برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ سالم عبد الهادي محروس جمعة
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمود شعبان حسين رمضان، وحسام محمد طلعت محمد السيد، وسامح جمال وهبة نصر.
نواب رئيس مجلس الدولة
المبادئ المستخلصة:
(أ) دعوى– دفوع في الدعوى– الدفع بتزوير محرر رسمي- الادعاء بتزوير محرر رسمي أمام المحكمة التى قدم إليها المحرر يكون على وفق الإجراءات والشروط التي حددها القانون- لا إلزام على المحكمة أن تحيل الدعوى إلى التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها- للمحكمة أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها، وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ادعائه.
– المادة (49) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم (25) لسنة 1968.
(ب) هيئة قضايا الدولة– شئون الأعضاء– التعيين في وظيفة مندوب مساعد– السلطة التقديرية للجنة المقابلة- اجتياز مقابلة هذه اللجنة يعد شرطا لازما يضاف لشروط التعيين المقررة قانونا- لا تتقيد هذه اللجنة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها، فلا تتقيد بأية اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توفر أو عدم توفر تلك الأهلية، كما لا تتقيد بأي ضوابط أخرى، فسلطتها في الاختيار سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة- إذا كانت المهمة التي أسندت إلى لجان المقابلة لم تُقرن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن هذا لا يعني حتما أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية، والوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة، بمعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية- من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط واستخلاص تلك الصفات- إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف بالسلطة، وعليه يقع عبء إثباته.
ليس للحاصل على تقدير أعلى أن يحتج بتعيين من هم أقل منه تقديرا إذا ثبت أن تخطيه في التعيين يرجع إلى عدم أهليته بقرار من لجنة المقابلة، كما أنه ليس للحاصل على ذات التقدير أن يحتج بتعيين من هم أقل منه في مجموع الدرجات في ذات التقدير- متى اتحدا في التقدير فإن سلطة لجنة المقابلة في الاختيار تكون سلطة تقديرية في اختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية فيما تجريه من مقابلات شخصية- الكفاية العلمية ليست هي المعيار الوحيد للمفاضلة بين المرشحين لشغل الوظيفة القضائية، بل يتعين أن تتوفر عناصر ومعايير أخرى تتعلق بالأهلية والقدرة على تولي المنصب- هذه المعايير مما تختص لجنة المقابلة وحدها بتحديدها وإعمال مقتضاها عند المقابلة الشخصية- لا يسوغ التطرق إلى المفاضلة بين المرشحين في درجات التخرج إلا بين من اجتاز منهم المقابلة الشخصية بنجاح- المركز القانوني لمن لم يجتز المقابلة لا يتساوى مع من اجتازها.
– المادة (13) من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة، المستبدلة بموجب القانون رقم 10 لسنة 1986.
– المادتان رقما (15) و(16) من القرار بقانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة، المستبدلتان بموجب القانونين رقمي 65 لسنة 1976 و10 لسنة 1986.
– المادتان رقما (38) و(116) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972.
(ج) هيئة قضايا الدولة– شئون الأعضاء– التعيين في وظيفة مندوب مساعد– الدفع بتزوير محضر المقابلة الشخصية للطاعن- إذا وردت شواهد التزوير في عبارات عامة ومرسلة، دون أن يبين الطاعن الأدلة القاطعة على صحة ادعائه، فإن للمحكمة أن تلتفت عن هذا الدفع وتقضي برفضه.
في يوم الإثنين الموافق 8/1/2007 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها بالرقم عاليه، طالبا في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن رئيس الجمهورية برقم 239 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتعويضه التعويض المناسب الذي تقدره المحكمة، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وذكر شرحا لطعنه أنه حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة فرع بني سويف عام 2004 دور مايو بتقدير عام جيد، وبناء على إعلان هيئة قضايا الدولة عن مسابقة للتعيين بوظيفة مندوب مساعد، تقدم بطلب للتعيين في هذه الوظيفة، إلا أنه فوجئ بصدور القرار المطعون فيه خاليا من ورود اسمه بين المعينين فيها، مما حداه على التظلم من القرار المطعون فيه إلى رئيس هيئة قضايا الدولة برقم 1384 في 9/9/2006، ولم يتلقَّ أي رد على تظلمه، فأقام طعنه الماثل ناعيا على القرار المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون وإهداره لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في التعيين بالوظائف العامة، واختتم تقرير طعنه بطلباته المبينة آنفا.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم، وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام هذه المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/11/2013 حضر الطاعن وطلب أجلا لاتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير على محضر المقابلة الشخصية، وبجلسة 19/4/2014 قدم الطاعن حافظة مستندات تضمنت إعلانا بمذكرة بشواهد التزوير، وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 15/11/2014 حيث قدم الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع، وبالجلسة نفسها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 239 لسنة 2006 الصادر في 14/6/2006 والمنشور بالجريدة الرسمية في 19/6/2006 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأحقيته في التعويض المناسب من جراء الأضرار التي لحقت به بعد صدور القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
وحيث إنه بالنسبة للدفع المبدى من الجهة الإدارية المطعون ضدها بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد، فإن المادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: “ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوما من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببا ويعتبر مضي ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه. ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوما من تاريخ انقضاء الستين يوما المذكورة”.
وحيث إن المادة (18) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه: “إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن ميعاد رفع دعوى الإلغاء أمام المحكمة هو ستون يوما من تاريخ النشر أو الإعلان، وينقطع هذا الميعاد بالتظلم الذي يجب أن يبت فيه قبل مضي ستين يوما من تاريخ تقديمه، ومضي ستين يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات يعد بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوما من تاريخ انقضاء الستين يوما المذكورة. (الطعن رقم 2439 لسنة 32ق.ع بجلسة 6/12/1993).
وحيث إن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 14/7/2006، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 19/7/2006، فتظلم منه الطاعن بتاريخ 9/9/2006 ولم يتلق ردا على تظلمه، ومن ثم فإنه كان يتعين عليه أن يقيم طعنه في موعد غايته 7/1/2007، إلا أن يوم 7/1/2007 كان يصادف عطلة رسمية بمناسبة عيد الميلاد المجيد، ومن ثم يمتد الميعاد إلى أول يوم عمل بعد العطلة، أي يوم 8/1/2007، وإذ أقام الطاعن طعنه يوم الإثنين 8/1/2007، فمن ثم يكون قد أقامه في الميعاد المقرر لرفع الطعن، مما يتعين معه رفض الدفع بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد؛ لوروده على غير محله.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إنه بالنسبة لادعاء الطاعن تزوير محضر المقابلة الشخصية المقدم من الجهة الإدارية المطعون ضدها فإن المادة (49) من قانون الإثبات تنص على أن: “يكون الادعاء بالتزوير في أية حالة تكون عليها الدعوى بتقرير في قلم الكتاب، وتبين في هذا التقرير كلُّ مواضع التزوير المدَّعَى بها وإلا كان باطلا، ويجب أن يعلن مدعي التزوير خصمه في الثمانية الأيام التالية للتقرير بمذكرة يبين فيها شواهد التزوير وإجراءات التحقيق التي يطلب إثباته بها، وإلا جاز الحكم بسقوط ادعائه”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الادعاء بتزوير محرر رسمي أمام المحكمة التى قدم إليها المحرر يكون على وفق الإجراءات والشروط التي حددها القانون، ومن جهة أخرى لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها، فلها أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ادعائه. (الطعن رقم 4796لسنة 41ق.عليا بجلسة 29/4/2001).
وحيث إن شواهد التزوير التي جاءت في تقرير الطاعن قد وردت بعبارات عامة ومرسلة، حيث جاء بها أن هيئة قضايا الدولة قامت بإعداد كشف جديد في وقت معاصر لرفع الطعن لخدمة موقف الجهة الإدارية في الطعن، وحيث إن الطاعن لم يبين أدلته القاطعة على صحة ادعائه، فمن ثم تلتفت المحكمة عن الادعاء بتزوير محضر المقابلة الشخصية الخاص بالطاعن، ويكون الدفع بالتزوير غير قائم على سببه المبرر له قانونا، مما يتعين معه على المحكمة أن تلتفت عن هذا الدفع وتقضي برفضه.
وحيث إن قانون هيئة قضايا الدولة (الصادر بقرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 75 لسنة 1963، المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986) ينص في المادة (13) على أنه:
“يشترط فيمن يعين عضوا بالهيئة:
(1) أن تكون له جنسية جمهورية مصر العربية، ويكون متمتعا بالأهلية المدنية الكاملة.
(2) أن يكون حاصلا على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجمهورية مصر العربية، أو على شهادة أجنبية تعتبر معادلة لها، وأن ينجح في هذه الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة وفقا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك.
(3) ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رد إليه اعتباره.
(4) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.
(5) ألا يكون متزوجا أجنبية، ومع ذلك يجوز بإذن من رئيس الجمهورية إعفاؤه من هذا الشرط إذا كان متزوجا بأجنبية تنتمي بجنسيتها إلى إحدى البلاد العربية”.
وفي المادة (15) المعدلة بالقانونين رقمي 65 لسنة 1976 و10 لسنة 1986 على أن: “يكون شأن رئيس الهيئة ونواب الرئيس والوكلاء بالنسبة إلى شروط التعيين شأن… ويكون شأن باقي الأعضاء في ذلك شأن أقرانهم في القضاء والنيابة حسب التفصيل الآتي:…
المندوب المساعد شأنه في ذلك شأن معاون النيابة”.
وفي المادة (16) المعدلة بالقانونين رقمي 65 لسنة 1976 و10 لسنة 1986 على أن: “يكون شغل وظائف أعضاء الهيئة سواء بالتعيين أو بالترقية بقرار من رئيس الجمهورية… ويعين نواب الرئيس والوكلاء بموافقة… ويعين باقي الأعضاء بموافقة المجلس الأعلى للهيئة…”.
وينص قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 في المادة (38) على أنه: “يشترط فيمن يولى القضاء:
وفي المادة (116) على أنه: “يشترط فيمن يعين مساعدا بالنيابة العامة أن يكون مستكملا الشروط المبينة في المادة (38)، على ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة. ويشترط فيمن يعين معاونا بالنيابة العامة أن يستكمل هذه الشروط على ألا تقل سنه عن تسع عشرة سنة…”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، وعلى ضوء ما قضت به دائرة توحيد المبادئ، قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية يعد شرطا لازما يضاف لشروط التعيين المقررة قانونا والمبينة سالفا، وأن تلك اللجنة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها، ولما كانت تلك اللجنة لا تتقيد بأية اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توفر أو عدم توفر تلك الأهلية، كما لا تتقيد بأي ضوابط أخرى، فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة، وليس من شك في أن القول بغير ذلك إنما يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة وحلول المحكمة محلها بناءً على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، وتلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي ومبدأ الفصل بين السلطات، وإذا كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقرن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن ذلك لا يعني حتما أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية، والوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة، بمعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية، بيد أنه يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط واستخلاص تلك الصفات.
كما لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة لتلك اللجنة تعد امتيازا يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة؛ ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية ستظل على وجه الدوام واجبا يبتغي المصلحة العامةباختيار أكفأ العناصر وأنسبها، وهو أمر سيبقى محاطا بإطار المشروعية التي تتحقق بالتمسك بضرورة توفر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى، وفضلا عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين حق كل من توفرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية، وفاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره، فلا يتقلد وظائفه إلا من توفرت له الشروط العامة وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، ومن ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية والمشكلة من قمم الجهة التي تقدم لشغل وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف بالسلطة، وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب.
وحيث إنه لا مندوحة في أن يترك لأعضاء تلك اللجان، بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها وأضحوا شيوخا لرجال القضاء، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توفر الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، والتي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها باختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية، كما يتعذر على القوانين واللوائح أن تضع لها قيودا أو ضوابط يمكن التقيد بها، فلا مناص من أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء يتحملونها أمام الله وضمائرهم، ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقا لأهداف خاصة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن حصل على ليسانس الحقوق جامعة القاهرة فرع بني سويف دور مايو سنة 2004 بتقدير عام تراكمي جيد بنسبة مئوية قدرها 76,79%، وقد أعلنت هيئة قضايا الدولة عن مسابقة للتعيين في وظيفة مندوب مساعد، فتقدم بأوراقه لشغل هذه الوظيفة، وقد اتخذت الجهة المطعون ضدها بشأنه موقفا جديا ببحث طلبه، فقبلت أوراقه وفحصتها وعرضتها على اللجنة المشكلة لاختيار المتقدمين ومكنته من مقابلتها يوم الإثنين 16/5/2005 لاستخلاص مدى توفر أهلية شغل الوظيفة لديه، وقد انتهت اللجنة إلى عدم أهليته لشغل الوظيفة لعدم اجتيازه المقابلة الشخصية، حيث حصل فيها على ثلاث درجات من عشر درجات، ومن ثم لم يقع عليه الاختيار في التعيين، ولم يقدم الطاعن أي دليل على أن اللجنة قد أساءت استعمال سلطتها أو انحرفت بها عن جادة المصلحة العامة، وعليه يغدو القرار المطعون فيه رقم 239 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة متفقا وصحيح حكم القانون قائما على سببه المشروع الذي يبرره قانونا، ويضحى الطعن الماثل فاقدا لسنده جديرا بالرفض.
ولا ينال مما تقدم ما أثاره الطاعن في تقرير طعنه من أن القرار المطعون فيه أهدر مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين المتماثلين في المراكز القانونية في التعيين بالوظائف العامة؛ لأن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه ليس للحاصل على تقدير أعلى أن يحتج بتعيين من هم أقل منه تقديرا إذا ثبت أن تخطيه في التعيين يرجع إلى عدم أهليته بقرار من لجنة المقابلة، كما أنه ليس للحاصل على ذات التقدير أن يحتج بتعيين من هم أقل منه في مجموع الدرجات في ذات التقدير، فمتى اتحدا في التقدير فإن سلطة لجنة المقابلة في الاختيار تكون سلطة تقديرية في اختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية فيما تجريه من مقابلات شخصية، فالكفاءة العلمية ليست هي المعيار الوحيد للمفاضلة بين المرشحين لشغل الوظيفة القضائية، بل يتعين أن تتوفر عناصر ومعايير أخرى تتعلق بالأهلية والقدرة على تولي المنصب، وتلك المعايير مما تختص لجنة المقابلة وحدها بتحديدها وإعمال مقتضاها عند المقابلة الشخصية، ومن ثم فلا يسوغ التطرق إلى المفاضلة بين المرشحين في درجات التخرج إلا بين من اجتاز منهم المقابلة الشخصية بنجاح، مادام قد أنيط بلجنة المقابلة الشخصية استخلاص مدى أهلية المرشح لتولي الوظيفة القضائية وأجريت معه المقابلة فعلا. (الطعن رقم 9095 لسنة 48ق.عليا بجلسة 2/9/2008).
وحيث إن الطاعن لم يجتز المقابلة الشخصية التي أجريت معه يوم الإثنين 16/5/2005 من قبل اللجنة المشكلة بهيئة قضايا الدولة لهذا الغرض، حيث حصل فيها على ثلاث درجات من عشر درجات، ومن ثم فلا يسوغ له أن يتطرق للمفاضلة بينه وبين من اجتاز المقابلة الشخصية؛ لعدم تماثل مراكزهم القانونية، ما يتعين معه والحال هذه رفض هذا الوجه من أوجه الطعن.
– وحيث إنه بالنسبة لطلب التعويض وإذ استوفى جميع أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها قيام خطأ من جانبها، بأن يكون القرار غير مشروع أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر مباشر من هذا الخطأ، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وتخلف ركن أو أكثر من هذه الأركان الثلاثة يترتب عليه انتفاء المسئولية المدنية في جانب الإدارة. (الطعن رقم 6730لسنة 44ق.ع بجلسة 1/4/2001).
وحيث إنه بالنسبة لركن الخطأ فإنه لما كان القرار المطعون فيه رقم 239 لسنة 2006 قد صدر سليما ومتفقا وصحيح حكم القانون قائما على سببه المشروع الذي يبرره قانونا، فإنه والحال هذه ينتفي ركن الخطأ الموجب للمسئولية في جانب الجهة الإدارية المطعون ضدها، مما يترتب عليه انتفاء مسئولية جهة الإدارة دونما حاجة لبحث ركني المسئولية الآخرين لعدم جدويهما. مما يكون معه طلب الطاعن للتعويض غير قائم على سببه المبرر له قانونا، مما يتعين القضاء برفضه.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |