برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد عبد الرحمن القفطي، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل السيد
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) قواعد فقهية([1])– قاعدة “لا تكليف بمستحيل”- لا ترتيب لأثرِ التكليفِ في غفلةٍ من أهلِه, أو المكلَّفِينَ به, أو حال افتقادِهم الإرادةَ والتفكيرَ لعذرٍ قهريٍ حاق بهم، ومنها ما يَذَرُ المكلَّفَ بِمَعْزَلٍ عمَّا يَدُورُ حوله من أحداثٍ، وما يُؤَاخَذُ به من إجراءاتٍ, لذلك كان منطقُ الحقِّ والعدلِ أن يُرْفَعَ عنه القلمُ رفعًا يُوقِفُ كلَّ أثرٍ لهذه الإجراءاتِ، ولا يعُودُ لهذا القلمِ مسيرُه حتى يَزُولُ ما أَلَمَّ به من عذرٍ قَهَرَ إرادتَهُ- تطبيق: إذا جعلَ المشرِّعُ الأصلَ المقرَّرَ عدم جوازِ بقاءِ الطالبِ بالفرقة الدراسية أكثر من سنتين, فإنه بذلك يخاطبُ الطالبَ صاحبَ الإرادةِ والتفكير, والتدبر والمفاضلة بين البدائل؛ لأنه لا تكليفَ بمستحيلٍ، وهذا المستحيلُ يتحققُ بترتيبِ أثرٍ يمسُّ الحقَّ في التعليم, بما يؤدي إلى إهدارِه أو الانتقاصِ منه, إذا أَلَمَّ بالطالبِ عذرٌ قهريٌ حالَ دون دخولِه الامتحان.
(ب) جامعات– جامعة الأزهر- شئون الطلاب- التخلف عن الامتحان لعذر قهري- يتعين على الطالب التقدم بالعذر القهري إلى جهة الإدارة قبل ميعاد الامتحان, أو أثناءه, بطريقة قاطعة- إذا استحال عليه ذلك وتقدم بعذره لاحقًا, فإنه لا يحول دون اعتباره عذرًا قهريًّا منتجًا لأثره- يجب على الجامعة في هذه الحالة بحث الأمر, والتحقق مما إذا كان ثابتًا قيام العذر فعلا, وما صاحبه من أمور قهرية طارئة حالت بين الطالب والتقدم بالعذر بالذات أو بالواسطة([2]).
(ج) جامعات– جامعة الأزهر- شئون الطلاب- تخلف الطالب عن حضور الامتحان لعذرٍ قهري لا يُعَدُّ رسوبًا, أيًّا كان عدد مرات تخلفه- تعيين حدٍّ أقصى للأعذار القهرية كمبررٍ للتغيب عن الامتحان لا ينسجم وطبيعة العذر القهري ويتنافر مع مدلوله- تحديد حد أقصى لعدد مرات الأعذار يجد مجالًا للتطبيق حال الأعذار التي لا تنال من القدرة على التفكير والإرادة, دون تلك التي تقوضهما([3]).
– المواد (23) و(38) و(99) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها, معدَّلا بموجب القانونين رقمي 71 لسنة 1970 و53 لسنة 1981.
– المادتان (220) و(280) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها, الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 250 لسنة 1975, معدَّلة بموجب القرارات أرقام 22 لسنة 1984، و26 لسنة 1992، و184 لسنة 1996.
(د) جامعات– جامعة الأزهر- شئون الطلاب- إذا أدى الطالب الامتحان حال إصابته بمرض نفسي يُعَدُّ عذرًا قهريًا يحول بينه وبين إرادته، ولم ينجح فيه، فإنه لا يعد راسبا، ولا تحسب هذه الفرصة ضمن الحد الأقصى لعدد مرات دخول الامتحان.
(هـ) إثبات– الخبرة- للمحكمة أن تسترشد في حكمها برأي فني سبق أن أُبْدِيَ في دعوى مماثلة، بناء على حكم صادر عنها بندب خبير فيها.
بتاريخ 5/3/2013، أودع الأستاذ/ … المحامي المقبول أمام محكمتي النقض والإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب هذه المحكمة تقريرًا بالطعن الماثل في الحكم المشار إليه، القاضي منطوقه برفض الدعوى موضوعًا، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن -لِما ورد به من أسباب- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اعتباره راسبًا مُستَنفِدًا مرات الرسوب بالفرقة الثانية بكلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة المطعون ضدها المصروفات.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن. وتدوول نظر الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت من محاضر الجلسات, حيث أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماح الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بطلباته المبينة سالفًا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 7/2/2009، أقام الطاعن دعواه الصادر فيها الحكم الطعين بموجب عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اعتباره راسبًا ومُستَنفِدًا مرات الرسوب بالفرقة الثانية بكلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وإلزام الجامعة المصروفات.
وقال شرحًا للدعوى إنه التحق بكلية الطب بجامعة الأزهر، وقيد بالفرقة الثانية بالعام الجامعي 2001/2002، ولم يتمكن من دخول الامتحان بدوريه لعذر مرضي ألم به عام 2003، كما لم يدخل الامتحان بدوريه في العام 2003/2004، وكذا دوري عام 2005، ثم دخل الامتحان دور مايو 2006، ورسب في ثلاث مواد هي: الهستولوجي, والكيمياء, والتشريح، واعتبرته الكلية راسبًا مُستَنفِدًا مرات الرسوب, ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته لحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3604 لسنة 45ق. عليا بجلسة 9/4/2000، وحكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 3130 لسنة 58ق بجلسة 24/4/2005، وخلص المدعي في ختام عريضة دعواه إلى طلباته المبينة سالفًا.
………………………………………………….
وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 27/6/2010 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفاته، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، والتي أعدت تقريرًا، وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت حكمها الطعين بجلسة 6/1/2013، على نحو ما تقدم، على سند من حكم المادة (220) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر، وحكم المادة الثانية من قرار شيخ الأزهر رقم 182 لسنة 2006 بتعديل اللائحة الداخلية لكليات الطب التي تقضي بأنه لا ينقل الطالب للفرقة الثالثة إلا إذا كان ناجحًا في جميع المقررات الطبية الأساسية للفرقتين الأولى والثانية, وأنه ولئن كان المدعي ينعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون, لكونه مصابًا بالمرض النفسي منذ عام 2001، إلا أن الأوراق خلت مما يفيد تقدمه بعذر مرضي عن امتحان دور مايو 2008، كما لم يقدِّم أيَّ مستندٍ يفيدُ مرضه أثناء انعقاد الامتحان المذكور, بل الثابت أنه دخل الامتحان، وحصل على بعض الدرجات، ولكنه رسب في مادة الكيمياء الحيوية بتقدير ضعيف جدًا، ورسب في مادة الهستولوجي بتقدير ضعيف، وهاتان المادتان من المواد الطبية الأساسية التي لا يجوز نقل الطالب إلى الفرقة الثالثة إلا إذا كان ناجحًا فيها, طبقًا لحكم المادة الثانية من قرار شيخ الأزهر المبين سالفًا، مما يكون معه راسبًا ومُستَنفِدًا لمرات الرسوب, بحسبانه حصل على فرصتين لدخول امتحان الفرقة الثانية، وفرصة من الخارج، كما حصل على جميع الفرص التي اعتذر فيها عن دخول الامتحان، وفرصة دور مايو 2008، تنفيذًا للحكم الصادر لمصلحته عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 89 لسنة 61ق بجلسة 25/3/2007، بيد أنه رسب، وخلصت المحكمة إلى حكمها الطعين.
………………………………………………….
وإذ لم يلقَ هذا القضاء قبولا من الطاعن، فقد أقام طعنه الماثل بطلباته المبينة سالفًا، لأسباب حاصلها الفساد في الاستدلال، ذلك أنه نجح بالفرقة الأولى بتقدير جيد جدًا، بيد أنه لظروف عائلية طارئة عانى من الاكتئاب النفسي، الذي أقعده عن مواصلة الدراسة، ما أدى لرسوبه في المادتين المشار إليهما.
………………………………………………….
وحيث إنه عن موضوع الطعن، فإن المادة (33) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها تنص على أن: “تختص جامعة الأزهر بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر…”.
كما تنص المادة (38) من القانون نفسه -مُعدَّلة بالقانون رقم 71 لسنة 1970- على أن: “تتساوى فرص القبول للتعليم بالمجان في كليات الجامعة ومعاهدها المختلفة للطلاب المسلمين, من كل جنس, ومن كل بلد, في حدود الإمكانيات والميزانية والأعداد المقرر قبولها وفقًا لما تقضي به اللائحة التنفيذية…”.
ونصت المادة (99) من القانون ذاته -مُعدَّلة بالقانون رقم 53 لسنة 1981- على أن: “تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية, وغيرها مما وردت الإشارة إليه في هذا القانون:- 1-… 8- مدة الدراسة، ومدة الامتحان، ومدة العطلة. 9-…”.
كما يبين من الاطلاع على المادة (220) من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه (الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975، والمعدَّلة بقرارات رئيس الجمهورية أرقام 22 لسنة 1984، و26 لسنة 1992، و184 لسنة 1996) أنها نصت على أن: “لا يجوز أن يبقى الطالب بالفرقة أكثر من سنتين، ويجوز لمجلس الكلية الترخيص للطلاب الذين قضوا بفرقتهم سنتين في التقدم إلى الامتحان من الخارج في السنة التالية في المقررات التي رسبوا فيها… ويجوز لمجلس الكلية علاوة على ما تقدم الترخيص لطلاب الفرقة قبل النهائية والفرقة النهائية بفرصتين إضافيتين للتقدم للامتحان من الخارج، وبالنسبة للكليات التي تكون مدة الدراسة بها خمس سنوات على الأقل, يعامل طلاب الفرقة الثانية بالكليات التي بها فرقة إعدادية, وكذلك طلاب الفرقة الثالثة بالكليات التي ليس بها فرقة إعدادية, معاملة طلاب الفرقة قبل النهائية… وإذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوبًا، وبشرط ألا يزيد التخلف عن مرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنين الدراسة بالكلية…”.
ونصت المادة (280) من اللائحة التنفيذية المشار إليها (مُعدَّلة بالقرارين الجمهوريين رقمي 375 لسنة 1991, و148 لسنة 2005) على أن: “مدة الدراسة لنيل درجة الإجازة العالية (البكالوريوس) في الطب والجراحة ست سنوات وفقًا لأحكام اللوائح الداخلية لكليات الطب. ومدة الدراسة لنيل درجة الإجازة العالية (البكالوريوس) في العلوم الصيدلية خمس سنوات وفقًا لأحكام اللائحة الداخلية لكلية الصيدلة”.
وحيث إن مفاد ما تقدم -وبالقدر اللازم للفصل في المنازعة- أن جامعة الأزهر تعد إحدى المؤسسات الدينية العلمية التي تختص بكل ما يتصل بالتعليم العالي في الأزهر، والتي تتساوى في كلياتها المختلفة فرص القبول للتعليم بالمجان، بصرف النظر عن الجنس أو الجنسية، على وفق أطر وقواعد قانونية، وأنه وبسند مما قرره قانون تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها, فقد عنيت اللائحة التنفيذية له ببيان مدة الدراسة اللازم اجتيازها بنجاح لنيل درجة البكالوريوس في الطب والجراحة، إذ حددتها بست سنوات، دون سنة إعدادية، كما نصت على عدم جواز بقاء الطالب في الفرقة الدراسية أكثر من سنتين، وأجازت لمجلس الكلية أن يرخص للطالب في التقدم إلى الامتحان من الخارج في السنة التالية فيما رسب فيه من مواد, ما لم يكن من طلاب الفرقة قبل النهائية، إذ يجوز لمجلس الكلية أن يرخص له بفرصتين إضافيتين للامتحان من الخارج، ويُعَامَل المعاملة نفسها طلابُ الفرقة الثالثة بالكليات التي بها فرقة إعدادية, متى كانت مدة الدراسة بها خمس سنوات على الأقل، كما يبين من النصوص آنفة البيان أن التخلف عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية لا يحسب رسوبًا, وإن قيد المشرع عدد مرات التخلف عن دخول الامتحان بمرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنوات الدراسة بالكلية.
وحيث إنه ولئن كان المشرع قد جعل الأصل المقرر عدم جواز بقاء الطالب بالفرقة الدراسية أكثر من سنتين, وجاء خطابه موجهًا إلى الطالب: “لا يجوز للطالب”, بما مفاده أنه على الطالب أن يستنهض إرادته, ويستدعى عزيمته وقدراته المستمدة من إدراكه وتقديره وإرادته, لنهو الفرقة الدراسية في الأجل المشار إليه، وهو بذلك (أي المشرِّع) إنما يخاطبُ صاحبَ الإرادة والتفكير, والتدبر والمفاضلة بين البدائل، وجميعها لازمة للتأهيل للبحث, والمثابرة والجد في تحصيل الدرس, وأداء الامتحان، إذ لا تكليف بمستحيل، والذي يتحقق (أي المستحيل) بترتيب أثرٍ يمسُّ الحقَّ في التعليم بما يؤدي إلى إهداره أو الانتقاص منه, إذا ما أَلَمَّ بالطالبِ ما يُعَدُّ عذرًا قهريًّا حال دون دخوله الامتحان, فإذا كان الشارعُ الحكيمُ لا يكلِّفُ نفسًا إلا وُسْعَهَا, فالقاعدةُ الأصوليةُ أنه لا تكليفَ بمستحيلٍ، ولا ترتيبَ لأثرِ التكليفِ في غفلةٍ من أهلِه, أو المكلَّفِينَ به, أو حال افتقادِهم الإرادةَ والتفكيرَ لعذرٍ قهريٍ حاق بهم، ومنها ما يَذَرُ المكلَّفَ بمعزلٍ عمَّا يدورُ حوله من أحداثٍ، وما يُؤَاخَذُ به من إجراءاتٍ, لذلك كان منطقُ الحقِّ والعدلِ أن يُرفَعَ عنه القلمُ رفعًا يُوقِفُ كلَّ أثرٍ لهذه الإجراءات، ولا يعودُ لهذا القلمِ مسيرُه حتى يزول ما أَلَمَّ به من عذرٍ قَهَرَ إرادتَه.
كما أن البين من النصوص القانونية المبينة سالفًا، أن لمجلس الكلية منحَ الطالبِ فرصة للتقدم للامتحان من الخارج في السنة التالية فيما رسب فيه من مواد, وإدراكًا من المشرِّع لما قد يُلِمُّ بالطالب من عذرٍ قهريٍ من شأنه تخلفه عن أداء الامتحان، فقد قرر في إفصاح جهير عدم حساب تغيبه عن الامتحان رسوبًا، وإنْ قَيَّدَ ذلك بألا يزيدُ عددُ مراتِ التخلفِ عن مرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنوات الدراسة.
وحيث إنه فضلا عما يمثله تعيين الحد الأقصى للأعذار كمبرر للتغيب عن الامتحان من عدم انسجامه وطبيعة العذر القهري, وتنافره مع مدلوله، بحسبانه حدثًا غير مألوف تنتظمه فكرة المفاجأة, التي يستحيل توقعها, ويتعذر دفعها من جانب أشد الناس يقظة وبصرًا بالأمور, (حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 297 لسنة 25ق. دستورية جلسة 13/2/2005), فإنما هو أمر قد يجد مجالا للتطبيق حال الأعذار التي لا تنال من القدرة على التفكير والإرادة, دون تلك التي تقوضهما، فإذا كان الشارع الحكيم لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فإنه من غير المستساغ واقعًا والمقبول قانونًا التكليف بما لا طاقة به، آية ذلك أن المشرع قد نص على منح الفرصة لأداء الامتحان من الخارج فيما رسب فيه الطالب من مقررات، حال أنه قد جعل -وبموجب لفظ صريح في معناه ومبناه- عدم اعتبار التغيب عن أداء الامتحان لعذرٍ قهريٍ رسوبًا، بما يعني أن إتاحة الفرصة لأداء الامتحان من الخارج, إنما تكون في حق من رسب, وليس من بينهم من تخلف عن أداء الامتحان لعذر قهري. (راجع في هذا المعنى: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 34016 لسنة 54ق. عليا بجلسة 23/11/2011، وكذا حكمها في الطعن رقم 2068 لسنة 57ق. عليا بجلسة 28/1/2015، وبذات الجلسة حكمها في الطعن رقم 2069 لسنة 57ق. عليا).
وحيث إنه بمطالعة ملف الطعن يبين أن الطاعن قد تقدم بطلب إلى عميد كلية الطب- جامعة الأزهر, يلتمس فيه الموافقة على قبول عذره عن دخول الامتحان في جميع المواد عن الفرقة الثانية, التي تبدأ من 18/8/2002 حتى 12/9/2002, حيث تمت مخاطبة رئيس اللجنة الطبية المختصة التي ناظرته وفحصته وأوصت في 4/9/2002 بأنه عذر طبي مقبول، ثم قام الطاعن في 1/5/2005 بمخاطبة عميد الكلية يلتمس تحويله إلى اللجنة الطبية، لظروفه المرضية، لتأجيل الامتحان (دور مايو 2005) في مواد التشريح, والكيمياء, والهستولوجي, وأرفق بطلبه شهادة من الدكتور/ … أستاذ الأمراض العصبية والنفسية بطب الأزهر تفيد بأنه يعاني من حالة اكتئاب نفسي مصحوب بقلق, وهو يحتاج إلى علاج, حيث تم التأشير على الطلب المذكور بأنه “عذر مرضي- مايو 2005- في المواد المذكورة- الفترة من 7/5/2005 حتى 2/8/2005”, ثم جاء ملف الطعن مكدسًا بالتقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات الحكومية وغير الحكومية، وكذا عن أساتذة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الأزهر وغيرهم, حيث بلغت هذه التقارير عشرين تقريرًا، جاءت كلها تفيد بأن الطاعن قد ألم به مرض نفسي, هو اضطراب نفسي شديد واكتئاب نفسي حاد، وأن من أعراض هذا المرض عدم القدرة على التركيز, وعدم الانتظام في الدراسة، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم، وذلك في الفترة من 5/5/2002 حتى 30/8/2008 (العام السابق على إقامة الدعوى الصادر فيها الحكم الطعين, إذ أقيمت في 7/2/2009)، ومن ثم فإن التقارير المذكورة سالفًا تنبئ بصدقها عن موافقتها للحقيقة الصحية للطاعن، والتي من شأنها سلب إرادته، والتأثير عليها في أوجه حياته المعيشية، ومنها حياته التعليمية على نحو ما سلف ذكره.
والجدير بالذكر في هذا المقام أن هذه المحكمة في طعن مماثل قد انتدبت القومسيون الطبي لمناظرة الحالة وإبداء الرأي, حيث تم تشكيل لجنة طبية نفسية بمعرفة إدارة المجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة، وأعدت تقريرًا في هذا الخصوص، وبمناقشة هذه اللجنة في التقرير المذكور, أفادت بأن الحالة لم تقدم أية مستندات تفيد بإصابته أو أحد أقاربه بمرض نفسي، وأن الاكتئاب النفسي يمر بمراحل ثلاث: الخفيف والمتوسط والشديد, وأن المرحلة الأخيرة هي التي تسلب الإرادة والتفكير, (حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 5133 لسنة 58ق. عليا بجلسة 25/3/2015).
وترتيبًا على ما تقدم جميعه، فإن الحالة المرضية للطاعن تعد عذرًا قهريًا يَحُولُ بينه وبين أدائه للامتحان، بحسبان أن هذا العذر قد سلبه إرادته، ومن ثم فإن تخلفه وغيابه عن دخول الامتحان لا يُحسَبُ عليه رسوبًا، وأن عدم قبول العذر في هذه الحالة من مجلس الكلية هو أمرٌ مخالفٌ لحكم القانون, الذي جعلَ التخلف عن دخولِ الامتحانِ رسوبًا للشخص كامل الإرادة، وليس للشخص مسلوب الإرادة, كما هو الحال في الطعن الماثل, خاصةً أن الجامعة التي يدرسُ بها الطاعن على علمٍ بهذا المرض, فهي التي شخَّصت حالتَه, ووضعت له العلاجَ المناسب عن طريق المستشفى الجامعي التابع لهذه الجامعة, (تقرير اللجنة الطبية التابعة لكلية الطب- جامعة الأزهر في 4/9/2002، وتقرير مستشفى الطلبة الجديد التابعة للإدارة العامة للشئون الطبية بجامعة الأزهر في 10/12/2002، وكذا تقرير المستشفى المذكور في 10/5/2004).
ولا ينال مما تقدم ما ذهب إليه الحكم الطعين من عدم تقدم الطاعن إلى جهة الإدارة بأعذار تبرر مرضه أثناء الامتحان، فذلك مردود عليه بأنه يتعين على صاحب الشأن التقدم بالعذر القهري قبل الميعاد المقرر للامتحان, أو أثناءه, بطريقةٍ قاطعة, غير أنه إذا استحال عليه ذلك، وتقدم بعذره لاحقًا, فعلى الجامعة -في هذه الحالة- بحث الأمر, والتحقق عما إذا كان ثابتًا قيام العذر فعلا, وما صاحبه من أمور قهرية طارئة حالت بين الطالب والتقدم بالعذر بالذات أو بالواسطة, (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3089 لسنة 37ق. عليا بجلسة 2/5/1993), هذا فضلا عن أن ما ألم بالطاعن من مرضه المذكور أقعده عن التفكير والتدبير -وهو قضاء الله وقدره- مما لا يتسنى معه إلزامه بما أشار إليه الحكم الطعين.
متى كان ذلك كذلك، ولئن كان الطاعن قد أدى امتحان الفرقة الثانية دور مايو 2008، ورسب في مادة الكيمياء الحيوية بتقدير ضعيف جدًا، ورسب في مادة الهستولوجي بتقدير ضعيف, مما ترتب عليه أن صدر بشأنه قرار مجلس الكلية رقم 562 في 16/9/2008، بفصله لاستنفاد مرات الرسوب, كونه حصل على فرصتين لدخول امتحان الفرقة الثانية، وفرصة من الخارج، كما حصل على جميع الفرص التي اعتذر فيها عن دخول الامتحان، وفرصة دور مايو 2008 -على النحو الثابت من استقراء بيان حالته الدراسية, طي حافظة مستندات الجامعة المطعون ضدها, أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 26/4/2009-، بيد أن الطاعن قد أدى ذلك الامتحان حال إصابته بالمرض النفسي المبين سالفًا مما يُعَدُّ معه عذرًا قهريًا حال بينه وبين إرادته، الأمر الذي من شأنه ألا يعد الطاعن راسبًا، بما لا يستوي معه على الصحة القرار المطعون فيه, فيما تضمنه من فصله من الكلية لاستنفاد مرات الرسوب، وهو ما يستوجب القضاء بإلغائه.
وحيث إنه وهديًا بما تقدم جميعه, تقضي المحكمة بإلغاء الحكم الطعين، والقضاء مجددًا: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل الطاعن من كلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار, أخصها إعادة قيده بالفرقة الثانية بالكلية المشار إليها, وتنفيذ الحكم بمسودته عملا بحكم المادة (286) مرافعات لتوفر موجباته.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار, وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وألزمت الجامعة المطعون ضدها المصروفات.
([1]) القاعدة في اللغة هي الأساس، وفي الاصطلاح: قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها (راجع التعريفات للجرجاني، باب القاف، والمعجم الوسيط، مادة: قَعَد).
وتمتاز القاعدة بأنها من جوامع الكلِم، فهي تصاغ في جملة مفيدة موجزة مكونة من كلمة أو كلمات من ألفاظ العموم.
والقاعدة الفقهية هي: بيان لحكم شرعي كلي تتفرع عنه الكثير من الأحكام الجزئية التي يتحقق فيها المعنى الكلي العام.
والقواعد الفقهية كثيرة العدد ولا تحصى، والقواعد الفقهية الخمس الكبرى هي: (الأمور بمقاصدها) و (الضرر يُزال) و (اليقين لا يزول بالشك) و (المشقة تجلب التيسير) و (العادة مُحَكَّمة)، وتحت كل منها تندرج قواعد أخرى. =
=والقواعد الفقهية بهذا المعنى تفترق عن القواعد الأصولية التي هي: قواعد استدلالية يُتوصل من خلالها إلى الكشف عن الأحكام الشرعية، كليِّها وجزئيِّها. ومن القواعد الأصولية: قاعدة (الأمر المطلق يفيد الوجوب) وقاعدة (النهي المطلق يفيد التحريم) وقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فهذه القواعد قواعد استدلالية وليست أحكاما فقهية كلية، فهي وسيلة للكشف عن الحكم وليس ذات الحكم.
والقواعد الأصولية متقدمة في وجودها على القواعد الفقهية؛ لأن معرفة الجزئيات متوقف على وجود القاعدة الأصولية، لأنها القيود التي أخذ الفقيه بها نفسه عند استنتاجه الحكم، في حين أن القواعد الفقهية متأخرة في وجودها على الفروع نفسها؛ لأنها جمع لأشتاتها وربْط بينها وجمع لمعانيها.
ومن العلماء من لم يرَ تفرقة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، ويرى أن القاعدة يمكن أن تكون أصولية من وجه وفقهية من وجه آخر.
ويفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية في أن القاعدة القانونية ما هي إلا نوع من أحكامِ جزئياتِ الوقائع، فهي تشبه الأحكام الفقهية الفرعية، أما القاعدة الفقهية فتمثل الأطر العامة التي تجمع أحكاما لجزئيات غير محدودة العدد.
(يراجع فيما سبق: د. محمد صدقي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ط مؤسسة الرسالة، وعلي الندوي، القواعد الفقهية، ط دار القلم، ود. عبد العزيز عزام، القواعد الفقهية، ط دار الحديث).
([2]) يراجع في ذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 10396 لسنة 50ق. عليا بجلسة 29/6/2005 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 50 مكتب فني، جـ2، المبدأ رقم 194 ص1348).
([3]) يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 297 لسنة 25ق. (دستورية) بجلسة 13/2/2005 القاضي بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، المستبدلة بالقرار رقم 278 لسنة 1981 فيما تضمنه من تحديد عدد المرات التى يجوز تخلف الطالب عن دخول الامتحان فيها بعذر قهري. وراجع كذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 16005 لسنة 49ق. عليا بجلسة 15/4/2009 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 54 مكتب فني، المبدأ رقم 53، ص 424).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |