جلسة 6 من يونيو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عادل محمود زكى فرغلي، وكمال زكى
عبد الرحمن اللمعى، ود. فاروق عبدالبر السيد إبراهيم، وعلى فكرى حسن صالح، والسيد محمد السيد الطحان، وغبريال جاد عبد الملاك، ود. حمدى محمد أمين الوكيل، ويحيى
عبد الرحمن أبو يوسف، وممدوح حسن يوسف، ومحمد عادل حسن إبراهيم حسيب.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ أحمد الشحات
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 6316 لسنة 43 قضائية عليا:
طوائف خاصة من العاملين ــ عاملون بالهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان ـ توفير سكن مجانى للعاملين ــ استحقاق بدل سكن لمن لا يحصل على سكن مجانى.
المواد (8، 40، 64، 117) من الدستور المصرى.
المواد (1، 4، 6، 16مكرر) من قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بإنشاء الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان.
المادة (17) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالى الصادرة بالقرار الوزارى رقم 45 لسنة 1966.
أوجب الدستور المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة وحظر التفرقة بينهم لأى سبب كان، وأسند إلى القانون بيان أحكام موازنات الهيئات العامة ــ القرار الجمهورى بإنشاء الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان أسند إلى مجلس إدارتها وضع نظمها ولوائحها الخاصة وقضى باستمرار العمل بلوائح الهيئة العامة لبناء السد العالى إلى حين صدور لوائح جديدة للهيئة ــ وضعت المادة (17) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالى على عاتق الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان توفير سكن جماعى للعاملين فى أسوان فى ضوء الظروف والإمكانيات، وأوجبت على رئيس مجلس إدارتها تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يحصل على سكن مجانى ــ جاء نص المادة (17) من اللائحة المشار إليها صريح الدلالة على أن السكن المجانى هو الذى يُمنح فى ضوء الظروف والإمكانيات، أما بدل السكن فإنه التزام يقع على عاتق الهيئة تقديره وصرفه لكل عامل لم يحصل على سكن مجانى، فليس فى تقديره أية سلطة تقديرية للإدارة ــ القول بغير ذلك يؤدى إلى التفرقة بين ذوى المراكز المتماثلة دون مبرر، إذ سيؤدى إلى حصول البعض على سكن مجانى وحرمان الباقين منه ومن أى ميزة تقابله ـ سلطة الهيئة فى تقرير بدل السكن للعاملين الذين لم يحصلوا على سكن مجانى تعد سلطة مقيدة لا تملك الهيئة إزاءها خياراً فى المنح أو المنع، وبالتالى فإنها تلتزم بأن تقدر هذا البدل وأن تدرج فى ميزانيتها الاعتماد المالى اللازم لصرفه للعاملين المستحقين له وفقاً لقواعد العدالة ومع مراعاة المساواة وتكافؤ الفرص بين العاملين ذوى المراكز المتماثلة إعمالاً لأحكام الدستور ــ لا يصح الخلط بين القرار الصادر بمنح البدل والتزام الإدارة بإصداره بموجب قاعدة تلزمها بذلك وبين التنفيذ، إذ لا يجوز للإدارة أن تمتنع عن إصدار القرار بحجة عدم توافر المال اللازم، إذ يتعين عليها أن تصدع لحكم القانون فتصدر القرار ثم تسعى إلى توفير الاعتماد المالى لتنفيذه بإدراجه فى موازنتها وإلا كان لها أن تعطل ما تشاء من أحكام القانون بالامتناع عن إصدار القرارات اللازمة لتطبيقه بحجة عدم توافر الاعتمادات بعد أن تتقاعس عن إدراجها فى ميزانيتها ــ تطبيق.
بتاريخ 31/8/1997ــ أودع الأستاذ / مالك بحر سعيد، المحامى المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته نائبًا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 6316 لسنة 43ق. عليا، وذلك طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بقنا بجلسة 24/7/1997 فى الدعوى رقم 1334 لسنة 2ق. الذى قضى فى منطوقه (أولاً: بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة لوزير المالية وإخراجه منها بلا مصروفات، ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار السلبى بامتناع المدعى عليه عن تقرير بدل سكن للمدعين، مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة المدعى عليها المصروفات).
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن ــ للأسباب الواردة به ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل فى الموضوع، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدهم وإلزامهم المصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا فى الطعن انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الهيئة الطاعنة المصروفات.
وتداولت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا ــ الدائرة الثانية ــ نظر الطعن، وبجلسة 22/5/2000 قررت إحالته الى المحكمة الإدارية العليا ــ الدائرة الثانية موضوع ـ وحددت لنظره أمامها جلسة 17/6/2000، وتداولت المحكمة نظر الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/10/2000 قررت الدائرة الثانية موضوع إحالته إلى الدائرة السابعة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص، وحددت لنظره أمامها جلسة 7/1/2001، فنظرته على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 30/9/2001 قررت إحالته إلى الدائرة المنصوص عليها بالمادة 54 مكرر من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 للعدول عن مبدأ سابق أقرته الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا فى حكمها الصادر بجلسة 4/7/1998 فى الطعن رقم 3155 لسنة 40ق. بعدم صرف بدل سكن للعاملين بهيئة السد العالى وخزان أسوان الذين لم يحصلوا على سكن مجانى إذا لم يتوافر الاعتماد المالى اللازم لصرف بدل السكن.
وقد نظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 7/2/2002 وتداولت نظره بالجلسات، وأثناء المرافعة أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى، ارتأت فيه العدول عن المبدأ السابق تقريره فى الطعن رقم 3155 لسنة 40ق. عليا، وبجلسة 7/3/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/6/2002، وصرحت بتقديم مذكرات خلال شهر، وفى هذا الأجل لم تقدم أية مذكرات، وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق المودعة ملف الطعن ـ فى أن المطعون ضدهم أقاموا فى 31/8/1994 الدعوى رقم 1334 لسنة 2ق أمام محكمة القضاء الإدارى بقنا بطلب الحكم بصفة أصلية بأحقيتهم فى صرف بدل السكن العادل بالنسبة التى تقدرها المحكمة من الأجر الأساسى أو بداية ربط الفئة الوظيفية مع صرف المتجمد طبقًا لقاعدة التقادم الخمسى، وبصفة احتياطية بندب خبير لتقدير النسبة أو المبلغ المستحق لهم كبدل سكن وإلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأوضح المدعون فى صحيفة الدعوى أنهم من العاملين بالهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان الخاضعين لأحكام لائحة العاملين بالهيئة، وأن الهيئة لم تتمكن من توفير سكن مجانى لهم وفى ذات الوقت لم تصرف إليهم بدل سكن مع أن اللائحة تلزمها بذلك، وأضاف المدعون أن هذا المسلك مؤداه تمتّع بعض العاملين بالهيئة بميزة السكن المجانى وحرمان الباقين من تلك الميزة ومن البدل المستحق عنها رغم تماثل المراكز القانونية وهو ما يعنى تميُّز بعض العاملين دون سند من القانون.
وبعد تحضير الدعوى بهيئة مفوضى الدولة أودعت تقريرًا انتهى ـ لأسبابه ـ إلى قبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار السلبى بامتناع الهيئة المدعى عليها الأولى عن صرف بدل السكن المقرر للعاملين بها مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزامها المصروفات.
وجرى تداول الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بقنا على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 24/7/1997 أصدرت حكمها سالف الذكر وحاصله “إلغاء القرار السلبى بامتناع المدعى عليه عن تقدير بدل سكن المدعين”، واستندت المحكمة فى ذلك إلى نصوص المواد 1و4 و6 و16 مكرراً من قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بشأن الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان، والمادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة الصادرة بالقرار الوزارى رقم 45 لسنة 1966، وأكدت فى حيثيات حكمها أن إسكان العاملين وأسرهم بالمجان هو الذى يخضع لمقتضيات الظروف ويتوقف على إمكانيات الهيئة، أما تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يتمتعون بسكن مجانى فهو أمر وجوبى لا تتمتع الهيئة بصدده بسلطة تقديرية، وأن رئيس مجلس الإدارة ملزم بموجب النص بتقدير بدل السكن لمن لا يتمتعون بسكن مجاني، وأن القول بغير ذلك من شأنه حرمان بعض العاملين من ميزة السكن المجانى ومن بدل السكن المستحق عنها رغم تماثل المراكز القانونية بما يتعارض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه فى الدستور، ولذلك انتهت المحكمة إلى أنه طالما خلت الأوراق مما يفيد عجز الهيئة المدعى عليها أو عدم قدرتها على تدبير الاعتماد المالى اللازم لصرف بدل سكن للمدعين، فإن امتناعها عن الصرف يكون غير قائم على سند صحيح من القانون.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً من الطاعن فقد بادر إلى إقامة الطعن رقم 6316 لسنة 43 ق. عليا ناعياً على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، وذلك للأسباب الواردة بتقرير الطعن، وحاصلها أن نص المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة المقرر للسكن المجانى وبدل السكن وُضع لمواجهة إنشاء السد العالى بهدف ترغيب العاملين فى العمل بالسد وأن تلك الظروف تغيرت على وجه لم يعد يستدعى توفير السكن العينى أو منح بدل عنه، وأن ميزانية الهيئة لم تدرج بها أى اعتمادات مالية لصرف بدل سكن، وأن الهيئة تملك سلطة تقديرية فى توفير السكن العينى وفى صرف بدل السكن، وأنها لم تفرق فى منح السكن العينى، وإنما منحت هذا السكن للعاملين وقت إنشاء السد عندما كان متوفراً، وأنه إذا كان الدستور يوجب المساواة فإنه يحظر تجاوز الاعتمادات الواردة فى الموازنة، وأن قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية ألغى القرارات الصادرة بالمخالفة لأحكامه وحظر الإعفاء من مقابل السكن إلا فى الحالات التى تقتضيها مصلحة العمل بأن يستهدف الإعفاء ترغيب العاملين فى العمل بجهات محددة أو كان العمل بجهة نائية أو كان بجهة لا يتوافر فيها سكن غير حكومى مناسب أو كان راتب العامل لا يتجاوز خمسة عشر جنيهًا، وتلك أمور لا تتوافر فى حق المطعون ضدهم.
وبعد تحضير الطعن أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا فى موضوعه انتهى إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا لأسباب حاصلها وجوب إعمال صريح النص وعدم جواز إسقاط الحكم لمجرد تغير الظروف التى صدر فى ظلها والاعتداد بعلة النص دون حكمته وأن المشرع خوَّل الإدارة سلطة تقديرية فى توفير السكن العينى ولم يُخَوِّلها ذات السلطة فى صرف بدل السكن عند عدم القدرة على توفير السكن العينى، وأن التماثل فى المراكز القانونية يستوجب معاملة واحدة وأن العاملين بالهيئة الطاعنة يستمدون حقهم فى بدل السكن من لائحة العاملين بها وليس من أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بشأن المساكن الحكومية.
ومن حيث إن الطعن نُظر أمام دائرة نظر فحص الطعون (الدائرة الثانية) على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 22/5/2000 قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا ــ الدائرة الثانية (موضوع) وإحالته بجلسة 28/10/2000 إلى الدائرة السابعة (موضوع) للاختصاص، فقررت بجلسة 30/9/2001 إحالته إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها بالمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 للأسباب المبينة بمحضر الجلسة، وحاصلها أن الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 4/7/1998
فى الطعن رقم 3155 لسنة 40ق بأن سلطة رئيس مجلس إدارة الهيئة فى تقدير بدل السكن للعاملين، فى حالة عدم توفير السكن المجانى، وفقًا للمادة 17من لائحة العاملين بالهيئة، رهينة بتوافر الاعتماد المالى، وأن قراره بصرف بدل السكن وتقديره يصبح غير جائز قانونًا ولا يقبل التنفيذ فى حالة عدم توافر الاعتماد لانطوائه على تحميل للميزانية بأعباء مالية لم يدرج لها الاعتماد المالى اللازم للوفاء بها، الأمر الذى يعنى تعذُّر تطبيق حكم المادة 17 المشار إليها، وأن هذا القضاء يتعارض مع صريح نص المادة 17 الذى يعنى تعليق السكن المجانى على الظروف والإمكانيات وإلزام رئيس الهيئة بتقدير بدل السكن لمن لا يحصل على سكن عينى مجانى كتعويض عن الحرمان منه بما يؤدى إلى المساواة بين العاملين ذوى المراكز المتماثلة، ولأن تدبير الاعتماد المالى لا يُعَدُّ ركنًا أساسيًا من أركان القرار الإدارى، وإنما هو عقبة تتعلق بتنفيذ القرار بعد صدوره صحيحًا، وبالتالى يتعين على الجهة الملزمة قانونًا بإصدار القرار أن تصدره صحيحًا ومطابقًا للقانون، ويتعين على الجهات المختصة بالتنفيذ أن تنشط بكافة الوسائل إلى تدبير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ القرار، وأن القول بغير ذلك إنما يشكل خلطاً بين إصدار القرار الذى يستوجبه القانون وبين طريقة تنفيذه، ويسند مهمة تفسير الروابط القانونية إلى الجهة المنوط بها التنفيذ إن شاءت نفذت القرار وإن شاءت ألغته ضمناً لتعفى من كافة الآثار المترتبة عليه.
ومن حيث إن المادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه “إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها إحالة الطعن إلى دائرة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشارًا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه ……” وكان مناط إعمال هذا النص تعارض الأحكام أو العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة، وكانت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) قد ذهبت فى حكمها الصادر بجلسة 4/7/1998 فى الطعن رقم 3155 لسنة 40ق إلى أن سلطة رئيس مجلس الإدارة فى تقدير بدل السكن للعاملين طبقًا لنص المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة رهينة بتوافر الاعتماد المالى اللازم للصرف وكانت الدائرة السابقة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا قد رأت العدول عن هذا المبدأ للأسباب السالف ذكرها فإن إحالة الطعن إلى هذه الدائرة يكون سليمًا ومطابقًا للقانون.
ومن حيث إن النزاع فى الطعن الماثل يدور حول مدى أحقية العاملين بالهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان فى بدل السكن إذا كانوا يعملون بأسوان ولم يحصلوا على سكن مجانى وذلك فى حالة عدم وجود اعتماد مالى بموازنة الهيئة يكفى للصرف.
ومن حيث إن الدستور الصادر فى 11/9/1971 ينص فى المادة الثامنة على أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين”. وينص فى المادة أربعين على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا يميز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. وينص فى المادة الرابعة والستين على أن “سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة”. وينص فى المادة (117) على أن “يحدد القانون أحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها”. ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بشأن الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان ينص فى المادة الأولى على أن “تنشأ هيئة عامة يطلق عليها اسم الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان يكون مقرها مدينة أسوان وتكون لها شخصية اعتبارية وتتبع وزير الري”. وينص فى المادة الرابعة على أن “يتولى إدارة الهيئة مجلس إدارة يشكل على الوجه التالى : رئيس مجلس إدارة الهيئة …….. رئيسًا ….”. وينص فى المادة السادسة على أن “يكون لمجلس الإدارة السلطات اللازمة لإدارة شئون الهيئة وتحقيق أغراضها ومباشرة اختصاصاتها وعلى الأخص ما يأتى: (1) وضع النظم واللوائح الداخلية والقواعد التى تجرى عليها الهيئة فى شئونها الفنية والإدارية والمالية، وذلك دون التقيد بالقواعد الحكومية المعمول بها…”. وينص فى المادة (16 مكرراً) المضافة بالقرار رقم 1241 لسنة 1972 على أنه “إلى أن يتم وضع النظم واللوائح الخاصة بالهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان تسرى عليها النظم واللوائح الداخلية والإدارية والمالية التى تطبقها الهيئة العامة لبناء السد العالى”.
ومن حيث إن المادة (17) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالى الصادرة بالقرار الوزارى رقم 45 لسنة 1966 تنص على أن “تتولى الهيئة إسكان العاملين الذين يعملون فى أسوان وأسرهم بالمجان ويشمل الإسكان تكاليف استهلاك المياه ومقابل استهلاك الأثاث ويتم ذلك وفقًا لمقتضيات الظروف وفى حدود إمكانيات الهيئة ويقدر رئيس مجلس الإدارة بدل السكن المستحق لمن لا يتمتعون بسكن مجاني……..”.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم من نصوص أن الدستور أوجب المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة وحظر التفرقة بينهم لأى سبب كان، وأسند إلى القانون بيان أحكام وموازنات الهيئات العامة وأن قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 أنشأ الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان وأسند لمجلس إدارتها وضع نظمها ولوائحها الخاصة وقضى باستمرار العمل بلوائح الهيئة العامة لبناء السد العالى إلى حين صدور لوائح جديدة للهيئة وبذلك خضع العاملون بالهيئة لأحكام المادة (17) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالى التى وضعت على عاتق الهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان توفير سكن مجانى للعاملين فى أسوان فى ضوء الظروف والإمكانيات وأوجبت على رئيس مجلس الإدارة تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يحصل على سكن مجاني، ذلك أن نص المادة (17) من اللائحة المشار إليها صريح الدلالة على أن السكن المجانى هو الذى يُمنح فى ضوء الظروف والإمكانيات، وأوجبت على رئيس مجلس الإدارة تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يحصل على سكن مجاني، فليس فى تقديره أية سلطة تقديرية للإدارة والقول بغير ذلك إنما يعنى التفرقة بين ذوى المراكز المتماثلة دون مبرر إذ سيؤدى إلى حصول البعض على سكن مجانى وحرمان الباقين منه ومن أى ميزة تقابله، ومن ثَمَّ فإن سلطة الهيئة فى تقرير بدل السكن للعاملين الذين لم يحصلوا على سكن مجانى تعد سلطة مقيدة لا تملك الهيئة إزاءها خيارًا فى المنح أو المنع، وبالتالى فإنها تلتزم بأن تقدر هذا البدل وأن تدرج فى ميزانيتها الاعتماد المالى اللازم لصرفه للعاملين المستحقين له وفقًا لقواعد العدالة ومع مراعاة المساواة وتكافؤ الفرص بين العاملين ذوى المراكز المتماثلة إعمالاً لأحكام الدستور.
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما قررته المحكمة الإدارية العليا فى الطعن
رقم 3155 لسنة 40ق. عليا بجلسة 4/7/1998 من أن تقدير رئيس مجلس الإدارة بدل السكن للعاملين الذين لا يتمتعون بسكن مجانى رهين بتوافر الاعتماد المالى اللازم للصرف فى موازنة الهيئة وإلا أصبح غير جائز ولا يمكن تنفيذه لانطوائه على تحميل للميزانية بأعباء لم تدرج بها وهو ما يعنى تَعذُّر تطبيق حكم المادة (17) المشار إليها لعدم توافر الاعتماد المالى اللازم للصرف فى موازنة الهيئة وإلا أصبح غير جائز ولا يمكن تنفيذه لانطوائه على تحميل للميزانية بأعباء لم تدرج بها، ذلك لأن هذا الاتجاه ينطوى على خلط بين القرار ذاته وبين تنفيذه، فالقرار الإدارى الذى هو إفصاح الإدارة المختصة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانونى ممكن وجائز قانونًا ابتغاء مصلحة عامة يصبح قابلاً للتنفيذ بمجرد اكتمال أركانه من سبب واختصاص ومحل وغاية يستوى فى ذلك أن يكون قرارًا فرديًا أو عامًا فى صورة لائحة تشتمل على قواعد تنظيمية عامة، أما تنفيذه بالفعل فهو الذى يتوقف على الاعتماد المالي، وهو ما يعنى ثبوت أصل الاستحقاق بمجرد صدور القرار صحيحاً رغم عدم توافر الاعتماد، أما صرف المستحقات فعلاً تنفيذاً للقرار فهو عمل مادى وهو الذى يتوقف على توافر الاعتماد ومن ثَمَّ فلا يصح الخلط بين القرار والتزام الإدارة بإصداره بموجب قاعدة تلزمها بذلك وبين التنفيذ، إذ لا يجوز للإدارة أن تمتنع عن إصدار القرار الذى تلزمها القواعد بإصداره، بحجة عدم توافر المال اللازم للتنفيذ، إذ يتعين عليها أن تصدع لحكم القانون فتصدر القرار ثم تسعى إلى توفير الاعتماد اللازم لتنفيذه بإدراجه فى موازنتها وإلا كان لها أن تعطل ما تشاء من أحكام القانون بالامتناع عن إصدار القرارات اللازمة لتطبيقه بحجة عدم توفر الاعتمادات بعد أن تتقاعس عن إدراجها فى ميزانيتها.
ومن حيث إنه لا يُعتبر مما تقدم ما استند إليه تقرير الطعن من أسباب، ذلك لأن وضع النص فى ظل ظروف معينة وبقاءه بعد زوال تلك الظروف لا يؤدى إلى سقوطه أو تعطيله طالما أن المشرع لم يلغه أو يعدله بعد تغير الظروف، بل إن إبقاء المشرع النص على حاله إنما يعنى اتجاه قصده إلى إعماله فى ظل ما استجد من ظروف، ولأنه إذا كان النص قد خَوَّل رئيس الهيئة سلطة تقديرية فى توفير السكن المجانى فانه لم يخُوِّله ذات السلطة فيما يتعلق بالبدل الذى يستمد العامل حقه فيه من النص مباشرةً، وبالتالى لا يحق لرئيس مجلس الإدارة أن يمتنع عن تقديره بأى حجة كانت طالما لم يوفر سكنًا مجانيًا للعامل، ولأن توفير السكن المجانى لفئة من العاملين وحجبه عن باقى العاملين مع حرمانهم من بدل السكن ينطوى على إخلال جسيم بالمساواة فيما بين العاملين ذوى المراكز المتماثلة، ولأن الالتزام بعدم تجاوز الاعتماد المالى لا يبرر الامتناع أصلاً عن توفير الاعتماد اللازم لتنفيذ القانون أو الامتناع عن إدراجه بالميزانية، ولأن العاملين بالهيئة لا يخضعون لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية باعتبارهم عاملين بهيئة عامة، وإذا قيل بخضوعهم له فإنه لن يخاطب سوى الفئة التى مُنحت سكنًا مجانيًا دون باقى العاملين، إذ يظل لهم حق ثابت مستمد من النص مباشرة فى صرف بدل السكن.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم فإنه يكون من المتعين العدول عن المبدأ الذى قضى به فى الطعن رقم 3155 لسنة 40ق. عليا والقضاء باستحقاق العاملين بالهيئة الطاعنة بدل سكن إذا لم توفر لهم الهيئة سكناً مجانيًا والتزام رئيس مجلس إدارة الهيئة بتقدير هذا البدل.
حكمت المحكمة
باستحقاق العاملين بالهيئة الطاعنة بدل السكن إذ لم توفر لهم الهيئة سكناً مجانياً والتزام رئيس مجلس إدارتها بتقدير هذا البدل.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |