برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ سالم عبد الهادي محروس جمعة
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمد عبد السميع محمد إسماعيل، وحسام محمد طلعت محمد السيد، وسامح جمال وهبة نصر.
نواب رئيس مجلس الدولة
المبادئ المستخلصة:
ركن السبب- يجب أن يقوم القرار الإداري على أسباب تبرره صدقا وحقا في الواقع والقانون، فإذا ما فسرت جهة الإدارة لقرارها أسبابا، فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها للقانون من عدمها، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار- تجد هذه النتيجة حدها الطبيعي إذا سارت مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أساسا، أو مستخلصة من أصول لا تنتجها، فإن القرار يكون فاقدا لركن السبب، مخالفا للقانون.
شئون الأعضاء- التعيين في وظيفة (مندوب مساعد)- شروط التعيين- شرط حسن السمعة- لم يحدد المشرع أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري، الذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص، فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء، وما يمس الخلق- شرط حسن السمعـة من الشروط التي يتعين توفرها في المرشح وذويه من أسرته الذين يتأثر بمسلكهم- يتفاوت مستوى حسن السمعة تبعا لنوع الوظيفة وخطورتها ومسئوليتها، فما قد تتساهل فيه الإدارة بالنسبة لوظائف معينة، قد تتشدد فيه بالنسبة لوظائف أخرى، كالقضاء؛ لما لهذه الوظائف من أهمية وخطورة تتطلب فيمن يشغلها مستوى معينا وخاصا من حسن السمعة بالنسبة له ولأفراد أسرته- الغاية المرجوة من إجراء التحريات الأمنية على المرشح لشغل وظيفة قضائية هي اختيار أفضل العناصر للقيام بمهام الولاية القضائية، والاستيثاق من أنه يتمتع بحسن السمعة والسيرة والسلوك القويم بين أقاربه وأهله وذويه، وأنه لا يوجد من بين أفراد أسرته وأقاربه من يلحق به عيب في سلوكه، أو شطط في تصـرفاته، أو خطر على مجتمعه- هذه التحريات تكون شاملة وفي كل مناحي الحياة، وخاصة فيما قد يمثل خطرا على المجتمع، وهو السلوك الإجرامي- ذِكْرُ بيانات الأقارب في الاستمارة المعدة لذلك ليس مقصودا لذاته، بل لعلةِ التأكدِ من حسن سمعة وسيرة المتقدم لشغل الوظيفة القضائية- يختلف مفهوم الأسرة الذي يؤثر في شخصية الفرد باختلاف الظروف زمانا ومكانا وحالا ومالا وعددا أو تعدادا وثقافة ومنهجا، كما يختلف هذا المفهوم باختلاف الوظيفة التي يتقدم الشخص لشغلها، كما يختلف أيضا باختلاف الجرائم والسلوكيات المنسوبة لأحد أفراد الأسرة، نوعا وعددا وتكرارا وعودا- يكفي لفقد شرط حسن السمعة في المرشح للوظيفة القضائية أن توجد دلائل أو شبهات قوية تلقي بظلال من الشك على مسلكه أو مسلك أسرته، وتقلل من الثقة فيه، وتنال من جدارته لولاية القضاء- انتهاء غالبية القضايا التي سبق اتهام عدد من أفراد أسرة المرشح فيها بالتصالح أو البراءة، لا ينفي عن مرتكب الجريمة قيامه بارتكابها بالفعل، خاصة إذا تكررت الأفعال الإجرامية المنسوبة لأفراد الأسرة، مما يثير الشك والريبة حول سمعة هذه الأسرة، والذي ينعكس بدوره على مسلك الطاعن وحسن سمعته بالضرورة- محو الاتهامات والمعلومات والبيانات الجنائية من قاعدة السجل الجنائي لا يعني عدم ارتكاب الوقائع الجنائية المجرمة قانونا نفسها؛ لأن الانقضاء بالتصالح أو رد الاعتبار بعد مرور مدة معينة على صدور الأحكام الجنائية لا يعني عدم ارتكاب الجرائم المسندة لأي من أفراد أسرة المرشح([1]).
(ج) مجلس الدولة:
شئون الأعضاء- التعيين في وظيفة (مندوب مساعد)- المقابلة الشخصية- اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية يعد شرطا لازما، يضاف إلى شروط التعيين المقررة قانونا- لا تتقيد هذه اللجنة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها، ولا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توفر أو عدم توفر تلك الأهلية، كما لا تتقيد بأي ضوابط أخرى- سلطتها في الاختيار سلطة تقديرية، لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة- القول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة، وحلول المحكمة محلها بناءً على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، وهذه نتيجة يأباها التنظيم القضائي، ومبدأ الفصل بين السلطات- إذا كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن ذلك لا يعني حتما أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية، والوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة، بمعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية، لكن يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط، واستخلاص تلك الصفات- لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة لتلك اللجنة تعد امتيازا يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة؛ ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجبا يبتغي المصلحة العامة باختيار أكفأ العناصر وأنسبها، وهو أمر سيبقى محاطا بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، وذلك بالتمسك بضرورة توفر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى- تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين حق كل من توفرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية، وفاعلية القضاء وحسن تسييره، فلا يتقلد وظائفه إلا من توفرت له الشروط العامة، وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل– إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته لتولي الوظيفة القضائية، والمشكلة من قمم الجهة القضائية التي تقدم لشغل وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف بالسلطة، وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب- لا مندوحة من أن يترك لأعضاء تلك اللجان، بما أوتوا من حكمة السنين التي رَقَتْ بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها، وأضحوا شيوخا لرجال القضاء، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توفر الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، والتي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها، كما يتعذر على القوانين واللوائح أن تضع لها قيودا أو ضوابط يمكن التقيد بها، فلا مناص أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء، يتحملونها أمام الله وضمائرهم، ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء، ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة، أو التعسف في استعمالها تحقيقا لأهداف خاصة([2]).
في يوم الثلاثاء الموافق 2/9/2014 أودع وكيل الطاعن، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن، قيد بجدولها بالرقم عاليه، طلب فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 253 لسنة 2014 الصادر عن رئيس الجمهورية، فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر شرحا لطعنه أنه حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس، دور مايو 2012، شعبة اللغة الإنجليزية، بتقدير جيد جدا، وبناء على إعلان مجلس الدولة عن مسابقة التعيين في وظيفة (مندوب مساعد) تقدم بطلب للتعيين بهذه الوظيفة، إلا أنه فوجئ بصدور القرار المطعون فيه رقم 253 لسنة 2014 في 10/8/2014، خاليا من ورود اسمه ضمن المعينين بهذه الوظيفة، فتظلم من هذا القرار بتاريخ 23/8/2014، إلا أنه لم يتلق ردا على تظلمه، مما حداه على إقامة طعنه الماثل، ناعيا على القرار المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون، وإهداره لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين المتماثلين في المراكز القانونية في شغل الوظائف العامة، واختتم تقرير طعنه بطلباته المبينة سالفا.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم، وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني، ارتأت فيه (أصليا) الحكم بعدم قبول الطعن؛ لرفعه بغير الطريق الذي رسمه القانون، و(احتياطيا) بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام هذه المحكمة وذلك على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 20/2/2016 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع مذكرات ومستندات في أسبوعين، وانقضى الأجل المحدد دون أن يقدم أي من الخصوم شيئا، فصدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 253 لسنة 2014 الصادر بتاريخ 10/8/2014 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، معدلا بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984 ينص في المادة (73) على أنه: “يُشترط فيمن يعين عضوا في مجلس الدولة:
وينص في المادة (83)، معدلة بموجب القانونين رقمي 17 لسنة 1976 و136 لسنة 1984 على أن: “…ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية …”.
وينص القانون رقم 17 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية، الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، وقوانين الهيئات القضائية، في مادته الرابعة على أنه: “يشترط فيمن يعين معاونا للنيابة العامة وفي سائر الوظائف المقابلة لها بالهيئات القضائية المشار إليها في المادة الأولى أن يكون حاصلا على إجازة الحقوق المنصوص عليها في البند (3) من المادة (38) من قانون السلطة القضائية بتقدير جيد على الأقل، وذلك بالنسبة إلى الوظائف التي يتم شغلها بعد العمل بأحكام هذا القانون”.
وقد نشر القانون رقم 17 لسنة 2007 بالجريدة الرسمية في 8/5/2007، وعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره طبقا لنص المادة الخامسة منه، وأشير في المادة الأولى منه إلى قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، وعلى ضوء ما قضت به دائرة توحيد المبادئ([3])، قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية يعد شرطا لازما، يضاف إلى شروط التعيين المقررة المبينة سالفا، وأن تلك اللجنة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها، وأن تلك اللجنة لا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توفر أو عدم توفر تلك الأهلية، كما لا تتقيد بأي ضوابط أخرى؛ لذا فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية، لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة، وليس من شك أن القول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة، وحلول المحكمة محلها بناءً على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، وتلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي، ومبدأ الفصل بين السلطات، وإذا كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن ذلك لا يعني حتما أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية، والوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة، بمعايير دقيقة وضوابط قاطعة وصفات سامية، بيد أنه يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير والضوابط، واستخلاص تلك الصفات.
كما لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة لتلك اللجنة تعد امتيازا يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة؛ ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجبا يبتغي المصلحة العامة باختيار أكفأ العناصر وأنسبها، وهو أمر سيبقى محاطا بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، وذلك بالتمسك بضرورة توفر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى، وفضلا عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين حق كل من توفرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية، وفاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره، فلا يتقلد وظائفه إلا من توفرت له الشروط العامة، وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل.
ومن ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته لتولي الوظيفة القضائية، والمشكلة من قمم الجهة القضائية التي تقدم لشغل وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف بالسلطة، وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب.
وحيث إنه لا مندوحة من أن يترك لأعضاء تلك اللجان، بما أوتوا من حكمة السنين التي رَقَتْ بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها، وأضحوا شيوخا لرجال القضاء، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توفر الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، والتي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها، كما يتعذر على القوانين واللوائح أن تضع لها قيودا أو ضوابط يمكن التقيد بها، فلا مناص أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء، يتحملونها أمام الله وضمائرهم، ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء، ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقا لأهداف خاصة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى أيضا على أن القرار الإداري يجب أن يقوم على أسباب تبرره صدقا وحقا في الواقع والقانون، فإذا ما فسرت جهة الإدارة لقرارها أسبابا، فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها للقانون من عدمه، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وتجد النتيجة حدها الطبيعي إذا سارت مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا، فإذا سارت منتزعة من غير أصول موجودة أساسا، أو سارت مستخلصة من أصول لا تنتجها، فإن القرار يكون فاقدا لركن السبب، مخالفا للقانون.
وحيث إن المشرع لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري، الذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص، فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، وأن شرط حسن السمعة من الشروط التي يتعين توفرها في المرشح وذويه من أسرته الذين يتأثر بمسلكهم، كما أن مستوى حسن السمعة يتفاوت تبعا لنوع الوظيفة وخطورتها ومسئوليتها، فما قد تتساهل فيه الإدارة بالنسبة لوظائف معينة، قد تتشدد فيه بالنسبة لوظائف أخرى، كالقضاء؛ لما لهذه الوظائف من أهمية وخطورة تتطلب فيمن يشغلها مستوى معينا وخاصا من حسن السمعة بالنسبة له ولأفراد أسرته.
وحيث إن الغاية المرجوة من إجراء التحريات الأمنية على المرشح لشغل وظيفة قضائية هي اختيار أفضل العناصر للقيام بمهام الولاية القضائية، لذا اشترط المشرع عدة شروط فيمن يلتحق بأي من الجهات أو الهيئات القضائية، ومن بين هذه الشروط وأهمها: حسن السمعة، ولكي تتحقق الجهة أو الهيئة القضائية من توفر هذا الشرط، أعدت وثيقة تعارف أو بيانات ليكتب فيها المرشح كل البيانات الصحيحة عن نفسه وعن أسرته؛ للتحري عنه والتأكد من صحة ما سرده من بيانات، والاستيثاق من أنه يتمتع بحسن السمعة والسيرة والسلوك القويم بين أقاربه وأهله وذويه، وأنه لا يوجد من بين أفراد أسرته وأقاربه من يلحق به عيب في سلوكه، أو شطط في تصرفاته، أو خطر على مجتمعه، وهذه التحريات تكون شاملة وفي كل مناحي الحياة، وخاصة فيما قد يمثل خطرا على المجتمع، وهو السلوك الإجرامي. وَذِكْرُ بيانات الأقارب ليس مقصودا لذاته، بل لعلةِ التأكدِ من حسن سمعة وسيرة المتقدم لشغل الوظيفة القضائية.
ومفهوم الأسرة الذي يؤثر في شخصية الفرد يختلف باختلاف الظروف زمانا ومكانا وحالا ومالا وعددا أو تعدادا وثقافة ومنهجا، كما يختلف هذا المفهوم باختلاف الوظيفة التي يتقدم الشخص لشغلها، كما يختلف أيضا باختلاف الجرائم والسلوكيات المنسوبة لأحد أفراد الأسرة، نوعا وعددا وتكرارا وعودا، ومن ثم فإن التعيين في الوظائف القضائية يتطلب قدرا كبيرا من إمعان وإنفاذ البصر في حال وأحوال ومسلكيات أسرة المرشح وذويه، وكل ما ورد ذكره في الأوراق الرسمية، وهذا المبدأ سيرتب بالضرورة نتيجة حتمية مفادها أن مفهوم الأسرة سينظر إليه في كل حالة على حدة، ابتغاء الحق ووصولا للعدل.
وحيث إنه بتطبيق ما تقدم على المنازعة الماثلة، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن حصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس (شعبة اللغة الإنجليزية) في دور مايو 2012، بتقدير عام تراكمي جيد جدا، بنسبة مئوية قدرها 87.6%، وقد أعلن مجلس الدولة عن مسابقة للتعيين في وظيفة (مندوب مساعد)، فتقدم بأوراقه لشغل هذه الوظيفة، واتخذت الجهة الإدارية المطعون ضدها بشأنه موقفا جديا ببحث طلبه وقبول أوراقه، إلا أنه فوجئ بصدور القرار المطعون فيه رقم 253 لسنة 2014 متخطيا إياه في التعيين، وقد أفصحت الجهة الإدارية صراحة عن سبب قرارها باستبعاد الطاعن من التعيين، وهو فقدانه شرط حسن السمعة؛ وذلك لسابقة اتهام العديد من أقاربه في قضايا جنائية، وذلك على النحو التالي:
(أولا) … (جد الطاعن) سبق اتهامه في القضايا الآتية:
(ثانيا) … (والد الطاعن) سبق اتهامه في القضية رقم 1027 إداري مركز ديروط لسنة 2013 (قتل)، براءة لعدم كفاية الأدلة والشك.
(ثالثا) … (عم الطاعن) سبق اتهامه في القضية رقم 1027 إداري مركز ديروط لسنة 2013 (قتل)، براءة للشك وعدم كفاية الأدلة.
(رابعا) … (عم الطاعن) سبق اتهامه في ذات القضية أيضا رقم 1027 إداري مركز ديروط لسنة 2013 (قتل). كما سبق اعتقاله في 31/7/2002 وحتى 12/10/2002 وضبط بحوزته طبنجة ماركة براونيخ مرخصة وعدد 24 طلقة عيار 9مم.
(خامسا) … (عم الطاعن) سبق ضبطه وآخرين بمحافظة الفيوم حال توجههم لمحاولة الاستيلاء على قطعة أرض بالإسكندرية وبحوزتهم أسلحة نارية مرخصة، وتحرر عن تلك الواقعة المحضر رقم 6073 لسنة 2002 إداري مركز شرطة الفيوم.
(سادسا) … (زوج خالة الطاعن) سبق اتهامه في العديد من القضايا المتنوعة ما بين تبديد وخيانة أمانة، وانقضى بعضها بالتصالح، وصدرت ضده في الأخرى أحكام نهائية بالحبس.
ولما كان ما تقدم، فإن التحريات الأمنية التي أجريت على الطاعن وأسرته تبين منها سبق اتهام العديد من أفراد أسرته من جميع درجات القرابة، خاصة جده لوالده ووالده وأعمامه، في العديد من القضايا الجنائية المتنوعة، ومن شأن ذلك أن ينعكس سلبا على سمعته وسمعة أسرته، وعلى الثقة التي يوليها المجتمع فيه؛ لأن المجتمع لا يتقبل أن يكون شاغل إحدى الوظائف القضائية منتميا إلى أسرة تحوم حول سمعتها الشبهات وتلوكها الألسن؛ ذلك أن مستوى حسن السمعة المتطلب لشغل الوظيفة العامة يتباين تبعا لخطورتها، وإذا أمكن تصور التسامح فيه بالنسبة لبعض الوظائف، فإن ذلك من غير المتصور في نطاق التعيين في الوظائف القضائية نظرا لخطورتها وأهميتها والمسئوليات التي تلقيها على عاتق شاغلها، إذ يكفي لفقد شرط حسن السمعة في المرشح للوظيفة القضائية أن توجد دلائل أو شبهات قوية تلقي بظلال من الشك على مسلكه أو مسلك أسرته، وتقلل من الثقة فيه، وتنال من جدارته لولاية القضاء.
وحيث إن الجهة الإدارية المطعون ضدها وقد شيدت أسباب قرارها بتخطي الطاعن في التعيين بوظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة على فقدانه لشرط حسن السمعة المتطلب لشغل الوظيفة القضائية استنادا إلى ما ورد بتحريات الجهات الأمنية عن أسرته، وذلك على النحو المشار إليه سلفا، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قد صدر سليما ومتفقا وصحيح حكم القانون، قائما على سببه المشروع المبرر له، ويكون الطعن عليه جديرا بالرفض.
ولا ينال مما تقدم أو غيره انتهاء غالبية القضايا التي سبق اتهام أفراد أسرة الطاعن فيها بالتصالح أو البراءة؛ إذ إن انتهاء الدعوى بالتصالح أو البراءة لعدم كفاية الأدلة وحده لا ينفي عن مرتكب الجريمة قيامه بارتكابها بالفعل، خاصة مع كثرة ما نسب لأفراد أسرة الطاعن من أفعال جنائية وتنوعها وخطورة بعضها، كالقتل، مما يعني أن هذه الأفعال أو الجرائم المعاقب عليها قانونا لم تكن مصادفة أو على سبيل الخطأ، بل هي أفعال إجرامية متكررة بين أفراد أسرة الطاعن، مما يثير الشك والريبة حول سمعة هذه الأسرة، والذي ينعكس بدوره على مسلك الطاعن وحسن سمعته بالضرورة.
ولا ينال من ذلك أيضا ما ذكره الطاعن من أنه سبق صدور حكم عن محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي 35410 و52078 لسنة66ق بجلسة 21/4/2015 بإلزام وزارة الداخلية محو اسم والد الطاعن وأعمامه من قاعدة التسجيل الجنائي بوزارة الداخلية؛ إذ إن ذلك مردود عليه بأن محو الاتهامات والمعلومات والبيانات الجنائية من قاعدة السجل الجنائي لا يعني عدم ارتكاب الوقائع الجنائية المجرمة قانونا نفسها؛ لأن الانقضاء بالتصالح أو رد الاعتبار بعد مرور مدة معينة على صدور الأحكام الجنائية –كما هو مبين بأسباب الحكم المشار إليه- لا يعني عدم ارتكاب الجرائم المسندة لأي من أفراد أسرة الطاعن.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.
([1]) راجع كذلك المبدأ (95) في هذه المجموعة.
ويراجع ما سبق وقررته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 23/9/2012 في الطعن رقم 10378 لسنة 53 القضائية عليا (منشور بمجموعة السنة 57 مكتب فني، جـ2، ص 1094)، من أنه يحق للأفراد تولي الوظيفة القضائية متى توفرت فيهم شروط شغلها، ولا يستبعد من توليها إلا من ثبت عدم أهليته وصلاحيته، سواء في كفايته العلمية أو سمعته وأسرته التي تؤكدها الأوراق من خلال أحكام نهائية تنال من حسن السمعة، وأنه لا يكفي التعويل على الاتهام المنسوب إلى والد المترشح، مادام قد بُرئت ساحته منه بحكم نهائي، ولا يكفي التعويل على اتهام تم حفظه في حق خال المترشح، أو حكم غيابي صدر في حقه ولم تتم المعارضة فيه، مما لا يكون معه هذا الحكم نهائيا.
ويراجع كذلك حكمها الصادر بجلسة 5/7/2009 في الطعن 25908 لسنة 53 القضائية عليا (منشور بمجموعة السنة 54 مكتب فني، ص695) من أن ضعف المستوى المادي والاجتماعي للأسرة لا يعد سببا كافيا للاستبعاد، وأن العبرة هنا بأن يكون العمل الذى يقوم به الشخص عملا شريفا وكريما دون النظر إلى المستوى الوظيفي، وإلا أصبح شغل تلك الوظائف حكرا على طائفة معينة دون سواها، وهو ما يفضي إلى حرمان أصحاب الكفاءات العلمية المتميزة التي تنتسب إلى أصحاب الدخول البسيطة من تولي تلك الوظائف، كما أن هذا القول تأباه قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في ظل مبدأ سيادة القانون الذي يسود نظام الحكم في الدولة، وأنه يكتفى في مجال التحري ببوتقة الأسرة الصغيرة المتمثلة في المرشح وأشقائه ووالديه، لا الأسرة بمعناها الأكبر.
([2]) يراجع كذلك ما قررته دائرة توحيد المبادئ في حكمها الصادر في الطعن رقم 27412 لسنة 52 القضائية عليا بجلسة 3/4/2010 (منشور بمجموعة مبادئها في ثلاثين عاما، رقم 83)، حيث أكدت أنه لا يشترط شكل معين لإجراء المقابلة الشخصية، فليس بلازم أن يكون هناك محضر مكتوب، بل يكفي أن تتاح للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المعنية لتقييمه، والحكم على مدى صلاحيته لشغل الوظيفة القضائية، وأن على المحكمة أن تستوثق من إتاحة تلك الفرصة للمتقدم دون تعقيب على اللجنة، مادامت قد تغيَّت المصلحة العامة، وأن إثبات عدم التزامها المصلحة العامة يقع على عاتق المدعي، وأن محضر المقابلة هو أحد العناصر التي يُستند إليها في التقييم، فإذا حوت الدعوى من الأوراق ما يمَكِّن المحكمة من الفصل فيها، فعليها أن تفصل فيها دون أن تتذرع بقرينة النكول لعدم تقديم محضر المقابلة الشخصية من جانب الجهة الإدارية؛ لأن لجنة المقابلة في هذه الحالة تكون قد تخلت وتنازلت عن حقها في إقامة الدليل على سلامة قرارها الطعين، وتعود للمحكمة سلطتها في تقييم القرار في ضوء باقي أوراق الدعوى ومستنداتها، لتنزل حكمها على وفق عقيدتها على ضوء ذلك كله.
([3]) تراجع أحكامها الصادرة في الطعن رقم 12414 لسنة 46 ق. عليا بجلسة 6/5/2004 (منشور بجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، مكتب فني، رقم 59)، وفي الطعن رقم 5850 لسنة 47 ق. عليا، بجلسة 6 من مايو سنة 2004 (منشور بالمجموعة المشار إليها برقم 60)، وفي الطعن رقم 12326 لسنة 46ق. عليا بجلسة 11/12/2004 (منشور بالمجموعة المشار إليها برقم 62)، وحكمها في الطعن رقم 27412 لسنة 52 ق ع بجلسة 3/4/2010 (منشور بالمجموعة المشار إليها برقم 83/ب).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |