برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي، وسعيد عبد الستار محمد سليمان، وهشام السيد سليمان عزب، ود.رضا محمد دسوقي.
نواب رئيس مجلس الدولة
تأديب- الدعوى التأديبية- وجوب إعلان المتهم بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة- لا يجوز إعلان المتهم في مواجهة النيابة العامة إلا بعد استنفاد كل جهد في سبيل التحري عن موطنه في الداخل أو الخارج على حد سواء، وإذا كان للمعلن إليه موطن معلوم في الداخل، يجب أن يسلم الإعلان لشخصه أو في موطنه- يتعين أن يقوم قلم كتاب المحكمة التأديبية بإعلان ذي الشأن بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة في محل إقامته أو في مقر عمله- إذا لم يتم إعلان المحال بقرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية على النحو الصحيح، ولم يتم إخطاره بجلسات المحاكمة، ومن ثم لم يحضر أيا من جلساتها، سواء بشخصه أو بوكيل عنه؛ فإن الحكم الصادر في هذه الدعوى يكون قد بني على إجراءات باطلة، ويقع من ثم باطلا.
تأديب– الجزاء التأديبي- الغلو في الجزاء- لئن كان للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة، شأنها شأن أي سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو- تدرَّج القانون بالعقوبات التأديبية على نحو يحقق بالتعدد في الجزاءات هدف العقاب ومشروعيته، بزجر مرتكب الفعل وغيره، وكذا تأمين سير المرافق العامة- من صور الغلو في الجزاء: عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره، ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب، ويعد استعمال سلطة تقدير الجزاء في هذه الصورة مشوبا بالغلو، فيخرج التقدير عن نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ومن ثم يخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
تأديب– مسئولية الطبيب في أدائه لعمله الفني- الطبيب في أدائه لرسالته ليس ملتزما بتحقيق نتيجة، لكنه ملتزم ببذل عناية الرجل الحريص- صور هذه العناية تدق بالنسبة للطبيب الجراح- قيام الطبيب المقيم بإجراء عملية جراحية بمفرده يمثل مخالفة تأديبية، لا ينفيها تذرعه بانشغال الطبيب الإخصائي في حالات أخرى- ترك الطبيب الجراح فوطة طبية داخل بطن المريض يمثل مخالفة تأديبية تستوجب مجازاته تأديبيا- لا تنتفى مسئوليته بالقول إن هذه المسئولية تقع على عاتق التمريض، فمع التسليم بدور التمريض في هذا الشأن، إلا أن هذا لا ينفي مسئولية الطبيب الجراح عن متابعة ذلك، والتأكد قبل غلق الجرح من وجود جميع الأدوات والآلات المستخدمة بعد العملية؛ وذلك باعتباره المسئول الأول عما يحدث أثناء الجراحة وعن الفريق الطبي المعاون له- يؤخذ فى الاعتبار عند تقدير الجزاء الظروف التي يعمل فيها الطبيب، ومقدار ما حدث للمريض من ضرر- الشدة المفرطة في توقيع الجزاء في مثل هذه الحالات قد يترتب عليها عزوف الأطباء عن إجراء العمليات الجراحية.
تأديب– مسئولية الطبيب في أدائه لعمله الفني- إغفال الطبيب الجراح عمدا ذكر واقعة استخراج فوطة طبية من بطن المريض بتقرير العملية الذي قام بتحريره، وقعوده عن إخطار مدير المستشفى بتلك الواقعة؛ سترا لمسئولية الأطباء المسئولين عن تلك الواقعة، يقيم مسئوليته التأديبية- يجب عليه أن يثبت ذلك بتقرير العملية، أو أن يتأكد بنفسه من أنه قد تم إثباته بالتقرير، حتى لو اقتصرت مشاركته في إعداد هذا التقرير على الجزء الذي شارك فيه في العملية فقط.
– في يوم الأربعاء الموافق 14/9/2011 أودع الأستاذ/ … المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعنة:…، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن الأول، قيد بجدولها برقم 44671 لسنة 57ق عليا، طعنا على حكم المحكمة التأديبية الصادر بجلسة 26/7/2011 في الدعوى التأديبية رقم 172 لسنة 52ق بمجازاة… بالإحالة على المعاش.
وطلبت الطاعنة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءتها مما هو منسوب إليها، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
– وفي يوم الأحد الموافق 18/9/2011 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعن:… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن الثاني، قيد بجدولها برقم 44747 لسنة 57ق عليا، طعنا على حكم المحكمة التأديبية الصادر بجلسة 26/7/2011 في الدعوى التأديبية رقم 172 لسنة 52ق بمجازاة:… بالإحالة على المعاش.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءته مما هو منسوب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
– وفي يوم السبت الموافق 24/9/2011 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعن:…، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن الثالث، قيد بجدولها برقم 44894 لسنة 57ق. عليا، طعنا على حكم المحكمة التأديبية الصادر بجلسة 26/7/2011 في الدعوى التأديبية رقم 172 لسنة 52ق بمجازاة:… بالخفض إلى وظيفة بالدرجة الأدنى، مع خفض الأجر إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا ببراءته مما هو منسوب إليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
– وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعون الثلاثة، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعون شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنة الأولى بالإحالة على المعاش، والقضاء مجددا بعدم انعقاد الخصومة وبإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيها بهيئة أخرى، وبإلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث، والقضاء مجددا بمجازاتهما بالجزاء المناسب لما ثبت في حقهما، على النحو المبين بالأسباب.
ونظرت الدائرة الرابعة فحص بالمحكمة الإدارية العليا الطعون الثلاثة بجلسة 28/11/2015، وفيها قررت ضم الطعنين رقمي 44894 لسنة 57ق. عليا و44747 لسنة 57ق. عليا إلى الطعن رقم 44671 لسنة 57ق. عليا ليصدر فيها حكم واحد، وبجلسة 23/1/2016 قررت إحالتها إلى هذه المحكمة لنظرها، وتدوول نظر الطعون أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وإذ استوفت الطعون الثلاثة أوضاعها الشكلية المقررة قانونا، فإنها تكون مقبولة شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة في الطعون الثلاثة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 1/4/2011 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 172 لسنة 52ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية، متضمنة أوراق قضيتها رقم 236 لسنة 2009 نيابة الإسكندرية رابع، وتقرير اتهام ضد كل من:
1ـ … ـ إخصائي نساء وتوليد بمستشفى العامرية العام ـ الدرجة الأولى.
2ـ … ـ طبيب مقيم نساء وتوليد بمستشفى العامرية العام ـ الدرجة الثانية.
3ـ … ـ ممرضة بمستشفى العامرية العام ـ الدرجة الرابعة.
4ـ … ـ طبيب إخصائي جراحة بمستشفى العامرية العام ـ الدرجة الأولى.
5ـ … ـ استشاري الجراحة العامة بمستشفى العامرية العام ـ الدرجة الأولى.
لأنهم في الفترة من 2/11/2008 وحتى 22/2/2009، وبوصفهم السابق، وبدائرة عملهم بمستشفى العامرية العام:
(أولا) السيدة/…:
لم تؤد العمل المنوط بها بنفسها، وخالفت القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها، بأن قصرت في أداء عملها، وذلك بأن تركت الثاني/… يقوم بإجراء عملية ولادة قيصرية للمريضة:… منفردا بتاريخ 2/11/2008، رغم أن المذكور غير مصرح له بإجراء تلك العمليات الجراحية بمفرده، وذلك حال كونها الإخصائي المشرف على أعمال المذكور في ذلك اليوم، مما أدى إلى عدم مراعاة الأصول الطبية الصحيحة في إجراء العملية الجراحية بترك جسم غريب (فوطة مقاس 30سم × 30سم) داخل بطن المريضة، مما أدى إلى إصابتها بأضرار جسيمة.
(ثانيا) السيد/…:
1ـ أجرى منفردا عملية ولادة قيصرية للمريضة/… يوم 2/11/2008 رغم عدم جواز ذلك لوجوب إشراف إخصائي على تلك العمليات، على وفق ما نصت عليه بطاقة الوصف الوظيفي لوظيفة (طبيب مقيم) التي يشغلها.
2ـ أخل إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول مهنته نتيجة رعونته وعدم احترازه وذلك أثناء إجرائه عملية ولادة قيصرية للمريضة/… يوم 2/11/2008، بأن ترك جسما غريبا (فوطة طبية مقاس 30سم× 30سم) داخل بطن المريضة، مما أدى إلى إصابتها بتهتك في الأمعاء وتعرضها لأضرار صحية جسيمة.
(ثالثا) السيد/…:
أغفل عمدا ذكر واقعة استخراج فوطة طبية مقاس 30سم × 30سم من بطن المريضة/… يوم 22/2/2009 بتقرير العملية الذي قام بتحريره، وقعد عن إخطار مدير المستشفى بتلك الواقعة، وذلك سترا لمسئولية الأطباء المسئولين عن تلك الواقعة.
وارتأت النيابة الإدارية أن العاملين المذكورين قد ارتكبوا المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المواد أرقام 76/1،3 و77/1 و78/1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتعديلاته.
……………………………………………………..
وبجلسة 26/7/2011 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها محل هذا الطعن.
وشيدت المحكمة قضاءها على أن المخالفة المنسوبة إلى المتهمة الأولى ثابتة في حقها، بتقصيرها في أداء عملها، بأن تركت المتهم الثاني يقوم بإجراء عملية ولادة قيصرية للمريضة، رغم أنه غير مصرح له بإجراء مثل هذه العمليات بمفرده، حال كونها الإخصائي المشرف على أعمال المذكور في يوم إجراء هذه العملية. ولا يقدح في ذلك ما تذرعت به المتهمة من أن المتهم الثاني طبيب مقيم قديم، وأنه يوثق به ثقة كبيرة في عمله، وبأنها في ذلك اليوم كانت بعنبر الولادة لمتابعة حالات أخرى؛ لأن ما ذكرته المتهمة لا يعفيها من المسئولية عن ترك المتهم الثاني يجري عملية بمفرده وهو غير مؤهل وغير مصرح له بذلك.
وبالنسبة للمتهم الثاني فإن المخالفتين المنسوبتين إليه ثابتتان في حقه من واقع الأوراق والتحقيقات وما جاء بأقواله بتلك التحقيقات، مبررا انفراده بإجراء العملية للمريضة بانشغال المتهمة الأولى، فضلا عن ارتكابه لخطأ مهني جسيم بعدم التأكد من خلو مكان الفتح من أية فوط طبية أو آلات من التي استخدمت في إجراء العملية. ولا يعفيه من المسئولية عن هذا الخطأ ما ذكره من أن ممرضة العمليات قد أكدت له أن عدد الفوط الطبية والآلات المستخدمة مكتمل؛ لأنه هو الطبيب المسئول عن إجراء العملية وعن سلامة المريضة، وهو ما كان يتعين معه أن يلتزم بأعلى درجات الحيطة والحذر لتعلق الأمر بحياة مريضة، إذ ترتب على نسيانه لهذه الفوطة الطبية في بطن المريضة حدوث مضاعفات خطيرة بجسم المريضة، وهو ما يقطع بمسئوليته، ويتعين أخذه بالشدة.
وعن المخالفة المنسوبة إلى المتهم/… بأنه قد أغفل عمدا ذكر واقعة استخراج فوطة طبية مقاس 30سم×30سم من بطن المريضة/… يوم 22/2/2009 بتقرير العملية الذي قام بتحريره، وقعد عن إخطار مدير المستشفى بتلك الواقعة، وذلك سترا لمسئولية الأطباء المسئولين عن تلك الواقعة، فهذه المخالفة ثابتة في حقه لأنه قد حضر جزءا من العملية الجراحية التي أجريت للمريضة لاستخراج الفوطة الطبية من بطنها، وتحقق علمه اليقيني بذلك، بإجماع كل من كانوا بحجرة العمليات، ومن ثم كان يتعين عليه أن يثبت ذلك بتقرير العملية، ورفع الأمر لمدير المستشفى باعتباره الاستشاري ورئيس القسم، وهو ما لم يقم به، بما يعقد مسئوليته التأديبية، ويتعين مؤاخذته عليها.
……………………………………………………..
– ومن حيث إن مبنى الطعن الأول رقم 44671 لسنة 57ق. عليا هو بطلان الحكم المطعون فيه لصدوره على خلاف حكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه، إذ سبق إحالة الطاعنة إلى محكمة جنح العامرية في القضية رقم 2974 لسنة 2010 جنح العامرية أول لمحاكمتها عن الاتهام نفسه المنسوب إليها، وقد صدر حكم هذه المحكمة بجلسة 6/11/2010 ببراءتها من التهمة المنسوبة إليها، ولم يتم الطعن على هذا الحكم، وهو ما كان يتعين معه على المحكمة التأديبية التقيد بحجية هذا الحكم. كما شاب الحكم المطعون فيه البطلان؛ لعدم إعلان الطاعنة بقرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية وعدم إخطارها بأية جلسة من جلسات المحاكمة، ومن ثم عدم تحقق علمها بهذه المحاكمة وبالمخالفة المنسوبة إليها. كما شاب هذا الحكم مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه؛ لأن المريضة قد تعرضت لثلاث عمليات جراحية، ولا يوجد ما يثبت بأن نسيان الفوطة في بطن المريضة كان في عملية الولادة، إذ أجريت لها بعد ذلك عمليتان جراحيتان، ويرجح أن يكون نسيان الفوطة قد تم بالعملية الثانية التي أجريت لها بتاريخ 18/11/2008، ومؤدى ذلك شيوع المسئولية، وعدم ثبوت المخالفة في حق الطاعنة على وجه القطع واليقين.
– وحيث إن مبنى الطعن الثاني رقم 44747 لسنة 57ق. عليا هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه؛ لأن الطاعن كان موجودا بعمله وقت حضور المريضة/… إلى المستشفى يوم 2/11/2008 للولادة، وتم إجراء الكشف الطبي عليها بواسطة الطاعنة الأولى إخصائية النساء والتوليد، التي قررت إجراء عملية قيصرية نظرا لمجيء الجنين بالمقعدة، وطلبت منه الدخول لغرفة العمليات لإجراء العملية تحت إشرافها، فأجرى العملية لها مع الحكيمة المستجدة بالعمليات:…، واتخذ جميع الاحتياطات الخاصة بالعملية، ومنها عد الفوط والآلات قبل العملية وبعدها، وأجرى العملية بنجاح، وخرجت المريضة في اليوم التالي ومعها مولودها سليما، ثم حضرت بعد عدة أسابيع تشكو من آلام مكان الجرح، وبإجراء أشعة تلفزيونية لها أظهرت وجود تجمع دموي بالبطن، فتقرر إجراء العملية الثانية للتنظيف، وقام بإجرائها كل من الطبيب:…، استشاري النساء، والطبيب:… إخصائي قسم النساء بالمستشفى، والذي أصيب عن طريق المشرط، وبعد عدة أسابيع من إجراء هذه العملية عادت المريضة تعاني من الألم بالبطن، وبإجراء أشعة مقطعية تبين وجود فوطة منسية، فتقرر إجراء عملية ثالثة لإخراج الفوطة، وتم إجراؤها بواسطة أطباء الجراحة العامة بالمستشفى، وتبين أن الفوطة أحدثت تهتكا بالقولون، وتم عمل اللازم، وخرجت المريضة ولم تحدث لها أي مضاعفات، ومن ثم فإن الطاعن لم يرتكب أية مخالفة، لأنه يعمل منذ عام 2004 طبيبا مقيما بقسم النساء والتوليد بمستشفى العامرية المركزي، ومن ثم لديه من العلم والخبرة ما يمكنه من إجراء هذا النوع من العمليات بمنتهى الدقة والكفاءة، وقد سبق له إجراء العديد من تلك العمليات، سواء بنفسه أو بإشراف الأطباء الإخصائيين بالمستشفى دون أخطاء تذكر، وأنه قد اتخذ جميع الاحتياطات عند إجراء عملية الولادة القيصرية، كما أن المسئول من الناحية الفنية عن عد الفوط والآلات طبقا لما جرى عليه العمل، هو الممرضة وليس الطبيب، ويستدل على ذلك بقيام الممرضة بإثبات هذه الفوط قبل العملية وبعدها في صفحة مستقلة، كما أن صدور حكم في الجنحة رقم 2974 لسنة 2010 جنح العامرية ببراءة الطاعنة الأولى يستفيد منه الطاعن باعتباره طبيبا مقيما يعمل تحت إشراف الطاعنة.
– وحيث إن مبنى الطعن الثالث رقم 44894 لسنة 57ق، عليا هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه، والقصور في التسبيب، والإخلال بحق الدفاع؛ لأن الثابت من الأوراق أنه عندما تم إجراء العملية الأخيرة للمريضة بتاريخ 22/2/2009 لم يكن الطاعن ضمن الفريق الطبي الذي أجرى عملية الفتح واستخراج الفوطة، ولكن تم استدعاؤه من جانب إخصائي الجراحة للإشراف عليه في تنفيذ عملية الشرج الصناعي نظرا لحصول تهتك بسيط في القولون، يضاف إلى ذلك أن الفوطة المستخرجة تم تحريزها بأمر د/… بعد استخراجها وتم إثباتها بسجل العمليات في ساعته وتاريخه، وأن الطاعن قد حرر جزءا من تقرير العملية خاصا بالشق الذي اشترك فيه في العملية، وهو عملية إنشاء شرج صناعي، ولم يكتب شيئا في التقرير عن عملية استخراج الفوطة؛ لأنه لم يشترك في هذا الجزء من العملية، وقد تم عمل اللازم وخرجت المريضة ولم تحدث لها أي مضاعفات، كما أنه لا صحة للقول بأن الطاعن قد أغفل ذكر واقعة الفوطة المستخرجة من بطن المريضة بالتقرير؛ لأن هذا ثابت بسجل العمليات بمعرفة إخصائي الجراحة.
……………………………………………………..
– وحيث إنه بالنسبة للطعن الأول: فإن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين إعلان المتهم بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة على النحو المقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأنه يتعين أن يكون الإعلان صحيحا على وفق الضوابط الواردة في هذا القانون، وأهمها أنه لا يجوز إعلان المتهم في مواجهة النيابة العامة إلا بعد استنفاد كل جهد في سبيل التحري عن موطن المراد إعلانه في الداخل أو الخارج على حد سواء، وإذا كان للمعلن إليه موطن معلوم في الداخل، يجب أن يسلم الإعلان لشخصه أو في موطنه على النحو الموضح بالمادة (10) من قانون المرافعات.
كما استقر قضاء هذه المحكمة على أنه طبقا لنص المادة (34) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، يتعين أن يقوم قلم كتاب المحكمة التأديبية بإعلان ذوي الشأن بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة في محل إقامته أو مقر عمله؛ باعتبار ذلك إجراء جوهريا، يترتب على تخلفه بطلان الحكم في الدعوى.
وحيث إنه هديا بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أنه لم يتم إعلان الطاعنة بقرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية على النحو الصحيح، كما لم يتم إخطارها بجلسات المحاكمة، ومن ثم لم تحضر أية جلسة من جلسات هذه المحاكمة، سواء بشخصها أو بوكيل عنها، ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بني على إجراءات باطلة ويقع من ثم باطلا، وهو ما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنة بالإحالة على المعاش، وإعادة الدعوى التأديبية رقم 172 لسنة 52ق إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية لإعادة محاكمة الطاعنة والفصل فيما نسب إليها مجددا بهيئة مغايرة.
– وحيث إنه بالنسبة للطعن الثاني: فإنه ليس من شك في أن الطبيب في أدائه لرسالته ليس ملتزما بنتيجة، وليس من شك أيضا أنه ملتزم في أداء هذه الرسالة ببذل عناية الرجل الحريص، وأن صور هذه العناية تدق وتنطق باليقين بالنسبة للطبيب الجراح. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1568 لسنة 34ق.ع جلسة 12/12/1992).
وحيث إن الثابت من الأوراق ومن التحقيقات وأقوال الشهود وما تضمنه تقرير اللجنة الطبية التي شكلها وكيل وزير الصحة بالإسكندرية لفحص حالة المريضة:…، أن المخالفتين المنسوبتين إلى الطاعن ثابتتان في حقه، إذ أجرى منفردا عملية ولادة قيصرية للمريضة:… يوم 2/11/2008، رغم عدم جواز ذلك؛ لوجوب إشراف إخصائي على تلك العملية، على وفق ما نصت عليه بطاقة الوصف الوظيفي لوظيفة (طبيب مقيم) التي يشغلها، كما أخل إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول مهنته نتيجة رعونته وعدم احترازه، وذلك أثناء إجرائه عملية ولادة قيصرية للمريضة المذكورة يوم 2/11/2008، بأن ترك جسما غريبا (فوطة طبية مقاس 30سم× 30سم) داخل بطن المريضة، مما أدى إلى إصابتها بتهتك في الأمعاء وتعرضها لأضرار صحية جسيمة.
ولا يقدح في ذلك ما تذرع به الطاعن من أن قيامه بإجراء العملية بمفرده يرجع إلى أن الإخصائية المشرفة عليه (الطاعنة الأولى) كانت مشغولة بمتابعة حالات أخرى، كما لا يعفيه من المسئولية عن ترك الفوطة الطبية في بطن المريضة القول بمسئولية ممرضة العمليات عن عد الفوط الطبية والآلات المستخدمة قبل العملية وبعدها، وبأنها قد أكدت له بعد العملية أن عدد الفوط والآلات مطابق؛ ذلك أنه مع التسليم بدور الممرضة في هذا الشأن، إلا أن هذا لا ينفي مسئولية الطبيب الجراح عن متابعة ذلك، والتأكد قبل غلق الجرح من وجود جميع الأدوات والآلات المستخدمة بعد العملية، وأنه تم عدها بشكل دقيق وصحيح وذلك بمساعدة التمريض، وذلك باعتباره هو المسئول الأول عما يحدث أثناء الجراحة وعن الفريق الطبي المعاون له، إذ لا يمكن أن يستساغ أن تكون ممرضة العملية الجراحية هي المسئولة عن نسيان فوطة في بطن مريضة لمجرد أن التعليمات المنظمة لمهنة التمريض تقضي بمسئولية ممرضة العمليات عن عدد الفوط والأدوات قبل العملية الجراحية وبعدها؛ ذلك أن ما نيط بالممرضة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون من قبيل أعمال المعاونة للجراح في عناية خاصة ببطن مفتوحة لكائن بشري منوط بهذا الجراح وحده على الأقل مسئولية قفلها بحالتها في حالة العجز عن علاجها.
كما لا ينال مما تقدم ما تضمنه تقرير الطبيب الشرعي رقم 9/2014 في القضية رقم 2974 لسنة 2010 جنح العامرية أول والمقيدة برقم 615 لسنة 2011 جنح مستأنف غرب، الذي استنتج أنه “يرجح” أن تكون الفوطة الطبية قد تركت خطأ خلال جراحة الاستكشاف الأولى؛ لأن ذلك مردود عليه بأن هذا التقرير قد شابه العديد من التناقض في حيثياته، وهو ما لا تطمئن إليه عقيدة المحكمة، بحسبان أن المحكمة هي الخبير الأعلى في الطعن، فضلا عن تعارض هذا التقرير مع تقرير اللجنة الطبية المتخصصة، التي شكلها وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية المشار إليها سالفا، والتي أكدت مسئولية الطاعن عن هذا الخطأ.
ومتى كان ذلك، فإن المخالفتين المنسوبتين إلى الطاعن ثابتتان في حقه، وهو ما يستوجب مجازاته تأديبيا، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد صدر متفقا وصحيح حكم القانون.
وحيث إنه بشأن تقدير مدى ملاءمة الجزاء الموقع على الطاعن، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كان للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية ومجالس التأديب، سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة، شأنها شأن أي سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره، ففي هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملاءمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب، ويعد استعمال سلطة تقدير الجزاء في هذه الصورة مشوبا بالغلو، فيخرج التقدير عن نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ومن ثم يخضع لرقابة هذه المحكمة التي يخضع لرقابتها أيضا تعيين الحد الفاصل بين النطاقين، ومن هنا جاء تدرج القانون بالعقوبات التأديبية المقررة للذنوب الإدارية، بدءا بالإنذار، وانتهاء بالفصل من الخدمة، وعلى نحو يحقق بالتعدد في الجزاءات هدف العقاب ومشروعيته، بزجر مرتكب الفعل وغيره، وتأمين سير المرافق العامة.
وحيث إنه هديا بما تقدم، فإن الجزاء الذي قدره الحكم المطعون فيه، وهو الإحالة على المعاش قد شابه غلو وإفراط في الشدة، قد يترتب عليها إحجام العديد من الأطباء عن إجراء العمليات الجراحية، بما يحيط هذه العمليات من صعاب ومخاطر يجب أن تكون محل اعتبار عند تقدير مسئولية الطبيب الجراح، ومن ثم فإن الشدة المفرطة في توقيع الجزاء في مثل هذه الحالات قد يترتب عليها عزوف الأطباء عن إجراء العمليات الجراحية؛ لذا فإن تقدير الجزاء المناسب يجب أن يستند إلى أن الطبيب في أدائه لرسالته غير ملزم بنتيجة، لكنه ملزم ببذل عناية الرجل الحريص، فإذا خالف ذلك تعين محاسبته عن إهماله وعدم دقته في أداء عمله بالقدر الذي يردعه ويدفعه وغيره لبذل العناية الواجبة في أداء عملهم المرتبط بحياة إنسان في حاجة إلى من يعالجه من آلامه، ومن ثم فإن المحكمة وهي بصدد وزن العقوبة الواجب إنزالها بحق الطاعن عما نسب إليه وثبت في حقه، لا يغيب عن تقديرها جميع الظروف والملابسات المحيطة بالمخالفة التي ارتكبها، إذ تم استخراج الفوطة الطبية من بطن المريضة، وقد شفيت تماما دون تخلف أية عاهة مستديمة نتيجة ما حدث من خطأ طبي غير مقصود، كما أن إجراء العملية للمريضة جاء نتيجة تشخيص وقرار طبي سليم؛ لأن حالة المريضة كانت تستدعي إجراء عملية الولادة القيصرية لمجئء الجنين بالمقعدة، وقد تمت عملية الولادة بنجاح.
كما لا يغيب عن نظر المحكمة الظروف التي يعمل بها الأطباء من خلال مستشفيات حكومية ومرافق طبية متردية، لا توجد بها أبسط الإمكانيات التي تساعد القائمين على مهنة الطب على أداء رسالتهم على النحو المطلوب، وهو ما تقضي معه المحكمة بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة الطاعن بالجزاء المناسب حقا وعدلا، والذي تقدره المحكمة بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة.
– وحيث إنه عن الطعن الثالث، فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات وأقوال الشهود أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن ثابتة في حقه، إذ أغفل عمدا ذكر واقعة استخراج فوطة طبية مقاس 30سم× 30سم من بطن المريضة:… يوم 22/2/2009 بتقرير العملية الذي قام بتحريره، وقعد عن إخطار مدير المستشفى بتلك الواقعة، وذلك سترا لمسئولية الأطباء المسئولين عن تلك الواقعة. ولا يقدح في ذلك ما تذرع به الطاعن من أنه لم يكن ضمن الفريق الطبي الذي أجرى عملية الفتح واستخراج الفوطة من بطن المريضة؛ لأن الثابت أنه حضر جزءا من العملية الجراحية التي أجريت للمريضة بتاريخ 22/2/2009، وقد شارك في تحرير التقرير الطبي عن هذه العملية، وقد تحقق علمه باستخراج الفوطة الطبية من بطن المريضة، وهو ما كان يوجب عليه أن يثبته بتقرير العملية، أو أن يتأكد بنفسه من أنه قد تم إثباته بتقرير العملية، حتى لو اقتصرت مشاركته في إعداد هذا التقرير على الجزء الذي شارك فيه في العملية فقط على نحو ما تمسك به في طعنه، وفي جميع الأحوال كان يتعين عليه رفع الأمر إلى مدير المستشفى باعتباره الاستشاري ورئيس قسم الجراحة، بيد أنه لم يلتزم بذلك، وهو ما يستوجب معه مجازاته تأديبيا، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة، فإنه يكون قد صدر متفقا وصحيح حكم القانون.
ولئن كان ذلك، فإن الجزاء الذي قدره الحكم المطعون فيه بمجازاة الطاعن بالخفض إلى وظيفة بالدرجة الأدنى مع خفض الأجر إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية، قد شابه غلو وعدم تناسب، وإن المحكمة وهي بصدد وزن العقوبة الواجب إنزالها بحق الطاعن عما نسب إليه وثبت في حقه، لا يغيب عن تقديرها أن ما نسب إلى الطاعن لا يخرج عن كونه عدم دقة في أداء عمله، فضلا عن وجود فريق طبي شارك معه في إعداد التقرير محل المخالفة، كما أن المريضة قد شفيت بفضل الله على النحو المشار إليه، ومن ثم فقد تعين -والحال كذلك- تعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة الطاعن بالجزاء المناسب حقا وعدلا، والذي تقدره المحكمة بخفض الأجر في حدود علاوة.
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعن الأول رقم 44671 لسنة 57ق. عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنة:… بالإحالة على المعاش، وبإعادة الدعوى التأديبية رقم 172 لسنة 52ق إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية للفصل فيها مجددا بهيئة مغايرة بالنسبة للطاعنة.
(ثانيا) بقبول الطعن الثاني رقم 44747 لسنة 57ق. عليا شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن:… بالإحالة على المعاش، ليكون بمجازاته بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة.
(ثالثا) بقبول الطعن الثالث رقم 44894 لسنة 57ق. عليا شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن:… بالخفض إلى وظيفة بالدرجة الأدنى مع خفض الأجر إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية، ليكون بمجازاته بخفض الأجر في حدود علاوة.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |