برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى خضري نوبي محمد
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد منصور محمد منصور، وأحمد عبد الراضي محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
الجهة المختصة بنظر دعوى بطلان شرط التحكيم في عقد إداري، وبطلان حكم التحكيم- لئن كان الأصل العام هو اختصاص جهة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الناشئة عن عقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريدات أو أي عقد إداري آخر، إلا أن المشرع حجب خصومة بطلان شرط التحكيم الناشئ عن عقد إداري عن اختصاص محكمة القضاء الإداري (أو المحكمة الإدارية طبقا للاختصاص القيمي)، وناط بهيئة التحكيم الفصل فيها، ومن بعدها المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم.
ناط المشرع بمحكمة الدرجة الثانية الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الناشئ عن عقد إداري، واستثنى دعوى بطلان حكم التحكيم الذي يصدر نفاذا لمشارطة تحكيم، وإنْ تضمنها عقد إداري، متى كانت ذات طبيعة تجارية دولية، فعهد بها إلى محكمة استئناف القاهرة، ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر.
الحكم بعدم الاختصاص والإحالة- الإحالة إلى الهيئات ذات الاختصاص القضائي- إذا مارست جهة معينة اختصاصا قضائيا، فإنها تعد هيئة قضائية متخصصة بجانب جهة القضاء العادي وجهة القضاء الإداري بمجلس الدولة، مادام أنها تصدر حكما على مقتضى القانون، في طلب قضائي رُفع من جانب أحد أطرافه في مواجهة الطرف الآخر- لئن كانت المذكرة الإيضاحية للمادة (110) من قانون المرافعات قد أشارت إلى جهتي القضاء الأساسيتين: العادي، والإداري، إلا أن هذا النص جاء عاما، بحيث ينطبق أيضا إذا كانت الدعوى داخلة في اختصاص هيئة ذات اختصاص قضائي؛ لتوفر العلة التي يقوم عليها حكم النص.
تدخل هيئة التحكيم في مدلول المحاكم المنصوص عليها في المادة (110) من قانون المرافعات، فتقضي المحكمة بإحالة الدعوى إليها إذا كانت تدخل في اختصاصها- إذا كانت هيئة التحكيم قد أصدرت حكمها في الدعوى المقامة أمام المحكمة لطلب بطلان شرط التحكيم، متضمنا في أسبابه القضاء برفض الدفع ببطلان هذا الشرط، فإن المحكمة تقف عند الحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، دون إحالة إلى هيئة التحكيم؛ إذ لم تعد هناك (بعد أن فصلت هيئة التحكيم برفض ذلك الطلب) أية مسائل قانونية أخرى، أو مسائل متعلقة بالوقائع، تحتاج إلى الفصل فيها- يلزم رافع تلك الدعوى أمام المحكمة مصروفاتها.
في يوم الخميس الموافق 22/7/2010 أودع وكيل الشركة الطاعنة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل، حيث قيد بجدولها برقم 35886 لسنة 56ق (عليا)، طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة العاشرة) بجلسة 25/5/2010في الدعوى رقم 17889 لسنة 64ق، الذي قضى:(أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وباختصاصها. و(ثانيا) بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ شرط التحكيم في دعوة المناقصة رقم 13 لسنة 2007،مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الشركة المدعى عليها (الطاعنة) مصروفات الطلب العاجل، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانونى في موضوعها.
وطلبت الشركة الطاعنة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، ورفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، ووقف تنفيذ شرط التحكيم،مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الهيئة المطعون ضدها المصروفات وأتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الشركة الطاعنة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/4/2014 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، حيث نظرته بجلسة 21/10/2014 وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 8/12/2015 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مجمل الواقعات -في حدود ما يتطلبه الفصل في الطعن، وعلى ما يبين من الحكم المطعون فيه- تخلص في أنه بتاريخ 19/3/2007وجهت الهيئة العامة للسلع التموينية الدعوة إلى الشركة الطاعنة وآخرين لتقديم عروض في المناقصة رقم 13 لسنة 2007 لتوريد كميات من القمح الأمريكي، وتضمنت شروط الدعوة إلى هذه المناقصة النص على أن: “أي نزاع ينشأ عن تنفيذ الشروط والمواصفات السابقة والتي يتم التثبيت على أساسها يرجع فيها إلى تطبيق أحكام ونصوص العقود الدولية المعمول بها في المعاملات الخارجية عن السلع التي تنظم تجارتها عن البيع لمثل هذه العقود، وعلى أن يكون التحكيم بالقاهرة”، وتمت ترسية المناقصة على الشركة الطاعنة، التي شحنت كمية قمح على الباخرة (فوزوهاى) وصلت ميناء التفريغ يوم 27/5/2007، واعترض الحجر الزراعي المصري على دخول الشحنة لدى وصولها بسبب وجود حشرات حية غير معروفة، فأخطرت الهيئة الشركة بتاريخ 28/5/2007 بمخالفة الشحنة للمواصفات والشروط المتفق عليها، فلجأت الشركة إلى التقدم بطلب تحكيم، قيد برقم 629 لسنة 2009 إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، بطلب الحكم: (أولا) باعتبار خطاب الضمان الصادر عن بنك نوفاسكوشيا –القاهرة في 22/3/2007 بمبلغ 527247 دولار، المتعلق بالمناقصة رقم 13/2007 منقضيا، وإلزام الهيئة ردَّ أصله وفوائد 5% سنويا اعتبارا من 5/5/2007 حتى تمام السداد.
وتدوولت الدعوى أمام هيئة التحكيم، ودفعت الهيئة المطعون ضدها ببطلان شرط التحكيم الوارد في دعوة المناقصة رقم 13/2007؛ لعدم موافقة وزير التجارة والصناعة على شرط التحكيم، عملا بنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وهذه الموافقة من النظام العام، ويترتب على تخلفها بطلان شرط التحكيم، وأن النزاع القائم بين الهيئة والشركة ناشئ عن عقد توريد كمية من القمح وهو من العقود الإدارية التي تختص بنظرها محكمة القضاء الإداري.
وبتاريخ 13/2/2010 أقامت الهيئة المطعون ضدها الدعوى رقم 17899 لسنة 64ق أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة العاشرة) بطلب الحكم: (أولا) بقبول الدعوى شكلا، و(ثانيا) بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ شرط التحكيم الوارد في دعوة المناقصة رقم 13/2007، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف إجراءات التحكيم في طلب التحكيم المقيد برقم 629 لسنة 2009 أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي،وتنفيذ الحكم بالمسودة وبدون إعلان، مع إلزام الشركة المدعى عليها (الطاعنة) مصروفات هذا الطلب. و(ثالثا) في الموضوع: ببطلان شرط التحكيم الوارد في دعوة المناقصة رقم 13/2007، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف إجراءات التحكيم في طلب التحكيم المقيد برقم 629لسنة 2009أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وأي قرارات تصدر عن هيئة التحكيم في التحكيم المذكور، مع إلزام الشركة المدعى عليها (الطاعنة) المصروفات.
وأثناء نظر الطعن أمام محكمة القضاء الإداري صدر حكم هيئة التحكيم بجلسة 23/3/2010، متضمنا في أسبابه رفض الدفع ببطلان شرط التحكيم.
وبجلسة 25/5/2010 صدر حكم محكمة القضاء الإداريالمطعون فيه، قاضيا في منطوقه: (أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وباختصاصها. و(ثانيا) بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ شرط التحكيم في دعوة المناقصة رقم 13 لسنة 2007، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الشركة المدعى عليها (الطاعنة) مصروفات الطلب العاجل، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانونى في موضوعها.
……………………………………………………..
وحيث إن مبنى النزاع القائم يدور حول تحديد الاختصاص بنظر دعوى بطلان شرط التحكيم، وما إذا كان الاختصاصينعقد لهيئة التحكيمدون غيرها، أم أن ذلك التحكيم يتعلق بعقد من العقود الإدارية، ويئول نظر دعوى بطلان شرط التحكيم فيه إلى محكمة القضاء الإداري، باعتبارها المحكمة المختصة أصلا قيميا بنظره.
وحيث إن الأصل العام هو اختصاص القضاء الإداري بالفصل فى المنازعات الناشئة عن عقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريدات أو أي عقد إداري آخر، إذ تنص المادة (10/11) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، على أن: “تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية:… (حادى عشر) المنازعات الخاصةبعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو أي عقد إداري آخر”، وتنص المادة رقم (13) منه على أن: “تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة (10) عدا ما تختص به المحاكم الإدارية…”، وتنص المادة رقم (14/3) من هذا القانون على أن: “تختص المحاكم الإدارية:…3- بالفصل في المنازعات الواردة في البند الحادي عشر من المادة (10) متى كانت قيمة المنازعة لا تجاوز خمسمائة جنيه”، وهو ما مؤداه أن المشرع جعل منازعات العقود الإدارية من اختصاص محكمة القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية طبقا للاختصاص القيمي.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997، تنص على أنه: “وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة. ولا يجوز التفويض في ذلك”.
وتنص المادة (9) من هذا القانون على أن: “1- يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع. أما إذا كان التحكيم تجاريا دوليا، سواء جرى في مصر أو في الخارج، فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة، ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر…”.
وتنص المادة (13) على أنه: “1- يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى. 2-ولا يحول رفع الدعوى المشار إليها في الفقرة السابقة دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم”.
وتنص المادة (22) من هذا القانون على أن: “1- تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع. 2-… 3- تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معا، فإذا قضت برفض الدفع فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها وفقا للمادة (53) من هذا القانون”.
وتنص المادة رقم (53)من هذا القانون على أنه: “1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الحالات الآتية: (أ) إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلا أو قابلا للإبطال أو سقط بانتهاء مدته. (ب)…”.
وتنص المادة (54/2) من هذا القانون على أن: “…2- تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون. وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع”.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قد تصدت في حكمها الصادر في القضيتين رقمي 50 و66 لسنة 22ق (دستورية) بجلسة 15/12/2002 لمسألة الاختصاص بنظر دعوى بطلان شرط التحكيم، وما إذا كان ينعقد لمحكمة الموضوع المختصة أم لهيئة التحكيم، وذلك بصدد بحثها شرط المصلحة في الطعن بعدم دستورية الفقـرة الأولى من المادة (22) من قانون التحكيم المشار إليه، فقررت أنه “لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن تتوفر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، وكانت طلبات المتدخلة في الدعوى الموضوعية (المدعية في الدعوى الدستورية) إنما تنصرف إلى إبطال شرط التحكيم الذي اشتملت عليه العقود المبرمة بين شريكها وشركة (شل)، وقد أبدت الدفع بعدم الدستورية إثر دفع أبداه ممثل تلك الشركة بعدم قبول الدعوى استنادا لوجود شرط تحكيم… وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان النص في الفقـرة الأولى من المادة (22) من قانون التحكيم المشار إليه على أن: “تفصل هيئة التحكيم فى الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع”، وكان القضاء بعدم دستورية هذا النص مؤداه أن جهة القضاء العادي تعد هي المختصة بالفصل في تلك الدفوع، ومنها الدفع ببطلان اتفاق التحكيم، بما تتوفر معه للمدعية مصلحة شخصية مباشرة في إقامة الدعوى الدستورية الماثلة في شـأن هذا النص، باعتبار أنه لازم للفصل في طلبات التدخل التي أبدتها أمام محكمة الموضوع ببطلان شرط التحكيم الذي اشتملت عليه العقود المبرمة بين المدعي والمدعى عليه في الدعوى الموضوعية، الأمر الذي يتحدد به نطاق الدعوى الدستورية المطروحة في نص هذه الفقرة من المادة (22) من قانون التحكيم المشار إليه”، ثم انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى أن هيئة التحكيم أصبحت هي الجهة الوحيدة التي تستطيع الفصل في الدفوع التي قد يثيرها الخصوم بشأن اتفاق التحكيم،على سند من أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكَّم من الأغيار، يعين باختيارهما أو بتفويض منهما وفقا لشروط يحددانها، ليفصل في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وهو ما مؤداه اتجاه إرادة المحتكمين إلى ولوج هذا الطريق لفض خصوماتهم بدلا من القضاء، ومن ثم فإن المشرع، بما له من سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق، قد حجب المحاكم عن نظر المسائل التي يتناولها التحكيم استثناءً من أصل خضوعها لولايتها، وأن المشرع قد خول في الفقـرة الأولى من المادة (22) من قانون التحكيم المشار إليه هيئة التحكيم الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع، لاعتبارات تتفق والمنطق القضائي، قوامها أن عرض نزاع ما على هيئة التحكيم يعد وسيلة قضائية يحسم من خلالها النزاع موضوع التحكيم برمته، بما فيه من أوجه دفاع ودفوع، فلا تتجزأ الخصومة محل التحكيم لتفصل في موضوعها هيئة التحكيم، بينما تفصل في دفوعها هيئة أخرى؛ وذلك حتى تتمكن هيئة التحكيم من القيام بواجبها في الفصل في النزاع المطروح عليها دون أن تتمزق أوصاله، وما ذلك إلا تطبيق للقاعدة المتفق عليها فقها وقضاءً وهي أن قاضي الدعوى هـو قاضي الدفع، وهو ما حدا المشرع على أن يوجب في الفقرة الأولى من المادة (13) من قانون التحكيم المشار إليه على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى، وهو ما مؤداه أن هيئة التحكيم أصبحت هي الجهة الوحيدة التي تستطيع الفصل في الدفوع التي قد يثيرها الخصوم بشأن اتفاق التحكيم. (حكم المحكمة الدستورية العليا في القضيتين رقمي 50 و66 لسنة 22ق دستورية بجلسة 15/12/2002).
وحيث إن الاتفاق على عرض نزاع ما على هيئة التحكيم لا يحجب المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع عن النظر في المسائل التي أحالها قانون التحكيم إليها على سبيل الحصر، وهي أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أم أثناء سيرها (المادة 14)، واختيار المحكم الثالث بناء على طلب أحد طرفي التحكيم (المادة 17/1/ب)، والقيام بالإجراء أو العمل المنصوص عليه في المادة (17/2)، والفصل في طلب رد المحكم (المادة 19/1)، والأمر بتنفيذ التدبير الذي قررته هيئة التحكيم على وفق حكم المادة (24)، والحكم بالجزاءات على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة، والإنابة القضائية (المادة 37)، وطلب أحد طرفي التحكيم تحديد ميعاد إضافي لإصدار حكم التحكيم أو إنهاء إجراءات التحكيم (المادة 45/2)، والأمر بتنفيذ حكم التحكيم (المادة 56)، والتظلم منه (المادة 58/3)، مما مؤداه أن الفصل في بطلان شرط التحكيم ليس من المسائل التي أحالها المشرع إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، بل جعل الفصل فيه لهيئة التحكيم، ومن بعدها المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم.
وبناء عليه فإنه ولئن كان الأصل العام هو اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الناشئة عن عقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريدات أو أي عقد إداري آخر على وفقنص المادة (10/11) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، إلا أن المشرع حجب خصومة بطلان شرط التحكيم الناشئ عن عقد إداري عن اختصاص محكمة القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية طبقا للاختصاص القيمي، كما أبقى لمحكمة الدرجة الثانية الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الناشئ عن عقد إداري، واستثنى دعوى بطلان حكم التحكيم الذي يصدر نفاذا لمشارطة تحكيم، وإنْ تضمنها عقد إداري، متى كانت ذات طبيعة تجارية دولية، على وفق التعريف المحدد لذلك في المادتين (2) و(3) من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، فعهد بتلك الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة بصريح نصوص المواد (9/1) و(53/1-أ)و(54/2) من هذا القانون.
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه ينصب على الدعوى المقامة أمام محكمة القضاء الإداري ببطلان شرط التحكيم الوارد بعقد توريد قمح، مما ينعقد الاختصاص بنظرها لهيئة التحكيم التي أصبحت هي الجهة الوحيدة التي تستطيع الفصل في الدفوع التي قد يثيرها الخصوم بشأن بطلان اتفاق التحكيم، وينحسر اختصاص محكمة القضاء الإداري عن نظرها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وباختصاصها -على خلاف ما تقدم- مما يستوجب الحكم بإلغائه، والقضاء مجددا بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر دعوى بطلان شرط التحكيم الماثلة.
وحيث إن المادة رقم (110) من قانون المرافعات تنص على أنه: “على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية…”، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا مارست جهة معينة اختصاصا قضائيا، فإنها تعد هيئة قضائية متخصصة بجانب جهة القضاء العاديوجهة القضاء الإداري بمجلس الدولة، مادام أنها تصدر حكما على مقتضى القانون في طلب قضائي رُفع من جانب أحد أطرافه في مواجهة الطرف الآخر، ومن ثم فإن الإحالة في هذه الحالة تكون واجبة قانونا؛ لدخول هيئة التحكيم في مدلول المحاكم المنصوص عليها في المادة (110) من قانون المرافعات، وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض بأنه إذا كان المشرع بنصه في المادة (110) من قانون المرافعات على أن علىالمحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، وتلزم المحكمة المحال إليها بنظرها، قد هدف إلى تبسيط الإجراءات في صدد الأحكام المتعلقة بالاختصاص ولو كان ولائيا،وإذ كانت المذكرة الإيضاحية لتلك المادة قد أشارت إلى جهتي القضاء الأساسيتين: العادي، والإداري، إلا أن النص المذكور قد جاء عاما مطلقا، ينطبق أيضا إذا كانت الدعوى داخلة في اختصاص هيئة ذات اختصاص قضائي، كهيئات التحكيم؛ لتوفر العلة التي يقوم عليها حكم النص. (نقض بجلسة 24/3/1979في الطعن رقم 634 لسنة 45 القضائية).
وحيث إنه لما كان حكم هيئة التحكيم قد صدر بجلسة 23/3/2010 متضمنا في أسبابه القضاء برفض الدفع ببطلان شرط التحكيم، فإن هذه المحكمة تقف عند الحكم بعدم اختصاصها دون إحالة إلى هيئة التحكيم؛ إذ لم تعد هناك -بعد أن فصلت هيئة التحكيم برفض طلب بطلان شرط التحكيم- أية مسائل قانونية أخرى، أو مسائل متعلقة بالوقائع، تحتاج إلى الفصل فيها.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات.
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وألزمت الهيئة المطعون ضدها المصروفات.
(ثانيا) في الدعوى رقم 17899 لسنة 64ق بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائيا بنظر دعوى بطلان شرط التحكيم، وألزمت رافعها المصروفات.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |
1 Comment
[…] […]