مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثالثة – الطعن رقم 45981 لسنة 56 القضائية (عليا)
أغسطس 4, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الحادية عشرة – الطعن رقم 14734 لسنة 59 القضائية (عليا)
أغسطس 4, 2021

الدائرة الخامسة – دعوى المخاصمة المقيدة برقم 37010 لسنة 59 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 2 من سبتمبر سنة 2014

دعوى المخاصمة المقيدة برقم 37010 لسنة 59 القضائية (عليا)([1])
(الدائرة الخامسة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فايز شكري حنين نوار

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ سعيد سيد أحمد القصير، وجعفر محمد قاسم عبد الحميد، وكامل سليمان محمد سليمان، ومحمد محمود عبد الواحد عقيلة

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) دعوى– دعوى مخاصمة القضاة- أفرد المشرع دعوى المخاصمة بقواعد وإجراءات خاصة- الفصل في هذه الدعوى يمر بمرحلتين: (الأولى) مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، و(الثانية): مرحلة الفصل في موضوعها، إذا قُضِيَ بجوازها، وذلك إما برفضها، أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف([2])– حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، منها وقوع الغش أو التدليس، أو الخطأ المهني الجسيم- المقصود بالغش هنا: ارتكاب القاضي الظلم عن قصدٍ، أما الخطأ المهني الجسيم، فهو المنطوي على أقصى درجات الإهمال في أداء الواجب، نتيجة غلطٍ فاضح، أو إهمالٍ مُفرط- يخرج عن نطاق الخطأ المهني الجسيم كلُّ رأيٍ أو تطبيقٍ قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة، ولو خالف فيه أحكام القضاء وآراء الفقهاء- (تطبيق): خطأ المحكمة في التكييف، أو مخالفة المحكمة للمبدأ المستقر عليه قضاءً من عدم جواز الطعن مجددًا بدعوى بطلانٍ أصلية في الحكم الصادر في دعوى البطلان، يدخل في نطاق الاجتهاد في استنباط الحلول القضائية للمسألة القانونية المطروحة، ولا يعد سببًا للمخاصمة.

(ب) دعوى– دعوى مخاصمة القضاة- وازن المشرع في دعوى المخاصمة بين حق القاضي في توفير الضمانات له، وحق المتقاضى في الاطمئنان إلى أن قاضيه مقيدٌ بالعدل في حكمه- رتب المشرع على القضاء بعدم جواز المخاصمة أو رفضها، الحكم على المخاصِم بالغرامة ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجهٌ، كما رتب على القضاء بصحة المخاصمة الحكم على القاضي المخاصَم بالتعويضات والمصاريف وبطلان تصرفه.

(ج) دعوى– دعوى مخاصمة القضاة- دعوى المخاصمة هي دعوى بطلانٍ وتعويض، القصدُ منها بطلان الحكم الصادر عن القاضي أو القضاة المخاصَمين، وسندُها قيام القاضي أو القضاة بعملٍ أو بحكمٍ مشوب بعيبٍ أو أكثر من العيوب التي تضمنتها أسباب المخاصمة- دعوى المخاصمة طريقُ طعنٍ غير عادي في الأحكام، بقصدِ حماية المتقاضين من القاضي الذي يُخلُّ بواجبه إخلالا جسيمًا- قد يقع سبب المخاصمة من قاضٍ بمفرده، كما قد يقع من دائرةٍ بأكملها، ومن ثَمَّ يمكن مخاصمة قاضٍ واحد، أو دائرةٍ بأكملها- لا يجوز اختصامُ قاضٍ بالنسبة للأحكام التي لم يشترك في إصدارها أصلا، ولو كان عضوًا في الدائرة التي أصدرت هذه الأحكام.

(د) دعوى– دعوى مخاصمة القضاة- الفصل فيها- المحكمة التي تفصل في دعوى المخاصمة ليست محكمةَ طعنٍ بالنسبة للحكم الصادر في الخصومة الأصلية، ولا تملك التعليق عليه، من حيث الواقع والقانون، إلا بالقدرِ المتعلق بأوجه المخاصمة؛ لبيانِ ما إذا كان هناك خطأٌ مهني جسيم صدر عن القاضي أو القضاة المخاصَمين.

(هـ) دعوى– طلبات في الدعوى- تكييفها- لئن كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها، واختيار السند القانوني لها، على وفق ما يرونه محققًا لمصالحهم، ومرجحًا قبول القضاء لهم موضوعيا بها، إلا أن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقتها القانونية أمرٌ مرجعه للمحكمة- على المحكمة أن تتعمق في هذه الطلبات وأسانيدها القانونية؛ لتصل إلى التكييف الصحيح لها وتنزل عليها حكم القانون، غير متقيدة بالعبارات أو الألفاظ، التي قد لا تكشف عن حقيقة نوايا الخصوم وغاياتهم- العبرة بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني([3]).

(و) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- إذا قُضِيَ في دعوى البطلان، فإنه لا يجوز الطعن في هذا الحكم بدعوى بطلان جديدة([4]).

– المواد (494) و(496) و(497) و(499) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.

– المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.

الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 27/8/2013 أودع الأستاذ/… (المحامي) بصفته وكيلا عن المخاصِم، قلم كتاب هذه المحكمة تقريرًا بمخاصمة كل من رئيس وأعضاء الدائرة الرابعة (موضوع) في المحكمة الإدارية العليا (المذكورين في مقدمة هذا الحكم)، قُيِّدَ في جدولها العام برقم 37010 لسنة 59 القضائية (عليا)، طالبًا في ختامه: الحكم بجواز المخاصمة وقبولها شكلا، وفي الموضوع: (أولا) ببطلان الحكم الصادر عن المخاصَمين في جلسة 1/6/2013 في الطعن رقم 8728 لسنة 59 القضائية عليا، و(ثانيًا) إلزام المخاصَمين متضامنين أن يؤدوا للمخاصِم تعويضًا مؤقتًا مقداره 501 جنيه، والمصروفات.

وأعلن تقرير الدعوى إلى المستشارين المخاصَمين، على وفق الثابت في الأوراق.

ونظرت الدعوى أمام المحكمة، على وفق الثابت في محاضر جلساتها، وفي جلسة 14/12/2013 أودع القضاة المخاصَمون مذكرةً بالرد على هذه الدعوى، وفي جلسة 4/1/2014 قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 8/2/2014، والتصريح للمخاصِم باستخراج البيان المنوه عنه في محضر الجلسة، وذلك من الأمانة العامة لمجلس الدولة، مع إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، وقد أودعت الهيئة تقريرها، وارتأت فيه الحكم بعدم جواز قبول المخاصمة، ومصادرة الكفالة، وبالغرامة التي تراها المحكمة مناسبةً، وإلزام المخاصِم المصروفات، وبتاريخ 21/6/2014 ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار/ نائب رئيس مجلس الدولة- الأمين العام للمجلس رقم 432 المؤرخ في 19/6/2014 في شأن البيان المطلوب من المخاصِم عن المستشار المخاصَم الأول، وفي جلسة 28/6/2014 قدم وكيل المخاصِم مذكرةَ دفاعٍ تعقيبًا على البيان المذكور، وفي الجلسة نفسِها قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة.

وحيث إن وقائع هذه الدعوى تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 15/9/2004 أصدر مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس في جامعة قناة السويس قراره بمجازاة (المخاصِم) الدكتور/ محمد… (المدرس بقسم اللغة العربية بكلية التربية بالعريش) بالعزل من الوظيفة بالجامعة، مع الاحتفاظ له بالمعاش أو المكافأة حسب الأحوال، وشيَّد المجلس المذكور هذا القرار على أن المخاصِم قد اتُّهِمَ بالرشوة في الجناية رقم 12 لسنة 2002 التي صدر فيها الحكم عن محكمة أمن الدولة العليا بجلسة 25/8/2002، بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالغرامة ألفي جنيه ومصادرة المبلغ المضبوط، وقد تم تنفيذ العقوبة، وأفرج عنه تحت شرط في 10/6/2004، وكانت مدة العقوبة تنتهي في 10/3/2005، ولما كانت هذه الجناية من شأنها المساس بكرامة وهيبة وظيفته بالجامعة، وتتعارض مع التقاليد والقيم الجامعية، التي يتعين على أعضاء هيئة التدريس التمسك بها والحرص عليها، فإنها تشكل ذنبًا إداريا يستوجب المساءلة التأديبية، وإذ انعكست هذه الجريمة سلبًا على وظيفته؛ بحسبان أن ما ارتكبه من شأنه المساس بكرامته ونزاهته وحسن سمعته، فإنه يتعين مجازاته تأديبيا بالعقوبة التي نص عليها القانون لهذا الفعل على سبيل الحصر والتحديد، وهي العزل.

وإذ لم يرتضِ المخاصِم هذا القرار (قرار مجلس التأديب المذكور)، فقد طعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا)، طالبًا فيهما الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وبطلانه، وبراءته مما هو منسوبٌ إليه، وقد نظرت هذين الطعنين الدائرة الخامسة (عليا)، وفي جلسة 14/1/2006 حكمت بقبول الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعًا، وشيَّدت قضاءها على أن قرار إحالة المخاصِم إلى مجلس التأديب صدر صحيحًا؛ استنادًا إلى الحكم الجنائي النهائي الصادر ضده، وقد تمَّت مواجهته أمام مجلس التأديب بالمخالفة المنسوبة إليه، ومن ثم فإنه يكون قد أعلن بالمخالفة المنسوبة إليه، وأن الفعل المنسوب إليه قد ثَبُت في حقه بالحكم الجنائي المشار إليه، الذي صدر بحبسه ثلاث سنوات في جريمة الرشوة واستغلال نفوذ مزعوم لدى أحد القضاة، وهو ما يشكل خروجًا عن مقتضى السلوك الوظيفي اللائق، لاسيما لعضو هيئة التدريس في الجامعة، الواجب عليه التحلي به، ويشكل انحرافًا عن جادة الصواب للموظف الذي يحترم وظيفته ويعلم قدرها، باعتباره قدوة لطلابه، ومن صفوة المجتمع، ومن ثم يتعين أخذه بالشدة الواجبة حال ارتكاب مخالفات خارج وظيفته تشين سلوكه وتدمغه بالانحراف الذي يصل إلى حد سجنه، مما يكون معه قرار مجلس التأديب بمجازاته بالعزل من وظيفته صحيحًا، وقائمًا على سببه في الواقع والقانون، بما لا مجال معه لمعاودة النظر فيه، متعينًا رفض الطعنين الماثلين لانهيار أركانهما.

………………………………………………..

وإذ ارتأى المخاصِم في هذا الحكم شُبهةَ بطلانٍ، فقد أقام أمام المحكمة الإدارية العليا دعوى البطلان الأصلية رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا)، طالبًا فيها الحكم بقبولها شكلا، وفي الموضوع ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا)، والقضاء مجددًا ببطلان قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس الصادر بجلسة 15/9/2004 في الدعوى التأديبية رقم 8 لسنة 2003/2004، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها عودته إلى عمله، وصرف حقوقه المالية، وتعويضه عما لحق به من أضرار.

ونُظِرَت هذه الدعوى أمام الدائرة الرابعة في المحكمة الإدارية العليا، التي حكمت بجلستها المنعقدة في 24/11/2012: (أولا) بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلا، وبطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا). و(ثانيًا) ببطلان القرار الصادر عن مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس الصادر بتاريخ 15/9/2004 في الدعوى رقم 8 لسنة 2003/2004، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب. و(ثالثًا) بسقوط الدعوى التأديبية رقم 8 لسنة 2003/2004 بمضي المدة. و(رابعًا) بعدم قبول ما عدا ذلك من طلبات.

وشيَّدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من مطالعة مسودة الحكم الصادر بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا) أنها موقعةٌ من أربعة أعضاءٍ، في حين أن الثابت من مطالعة أصل الحكم أنه صادرٌ عن خمسة أعضاءٍ، وذلك بالمخالفة لما هو مدون في محضر جلسة النطق بالحكم؛ إذ تبيَّن حذفُ اسم أحد الأعضاء ووضعه بين قوسين، ويليها كلمة (صح)، مما مفاده غيابه عن جلسة النطق بالحكم، ومن ثَمَّ فإن العضو المذكور لم يشترك في المداولة، ولم يوقع مسودة الحكم، أو غاب عن جلسة النطق به، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد صدر عن أربعة أعضاءٍ، بالمخالفة لحكم المادة الرابعة من قانون مجلس الدولة، وهذا الخطأ هو ثمرة غلطٍ فاضحٍ، يكشف بذاته عن أمره، ويقلب ميزان العدالة، على نحو لا يستقيم معه سوى صدور حكمٍ يُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

وفيما يتعلق بقرار مجلس التأديب المشار إليه، فإن الثابت من حافظة مستندات الجامعة أن مجلس التأديب الذي أصدر القرار المطعون فيه كان برئاسة الدكتور/… نائب رئيس جامعة قناة السويس لشئون التعليم والطلاب، وكان في الوقت نفسِه عضوًا في مجلس الجامعة الذي اجتمع بجلسته رقم 206 بتاريخ 29/4/2003، واشترك في موافقة مجلس الجامعة على وقف الطاعن عن العمل طوال فترة حبسه، وحرمانه من نصف أجره عن فترة الحبس الاحتياطي، وحرمانه كذلك من كامل أجره عن فترة الحبس، وأوصى بإحالته إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة فور الإفراج عنه، ومن ثَمَّ فإن رئيس مجلس التأديب يكون قد سبق له أن أبدى رأيًا في الموضوع، مما يجعله غيرَ صالح لنظر الدعوى وممنوعًا من سماعها، وإذ صدر قرار مجلس التأديب المطعون فيه برئاسته، فإنه يكون قد صدر باطلا، ويترتب على ذلك عودة الطاعن إلى عمله، واعتبار مدة خدمته متصلة.

وبالنسبة لطلب سقوط الدعوى التأديبية، أردفت المحكمة أن الثابت في الأوراق أن النيابة العامة اتهمت الطاعن في 10/3/2002 بدائرة قسم ثالث العريش بمحافظة شمال سيناء بأنه طلب وأخذ لنفسه من… مبالغَ مالية لاستعمال نفوذٍ مزعوم للحصول على حكمٍ لمصلحة الأخير، وأمرت بإحالته إلى المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا في القضية رقم 12 لسنة 2002 جنايات، المقيدة برقم 283 لسنة 2002 كلي شمال سيناء، وبتاريخ 25/8/2003 حكمت تلك المحكمة بمعاقبته حضوريا بالحبس ثلاث سنوات، وبالغرامة ألفي جنيه، ومصادرة المبلغ المضبوط، وقد طعن على هذا الحكم أمام محكمة النقض، ونفذ جزءًا من العقوبة، وأُفرِجَ عنه تحت شرطٍ في 10/6/2004، بدلا من 10/3/2005، وبتاريخ 10/6/2004 أصدر رئيس جامعة قناة السويس قرارًا بإحالته إلى مجلس تأديبِ أعضاء هيئة التدريس بهذه الجامعة، الذي قرر في جلسته المنعقدة بتاريخ 15/9/2004 بمجازاته بالعزلِ من الخدمة، فطعن على هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا)، التي حكمت فيهما بجلسة 14/1/2006 بقبولهما شكلا، ورفضهما موضوعًا، ومن ثَمَّ فإن إجراءات المحاكمة تكون قد انتهت في 15/9/2004، وإذ انقضت مدة ثلاث سنوات على تاريخ هذه المحاكمة، فإن الدعوى التأديبية تكون قد سقطت بمضي المدة.

أما عن طلب التعويض فقد أضافت المحكمة أن الطاعن لم يسلك في شأنه الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله لعدم اتباع الطريق الذي رسمه القانون.

………………………………………………..

وإذ لم يلقَ هذا الحكم قبولا لدى جامعة قناة السويس، فقد أودع وكيل رئيس هذه الجامعة (بصفته) بتاريخ 23/1/2013 قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن على الحكم المشار إليه، قُيِّدَ في جدولها العام برقم 7828 لسنة 59 القضائية (عليا)، طالبًا فيه الحكم بقبوله شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الملتمس فيه، وإعادة النظر فيه، والقضاء بتأييد الحكم الصادر في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا).

وقد نظرت هذا الطعن الدائرة الرابعة (عليا)، وفي جلسة 1/6/2013 حكمت بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/11/2012 في الدعوى (الطعن) رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا)، على النحو المبين في الأسباب، وشيَّدت قضاءها -بعد تكييفها طلبات الطاعن على أنها دعوى بطلان أصلية، يهدف منها الطاعن إلى إلغاء الحكم المطعون فيه بالبطلان- على أن الثابت من الاطلاع على مسودة الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا) أن العضو المقرر الذي كتبه بخط يده، هو المستشار/ علي…، بناءً على تأشيرة المستشار رئيس المحكمة الذي أحاله إليه بتوقيعه على هذه الإحالة بواجهة (الشميز) المتضمن أصل الحكم ومسودته ومحاضر الجلسات والرول الخاص برئيس المحكمة، وأن المقرر المذكور كتب على هذا (الشميز) عبارة: “تم التصحيح ص4″، وأشرَّ رئيس المحكمة بتوقيعه على أنه تمَّت المداولة، وأن مسودة الحكم قد تضمنت أربعة توقيعات متتالية وتوقيعا خامسا بدا مَحوُه جهة اليمين، وأن التوقيع الذي مُحِيَ من مسودة الحكم بدا مَحوُه كذلك من ورقة الرول الخاصة برئيس المحكمة، وقد تبيَّن للمحكمة بيقينٍ لا يخالطه الشكُّ أن التوقيع البادي مَحوُه هو خاص بالمستشار المقرر/ علي…، الذي أعدَّ مسودة الحكم، وإذ لم يقدم الطاعن أيَّ دليلٍ يثبت أن محو توقيع العضو الخامس بالدائرة التي أصدرت الحكم كان سابقًا على صدوره، فلا مناصَ من استصحاب الأصل العام في الإجراءات باعتبار أنها قد رُوعِيت، وأن الحكم الصادر عن المحكمة قد صدر صحيحًا.

ومما يؤكد صحته -فضلا عما تقدم- أنه قد مضى على صدوره أكثر من ثلاث سنوات، انفصل خلالها عن المحكمة التي أصدرته وتداولته إداراتٌ مختلفة، آخرها إدارة الحفظ، بحيث يضحى من العبث القول بأنه قد صدر عن تشكيلٍ غير مكتمل، فإذا ما أُضِيف إلى ذلك أن هذا الحكم قد صدر برفض الطعنين، وكانت القاعدة أن الأحكام الصادرة بالرفض لا سبيل للحصول على صورةٍ تنفيذيةٍ منها، فكيف تأتى للطاعن الاطلاع على مسودةِ هذا الحكم بعد مرور ما يزيد على ثلاث سنوات على صدوره، ثم القول بأنه قد شابه البطلان، إلا أن يكون ذلك محاولةً منه لاصطناع دليلٍ على بطلان هذا الحكم، أعانه عليه آخرون، ومن ثم فما كان يسوغ التعرض له بإبطاله.

وأردفت المحكمة أنه متى كان ما تقدم، فإن الحكم الصادر عن هذه المحكمة بجلسة 24/11/2012 في الدعوى رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا)، المطعون فيه بالطعن الماثل، إذ قضى ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا)، وبطلان القرار الصادر عن مجلس التأديب بعزل المطعون ضده، وبسقوط الدعوى التأديبية قِبله، يكون قد صدر مشوبًا بعيوبٍ جسيمة، تهبط به إلى درك الانعدام؛ لأنه أبطل حكمًا للمحكمة الإدارية العليا صار عنوانًا للحقيقة، بل هو الحقيقة ذاتها، لأسبابٍ غير سائغة، ثم أبطل قرار مجلس التأديب لسببٍ لم يكن مطروحًا أمام المحكمة الإدارية العليا عند نظرها الطعن فيه باعتبارها محكمةَ طعنٍ، ثم قضى بسقوط الدعوى التأديبية قِبل المطعون ضده، في الوقت الذي يعد فيه استمرار إجراءات التقاضي حتى الآن بمثابة إجراءاتٍ قاطعة للتقادم، وأن المحكمة بما وُسِّدَ لها من اختصاصٍ في الرقابة على أحكام مجلس الدولة؛ تحقيقًا للشرعية وسيادة القانون، وبما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته، لا يسعها إلا التأكيد على صحة الحكم الصادر عنها بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا)، الذي لم يقم من الموجبات -على ما سلف الإيضاح- ما يقتضي بطلانه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل -والأمر كذلك- ليس سوى عقبة أمام حكمٍ باتٍّ حاز قوة الأمر المقضي، مما يتعين معه الحكمُ ببطلانه.

………………………………………………..

وإذ تراءى للمخاصِم أن الحكم الصادر عن هيئة المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) -المشكلَة من القضاة المخاصَمين- في دعوى البطلان الأصلية رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا) بجلسة 1/6/2013 قد انطوى على غشٍّ وتدليسٍ، وصدر عن دائرةٍ انحرفت بقضائها عما يقتضيه القانون بسوء نيةٍ، لاعتباراتٍ خاصة تتنافى مع النزاهة من المخاصم؛ لإنذاره رئيس وأعضاء الدائرة على يد محضر للفصل في الالتماس المطروح أمامهم، لأن تأخيرهم الفصل فيه يعد إنكارًا للعدالة، مما يستوجب المساءلة، ويرى المخاصِم أن تلك المحكمة قد وقعت في خطأٍ مهني جسيم، شاب الحكم الذي أصدرته ضده في الطعن المشار إليه، لذا فقد أقام دعوى المخاصمة الماثلة ضد رئيس وأعضاء هيئتها، مدعيًا أن أوجه هذا الخطأ تمثلت في:

(أولا) أن المحكمة لم تتقيد بطلبات جامعة قناة السويس في دعوى التماس إعادة النظر رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا) في الحكم الصادر في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 24/11/2012، وخلصت إلى تكييف هذه الطلبات بأنها دعوى بطلانٍ أصلية في حكمٍ صادر في دعوى بطلان أصلية، مما يرى معه المخاصِم أن هذا يعد خروجًا عن صحيح حكم القانون، ومخالفًا للمبادئ القضائية المستقرة، وإهمالا جسيمًا من القضاة المخاصَمين في أداء عملهم، لا يقع من القاضي ذي الحرص العادي على أعمال وظيفته.

(ثانيًا) أن الحكم الصادر عن القضاة المخاصَمين قضى ببطلان حكمٍ صادر عن المحكمة الإدارية العليا موافق لصحيح حكم القانون، في حين أن أحكام هذه المحكمة غير جائز الطعن عليها، إلا إذا انتفت عنها صفة الأحكام القضائية، وهو ما لم يتحقق في الحكم المقضي ببطلانه، مما يرى معه المخاصِم أن الحكم الصادر عن المخاصَمين انطوى على خطأٍ فادح، وجهلٍ بالمبادئ القانونية بالوقائع الثابتة بملف الدعوى.

(ثالثًا) أن المخاصِم إذا كان قد أقام دعوى البطلان الأصلية رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا)، التي قضت الدائرة المشكلة من المخاصَمين ببطلان الحكم الصادر فيها بجلسة 24/11/2012، فقد سلك الطريق القانوني لبطلان حكمٍ شابه الانعدام، وهو الحكم الصادر في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا) بجلسة 14/1/2006، ولبطلان قرار مجلس التأديب المطعون فيه، وأضاف المخاصِم أنه لما كان الخطأ الذي ارتكبه القضاة المخاصَمون يرقى إلى الغش والتدليس في عملهم، وألحق به أضرارًا جسيمة تمثلت في إهدار حقوقه، ومنعه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الطعن المشار إليه، وحال دون تسلم عمله في الجامعة المذكورة، فقد أقام دعوى المخاصمة الماثلة بطلباته المبينة سالفًا.

………………………………………………..

وحيث إنه يبين من الاطلاع على نصوص المواد (494) و(496) و(497) و(499) من قانون المرافعات المدنية والتجارية -وهو القانون المطبق في شأن إجراءات وشروط مخاصمة قضاة محاكم مجلس الدولة، طبقًا لحكم الإحالة المنصوص عليه في المادة الثالثة من القرار بقانون رقم (47) لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة- أن المشرع قد أفرد دعوى مخاصمة القضاة بقواعد وإجراءات خاصة، بقصد توفير الضمانات للقاضي في عمله، وأحاط ذلك بسياج من الحماية؛ بما يجعل القضاة في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل منهم، والمساس بكرامتهم وهيبتهم، بمقاضاتهم لمجرد التشهير بهم، ومن ثَمَّ وجب الالتزام بأحكام تلك القواعد الخاصة، والتي من بينها أن الفصل في دعوى المخاصمة يتم على مرحلتين:

(الأولى): مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى، وجواز قبولها.

و(الثانية): مرحلة الفصل في موضوعها -إذا قُضِيَ بجواز المخاصمة- إما برفضها، أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف.

وقد حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومنها وقوع الغش والتدليس، والخطأ المهني الجسيم.

والمقصود بالغش في هذا المقام: هو ارتكاب القاضي الظلم عن قصدٍ، بدافع المصلحة الشخصية، أو الكراهية لأحد الخصوم، أو محاباة الطرف الآخر.

أما الخطأ المهني الجسيم، فهو الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب، ويكون ارتكابه نتيجة غلطٍ فاضح ما كان لينساق إليه لو اهتم بواجبه الاهتمام العادي، أو بسبب إهماله إهمالا مُفرطًا يُعبر عن خطأٍ فاحش، مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون، ومن ثَمَّ لا يعد خطأ مهنيا جسيمًا فَهْمُ رَجُلِ القضاء للقانون على نحوٍ معين، ولو خالفَ فيه إجماع الشراح، ولا تقديرُه لواقعةٍ معينة، أو إساءةُ الاستنتاج، كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم، الخطأُ في استخلاص الوقائع، أو في تفسيرِ القانون، أو قصورِ الأسباب، ومن ثم يخرج عن نطاق هذا الخطأ كلُّ رأيٍ أو تطبيقٍ قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة، ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء، وبذلك يكون المشرع قد وازن بين حقِّ القاضي في توفير الضمانات له، فلا يقصد في قضائه سوى وجه الحق، ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه، وحقِّ المتقاضى في الاطمئنان إلى أن قاضيه مقيدٌ بالعدل في حكمه، فإن جنح عنه لم تُغلق الأبواب في وجهه، بل له أن يسلك طريق الخصومة التي يُدين بها قضاءَه، ويُبطل أثرَه، وكل هذا يجد حدَّه في أن القضاء ولاية تقريرٍ، وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل، بل يسقطه الجور والانحراف في القصد.

ولهذا رتب المشرع على القضاء بعدم جواز المخاصمة أو رفضها، الحكم على طالب المخاصمة بالغرامة المنصوص عليها، ومصادرة الكفالة، مع التعويضات إن كان لها وجهٌ، كما رتب على القضاء بصحة المخاصمة الحكم على القاضي المخاصَم بالتعويضات، والمصاريف، وبطلان تصرفه.

وحيث إن دعوى المخاصمة هي في حقيقتها دعوى بطلان، ودعوى تعويض، القصدُ منها بطلان الحكم الصادر عن القاضي أو القضاة المخاصَمين، وتستند دعوى المخاصمة إلى قيام القاضي أو القضاة بعملٍ أو بحكمٍ مشوب بعيبٍ أو أكثر من العيوب التي تضمنتها أسباب دعوى المخاصمة، بما مفاده أنها طريقُ طعنٍ غير عادي في الأحكام، قرره القانون بقصدِ حماية المتقاضين من القاضي الذي يُخلُّ بواجبه إخلالا جسيمًا. وقد يقع سبب المخاصمة من قاضٍ بمفرده، كما قد يقع من دائرةٍ بأكملها، ومن ثَمَّ يمكن مخاصمة قاضٍ واحد، أو دائرةٍ بأكملها، فالخطأ المهني الجسيم الذي يمثل أحد أسباب المخاصمة قد يقع من قاضٍ واحد، كما قد يقع من دائرةٍ بأكملها، وحينئذ يمكن أن تتم المخاصمة بالنسبة لقاضٍ بمفرده، أو للدائرةِ بأكملِها.

وحيث إن المستقر عليه أن المحكمة التي تفصل في دعوى المخاصمة ليست محكمةَ طعنٍ بالنسبة للحكم الصادر في الخصومة الأصلية، ولا تملك التعليق عليه، من حيث الواقع والقانون، إلا بالقدر المتعلق بأوجه المخاصمة؛ لبيانِ ما إذا كان هناك خطأٌ مهني جسيم صدر عن القاضي أو القضاة المخاصَمين، والقول بغير ذلك يجعل دعوى المخاصمة طريقًا للطعن على الأحكام دون سندٍ من القانون.

وحيث إن المدعي في دعوى المخاصمة الماثلة (المخاصِم) يُوجه خصومتَه إلى المستشارين رئيس وأعضاء الدائرة الرابعة (موضوع) في المحكمة الإدارية العليا (هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم في الطعن رقم 8728 لسنة 59 القضائية عليا بجلسة 1/6/2013)، وكان هذا الحكم صادرًا برئاسة المستشار/ لبيب…، وعضوية المستشارين (حسن…، وطارق…، وعبد الفتاح…، وسعيد…) نواب رئيس مجلس الدولة، وإنه ولئن كان المستشار/ مصطفى… نائب رئيس مجلس الدولة (المخاصَم السادس) عضوًا في الدائرة الرابعة (عليا) نفسِها، إلا أنه لم يكن عضوًا في هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم المشار إليه، ومن ثم لا يجوز اختصامُه بالنسبة للأحكام التي لم يشترك في إصدارها أصلا، ويضحى اختصامه في هذه الدعوى هو اختصام من لا يجوز اختصامه، ويتعين لذلك الحكم بعدم قبول المخاصمة بالنسبة له.

وحيث إنه هديًا بما تقدم من قواعد ومبادئ، وإذ كان الثابت في الأوراق أن المخاصِم قد أقام دعواه الماثلة بمخاصمة رئيس وأعضاء الدائرة الرابعة في المحكمة الإدارية العليا المذكورة أسماؤهم بمقدمة هذا الحكم، محددًا أسباب المخاصمة بأنها الخطأُ المهني الجسيم في عملهم، مبينًا ما ارتآه من أوجه هذا الخطأ فيما لحق بالحكم الصادر عنهم بجلسة 1/6/2013 في الطعن رقم 8782 لسنة 59 القضائية (عليا) من أخطاءٍ إجرائية وموضوعية، تُجمَل فيما يرى من أن الطعن الصادر فيه الحكم عن الدائرة المشكلة من القضاة المخاصَمين أُقِيمَ كالتماسِ إعادة نظرٍ من رئيس جامعة قناة السويس (بصفته)، في الحكم الصادر في دعوى البطلان الأصلية رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 24/11/2012، وقامت المحكمة بتكييفه على أنه دعوى بطلانٍ أصلية للمرة الثانية، بالمخالفة للمبادئ القضائية المستقرة في هذا الشأن، على الوجه المبين سالفًا تفصيلا، مما حداه على الادعاء بمخاصمة هيئة المحكمة التي أصدرته، المشكلة من القضاة المخاصَمين.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وإذ كان المخاصِم قد حدد أسباب المخاصمة الماثلة، بأنها الغش والتدليس، والإهمالُ الجسيم، والانحرافُ عن جادة الصواب من المخاصَمين، بسوء قصدٍ في الحكم الصادر عنهم ضده -على وفق الأوجه المبينة سالفًا تفصيلا-، وذلك دون أن يُقيم الدليلَ على سوء نية هؤلاء القضاة، أو ارتكابهم لأيِّ وقائع ثابتة ومحددة، تدلُّ بذاتها على وقوع الغش والانحراف وسوء القصد المدعَى به، باستثناء ما ذكره من ادعاءات واستنتاجات -إن صحت- فإن مجالها الطعن على الحكم بدعوى بطلانٍ أصلية، متى توفرت شرائط قبولها وأركانها، وليس إقامة دعوى المخاصمة، ومع ذلك فإنه يتعين تفنيد ما ساقه المدعي من أسبابٍ ارتكانًا منه إليها لمخاصمة القضاة المذكورين في الدعوى الماثلة، وهي:

(أولا) القول بأن الحكم الصادر عن القضاة المخاصَمين صدر مشوبًا بالمخالفة للمبادئ القضائية المستقرة لسلطة المحكمة في تكييف طلبات الخصوم في الدعاوى أو الطعون، قول مردودٌ بما هو متواتر عليه في قضاء هذه المحكمة، من أنه وإن كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها، على وفق ما يرونه محققًا لمصلحة كل منهم، ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني الذي يرونه أرجح في قبول القضاء لهم موضوعيا بهذه الطلبات، فإن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمرٌ مرجعه إلى المحكمة؛ إذ عليها أن تتعمق فيما يحدده الخصوم في المنازعة الإدارية من طلبات وأسانيد قانونية، لتصل المحكمة إلى التكييف الصحيح لحقيقة هذه الطلبات وتنزل عليها الحكم القانوني، غير متقيدة بما أورده الخصم من عبارات أو ألفاظ، لا تتحقق من خلال معناها الظاهر حقيقة نواياه وغاياته من المنازعات الإدارية ومقاصده منها؛ ذلك أن من المسلمات أن العبرة بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني، وهذا ما قامت به الدائرة المشكلَة من المخاصَمين لدى فصلها في الطعن رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا)، إذ ولَّت وجهها في ذلك تجاه القانون والمشروعية.

(ثانيًا) الادعاء بأن الدائرة المشكلَة من المخاصَمين أصدرت حكمًا ببطلان حكمٍ صادر عن المحكمة الإدارية العليا في دعوى بطلانٍ أصلية، وذلك على خلاف ما استقرت عليه المبادئ القضائية في هذا الشأن، ادعاء مردودٌ عليه بأنه ولئن كان من المقرر أنه إذا قُضِيَ في دعوى البطلان الأصلية، فإنه لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في هذه الدعوى من جديد، بحسب أن دواعي الاستقرار التي تقتضيها المصلحة العامة تتطلب وضع حد للتقاضي، وأن إباحة الطعن في تلك الأحكام يؤدي إلى تسلسل المنازعات بما يرتبه ذلك من إرهاق القضاء بدعاوى أو طعون سبق حسمها بأحكامٍ باتة، خاصةً متى كانت صادرة عن المحكمة الإدارية العليا التي تستوي على قمة القضاء الإداري، فضلا عن ذلك فإنه يصعب نسبة البطلان للمرة الثانية للحكم الصادر عن محكمةٍ تقف في سلم درجات التقاضي في أعلى درجاته؛ فإن قبول الدائرة المشكلَة من القضاة المخاصَمين للدعوى المقامة من رئيس جامعة قناة السويس رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا) طعنًا على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في دعوى البطلان الأصلية رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 24/11/2012، وتكييفها على أنها دعوى بطلان أصلية في حكمٍ صادر في دعوى بطلان أصلية، لا يعدو أن يكون سوى حكمٍ صدر على خلاف حكمٍ سابق صادر عن المحكمة الإدارية العليا، ويندرج في مجال الخلاف في وجهات النظر القانونية، ومن ثم لا يُعَدُّ من قبيل الخطأ المهني، ويدخل بذلك في نطاق إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول القضائية للمسألة القانونية المطروحة، حتى لو خالف ذلك أحكامًا قضائية سابقة، أو ما اتفق عليه شراح القانون في هذا الشأن.

وحيث إنه من جملة ما تقدم، يبين أن المخاصِم لم يلجأ إلى مقاضاة قضاة الدائرة الرابعة عليا (القضاة المخاصَمين) إلا ردا على الحكم الصادر عن الهيئة المشكلة منهم في الطعن رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا) بجلسة 1/6/2013، برفض الطعن المقام منه طعنًا على قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس بعزله من وظيفته، بعد أن كان قد صدر لمصلحته حكم عن الدائرة نفسِها بتشكيلٍ مغاير في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 24/11/2012 ببطلان هذا القرار وسقوط الدعوى التأديبية المقامة ضده أمام المجلس المذكور، على الوجه الذي حاول تصويره في صحيفة دعواه الراهنة ومذكرات دفاعه، وهو ما يُقيم قرينةً على أن الطاعن قصد بدعوى المخاصمة الماثلة الكيدَ للقضاة المخاصَمين، مُفصحًا بذلك عن مكنونه إزاء أيِّ قضاءٍ يكون لغير مصلحته، إذ اتهم القضاة المخاصَمين -تشفيا منهم لرفضهم الاستجابة لطلباته في النزاع- بالغش والتدليس والانحراف العمدي عن مقتضى أحكام القانون والمبادئ القضائية المستقرة، دون أن يبين ماهية هذا الغش والتدليس أو الانحراف، وكيفية وقوعهما، حتى يتسنى للمحكمة تصوره وتقييمه، ومثل هذا التصرف لا تُقِرُّ المحكمة المخاصِم عليه؛ لما يتسم به من إساءة استخدام حق التقاضي، وفقدانه الثقة وسوء الظن بالقضاء بلا سندٍ أو برهانٍ بيِّن، مما تنتفي معه صحة أسباب هذه المخاصمة، وتضحى دعوى مخاصمة القضاة المذكورة أسماؤهم بصحيفة الدعوى وبمقدمة هذا الحكم، فاقدةً لأساسها القانوني، وهو ما يتعين معه القضاءُ بعدم جواز قبولها، وبتغريم المخاصِم مبلغ ألف جنيه عن كلِّ عضوٍ من أعضاء المحكمة المخاصَمين، وبمصادرة الكفالة، وذلك عملا بحكم المادة (499) من قانون المرافعات، وإلزام المدعي المصروفات عملا بحكم المادة (184) من القانون نفسه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بعدم قبول المخاصمة بالنسبة للمستشار المخاصَم السادس.

(ثانيًا) بعدم جواز المخاصمة لباقي المستشارين المخاصَمين، وبمصادرة الكفالة، وتغريم المخاصِم مبلغ ألف جنيه عن كل عضو من الأعضاء المخاصَمين، وألزمته المصروفات.

([1]) أقام المخاصِم في دعوى المخاصمة الماثلة الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا) أمام المحكمة الإدارية العليا طعنا في قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس في جامعة قناة السويس الصادر بتاريخ 15/9/2004 بعزله من الوظيفة.

وقضت المحكمة بجلسة 14/1/2006 بقبول هذين الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعًا.

فأقام المخاصِم دعوى البطلان رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) أمام المحكمة الإدارية العليا طعنا في هذا الحكم.

وقضت المحكمة بجلسة 24/11/2012 بقبول هذه الدعوى شكلا، وببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية عليا، وببطلان القرار الصادر عن مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس… .

ولم يلقَ هذا الحكم قبولا لدى جامعة قناة السويس فأقامت الطعن رقم 8728 لسنة 59 القضائية (عليا) طعنا في هذا الحكم، طالبًة الحكم بقبوله شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الملتمس فيه، وإعادة النظر فيه، والقضاء بتأييد الحكم الصادر في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 القضائية (عليا).

وبجلسة 1/6/2013 حكمت المحكمة بقبول هذا الطعن شكلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في الدعوى (الطعن) رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا).

فأقام المخاصم دعوى المخاصمة الماثلة.

كما أقام المخاصم دعوى بطلانٍ، قُيِّدَت أمام هذه المحكمة برقـم 25533 لسنة 60 القضائية (عليا)، طعنًا على الحكم الصادر بجلسة 1/6/2013 في الطعن رقم 8728 لسنة 59 ق. عليا، القاضي بقبـول الطعن شكلا، وببطلان الحكم الصادر بجلسة 24/1/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 ق. عليا، وقد أُحِيلت دعوى البطلان رقم 25533 لسنة 60 القضائية إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 6/6/2015 قضت ببطلان الحكم المطعون فيه، وجاء منطوق حكمها كالتالي: “حكمت المحكمة: (أولا) بأن محاكم مجلس الدولة -لدى مباشرتها سلطتَها في تكييف الدعوى- مُقَيَّدةٌ بطلباتِ الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحةً لا لبس فيها ولا غموض. (ثانيًا) بعدم جواز الطعن بالالتماس في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/11/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا)”. وهذا الحكم الأخير منشورٌ بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عامًا، جـ2، المبدأ رقم 110، ص1296 وما بعدها.

([2]) يراجع في هذا: الحكم الصادر في الطعن رقـم 25420 لسنة 55ق.ع بجلسة 3/1/2012 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 57 مكتب فني، المبدأ رقم 45/أ، ص396).

([3]) يراجع ما قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 6/6/2015 في دعوى البطلان المقيدة برقـم 25533 لسنة 60 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 110/ج، ص1298)، حيث قررت أن التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وأن التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة، وقد أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة، والحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه. وأكدت أن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، والمحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، وأنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلبـــــاته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها، فإذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، وأنه إذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.

[4])) يراجع في ذلك كذلك: الحكم الصادر في الطعن رقـم 21738 لسنة 56ق.ع بجلسة 11/6/2011 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنتين 55 و56، مكتب فني، المبدأ رقم 121، ص1077).

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV