مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثانية – الطعن رقم 2408 لسنة 60 القضائية (عليا)
مايو 19, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة العاشرة – الطعن رقم 25096 لسنة 55 القضائية (عليا)
مايو 21, 2021

الدائرة الرابعة – الطعن رقم 24587 لسنة 61 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 18 من إبريل سنة 2015

الطعن رقم 24587 لسنة 61 القضائية (عليا)([1])

(الدائرة الرابعة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي وحسين عبد الله قايد وعبد الفتاح السيد أحمد عبد العال الكاشف ود. رضا محمد عثمان دسوقي.

                   نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

(أ) موظف– تأديب- واجبات الموظف العام- واجب الولاء الوظيفي- مفهومه- الموظف ملزم في مجال تخصصه بتنفيذ مشيئة السلطات العامة، وبأن يؤدي واجبه بغاية الإخلاص والأمانة، بغض النظر عن عقيدته وانتماءاته- لئن كان من حق الموظف العام إبداء الرأي في الأمور العامة، إلا أن عليه وهو يمارس هذا الحق أن يلتزم في جميع تصرفاته بمقتضيات الوظيفة العامة- تنفيذ التعليمات طبقا لسياسة الدولة لا يكفي للقول بأنه قد أدى واجبه؛ لأنه ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم- القدر الأدنى في هذا الأمر يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة، وفلسفتها الاجتماعية في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة، وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة، أو يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه.

(ب) موظف– تأديب- واجبات الموظف العام- واجب التعاون مع الزملاء- هذا الواجب له جانبان: (سلبي) ومقتضاه ألا يضع الموظف العراقيل في سبيل أداء الزملاء لواجباتهم، و(إيجابي) يتمثل في معاونة الرئيس والزملاء، والأخذ بيدهم لما فيه مصلحة الإدارة.

(ج) موظف– تأديب- واجبات الموظف العام- واجب أداء العمل المكلف به- يتعين على الموظف العام أن يسلك السبيل الذي تحدده القوانين والتقاليد الحكومية التي يتكون من مجموعها المركز النظامي الذي يشغله- يلتزم الموظف بأداء العمل المنوط به في الوقت المخصص لذلك، وفي المكان المخصص له، وأن يخلص في أداء العمل المنوط به، وأن يتعاون مع زملائه وأن يطيع رؤساءه.

(د) موظف– تأديب- واجبات الموظف العام- واجب الإبلاغ عن المخالفات- الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى علم أحد العاملين أمر مكفول، بل واجب عليه؛ توخيا للمصلحة العامة، ولو كانت تمس الرؤساء- يتعين على الموظف لدى قيامه بهذا الإبلاغ ألا يخرج عما يقتضيه واجب الوظيفة العامة من توقير الرؤساء واحترامهم- الاعتصام والمطالبة باستبعاد الرئيس ليس هو الوسيلة التي حددها المشرع للإبلاغ عن مخالفات الرئيس.

(هـ) حقوق وحريات– حق الإضراب- المقصود به- الإضراب هو امتناع العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم, وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، مع استمرار تمسكهم بها، وذلك بقصد الإعلان عن احتجاجهم على أوضاع معينة، أو عن مطالب معينة، أو بقصد إظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم.

(و) حقوق وحريات– حق الإضراب- الفرق بين الإضراب والمظاهرة والتجمهر والاعتصام- الإضراب: تمردٌ لعمال المرافق العامة على السلطة، وعلى النظام- المظاهرة: اجتماع عدد من الأشخاص في الطريق العام، للتعبير عن إرادة جماعية أو مشاعر مشتركة، فإن كان هذا الاجتماع ثابتا سمي تجمعا، وإن كان متنقلا سمى موكبا- التجمهر لا يكون كذلك إلا في طريق أو مكان عام- الاعتصام لا يعد مظاهرة، ولا اجتماعا، ولا تجمهرا، بل هو في حقيقته إضراب.

(ز) الشريعة الإسلامية– تقسيم المصالح في الفقه الإسلامي- تنقسم المصالح من حيث تحقيقها إلى ثلاثة: (أولها) يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق جميعهم، و(ثانيها) يتعلق بالمصلحة الأغلب، و(ثالثها) يتعلق بمصلحة خاصة- تجرى المفاضلة بين هذه الأنواع الثلاثة على وفق هذا الترتيب- استقرت في الفقه الإسلامي قواعد أصولية منها: “الضرر يزال”، وقاعدة “الضرر الأشد يزال بالأخف”، وقاعدة “الضرر الخاص يُتحمل لدفع ضرر عام”، وقاعدة “درء المفاسد يقدم على جلب المنافع”، وقاعدة “الضرر يُدفع بقدر الإمكان”، وقاعدة “الضرر لا يزال بمثله”.

(ح) الشريعة الإسلامية– حكم الإضراب فيها- لا تجيز أحكام هذه الشريعة الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة، أو إذا كان صادرا عن العاملين في مرفق عام، مادام سيؤدي إلى توقف العمل في هذا المرفق، وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التي يقدمها.

(ط) حقوق وحريات– حق الإضراب- التطور التشريعي لتنظيمه في مصر.

(ي) حقوق وحريات– حق الإضراب- مدى مشروعية إضراب الموظفين العموميين- إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية وجريمة تأديبية([2])– لئن كانت الحكومة قد تعهدت في الاتفاقية التي وقعتها في 4/8/1967 بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية، فإن إعمال هذا الحق تطبيقا لتلك الاتفاقية رهين بوضع المشرع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التي يجب ممارستها على وفق ضوابط معينة، ودون تعسف في استعمالها- ترتيبا على ذلك: لا مجال لإعمال الاتفاقية المشار إليها متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية- هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الحكومة المصرية بصفتها من أشخاص القانون العام بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، بشرط مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتعديل تشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقية بتلك الصيغة، أو لتقريرها إن كانت تشريعاتها خالية من مثل هذه الحقوق- هذه الاتفاقية لم تلغِ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات([3]).

(ك) قانون– إلغاؤه- الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الحديث على محل واحد، يستحيل معه إعمالهما فيه.

(ل) موظف– تأديب- المحظورات على الموظف العام- إغلاق الموظفين باب مقر العمل، والاعتصام داخل المقر واحتلاله، ومنع العاملين من دخول الوحدة، هو في حقيقته إضراب- هذا المسلك يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ويشكل أبشع أنواع الجرائم التأديبية.

(م) حقوق وحريات حرية الاجتماع، وحق التظاهر السلمي- تطور تنظيم حق التظاهر في التشريع المصري- أعلى الدستور من شأن الحريات، بما فيها حق الأفراد في التظاهر السلمي، وأباح للمواطنين الحق في التظاهر، على أن تتم ممارسة هذا الحق في إطار أحكام القانون الذي يقوم على تنظيمه- ليس في إخضاع المظاهرات لقيود خروجٌ عن منطق الحرية- هذا التنظيم لحق التظاهر لا يعدو أن يكون من قبيل الإجراءات الوقائية.

– المادة (30) من دستور 1923.

– المادة (20) من دستور 1930.

– الإعلان الدستوري الصادر في 10/2/1953.

– المادة (46) من دستور 1956.

– دستور 1958.

– المادة (37) من دستور 1964.

– دستور سنة 1971.

– المادة (16) من الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011.

– المادة (327 مكررا) من قانون العقوبات الأهلي الصادر بالأمر العالي المنشور بتاريخ 20/2/1904 في الوقائع المصرية، معدلا بموجب القانون رقم 37 لسنة 1923، والملغى لاحقا بموجب القانون رقم (58) لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات.

– المادتان (2) و(11) من القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن تقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات في الطرق العمومية، الملغى لاحقا بموجب القرار بقانون رقم (107) لسنة 2013 في شأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.

– المواد (124) و (124 أ) و (124 ب) و (124 ج) و (374) و(374 مكررا) و(375) من قانون العقوبات، الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، معدلا بموجب القانونين رقمي (116) لسنة 1946 و(24) لسنة 1951.

– المادة (7) من القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية الوطن والمواطن، الملغى لاحقا بموجب القرار بقانون رقم 194 لسنة 1983.

– المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بشأن تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت.

– اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وقعت عليها مصر في 4/8/1967.

الإجراءات

في يوم السبت الموافق 31/1/2015 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض والإدارية العليا (بصفته وكيلا عن السادة: محمود…، لولا… وسافيناز… ومحمد شفيق… ومحمد سيد…  ومجدي… وسامح… وممدوح… ونادية… ورجاء… وزينب… ونورا لطفي… ونورا عبد الباسط… وإكرام… وبنات… وسهير… ومحمد عبد العزيز…) تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، قيد برقم 24587 لسنة 61 ق. عليا، طعنا على الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية بالمنوفية بجلسة 29/12/2014 في الدعوى رقم 162 لسنة 13ق، القاضي بمجازاتهم بالإحالة على المعاش.

وطلب الطاعنون -للأسباب التي أوردوها بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء ببراءتهم مما أسند إليهم.

ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 14/3/2015 بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعه.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بعقوبة الإحالة على المعاش، والقضاء مجددا ببراءة الطاعنة السادسة عشرة مما أسند إليها، وبمجازاة باقي الطاعنين بالعقوبة المناسبة.

وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة الموضوع جلسة 11/4/2015، وفيها لم يحضر الطاعنون أو من يمثلهم رغم قيام قلم الكتاب بإخطارهم بالكتابين رقمي 2610 و2611 بتاريخ 3/3/2015, وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.

وحيث إن وقائع الطعن تخلص -حسبما يبين من عيون الأوراق- فيما أبلغ به السيد رئيس شئون العاملين بالوحدة المحلية بقورص رئاسة الوحدة المحلية بأنه عند دخوله مقر الوحدة المحلية بقورص يوم الخميس الموافق 13/6/2013 قام بإلقاء السلام على مدير مركز المعلومات، وعندما شاهد موظفي المركز وبعض موظفي الوحدة يغلقون باب الوحدة الخارجي والداخلي بأقفال حديدية خاصة بهم، ويعتصمون أمام باب الوحدة، مانعين باقي الموظفين من ممارسة عملهم، سأله عما يحدث، فكان رده: “اللي عاجبه يقعد، واللي مش عاجبه يروح”. وأشار إلى أنه لما رأى عمال مجموعة النظافة طلب منهم الخروج بالمعدات فكان ردهم أن موظفي مركز المعلومات قالوا: “اللي هيجي ناحية البوابة هنكسره”.

وقد تناولت الإدارة العامة للشئون القانونية الواقعة بالتحقيق، وانتهت إلى إحالته إلى النيابة الإدارية بأشمون التي باشرت التحقيق في القضية رقم 549 لسنة 2013، وبسؤال مقدم الشكوى قرر أنه الذي أعد المذكرة محل التحقيق لأنه عندما توجه إلى مقر عمله بالوحدة يوم الخميس الموافق 13/6/2013 وجد موظفي مركز المعلومات قاموا بغلق البوابة الحديدية الخارجية للوحدة بالأقفال، ووضعوا سيارة أمام باب الوحدة لمنع دخول الموظفين للوحدة لمباشرة عملهم، وأنه دخل من الباب الجانبي، وفوجئ بأن موظفي مركز المعلومات قاموا بوضع كراسي أمام الباب الداخلي المؤدي للمكاتب، ويجلسون على تلك المقاعد، ويغلقون الباب الداخلي، ولما سأل محمد عبد العزيز… مدير مركز المعلومات عن سبب ما يحدث، كان رده: “اللي عجبه يقعد واللي مش عجبه يروح”، وأنه شاهد عمال منظومة النظافة لا يستطيعون الخروج من الوحدة، وأن موظفي مركز المعلومات هددوهم بأن من سيخرج من البوابة سيتم تكسيره، وأضاف أنه ظل أمام الوحدة حتى تجمع باقي الموظفين، ولم يتمكنوا من الدخول، وظل الوضع على ذلك حتى الساعة 12 ظهرا، وأضاف بأن الذي قام بغلق الوحدة، ومنع موظفيها من الدخول هم: محمد عبد العزيز…, ومحمد سعيد…، ومحمد شفيق…، ومجدي…، وممدوح…، ومحمود…، وسامح…, وسافيناز…, ولولا…, ورجاء…، ونادية… .

وأضاف أن رئيسة الوحدة قامت بالشطب على أسماء عدد من العاملين بمركز المعلومات بخانة الانصراف لعدم وجودهم بمقر العمل، وفي يوم 13/6/2013 حضر العاملون بمركز المعلومات، وقاموا بغلق أبواب الوحدة بالأقفال الحديدية، ومنعوا رئيسة الوحدة من الدخول، وعندما حضر نائب رئيس مجلس المدينة رد عليه العاملون بمركز المعلومات بأنه “لو حضر رئيس المدينة بنفسه مش هيفتحوا الوحدة”، وعندما شاع الخبر بالقرية حضر العمدة ومعه مجموعة من المواطنين، وقاموا بفتح الوحدة.

واستطرد قائلا إنه لما حضرت رئيسة الوحدة منعتها السيدة لولا… من الدخول، وقالت لها “مش هتدخلي وارجعي”، وعندما التفت خلفه شاهد رئيسة الوحدة ملقاة على الأرض تبكي، وأشار إلى أن سبب تعدي العاملين على رئيسة الوحدة أنهم غير منضبطين بالعمل.

وبسؤال أحمد… نائب رئيس مجلس مدينة أشمون شهد بأنه وصل إلى مقر الوحدة يوم 13/6/2013 الساعة 8.30 صباحا، ووجد العاملين بالوحدة يغلقون الباب الخارجي بالأقفال الحديدية، ولما دخل من الباب الجانبي وجد الباب الداخلي المؤدي إلى مكاتب الموظفين مغلقا، ووجد موظفي مركز المعلومات متجمهرين أمام الباب الداخلي، ثم حضر عمدة القرية وأقنع المتظاهرين بفتح مقر الوحدة، وأضاف أن ذلك حدث نتيجة وجود مشاكل بين موظفي مركز المعلومات ورئيسة الوحدة.

وبسؤال عيد… سكرتير الوحدة المحلية بقورص ردد مضمون الأقوال السابقة، وأضاف أن مرد ذلك وجود مشاكل بين الموظفين ورئيسة الوحدة لتحدثها بتعالٍ معهم.

وبسؤال رضا… رئيسة الوحدة المحلية بقورص: قررت أنها لما توجهت يوم 16/6/2013 لمقر عملها قام كل من: محمود…، لولا…، سافيناز…، زينب…، محمد شفيق…، محمد السيد…، مجدي…، سامح…، نورا لطفي…، نورا عبد الباسط…، نادية…، إكرام…،  رجاء…، بنات…، سهير…، بمنعها من دخول الوحدة، والتعدي عليها بالسب والضرب، وقالوا لها: “يا سافلة يا كافرة يا زبالة”، وأضافت بأن لولا… هي التي قامت بدفعها مما أدى إلى سقوطها على الأرض، وكان ذلك بتحريض من محمود… وبالاشتراك معه بأن قام بجذبها من ملابسها من الخلف، في حضور كل من: محمد علي…، وصابر…، ومحمد سالم…, وعماد الدين…، وأشارت إلى أن هذا المسلك من جانبهم لكونهم غير منضبطين في عملهم، ويرفضون نصائحها، وأشارت إلى أنها تعاملهم جميعا معاملة حسنة.

وبسؤال محمد على… عامل بمنظومة النظافة شهد بأن العاملين بمركز المعلومات كانوا جالسين بالكراسي أمام الباب الداخلي للوحدة يوم 16/6/2013، فطلب منهم محمود… منع رئيسة الوحدة من الدخول، ثم قامت لولا… بدفع رئيسة الوحدة، فوقعت الأخيرة على الأرض، وقام محمود… بجذب رئيسة الوحدة من ملابسها من الخلف، مما أدى إلى تعرية ظهرها ووقوعها على ظهرها أمام الناس، وأضاف أن العاملين بمركز المعلومات تعدوا على رئيسة الوحدة بالألفاظ الخارجة، وأضاف أن كلا من: لولا…, ومحمود… تعدَّيَا على رئيسة الوحدة بالضرب.

وبسؤال أمجد… عضو الشئون القانونية بمجلس مدينة أشمون، شهد بأن الشئون القانونية قامت بالتحقيق في واقعة انصراف بعض العاملين بالوحدة المحلية بقورص، وترك العمل بدون إذن الساعة الواحدة ظهر يوم 12/6/2013، واستنادا إلى ذلك صدر القرار رقم 489 لسنة 2013 بمجازاة سافيناز…, ونادية…, وجيهان…, وأمل…, وسهير…, ورجاء…, وإكرام…, ومجدي…، وممدوح…, وسامح…, ونادية… بخصم يوم من راتبهم.

وبسؤال صابر… ردد مضمون أقوال محمد علي…، وبسؤال مجدي… فني تنظيم بالوحدة المحلية بقورص، اعترف بقيامه بالاشتراك مع أغلب العاملين بالوحدة يوم 16/6/2013 بغلق الباب الداخلي والخارجي للوحدة بسبب اضطهاد رئيسة الوحدة لجميع العاملين ومعاملتهم معاملة سيئة، وأضاف أنه وزملاءه كانوا موجودين يوم 16/6/2013 أمام الباب الداخلي للوحدة، وعندما رأوا رئيسة الوحدة آتية قاموا بمنعها من الدخول، وأنكر تعديهم عليها بالسب أو بالضرب.

وبسؤال سامح… مسئول مرتبات بالوحدة المحلية بقورص، اعترف بأنه اشترك مع بعض العاملين بالوحدة بالاعتصام داخل الوحدة، وأنهم أغلقوا الباب الداخلي والخارجي بالأقفال يوم الخميس الموافق 13/6/2013 بسبب اضطهاد رئيسة الوحدة لهم، وأنه فى يوم الأحد الموافق 16/6/2013 اشترك مع زملائه في الاعتصام أمام باب الوحدة، ومنعوا رئيسة الوحدة من الدخول، ونفى تعديه عليها بالضرب أو الألفاظ، وعلل اشتراكه في هذا الاعتصام بأن رئيسة الوحدة أحدثت فتنة بينهم.

وبسؤال محمد شفيق…، وممدوح…، وسافيناز…، وسعيد…، ورجاء…، ومحمد سيد…، ومحمود…، ونادية…، ومحمد عبد العزيز…, ولولا…, وزينب…, ونورا لطفي…, ونورا عبد الباسط…, وإكرام…، وبنات…، اعترفوا جميعا بالاعتصام لمنع رئيسة الوحدة من الدخول، ونفوا واقعة التعدي عليها باللفظ أو الضرب.

– وانتهت النيابة الإدارية إلى قيد الواقعة مخالفة إدارية بالمواد 76/1/3، 78/1، 80، 82 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ضد محمود…, ولولا…, وسافيناز…, ومحمد شفيق…, ومحمد السيد…، ومجدي…، وسامح…، وممدوح…, ونادية…, ورجاء…، وزينب…, ونورا لطفي…، ونورا عبد الباسط…، وإكرام…، وبنات…, وسهير…, ومحمد عبد العزيز…؛ لأنهم يومي 13و16/6/2013 بمقر عملهم بالوحدة المحلية بقورص لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وسلكوا مسلكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة وذلك بأن:

المخالفون من الأول حتى العاشر: اشتركوا جميعا في الاعتصام بالوحدة المحلية بقورص يومي 13و16/6/2013 وأغلقوا باب الوحدة، ومنعوا دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة أعمالهم، مما أدى إلى تعطيل العمل في هذين اليومين.

المخالفون من الحادي عشر وحتى السادس عشر: اشتركوا مع المخالفين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة المحلية بقورص يوم 16/6/2013، ومنعوا دخول رئيسة الوحدة لمباشرة عملها وبعض العاملين الآخرين بالوحدة مما أدى إلى تعطيل العمل.

المخالف السابع عشر: اشترك مع المخالفين من الأول حتى العاشر فى الاعتصام بالوحدة، وغلق أبواب الوحدة يوم 13/6/2013 ومنع دخول رئيسة الوحدة وخروج معدات منظومة النظافة بالوحدة مما أدى إلى تعطيل العمل.

– وأمرت النيابة الإدارية بإحالتهم إلى المحاكمة التأديبية، وقد نظرت الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية بالمنوفية على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 29/12/2014 قضت بمجازاتهم بعقوبة الإحالة على المعاش، وأقامت قضاءها على أن المخالفة المسندة إليهم ثابتة في حقهم بيقين.

– ويقوم الطعن على أن الحكم المطعون عليه خالف القانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله، لأنه قضى بإدانتهم بنصوص قانونية سابقة على الاتفاقية الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية، والتي كفلت حق الإضراب، كما أنه لم يشر إلى المستندات التي قدموها والتي تؤكد أن الحملة الميكانيكية كانت تسير بانتظام، وأن الحضور والانصراف كان يسير بوضع طبيعي، وأن حركة الخزينة لم تتوقف، وأن العقوبة التي وقعها لا تتناسب مع الذنب الذي ارتكبوه.

………………………………………………….

وحيث إنه عما يثيره الطعن من أن محكمة أول درجة قضت بإدانتهم بنصوص قانونية سابقة على الاتفاقية الدولية، التي كفلت حق الإضراب، فإن المحكمة تنوه بادئ ذي بدء إلى أن المقصود بالإضراب هو امتناع العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم, وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف، ومع استمرار تمسكهم بها، وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن احتجاجهم على أوضاع معينة، أو عن مطالب معينة، يطالبون المسئولين بتحقيقها، أو بقصد إظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم، والإضراب بهذا المعنى يتنافى مع مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد، فإن كانت الحكومة تتضرر من هذا التصرف، فإن الضرر الأكبر يلحق بأفراد المجتمع الذين يحرمون من الخدمة التي يقدمها عمال هذا المرفق، ومن ثم فإن الإضراب هو تمرد عمال المرافق العامة على السلطة، وعلى النظام، لأنه يسعى إلى تحريك الرأي العام ضد النظام الذي يعتبره الأفراد هو المسئول أمامه عن تشغيل المرافق ذات النفع العام.

أما المظاهرة فهي اجتماع عدة أشخاص في الطريق العام، للتعبير عن إرادة جماعية أو مشاعر مشتركة، فإن كان هذا الاجتماع ثابتا سمى تجمعا، وإن كان متنقلا سمى موكبا.

وقد مر حق الإضراب في مصر بمراحل تشريعية عديدة، فلم يكن الإضراب في القانون المصري معاقبا عليه حتى عام 1923، اكتفاء بالعقوبات التأديبية التي كان يمكن توقيعها على المضربين، والتي كانت تصل أحيانا إلى حد العزل من الوظيفة، وإزاء كثرة الإضرابات سواء من جانب العمال أم من الموظفين تنبه المشرع إلى خطورة ذلك وإلى عدم كفاية العقوبات التأديبية في هذا الشأن، فأصدر القانون رقم 37 لسنة 1923([4]), الذي ميز بين فئتين: (الأولى) عمال المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر، و(الثانية) عمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، فبالنسبة إلى الفئة الأولى: كانوا يعاقبون على الإضراب في حالتين:

  1. إذا اتفق ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين، وتركوا عملهم بدون مسوغ شرعي، فكانوا يعاقبون بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مئة جنيه.
  2. وتطبق هذه العقوبة على كل موظف أو مستخدم عام امتنع عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفته، إذا كان امتناعه يجعل أو من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، وكذلك إذا نشأت عنه فتنة أو إذا أضر بمصلحة عامة.

أما بالنسبة إلى الفئة الثانية، وهم عمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، فكانت القاعدة المطبقة في ظل التشريع المصري هي الاعتراف بحق الإضراب بالنسبة لعمال القطاع الخاص، ولكن نظرا إلى الطابع الخاص للمرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، وأهمية وحيوية هذه المرافق فيما يتعلق بخدمة الجمهور، فلم يحرم المشرع العاملين بهذه المرافق من ممارسة الإضراب، بل وضع لهم شروطا لممارسة هذا الحق، فنصت المادة (327 مكررا) من قانون العقوبات الأهلي المضافة بموجب القانون رقم 37 لسنة 1923 على أنه: “محظور على المستخدمين والأُجَرَاء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة كالسكك الحديدية والترامواي والتنوير وتوريد المياه وما شابه ذلك أن يتوقفوا عن العمل كلهم معا، أو جماعات منهم، بكيفية يتعطل معها سير العمل في تلك المصلحة، بدون أن يخطروا المدير أو المحافظ بذلك قبل الوقت الذي ينوون فيه التوقف عن العمل بخمسة عشر يوما على الأقل، ويقدم هذا الإخطار بالكتابة، ويكون موقعا عليه بإمضاء أو ختم المستخدمين والأُجَراء الذين ينوون التوقف عن العمل، وتبين فيه أسباب هذا التوقف، ويعطَى لذوي الشأن وصلٌ يذكر فيه تاريخ استلام الإخطار وساعته.

والتوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة في الفقرة السابقة والميعاد المنصوص عليه فيها يعد جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد على خمسين جنيها…”.

وطبقا للنص المتقدم كان الإضراب بالنسبة لموظفي وعمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز مشروعا، وذلك بمراعاة الشروط المنصوص عليها قانونا، وفي حالة ممارسة تلك الفئة للإضراب بدون مراعاة لتلك الشروط يعد الإضراب غير مشروع، ويعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها.

ولما كثرت الإضرابات على الرغم من النصوص القانونية التي تجرمها أصدر المشرع المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946([5])، وتناول هذا المرسوم أحكام الإضراب في قانون العقوبات بالتعديل والإضافة، فعدل المادة 124 منه وأضاف المواد 124 (أ) و124 (ب) و124 (ج) وعدل المادة 374 وأضاف المادة 374 مكررا وعدل المادة 375 منه، إذ نصت المادة (124) من قانون العقوبات بعد تعديلها بذلك المرسوم على أنه: “إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم، ولو في صورة الاستقالة، أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم، متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك, عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد عن خمسين جنيها.

ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس، أو إذا أضر بمصلحة عامة.

وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها…”.

ونصت المادة (124 أ) على أن: “يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة 124 كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها. ويعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة، إذا لم يترتب على تحريضه أو تشجيعه أية نتيجة. وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين…”.

ونصت المادة (124 ب) على أن: “يعاقب بالعقوبات المبينة في الفقرة الثانية من المادة 124 كل من يعتدي أو يشرع في الاعتداء على حق الموظفين العموميين في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة على الوجه المبين في المادة 375 من هذا القانون”.

ونصت المادة (124 (ج) على أنه: “فيما يتعلق بتطبيق المواد الثلاث السابقة يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الأجراء الذين يشتغلون بأية صفة كانت في خدمة الحكومة أو في خدمة سلطة من سلطات الأقاليم أو السلطات البلدية أو القروية…”.

ونصت المادة (374) على أنه: “يحظر على المستخدمين والأجراء الذين يقومون بخدمة عامة أو بالخدمة في المرافق العامة أو بعمل يسد حاجة عامة، ولو لم يكن موضوعا له نظام خاص، أن يتركوا عملهم أو يمتنعوا عنه عمدا. وتجرى في شأن ذلك جميع الأحكام المبينة في المادتين (124) و(124/أ)، وتطبق العقوبات المنصوص عليها فيهما على هؤلاء المستخدمين والأجراء وعلى المحرضين والمشجعين والمحبذين والمذيعين على حسب الأحوال”.

ونصت المادة (375) على أن: “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو تدابير غير مشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق من الحقوق الآتية:

(أولا) حق الغير في العمل.

(ثانيا) حق الغير في أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص.

(ثالثا) حق الغير في أن يشترك أو لا يشترك في جمعية من الجمعيات. …”.

ومفاد النصوص المتقدمة أن المشرع في قانون العقوبات معدلا بموجب المرسوم بقانون 116 لسنة 1946 عاقب على الإضراب الذي يقع من ثلاثة على الأقل من الموظفين العموميين، ولم يقتصر تجريم المشرع للإضراب على ذلك الذي يقع من ثلاثة أشخاص فأكثر، بل امتد ليشمل التجريم كل موظف ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، ولم يشترط المشرع للعقاب على الإضراب أن يقع نتيجة اتفاق على الامتناع عن العمل، بل اكتفى بأن يقع الإضراب بقصد تحقيق غرض مشترك ولو لم يسبقه اتفاق، وضاعف المشرع الحد الأقصى للعقوبة إذا كان ترك العمل أو الامتناع عنه من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، وأكد المشرع أن الإضراب أصبح معاقبا عليه في جميع الأحوال سواء استند إلى دافع شرعي أم لم يستند إليه، وساوى هذا القانون من حيث تجريم الإضراب بين الموظفين العموميين الذين يعملون في المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر والعمال الذين يعملون في المرافق التي تدار بطريق الامتياز، واتجه إلى التعميم في الحكم فيما يتعلق بالإضراب الذي أصبح معاقبا عليه في جميع الأحوال مما يكشف عن تشدد واضح في مسلكه.

ثم أصدر المشرع القانون رقم 24 لسنة 1951 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات،  وقد اقتصر التعديل الذي أدخله على تشديد العقوبات الواردة بالمرسوم بقانون رقم (116) لسنة 1946، بالإضافة إلى حظر نشر أخبار إضرابات الموظفين، ولو كانت صحيحة، فنصت بموجبه الفقرة الأولى من المادة (124) من قانون العقوبات على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة وغرامة لا تزيد على مئة جنيه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك، ونص في الفقرة الثالثة من تلك المادة على عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسين جنيها إذا امتنع موظف عن عمل من أعمال وظيفته أو ترك عمله بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، ونص في الفقرة الرابعة على أن يعاقب بالعقوبة نفسها كل من حبذ على جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين من هذه المادة أو في الفقرة الأولى من المادة (124)، ثم عدل صياغة المادة (375) دون أن يمس هذا التعديل الحكم القانوني الوارد فيها.

ثم أصدر المشرع بعد ذلك القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية الوطن والمواطن الذي تضمن مادة وحيدة تتعلق بحق الإضراب، وهي المادة السابعة منه، والتي تنص على أن: “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم عمدا متفقين في ذلك أو مبتغين تحقيق غرض مشترك، إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد القومي”.

وقد جاءت عبارات هذا النص عامة، حيث تنطبق على جميع العاملين بالدولة، والقطاع العام والقطاع الخاص، واشترط المشرع لتوقيع هذه العقوبة أن يكون الإضراب مما يهدد الاقتصاد القومي، أما الإضراب في عكس ذلك من الحالات فإنه تطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالإضراب الواردة في قانون العقوبات.

وقد تعرض هذا القانون لانتقادات كثيرة إزاء العقوبة المشددة الواردة بالمادة السابعة منه، فأصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 194 لسنة 1983 بإلغاء القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977، وبإلغاء هذا القانون أصبحت نصوص قانون العقوبات معدلا بموجب القانون رقم 24 لسنة 1951 هي الحاكمة لإضراب موظفي وعمال المرافق العامة، أما عمال القطاع الخاص فإضرابهم يخضع لنصوص قانون عقد العمل الموحد، ونصوص قانون العقوبات في حالات معينة.

ثم وقعت مصر في 4/8/1967 على اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونصت المادة الثامنة من هذه الاتفاقية على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني، وقد تحفظت الحكومة المصرية في وثيقة التصديق تحفظا عاما هو الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم تعارض الاتفاقية معها، وبتاريخ 1/10/1981 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 537 لسنة 1981 بالموافقة على هذه الاتفاقية مع الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم تعارضها معها، ثم أصدر وزير الخارجية قرارا بتاريخ 14/4/1982 بنشر هذه الاتفاقية في الجريدة الرسمية, وتم نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية في العدد رقم 14 بتاريخ 8/4/1982 وعمل بها اعتبارا من 14/4/1982، ومن ثم فإن الحكومة المصرية وإن كانت قد تعهدت بكفالة حق الإضراب إلا أنها اشترطت لإعمال هذا الحق مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية.

وحيث إن الإضراب سواء كان من الحقوق أو من الحريات, فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا الحق، وبعدم الانحراف عن الغاية منه، ولا شبهة في أن الفقه الإسلامي هو المصدر التاريخي لنظرية التعسف في استعمال الحق بما يوجب الرجوع إلى هذا الفقه لبحث مدى مطابقة الاتفاقية التي وقعت عليها الحكومة المصرية في 4/8/1967 لأحكام هذه الشريعة.

وحيث إن الفقه الإسلامي قسم المصالح من حيث تحقيقها إلى ثلاثة أنواع: (أولها) يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق جميعهم، و(ثانيها) يتعلق بالمصلحة الأغلب، و(ثالثها) يتعلق بمصلحة خاصة، وتجرى المفاضلة بين هذه الأنواع الثلاثة على وفق ترتيبها السالف، ومن خلال ذلك استقرت في الفقه الإسلامي قواعد أصولية منها: أن الضرر يزال، وقاعدة الضرر الأشد يزال بالأخف، وقاعدة الضرر الخاص يُتَحمل لدفع ضرر عام، وقاعدة درء المفاسد يقدم على جلب المنافع، وقاعدة الضرر يُدفع بقدر الإمكان، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله، ومن ثم فإن أحكام الشريعة الإسلامية لا تجيز الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كانت المصلحة التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة، وهي لا تجيز الإضراب أيضا إذا كان صادرا عن العاملين في مرفق عام مادام سيؤدى إلى توقف العمل في هذا المرفق، وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التي يقدمها، ومن ثم فإنه لا مجال لإعمال هذه الاتفاقية متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية على النحو المبين سالفا.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الحكومة المصرية بصفتها من أشخاص القانون العام بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها بشرط مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتعديل تشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقية بتلك الصيغة، أو لتقريرها إن كانت تشريعاتها تخلو من مثل هذه الحقوق، ومن ثم فإن هذه الاتفاقية لم تلغِ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات؛ لأن الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الحديث على محل واحد، يستحيل معه إعمالهما فيه، وفى هذه الحالة وحدها، يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى ضمنا التشريع القديم، وهو ما لم يحدث للنصوص المجرمة لحق الإضراب، فإعمال حق الإضراب لتلك الاتفاقية رهين بوضع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

ولا يغير من هذا النظر أن هذه الاتفاقية أصبحت بعد التصديق عليها وصدورها في شكل تشريع, وأنها بنشرها في الجريدة الرسمية أصبحت جزءا من القانون الداخلي، وتتبوأ مكانته، وتحتل مكانته، ويترتب عليها بطلان النصوص القانونية التي تجرم الإضراب، وأن هذه النصوص أصبحت منسوخة بهذه الاتفاقية تطبيقا لقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق في المسألة التي يتصدى لها القانون؛ ذلك لأن هذه الاتفاقية لم تلغ هذه النصوص، لأنه لم يرد بها نص جديد يلغي النص القديم، ولأن الإلغاء لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الجديد على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه، والدليل أن قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر في 1/10/1981، وكانت الحكومة المصرية قد وقعت على هذه الاتفاقية في 4/8/1967 متحفظة في ذلك بوجوب مطابقة أحكام هذه الاتفاقية لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولأن أحكام هذه الشريعة لا تجيز توقف عمال المرافق العامة عن تقديم الخدمة التي تقدمها إلى الجمهور، فقد أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد التوقيع على هذه الاتفاقية المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل، ونص في المادة الأولى منه على أنه: “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر، يُعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام أثناء سريان حالة الطوارئ بعمل وقفة أو نشاط ترتب عليه منع أو تعطيل أو إعاقة إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة أو إحدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء أعمالها.

ويُعاقب بذات العقوبة المقررة في الفقرة السابقة كل من حرض أو دعا أو روج بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة من طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (171) من قانون العقوبات لأي من الأفعال السابقة ولو لم يتحقق مقصده. …”.

ومفاد ما تقدم أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، وإن كانت الحكومة تعهدت في الاتفاقية التي وقعتها في 4/8/1967 بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية, فإن السلطة التشريعية ملزمة بأن تنظم حق الإضراب بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التي تجب ممارستها على وفق ضوابط معينة, ولا يجوز التعسف في استعمالها، ومن ثم فإن إضراب الموظفين العموميين وإن كان يشكل جريمة جنائية فإنه يعد جريمة تأديبية أيضا، فالموظف العام قد اختير لأداء مهمة معينة على وفق قاعدة التخصص وتقسيم العمل، ومن ثم فإنه يتعين عليه أن يسلك السبيل الذي تحدده القوانين والتقاليد الحكومية التي يتكون من مجموعها المركز النظامي الذي يشغله، ومن ثم فهو ملزم بأداء العمل المنوط به في الوقت المخصص لذلك، وفي المكان المخصص له، وأن يطيع رؤساءه لأن طاعة الرؤساء تعد العمود الفقري في كل نظام إداري، وإذا تسرب إلى هذا المبدأ أي خلل فلن يجدي في إصلاح الإدارة أي علاج.

وأن الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى علم أحد العاملين أمر مكفول، بل واجب عليه، توخيا للمصلحة العامة، ولو كانت تمس الرؤساء، إلا أنه يتعين عليه عند قيامه بهذا الإبلاغ ألا يخرج عما تقتضيه واجبات الوظيفة العامة من توقير الرؤساء واحترامهم.

كما يجب على الموظف أن يخلص في أداء العمل المنوط به، وهو مطالب بالتعاون مع زملائه لأن العمل الإداري هو عمل جماعي، ونظرا لأن الموظف هو أداة الدولة والمنفذ لمشيئتها، ومن ثم فإن الموظف ملزم كل في مجال تخصصه بتنفيذ مشيئة السلطات العامة، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإداري بالولاء الوظيفي، ومن ثم فهو ملزم بأن يؤدي واجبه بغاية الإخلاص والأمانة بغض النظر عن عقيدته وانتماءاته.

ولا يكفي أن يؤدي عمله على وفق القواعد السالفة، بل يتعين أن يسلك في حياته مسلكا حسنا، وإنه وإن كان من حقه إبداء الرأي في الأمور العامة، لكن عليه وهو يمارس هذا الحق أن يتذكر دائما أنه موظف عام، وأنه يجب أن يلتزم في جميع تصرفاته بمقتضيات الوظيفة العامة، فتنفيذ التعليمات طبقا لسياسة الدولة لا يكفي للقول بأن الموظف قد أدى واجبه؛ لأنه ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم، والقدر الأدنى في هذا الأمر يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة، وفلسفتها الاجتماعية في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة، وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة، أو أي تصرف يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه.

وعلى هذا الأساس فإن كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، وكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العامة، فإنه يرتكب جريمة تأديبية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب.

أما بالنسبة للتظاهر فقد تعاقبت الدساتير المصرية وتواترت نصوصها على الاعتراف بحق الأفراد في حرية الاجتماع، لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة إلى حق التظاهر السلمي والسير في المواكب، فدستور سنة 1923 هو أول الدساتير المصرية الذي نص في المادة (30) منه على أن للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحا، ولكن هذا الحكم لا يجري على الاجتماعات العامة، فهي خاضعة لأحكام القانون.

ولما صدر دستور 1930 تضمن النص على حرية الاجتماع في المادة (20)، ونص على الحقوق والحريات التي تضمنها دستور سنة 1923، إلا أن تلك النصوص كانت تقرر المبادئ العامة في شأن الحقوق والحريات وتحيل تنظيمها للقوانين.

ولم ينص الإعلان الدستوري الصادر في 10/2/1953 صراحة على حق التظاهر السلمي ولم ينص أيضا على حرية الاجتماع، وإن كان هذا الحق يستفاد ضمنا من نصوص ذلك الإعلان، خاصة المادة الثالثة منه التي نصت على أن الحرية الشخصية، وحرية الرأي مكفولتان في حدود القانون.

ولما صدر دستور سنة 1956 نصت المادة (46) منه صراحة على أن: ” للمصريين حق الاجتماع في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز للبوليس أن يحضر اجتماعاتهم. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون. على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب”.

ولم يذكر دستور 1958 حق التظاهر وحق الاجتماع ومعظم الحقوق والحريات التي كان منصوصا عليها في دستور سنة 1956, ونص صراحة على أن الحريات العامة مكفولة في حدود القانون.

ونص دستور سنة 1964 في المادة (37) على أن”للمصريين حق الاجتماع في هدوء، غير حاملين سلاحا، ودون حاجة إلى إخطار سابق. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون”.

وقد أكد دستور سنة 1971 على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي في حدود القانون.

 كما نص الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 في المادة (16) منه على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي في حدود القانون.

ووفقا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن تقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات في الطرق العمومية([6]) فإن الاجتماعات العامة حرة، والمظاهرات في الطريق حرة أيضا، على أن تكون تلك الممارسة مقيدة بنصوصه، وقد أوجبت الفقرة الأولى من المادة الثانية من هذا القانون على من يريد تنظيم اجتماع عام أن يخطر بذلك المحافظ أو المديرية، فإذا كان يريد عقد الاجتماع خارج مقر المحافظة أخطر سلطة البوليس في المركز، ويكون الإخطار قبل الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل.

وليس في إخضاع المظاهرات لقيدٍ، خروجٌ عن منطق الحرية؛ إذ لا يعدو أن يكون من قبيل الإجراءات الوقائية.

وطبقا للمادة (11) من القانون المذكور فإن الاجتماعات أو المواكب أو المظاهرات التي تقام أو تسير بغير إخطار عنها، أو رغم الأمر الصادر إليها بمنعها، يعاقب الداعون إليها والمنظمون لها وكذلك أعضاء لجان الاجتماعات بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور، وبغرامة لا تتجاوز مئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يحول تطبيق أحكام هذا النص دون توقيع عقوبة أشد عن الأعمال نفسها مما يكون منصوصا عليه في قانون العقوبات أو في القانون رقم 10 لسنة 1914 الخاص بالتجمهر أو في أي قانون آخر من القوانين المعمول بها.

وخلاصة ما تقدم أن الدستور قد أعلى من شأن الحريات، بما فيها حق الأفراد في التظاهر السلمي، وأباح للمواطنين الحق في التظاهر على أن يتم ممارسة هذا الحق في إطار أحكام القانون الذي يقوم على تنظيمه.

– وحيث إنه يتعين بادئ ذي بدء بيان ما إذا كان إغلاق باب مقر العمل والاعتصام داخل مبنى الوظيفة يعد عملا مباحا أو يشكل مخالفة تأديبية، فالمعروف أن المظاهرة تكون في طريق أو ميدان عام، وأن الاجتماع ينعقد أيضا في مكان أو محل عام، وأن التجمهر لا يكون إلا في طريق أو مكان عام، ومن ثم فإن الاعتصام لا يعد مظاهرة، ولا اجتماعا، ولا تجمهرا، بل هو في حقيقته إضراب، وذلك لانقطاع بعض العاملين عن أداء أعمالهم وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف، وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن احتجاجهم على وضع معين، وهذا المسلك يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ويؤدى إلى إلحاق أفدح الأضرار بالكيان الاجتماعي والاقتصادي بوجه عام، وهو يشكل خروجا عن مقتضيات واجب الوظيفة العامة التي توجب على الموظف أن يكرس كامل وقته لأداء واجبات وظيفته، وممنوع عليه أن يتغيب عن العمل لأي سبب كان إلا بإذن، فإنه ممنوع عليه من باب أولى أن يضرب عن العمل؛ لأن الإضراب فيه معنى التعطيل العمومي للمرفق العام، وقد حرم المشرع الإضراب على جميع العاملين، لا في الحكومة بمعناها الضيق أو الواسع فحسب، بل في جميع المشروعات ذات النفع العام.

ولا يمكن اعتبار توقيع الحكومة المصرية على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلغاءً ضمنيا للنصوص المجرمة للإضراب؛ ذلك لأن الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الجديد على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه، وفي هذه الحالة يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى ضمنا التشريع القديم وهو ما لم يحدث للنصوص المجرمة، فضلا عن أن هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الدولة بصفتها من أشخاص القانون الدولي بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، وقد اشترطت الحكومة لإعمال هذه الاتفاقية أن يكون إعمالها بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن إعمال حق الإضراب على وفق تلك الاتفاقية رهين بوضع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وإذ لم تصدر هذه القوانين حتى هذه اللحظة بل أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 12/4/2011 المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، فإن هذا يقطع بأن المشرع المصري تبنى موقفا متشددا إزاء إضراب الموظفين.

وإذ كانت أحكام الشريعة الإسلامية قد استنت قاعدة “درء المفاسد يقدم على جلب المنافع”، وقاعدة “الضرر لا يزال بمثله”، وإذ كان الإضراب يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع الوحدة المحلية؛ فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك، لا لما فيه من إضرار بالناس فحسب، بل لأنه يعد  تمردا على السلطة الرئاسية، فطاعة الرئيس واجبة، فإذا تسرب إلى هذا المبدأ أي خلل فلن يجدي في إصلاح الإدارة أي علاج.

وطاعة المرءوس لرئيسه لا تعني تجريد المرءوس من شخصيته واستقلاله، فلا تثريب على الموظف إن كان معتدا بنفسه وواثقا من سلامة نظره، شجاعا في إبداء رأيه، مادام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار، وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك، ومن حق المرءوس أن يبلغ السلطات المختصة بالمخالفات التي تصل إلى علمه حتى لو كان مرتكبها هو رئيسه؛ لأن هذا الإبلاغ هو واجب عليه توخيا للمصلحة العامة، أما الاعتصام والمطالبة باستبعاد الرئيس فهو ليس الوسيلة التى حددها المشرع للإبلاغ عن المخالفات التي يرتكبها الرئيس.

وإذ كان الاعتصام يشكل مخالفة إدارية على النحو المبين سالفا فإن الاعتصام مع احتلال مقر العمل هو أبشع أنواع الجرائم التأديبية، وقد حرم مجلس الدولة الفرنسي هذا المسلك في حكمه الشهير legrand  الصادر في 11 فبراير سنة 1961، حيث قرر أنه ليس للمضربين حق احتلال الأماكن الإدارية، لتعارضه مع الغاية من الإضراب بوصفه شكلا من مظاهر التعبير عن الرأي وصورة من صور الاحتجاج على أوضاع معيبة، والذي يجب أن يبعد عن صور التعسف في استعماله.

وحيث إنه عما إذا كان غلق باب مقر العمل لمنع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من الدخول لمباشرة أعمالهم يعد مخالفة إدارية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب، أم يعد عملا مباحا؟ فإن المادة (375) من قانون العقوبات معدلة بالقانون رقم 24 لسنة 1951 تعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه كل من استعمل القوة أو تدابير غير مشروعة في الاعتداء على حق الغير في العمل، كما تعاقب بالعقوبة نفسها كل من يحرض الغير بأية طريقة على ارتكاب هذه الجريمة، ومن ثم فإن منع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من دخول مقر الوظيفة لمباشرتهم أعمال وظائفهم يشكل جريمة جنائية، كما يعد في الوقت نفسه خروجا صارخا عن مقتضيات الوظيفة العامة؛ لأن الموظف مطالب بالتعاون مع زملائه ورئاسته لأن العمل الإداري هو عمل جماعي، ولهذا حرص المشرع على النص على هذا الواجب صراحة في الفقرة السابعة من المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ومن بعده قانون الخدمة المدنية، فالتعاون المطلوب من الموظف له جانبان: جانب سلبي من مقتضاه ألا يضع العراقيل في سبيل أداء الزملاء لواجباتهم، والثاني إيجابي: يتمثل في معاونة الرئيس والزملاء والأخذ بيدهم لما فيه صلاح الإدارة، ومن ثم فإن منع العاملين من دخول الوحدة يشكل خروجا صارخا عن مقتضى الواجب الوظيفي، ومسلكا معيبا لا تقره القوانين واللوائح والشرائع الإدارية.

وحيث إنه عما نسب إلى الطاعنين من الأول حتى العاشر من أنهم لم يؤدوا العمل المنوط بهم يومي 13 و16/6/2013، وأنهم سلكوا مسلكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب، بأن اشتركوا في الاعتصام بالوحدة المحلية وأغلقوا باب الوحدة ومنعوا دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة أعمالهم، مما أدى إلى تعطل العمل في هذين اليومين، فإن هذه المخالفة ثابتة في حقهم بما شهد به محمد سالم… رئيس شئون العاملين، وأحمد… نائب رئيس مجلس مدينة أشمون، وعيد… سكرتير الوحدة المحلية بقورص سابقا، وثابتة أيضا باعترافهم.

وحيث إنه عما نسب إلى الطاعنين من الحادي عشر وحتى السادس عشر من اشتراكهم مع الطاعنين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة يوم 16/6/2013 ومنعهم دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة عملهم، مما أدى إلى تعطيل العمل، فإن هذه المخالفة ثابتة في حقهم باعترافهم.

وحيث إن ما نسب إلى الطاعن الأخير من اشتراكه مع الطاعنين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة يوم 13/6/2013 والاعتصام فيها ومنع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من الدخول لمباشرة أعمالهم مما أدى إلى تعطيل العمل، فإن هذه الواقعة ثابتة فى حقه باعترافه.

وحيث إنه في مجال تقدير العقوبة فإن المحكمة يتبين لها من مطالعة الأوراق والتحقيقات، وما أدلى به السيد/ محمد سالم… رئيس شئون العاملين أنه لما سأل السيد/ محمد عبد العزيز… عن سبب غلق موظفي مركز المعلومات باب الوحدة وجلوسهم على مقاعد أمام الباب الداخلي لمنع دخول العاملين أجابه: “اللي عجبه يقعد واللي مش عجبه يروح”، ولما كان السيد/ محمد عبد العزيز… هو مدير مركز المعلومات، فإنه كان يجب أن يكون مثالا يحتذى به، لاسيما أنه المسئول عن سير العمل, ومن ثم فإن ما نسب إليه يشكل في حقه خروجا صارخا عن مقتضى الواجب الوظيفي ومسلكا معيبا لا تقره القوانين ولا اللوائح ولا الشرائع الإدارية.

كما تبين للمحكمة مما شهد به السيدان/ محمد علي… وصابر… أن السيد/ محمود… مسئول المتابعة بالوحدة المحلية بقورص هو الذي طلب من العاملين بمركز المعلومات منع رئيسة الوحدة من الدخول يوم 16/6/2013، وهو الذى قام بجذب رئيسة الوحدة من ملابسها من الخلف، وأن زميلته لولا… قامت بدفعها، مما أدى إلى وقوعها وتعرية ظهرها أمام الجميع، وهو جرم تأديبي يستوجب مؤاخذتهما بالشدة.

وإذ قضى الحكم المطعون فيه بمجازاتهم بعقوبة الإحالة على المعاش فإن هذا الحكم يكون قد صدر صحيحا محمولا على سببه، كما جاءت العقوبة متناسبة تماما مع الجرم المرتكب والثابت في حقهم.

وحيث إنه عن باقي الطاعنين فإن المحكمة حفاظا منها على مستقبلهم الوظيفي؛ فإنها تأخذهم بالرأفة، مراعية في ذلك حداثة عهدهم بالوظيفة العامة.

ولا يغير مما تقدم ذلك الإقرار الذي اعترف فيه السيد/ محمد عبد العزيز… من أنه هو وحده الذي قام بغلق باب الوحدة يوم 13/6/2013 وهو الذي منع رئيسة الوحدة من الدخول؛ ذلك لأن المحكمة لا تطمئن إلى هذا الإقرار, ولا تعول عليه بعد أن أكد الشهود ارتكاب الطاعنين للمخالفات المسندة إليهم.

كما لا ينال مما تقدم أيضا ما أثاره الطاعنون من أن السيدة رئيسة الوحدة المحلية كانت تعاملهم معاملة سيئة وأنها التي دفعتهم لارتكاب هذا الجرم؛ ذلك لأنه كان من المتعين عليهم إبلاغ الجهات المختصة بكل ما ارتكبته من مخالفات، وانتظار نتيجة التحقيق الذي تجريه هذه الجهات، أما الاعتداء عليها وجذبها من ملابسها وتعرية ظهرها فهو فعل لم يكن المقام يقتضيه ولا يبرره.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة محمود…، ولولا…, ومحمد عبد العزيز… بعقوبة الإحالة على المعاش، وبتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة باقي الطاعنين بتأجيل ترقيتهم لمدة سنتين من تاريخ استحقاقها.

([1]) راجع وقارن بالمبدأ رقم (105) في هذه المجموعة، وهامشه.

([2]) راجع وقارن بما انتهت إليه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 25 من يوليو سنة 2015 في الطعون أرقام 48967 و5221 و54130 لسنة 60 القضائية (عليا) و61839 لسنة 61 القضائية (عليا)، المنشور بهذه المجموعة برقم (105)، وهامشه.

([3]) على خلاف هذا النظر: حكم الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 17/6/2017 في الطعن رقم 27047 لسنة 61 القضائية عليا (قيد النشر بمجموعة السنة 62 مكتب فني)، حيث أكدت المحكمة أن أحكام الإضراب الواردة في قانون العقوبات قد ألغيت ضمنا اعتبارا من نفاذ اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي وقعت عليها مصر في 4/8/1967.

([4]) بشأن إضافة أحكام لقانون العقوبات الأهلي، الصادر بالأمر العالي المنشور في الوقائع المصرية بتاريخ 20/2/1904، والملغى لاحقا بموجب القانون رقم (58) لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات.

([5]) بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937.

[6])) الملغى لاحقا بموجب القرار بقانون رقم (107) لسنة 2013 في شأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV