القرعة قد تميز الحقوق وتعينها كما في القسمة بين الشركاء. والقرعة تعين من يتمتع بالحق من بين المتساوين في شروط التمتع به.
ومن أجل هذا أمكن اعتبار القرعة من وسائل الإثبات وطريقاً من طرق الحكم ولكن درجتها متأخرة عن وسائل الإثبات التي بيناها من قبل، ولهذا نجد الفقيه ابن فرحون المالكي يفرد للقرعة باباً في كتابه تبصرة الحكام باسم “القضاء بالقرعة”.
القرعة مشروعة في مواضع سنبينها بعد قليل. ودليل مشروعيتها أن النبي ﷺ قد استعملها في تعيين الخصوم الذين يبدأون بالحلف قبل غيرهم كما سنبينه. وكان ﷺ يقرع بين أزواجه في السفر. واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء السابقة. وقال تعالي عن زكريا عليه السلام وكفالته لمريم “وَ مَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ”. وعن نبي الله يونس عليه السلام “فساهم فكان من المدحضين” كما أن في استعمال القرعة في مواضعها دفعاً للتهمة ودفعاً للضغائن، والشريعة الإسلامية تحرص علي مثل هذه الأمور.
قال الفقيه القرافي في فروقه: اعلم أن من تعينت المصلحة أو الحق في جهته فلا يجوز الاقتراع بينه وبين غيره، ومتي تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعاً للضغائن والأحقاد، والرضا بما جرت به الأقدار. ثم ضرب الفقيه بعض الأمثلة التي تجري فيها القرعة فقال:” فهي مشروعة في الحضانة، والزوجات في السفر، والخصوم عند الحكام، وفي عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم”.
روي الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ عرض علي قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يُسهَم بينهم في اليمين أيهم يحلف. وقال الخطابي في تفسير هذا الحديث كما ينقله عنه العسقلاني: إذا توجهت اليمين علي اثنين وأرادا الحلف، وتنازعا أيهما يبدأ، فلا يقدم أحدهما علي الآخر بالتشهي، بل بالقرعة، وهو المراد بقوله: فليستهما، كما جاء في بعض الروايات، أي: فليقترعا. وقيل صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عيناً ليست في يد واحد منهما ولا بينة لواحد منهما فيقترع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها.
القرعة بين ملتقطي اللقيط:
إذا التقط اللقيط اثنان وتناولاه تناولاً واحداً، وكان كل واحد منهما ممن يقر اللقيط في يده لو انفرد بتناوله، فهما سواء فيه، فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه وتسليمه إلى صاحبه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به، وأن تشاحا أقرع بينهما لأنه لا يمكن دفعه إلي أحدهما دون الآخر بغير قرعة لأن حقهما متساوٍ، فتعيين أحدهما بالتحكم لا يجوز فيتعين الإقراع بينهما كان يقرع بين الشركاء في تعيين السهام بالقرعة. والرجل والمرأة سواء، ولا تترجح المرأة هنا كما ترجح في حضانة ولدها علي أبيه لأنها هناك رجحت لشفقتها ولأنها تحضنه بنفسها وأبوه يحضنه بأجنبية، وهنا في مسألة التقاط اللقيط هي عنه أجنبية ويحضنه إذا أخذه بأجنبية فاستويا وهذا مذهب الحنابلة، وبمثله قال الإمام الشافعي ومالك في الاقتراع بين الملتقطين إذا تساويا ولم يرجح أحدهما الآخر بأسبقية التقاط أو بغيره.
إذا اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة وكانوا في درجة واحدة في استحقاق الحضانة للصغير ولم يتفقوا فيما بينهم علي واحد منهم يسلمون له الحضانة ولا ينازعونه فيها، ورفعوا الأمر إلي القاضي، فإنه يعين المستحق للحضانة بالقرعة فمن خرجت له قضي الحاكم له بحق الحضانة دون غيره.
تجري القرعة بين الشركاء ليعين القاضي سهام كل منهم وهذا في قسمة الإجبار التي تجري بواسطة القضاء، في حالة عدم اتفاق الشركاء علي القسمة، ورفعوا قضيتهم إلى القضاء. وهذه القسمة الإجبارية عن طريق القضاء تلزم – كما يقول الحنابلة – بإخراج القرعة لأن قرعة قاسم القاضي الذي يباشر القسمة بإشراف القاضي بمنزلة حكمه فيلزم بإخراجها كما يلزم حكم القاضي. وكذلك قال المالكية في إجراء القرعة لتعيين سهام الشركاء في اموالهم المشتركة إذا ما توافرت شروط القسمة. وأجاز هذه القرعة الحنفية أيضاً قائلين بأنها جازت استحساناً وإن كان القياس يأباها، ووجه الاستحسان هو تطييب القلوب ودفع تهمة الميل لأحد الشركاء ولأن هذا هو ما يعمله الناس من القديم وحتي الآن دون إنكار.
إذا ادعي اثنان ملكية عين هي في يد شخص ثالث فأقرَّ بها لأحدهما مبهماً وقال لا أعلم عينه، فإن القاضي يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فالعين المدعي بها تكون له، ولكن هل يحلف؟ على وجهين، والمنصوص عن أحد أن عليه اليمين.
وتجري القرعة في حالة من يعتق في مرض موته ما يملكه من رقيق ثم يموت، ولا يخرجون من ثلث تركته فإنه يقرع بين الرقيق فيعتق منهم بقدر الثلث، نص على ذلك الإمام أحمد.
قال الحنابلة: إذا طلق رجل امرأة من نسائه لا بعينها فإنها تخرج بالقرعة لغرض حلٌ الزوجات الباقيات له. وبه قال الحسن وأبو ثور. وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي: له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه يملك إيقاعه ابتداءً وتعيينه، فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه.
وقال الحنابلة أيضاً إذا طلق واحدة من نسائه ولكنه نسيها فإنها تعين بالقرعة ويثبت حكم الطلاق عليها. وكذلك قالوا: إذا طلق ثم مات ولم يعرف التي طلقها فإنه يقرع بين نسائه ليعرف التي وقع عليها الطلاق لتخرج من الميراث ويبقي الميراث للباقيات.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |