مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 29416 لسنة 55 ق . ع
يونيو 13, 2022
القرائن
يونيو 15, 2022

علم القاضي

علم القاضي

المقصود بعلم القاضي: علمه بوقائع الدعوي وأسباب ثبوتها، فهل يصلح علمه بهذه الأمور سبباً لحكمه ومستنداً له أم لا ؟ للجواب على هذا السؤال يجب التفريق بين حالتين:

الحالة الأولي – علم القاضي الذي حصل عليه في مجلس القضاء.

الحالة الثانية – علمه الذي حصل عليه خارج مجلس القضاء.

 

الحالة  الأولي: علم القاضي المتحصل عنده في مجلس القضاء:

إذا حصل القاضي علي علمه بوقائع الدعوي وأسباب ثبوتها في مجلس القضاء، كما لو أقر المدعي عليه بالدعوي أو نكل عن اليمين بعد أن وجهها إليه القاضي، فإن القاضي يحكم بموجب علمه بوقائع الدعوي ودلائل ثبوتها، ولا يشترط أن يشارك القاضي في علمه وسماعه لوقائع الدعوي ودلائل ثبوتها في مجلس القضاء شاهدان أو أكثر، وهذا ما نص عليه الإمام أحمد. وهو ما قال به الشافعية أيضاً محتجين بأن النبي ﷺ قال، كما جاء في الحديث: “فإن اعترفت فارجمها” ولم يقيده بأن يكون اعترافها – أي بالزنا – بحضور الناس أو بحضور شاهدين أو أكثر.

وينبغي، في رأينا أن لا يكون خلاف في صحة حكم القاضي بعلمه المتحصل لديه في مجلس القضاء بناء علي ما يسمعه من وقائع الدعوي والبينات والأدلة التي يقدمها أطراف الدعوي، وإقرار المدعي عليه أو نكوله عن اليمين، لأن مجلس القضاء يحضره الناس عادة، وحتي إذا لم يحضره أحد من الناس فهناك أعوان القاضي مثل أهل مشاورته من أهل العلم، وكاتبه، وحاجبه، وغيرهم وهؤلاء يسمعون ما يجري في مجلس القضاء ويشاركون القاضي في سماعه وعلمه، ويندر أن يخلو مجلس القضاء من أحد ممن ذكرنا، وحتي لو فرضنا خلو مجلس القضاء من أحد ممن ذكرنا ولم يوجد فيه إلا القاضي والخصوم فإن القاضي إذا حكم بناء على ما سمعه وعلمه من أقوال الخصوم وبيناتهم وأقاريرهم فإن حكمه صحيح لأن الحديث الصحيح الذي احتج به الشافعية حجة على كل من يشترط لصحة حكم القاضي أن يسمع معه شاهدان أو أكثر بينة المدعي أو إقرار المدعي عليه.

الحالة الثانية: علمه المتحصل عنده خارج مجلس القضاء:

وهذه الحالة هي علم القاضي المتحصل عنده خارج مجلس القضاء كما لو سمع القاضي شخصاً يطلق امرأته ثلاثاً خارج مجلس القضاء، أو رأي القاضي شخصاً أتلف مال شخص خارج مجلس القضاء، فهل يجوز للقاضي أن يحكم بما علمه من طلاق الأول فيقضي بالتفريق بينه وبين زوجته إذا طلبت الزوجة ذلك، ويحكم بضمان المال المتلوف علي من أتلفه؟ هنا نجد اختلافاً بين الفقهاء في هذه المسألة ونذكر فيما يلي مذاهبهم وأدلتهم.

أولاً: مذهب الظاهرية:

وعندهم يجب علي الحاكم أن يحكم بعلمه المتحصل عنده خارج مجلس القضاء في الديون والقصاص والأموال والفروج والحدود، وسواء علم بذلك قبل توليه وظيفة القضاء أو بعد توليه القضاء، بل قالوا: إن حكم القاضي بعلمه هو أقوي ما حكم به لأنه يقين. واحتجوا أيضاً بأن الحاكم يحكم بعلمه بالجرح والتعديل بالنسبة للشهود، فكذلك ينبغي أن يقضي بعلمه بين الخصوم، واحتجوا أيضاً بقوله تعالي:”كونوا قوامين بالقسط شهداء لله”، وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره وهو عالم بظلمه، وأن يعلم طلاق امرأة ويترك مطلقها يعاشرها معاشرة الأزواج.

ثانياً: مذهب الشافعية:

وهم يفرقون بين حقوق الآدميين وحقوق الله تعالي، فإذا كانت الدعوي تتعلق بحقوق الآدميين، فعندهم في المذهب الشافعي قولان:

القول الأول: لا يجوز أن يحكم القاضي بعلمه لقوله ﷺ للحضرمي: “شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك”. ولأنه لو جاز له الحكم بعلمه لكان علمه كشهادة اثنين ومن ثم ينعقد النكاح به وحده، ولا قائل به، ولأن الحكم بعلمه يدعو إلي التهمة، وقد يستغله قضاة السوء فيحكمون على البرئ. قال الربيع: كان الشافعي يري القضاء بعلم القاضي ولا يبوح به مخافة قضاة السوء.

القول الثاني: وهو القول الأظهر عند الشافعية وهو اختيار المزني أن القاضي يقضي بعلمه لقوله عليه الصلاة والسلام، كما روي عنه: ” لا يمنع أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذ رآه أو علمه أو سمعه”. ولأنه إذا جاز أن يحكم بما شهد به الشهود، وهو غير متيقن من صدقهم وضبطهم فلأن يجوز أن يحكم بما سمعه ورآه وهو على علم به أولي بالجواز.

أما إذا كانت الدعوي تتعلق بحقوق الله تعالي فعند الشافعية قولان أيضاً، والذي عليه أكثر الشافعية وهو القول الأظهر أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه لقول أبي بكر رضي الله عنه: ” لو رأيت رجلاً على حدَّ لم أحده، أي لم أعاقبه بعقوبة الحد، حتي تقوم البينة عندي” ولأنه مندوب إلى ستره، ولأن الحدود تدرأ بالشبهات.

ثالثاً: مذهب الحنابلة:

وظاهر مذهب الحنابلة أن القاضي لا يقضي بعلمه في حدَّ ولا غيره، وسواء ما عمله قبل توليه القضاء أوبعده. والحجة لظاهر مذهب الحنابلة قول النبي ﷺ “إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمعه”. فدل على أنه إنما يقضي بما يسمع لا بما يعلم. وقال ﷺ في قضية الحضرمي والكندي: ” شاهداك أو يمينه، ليس لك منه إلا ذلك”. ومعني الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال للمدعي:” قدّم شاهديك لتثبت دعواك، فإن لم يكن عندك شاهدان، فلك تحليف خصمك اليمين.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه تداعي عنده رجلان فقال له أحدهما: أنت شاهدي. فقال: إن شئتما شهدت ولم أحكم، أو أحكم ولا أشهد. واحتجوا أيضاً بأن القضاء بعلم القاضي يؤدي إلى تهمته كما قد يؤدي إلى الحكم بما يشتهي.

وردوا علي من أجاز للقاضي القضاء بعلمه محتجاً بأن النبي ﷺ قال لهند امرأة أبي سفيان:”خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف” بأن هذا من رسول الله ﷺ فتيا وليس حكماً بدليل أن النبي ﷺ أفتى في حق أبي سيفان بدون حضوره ولو كان حكماً عليه لم يحكم عليه في غيبته. 

وقالوا أيضاً: إن الاحتجاج بشهادة الشهود مع عدم التيقن بصدقهم يجعل الحكم بعلم القاضي أولي لأنه مبني على اليقين. هذا الاحتجاج غير مقبول عند الحنابلة ويردونه بقولهم: إن الحكم بشهادة الشهود العدول لا يفضي إلي التهمة بخلاف حكم القاضي بعلمه. وأما جواز حكم أهل العلم بعلمهم في الجرح والتعديل بالنسبة لرواة الأحاديث، فهذا إنما جاز ليقطع التسلسل لأنه إذا لم يعملوا بعلمهم يلزم من ذلك التسلسل لأن كل مزكٍ يحتاج إلى من يزكيه.

رابعاً: مذهب الحنفية:

قالوا: يحكم  القاضي بعلمه في حقوق العباد إذا استفاد هذا العلم في أثناء ولايته القضاء. أما في الحدود الخالصة لله تعالي مثل حدّ الزنا وشرب الخمر فلا يقضي بعلمه استحساناً، إلا في السرقة فيقضي بالمال دون قطع يد السارق. وفي القصاص وحدّ القذف يحكم القاضي بعلمه.

أما إذا علم القاضي بواقعة قبل توليه القضاء ثم عرضت عليه الواقعة بعد توليه القضاء، فعلي قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقضي بعلمه، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يقضي بعلمه. ولو علم بحادثة في بلد ليس هو قاضٍ فيه ثم رجع إلى بلده الذي هو قاضي فيه ثم رفعت إليه تلك الحادثة وأراد أن يقضي بعلمه فهو على الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه.

وقد لخص الفقيه الحنفى الشهير ابن عابدين مذهب الحنفية في هذه المسألة بعبارة وجيزة مختصرة فقال: وأصل المذهب الجواز بعمل القاضي بعلمه، والفتوي علي عدمه في زماننا لفساد القضاة. وفي الأشباه والنظائر لابن نجيم: الفتوي علي عدم العمل بعلم القاضي في زماننا.

خامساً: مذهب المالكية:

ذهب الإمام مالك وأكثر أصحابه إلي أن القاضي لا يقضي بعلمه في أي مدعي به سواء علمه قبل توليه القضاء أو بعده.

وحجة المالكية قول رسول الله ﷺ:”إنما أنا بشر مثلكم وأنكم تختصمون إليَّ …” الحديث. فدل ذلك على أن القضاء يكون – كما يقول القرافي – بحسب المسموع لا بحسب المعلوم.

واحتجوا أيضاَ بقوله ﷺ :”شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك” فحصر الحجة في البينة واليمين دون علم الحاكم.

واحتجوا أيضاً بأن القاضي إذا قتل أخاه بحجة علمه بأنه قاتل أنه كالقتل العمد لا يرث منه شيئاً للتهمة في الميراث فنقيس عليه بقية الصور بجامع التهمة.

مناقشة الأقوال وأدلتها:

  • حديث: إنكم تختصمون إليَّ …” إلخ الذي احتج به الحنابلة وغيرهم، وقالوا: قد ورد فيه: “فأقضي على نحو ما أسمع” ولم يقل ﷺ بما أعلم. يمكن أن يجاب عليه بأن التنصيص علي السماع لا ينفي كون غيره – مثل علم القاضي – طريقاً صحيحاً أيضاً للحكم، بل يمكن أن يقال إن هذا الحديث الشريف حجة للمجيزين لأن العلم أقوي من السماع، لأنه يمكن بطلان ما سمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه، ففحوي الخطاب تقتضي جواز القضاء بعلم القاضي.
  • الحديث الشريف الذي فيه :”شاهداك أو يمينه وليس لك إلا ذلك” الذي احتج به بعض المانعين، يمكن أن يجاب عليه بأن التنصيص على ما ذكر لا ينفي على ما عداه وعبارة “ليس لك إلا ذلك” لا تدل على أن النبي ﷺ قد علم المحق من المبطل حتي تكون هذه العبارة دليلاً علي عدم حكم الحاكم بعلمه، بل المراد من هذه العبارة أن المدعي ليس له من المدعي عليه المنكر إلا اليمين ما دام ليس للمدعي بينة.
  • قال الفقيه الشوكاني: إن ما جعله الشارع أسباباً للحكم كالشهود واليمين والنكول عن اليمين ونحوها إن كانت أموراً تعبدنا الله بها لا يسوغ لنا الحكم إلا بها ولا يسوغ لنا الحكم بغيرها، فيجب في هذه الحالة الوقوف عندها وعدم تجاوزها. وإن كانت أسباباً يتوصل بها إلي معرفة المحق من المبطل – وهذا هو واقعها – فإنه يجوز الحكم بعلم القاضي لأن علمه طريق لمعرفة المحق أقوي من طريق الشهادة التي تفيد الظن، بينما علم القاضي يفيد اليقين أو ما هو أقوي من الظن قطعاً.

القول الراجح:

الراجح هو عدم جواز حكم القاضي بعلمه المتحصل عنده خارج مجلس القضاء لما يأتي:

أولاً: الأحاديث التي احتج بها المانعون أقوي في الدلالة لقولهم من الأحاديث التي احتج بها المجيزون لقولهم.

ثانياً: الآثار الكثيرة المروية عن الصحابة الكرام والدالة على منع الحاكم من الحكم بعلمه، والصحابة أعلم من غيرهم بمقاصد الشريعة المعاني المرادة بأحاديث رسول الله ﷺ. فقد ثبت عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس المنع من ذلك ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف. وقد ذكرنا الخبر المروي عن أبي بكر رضي الله عنه حيث قال: لو وجدت رجلاً على حدَّ من حدود الله لم أحدَّه حتي تقوم البينة عندي. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: أرأيت لو رأيت رجلاً يقتل أو يسرق أو يزني؟ قال: أري شهادتك شهادة رجل من المسلمين. قال عمر: أصبت. وعن علي رضي الله عنه مثله. وهذا كله من فقه الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أفقه الأمة وأعلمهم بمقاصد الشرع وأحكامه وحكمته. ومن حكمته أن التهمة مؤثرة في الأحكام وهذا هو الدليل الآخر الذي يرجح ما رجحناه ونذكره فيما يلي.

ثالثاً: اعتبار التهمة، فالتهمة ينظر إليها في الشرع ويقام لها وزن واعتبار وتؤثر في ترتيب الأحكام، ولهذا فهي تؤثر في الشهادات والأقضية والأقارير، وفي طلاق المريض. ومن هنا لم تقبل بعض الشهادات مع أن أصحابها عدول لا يقدح في عدالتهم سوي تهمة التأثر بالقرابة أو العداوة بين الشاهد والمشهود عليه. وكذلك لا يقضي القاضي إلى من لا تقبل شهادته له للتهمة، أي خوفاً من انحيازه في الحكم إلي المقضي له لقرابة بينهما ونحو ذلك، كما لا يقبل حكم القاضي لنفسه للتهمة. ولا يصح إقرار المريض مرض الموت للتهمة، ولا يقبل قول المرأة على ضرتها أنها أرضعتها للتهمة.

ولقد كان النبيﷺ، وهو سيد الحكام، يعلم من المنافقين ما يبيح دماءهم وأموالهم ولا يحكم بينهم بعلمه مع براءته ﷺعند الله وملائكته وعباده من كل تهمة لئلا يقول الناس إن محمد يقتل أصحابه.

رابعاً: منع القاضي من الحكم بعلمه، يقطع الطريق على حكام السوء ويمنعهم من الحكم على البرئ المستور لعداوة بينهم وبينه، أو تنفيذاً لأهوائهم أو طاعة لولي الأمر الظالم فلا يستطيعون أن يحكموا على برئ بحجة علمهم. وما أحسن قول الإمام الشافعي رحمه الله:” لولا قضاة السوء لقلنا إن للحاكم أن يحكم بعلمه”. وهذا ما انتهي إليه ابن عابدين الحنفي إذ قال: “وأصل المذهب – أي المذهب الحنفي – الجواز بعمل القاضي بعلمه، والفتوي علي عدمه في زماننا لفساد القضاة” وهذا أيضاً ما انتهي إليه الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري، بعد أن استعرض أقوال المجيزين والمانعين حيث ختم قوله ومناقشاته مرجحاً قول المانعين، فقال:”فيتعين حسم مادة تجويز القضاء بالعلم – أي بعلم القاضي”.

خامساً: ما يقدمه الخصوم لإثبات الدعوي أو دفعها يمكن مناقشته والنظر فيه وتقويمه قبل أن يصدر الحكم، أما إذا جوزنا للقاضي الحكم بعلمه فإن معني ذلك أنه يصدر الحكم بناء على هذا العلم دون أن يتمكن الخصوم من مناقشة ما استند إليه القاضي أو الطعن فيه وبيان ما يرد عليه أو ينقضه مع احتمال ذلك كله، لأن علم القاضي الذي يحصل عليه خارج مجلس القضاء معرض للخطأ لأنه غير معصوم وما يعلمه عن طريق السمع أو الرؤية قد يتطرق إليه الخطأ في هذا المسموع أو المرئي لعدم ضبطه ما سمع أو ما رأي أو لعدم إحاطته بالقرائن والظروف والأحوال التي صدر فيها المسموع أو المرئي، أو لعدم انتباه القاضي انتباهاً كافياً لما سمع أو لما رأي مما قد يفوت عليه بعض ما سمع أو ما رأي فيكون علمه ناقصاً وبالتالي حكمه غير صحيح، وهذا كله إذا نزهنا القاضي عن الهوي والابتعاد عن مظان الاتهام. ففي تجويز الحكم للقاضي بعلمه مع هذه الاحتمالات الواردة ظلم للمحكوم عليه وإجحاف بحقه في الدفاع عن نفسه وتفويت لحقه في مناقشة ما استدل به القاضي في حكمه. وهذا كله يدعو إلي منع القاضي من الحكم بعلمه المتحصل عنده خارج مجلس القضاء.

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV