(أ) دعوى– الإشكال في تنفيذ الحكم- الاتجاهات التشريعية والقضائية والفقهية في مصر وفرنسا بشأن مناط قبول الإشكال في التنفيذ- الترجيح: عدم قبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم المستشكل فى تنفيذه- يتعين لقبول الإشكال أن ينشأ سببه بعد صدور الحكم المستشكل فيه، أي أن ينصرف إلى وقائع لاحقة للحكم استجدت بعد صدوره وليست سابقة عليه، وإلا أصبح الإشكال طعنا فى الحكم بغير الطريق الذي رسمه المشرع- يتعين كذلك لقبول الإشكال ألا يكون الحكم المستشكل فيه قد تم تنفيذه بالفعل.
(ب) دعوى– الإشكال في تنفيذ الحكم- الامتناع عن تنفيذ الحكم لا يعد عقبة طارئة فى تنفيذ الحكم، فهذا الامتناع ولو كان إراديا عمديا لا يدخل ضمن أسباب وصور الإشكال فى التنفيذ الجبري، إذ إن امتناع الإدارة الإرادى العمدى عن تنفيذ الحكم قد يتضمن قرارا صريحا أو سلبيا بالامتناع عن التنفيذ- هذا القرار يجوز طلب إلغائه ووقف تنفيذه، ولا صلة له بعقبات التنفيذ.
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولـــــــــــــة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
**************
بالجلسة المنعقدة علناً فى يوم السبت الموافق 3 /6 /2017 م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد عبد الحميد مسعود
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمـــة
وعضـويــة السـادة الأساتــذة المستشـارين / يحيى خضرى نوبى ومحمد محمود فرج حسام الدين وأسامة محمود عبد العزيز محرم وأنور أحمد إبراهيم خليل وحسن عبد الحميد محمد البرعى ومحمد حجازى حسن مرسى وأحمد محمد صالح الشاذلى وإبراهيم محمد إسماعيل عبد الله وإبراهيم محمد الطنطاوى نور ود . حسنى درويش عبد الحميد .
نــواب رئيس مجلس الدولـة
بحضور السيد الأستاذ المستشار / محمد محمود إسماعيل رسلان
نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس سكرتير المحكمة
***************
أصدرت الحكم الآتي
في الطعــن (الإشكال) رقــم 64557 لسنة 60 قضائية عليـا
المقام من /
رئيس مجلس إدارة بنك مصر ، بصفته .
ضــــد /
**************
بالإشكال فى تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا
فى الطعنين رقمى 8685 و 10476/55 ق . ع
بجلسة 20/4/2014
*************
**********
تجمل وقائع النزاع – حسبما يُبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 12/1/2005 أقام المستشكل ضده الأول الدعوى رقم 18/39 ق أمام المحكمة التأديبية لوزارة المالية بطلب إلغاء قرار البنك المستشكل بإنهاء خدمته ، وقضت بجلستها المعقودة بتاريخ 27/9/2005 بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار .
وكان المستشكل ضده الأول قد أقام أيضاً الدعوى رقم 1867 لسنة 2004 عمال أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم الاعتداد بالقرار الصادر بإنهاء خدمته وبإلزام البنك بأن يؤدى إليه مُقابل أجره الشهرى اعتباراً من تاريخ إنهاء خدمته حتى تاريخ الحكم وبتعويض مقداره مليون جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقته من جراء فصله تعسفياً من العمل . وبجلسة 31/5/2006 قضت المحكمة بإلزام البنك بأن يؤدى له تعويضاً مقداره عشرون ألف جنيه ، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات تتعلق بأداء مقابل الأجر أو بإعادته إلى العمل مرة أخرى .
ولم يرتض المستشكل ضده ذلك القضاء . فأقام الاستئناف رقم 903 لسنة 123ق.القاهرة. وقضت المحكمة بجلسة 9/7/2007 بقبول الاستئناف وبتعديل الحكم المستأنف ليكون قيمة التعويض خمسين ألف جنيه وتأييد الحكم فيما عدا ذلك .
كما أقام المستشكل ضده الدعوى رقم 2299 لسنة 2006 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية طالباً الحكم بإلزام البنك بتنفيذ الحكم الصادر لصالحه من المحكمة التأديبية ، وبفرض غرامة تهديدية عليه مقدارها عشرة آلاف جنيه عن كل يوم تأخير . وبجلسة 21/5/2006 ، قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى المحكمة التأديبية لوزارة المالية . وقيدت الدعوى بجدول المحكمة الأخيرة برقم 120 لسنة 40 ق . وبالجلسات أضاف المدعى طلب التعويض . وبجلسة 28/12/2008 قضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها لمحكمة القضاء الإدارى بالقاهرة. فطعن المستشكل ضده على هذا الحكم بالطعن رقم 8685 لسنة 55 ق . ع . كما طعن البنك أيضاً على هذا الحكم بالطعن رقم 10476 لسنة 55 ق . ع . وبجلسة 20/4/2014 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن الأول شكلاً – طعن المستشكل ضده – وبإلغاء الحكم المطعون فيه ، وبإلغاء قرار رئيس مجلس إدارة بنك مصر الصادر برفض تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المالية وبإلزام البنك بأن يؤدى للطاعن مائة وخمسين ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقته من جراء الامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ، كما قضت بقبول طعن البنك شكلاً ورفضته موضوعاً .
وشيدت المحكمة قضاءها على سند من أن هيئة المحكمة التأديبية لوزارة المالية التى قررت بجلسة 11/5/2008 إصدار الحكم بجلسة 28/12/2008 ، وفيها تغير تشكيلها بالكامل، فقررت إعادة الدعوى للمرافعة فى ذات الجلسة لتغيير التشكيل . ثم قررت إصدار الحكم فى آخر الجلسة دون أن تتيح للخصوم مكنة المثول أمامها بتشكيلها الجديد ، وبالتالى فإن الحكم الصادر منها يكون باطلاً . وأضافت المحكمة أن الطعنين مُهيآن للفصل فى موضوعهما ، وتأكيداً لمبدأ الاقتصاد فى إجراءات الخصومة فإنه لا يوجد ثمة ضرورة لإعادة الدعوى مرة أخرى إلى المحكمة التأديبية .
ولم يرتض البنك هذا القضاء فأقام فى شأنه دعوى البطلان الأصلية رقم 48829 لسنة 60 ق بعريضة أودعها قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 12/7/2014 – مازالت متداولة بالجلسات ولم يفصل فيها بعد – وقامت هذه الدعوى على أن الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية قضى ببطلان الحكم الذى أصدرته المحكمة التأديبية لوزارة المالية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى ، وبالتالى فإنه كان يتعين على محكمة الطعن إعادة الدعوى إليها مرة أخرى، إلا أنها تصدت لموضوع الدعوى وقضت فيه ، وبالتالى فإنها تكون فوتت على طرفى الخصومة درجة من درجات التقاضى ، مما يوصم حكمها بالعوار الشديد .
كما لجأ البنك أيضاً إلى طريق الإشكال فى التنفيذ فأقام هذا الإشكال بعريضة أودعها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 30/9/2014 طالباً قبول الإشكال شكلاً وفى الموضوع ، أصلياً : بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فيه لحين الفصل فى دعوى البطلان الأصلية . واحتياطياً : بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فى تنفيذه لعدم جواز تنفيذه جبراً .
وتخلص وقائع الإشكال الماثل – على ما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 10/6/2014 قام المستشكل ضده بإعلان بنك مصر بالصورة التنفيذية للحكم الصادر لصالحه فى الطعنين رقمى 8685 و 10476 لسنة 55 ق . ع ، نظراً لكون هذا الحكم يتضمن منطوقه شقين – إذ قضت المحكمة الإدارية العليا فى الشق الأول منه بإلغاء قرار مجلس إدارة بنك مصر برفض تنفيذ الحكم فى الطعن رقم 18 لسنة 39 ق تأديبية ، وهو شق لا يقبل التنفيذ الجبرى ، أما الشق الثانى فقد قضت فيه المحكمة الإدارية العليا بإلزام بنك مصر بمبالغ ، وهذا الشق لم يتراخ بنك مصر فى تنفيذه احتراماً منه لقضاء المحكمة الإدارية العليا بعد أن صار قضاؤها بشأنه نهائياً وباتاً ، فقام بنك مصر فور تقدم المستشكل ضده للتنفيذ بهذا الشق بأداء مبلغ المحكوم به إليه وتحرر بذلك محضر تحصيل مؤرخ 15/4/2014 بمعرفة معاون التنفيذ بمحكمة مجلس الدولة أثبت فيه تسلم المستشكل ضده قيمة الحكم المذكور، إلا أنه نظراً لما أبداه المستشكل ضده أثناء أداء المحضر من تحفظ مؤُد حقه فى تنفيذ الشق الأول من الحكم الذى لا يقبل بذاته التنفيذ الجبرى، فإن البنك يقيم إشكاله الماثل للأسباب التالية :
السبب الأول : أن الحكم المستشكل فى تنفيذه لا يقبل فى الشق الأول منه التنفيذ الجبرى .
السبب الثانى : أن المستشكل ضده الأول يمارس مهنة المحاماة الحرة وهو ما يؤكد عدم وجود مبرر لديه للتنفيذ الجبرى للحكم المستشكل فى تنفيذه على خلاف حكم القانون .
السبب الثالث : الحكم المستشكل فى تنفيذه مقام بشأنه دعوى بطلان الحكم وعدم الاعتداد به ، وهو الأمر الذى يجدر معه إيقاف تنفيذ الحكم مؤقتاً لحين الفصل فى هذه الدعوى .
ونظرت الدائرة السابعة عليا (موضوع) الإشكال بجلسة 21/12/2014 وفيها حضر المستشكل بصفته وقدم حافظتى مستندات طويتا على صورة من الحكم المستشكل فى تنفيذه ، وصورة من صحيفة دعوى البطلان الأصلية رقم 48829 لسنة 60ق.ع ، وحضر المستشكل ضده وقدم حافظة بمستنداته ومذكرة بدفاعه طلب فى ختامها الحكم : أصلياً بعدم قبول الإشكال ، واحتياطياً برفضه ، وبذات الجلسة قررت المحكمة إحالة الإشكال إلى الدائرة الرابعة (موضوع) للاختصاص إعمالاً للقرار الصادر من الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا فى هذا الشأن .
وقد ورد هذا الإشكال إلى الدائرة الرابعة عليا (موضوع) ، فبادرت إلى إحالته إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعه ، فأودعت الهيئة تقريراً فى مايو 2015 ارتأت فيه الحكم بعدم قبول الإشكال وبتغريم المستشكل بصفته مبلغ ثمانمائة جنيه وإلزامه المصروفات .
وتحدد لنظر الإشكال جلسة 20/6/2015 وفيها لم يحضر المستشكل وحضر المستشكل ضده وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27/6/2015 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 30/8/2015 ، وخلال فترة حجز الإشكال للحكم قدم البنك المستشكل طلباً لتقصير جلسة النطق بالحكم وبإعادة الإشكال إلى المرافعة لأنه لم يعلن بالجلسة ، ولم يطلع على تقرير هيئة مفوضى الدولة ، كما قدم المستشكل ضده طلباً بإعادة الإشكال للمرافعة وإحالته إلى دائرة أخرى . وقررت المحكمة تقصير جلسة النطق بالحكم لتكون بجلسة 25/7/2015، وفيها قررت إعادة الإشكال إلى المرافعة بناء على طلب الخصوم .
وأضافت المحكمة إن الفصل فى الإشكال يتوقف على الفصل فى دعوى البطلان الأصلية – التى تختص هذه الدائرة بنظرها طبقاً لقرار الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا – إلا أن هذه الدعوى مازالت فى حوزة الدائرة السابعة عليا مفوضين ، والتى أمرت وبدون اختصاص تحديد جلسة لنظرها ، وبالتالى فإنه يتعين ضم هذه الدعوى إلى الإشكال الماثل ليصدر فيهما حكم واحد ، كما تلاحظ لهذه الدائرة أن الفصل فى هذا النزاع يثير عدة ملاحظات تستوجب العرض على دائرة توحيد المبادئ، وهى تجرى على النحو التالى :
الملاحظة الأولى : حاصلها أن ثمة اتجاهاً للمحكمة الإدارية العليا ، يقضى بأن بطلان الحكم المطعون فيه لمخالفته للنظام العام ، يحول دون تصديها للفصل فى موضوع الدعوى ، أساس ذلك عدم الإخلال بمبدأ التقاضى على درجتين وتفويت درجة منها . فى حين أن ثمة حكماً آخر انتهت فيه الدائرة السابعة العليا (موضوع) بجلسة 20/4/2014 فى الطعن رقم 8685/ 55 ق.ع ، إلى إلغاء الحكـــم المطعـــون فيـــه – الصادر فى الاختصاص – لمخالفته للنظام العام، ولم تعده إلى المحكمة التى أصدرته، وإنما تصدت وفصلت فى موضوعه ، وأقامت قضاءها على سند من أن الطعن مهيأ للفصل فيه ، وإعمالاً لمبدأ الاقتصاد فى إجراءات الخصومة ، فإنها لا ترى ضرورة من إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة .
الملاحظة الثانية : تخلص فى أن الطعن فى الأحكام بدعوى البطلان الأصلية ، هى دعوى لها طبيعة خاصة ، توجه إلى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فى قانون المرافعات ، وبالتالى يجب أن تقف عند الحالات التى تنطوى على عيب جسيم يمثل إهداراً للعدالة ، يفقد فيها الحكم وظيفته ، وبه تتزعزع قرينة الصحة التى تلازمه .
إلا أن ثمة أحكاماً أخرى أجازت فيه المحكمة الإدارية العليا قبول دعوى البطلان الأصلية إذا تضمن الحكم خروجاً صارخاً على القواعد الموضوعية المقررة، أو إذا كان معيباً من حيث الموضوع عيباً جسيماً ، أو إذا كان الحكم المطعون فيه مس قاعدة من قواعد العدالة المثلى التى يجب أن تكون عنواناً للأحكام القضائية ، أو إذا كان الحكم قد أخل بمبادئ الدفاع المقررة للمدعين ، إخلالاً جسيماً أو خروجاً صارخاً على قواعد النظام العام .
الملاحظة الثالثة : توجز فى أن ثمة أحكاماً أصدرتها المحكمة الإدارية العليا ، قضت بأن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا واستمرار هذا الامتناع يعد قراراً إدارياً سلبياً بالامتناع ، تختص بنظره محكمة القضاء الإدارى طبقاً لصريح نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة ، من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 .
إلا أن ثمة أحكاماً أخرى قضت فيها إذا صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا، واعترضه إشكال فى التنفيذ ، فإن الاختصاص بنظره ينعقد لهذه المحكمة ابتداءً ، إعمالاً لقاعدة أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع .
الملاحظة الرابعة : تتمحور حول أن ثمة أحكاماً أصدرتها المحكمة الإدارية العليا قضت فيها بأن الامتناع الجبرى عن تنفيذ الأحكام لا يكون الإشكال هو الطريق الصحيح لمجابهة هذا الامتناع ، وهناك أحكام أخرى قضت فيها بأن المحكمة المختصة بنظر النزاع الذى صدر فى شأنه الحكم الذى ثار الخلاف على وصفه ينعقد للمحكمة التى أصدرته ، وبالتالى فإن هذا الحكم قد أجاز ضمناً قبول الإشكال من المحكوم ضده فى الحكم المثار الخلاف على وصفه .
الملاحظة الخامسة والأخيرة : تضمنت أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على وجوب أن يكون مبنى الإشكال وقائع لاحقة على صدور الحكم المستشكل فيه ، فى حين أنه لم تصدر أحكامً من محاكم مجلس الدولة تقضى بقبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم ، مشيراً إلى أن المستشكل ضده صدر لصالحه حكم محكمة استئناف القاهرة متضمناً تعويضه بمبلغ خمسين ألف جنيه عما لحقه من أضرار نتيجة القرار الصادر بفصله ، حيث بادر البنك إلى الوفاء بالمبلغ المقضى به ، مما ترتب عليه انتهاء أثر الحكم المستشكل فى تنفيذه، فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المالية ويرفع عنه قوته الملزمة ويصبح غير صالح للتنفيذ .
وعين لنظر الطعن (الإشكال) أمام دائرة توحيد المبادئ جلسة 7/11/2015 وفيها قدم الحاضران عن البنك المستشكل ثلاث حوافظ مستندات وطلبا ضم ملف دعوى البطلان الأصلية إلى الإشكال، كما قدم المستشكل ضده أربع عشرة حافظة مستندات ، ودفع ببطلان القرار الصادر من الأستاذ المستشار رئيس الدائرة الرابعة عليا (موضوع) بإحالة الإشكال إلى دائرة توحيد المبادئ، كما دفع بإنعدام القرار الصادر من المستشار رئيس الدائرة المشار إليها بإحالة دعوى البطلان الأصلية رقم 48829/60 ق.ع المنظورة أمام الدائرة السابعة عليا (موضوع) إلى دائرة توحيد المبادئ لضمها إلى الإشكال الماثل ليصدر فيهما حكم واحد, وقررت إحالة الطعن إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فيه أمام الدائرة، وفيها قررت الدائرة التأجيل لجلسة 16/2/2016 لورود تقرير هيئة المفوضين. وفى هذه الجلسة تنحى الأستاذ المستشار رئيس الدائرة الرابعة عليا (موضوع)، كما قدم المستشكل ضده خمس عشرة حافظة, كما دفع بعدم جواز نظر الإشكال الماثل لسابقة الفصل فيه بموجب الحكم الصادر بجلسة 26/12/2015 فى الدعوى رقم 35/49 ق لوحدة الموضوع والسبب ،كما أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى : أولاً : بالنسبة للمسألة الأولى : بعدم العدول عن مبدأ جواز رفع دعوى البطلان الأصلية إلا فى أحوال فقدان الحكم لأحد أركانه.
ثانيـاً: بالنسبة للمسألة الثانية، بعدم العدول عن مبدأ عدم جواز التصدى إذا اقتصر الحكم المطعون فيه على الفصل فى مسألة الاختصاص.
ثالثـاً: بالنسبة للمسألة الثالثة: عدم العدول عن المبدأ الذى يقرر عدم جدوى رفع إشكال فى التنفيذ حال الامتناع عن تنفيذ حكم قضائى .
رابعـاً: بالنسبة للمسألة الرابعة: عدم جواز تنفيذ أحكام محاكم مجلس الدولة جبرياً إلا إذا كان الحكم فى مواجهة فرد أو شخص من أشخاص القانون الخاص.
خامساً: بالنسبة للمسألة الخامسة: عدم جواز رفع الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم على النحو المبين بالأسباب .
وبجلسة 7/5/2016 قرر الحاضر عن البنك إقامة دعوى مخاصمة ضد السادة المستشارين أعضاء الدائرة السابعة العليا (موضوع) عن ذات الحكم موضوع دعوى البطلان الأصلية، وفيها قرر الأستاذ المستشار/ حسن كمال أبو زيد رئيس الدائرة السابعة العليا (موضوع) التنحى عن نظر الإشكال، وبجلسة 1/10/2016 قرر الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد ماهر أبو العينين التنحى عن نظر الإشكال لذات السبب، وبجلسة 14/1/2017 طلب الحاضر عن المستشكل ضم دعوى البطلان الأصلية المشار إليها، إلى الإشكال الماثل للارتباط ليصدر فيهما حكم واحد, وبجلسة 4/3/2017 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/5/2017 وضرب للمذكرات أجلاً لم تقدم خلاله. وفى الجلسة الأخيرة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيه صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
***********
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، وبعد المداولة .
حيث إنه يتعين – بادئ ذى بدء – البحث فى مدى اختصاص الدائرة المشكلة طبقاً للمادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة فى نظر المسائل الواردة بقرار الإحالة .
وحيث إن المادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أن: ” إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة تخالف بعضها البعض، أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه ….”
ومفاد هذا النص – حسبما استقر عليه قضاء هذه الدائرة – أن مناط الإحالة إليها، يقتضى – طبقاً لصراحة النص – توفر حالة من حالتين اثنتين لا ثالث لهما:
الأولى: إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن أنه صدر منها،(1) أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها بعضاً،(2) وتقتصر فى حكمها الذى تصدره على البت فى المسألة القانونية التى تكشف أوراق الدعوى والطعن أنها كانت محلاً لتناقض الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا، وفصلت فيها أحكام سابقة على نحو معين ثم تحيل الطعن بعد ذلك إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا المختصة لتفصل فى موضوع الطعن على هدى ما أصدرته من قضاء فى المسألة القانونية التى تقول فيه كلمتها ( حكمها بجلسة 3/6/1990، فى الطعن رقم 3564/32 ق.ع ) .
الثانية : إذا رأت العدول عن مبدأ قانونى مستقر فى أحكام المحكمة، أو إقرار مبدأ قانونى على خلاف أحكام سابقة.
ومؤدى ما تقدم، أن الشارع حدد اختصاص الدائرة المشار إليها على سبيل الحصر، وقصره على الحالتين السابقتين دون سواهما، وذلك طبقاً للشروط والأوضاع المقررة قانوناً، ومن ثم لا يسوغ التوسع فيهما أو القياس عليهما أو بمعنى آخر إدخال فيهما ما ليس منهما، والقول بغير ذلك يعد بمثابة افتئات على إرادة المشرع ، وهو ما لا يمكن قبوله أو التسليم به .
وتفريعاً على ذلك ، فإن إعمال مقتضى نص المادة (54 مكرراً) سالفة البيان فى شأن ما تضمنته الحالة الأولى المشار إليها، أن يصدر عن دائرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا، أو من إحدى دوائر المحكمة أحكامً سابقة يخالف بعضها بعضاً ، أو يقع التعارض بينها .
ولما كان ذلك كذلك، وكان قرار الإحالة إلى هذه الهيئة – فى شأن المسائل الأربع الأولى منه – لم يشر من قريب أو بعيد – إلى صدور أحكام سابقة من الدائرة الرابعة العليا (موضوع) يخالف بعضها بعضاً أو تعارض بينها وبين دائرة من دوائر المحكمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى شأن تلك المسائل، بحسبانه مناط اختصاص الهيئة بالبت فيه ،وكل ما أورده قرار الإحالة – فى هذا الخصوص – هو الاستشهاد بأحكام صادرة عن دوائر مختلفة للمحكمة الإدارية العليا، وهى – بهذه المثابة – لا تستنهض ولاية الهيئة على النحو المنصوص عليه قانوناً ،لكى تقول كلمتها فى المسألة القانونية محل الخلاف أو التناقض ،ولا يغير من ذلك ما ورد فى ختام قرار الإحالة من ترجيح أحد الاتجاهين فى شأن كل مسألة من المسائل المذكورة آنفاً،ذلك أن مبنى الترجيح إنما يكون عند اعتناق دائرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا اتجاهين يخالف بعضها بعضاً ،أو بينها وبين دائرة من دوائر المحكمة ،حسماً لهذا الخلاف أو التناقض ، وهو الأمر غير الحاصل فى الحالات المعروضة وفقاً للمفهوم والتصور القانونى السالف بيانه .
وترتيباً على ذلك، فإن المسائل الأربع المتقدم بيانها الواردة بقرار الإحالة ، لا تشكل – فى أى منها – ما يندرج فى اختصاص الهيئة على النحو المبين آنفاً ،مما لا معدى معه من الالتفات عنها ، إعمالاً لصريح حكم القانون .
ومن حيث إنه لم يتبق من المسائل الواردة بقرار الإحالة سوى المسألة الأخيرة ،وتقوم فى جوهرها على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا ،قد استقرت على وجوب أن يكون مبنى الإشكال وقائع لاحقة على صدور الحكم المستشكل فيه ،ولم تصدر أحكامً فى مسألة قبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم ,على الوجه السالف بيانه ،مما يقتضى العدول عن ذلك المبدأ على نحو يشمل الوقائع السابقة على صدوره .
ولما كانت هذه المسألة جديرة بالبحث ،ويقتضى ذلك – بالضرورة وبحكم اللزوم – تقصى موقف المشرع واتجاهات الفقه والقضاء فى فرنسا ومصر فى شأنها ،(1) سيما وأنه لم يسبق تناول هذه المسألة فى قضاء المحكمة الإدارية العليا من قبل .
أولاً : موقف المشرع واتجاه الفقه والقضاء الفرنسى :
(1)
من المقرر طبقاً لنص المادة 213/6 من قانون التنظيم القضائى – فى شــــأن إشكالات التنفيـذ ( Difficultés d’exécution ) أو ما يعرف بالمنازعات المتعلقة بالتنفيذ
(Les contestations concernant l’exécution) ou ( les contestations élevées sur l’ exécution)
__________________________
(1) ذهب اتجاه فى الفقه والقضاء الإيطالى ،فى أوائل القرن التاسع عشر ،إلى قبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم ،وحاصله – فى هذا الصدد – أن المدين إذا لم يكن قد تمسك بسبب معين أمام المحكمة ،فإن الحكم لا يكون حجة بالنسبة له ،ويستطيع التمسك بهذا السبب فيما بعد عند المنازعة فى التنفيذ وخلصا إلى أنه يمكــــــن التمســك بالوفـــاء السابــــق على الحكم ،إذا كان الحكم لم يتعرض له ،كما حكم فى مصر فى ذات =
أن قاضى التنفيذ لا يمكن مباشرة اختصاصه إلا منذ اللحظة التى يكون فيها إجراء التنفيذ الجبرى أو الإجراء التحفظى قد اكتمل (أى صالحاً) للبدء فى التنفيذ ،قبل هذا الإجراء ، وكذلك بعد تنفيذه،لا ينعقد له أى اختصاص أو بمعنى آخر لا يقوم لاختصاص القاضى أى قائمة .
“La compétence du juge de l’exécution ne peut s’exercer qu’à partir du moment où une procédure d’exécution forcée, ou une mesure conservatoire, est mise en oeuvre. Avant cette mesure et après son exécution, le juge de l’exécution n’a aucune compétence”.
( Fricero (N), procédures civiles d’exécution, voies d’exécution – procédures de distribution, 2e édition, Gualino, 2010,p60 .)
وقد نيط بقاضى التنفيذ طبقاً لنص المادة 311/12 من قانون التنظيم القضائى اختصاص الفصل فحسب فيما يتعلق بإشكالات سندات التنفيذ أو المنازعات المثارة بمناسبة التنفيذ الجبرى .
” Le juge de l’exécution, il statue, à titre exclusif, pour les difficultés relatives aux titres exécutoires et aux contestations qui s’élèvent à l’occasion de l’exécution forcée”.
( Fricero (N) l’essentiel des institutions judiciaires, Gulaino éditeur, 2005, p30).
ومقتضى ذلك أن المشرع الفرنسى ناط بقاضى التنفيذ اختصاص الفصل فى إشكالات التنفيذ أو المنازعات المثارة بمناسبة التنفيذ الجبرى ، ويتعلق اختصاصه بعد صيرورة الحكم واجباً للنفاذ وما يصادفه من عقبات بعد صدوره ، وبالتالى لا ينعقـــد اختصـــــاص البتــة لقاضى
__________________________________________
= الفترة بأنه يمكن أن تستند المنازعة فى التنفيذ إلى المقاصة ولو حدثت قبل الحكم الجارى تنفيذه ( راجع د. فتحى والى ،التنفيذ الجبرى ،1993 ،ص 621 ،هامش 2).
ولكن الرأى الراجح فقهاً وقضاءً على خلاف ذلك ،فقد عدل الفقه والقضاء الإيطالى فى منتصف القرن التاسع عشر عن هذا الاتجاه السابق ،مسايراً الاتجاه التقليدى القائل بأن مبنى الإشكال وقائع لا حقة على صدور الحكم، وهو ما أخذ به الفقه والقضاء المصرى (د. فتحى والى ،المرجع السابق )
(1) Code de l’organisation judiciaire.
التنفيــــذ بالوقائـــع السابقة على صدور الحكم ،وكذلك بعد تمام تنفيذه ،أو بمعنى آخر أن المشرع قد حدد اختصاص قاضى التنفيذ نطاقاً وموضوعاً ،على وجه يقطع باختصاصه بنظر الوقائع اللاحقة على صدوره ، ولا يمتد اختصاصه إلى ما قبل ذلك وهو ما ينصرف إلى الوقائع السابقة على صدوره .
ولقد حدد قضاء محكمة النقض الفرنسية – بصريح العبارة – فى حكم لها صادر لها بتاريخ 16 يونيو 1995 – وقد تواترت عليه – بأن قاضى التنفيذ لا يمكنه نظر الإشكالات المتعلقة بسندات التنفيذ إلا بصورة عارضة بمناسبة إشكالات أثيرت ضد إجراءات التنفيذ حول أساس سند التنفيذ .
” La cour de cassation a précisé que le juge de l’exécution ne peut statuer sur les difficultés relatives aux titres exécutoires qu’à titre incident, à l’occasion de contestations portant sur des mesures d’exécution engagées ou opérées sur le fondement de ce titre”.
(CA paris, 12 janv 1994, d1994, somm 339 obs. Julien).
وفى خصوص سلطات قاضى التنفيذ ،فإنه يختص بالفصل فى الإشكالات الخاصة بالتنفيذ ولو انصبت على موضوع الحق ،وله أن يفسر سند التنفيذ من أجل تحديد مضمون الالتزام تحديداً سليماً أو أن يحدد مدى استحقاقه شريطة ألا يمس حجية الشئ المقضى فيه .
([1])
“Le JEX peut statuer sur des difficultés d’exécution même si elles portent sur le fond du droit, et peut interpréter le titre exécutoire, afin de définir le contenu exact de l’obligation, ou de déterminer son exigibilité”.
وقد ذهب القضاء الفرنسى إلى أن اختصاص قاضى التنفيذ ينصب على موضوع الحق فقط فى الحدود وبالقدر الضرورى من أجل النظر فى مدى صحة أو مشروعية إجراء التنفيذ الجبرى أو الإجراء التحفظى .
” La jurisprudence a précisé que la compétence du juge de l’exécution porte sur le fond du droit, dans la mesure seulement où cela est nécessaire pour statuer sur la validité ou la régularité de la mesure d’exécution forcée ou de la mesure conservatoire “.
( Civ 2e 21 sept 2000, Dr et procéd 2001, 118 obs, Hannakker ) 0
( Héron (J), et autre, droit judiciaire privé, Montchrestin,2002, p.368 )
ومن المقرر فقهاً وقضاءً أن قاضى التنفيذ ملتزم بمبدأ عدم جواز المساس بسندات التنفيذ وبما لديها من حجية الشئ المقضى فيه .
كما أن حكم قاضى التنفيذ – بحسب الأصل – ليس له تأثير أو مساس بحجية الشئ المقضى فيه , ويمتنع عليه تقدير الأضرار والتعويضات المستحقة من جراء عدم تنفيذ السند التنفيذى فى قضائه وذلك امتثالاً ونزولاً على مقتضى نص المادة 1142 من التقنين المدنى .
( La décision du juge de l’exécution n’a pas l’autorité de la chose jugée au principal. Ceci interdit au JEX d’apprécier les dommages et intérêts dus au titre de l’inexécution d’un jugement imposant une obligation de faire en vertu de l’article 1142, du code civil ) .
( Fricero (N) , procédures civiles d’exécution, op.cit, p67 ) .
وحاصل ما تقدم جميعه , فى هذا الخصوص , أن المشرع الفرنسى قد أحسن صنعاً حينما نص صراحة – وبما لا يدع مجالاً للتفسير أو التأويل – أن اختصاص قاضى التنفيذ إنما ينصب على الوقــائع اللاحقة على صدور الحكم , وليس له اختصاص البتة بنظر الوقائع السابقة على صدوره , فإذا تمسك أحد الخصوم بدفع أو بواقعة سابقة على صدوره , فإن قاضى التنفيذ يلتفت عن ذلك , لكونه مما يخرج عن نطاق اختصاصه على النحو المقرر قانوناً , وذلك من منطلق الحرص الشديد على عدم المساس بحجية سندات التنفيذ بما لها من حجية الشئ المقضى فيه , وهو ما تأيد من جانب الفقه والقضاء الفرنسى .
ثانياً : موقف القضاء والفقه المصرى :
ومن الأهمية بمكان , الإشارة إلى أن قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وما ورد عليه من تعديلات , لم يتناول فى أحكام الكتاب الثانى ( التنفيذ ) المسألة مدار البحث , كما هو الحال فى القانون الفرنسى , وبالتالى فإن المشرع ترك المسألة لاجتهادات الفقه واتجاهات القضاء .
أ- اتجاه قضاء النقض وفقه قانون المرافعات :
تبنت محكمة النقض – منذ إنشائها – فى باكورة أحكامها الصادرة بتاريخ 14/6/1934 مبدأ مؤداه أن قبول الإشكال مبناه وقائع لاحقة على صدور الحكم , وذهبت إلى أن الإشكال فى تنفيذ أى حكم لا يمكن رفعه إلا من المحكوم عليه ، إلا متى كان سببه حاصلاً بعد صدور هذا الحكم , أما إذا كان سببه حاصلاً قبل صدوره، فإنه يكن قد اندرج ضمن الدفوع فى الدعوى وأصبح فى استطاعة هذا المحكوم عليه التحدى به , على من صدر له الحكم سواء أكان قد دفع به فعلاً فى الدعوى أم لم يدفع به .
( الطعن رقم 83/3 ق , جلسة 14/6/1934 منشور فى الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض منذ إنشائها , الإصدار المدنى , ج 8 , ص 412 ) .
وهو ما أكدته فى حكمها الصادر بتاريخ 10/11/1966 بقولها : ” الإشكال من المحكوم عليه لا يجوز قبوله إلا إذا كان سببه قد جد بعد صدور الحكم المستشكل فى تنفيذه , واعتبرت أن السبب القائم قبل صدور الحكم قد اندرج ضمن الدفوع فى الدعوى التى صدر فيها الحكم , وذلك سواء دفع بهذا السبب فى هذه الدعوى أو لم يدفع , وذلك بهدف المحافظة على حجية الأحكام القضائية” . ( نقض مدنى , الطعن رقم 114/33 ق جلسة 10/11/1966 , س 17 , ص 1673 ) .
وقد اطرد قضاء النقض على هذا المبدأ وقضى بأنه : ” لا يجوز أن يبنى الحكم فى الإشكال على المساس بحجية الحكم المستشكل فى تنفيذه وهو ما يقتضى أن يكون سبب الإشكال الذى يرفع ممن يعتبر الحكم حجة عليه غير سابق على صدور الحكم المستشكل فى تنفيذه , سواء تمسك لديه بذلك السبب أو لم يتمسك لأنه يكون قد اندرج ضمن الدفوع فى الدعوى التى صدر فيها ( نقض 21/2/1984 طعن رقم 1117 لسنة 50 قضائية ، مجموعة النقض فى 25 سنة الجزء الثانى , ص 899 قاعدة رقم 28 ) .
وفى هذا الصدد قضت أنه ليس للمدين أن يتمسك بسبب للانقضاء سابق على الحكم ولو لم يكن قد تمسك به الخصوم أو تعرض له الحكم .
ويشترط لكى تكون المنازعة متعلقة بالتنفيذ أن يكون التنفيذ جبرياً وأن تكون المنازعة منصبة على إجراء من إجراءات التنفيذ أو مؤثرة فى سير التنفيذ وإجراءاته , أما المنازعات التى لا تمس إجراء من إجراءات التنفيذ أو سير التنفيذ وجريانه , فلا تعتبر منازعة فى التنفيذ، وبالتالى لا تدخل فى اختصاص قاضى التنفيذ ( الطعن رقم 868/48 ق , جلسة 10/4/1979, س 30 , ع2 , ص 91 ) .
ولقد أشارت محكمة النقض – فى أكثر من مناسبة – إلى أن الإشكال فى التنفيذ ليس طريقاً من طرق الطعن , وإنما هو تظلم من إجراء التنفيذ مبناه وقائع لاحقة على صدور الحكم , ومن ثم فليس لمحكمة الإشكال أن تبحث الحكم الصادر فى الموضوع , من حيث صحته أو بطلان لحقه أو اتصل بإجراءات الدعوى لما فى ذلك من مساس بحجية الأحكام . (الطعن رقم 1005/31 ق, جلسة 25/10/1962 , المجموعة فى خمسين عاماً , ج1 , المجلد الثانى , ص 1732 وما تلاها ) .
ومع ذلك فإن قضاء النقض – وهو ما انعقد عليه إجماع الفقه – يستثنى من ذلك حالة صدور الحكم مشوباً بعيب لا تصححه حجية الأمر المقضى , أو صدور حكم من شخص ليس لديه ولاية القضاء , أو من قاضٍ غير صالح لنظر الدعوى , أو فى مسألة تخرج عن ولاية المحاكم إطلاقاً , أو فى دعوى رفعت ضد شخص لا وجود له قانوناً , أو المنازعة فى تنفيذ الحكم إذا كان الحكم منعدماً ,أو مزوراً , أو إذا كان الإشكال مرفوعاً من الغير ممن لا يعتبر الحكم حجة فى مواجهته ( د. فتحى والى , التنفيذ الجبرى , مرجع سابق , ص 622 , د. أسامة أحمد شوقى المليجى , الإجراءات المدنية للتنفيذ الجبرى , ط3 , 2008 , ص 795 وما تلاها, د. نبيل عمر وأحمـــد هنـدى , التنفيذ الجبرى ( قـــواعـده وإجراءاتـه ) . 2002 , ص 701, د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة، القواعد العامة فى التنفيذ الجبرى , ص 281 ) .
وحيث إن فقه قانون المرافعات يشترط لقبول الإشكال توافر الشروط الآتية :
وتفترق منازعة التنفيذ عن الطعن فى الأحكام ، فمنازعة التنفيذ ترمى إلى الاعتراض على إجراءات التنفيذ التى لا تتفق مع القانون ،فهى إذاً اعتراض على إجراءات النشاط التنفيذى ومن ثم فإن منازعة التنفيذ ليست طريقاً من طرق الطعن فى الأحكام .أما الطعن فى الأحكام القضائية فهو اعتراض على سلامة هذا الحكم من حيث الشكل أو الموضوع والطعن فى الأحكام ينظمه المشرع بشكل معين ويحدد الاختصاص بنظره لمحكمة معينة ،وهذا الطعن لا يأخذ شكل الاعتراض على تنفيذ هذا الحكم ،وإنما يأخذ شكل الطعن مباشرة فى هذا الحكم يوجه إلى شكل أو مضمون الحكم ولا يوجه إلى إجراءات تنفيذه وبمعنى آخر فالطعن فى الأحكام يواجه مرحلة سابقة على تنفيذ الحكم ،فبالطعن فى الحكم ينازع الخصم فى سلامة هذا الحكم من حيث الواقع أو من حيث القانون أو من حيث سلامة الإجراءات . ومن جهة أخرى فالقاضى المختص بنظر إشكالات التنفيذ لا ولاية له فى نظر الطعن على الحكم القضائى المعتبر سنداً تنفيذياً ،وفى القول بغير ذلك إهدار لما تتمتع به الأحكام من حجية (د. نبيل إسماعيل عمر ،إشكالات التنفيذ الجبرى فى المواد المدنية والتجارية ،الطبعة الأولى ،1982 ،ص20) .
ومن ناحية أخرى ،فإن الفقه أجمع على أنه لا يجوز أن تتخذ المنازعة فى التنفيذ وسيلة للمساس بما للأحكام من حجية ،فالحجية تشمل المسائل التى فصل فيها ،استناداً لوقائع سابقة على صدوره ، فكل ما يدخل فى نطاق الحجية ، لا يصلح أن يكون سبباً للمنازعة فى التنفيذ ،وحجية الحكم تشمل المسائل التى فصل فيها الحكم صراحة ،وبالتالى فلا تقبل المنازعة فى تنفيذه إذا استندت على تجريح الحكم أو نقده ،لأن فى ذلك مساساً بحجية الحكم القضائى والواقع إنه لا يجوز المساس بحجية الحكم إلا عن طريق الطعن فيه بطرق الطعن المقررة قانوناً .
وحاصل ما تقدم أن الاتجاه السائد فى قضاء النقض وفقه المرافعات ،أن مبنى الإشكال دائماً وقائع لاحقه على صدور الحكم وليس سابقة عليه إلا فى الحالات المستثناة على الوجه السابق بيانه ،وهى لا تتعارض مع القاعدة التقليدية فى شأن مناط قبول الإشكال فى تنفيذ الأحكام .
ب- اتجاه قضاء المحكمة الإدارية العليا :
اطرد قضاء المحكمة الإدارية العليا منذ إنشائها وعلى مدار تاريخها على أنه يشترط لقبول الإشكال فى تنفيذ الحكم الإدارى أن يكون قد رفع قبل تمام التنفيذ . فالمطلوب من القاضى الإدارى عندما يختص بمنازعات تنفيذ الأحكام الإدارية هو إجراء وقتى يدعو إليه الاستعجال ، فإذا كان التنفيذ قد تم فلا يتصور طلب وقفه أو الاستمرار فيه مؤقتاً ،كما يشترط – أيضاً لقبول الإشكال -أن يؤسس على وقائع لاحقه لصدور الحكم المستشكل فى تنفيذه ،وأن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم فهو باعتباره منصباً على إجراءات التنفيذ يكون دائماً مبناه وقائع لاحقه على صدور الحكم وليست سابقه عليه وإلا كان الإشكال طعناً فى الحكم بغير الطريق القانونى ، وبالتالى فلا يجدى الإشكال إذا كان مبنياً على وقائع سابقة عل الحكم إذ المفروض أنه قد حققها بصورة صريحة أو ضمنية (الطعن رقم 2945/31 ق.ع ، جلسة 26/3/1988، س 33، ص 1211، الطعن رقم 1172/35 ق.ع ، جلسة 25/3/1989، س 34، ص 768 ، الطعن رقم 1268/35 ق.ع ، جلسة 1/7/1989، س 34، ج2 ،ص1272، الطعن رقم 2369/34 ق.ع، جلسة 8/5/1994، س39 ،ج2، ص 1342،الطعن رقم 10227/60 ق.ع ، جلسة 1/2/2014 ، الطعن رقم 2846/57 ق.ع ، جلسة 21/3/2015).
ومن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه يتعين لقبول الإشكال أن ينشأ سببه بعد صدور الحكم المستشكل فيه ، أى ينصرف إلى وقائع لاحقة للحكم استجدت بعد صدوره وليست سابقة عليه ، وإلا أصبح الإشكال طعناً فى الحكم بغير الطريق الذى رسمه المشرع، وبالتالى فلا يجوز من خلال الإشكال العودة إلى طرح ما سبق أن فصل فيه الحكم لما فى ذلك من مساس بحجيته ( الطعون أرقام 3034 و 3566 و 7429/48 ق.ع، جلسة 24/12/2005، س 51، ج1، ص191).
وإذا بنى الإشكال على اعتراض إجرائى أو موضوعى سابق على صدور الحكم فيجب على قاضى التنفيذ أن يقضى برفضه (الطعن رقم 3418/27 ق.ع ، جلسة 18/4/1987 ، س 32 ،ج2، ص 1133، الطعن رقم 1350/38 ق.ع ، جلسة 24/8/1993، س 38 ،ج2، ص 1648 وما تلاها).
ومن المقرر أيضاً أن الامتناع عن تنفيذ الحكم لا يعتبر عقبة طارئة فى تنفيذ الحكم. فهذا الامتناع ولو كان إرادياً عمدياً لا يدخل ضمن أسباب وصور الإشكال فى التنفيذ الجبرى ، إذ أن امتناع الإدارة الإرادى العمدى عن تنفيذ الحكم قد يتضمن قراراً صريحاً أو سلبياً بالامتناع عن التنفيذ وهذا القرار يجوز طلب إلغائه ووقف تنفيذه ولا صلة له بعقبات التنفيذ ( الطعن رقم 3886/53 ق.ع، جلسة 24/2/2007 ، المجموعة ج1، فى الفترة من أول أكتوبر 2006 حتى ابريل 2007 ، ص 419 وما تلاها).
وفى هذا الإطار فإن الإشكال فى التنفيذ ليس هو الطريق الصحيح بمجابهة هذا الامتناع (الطعن رقم 2945/31 ق.ع، جلسة 16/3/1988، س 33، ج2، ص 1215)
والمستفاد من جماع ما تقدم ، أن المبدأ التقليدى (البريتورى) المستقر فى فرنسا ومصر أن مبنى الإشكال سببه دائماً وقائع لاحقة على صدور الحكم، لا سابقة عليه ، وهو أمر لا مفر منه ، وإلا عد ذلك خلطاً بين نظامين متباينين فى الغاية، فهو باعتباره منصباً على إجراءات التنفيذ يكون مبناه وقائع لاحقة ، أما إذ كان سببه حاصلاً قبل صدوره ، فإنه يكون قد اندرج ضمن الدفوع فى الدعوى التى صدر فيها الحكم ، ومن ثم لا وجه للعدول عن المبدأ السابق نزولاً على الأحكام السابقة, لما يتضمنه ذلك من مساس بحجية الحكم القضائى ويتعارض مع ما تتمتع به الأحكام القضائية من قدسية تسمو على اعتبارات النظام العام .
ومما تجدر الإشارة إليه أخيراً ، وبالبناء على ما تقدم ، فإنه لا وجه للرد على الدفع المبدى من المستشكل ضده ببطلان قرار إحالة الإشكال إلى الهيئة ، وأما فى شأن الدفع المبدى منه بانعدام القرار الصادر من الأستاذ المستشار رئيس الدائرة الرابعة عليا (موضوع ) بضم الطعن رقم 8829/60 ق.ع (دعوى البطلان الأصلية) إلى الإشكال الماثل للارتباط ليصدر فيهما حكم واحد ، فإنه لا وجه للرد عليه أيضاً ، ومرد ذلك إلى أن الهيئة لم تجر هذا الضم لعدم جدواه ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، لاختلاف طبيعة الإشكال من حيث شكله وإجراءاته وكيفية الحكم فيه عن طبيعة دعوى البطلان الأصلية ، وما تلازمها من أحكام تدور فى فلكها باعتبارها طريقاً استثنائياً للطعن على الأحكام الانتهائية ، ويقف عند الحالات التى تنطوى على عيب جسيم تمثل إهداراً للعدالة ويفقد فيها الحكم وظيفته وتنتفى عنه صفة الأحكام القضائية ، ومن ثم يغدو من قبيل الاستحالة القانونية الفصل فيهما بحكمّ واحد. وعلى هدى ذلك فإن طلب الحاضر عن المستشكل ضم الدعوى المشار إليها إلى الإشكال ليصدر فيهما حكمّ واحد، لا أساس له من صحيح القانون.
كما أنه ليس صحيحاً ما دفع به المستشكل ضده من عدم جواز نظر الإشكال لسابقة الفصل فيه بموجب الحكم الصادر بجلسة 26/12/2015 فى الدعوى رقم 35/49 ق لوحدة الموضوع والسبب، ذلك أن موضوع الدعوى الأخيرة ينصب على إلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 868/55 ق.ع ، وتعويضه عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته من جراء ذلك، فى حين أن الإشكال الماثل موضوعه الاعتراض على تنفيذ الحكم الأخير لكونه ليس من الأحكام التى لا تقبل التنفيذ الجبرى .
وخلوصاً لكل ما تقدم جميعه ، فإن الهيئة تقضى بعدم قبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم نزولاً على المبادئ والأحكام المتقدم بيانها، مما مؤداه عدم العدول عن المبدأ المستقر عليه فقهاً وقضاءً وحاصله أن مناط قبول الإشكال دائماً أن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم وليس سابقاً عليه، تأسيساً على احترام حجية الحكم محل الإشكال والحيلولة دون الخلــــط بين نظامين متباينين فى الغاية، نظام الطعن فى الأحكام، ونظام إشكالات التنفيذ ، وعلى التفصيل السالف الإلماح إليه.
**********
حكمت المحكمة: بعدم قبول الإشكال عن وقائع سابقة على صدور الحكم المستشكل فى تنفيذه ، وأمرت بإعادة الطعن (الإشكال) إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه على هدى ما انتهت إليه المحكمة.
(1) تشير الحروف الأولى JEX إلى مختصر عبارة قاضى التنفيذ (Juge d’exécution)
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |