مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 1526 لسنة 27 القضائية (عليا)
مارس 9, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 28 لسنة 29 القضائية (عليا)
مارس 9, 2020

دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 3364 لسنة 27 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1985

الطعن رقم 3364 لسنة 27 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد يسري عبده

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود عبد العزيز الشربيني ويوسف شلبي يوسف وعبد الفتاح السيد بسيوني وعادل عبد العزيز علي بسيوني ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وفؤاد عبد العزيز عبد الله ود.محمد جودت الملط ومحمد أمين المهدي ومحمد محمود البيار وحسن حسنين علي.

نواب رئيس مجلس الدولة

…………………………………………………………………

المبادئ المستخلصة:

 (أ) عقد إداري

تفسيره- الأصل في تفسير العقود الإدارية أو المدنية هو التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين حسبما تفصح عنها عبارات العقد- إذا كانت عبارة العقد واضحة تكشف بنفسها عن النية المشتركة للمتعاقدين فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها بما ينأى بها عن هذه النية- إذا كانت العبارة غير واضحة فيلزم تقصي النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بمعايير موضوعية للكشف عن هذه النية، يكون مردها إلى طبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوفر من أمانة وثقة بين المتعاقدين.

(ب) عقد إداري

صوره– التعهد بخدمة مرفق عام لمدة محددة بعد التدريب العلمي والعملي هو عقد إداري.

(جـ) عقد إداري

صوره- التعهد بخدمة مرفق عام لمدة محددة- إخلال المتعاقد بالتزامه الأصلي- إذا كانت نية المتعاقدين قد اتجهت إلى الالتزام بخدمة مرفق عام لمدة محددة سلفا، مع التزام المتعهد في حالة إخلاله بهذا الالتزام برد ما أنفقه المرفق على تدريبه علميا وعمليا، فإن مفاد ذلك قيام التزام أصلي يقع على عاتق المتعاقد مع المرفق، يكون محله أداء الخدمة كامل المدة المتفق عليها، والتزام بديل محله دفع ما أنفق عليه لتدريبه علميا وعمليا- متى تحقق إخلال المتعاقد بالالتزام الأصلي لسبب يرجع إلى فعله حل الالتزام البديل فور الإخلال بالالتزام الأصيل- لا تبرأ ذمة المتعاقد إلا بأداء كامل الالتزام البديل- إذا لم يؤدَّ الالتزام البديل اختيارا جاز قانونا إجبار المتعاقد على أدائه- لا وجه للقول بإنقاص الالتزام البديل مقابل ما أمضاه المتعاقد من مدة بخدمة المرفق- الالتزام الأصلي محله أداء الخدمة لمدة كلية محددة سلفا، وليس لمدد تستقل كل منها عن الأخرى([1]).

الإجراءات

بجلسة 7 من نوفمبر سنة 1984 قررت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا إحالة الطعن المقيد بسجلاتها تحت رقم 3364 لسنة 27 القضائية إلى الهيئة المشكلة على وفق أحكام المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني مسببا، انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع إلزام الطاعن بصفته المصروفات.

وقد تدوول نظر الطعن بالجلسات أمام هيئة المحكمة على النحو المبين تفصيلا بالمحاضر، وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1985 قررت إصدار الحكم بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1985.

وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.

من حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للأرصاد الجوية بصفته كان قد أقام الدعوى التي قيدت بسجلات محكمة القضاء الإداري برقم 857 لسنة 34 القضائية مختصما السيد/…، طالبا الحكم بإلزام المدعى عليه أن يدفع للمدعي بصفته مبلغ ثمان مئة جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، عملا بالمادة 226 من القانون المدني، مع إلزامه المصروفات.

وقال المدعي بصفته شرحا لدعواه إن المدعى عليه كان يشغل وظيفة أخصائي جوي بالهيئة من الدرجة السادسة بمجموعة الوظائف الفنية اعتبارا من 23/3/1970، ووقَّع إقرارا عند تعيينه يتضمن التزامه بالعمل بالهيئة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي حالة إخلاله بذلك يلتزم برد ما أنفقته الهيئة على تدريبه عمليا ونظريا، إلا أن المدعى عليه انقطع عن العمل اعتبارا من 10/1/1974 وتقدم باستقالة رفضت، وصدر قرار رئيس مجلس الإدارة رقم 149 لسنة 1976 باعتباره مستقيلا اعتبارا من 10/1/1974، الأمر الذي يخول الهيئة الحق في المطالبة بما أنفق على تدريب المدعى عليه، وقدره ثمان مئة جنيه طبقا للتعهد، وكذلك الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد. وانتهى المدعي إلى الطلبات المشار إليها.

…………………………………….

وبجلسة 28 من يونيه سنة 1981 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) الحكم في الدعوى، وقضى بإلزام المدعى عليه أن يدفع للمدعي بصفته مبلغا قدره اثنان وثلاثون جنيها والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 14/2/1980 حتى تمام السداد، وألزمته المصروفات.

وقد أقامت محكمة القضاء الإداري قضاءها على أن الثابت من حافظة المستندات المقدمة من المدعي، أن المدعى عليه قد وقع إقرارا بتاريخ 23/3/1970 بمناسبة ترشيحه لشغل وظيفة أخصائي رابع من الدرجة السابعة بمصلحة الأرصاد الجوية، التزم فيه بالعمل بالمصلحة لمدة خمس سنوات اعتبارا من 23/3/1970، وأنه في حالة إخلاله بهذا الالتزام يلتزم برد ما أنفقته المصلحة على تدريبه عمليا ونظريا وقدره ثمان مئة جنيه، سواء كان مرد الإخلال هو الانقطاع عن العمل بدون سبب مشروع، أو الفصل التأديبي، أو الالتحاق بخدمة جهة أخرى أجنبية أو محلية، ومقتضى هذا التعهد -على ما قالت به محكمة القضاء الإداري- هو أن هناك التزاما أصليا على عاتق المدعى عليه، هو التزام بعمل، محله خدمة مصلحة الأرصاد الجوية لمدة خمس سنوات اعتبارا من 23/3/1970، وأنه في حالة إخلاله بهذا الالتزام -وبمراعاة أن التنفيذ العيني قهرا غير ممكن- يترتب في ذمته كأثر لعدم الوفاء التزام آخر، محلُّه رد ما أنفقته المصلحة على تدريبه، أي أداء مبلغ من النقود، وأنه إذا كان الثابت أن المدعى عليه قد انقطع عن العمل اعتبارا من 10/1/1974 قبل مضي كامل المدة التي التزم بالخدمة فيها، وصدر قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 149 لسنة 1976 باعتباره مستقيلا اعتبارا من التاريخ المشار إليه، فمن ثم يترتب في ذمة المدعى عليه التزام بدفع ما يقابل المدة الباقية من مدة الخمس السنوات؛ تأسيسا على أنه قد أخل بالتزامه إخلالا جزئيا، مما يبيح للقاضي أن يخفض التعويض المتفق عليه إلى الحد الذي يتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي الذي لحق بالمدعي بصفته، وانتهت المحكمة إلى القضاء بما سبقت الإشارة إليه.

…………………………………….

وبتاريخ 27 من أغسطس سنة 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة، نيابة عن الهيئة العامة للأرصاد الجوية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه، قيد بالسجلات تحت رقم 857 لسنة 32 القضائية، ويقوم الطعن على أساس أن الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، إذ قضى بتخفيض قيمة الالتزام بما يوازي المدة التي قضاها العامل بالخدمة؛ ذلك أن الالتزام المفروض عليه هو التزام بعمل، وبهذه المثابة فهو غير قابل للانقسام طبقا لحكم المادة (300) من القانون المدني؛ لوروده على محل لا يقبل بطبيعته أن ينقسم، وذلك إذا تبين من الغرض الذي رمى إليه المتعاقدان أن الالتزام لا يجوز تنفيذه منقسما أو إذا انصرفت نية المتعاقدين إلى ذلك، فإذا كان الطرفان قد اتفقا على رد المصروفات التي أنفقت على المدعى عليه في حالة إخلاله بخدمة الهيئة الطاعنة، ويتحقق ذلك سواء كان الإخلال كليا أو جزئيا، فلا يجوز أن يجبر الدائن على قبول الوفاء الجزئي؛ لما في ذلك من مخالفة لما اتفق عليه الطرفان وتفيده عبارة العقد.

وينتهي التقرير بالطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بإلزام المطعون ضده أن يدفع للطاعن بصفته مبلغ ثمان مئة جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 14/2/1981 حتى تمام السداد، مع إلزامه المصروفات عن الدرجتين.

…………………………………….

ومن حيث إن التعهد بخدمة مرفق عام لمدة محددة مع التزام المتعهد برد ما أنفقه المرفق على تدريب المتعهد علميا وعمليا في حالة إخلاله بالتزامه هو عقد إداري تتوفر فيه خصائص ومميزات هذا العقد.

ومن حيث إن الأصل في تفسير العقود، إدارية كانت أو مدنية، هو التعرف على النية المشتركة للمتعاقدين، حسبما تفصح عنها عبارات العقد، فإذا كانت عبارة العقد واضحة، تكشف بذاتها عن النية المشتركة للمتعاقدين، فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها بما ينأى بها عن هذه النية، وإذا كانت العبارة غير واضحة فيلزم تقصي النية المشتركة للمتعاقدين، دون الوقوف -متى اقتضى الأمر- عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بمعايير موضوعية من شأنها الكشف عن هذه النية، مردها إلى طبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوفر من أمانة وثقة بين المتعاقدين.

ومن حيث إنه متى كانت نية المتعاقدين -على ما يكشف عنها صريح عبارة العقد ومفهومها الصحيح- هي الالتزام بخدمة مرفق عام لمدة محددة سلفا، مع التزام المتعهد في حالة إخلاله بهذا الالتزام برد ما أنفقه المرفق على تدريبه علميا وعمليا، فإن مفاد ذلك قيام التزام أصلي يقع على عاتق المتعاقد مع المرفق محله أداء الخدمة المدة المتفق عليها، والتزام بديل محله دفع ما أُنفق عليه لتدريبه علميا وعمليا، ويحل هذا الالتزام البديل فور الإخلال بالالتزام الأصيل.

ومن حيث إن إخلال المتعاقد بالالتزام الأصلي يتحقق بعدم أداء الخدمة كامل المدة المتفق عليها، فشأنه ألا تبرأ ذمة المتعاقد من التزامه إلا بأداء كامل الالتزام البديل، فإذا لم يؤده المتعاقد اختيارا جاز قانونا إجباره على ذلك.

ولا يسوغ القول بإنقاص الالتزام البديل مقابل ما عساه أن يكون المتعاقد قد أمضاه من مدة بالخدمة بالمرفق؛ ذلك أن الالتزام الأصلي محله أداء الخدمة لمدة كلية محددة سلفا، وليس لمدد تستقل كل منها عن الأخرى تتكون من مجموعها المدة المتفق عليها، فيكون محل الالتزام أداء الخدمة لكامل المدة المحددة، الأمر الذي يتفق والنية الحقيقية المشتركة للمتعاقدين بمراعاة طبيعة التعاقد واتصاله بنشاط المرفق وتسييره بغية خدمة أغراضه وسد احتياجاته من ذوي التخصصات العلمية وأصحاب المران العملي طوال مدد تحدد سلفا في مقابل قيام المرفق بالتدريب النظري والعملي.

وعلى ذلك، فمتى تحقق الإخلال بهذا الالتزام الأصلي لسبب يرجع إلى فعل المتعاقد فلا تبرأ ذمته إلا بأداء كامل الالتزام البديل، وهو على ما سبق، كامل النفقات التي قد تكون أنفقت على تدريبه علميا وعمليا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالتزام المتعاقد مع الجهة الإدارية بأداء كافة النفقات التي أنفقت على تدريبه علميا وعمليا في حالة إخلاله بالالتزام بالخدمة كامل المدة المحددة بالعقد المبرم بينهما، متى انصرفت نية المتعاقدين إلى ترتيب التزام أصلي بالخدمة لمدة محددة، والتزام بديل بأداء كامل النفقات التي تصرف على تدريب المتعاقد علميا وعمليا، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

([1]) راجع كذلك حكم دائرة توحيد المبادئ بجلسة 6/1/1994 في الطعن رقم 1264 لسنة 35 ق (منشور بهذه المجموعة برقم 23).

Comments are closed.

xnxxbf