يصعب التفرقة أحياناً بين العقد الإداري والقرار الإداري، خاصة في مجال الأعمال القانونية التي ترد علي الأموال العامة، أو التي تتصل بالوظائف العامة. فالعقد الإداري هو الاتفاق الذي تبرمه الإدارة مع أحد الأشخاص مستخدمة فيه أساليب القانون العام. أما القرار الإداري فهو مجرد تعبير عن إرادة منفردة، يصدر من سلطة إدارية، بسند قانوني، ويرتب أثاراً قانونية. والأصل أنه من حق السلطة الإدارية أن تتخذ بإرادتها المنفردة قرارات تخلق حقوقاً أو التزامات دون رضا من توجه إليه أو تتعلق به وإذا كان رضا الشخص المعني ضرورياً في بعض الحالات – كحالة قرار التعيين – فإن هذا الرضا هو مجرد شرط لفعالية الإرادة المنفردة للإدارة المتمثلة في القرار الإداري الذي يعتبر موجوداً استقلالاً عن هذا الرضا.
وتستطيع الإدارة أن ترجع إلى العقد أو إلي القرارالإداري، كما بوسعها أن تستخدمهما معاً في عملية واحدة لتحقيق نفس الهدف. ونعرض فيما يلي لبعض الحالات التي قد تختلط فيها الأمور في الأذهان بين العقد والقرار في مجالات متعددة:
تستطيع الإدارة السماح للأفراد بالاستئثار بجزء من المال العام بقرار فردي يرخص لهم بذلك، كما يمكنها تحقيق نفس النتيجة عن طريق العقد. ولكن الإدارة غالباً ما لا تكون مخيرة في ذلك، وإنما يحكمها القانون الذي ينظم تصرفاتها ويحدد طريقة تدخلها.
وتؤكد المحكمة الإدارية العليا في مصر أن تخصيص جزء من المال العام للانتفاع الخاص لأحد الأفراد مقابل مبلغ معين من المال بشروط تخرج من نطاق القواعد المقررة في القانون الخاص يعتبر عقداً إدارياً، ولو وصف – خطأ – بأنه ترخيص، أو سمي مقابل الانتفاع رسماً.
وينبغي علي الإدارة أن تحصل على ما تريد من أموال الآخرين عن طريق التعاقد كقاعدة عامة. ولا يجوز لها الاستيلاء عليها أو مصادرتها إلا استثناء في حالات يحددها القانون.
وقضت المحكمة الإدارية العليا بأنه “يبين من الاطلاع علي السند الذي قامت علي أساسه الدعوي أن الحكومة خصصت لمورث المدعي عليها جزءاً من الملك العام لانتفاعه الخاص مقابل مبلغ معين بشروط معينة تخرج عن نطاق القواعد المقررة في القانون الخاص. وبذلك فقد اصطبغ هذا السند بصفة العقد الإداري لا القرار الإداري… ولا يغير من ذلك وصف هذا العقد بأنه ترخيص أو أن المبلغ المقابل للانتفاع هو رسم. فلا وجه له لأن الحكومة حين خصت مورث المدعي عليها بجزء من الملك العام، فإنها كانت مستغلة لهذا الجزء باعتبارها مالكة له ملكية تحكمها قواعد القانون العام …. ولم يكن ذلك إفصاحاً عن إرادة الإدارة الملزمة بل نتيجة لاتفاق تبادل فيه الطرفان الحقوق والواجبات. وغني عن البيان أن العقد الذي يكون محله الانتفاع بمال عام هو بطبيعته من العقود التي تخضع لأحكام القانون العام، لأنها توافق طبيعة المال العام ولاتصالها الوثيق بمقتضيات النفع العام.
قضت محكمة القضاء الإداري بأن العقد المبرم بين مصلحة السكك الحديدية وبين الشركات الدولية لعربات النوم بشأن استغلال عربات الأكل والنوم بالقطارات … “هو ترخيص اتخذ صورة عقد إداري بقصد إشغاله واستعماله على وجه لا يخالف الغرض المخصص من أجله … وينطوي في الوقت ذاته على انتفاع للمرخص له بهذا المال مقابل إتاوة يلتزم بأدائها للمصلحة”. وهنا تخلط المحكمة بين العقد الإداري وبين الترخيص الذي يصدر به قرار إداري.
أصبح الأصل – في النظام اللاتيني – أن اختيار الموظفين يتم عن طريق التعيين بقرارات إدارية كقاعدة عامة، ولا يتم عن طريق التعاقد إلا بصفة استثنائية.
وقرار تعيين أحد الأفراد في وظيفة معينة هو قرار معلق علي شرط واقف هو موافقة المعين وقيامه بتسلم العمل المعين فيه، وليس عقداً إدارياً يقوم على توافق إرادتين بعد تبادل الإيجاب والقبول والتفاوض علي شروط التعاقد. وهذا لا يمنع من أن بعض الموظفين يتم التحاقهم بالخدمة – استثناء – عن طريق التعاقد. ويحدث ذلك عادة بالنسبة للتعيين في الوظائف المؤقتة أو التعيين المؤقت في الوظائف الدائمة، سواء أكان المعينون مواطنين كما يحدث أحياناً، أم كانوا أجانب كما هو الغالب. وتسري علي الموظفين المتعاقدين أحكام قانون الموظفين فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم.
يسمح قانون الضرائب الفرنسي – بمنح بعض الممولين تخفيضات ضريبية محددة مقابل الالتزام ببرامج استثمارية معينة يتم الاتفاق عليها. وأيد بعض الفقهاء الصفة العقدية لهذا الاتفاق الذي يمكن أن يطلق عليه العقد الضريبي. غير أن مجلس الدولة لم يقر هذا التكييف واعتبر الأمر يتعلق بقرار فردي معلق على شرط فاسخ.
قد يكون إبرام العقد علي نحو معين شرطا لصدور القرار الإداري من ذلك ما قضي به قانون اللامركزية الفرنسي – من أن منح المساعدات المالية من السلطة المركزية للوحدات المحلية مشروط بإبرامها لبعض الاتفاقات مع بعض المشروعات. فمنح المساعدة يتم بقرار إداري، ولكن شروط منح المساعدة وبقائها تحدد في الاتفاقية المبرمة بين الوحدة المحلية والمشروع المعني. فإذا لم يبرم الاتفاق كان قرار المساعدة غير مشروع، وإذا لم يحترم الاتفاق تلغي المساعدة. فالاتفاق وتنفيذه يعتبر شرط ابتداء وبقاء بالنسبة للقرار.
بعد التعاقد تقوم الإدارة بإصدار مجموعة من القرارات الإدارية اللازمة لتنفيذ العقد أوالميسرة لتحقيق أهدافه. من ذلك اتخاذ القرارات المالية المتعلقة بتنفيذ العقد، أو المتصلة بإدخال بعض التعديلات علي شروطه لتكون أكثر تحقيقاً للصالح العام، أو المتعلقة بتوقيع الجزاءات علي المتعاقد معها في حالة إخلاله بتنفيذ ما اتفق عليه من التزامات.
لا يعتبر قرار تكليف جهة معينة بالقيام بأعمال محددة عقداً إدارياً. فإذا لم تتوافر للمتعاقد مع الإدارة إرادة التعاقد ليكون هناك توافق إرادتين حقيقة علي إحداث الحقوق والالتزامات المترتبة علي العقد، انتفت صفة العقد عن العمل. فإذا كلف وزير الإسكان والمرافق إحدي شركات القطاع العام بتنفيذ بعض الأعمال اللازمة لحظة التنمية الاقتصادية – فإن هذا التكليف لا يشكل عقداً، لانتفاء إرادة التعاقد لدي الشركة التي لا يجوز لها رفض التكليف أو مخالفته، وإلا تعرضت لعقوبة جنائية.
لا يعد القرار الإداري الذي يصدر تمهيداً للتعاقد عقداً إدارياً. فينبغي التمييز بين العقد الذي تبرمه الإدارة وبين الإجراءات التي تمهد بها لإبرامه. ومن هذه الإجراءات ما يتم بقرار من السلطة الإدارية المختصة، وله كل خصائص ومقومات القرار الإداري. ومثل هذه القرارات وإن كانت تسهم في تكوين العقد فإنها تتميز في طبيعتها عن العقد وتنفصل عنه، ومن ثم يجوز الطعن فيها بالإلغاء استقلالاً. “وقرار لجنة البت بإرساء المناقصة أو المزايدة هو قرار إداري نهائي ….. وليس أبلغ في الدلالة علي صدق هذا النظر من أن جهة التعاقد إنما تلتزم حال انصراف إرادتها إلي إبرام العقد بالتعاقد مع المناقص أو المزايد الذي عينته لجنة البت، وليس لها أن تستبدل به غيره”.
ومن أمثلة القرارات الإدارية المتفصلة عن العقد لقرار المحدد لشروط المناقصة أو المزايدة، وقرارات لجنة البت، وقرار إرساء المناقصة أو المزايدة.” ومثلها في مجال تحديد شخص المتعاقد مع الإدارة في عقد المساهمة في نفقات مشروع ذي نفع عام قرار تخصيص قطعة الأرض التي سيقام عليها المشروع. وكلها قرارات إدارية منفصلة عن العقد، يجوز الطعن فيه بالإلغاء استقلالاً”.
وهناك بعض الأعمال القانونية متعددة الأطراف يطلق عليها القرارات الجماعية. وهذه القرارات قد تكون قرارات لائحية تتضمن قواعد عامة مجردة، وقد تنطوي علي قرارات معلقة علي شرط. ولكنها قد تكون اتفاقات تعاون بين الإدارة وبعض الجهات فتعتبر عقوداً حقيقة، وإن لم يطلق عليها لفظ العقد.
وأحيانا تدق التفرقة بين القرار الإداري والعقد الإداري وتختلط الأمور حتي علي المتخصصين نتيجة لاختلاط عناصر القرار والعقد في تلك الأعمال المختلطة. فقد يكيف القاضي عملا ذا مظهر تعاقدي علي أنه قرار إداري أو العكس.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |