرف العلاج أو نفقاته من أي من تلك الجهات، بحيث لا تستقيم لأيٍّ منها حجةٌ قبل المريض في الامتناع عن صرف العلاج الذي تقرَّر بكشفٍ طبي ولو من غير عياداتها أو أطبائها المعتمدين، مادام قد تقرَّر من قِبل نظيراتها الأخرى، والقول بغير ذلك مُدعَاةٌ لتحميل المريض من أمره عسرًا إعناتًا له، بحمله على طرق باب كلِّ جهةٍ من الجهات الثلاث للاستيثاق من مرضه مناطًا لصرف العلاج من إحداها، وهو ما يجافي منطق الأشياء؛ إذ يزعزعُ الثقةَ فيما يصدر عن إحدى هذه الجهات حيثُ تُهدِرُه الأخرى، فضلا عن مجافاته روح العدالة التي تحتم رعاية المريض، والحيلولة دون إعناته، وتكليفه بما لا يطيق عرضًا لنفسه على كلِّ جهةٍ مناطًا لكفالته صحيًّا، وهو ما لا يُتَصَوَّرُ أن يكون المشرِّعُ قد قصد إليه.
وحيث إنه عن طلب الطاعن صرف مقابل إجراء الفحوص والتحاليل والأشعات التي قام بعملها، وكذلك مقابل الانتقالات اللازمة لتلقي العلاج، فإن الأوراق قد جاءت خلوًا من -كما لم يقدِّم الطاعنُ- الإيصالات أو المستندات الدالة على سداده مقابل إجراء هذه التحاليل أو الأشعات أو قيامه بالانتقال لإجرائها، بل إن المحكمة كلفته بتقديم هذه الإيصالات أو المستندات، إلا أنه لم يبادر إلى ذلك، ومن ثمَّ تقضي المحكمة برفض هذا الطلب.
وحيث إن الطعن مُعفى من المصروفات، عملا بحكم المادة (104) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحي أن تؤدي للطاعن مبلغًا مقداره (38873) جنيهًا (ثمانية وثلاثون ألفًا وثمانِ مِئة وثلاثة وسبعون جنيهًا) قيمة مقابل علاجه، على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
[1])) هذا المبدأ مستخلص من تصدي المحكمة للموضوع دون التعرض لبحث الاختصاص.
ويراجع في هذا الشأن: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 20186 لسنة 53ق.ع بجلسة 2/5/2012 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 57 مكتب فني جـ2، المبدأ رقم 104، ص862) حيث انتهت المحكمة إلى اختصاص دائرة طلبات أعضاء مجلس الدولة بنظر طلبات إلغاء القرارات الخاصة بامتناع الهيئة العامة للتأمين الصحي عن صرف العلاج الخاص بهم؛ باعتبار أن ذلك يعد شأنا من شئونهم، وكذا حكم الدائرة الثانية (عليا) الصادر بجلسة 23 من مايو سنة 2015 في الطعن رقم 20676 لسنة 57 القضائية عليا (قيد النشر بمجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 60 مكتب فني)، حيث يستخلص من تصدي المحكمة لموضوع طلب عضو مجلس الدولة استرداد تكاليف العملية الجراحية التي أجراها دون التعرض لبحث الاختصاص أنها قضت ضمنا باختصاصها بنظر المنازعة.
وقارن بحكمها الصادر في الطعن رقم 8665 لسنة 49ق.ع بجلسة 26/2/2005 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 50 مكتب فني، جـ1، المبدأ رقم 96، ص673)، حيث انتهت إلى عدم اختصاص المحكمة نوعيًّا بنظر المنازعة المتعلقة بالحقوق الصحية لأعضاء الهيئات القضائية (في مواجهة وزارة الصحة)، وكذا بحكمها الصادر بجلسة 21/2/2015 في الطعن رقم 27880 لسنة 60ق ع (قيد النشر بمجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 60 مكتب فني) الذي قضت فيه بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى المقامة من أحد أعضاء مجلس الدولة بطلب إلزام جهة الإدارة أن تؤدي إليه تكاليف العملية الجراحية التي أجراها، وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، وأكدت في حكمها أنها في الأصل محكمة طعن، وأن المشرع قد ناط بها استثناء الفصل في طلبات أعضاء مجلس الدولة كمحكمة أول وآخر درجة في المسائل المتعلقة بأي شأن من شئونهم، والاستثناء لا يتوسع فيه ولا يقاس عليه، وبينت أن المقصود بعبارة: “بأي شأن من شئونهم” الواردة بالمادة (104) من قانون مجلس الدولة: تلك الشئون الوظيفية المتعلقة بهم بصفتهم أعضاء بمجلس الدولة، فلا يدخل في اختصاص هذه الدائرة أية مسائل تتعلق بشئون خاصة لعضو مجلس الدولة لا تتعلق بوظيفته، ومن بينها تلك المتعلقة بحقوقه الصحية تجاه الدولة.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |