يعد مجلس الدولة بمثابة القاضي الإداري (قاضي المشروعية) ، فهو يطلق عليه قضاء الإلغاء ذلك أن جل ما يختص به يندرج تحت نطاق دعوي الإلغاء ، إلا أنه يختص أيضاً بغير ذلك من الدعاوي الإدارية التي لا تندرج تحت دعوي الإلغاء و إنما تدخل في نطاق دعوي القضاء الكامل .
لذلك فإننا سوف نقوم بيان ماهية كلاً من
ثم بعد ذلك نبين خصائص كلامنهما مع بيان أوجه الاختلاف من الناحية الإجرائية.
وهي تهدف إلى إلغاء القرار الإداري الذي أصدرته الإدارة وتتميز تلك الدعاوي بأن سلطة القاضي الإداري فيها تقتصر على بحث مدي مشروعية القرار ومدي اتفاقه مع قواعد القانون وإلغاء ذلك القرار إذا كان مخالفاً لصحيح حكم القانون. و بالتالي لا تتعدى سلطة القاضي أكثر من إلغاء القرار غير المشروع فلا يستطيع القاضي الإداري أن يحل محل جهة الإدارة و يقوم بتحديد نطاق المركز القانوني للطاعن أو يقوم بسحب قرار الإدارة أو تعديله أو يصدر قراراً آخر محل القرار المعيب “المخالف لصحيح حكم القانون” الذي أصدرته الإدارة، ذلك ان القاعدة في ذلك هي أن القاضي الإداري يقضي و لا يدير.
فمثلاً إذا طعن موظف بالإلغاء في قرار الوزير الصادر بترقية زملائه الأحدث منه في ترتيب الأقدمية نظراً لما يتضمنه ذلك القرار من تخطى له في تلك الترقية، فإن القاضي الإداري إذا تحقق له مخالفة ذلك القرار للقانون فإنه يقوم بإلغائه واعدامه ولكن لا يستطيع القاضي أن يتعدى ذلك إلى تحديد وبيان حقوق الطاعن، فهو لا يستطيع أن يحكم بترقيته مثلاً إلى الدرجة التي كان يستحقها كما لا يستطيع أن يأمر الإدارة بترقيته، بل يقتصر دور القاضي الإداري على إلغاء قرار الترقية غير المشروع وجهة الإدارة ملتزمة من ناحيتها بترتيب آثار ذلك الإلغاء وذلك بان تقوم بسحب قرار الترقية غير المشروع و بأن تحترم ترتيب الأقدمية عند إجرائها والترقيات (حكم محكمة القضاء الإداري بتاریخ 26/1/1950).
كما أنه في حالة صدور قرار بنقل موظف بالدرجة الثالثة من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الصحة، وثبت للقاضي أن هذا القرار يخفي وراءه جزاءً تأديبياً مقنعاً فحكم بإلغاء ذلك القرار غير المشروع، فإذا كانت وزارة التربية والتعليم في الفترة ما بين إصدار قرار النقل والحكم بإلغائه قد أجرت حركة ترقيات بمقتضاها تمت ترقية زملاء المدعي إلى الدرجة الثانية فإن الإدارة هي التي تختص بإصدار كافة القرارات التي تكفل تصحيح المركز الوظيفي للمدعي وكأن قرار النقل لم يصدر أصلاً، فهي التي تصدر القرار بعودته لعمله الأصلي وبترقيته في دوره إلى الدرجة الثانية، وبتعديل مرتبه على هذا الأساس وبصرف الفروق المالية التي يستحقها والإدارة ملزمة بكل ذلك تنفيذاً للحكم النهائي الصادر بإلغاء قرار النقل ولكن القاضي الإداري نفسه لا يملك في دعوى الإلغاء أن يتعدى إلغاء قرار النقل إلى الحكم بعودته لعمله وبترقيته أو اصدار أمر للإدارة بالقيام بها (حكم محكمة القضاء الإدارى في ۱۹۵۰/۵/۱۷ ) كما أنه لا يجوز لقاضي الإلغاء أن يأمر بتعيين موظف في الوظيفة المعادلة لدرجته المالية (حكم محكمة القضاء الإداري في 15/2/1955) كما لا يجوز للقاضي الإداري إلزام جهة الإدارة بعودة الموظف لعمله ، كما لا يستطيع القاضي الإداري أن يلزم جهة الإدارة التابع لها الموظف بالاعتراف بالشهادة المقدمة منه.
موضوع دعوى الإلغاء هو دائما قرار إداري، أيا كانت السلطة التي اصدرته سواء كان رئيس الجمهورية أو وزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ و غيرهم.
و القرار الإداري الذي توجه ضده دعوى الإلغاء، قد يكون قراراً فردياً يخاطب شخصاً معيناً بالذات. مثل القرار الصادر بالقبض على فرد، القرار الصادر بفصل طالب، القرار الصادر بإبعاد أجنبي عن البلاد، القرار الصادر بنزع ملكية عقار للمنفعة العامة، والقرارات الفردية الوظيفية مثل القرار بتعيين موظف أو بترقيته أو بتوقيع جزاء تأديبي عليه أو بفصله، وقد يكون القرار الإداري لائحياً (لائحة إدارية) وهو الذي يضع قاعدة عامة تنطبق على أشخاص غير معينين بالذات مثل لوائح الضبط واللوائح التنظيمية.
ودعوى الإلغاء لا تخاصم جهة الإدارة وإنما هي توجه ضد القرار الإداري نفسه، فالخصومة التي تنشؤها هي خصومة موضوعية لا ذاتية أو شخصية، ولهذا يقال أن الطعن بالإلغاء هو “طعن موضوعی”، فهو ينصب على قرار إداري بهدف تحديد مدى مطابقته أو مخالفته للقواعد القانونية النافذة، والحكم بإلغاء القرار في حالة عدم مشروعيته.
والحكم الصادر بإلغاء القرار الإداري يكون له حجية مطلقة في مواجهة الكافة، أي ليس فقط بالنسبة للخصوم في دعوى الإلغاء، بل لغيرهم أيضاً، فيستطيع أن يتمسك بالحكم بإلغاء القرار كل شخص ذی مصلحة ولو لم يكن طرفاً في الدعوى . ذلك أنه متى ألغى القرار الاداري لمخالفته للقانون ، فإنه يعتبر ملغياً بالنسبة لكافة الأفراد والأشخاص وكأن القرار لم يصدر أصلاً.
و بالتالي فإن دعوى الإلغاء تتميز بعدة خصائص منها :
1- سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء تقتصر على مجرد الحكم بإلغاء القرار الإداري الغير مشروع وذلك عملاً بقاعدة أن القاضي الإداري يقضي و لا يدير.
۲- دعوى الإلغاء دعوی عينيية تخاصم القرار الإداري ذاته وليس مصدره “جهة الإدارة”، فليس الغرض منها و القصد هو مخاصمة الإدارة.
3- الحكم الصادر في الدعوى بإلغاء القرار الإداري له حجية مطلقة في مواجهة الكافة ، ويتمسك بالإلغاء كل من له مصلحة في ذلك ولو لم يكن طرفاً أو خصماً فيها.
على خلاف دعوى الإلغاء، فإن دعوى القضاء الكامل تتميز بأن القاضي الإداري “مجلس الدولة” لا تقتصر سلطته فيها على إلغاء قرار الإدارة غير المشروع لمخالفته لصحيح حكم القانون، بل تمتد سلطة القاضي إلى تحديد المركز القانوني الذاتي للطاعن وبيان الحل الكامل للنزاع، مثال ذلك لو أن جهة الإدارة حددت مرتب الموظف أو معاشه برقم معين، ونازع الموظف الإدارة في هذا التحديد، فإن القاضي الإداري إذا تبين له أن الموظف على حق، فإنه لا يقتصر على إلغاء المسلك الذي ارتأته الإدارة بل يتعدى ذلك إلى وضع تحديد نهائي للنزاع ، فيحدد المجلس الرقم الذي يستحقه الموظف بصفة مرتب أومعاش.
وبالتالي فإن دعوى القضاء الكامل تتميز بالخصائص الآتية:
1- أن سلطة القاضي الإداري “مجلس الدولة” فيها كاملة، ، بمعنى أنها لا تتوقف على عند إلغاء مسلك جهة الإدارة المخالف لصحيح حكم القانون، بل يتعدى ذلك إلى حسم النزاع، و ذلك بتحديد المركز الذاتي للطاعن بشكل نهائي.
2- الحكم الصادر في دعوي القضاء الكامل ليست له حجية مطلقة مثل الحكم في دعوى الإلغاء وإنما حجيته نسبية تقتصر على أطراف الدعوى: الطاعن وجهة الإدارة، و لا يستطيع أن يتمسك بالحكم شخص آخر لم يكن طرفاً في هذه الدعوى.
هناك العديد من المنازعات التي قد تكون محلاً لدعوي القضاء الكامل منها:
1- طلبات التعويض عن القرارات الإدارية وعن الأعمال المادية المنسوبة لجهة الإدارة، فقضاء المسئولية وما ينتج عنه من الحكم بالتعويض للمدعي يعتبر قضاءً كاملاً، لأن القاضي الإداري يحدد في حكمه مبلغ التعويض المستحق للمدعي ويحدد مركزه الذاتي.
۲- المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية، تعتبر هي الأخرى من دعاوی القضاء الكامل لأن المتعاقد مع الإدارة يسعى لتحديد حقوقه المالية قبل الإدارة في نطاق العقد.
3- طلبات التسوية أو الاستحقاق الخاصة بالموظفين العموميين، من أجل الحصول على حقوقهم المستمدة من القانون مباشرة ومن أمثلها المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين أو لورثتهم.
4- الطعون الخاصة بانتخابات المجالس المحلية التي تمثل وحدات الحكم المحلي ( المجلس المحلي للمحافظة أو المركز أو المدينة أو الحی أو القرية).
١- لدعوى الإلغاء ميعاد محدد يجب أن ترفع فيه الدعوى وهذا الميعاد هو ستون يوماً تبدأ بوجه عام من تاريخ إعلان القرار الإداري أو نشره أو العلم به علم يقينياً، فإذا مر هذا الميعاد دون رفع الدعوى، سقط الحق في اقامتها وتحصن القرار الإدارى نهائياً برغم مخالفته للقانون، هذا بينما دعوى القضاء الكامل لا تتقادم بميعاد محدد، وإنما ترتبط بتقادم الحق المدعى به.
۲- في دعوى الإلغاء يتطلب القانون في بعض المنازعات المتصلة بالوظيفة العامة أن يسبق رفع الدعوى تقديم تظلم في القرار الإداري المطلوب إلغائه وإلا حكم القاضي الإداري بعدم قبول الدعوى لعدم سابقة التظلم، أما في دعاوى القضاء الكامل فلا يوجد مثل هذا الشرط.
يراجع في : أصول القضاء الإداري للدكتور/ محمد رفعت عبدالوهاب، صفحة 11 و ما بعدها.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |