– الخلع فى أصل شرعته- حكم قطعى الثبوت- أحكامه التفصيلية وقد سٌكت عنها متروكة لاجتهاد الفقهاء- تدخل المشرع لاختيـار الرأى الأولى بالاتباع فأجاز للزوجة بعد أخذ رأى الحكمين أن تفتدى نفسها برد صداقها دون اشتراط لموافقة الزوج – عدم مخالفة ذلك لمقاصد الشريعة وأصولها الكلية.
فى مقابل حق الطلاق الذى قرره الله تعالى جل شأنه للرجل فقد كان حتمًا مقضيًا أن يقرر للزوجة حقًا فى طلب التطليق لأسباب عدة، كما قرر لها حقًا فى أن تفتدى نفسها فترد على الزوج ما دفعه من عاجل الصداق وهـو ما عُرِفَ بالخُلع. وفى الحالين، فإنها تلجأ إلى القضاء الذى يطلقها لسبب من أسباب التطليق، أو يحكم بمخالعتهـا لزوجها، وهى مخالعة قال الله تعالى فيها: ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُـونَ” – الآية رقم 229 من سورة البقرة – بما مؤداه: أن حق الزوجة فى مخالعة زوجها وافتداء نفسها مقابل الطلاق قد ورد به نص قرآنى كريم قطعى الثبوت، ثم جاءت السنة النبوية الكريمة لتُنزل الحكم القرآنى منزلته العملية، فقد روى البخارى فى الصحيـح عن عكرمة عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت فى دين ولا خلق ، إلا أنى أخاف الكفر فى الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” أفتردين عليه حديقته ؟ ” قالت: نعم وأزيد ، فقال لها أما الزيادة فلا، فردت عليه حديقته، فأمره؛ ففارقها. وقد تعددت الروايات فى شأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها الرواية السابقـة ومنها أنه أمره بتطليقهـا، وفى رواية أخرى أنه طلقها عليه، وكان ثابت بن قيس غير حاضر، فلما عرف بقضاء رسول الله قال : رضيت بقضائه. فالخُلع إذًا فى أصل شرعته من الأحكام قطعية الثبوت لورود النص عليه فى كل من القرآن والسنة. أما أحكامه التفصيلية فقد سكت عنها العليم الخبير جل شأنـه – لحكمة قدرها – وتبعه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى ذلك، ولذا فقد اجتهد الفقهاء فى شأن هذه الأحكام ، فمنهم من ذهب إلى لزوم موافقة الزوج على الخُلع، قولاً بأن ما ورد بالحديث الشريف مـن رد الحديقـة والأمر بالمفارقة، كان من قبيل النـدب والإرشاد ؛ فلا يقع الطلاق بالخُلع إلا بموافقة الزوج ، على حين ذهب فريق آخر إلى أن الأمر بالمفارقـة كان أمر وجوب ؛ فيقع الخُلع إما برضاء الزوجين، إما بدون موافقـة الزوج، وذلك بحكـم ولى الأمر أو القاضى، فكان لزامًا – حتى لا يشق الأمر على القاضى- أن يتدخل المشرع لبيان أى مـن الرأيين أولى بالاتباع، وهو ما نحا إليه النص المطعون فيه؛ فأخذ بمذهب المالكية وأجاز للزوجة أن تخالع إذا ما بغضت الحياة مع زوجها وعجز الحكمان عن الصلح بينهما، فيخلعها القاضى من زوجها بعد أخذ رأى الحكمين، على أن تدفـع إليه ما قدمه فى هذا الزواج من عاجل الصداق. وليس ذلك إلا إعمالاً للعقل بقـدر ما تقتضيه الضـرورة بما لا ينافى مقاصد الشريعة الإسلامية وبمراعاة أصولها؛ ذلك أن التفريق بين الزوجين فى هـذه الحالـة، من شأنه أن يحقـق مصلحة للطرفين معًا، فلا يجـوز أن تُجبر الزوجة على العيـش مع زوجها قسرًا عنها؛ بعد إذ قررت أنها تبغض الحياة معه، وأنه لا سبيل لاستمرار الحيـاة الزوجية بينهمـا، وأنها تخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، مما حدا بها إلى افتدائها لنفسها وتنازلها له عن جميـع حقوقها المالية الشرعية وردها الصـداق الذى أعطاه لها. والقـول باشتراط موافقـة الزوج يؤدى إلى إجبار الزوجة على الاستمرار فى حياة تبغضهـا؛ وهو ما يبتعـد بعلاقـة الزواج عن الأصل فيهـا، ألا وهو السكـن والمودة والتراحـم، ويجعل الزوج، وقد تخفف من كل عبء مالى ينتج عن الطلاق، غير ممسك بزوجتـه التى تبغضـه إلا إضرارًا بها، وهو إضـرار تنهـى عنه الشريعـة الإسلاميـة، وتتأذى منـه العقيـدة الإسلاميـة فيما قامت عليه من تكامـل أخلاقى وسمـو سلوكـى، ويتنافى مع قاعدة أصوليـة فى هذه الشريعـة وهـى أنه لا ضرر ولا ضرار.
(القضية رقم 201 لسنة 23 قضائية “دستورية”بجلسة15/12/2002جـ10″دستورية”صـ816)
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |