مسئولية القاضي
أبريل 26, 2022
الدفع بعدم الاختصاص
أبريل 27, 2022

علاقة القاضى بالدولة

علاقة القاضى بالدولة

    الدولة ممثلة برئيسها الخليفة هي التي تقوم بتعيين القاضي وتمنحه صلاحية وسلطة القضاء المطلقة أو المقيدة على النحو الذي بيناه من قبل، فإذا تم تعيينه وباشر أعمال وظيفته حسب علمه واجتهاده بدا وكأنه مستقل عن الدولة لا تربطه بها رابطة ولا علاقة، ولكن الحقيقة غير ذلك إذ يبقى مرتبطاً بالدولة باعتباره من عمالها وموظفيها ويباشر أعمال وظيفته تحت رقابتها عن طريق الخليفة أو من يخوله.

    ثم إن للخصوم الحق في الدعوي التي ينظرها القاضي، أن يرفعوا شكواهم من القاضي إلى الخليفة أو من يخوله، ويسمع الخليفة هذه الشكوي ويحقق فيها. فالقاضى إذن في وظيفته هو بين الاستقلال والمراقبة مع إمكانية الشكوي منه، و بالتالي فإن علاقة القاضي بالدولة تقوم علي ثلاث أمور

 (الأول) استقلال القاضي.

 (الثاني) مراقبة القاضي.

 (الثالث) الشكوي من القاضي.

 

أولاً: استقلال القاضي

 التدخل في شؤون القاضي لا يجوز:

القضاء إخبار عن حكم الشرع على وجه الإلزام، والذي يقوم بهذا الإخبار هو القاضي فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتدخل في عمل القاضي ليحرفه عن الإخبار الصحيح عن حكم الشرع الصحيح وإلا كان مضاداً للشرع الشريف.

والإسلام يأمر بالحكم بالعدل. قال تعالي: “إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”. فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتدخل في أعمال القاضي ليحرفه عن الحكم بالعدل وإلا كان مضاداً للشرع الشريف.

والحكم بالعدل من واجب الخليفة، والقاضي نائبه في أداء هذا الواجب الشرعى فلا يجوز أن يتدخل في أعمال القاضي ليحرفه عن أداء هذا الواجب وإلا كان مضاداً للشرع الشريف.

  القضاء دين يحاسب عليه القاضي:

والقضاء بالنسبة للقاضي دين يحاسب عليه، فإذا قضى بالحق وهو القضاء وفقاً للشرع الذي يعرفه دخل الجنة، وإذا حك خلافاً للشرع دخل النار، فمن حق القاضي أن يرفض التدخل في أعماله لحرفه عن الحكم وفقاً للشرع لأنه إذا فعل ذلك دخل النار وأضاع الجنة. جاء في الحديث الشريف عن النبي: “القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار”.

 استقلال القاضي في قضائه حق له أم واجب عليه؟

وإذا كان القضاء دين يحاسب عليه القاضي فمن حقه أن يرفض التدخل في شئون عمله القضائي حتى لا يعترض إلى سخط الله إذا سمح بهذا التدخل، وقد روينا الحديث الذي فيه أصناف القضاة وأن الذي يدخل الجنة هو الذي يقضي بالحق الذي عرفه. وهذا الحق في الاستقلال مصدره الشرع الإسلامي وليس هو هبة من أحد، وما كان مصدره الشرع لا يملك أحد أن يسلبه أو يبطله.

وإذا كان استقلال القاضي حق له مصدره الشرع إلا أن هذا الحق في جذوره وأصوله هو واجب شرعي على القاضي، ومما يدل على أنه في حقيقته واجب هو عدم قدرة القاضي أن يتنازل عن استقلاله في القضاء، ولو كان حقاً خالصاً له مثل باقي الحقوق الشخصية لأمكنه التنازل عنه. فالقاضي، عليه التزام شرعي هو أن يصدر أحكامه وفق الشرع حسب اجتهاده حتي أنه لا يجوز له تقليد غيره فيما يصدره من أحكام، فإذا كان التقليد ممنوع عليه في الأصل فكيف يسوغ له السماح بالتدخل في عمله القضائي أو التنازل عن استقلاليته في إصدار الحكم؟ فالقاضي إذن ملزم شرعاً أن يبقي مستقلاً وحراً في إصداره الحكم في إصداره الحكم حسب اجتهاده وهذا ما نريد بـ (استقلال القاضي) الذي قلنا إنه حق له وأن حقيقة وجوهر هذا الحق هو الوجوب الشرعي على القاضي بالتمسك بهذا الاستقلال وعدم التفريط به.

 تدخل ولي الأمر في عمل القاضي معصية:

وتدخل ولي الأمر في عمل القاضي معصية، والقاعدة في الشريعة الإسلامية “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”، وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه في باب طاعة الأمراء: “السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.

 قول الفقيه أشهب في استقلال القاضي:

وقد نقل عن الفقيه المالكي المعروف أشهب، أنه قال:”قال واجبات القاضي أن يكون مستخفاً بالأئمة” وقد فسرت عبارته: أي مستخفاً بتوسطاتهم في النوازل وشفاعتهم فيها وفي إنفاذ الحق عليهم وعلى ذويهم، وليس المراد أنه مستخف بحقوق الأئمة في تقرير الطاعة العامة.

 على القاضي أن يستقيل إذا فقد استقلاله:

وإذا أصر ولي الأمر على التدخل في شئون القاضي، ولم يستطع القاضي الحفاظ على استقلاليته في إصدار الحكم وجب عليه أن يستقيل من وظيفته.

 الشأن في حكام المسلمين عدم التدخل في شئون القضاء:

والواقع أن ولاة أمور المسلمين العارفين بمعاني الإسلام الواقفين عند حدوده لا يتدخلون في شئون القضاء ولا يأمرون القضاة بإصدار الأحكام حسب أهوائهم، لأن تدخلهم في شئون القضاء على هذا الوجه معصية لله وظلم للرعية، والشأن في ولاة الأمر أنهم لا يعصون الله عن قصد وأصرار واستمرار على هذا العصيان، ولذلك كان القضاة في صدر الإسلام وعهوده الأولي يتمتعون باستقلال في عملهم القضائي ويحكمون حتي على الخلفاء في خصوماتهم إذا ظهر أن الحق عليهم، وبهذه الحصانة للقاضي من تدخل ولي الأمر في شئونه يطمئن الناس على حقوقهم ولا يخافون جور السلطان ولا بغي ذوي الجاه والنفوذ لأن القاضي ينصفهم منهم.

 اعتراض ودفعه:

وقد يعترض علينا بأن الخليفة أو السلطان يملك ولاية القضاء بين الناس، وله أن يباشر هذه الولاية فعلاً وهذا يؤدي إلى هدم استقلال القضاة، ويؤدي إلى جمع السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بيد الخليفة، وفي هذا من الخطر على حقوق الناس ما لا يمكن إنكاره.

 والجواب على ذلك أن الخليفة أو السلطان عندما يباشر القضاء فعلاً فإنه يخضع في هذه المباشرة لما يخضع له القضاة الآخرون من جهة ضوابط المرافعة ووسائل الإثبات وقواعد الحكم، ومن هذه القواعد والضوابط عدم جواز نظر القاضي في قضية هو فيها مدع أو مدعي عليه، أو أحد خصومها من لا تجوز الشهادة له ……. إلخ.

 ثم إن كثيراً من أصحاب الحقوق والذين أصابتهم المظالم من أصحاب النفوذ والجاه، هؤلاء يرغبون في نظر الخليفة في قضاياهم لما يرجونه من استخلاص حقوقهم بواسطته نظراً لمركز الخليفة ونفوذه وخوف الآخرين منه.

 وأيضاً فإن حق الخليفة في مباشرة القضاء لا يعني أن الخليفة يستعمل هذا الحق، فإن الواقع هو أن الخليفة لا تسمح له ظروفه وأعماله القيام بالقضاء، والسوابق القديمة تؤيد ذلك.

 ومع هذا كله يمكن القول الآن بناء على المصلحة المرسلة وسد الذرائع، عدم جواز قيام السلطان بوظيفة القضاء دفعاً للتهمة عن نفسه وخوفاً من انحرافه إلا في حالة تشكي بعض الرعية من أصحاب النفوذ في المجتمع، فيجوز في هذه الحالة وأشباهها أن يتولي السلطان القضاء وينظر هذه الشكوي ويفصل فيها وتكون له صفة “ولي المظالم” وهي وظيفة قضائية.

 استقلال القاضي لا يمنع إرشاده:

واستقلال القاضي لا يمنع إرشاده من قبل السلطان لأن الاستقلال لا يستلزم منع الإرشاد واستبعاده، والسلطان من واجبه تفقد أحوال القضاة في ضوء ذلك له أن يقدم ما يراه لازماً من نصائح وإرشادات في عملهم القضائي، وقد تعتبر هذه الإرشادات بمنزلة القواعد والتعليمات للقضاة ومن أمثلتها الشهيرة في تاريخ القضاء في الإسلام رسالة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قاضيه أبي موسي الأشعري. فقد جاء فيها: “أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتي لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، ومن أدعي حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء. ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجرباً عليه شهادة زور أو مجلوداً في حد أو ظنيناً في ولاء أو قرابة فإن الله تعالي تولي من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والإيمان، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال ثم أعمد فيما تري إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة أو الخصوم فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين مما ليس في نفسه شأنه الله، فإن الله تعالي لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً”.

قال الإمام ابن القيم بعد ذكر هذه الرسالة: وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شئ إليه وإلي تأمله والتفقه فيه.

ثانياً:الرقابة علي القاضي

من واجب الخليفة أن يراقب القاضي:

قلنا إن الخليفة هو الذي يعين القاضي، فالقاضي نائبه ووكيله في القيام بواجب القضاء وفصل الخصومات بين الناس بالعدل ومن حق الموكل أن يراقب نائبه أو وكيله ليتأكد من حسن قيامه بما وكله فيه وبما ينظر فيه من أمور. ثم إن من واجب الخليفة أن يراقب نوابه جميعاً من قضاة وأمراء ليطمئن إلي سير أعمالهم على الوجه المشروع، وبهذا صرح الفقهاء فقالوا: ” وينبغي للإمام أن يتفقد قضاته ونوابه فيتصفح أقضيتهم ويراعي أمورهم وسيرتهم في الناس وعلى الإمام والقاضي الجامع لأحكام القضاء أن يسأل الثقات عنه”.

 لا تعارض بين استقلال القاضي والرقابة عليه:

ولا تعارض بين استقلال القاضي وبين الرقابة عليه، لأن استقلاله لا يستلزم عدم مراقبته ولا يمنحه الحصانة من هذه الرقابة، ولأن القاضي يبقي نائباً للخليفة وللمنيب أن يراقب نائبه كما قلنا. ثم إن مباشرة الحقوق أو القيام بالواجبات لا تتعارض ولا تتصادم إذا قام بها أصحابها، فالقاضي إذا كان من حقه أو واجبه الاستقلال في القضاء فإن من حق الخليفة أو من واجبه مراقبة القاضي، فكل منهما يمضي في أداء واجبه، أو في التمتع بحقه دون تصادم ما دام ذلك على الوجه المشروع ودون تعدي الحدود.

 من سبل الرقابة تصفح أحكام القاضي:

ويمكن أن يراقب ولي الأمر أو من يخوله عمل القاضي ومدي سلامته ومدي كفاءة القاضي عن طريق النظر في أقضيته وأحكامه التي يصدرها، فإن كانت سائغة ولا تخالف الشرع لا في المضمون ولا في وسائل الإثبات فإن ذلك يدل على صلاحية القاضي للعمل بوظيفته، وإن بدت على خلاف ذلك كان ذلك دليلاً على عدم صلاحيته للقضاء أو في الأقل يكون بحاجة إلي التنبيه والتذكير ليحسن حالة وكفاءته.

ومما يدل على أن من طرق الرقابة النظر في أحكام القاضي ما ذكرناه في الفقرة السابقة من قولهم:”وكذلك قاضي الجماعة، فينبغي له أن يتفقد قضاته ونوابه فيتصفح أقضيتهم”، فقولهم: “فيتصفح أقضيتهم” تعين فحص هذه الأقضية للتأكد من سلامتها ومشروعيتها باعتبار أن قاضي القضاة مرجعاً قضائياً وله علم بأمور القضاء.

 من دواعي الرقابة الإسراع في حسم الدعاوي:

إن من حاجة أصحاب الحقوق إيصالها إليهم بأسرع وقت ممكن عن طريق القضاء، وهذا يتطلب الإسراع في حسم الدعاوي وعدم تأخير هذا الحسم بدون مبرر شرعي، وقد يتلكأ القاضي في الحسم ويتباطئ فيه بدون مبرر، مع أن واجبه الإسراع في الحسم حتي يصل الحق إلي صاحبه بأقصر مدة ممكنة وعدم تمكين الظالم من ظلمه ولا شك أن رقابة الخليفة أو قاضي القضاة على القاضي وتذكيره بضرورة  الإسراع في الحسم يؤدي عادة إلي بذل الجهد المستطاع من قبل القاضي للإسراع في الحسم وفصل الخصومات وهومطلب أكده الفقهاء وجعلوا التفريط فيه سبب كاف لعزل القاضي، فمن أقوالهم في هذا الموضوع:” لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد وجود شرائطه”. وقولهم:” القاضي بتأخير الحكم يآثم ويعزر ويعزل”.

 من ثمرات الرقابة إبقاء الصالح وإقصاء الفاسد:

هذا وإن من ثمرات الرقابة على القضاة، إبقاء الصالح منهم وإقصاه الفاسد لأن الرقابة الجدية تكشف عن حال القاضي وسيرته ومدي كفاءته لوظيفة القضاء. فإذا تبين أن في بقائه مفسدة لعدم كفائته العلمية، أو لعدم إنصافه وعدله أو لقلة ورعه وكثرة طمعه، أو لتأخيره الفصل في الدعاوي بدون مبرر، أو لعدم مراعاته التسوية بين الخصوم، وجب عزله أو ترجح أو جاز حسب دواعي ومبررات العزل، قال الفقيه الحطاب المالكي:”ويجب تفقد الإمام حال قضاته فيعزل من في بقائه مفسدة وجوباً فورياً، ومن يخشي مفسدته استحباباً.. وإن وجد الإمام أفضل منه فله عزله لتوليه الأفضل”. ويبدو لي أن الأولي والأفضل عدم عزل الفاضل لوجود الأفضل، بل وأري عدم جواز عزل القاضي الفاضل المستجمع لشروط توليه القضاء في الابتداء وفي الحال بحجة وجود الأفضل، لأن هذا يؤدي إلى زعزعة القضاء والقضاة، ويمنع الاستقرار، ويكون مبرراً لأصحاب الأهواء  للإيقاع بالقضاة لأتفه الأسباب بحجة وجود الأفضل، فسداً لذريعة هذا الفساد يمنع العزل بحجة وجود الأفضل وعلى كل حال فإن قول الفقيه الحطاب بجواز عزل الفاضل لوجود الأفضل يكشف لنا عن مدي حرص فقهائنا على المصلحة العامة وإقامة العدل بين الناس إلى حد تجويزهم عزل الفاضل لوجود الأفضل، باعتبار أن الأفضلية التي يتمتع بها القاضي ترجع إلى كفاءته العلمية وإلي ورعه وحرصه على العدل، وكل ذلك يفيد الناس ويحقق مصالحهم المشروعة على أساس الشرع والعدل. ولكن هذا لا يمنع القول بمنع العزل الذي ذهبنا إليه لما يخشي من مفاسد هذا العزل بناءً على قاعدة سد الذرائع لأن درء المفاسد مقدمن على جلب المصالح.

 ثالثاً: الشكوي من القاضي

 تبرير الشكوي من القاضي:

قلنا إن الغرض من الرقابة على القاضي التأكد من حسن حالة وقضائه وقيامه بواجب وظيفته على الوجه المطلوب، ولكن قد تقصر هذه الرقابة عن الوصول إلى هذا الهدف لأنها مهما كانت جدية ودائمة فلا يمكن أن تكون محيطة بجميع أحوال وتصرفات القاضي، ومن أجل هذا فقد أجاز الفقهاء التشكي من القضاة، فيجوز للخصوم في القضية التي ينظرها القاضي أن يتشكي أحدهم منه متهماً إياه بالانحياز إلى خصمه مثلاً، أو متهماً إياه بوجود عداوة معه، أوبوجود علاقة معينة مع خصمه تمنع من جواز قيامه بالنظر في هذه الخصومة، كعلاقة القرابة أو المنفعة. أو يتشكي أحد الخصوم من ارتكابه الظلم في نظره في خصومته ونحو ذلك من التهم، ولهذا فقد جاز سماع هذه الشكوي إذا رفعها المشتكي إلى ولي الأمر.

 إجراءات سماع الشكوي والنظر فيها:

فإذا رفعت هذه الشكوي إلى الخليفة أو إلي غيره ممن خوله الخليفة سماعها والنظر فيها، قام بالتحقيق في هذه الشكوي والتحري عن أحوال المشكو منه والسؤال من الثقاة عنه، فإذا ظهرت استقامته ونزاهته وكذب الشكوي ضده أبقاه في منصبه ووظيفته، إن ظهر صدق الشكوي ضده وكانت الشكوي مما يقدح في صلاحية القاضي في البقاء في وظيفته مثل تعمده الحكم بالباطل ومخالفة الشرع عزله الخليفة. وإذا كان الأمر لا يقتضي العزل كما لو ادعي المشتكي أن بينه وبين القاضي عداوة، فيكفي في هذه الحالة، إذا ترجح لدي المشكو عنده وجود مثل هذه العداوة أن يأمر بنقل الدعوي إلى قاض آخر.

 حماية القضاة من المشتكين المبطلين:

إلا أنه قد يتجرأ أهل الباطل على مقام القاضي النزيه العادل فيشكونه بالباطل عند ولي الأمر لتجريحه والمس بكرامته والسعي في إيذائه ثم عزله فينبغي للخليفة أو من يخوله النظر في الشكوي من القضاة أن يدرك ذلك ويأخذ الحيطة من الشكاوي الكاذبة حماية للقاضي ورعاية لمنصبه الخطير وردعاً للمبطلين، ولهذا قال بعض فقهاء المالكية: “لا يعزل من اشتهرت عدالته بتظاهر الشكوي ضده، لأن في عزله مع اشتهار عدالته فساد للناس على قضائهم”.

 كيفية تنظيم الشكوي من القضاة:

والذي أراه في هذا المقام، مقام الشكوي من القضاة وواجب حمايتهم من المبطلين مع إقرار مبدأ جواز الشكوي من القضاة، أن يقوم الخليفة – أو السلطة التنفيذية- بوضع الضوابط والقواعد والإجراءات الواجب اتباعها عند الشكوي من القضاة، وذكر الأسباب والمبررات التي تجيز الشكوي بحيث لا تقبل الشكوي إلا لهذه الأسباب، مع وضع جزاءات مناسبة في حالة ظهور كذب المشتكي كذباً بيناً واضحاً، على أن يلاحظ في ذلك كله السهولة واليسر وعدم التعقيد حتي تؤدي هذه الإجراءات والقواعد غرضها المزدوج وهو:

أولاً: إمكان رفع الشكوي ضد القاضي عند وجود السبب بسهولة ويسر.

الثاني: حماية القاضي من المبطلين بما تضعه من أسباب معينة لإمكان رفع الشكوي، ومن جزاءات رادعة إذا ظهر كذب المشتكي.

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV