دائرة توحيد المبادئ- مناط الإحالة إليها- طبقا للمادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة، تلتزم دوائر المحكمة الإدارية العليا بأن تُحيل الطعون المنظورة أمامها إلى هذه الدائرة، متى تبينت اختلاف الأحكام السابق صدورها عنها أو عن دائرة أخرى بالمحكمة، أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانوني مستقر في أحكام المحكمة، فإحالة الطعن إلى هذه الدائرة منوطة بنظر أحد الطعون التي تختص دوائر المحكمة بنظرها، وتحقق أحد موجبي الإحالة- الإحالة للعدول تفتضي سبق صدور حكم عن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا في وقائع معينة، ثم تُعرض الوقائع نفسها أو أخرى تماثلها أو ترتبط بها ارتباطا لا يقبل التجزئة بمناسبة نزاع آخر، وترى المحكمة بعد مداولتها في النزاع الأخير أنها ستولي وجهها شطر اتجاه آخر مناهض لما سبق لها القضاء به، فحينئذ؛ وحرصا على عدم تعارض الأحكام وتناقضها في المسألة القانونية الواحدة، تعرض الدائرة المختصة المسألة على دائرة توحيد المبادئ للبت في أمر هذا العدول.
لدائرة توحيد المبادئ أن تتثبت ابتداءً من توفر الحالة الواقعية والقانونية الموجبة للإحالة إليها، وسلامة السبب الذي قام عليه قرار الإحالة وجودا ووصفا- لا تثريب على هذه الدائرة إن هي التفتت عن سبب قرار الإحالة إذا تبينت وهن أساسه وعدم استخلاصه استخلاصا سائغا في ضوء عناصر النزاع في الطعن- لهذه الدائرة كذلك أن تتصدى من تلقاء نفسها لنظر الطعن إذا تبين لها توفر حالة أخرى غير تلك الواردة بقرار الإحالة من الحالتين المقررتين بالمادة (54 مكررا) المشار إليها- أثرا لهذا: يتوجب على دائرة توحيد المبادئ متى تبين لها وجود أكثر من اتجاه في المسألة الواحدة، أن تستنهض ولايتها لإرساء مبدأ قانوني يحسم هذا الخلاف؛ وذلك تحقيقاً للغاية التي توخاها المشرع من إنشائها، وهي الحيلولة دون تناقض أحكام المحكمة الإدارية العليا فيما بينها على نحو يضر بحسن سير العدالة، وينال من استقرار المراكز القانونية، ويزعزع الثقة والطمأنينة في نفوس المتقاضين بسبب تناقض الأحكام في المسألة القانونية الواحدة.
المحكمة الدستورية العليا- حجية الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية- الخصومة في الدعوى الدستورية خصومة عينية، محلها النصوص التشريعية، وقضاء المحكمة بشأنها كاشف لحقيقة اتفاقها أو اختلافها مع الدستور- الأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية تحوز حُجية مطلقة، وتعد قولاً فصلا، لا يقبل تعقيبا أو تأويلا من أية جهة، ولا تقتصر حجيتها على أطراف الدعوى الدستورية، بل تمتد إلى الجميع، وإلى جميع سلطات الدولة بفروعها وتنظيماتها المختلفة، بما في ذلك المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وهي حجية تحول دون المجادلة فيما انتهت إليه هذه الأحكام، أو السعي لنقضها من خلال إعادة طرح ما قضت به، ومعاودة المساجلة والمماراة حول ما حسم الأمر بشأنه دستوريا.
الحكم في الدعوى- التزام المحاكم بتطبيق القانون- يجب على المحاكم إعمال مقتضى القانون دون إغفال أو إهمال- لئن كان يجوز للمحاكم انتقاد نص تشريعي بُغية دعوة المشرع للأخذ بالأحسن منه (في تقديرها)؛ تحقيقاً لحُسن سير العدالة، إلا أنه لا يجوز لها بحال من الأحوال، وتحت أية ذريعة، أن تمتنع عن إعمال حكمه مادام قائما، ولم يعدل أو يلغَ بالطريق الذي رسمه المشرع، فالمحاكم تصدر أحكامها على وفق حكم القانون، ووظيفتها هي تطبيق القانون، لا تعطيله.
قواعد التفسير- من المبادئ العامة المسلم بها في تفسير أحكام القانون: عدم الانحراف عن صريح عبارة النص، أو تفسيره على نحو يتعارض مع عباراته الواضحة الصريحة القاطعة الدلالة على المقصود منها إلى معانٍ أخرى، وإلا كان ذلك افتئاتا على إرادة المشرع، وإحلالا لإرادة المفسر (قاضيا كان أو غيره) محل السلطة التشريعية، دون سند من الدستور أو القانون؛ إذ لا اجتهاد مع صراحة النص التشريعي وقطعية دلالته على ما تقصده السلطة التشريعية من تقريره.
(هـ) اختصاص:
مدى اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بالفصل في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة، وفي المنازعات المقامة طعنا في قرارات مجالس هذه الكليات والمعاهد الصادرة بفصل الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية:
(أولا) تطور التنظيم التشريعي للاختصاص بنظر المنازعات الإدارية الخاصة بهم، واتجاه المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن (استعراض).
(ثانيا) المبدأ: عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بالفصل في هذه المنازعات، وانعقاد الاختصاص للجان ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية بنظرها.
(و) مجلس الدولة:
دائرة توحيد المبادئ- كما يجوز لهذه الدائرة أن تقتصر في حكمها الذي تصدره بعد اتصالها بالطعن على البت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتناقض الأحكام، أو إقرار مبدأ قانوني على خلاف أحكام سابقة، ثم تحيل الطعن بعد ذلك إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل في موضوعه على وفق المبدأ الذي أرسته بحكمها؛ فإنه لا يوجد ما يحول بينها وبين الفصل في الطعن الذي اتصلت به بقرار الإحالة بحكم منهٍ للنزاع، دون الوقوف عند القضاء بالمبدأ القانوني الذي يتصل بهذا النزاع، مادام أن الطعن قد استقامت عناصره، وكان صالحا للفصل فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائــــرة توحيــــد المبـــادئ
*************
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 3/2/2018م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم
رئيس مجلس الدولة و رئيس المحكمـــــة
وعضـوية الســـادة الأســاتذة المستشــــارين / يحى خضرى نوبى ومحمد محمود فرج حسام الدين و أسامة محمود عبد العزيز محرم وأنور أحمد إبراهيم خليل وناجى سعد محمد محمود الزفتاوى وتوفيق الشحات السيد محجوب وعبد الرحمن سعد محمود عثمان ود.محمد ماهر أبو العينين ومحمد حجازى حسن مرسى ود. حسنى درويش عبد الحميد درويش .
نواب رئيس مجلس الدولة
بحضور السيد الأستاذ المستشار / رجب عبد الهادي محمد تغيان
نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس سـكرتير المحكــمة
*********************
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن رقم 16473 لسنة 60 القضائية عُليا
المقام من :
نصر عطية محمد نصر
بصفته ولياً طبيعياً على نجله القاصر “محمد”
ضـــــــــــــد :
فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ” الدائرة السادسة “
بجلسة 1/12/2013 فى الشق العاجل من الدعوى رقم (21437) لسنة 67ق
***************
**********
في يوم الخميس الموافق 23/1/2014 أودع الأستاذ / عبد البارى خليل شلبى المحامى المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن – بصفته – قلم كتاب المحكمة الإدارية العُليا تقريراً بالطعن الماثل قُيد بجدولها تحت رقــــــم (16473) لسنـــــة 60 القضائية عُليا، وذلك طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري المشار إليه ، القاضى فى منطوقه بقبول الدعوى شكلاً ، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، وألزمت المدعى مصروفاته ، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الإلغاء .
وطلب الطاعن بصفته فى ختام تقرير الطعن – ولما ورد به من أسباب – تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا لتأمر بوقف تنفيذ الحكم والقرار المطعون فيهما ، ثم إحالته إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العُليــــا لتقضى فيـــــه : أولاً بقبول الطعن شكلاً . ثانياً :- وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ،والقضاء مُجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بإجبار نجله على تقديم استقالته من الكُلية الحربية وإعادة قيده بالفرقة الثالثة بالكلية ،وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيــــه الحكم بقبوله شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مُجدداً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ، مع إحالتها إلى لجنة ضباط القوات المُسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية للاختصاص مع إبقاء الفصل فى المصروفات باعتبار أن الحكم بعدم الاختصاص والإحالة غير منه للخصومة .
نُظر الطعن أمام الدائرة السادسة “فحص طعون” بالمحكمة الإدارية العليا – على النحو المبين بمحاضرها – وبجلسة 20/5/2014 قدم الطاعن بصفته مُذكرة دفاع طلب فى ختامها الحكم أصلياً :- أولاً – بقبول الطعن شكلاً . ثانياً – وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مُجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإعادة قيد نجله بالفرقة التى كان مُقيداً بها بالدفعة (108) وتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية بدون إعلان ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات . واحتياطياً – إحالة نجله “محمد” إلى المجالس الطبية المُتخصصة بمدينة نصر لتوقيع الكشف عليه وفحصه وتقرير حالته ومدى تأثير ذلك على عمله ودراسته بالكلية الحربية.
وبجلسة 17/6/2014 قررت الدائرة سالفة الذكر إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة “موضوع”بالمحكمة الإدارية العُليا لنظره بجلسة 3/9/2014 ، وبها نُظر وحضر الطاعن بصفته وقدم حافظة مستندات طويت على المستندات المُعلاة بالغلاف وأهمها تقارير طبية بحالة نجله الصحية ، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلســــة 22/10/2014 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوع ، أودع خلالها نائب الدولة مُذكرة دفاع طلب فيها الحكم برفض الطعن ، وإلزام الطاعن المصروفات .
وبالجلسة المُقررة لإصدار الحكم – سالفة الذكر – قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 26/11/2014 ثم لجلسة 28/1/2015 وبها قررت إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العُليا إعمالاً لأحكام المادة (54) مُكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 للبت فى عدول المحكمة عن المبدأ الذى أرسته الدائرة بحكمها الصادر بجلسة 8/7/2009 فى الطعن رقم (1251) لسنة 48القضائية عُليا ، للأسباب المبينة بقرار الإحالة المودعة ملف الطعن .
وأقامت المحكمة قرارها بالإحالة المشار إليه على ما هو حاصله أنه قد سبق للدائرة السادسة وأن قضت بجلسة 8/7/2009 فى الطعن رقم ( 1251 ) لسنة 48 ق – فى منازعة مماثلة – برفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر المنازعة ، وبقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصرفات وذلك فى نزاع تتلخص عناصره فى أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم ( 1412 ) لسنة 55 القضائية عُليا أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بتاريخ 26/11/ 2000 بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه بشطب اسمه من سجلات المقبولين بالكلية الجوية العسكرية ، وبجلسة 29/9/2001 قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على سند من نكول الجهة الإدارية عن تقديم ملف نجل المدعى بالكلية العسكرية متضمناً نتيجة كشف الهيئة به ومحاضر القبول بالنسبة لآخر عشرة من الطلاب الذين قُبلوا بها رغم طلب المحكمة ، فضلاً عن أن التقارير الطبية الصادرة من مستشفيات حكومية تُفيد أن وزن نجل المدعى فى حدود الوزن المطلوب للالتحاق بإحدى الكليات العسكرية ، فطعنت الجهة الإدارية على هذا الحكم على سند من عدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر المنازعة .
وأنه بجلسة 8/7/2009 أصدرت الدائرة السادسة حكمها المشار إليه رفضت فيه الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على سند من أن مجلس الدولة طبقاً لنص المادة ( 172) من الدستور الصادر عام 1971 هو صاحب الولاية العامة فى الفصل فى المنازعات الإدارية وأن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 9/9/2000 فى القضية رقم ( 224) لسنة 19 ق دستورية بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون 99 لسنة 1983 فيما تضمنه من إطلاق اختصاص لجنة ضابط القوات المسلحة فيما يتعلق بشأن الطلاب المقيدين بالكليات المذكورة وأن التعديل الذى أتى به القانون رقم (152) لسنة 2002 لا يملكه المشرع لتصادمه مع حكم المحكمة الدستورية العُليا بجلسة 9/9/2000 ، وأن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلسة 27/5/2003 ( وصحته 27/5/2006) ورد بشأن نص منعدم أى ورد على غير محل مما يتعين معه الالتفات عن الحكم المذكور حفاظاً على حُجية الحكم الصادر بجلسة 9/9/2000 المشار إليه .
وأضافت المحكمة أن الرأى اختلف فى مدى سلامة المبادئ التى ارتكنت إليها المحكمة الإدارية العُليا – الدائرة السادسة – بحكمها الصادر بجلسة 9/9/2000 ، وانقسم إلى رأيين – عرضتهما المحكمة تباعاً على النحو المبين تفصيلاً بأسباب قرار الإحالة المشار إليه – ثم خلُصت فيه لإحالة الطعن لهذه الدائرة للبت فى العدول عن المبدأ الذى أرسته الدائرة السادسة بالحكم سالف الذكر .
أودعت هيئة مفوضى الدولة لدى دائرة توحيد المبادئ تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بوقف الطعن تعليقياً ، وإحالة الأوراق بدون رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل فى مدى دستورية نص المادة (3) من القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة ،والمستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2014 فيما تضمنه من إطلاق اختصاص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة المنصوص عليها فى البنود ( ب ، ج ، د، ه ، و ) من المادة (1) دون غيرها بالفصل فى المنازعات المتعلقة بطلبة الكليات والمعاهد العسكرية التابعين لها ، مع إبقاء الفصل فى المصروفات .
تُدوول نُظر الطعن أمام هذه الدائرة – على النحو المبين بمحاضر جلساتها – وبجلسة 2/1/2016 قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة 6/2/2016 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين ، وخلال هذا الأجل أودع الطاعن بصفته مُذكرة دفاع عقب فيها على تقريرى هيئة مفوضى الدولة – لدى الدائرة السادسة وهذه الدائرة – وصمم فيها على الطلبات الواردة بصحيفة افتتاح دعواه وتقرير الطعن الماثل ، وقررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 5/3/2016 لاستمرار المداولة ، وبالجلسة الأخيرة قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة بذات الجلسة لتغيير التشكيل ثم تُدوول نظره بالجلسات – على النحو الثابت بالمحاضر – وبجلسة 4/11/2017 حضر الطاعن بصفته وطلب حجز الطعن للحكم ، وبذات الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين ، وأنقضى الأجل المضروب ولم يقدم أى من الخصوم شيئاً ، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به .
***********
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع الإيضاحات ، وبعد المداولة قانوناً .
ومن حيث إن الطاعن بصفته يهدف من طعنه الماثل إلى الحكم بقبوله شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ، والقضاء مُجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر بتاريخ 2/12/2012 بفصل نجله من الكلية الحربية لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية مع ما يترتب على ذلك من آثار ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتى التقاضى .
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إنه عن الموضوع ، فإن عناصر هذه المنازعة إنما تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 22/1/2013 أقام الطاعن بصفته ولياً طبيعياً على نجله القاصر “محمد” الدعوى رقم (21437) لسنة 60 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى ، وذلك بموجب صحيفة اختصم فيها المطعون ضدهما بصفتيهما واختتمها بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً ، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار شطب نجله من الكلية الحربية واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار ، أهمها وأخصها إعادة قيده بالكلية وانتظامه بالفرقة التى كان مقيداً بها (القسم المتوسط ) دفعة 108 وتمكينه من أداء الامتحانات المقررة وعدم تخلفـــه عن الدراســــة ( الفصل الدراسى الأول ) مع تنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات .
وذكر شرحاً لدعواه أن نجله المذكور حصل على الثانوية العامة فى العام الدراسى 2010/ 2011 – الدور الأول – بالقسم الأدبى من مدرسة اللغات التجريبية المشتركة بكفر الشيخ بمجموع 72% وتقدم للالتحاق بالكلية الحربية ، وتم توقيع الكشف الطبى عليه بمعرفة اللجان الطبية العليا المشكلة من المجلس الطبى العسكرى واجتاز جميع الاختبارات المقررة بكفاءة ، ومنها اختبار المستوى الطبى الدقيق فى جميع التخصصات الطبية ليكون بدنياً “لائق” وثبت خلوه من جميع الأمراض ومنها “عرق اليدين والقدمين” وتم قبوله بالكلية الحربية ، وبتاريخ 13/11/2011 بدأت الدراسة وانتظم فيها بعد سداد الرسوم المقررة ، وأمضى فترة الإعداد العسكرى بنجاح وقيد بالقسم الإعدادى وبتاريخ 7/4/2012 أثناء طابور اللياقة شاهد الضابط المشرف عليه بأن به نسبة عرق أثناء التمرين (تمرين ضغط) وعلى الفور أرسله إلى مستشفى الكلية التى قررت تحويله إلى مستشفى كوبرى القبة العسكري وفى هذا التاريخ حُجز بدون وجه حق ما يقرب من خمسة أيام بدون علاج أو تحاليل طبية وخرج من المستشفى بحالة صحية جيدة وعاد للانتظام بالكلية إلا أن قائده أصر على عرضه مرة أخرى على لجنة طبية فعُرض بتاريخ 9/9/2012 على لجنة تخصص جلدية وبتاريخ 8/10/2012 قررت اللجنة أنه يُعانى من مرض إفراز العرق باليدين والقدمين وأنها عاهة مستديمة مستقرة غير قابلة للشفـاء أو التحسن وبناءً عليه صدر قرار مجلس إدارة الكلية الحربية رقم 52 لسنة 2012 بفصله من الكلية لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية وأُعتمد هذا القرار من وزير الدفاع بتاريخ 2/12/2012 الذى علم به بتاريخ 8/12/2012 ، وإذ ينعى عليه مخالفته القانون وصحيح الواقع تأسيساً على أنه لا يعانى من أى أمراض وأنه اجتاز كافة الاختبارات الطبية المقررة للقبول بالكلية وأن هذا القرار شابه إساءة استعمال السلطة – على النحو المبين تفصيلاً بصحيفة دعواه – وبعد أن ألمح لتوافر رُكنى الجدية والاستعجال فى طلبه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه خلص لطلباته سالفة الذكر .
ونُظر الشق العاجل من الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى – الدائرة السادســــة – على النحو المبين بمحاضر الجلسات ، قدم خلالها الطاعن بصفته مذكرات دفاع صمم فيها على طلباته المبينة بصحيفة افتتاح دعواه ، وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية المطعون ضدها حافظة مستندات طويت على كتاب الكلية الحربية – قسم القضاء العسكرى – بالرد على موضوع الدعوى والذى تضمن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة بهيئة قضائية ، وبجلسة 12/5/2013 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ، وتمهيدياً قبل الفصل فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بإحالة أوراق الدعوى إلى اللجان الطبية المتخصصة بوزارة الصحة لتندب بدورها لجنة طبية متخصصة تكون مهمتها مباشرة المأمورية المبينة بالأسباب وتقديم تقرير خلال شهر من تاريخ سداد الأمانة ( وحدد الحكم بأسبابه مهمة هذه اللجنة بتوقيع الكشف الطبى على نجل الطاعن بصفته لبيان ما إذا كانت حالته المرضية تُعد من الحالات المرضية التى تجعله غير قادر على ممارسة التمارين والأعمال العسكرية من عدمه ) .
نفاذاً للحكم التمهيدى المشار إليه باشرت اللجنة المبينة بأسبابه أعمالها ، وأدت المأمورية المكلفة بها ، وأودعت تقريرها ، ثم استأنفت المحكمة نظر الشق العاجل من الدعوى ، وبجلسة 1/12/2013 أصدرت حكمها المطعون فيه السالف إيراد منطوقه .
وأقامت المحكمة قضاءها بعد استعراض نص المادتين (1،9 ) من القانون رقم 92 لسنة 1975 فى شأن النظام الأساسى للكليات العسكرية وعلى أساس أن المستفاد من هذين النصين أن شرط اللياقة الصحية هو شرط قبول واستمرار بالكلية الحربية ، وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن نجل الطاعن بصفته كان مقيداً بالفرقة الثالثة بالكلية الحربية وتم فصله بسبب وقوع السلاح منه أثناء التدريبات لأنه يُعانى من تعرق باليدين والقدمين ، وأن تقرير الخبير (اللجنة العلمية ) المودع ملف الدعوى والذى تطمئن إليه المحكمة قد انتهى إلى أنه بالكشف على الطالب أظهر عرق نسبى بباطن اليدين أثناء الفحص وتحت الضغط النفسى البسيط (سؤال وجواب ) وكذلك مجهود عضلى طفيف (عن طريق الضغط بقبضة اليدين فى مدة تتراوح من دقيقة إلى دقيقتين) وتم الفحص فى غرفة مكيفة وفى كل الأحوال قد أظهر تعرق نسبى وتم عمل فحص سرعة توصيل العصب لتحديد استجابة العصب السمسارى باليدين عن طريق إثارة العصب الوسطى ( BOTH Median nerves ( بمستشفى القصر العينى وقد أظهرت نتيجة الفحص إجابته للتعرق وسهولة الاستجابة ، وعليه يكون الظاهر من الأوراق أن اللجنة الطبية التى انتدبتها المحكمة قد انتهت لذات النتيجة التى انتهت إليها اللجنة الطبية بالكلية الحربيـــــة ومن ثم يكون نجل الطاعن بصفته فقد شرط اللياقة الطبية اللازم للاستمرار فى الكلية الحربية ويكون قرار فصله قد صدر سليماً ويفتقد طلب وقف تنفيذه لركن الجدية المقرر قانوناً وخلصت لرفضه دونما حاجة لبحث رُكن الاستعجال .
………………………………………………………………………………………..
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن بصفته ونعاه بمخالفة القانون والخطأ فى تأويله وتفسيره لأسباب حاصلها أنه ولئن جاء بتقرير المجلس الطبى العسكــــرى العام من أن نجله غير لائق طبياً لأنه يعانى من زيادة إفراز العرق باليدين والقدمين مؤثراً على الوظيفة إلا أنه لم يبين التقرير الأعراض التى تسبب ذلك التعرق وهل ناتج عن إصابة معينة أو مرض معين ، وهل يصيب اليدين والقدمين فقط أم أعضاء وجسم نجله ، وهل كان ملازماً له منذ قبوله بالكلية أم أصيب به فى تاريخ لاحق ، فضلاً عن أن إفراز العرق سواءً بنسبة كبيرة أو قليلة لا يصلح سبباً للفصل من الكلية طبقاً لأحكام القانون 92 لسنة 1975 والقرارات الوزارية المعمول بها خاصة وأن نجله اجتاز كافة الاختبارات المقررة للقبول بالكلية ومنها اللياقة الطبية مما يؤكد أنه لا يعانى من أى أمراض ، وخلص الطاعن بصفته لطلباته آنفة البيان .
…………………………………………………………………………………………..
ومن حيث إن قرار الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 28/1/2015 بإحالة الطعن الماثل لهذه الدائرة قد حدد المسألة القانونية المطلوب حسمها ، وحصرها فى البت فى العدول عن المبدأ الذى أرسته بحكمها الصادر 8/7/2009 فى الطعن رقم 1251 لسنة 48ق ع على نحو ما سلف بيانه .
وحيث إن المادة 54مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه ” إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا ، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه .
ويجب على سكرتارية المحكمة أن تعرض ملف الدعوى خلال ثلاثة أيام من صدور قرار الإحالة على رئيس المحكمة ليعين تاريخ الجلسة التى ستنظر فيها الدعوى ويعلن الخصوم بهذا التاريخ قبل حلوله بأربعة عشر يوماً – على الأقل – وتصدر الهيئة المذكورة أحكامها بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل” .
وحيث إن المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 136 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 كشفت عن الغاية التى دفعت المٌشّرع لتعديل قانون مجلس الدولة سالف الذكر بإضافة مادة برقم (54) مكرراً إليه بقولهـــــا ” وعلاجاً لحالات اختلاف الأحكام الصادرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا أو تلك التى ترى فيها هذه المحكمة العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة منها ، فقد استحدث المشرع الأحكام التى ينبغى إتباعها ، وتحقيقاً لهذه الأهداف فقد أعد مشروع القانون المرافق ونصت المادة الأولى منه على إضافة مادتين جديدتين برقمى 54 مُكرر و68مُكرراً أوجبت أولاهما على دوائر المحكمة الإدارية العليا إذا تبينت اختلاف الأحكام السابق صدورها منهــــا أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته فى أحكام سابقة أن تُحيل الطعن إلى هيئة تُشكلها الجمعية العامة لهذه المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه ، ونظمت إجراءات نظر الطعن وكيفية إصدار الحكم فيه ” .
كما جرى قضاء هذه المحكمة فى شأن ما تقدم على أن ثمة قاعدة تُلزم أياً من دوائر المحكمة الإدارية العليا أن تُحيل الطعن المنظور أمامها إلى الدائرة المُشكلة بالمادة (54) مُكرراً المشار إليها ، متى تبينت اختلاف الأحكام السابق صدورها عنها أو عن دائرة أخرى بالمحكمة، أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانونى مستقر فى أحكام المحكمة ، وهو ما يعنى أن إحالة الطعن إلى هذه الدائرة منوط بنظر أحد الطعون التى تختص دوائر المحكمة بنظرها وهى الطعــــون فى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى أو من المحاكم التأديبية وما إليها من الطعون المبتداة التى تُطرح على المحكمة لأول مرة ، وذلك إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن أنه قد صدر منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها بعضاً أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة .
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه ولئن كان المُشرع خول دوائر المحكمة الإدارية العليا الحق فى إحالة أي من الطعون المنظورة أمامها لهذه الدائرة متى توافر فى تقديرها مناطاً لذلك ، بيد أنه إذا ما أتصل الطعن المحال بدائرة توحيد المبادئ بالتطبيق لنص المادة (54) مكرراً – والتى اصطفاها المشرع بتشكيل خاص من شيوخ قضاة مجلس الدولة جعلها فى قمة التشكيل القضائى بمجلس الدولة – وأصبح فى حوزتها أضحت وحدها المهيمنة عليه ، وتكون المنازعة برمتها معروضة عليها وخاضعة لرقابتها القانونية الكاملة ، والتى من أهمها وأخصها التثبت – ابتداءً – من توافر الحالة الواقعية والقانونية الموجبة للإحالة إليها ، وسلامة السبب الذى قام عليه قرار الإحالة وجوداً ووصفاً ، ولا تثريب عليها إن التفتت عن سبب قرار الإحالة حــــال تبينها وهن أساسه وعدم استخلاصه استخلاصاً سائغاً فى ضوء عناصر النزاع فى الطعن ، وتصدت من تلقاء نفسها للطعن لتوفر حالة أخرى – غير تلك الواردة بقرار الإحالة – من الحالات المقررة بالمادة (54) مكرراً الموجبة لاستنهاض ولايتها ودورها الذى أوكله إليها المشرع بهذه المادة ، تحقيقاً للغاية التى توخاها من إنشائها ، وهى الحيلولة دون تناقض أحكام المحكمة الإدارية العليا فيما بينها على نحو يضر بحسن سير العدالة ، وينال من استقرار المراكز القانونية ويزعزع الثقة والطمأنينة فى نفوس المتقاضين بسبب تناقض هذه الأحكام فى ذات المسألة القانونية الواحدة ، ولا ينال من حق هذه الدائرة فى هذا الشأن ما قضت به بجلسة 13/6/ 2009 فى الطعن رقم (10646) لسنة 52 القضائية عليا من أن تطبيق قاعدة الإحالة لدائرة توحيد المبادئ رهين بما تتبينه الدائرة المعنية من أن ما اتجهت إليه من رأى ستسطره فى حكم تنوى إصداره سيأتى مخالفاً لمبدأ قانونى مستقر أو لأحكام سبق صدورها عن المحكمة وهو أمر مرده إلى ما وقر فى يقين الدائرة ذاتها بما لا يصوغ معه المجادلة أو المناقشة فيــــه أو التعقيب عليه ، إذ أن ما تتمتع به أى من دوائر المحكمة الإدارية العليا من سلطة تقديريـــة فى الإحالة لهذه الدائرة لا يُغل بحال من الأحوال يد الدائرة المحال إليها لدى مباشرة اختصاصها الذى وسده إليها المشرع إنزال الحكم القانونى السليم على الطعن بكامل شقوقه وأشطاره والتثبت من دقة وسلامة قرار الإحالة بحسبان أن هذا القرار تستفتح به الدائرة الطعن قبل تصديها لموضوعه لتحدد على هديه المسألة القانونية التى تثيرها وقائع النزاع والأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا بشأنها ، والقول بغير ذلك يخالف صحيح حكم القانون والحكمة التشريعية من إنشاء هذه الدائرة ويتنافى وقواعد المنطق السليم .
ونزولاً على هدى ما سلف بيانه فإنه ولئن كان قرار الإحالة الماثل الوارد من الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العُليا انصب على طلب عدول الدائرة عن المبدأ الذى أرسته بحكمها الصادر بجلسة 8/7/2009 فى الطعن رقم (1251) لسنة 48 القضائية عُليا ، بيد أنه متى كان الثابت كذلك من مُطالعة الحكم الصادر فى هذا الطعن أن موضوعه انصب على قرار مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة المتضمن عدم قبول طالب بالكلية الجوية العسكرية ( نجل المطعون ضده بالطعن المشار إليه) وهو ما يختلف عن موضوع الطعن الماثل المُحال لهذه الدائرة ، والذى يتعلق بقرار أحد مجالس الكليات العسكرية (مجلس الكلية الحربية) بفصل الطالب نجل الطاعن بصفته الذى التحق بالكلية الحربية بتاريخ 13/11/2011 ضمن أقرانه الطلبة المستجدين المقبولين بالدفعة (108) حربية، وأنه بتاريخ 7/4/2012 عُرض على مستشفى الكلية الحربية على أثر انزلاق السلاح من يديه أثناء التدريبات حيث تم تشخيص حالته بزيادة شديدة لإفراز العرق باليدين ، وبالعرض على قسم الجلدية بمستشفى كوبرى القبة وحجزه وعمل التحاليل اللازمة تم تشخيص حالته بالتشخيص المشار إليه، وظل يتردد ما بين مستشفى الكلية ومستشفى كوبرى القبة ، وبناءً على توصيات الجهات الطبية المختصة التى قررت عدم لياقته الطبية للخدمة العسكرية ، صدر القرار المطعون فيه بفصله من الكلية الحربية لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية، وأنه بالبناء على ذلك ، ولما كان لكل من قرارى القبول بالكلية الذى يصدره مكتب تنسيق القبول بالكليات العسكرية ، والفصل لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية، قواعده الإجرائية والموضوعية الخاصة به وبالتالى فالمبدأ السابق الذى أرسته المحكمة بحكمها الصادر فى الطعن المشار إليه الحائز لحجية تحول دون المساس بما فصل فيه من حقوق وما أنتجه من آثار، والذى انتهت فيه المحكمة الى اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر المنازعات فى قرارات مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية – فأياً كان وجه الرأى فى مدى سلامته قانوناً فى ضوء ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر بجلسة 7/5/2006 فى القضية رقم 199 لسنة 25 قضائية دستورية برفض النعى على دستورية الفقرة الثانية من المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن فى قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المُعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة المستبدلة بالمادة الثانية من القانون رقم 152 لسنة 2002 – قبل إلغائها بالقرار بقانون رقم 11 لسنة 2014 – التى كانت تعهد للجان ضباط القوات المسلحة بصفة هيئة قضائية دون غيرها الاختصاص بالمنازعة المشار إليها، ما تتمتع به أحكام المحكمة الدستورية العليا من حُجية مُطلقة لا تقتصر على أطراف الدعوى الدستورية فحسب بل تمتد إلى الجميع وإلى جميع سلطات الدولة بفروعها وتنظيماتها المختلفة بما فى ذلك المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ويتعين على جميع المحاكم الالتزام بمقتضاه على نحو ما سيرد تناوله تفصيلاً لاحقاً بهذا الحكم – فإنه – وبغض النظر عن سلامة قضاء الدائرة السادسة المشار إليه – فالمبدأ الذى أرسته الدائرة بحكمها لا يُمثل مبدأ قانونياً متعيناً إحالته لهذه الدائرة للعدول عنه بمناسبة الفصل فى موضوع الطعن الماثل محل قرار الإحالة وفق صحيح حكم المادة (54) مُكرراً المشار إليها لاختلاف موضوع الطعنين وعناصر النزاع فيهما – على نحو ما سلف بيانه ـ وبقدر لا يُسوّغ إحالة الطعن الماثل لهذه الدائرة للعدول عن المبدأ المشار إليه مما ينتفي معه مناط الإحالة ، فالإحالة للعدول تقتضي سبق صدور حكم من إحدي دوائر المحكمة الإدارية العليا في وقائع معينة ، ثم تُعرض ذات الوقائع أو أخري تماثلها أو ترتبط بها ارتباطاً لا يقبل التجزئة بمناسبة نزاع آخر وتري المحكمة بعد مداولتها في النزاع الأخير أنها ستولي وجهها شطر اتجاه آخر مناهض لما سبق لها القضاء به ، فحينئذ وحرصاً علي عدم تعارض الأحكام وتناقضها في ذات المسألة القانونية تعرض المسألة علي دائرة توحيد المبادئ للبت في أمر هذا العدول وهو ما لم يتوافر مقتضاه في الحالة الماثلة ، ولعل ما يؤيد سلامة هذا النظر ويحسم أي خلاف بشأنه أن ذات الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا ـ بهيئة مغايرة ـ تصدت مباشرة بجلسة 23/11/2011 للفصل في موضوع الطعن رقم (12220) لسنة 52 القضائية عُليا والذي كان متعلقاً بالطعن علي قرار فصل طالب من المعهد الفني للقوات المسلحة لعدم لياقته طبياًـ كموضوع الطعن المُحال حالياً ـ إذ قضت الدائرة بتأييد الحكم المطعون فيه أمامها والقاضي بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائياً بنظر المنازعة وإحالتها بحالتها إلي لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بهيئة قضائية عملاً بصريح حكم المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 والمستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2002 المشار إليه ولم تُحِل هذا الطعن المقضي فيه لهذه الدائرة للنظر في العدول عن مبدأ سابق ، كما أوضحت المحكمة بأسباب حكمها أن مقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بعد تعديله بالقانون 152 لسنة 2002 أن الاختصاص بكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية بات معقوداً للجان ضباط القوات المسلحة وهذا الحكم لم يُشر إليه قرار الإحالـــــة الماثل من قريب أو بعيد .
ومن حيث إنه ولئن كان الغرض الذى حددته الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا من الإحالة الماثلة على هذا النحو غُير سديد إلا إن الثابت من استقراء وتتبع دائرة توحيد المبادئ للأحكام الصادرة من الدائرة السادسة سالفة الذكر فى شأن مدى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى ولائياً بنظر المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية، وكذا القرارات الصادرة من مجالس هذه الكليات والمعاهد بفصل الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية فى ظل العمل بأحكام القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن فى قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة ، المُعدّل بالقانون رقم 152 لسنة 2002 – الملغى بموجب نص المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 11 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 232 لسنة 1959 فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة والقانون رقم 71 لسنة1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 5 مكرر فى 3/2/2014 والمعمول به من اليوم التالى لتاريخ نشره فى 4/2/2014 – الشاهد من استقراء تلك الأحكام أنها قد تباينت فى اتجاهاتها وأية ذلك ، فبالنسبة للمسألة الأولى وإن كانت جل هذه الأحكام الصادرة بعد العمل بالقانون 99 لسنة 1983 المٌعدّل بالقانون 152 لسنة 2002 – المشار إليه – قد عقدت الاختصاص الولائى بشأنها لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى – دون غيرها– وذلك على نحو ما قضت به الدائرة السادسة بجلسة 25/2/2009 فى الطعن رقم (11560) لسنة 50 القضائية عُليا ، وبجلسة 8/7/2009 فى الطعن رقم (1251) لسنة 48 القضائية عُليا ، بينما ذهبت ذات الدائرة بأسباب حكمها الصادر بجلسة 23/3/2011 فى الطعن رقم (12220) لسنة 52 القضائية عُليا إلى أن مقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بعد تعديله بالقانون 152 لسنة 2002 أن الاختصاص بكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية بات معقوداً للجان ضباط القوات المسلحة ، وبشأن المسألة الأخرى المتعلقة بتحديد الجهة المختصة بالفصل فى القرارات الإدارية النهائية الصادرة بفصل هؤلاء الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية فقد تفرقت إلى وجهتين كذلك ، إذ قضت الدائرة السادسة – سالفة الذكر – بجلسة 20/6/2007 فى الطعن (11945) لسنة 48 القضائية عُليا باختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بالفصل فى هذه المنازعات، وغايرت هذا الاتجاه بجلسة 23/3/2011 فى الطعن رقم (12220) لسنة 52 القضائية عُليا – سالف الذكر – وعقدت الاختصاص بالفصل فى هذه المنازعات للجان ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية – دون غيرها – وإذ خالفت هذه الأحكام بعضها بعضاً فى شأن المسألتين المشار إليهما ، فمن ثم يتوجب على هذه الهيئة أن تستنهض ولايتها وفقاً لنص المادة (54) مُكرراً، لإرساء مبدأ قانونى يحسم الخلاف حول مدى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى ولائياً بهذه المنازعات وفقاً لصحيح حكم القانون، وهو ما يتحدد به نطاق هذا الحكم دون غيره مما ورد بقرار الإحالة سالف الذكر.
وفى هذا الشأن، فإن المادة (172) من الدستور الصادر عام 1971 – الملغى – كانت تنص على أن ” مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، يختص بالفصل فى المنازعات الإدارية، والتأديبية”.
ونصت المادة (190) من الدستور الحالى الصادر عام 2014 على أن “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ………. ويُحدد القانون اختصاصاته الأخرى ” .
كما نصت المادة (202) من ذات الدستور على أن ” ………………. وتختص اللجان القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة، دون غيرها، بالفصل فى كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة فى شأنهم، وينظم القانون قواعد وإجراءات الطعن فى قرارات هذه اللجان “.
وحيث إن المادة (1) من قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 96 لسنة 1971 فى شأن الطعن فى قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة – الملغى بقرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 11 لسنة 2014 – كانت تنص على أن ” تختص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر فى المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التى تصدرها لجان الضباط بالقوات المسلحة ……. “
كما نصت المادة (3) من القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة – المُعدّل بالقرار بقانون رقــــــــم 11 لسنــــــة 2014 سالف الذكـــر- على أن تختص اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة بالفصل فى المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوة عدا العقوبات الانضباطية وما تختص به لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية وفقاً لأحكام القانون رقم 96 لسنة 1971 فى شأن الطعن فى قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة “.
وبتاريخ 30/7/1983 صدر القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن فى قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحـــة ونصت المـــــادة (1) منه – قبل استبدالها بالقانون رقم 152 لسنة 2002 – على أن ” تختص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر فى المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع والتى تصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة “.
ونصت المادة (2) من ذات القانون على أن “يسرى على الطعن فى القرارات المشار إليها فى المادة السابقة ذات الأحكام والقواعد والإجراءات المقررة للطعن فى قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة “.
كما أنه وبتاريخ 13/6/2002 صدر القانون رقم 152 لسنة 2002 بتعديل بعض أحكام قانون خدمة ضباط الشرف وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1981 والقانون رقم 99 لسنة 1983بشأن قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة.
ونصت المادة الثانية من هذا القانون على أن:
” يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بشأن الطعن في قرارات مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة النص الآتي:-
مادة 1- وتختص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تُصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة فيما عدا قرارات فصل الطلاب لسبب يتعلق باجتيازهم لما يُعقد لهم من اختبارات دراسية تتماثل في طبيعتها التعليمية مع أقرانهم طلاب الجامعات والمعاهد العليا.
كما تختص هذه اللجنة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة.
وأخيراً فقد صدر بتاريخ 3/2/2014 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 11 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 232 لسنة 1959 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة والقانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المُسلحة – والمُعدل بالقانون رقم 5 لسنة 2017 – ونص في المادة الثانية منه على أن ” يستبدل بنصوص المواد ارقام (1)، (2)، (3)، (5)، (8) من القانون رقم 71 لسنة 1975 بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المُسلحة النصوص الآتية:
المادة (1)
تنشأ بالقوات المسلحة اللجان القضائية للضباط على النحو التالى :
(ج ) اللجنة القضائية لضباط القوات البحرية.
( د ) اللجنة القضائية لضباط القوات الجوية.
(هـ ) اللجنة القضائية لضباط قوات الدفاع الجوى.
( و) اللجنة القضائية لضباط قوات حرس الحدود.
المادة (2)
تُشكل اللجان القضائية المشار إليها على النحو الآتي:
………………………………………………………………………………………..
المادة (3) :
” تختص كل لجنة من اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة المنصوص عليها في البنود (ب، ج، د، هـ، و) من المادة (1) دون غيرها بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوة وطلبة الكليات والمعاهد العسكرية التابعين لها والمنازعات الإدارية المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية”.
ونصت المادة الرابعة من ذات القرار بقانون على أن ” تُلغى الفقرة الأخيرة من البند (4) من المادة (138) من القانون 232 لسنة 1959 المشار إليه، كما يُلغى كل من القانون رقم 96 لسنة 1971 والقانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليهما “.
ومن حيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة، أن تنظيم المشرع لمسألة الاختصاص بالمنازعات الإدارية لطلاب الكليات والمعاهد العسكرية وقبولهم بها، قد مر بثلاثة مراحل رئيسية في إبان العمل بدستور عام 1971 – وفى ظل الدستور القائم الصادر عام 2014، أولها: مرحلة سريان أحكام القانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليه وما سبقه من تشريعات، وفى هذه المرحلة أطلق المشرع للجان ضباط القوات المسلحـــــة المنعقدة بصفة هيئة قضائية – دون غيرها – الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الإدارية المُصدّق عليها من وزير الدفاع التى تُصدرها مجالس المعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المُسلحة في شأن هؤلاء الطلاب ، وثانيها: تلك التي بدأت مع سريان أحكام القانون رقم 152 لسنة 2002 سالف الذكر والذى أناط باللجان سالفة الذكر الاختصاص بالفصل في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التي تُصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المُعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة فيما عدا قرارات فصل الطلاب لسبب يتعلق باجتيازهم لما يُعقد لهم من اختبارات دراسية تتماثل في طبيعتها التعليمية مع أقرانهم بالجامعات والمعاهد العُليا، كما أناط بهذه اللجان الفصل في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المُعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة، وبدأت المرحلة الثالثة والأخيرة لدى العمل بأحكام القرار بقانون رقم 11 لسنة 2014 وفيها قصر المشرع الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بطلبة الكليات والمعاهد العسكرية وكذلك المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول على اللجان سالفة الذكر وحدها دون غيرها .
وحيث إنه خلال المراحل المختلفة المشار إليها ، فقد أقيمت منازعات إدارية حول مدى مشروعية بعض القرارات الصادرة من مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية ومن مجالس هذه الكليات والمعاهد ، عُرضت على مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى، وأحيل بعضها إلى المحكمة الدستورية الُعليا لما أثير حول شبهة عدم دستورية بعض النصوص المُنظمة لقواعد الاختصاص لشبهة عدم الدستورية، وارتكنت المناعى الموجهة ضد بعض النصوص – فيما يتعلق بتحديد جهة الاختصاص الولائى – على خروجها على نصوص الدستور القائم في كل مرحلة من هذه المراحل بدعوى إخلالها بمبدأي مساواة المواطنين أمام القانون، وخضوع الدولة للقانون، وتعطيلها لحق التقاضى، وقد صدر بشأن هذه الأنزعة أحكام متباينة من جهتى القضاء الدستورى من جانب والقضاء الإدارى من جانب آخر وذلك على النحو التالى:-
فمن جهة القضاء الدستورى، فقد حكمت المحكمة الدستورية العليا – في ظل العمل بأحكام دستور عام 1971 – بجلسة 9/9/2000 في القضية المقيدة بجدولها برقم 224 لسنة 19 ق دستورية، بعدم دستورية نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 فيما تضمنه من إطلاق اختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع التي تصدرها مجالس المعاهد العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة في شأن الطلاب المقيدين بها .
وقد أقامت المحكمة الدستورية العليا حكمها سالف الذكر على ما هو حاصلة أن الأنزعة الإدارية فيما يصدر في شأن طلاب المعاهد العسكرية من قرارات إدارية سواء ما اتصل منها بتحصيلهم الدراسى، أو ما تعلق باجتيازهم لما يعقد لهم من اختبارات، إنما تتماثل في طبيعتها وتتحد في جوهرها مع المنازعات الخاصة بأقرانهم طلاب الجامعات والمعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم أو الخاضعة لإشرافها فهى صنوها، والدارسة هي لبها ومحورها جميعاً ، وهؤلاء وأولئك يدعون فيها بصفة واحدة بكونهم طلاباً ، وكان يلزم إعمالاً للأصل المقرر بنص المادة 172 من الدستور أن ينعقد الاختصاص بنظرها جميعاً – دون تفرقة – لمحاكم مجلس الدولة باعتباره قاضيها الطبيعى، إذ كان ذلك فإن النص الطعين إذ أفرد المنازعات المتعلقة بطلاب المعاهد العسكرية بنظام قضائى خاص يشذ عن نظام التداعى الأصلى في شأن المنازعات الإدارية قاطبة ، منحياً ما بين هذه النظائر– المتحدة معطياتها – من توافق، مفترضاً تخالفها فيما بينها، إنما يخل بما يتعين قيامه من قواعد موحدة في شأنها عامة ، ويخص هذا الفريق من الطلاب – دون جموعهم – بالتنظيم المطعون فيه، مع أنهم – في عمومهم – إزاء حق التقاضى فيما ينشأ عن دراستهم من أنزعة ، ذوو مراكز قانونية متماثلة .
وحيث إن ما تغياه المشرع – بالنص الطعين – من توحيد القواعد التي تسرى على الطعن فى القرارات الإدارية الصادرة في القوات المسلحة ، لا يقوم دليلاً على أن واقعاً قائماً ، بات ضرورة ملجئة، أوجبت – تحقيقاً للصالح العام – انتزاع الاختصاص بنظر المنازعات التي عناها من مجلس الدولة المعقود له أصلاً ولاية القضاء فيها باعتباره قاضيها الطبيعى وإسناده استثناء إلى اللجنة المشار إليها ، خاصة وأن طلاب المعاهد العسكرية لا يندرجون قبل تخرجهم منها ضمن الضباط العاملين في القوات المسلحة ، بما مؤداه أن أنزعتهم الإدارية إنما تزايلها وتنفك عنها تلك الطبيعة الخاصة التي أملت أن تختص تلك اللجنة – دون غيرها – بنظر منازعات أولئك الضباط في القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم الوظيفية والانضباطية ، ومن ثم فإن قياس أولاهما على أخراهما هو قياس في غير محله .
كما قضت ذات المحكمة ، بجلسة 4/8/2001 فى القضية رقم 89 لسنة 21 قضائية دستورية بأن تطبيقاً للمادة 183 من الدستور التى فُوَّض بمقتضاها المشرع فى تنظيم القضاء العسكرى وبيان اختصاصاته، طالما كان ذلك فى حدود المبادئ الواردة فى الدستور، وعلى الأخص ما تعلق منها بمبدأ المساواة ، وخضوع الدولة للقانون ، وكفالة حق التقاضى وحصانته واستقلال السلطة القضائية بسائر هيئاتها، ومن بينها مجلس الدولة بوصفه قاضى القانون العام وإذ كان إسناد هذا الاختصاص إلى تلك اللجنة غير مجاوز حدود التفويض الدستورى المشار إليه، فإن النص الطعين لا يكون مخالفاً للدستور فى هذا النطاق ، وهو ما ينطبق فى مجال إعماله على الطلاب المقيدين بالكليات العسكرية المعدة لتخريج الضباط العاملين بالقوات المسلحة سواء بسواء، يعزز ما تقدم ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ، من أن الدستور لا يحول دون أن يعهد المشرع بالفصل فى الدعوى التأديبية فى مجال العمل القضائى، إلى هيئة ذات اختصاص قضائى ، ويصدق ذلك على المنازعات الإدارية التى تنشأ عن القرارات التأديبية الانضباطية النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع التى تصدرها مجالس الكليات العسكرية، نظراً لطبيعة الأوضاع بالقوات المسلحة ، وملاءمة وضع المنازعات الإدارية الخاصة بالشئون الانضباطية للطلاب المقيدين بهذه الكليات بيد أسرتهم العسكرية بحكم بصرها بدقائق هذه الشئون ، وإحاطتها بخباياها ، ومن ثم يغدو النص الطعين (وهو ذات نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المشار إليه والذى عقد للجنة ضباط القوات المسلحة بصفة هيئة قضائية الاختصاص بالمنازعــــات الإداريـــة الناشئــــــة عن القرارات التأديبية الانضباطية النهائية المصدق عليها من وزير الدفاع التى تُصدرها مجالس الكليات العسكرية) غير مخالف لأحكام الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
كما قضت ذات المحكمة بجلسة 7/5/2006 فى القضية المقيدة بجدولها برقم 199 لسنة 25 قضائية دستورية فى شأن الفقرة الأخيرة – سالفة الذكر – من المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2002 سالفة الذكر(المُحالة إليها بقرار الإحالة الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بجلستها المنعقدة فى 27/5/2003 فى الدعوى رقم 9842 لسنة 54 ق ) برفض دعوى عدم دستورية هذا النص.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن مفاد نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2002 – سالفة الذكر – أن لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية تختص – دون غيرها – كأصل عام بالفصل فى كافة المنازعات الإداريــــــة التى تنشأ عن القرارات النهائية الصادرة من مجالس الكليات والمعاهد العسكرية، واستثناء من هذا الأصل العام ،أخرج المشرع طائفة محددة من تلك القرارات من اختصاص تلك اللجنة ،وهى القرارات الصادرة بفصل الطلاب من الكليات والمعاهد العسكرية التى يكون سببها متعلقاً باجتيازهم الاختبارات الدراسية التى تتماثل في طبيعتها التعليمية مع طلاب الجامعات و المعاهد العليا تحقيقاً للمساواة بين الطائفتين باعتبارهمــــا متماثلين من هــــذه الزاوية ،وأنه اتساقاً مع طبيعة الأوضاع في القوات المسلحة ،والتى تستلزم انتقاء أفضل العناصر التى تتوافر فيها الشروط اللازمة للقبول بالكليات والمعاهد العسكرية وإعمال مقومات التفضيل الواردة بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 152 لسنة 2002 المشار إليه والتى تتصل بصلاحية الطالب للحياة العسكرية من النواحى الطبية والنفسية والسمات الشخصية والتناسق والشكل العام والوعى القومى ،فقد ناط نص الفقرة الثانية من المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 سالف الذكر بلجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية الاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية ،وإذ كفل النص الطعين لذوى الشأن حق الطعن أمام تلك اللجنة فيما يصدره ذلك المكتب من قرارات ،فإن ما ينعاه حكم الإحالة على النص المذكور من مساس بحق التقاضى يكون قائماً على غير أساس .
وأضافت المحكمة إن النص الطعين لا يخالف كذلك مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، إذ أن الطلاب المتقدمين إلى الكليات والمعاهد العسكرية لا يعدون في مركز قانونى متماثل للمركز القانونى للطلاب المتقدمين إلى الجامعات والمعاهد العليا ،ذلك أنهم وإن تساووا جميعاً في شرط الحصول على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها ،إلا أن أمر قبول طلاب الفئة الأولى منوط بتوافر الشروط اللازمة في طالبى الالتحاق بكل كلية أو معهد عسكرى وإجراء اختبارات قبولهم الطبية والنفسية والعسكرية واجتيازهم إياها ،أما غيرهم من المتقدمين إلى الجامعات والمعاهد العليا فيتم ترشيحهم للقبول بها وفقاً لمجموع الدرجات الحاصلين عليها ،مع توقيع كشف طبى عليهم للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية وصلاحيتهم لمتابعة الدراسة المتقدمين إليها ،كما إن إسناد الفصل في المنازعات التى قد تنشأ عن القـــرارات النهائيــــة التى تصدر عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية إلى لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية ،يجد سنده فيما يتوافر في أعضاء هذه اللجنة ،والتى تتكون من قادة أفرع القوات المسلحة منضماً إليها مدير إدارة القضاء العسكرى،من معرفة ودراية بطبيعة الدراسة في الكليات والمعاهد العسكرية وما تستلزمه من ضرورة توافر شروط خاصة طبية وبدنية ونفسية في الطلاب المتقدمين للالتحاق بتلك الكليات والمعاهد ،ومن ثم فإن هذه اللجنة تكون هى الأقدر على تفهم طبيعة المنازعة المعروضة عليها ،وتقرير ملائمة القرار الصادر من مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية في ضوء معايير القبول التى تقررها القيادة العامة للقوات المسلحة .
وأخيراً وفى ظل العمل بالدستور الحالى الصادر عام 2014 قضت المحكمة الدستورية بجلسة 6/5/2017 في القضية رقم 168 لسنة 36 قضائية دستورية برفض الدعوى الدستورية المُقامة طعناً على عجُز المادة (3) من القانون رقم 71 لسنة 1975 المشار إليه والمستبدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 11 لسنة 2014 والذى وسد للجان القضائية لضباط القوات المسلحة الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية،وأقامت المحكمة على ما هو حاصله أن هؤلاء الطلبة يعدون من أفراد القوات المسلحة ،وعلى ذلك فإن المنازعات الإدارية المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول بهذه الكليات التى عقد عجُز المادة (3) سالفة الذكر الاختصاص بالفصل فيها للجان القضائية لضباط القوات المسلحة بمقتضى الصلاحيات التى أوكلها نص المادة (184) من الدستور للقانون في توزيع الاختصاصات بين المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها وفى الحدود التى عينها الدستور لكل منها شاملة تلك التى تتصل بالقبول بها في ضوء انتقاء أفضل العناصر التى تتوافر لها الشروط اللازمة للقبول ،وإعمال مقومات التفضيل التى تتصل بصلاحيتهم للحياة العسكرية ،تُعد من المنازعات الإدارية المتعلقة بشأن من شئونهم ،لارتباطها بالصلاحية لاكتساب هذا المركز القانونى ، والانخراط في الخدمة العسكرية ،وتؤثر فيـــه ، ولو كانت مقدمة من غيرهم ،وذلك لكونها تعتبر في حقيقتها منازعة في المركز القـــــانونى لأحد أفراد القوات المسلحة وتتعلق بشئونهم ،وهو المعيار الذى اعتد به الدستور في تحديد المنازعات التى ينعقد لتلك اللجان الاختصاص بنظرها والفصل فيها ، بوصفهـــا قاضيها الطبيعى ،لا ينُازعها في ذلك جهة قضاء أخرى ،ليغدو النص المطعون فيه ،وقد التزم هـــــذه الضوابط ،غير مُصادم لأحكام المواد ( 202،190،184،97 ) من الدستور ،كما لا يخالف أى نص آخر فيه .
أما من جهة قضاء المحكمة الإدارية العُليا ،فإن أحكامها في شأن تحديد الجهة المختصة ولائياً بالفصل في المنازعات الخاصة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة من مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة ،والمنازعات الخاصة بالقرارات الصادرة من مجالس هذه الكليات والمعاهد بفصل الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية ،فبالنسبة للمسألة الأولى وإن كان جل هذه الأحكام عقد الاختصاص الولائى بشأنها لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى – دون غيرها – وذلك على نحو ما قضت به الدائرة السادسة بجلسة 15/5/1994 فى الطعن رقم (4507) لسنة 39 القضائية عُليا ،وبجلسة 25/2/ 2009فى الطعن رقم (11560) لسنة 50 القضائية عُليا ،وبجلسة 8/7/2009 فى الطعن رقم (1251) لسنة 48 القضائية عُليا ،بينما ذهبت ذات الدائرة بأسباب حكمها الصادر بجلسة 23/3/2011 فى الطعن رقم (12220) لسنة 52 القضائية عُليا إلى أن مقتضى نص المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بعد تعديله بالقانون 152 لسنة 2002 أن الاختصاص بكافة المنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية بات معقوداً للجان ضباط القوات المسلحة ،وبشأن المسألة الأخرى المتعلقة بتحديد الجهة المختصة بالفصل في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بفصل هؤلاء الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية فقد تفرقت إلى وجهتين كذلك ،إذ قضت الدائرة السادسة – سالفة الذكر – بجلسة 20/6/2007 في الطعن (11945) لسنة 48 القضائية عُليا باختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بالفصل في هذه المنازعات، وغايرت هذا الاتجاه بجلسة 23/3/2011 في الطعن رقم (12220) لسنة 52 القضائية عُليا – المشار إليه – والذى قضت فيه باختصاص لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية – دون غيرها – بالفصل في هذه المنازعات .
ومن حيث إنه بشأن أثر حُجية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا ،فقد جرى قضاءها على أن حُجية قضاء المحكمة الدستورية العليا تنصرف إلى من كان طرفاً في الخصومة وإلى الأغيار والدولة كافة فالخصومة في الدعوى الدستورية عينية محلها النصوص التشريعية وقضاء المحكمة بشأنها كاشف لحقيقة إتفاقها أو اختلافها مع الدستور ،وهذه الحُجية تمتد إلى الدولة وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة ،وتحول دون المجادلة فيها أو السعى لنقضها من خلال إعادة طرح ما قضى فيه .
( في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن القضية رقم 57 لسنة 4 قضائية دستورية بجلسة 6/2/1993 ).
كما وافق قضاء هذه المحكمة قضاء الدستورية المشار إليه ،بأن جرى على أن الأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية تحوز حُجية مطلقة وتعد قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً أو تأويلاً من أية جهة ،ولا تقتصر حجيتها على أطراف الدعوى الدستورية بل تمتد إلى الجميع وإلى جميع سلطات الدولة بفروعها وتنظيماتها المختلفة بما في ذلك المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها.
( فى هذا المعنى حكم هذه الدائرة الصادر بجلسة 1/3/2014 فى الطعن رقم 5371 لسنة 47 القضائية عُليا )
وبشأن تفسير النصوص القانونية ،فإن من المبادئ العامة المسلمة بها في تفسير أحكام القانون عدم الانحراف عن صريح عبارة النص أو تفسيره على نحو يتعارض مع عباراته الواضحة الصريحة القاطعة الدلالة على المقصود منها إلى معان أخرى وإلا كان ذلك افتئاتاً على إرادة المشرع وإحلالاً لإرادة المفسر قاضياً كان أو غيره محل السلطـــــة التشريعيــــة دون سند من الدستور أو القانون إذ لا اجتهاد مع صراحة النص التشريعى وقطعية دلالته على ما تقصده السلطة التشريعية من تقريره .
(في هذا المعنى الحكم الصادرة من هذه الدائرة بجلسة 21/4/1991 في الطعن رقم (2382) لسنة 32 القضائية عُليا )
وتطبيقاً لما ما تقدم ،ولما كان مقطع النزاع في الطعن الماثل – وتبعاً للنطاق الذى حددته هذه المحكمة بصدر الحكم – يدور حول تحديد الجهة المختصة ولائياً بالفصل في المنازعات في القرارات الإدارية النهائية الصادرة من مكتب تنسيق القبول بالكليات العسكرية والمعاهد المُعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة ،وتلك الخاصه بالمنازعات في القرارات النهائية الصادرة من مجالس هذه الكليات والمعاهد بفصل هؤلاء الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية في ضوء تباين الأحكام الصادرة من الدائرة السادسة في هاتين المسألتين في المرحلة التالية لتعديل المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 بالقانون رقم 152 لسنة 2002 .
وحيث إنه عن الجهة المختصة بالمسألة الأولى :-
فإنه لما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بحكمها الصادر بجلسة 7/5/2006 في القضية المقيدة بجدولها برقم 199 لسنة 25 قضائية دستورية – سالف الذكر- برفض دعوى عدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2002 والتى أوكلت للجان ضباط القوات المسلحة الاختصاص – دون غيرها – بالفصل في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة ،وذلك في ظل العمل بأحكام دستور عام 1971 الملغى ،كما قضت كذلك بحكمها المشار إليه الصادر بجلسة 6/5/2017 – وفى ظل العمل بالدستور الحالى الصادر عام 2014 – في القضية رقم 168 لسنة 36 قضائية دستورية برفض الدعوى الدستورية المُقامة طعناً في دستورية عجُز المادة (3) من القانون رقم 71 لسنة 1975 المشار إليه والمستبدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 11 لسنة 2014 والذى وسد المشرع بموجبها للجان سالفة الذكر الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية ،فمن ثم ولما كانت حُجية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا حُجية مطلقة وتعد قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً أو تأويلاً من أية جهة ،ولا تقتصر حجيتها على أطراف الدعوى الدستورية بل تمتد إلى الجميع وإلى جميع سلطات الدولة بفروعها وتنظيماتها المختلفة بما في ذلك المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ،فإن مقتضى إعمال حُجية هذين الحكمين تحول ومعاودة المساجلة والمماراة حول ما حُسم الأمر بشأنه دستورياً ،ويتعين على جميع المحاكم الالتزام بإعمال آثار هذه الحُجية ومقتضاها على كافة المنازعات التى تُعرض عليها، ويكون ذلك بالأحرى والأولى بالإتباع من جانب المحكمة الإدارية العليا بحسبانها – وُبما وُسد لها من اختصاص – القّوامة على إنزال حكم القانون وإرساء مبادئه وقواعده بما لا مُعقب عليها في ذلك،وتستوى على القمة في مدارج التنظيم القضائى لمجلس الدولة،وبأحكامها تهتدى بها جميع المحاكم الأدنى منها درجة بحسب الترتيب القضائى وتتخذ منها نبراساً وملاذاً، وعليه فعملاً بحكم النصين المشـــار إليهما وقضــــاء المحكمـــــة الدستوريــــة بشأنهما ، ينحسر الاختصاص الولائى لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بالفصل في المنازعات في القرارات الإدارية النهائية الصادرة من مكتب تنسيق القبول بالكليات العسكرية والمعاهد المُعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة وينعقد للجان ضباط القوات المُسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها وهو ما تقضى به المحكمة .
وحيث إنه عن الجهة المختصة بالمسألة الثانية :-
فإنه لما كانت عبارات الفقرة الأولى من المادة (1) من القانون رقم 99 لسنة 1983 المستبدلة بالقانون رقم 152 لسنة 2002 – المشار إليها – قد جاءت جلية فى معانيها قاطعة فى دلالتها
على اختصاص لجان ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية دون غيرها بالفصل فى كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية التى تُصدرها مجالس الكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة فيما عدا قرارات فصل الطلاب لسبب يتعلق باجتيازهم لما يُعقد لهم من اختبارات دراسية تتماثل فى طبيعتها التعليمية مع أقرانهم طلاب الجامعات والمعاهد العليا ،وأنه لا اجتهاد مع وضوح النص ،كما أنه مما لا ريب فيه أن فصل طالب الكلية العسكرية أو المعهد المُعد لتخريج ضابط القوات المسلحة بسبب عدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية – ومن التسمية ذاتها – لا يتعلق باجتيازه اختبارات دراسية تتماثل فى طبيعتها التعليمية مع أقرانه بالجامعات والمعاهد العليا ،إذ يتعلق هذا السبب بصلاحية الطالب بدنياً وصحياً لمواصلة الدراسة فى هذا المجال العسكرى المؤهل للالتحاق بالخدمة العسكرية كضابط عامل بالقوات المسلحة ،وهو ما يقتضى توافر كفاءة بدنية وصحية فى هذا الطالب ذات طبيعة خاصة قد تفوق تلك المتطلبة بأقرانه بالجامعات والمعاهد العليا المشار إليها نظراً لاختلاف الدور المنوط بالفئتين مستقبلاً والتأهيل اللازم توافره لأداء هذا الدور هذا من جانب ، كما أنه وفى مرحلة تالية ،و لاعتبارات قدرها المشرع أناط بهذه اللجان دون غيرها الاختصاص بالفصل فى جميع المنازعات الإدارية المتعلقة بطلبة الكليات والمعاهد العسكرية وذلك بموجب حكم المادة (3) من القرار بقانون رقم 11 لسنة 2014 المشار إليه، وأنه ما دام هذا التشريع قائماً ولم يُعدّل أو يُلغى بالطريق الذى رسمه المشرع وحدد خُطاه فمن ثم يجب على المحكمة إعمال مقتضاه دون إهمال أو إغفال ،بل ولا يجوز لها الامتناع عن تطبيق هذا النص تحت أى ذريعة ،فالمحاكم تُصدر أحكامها وفقاً للقانون ووظيفتها تطبيقه لا تعطيله على النحو الذى حدده الدستور الحالى بالمادة (184) من الدستور القائم والمقابلة للمادة (165) من الدستور الملغى الصادر عام 1971 ،فالمحاكم وإن جاز لها انتقاد نص تشريع بُغية دعوة المشرع للأخذ بالأحسن منه – فى تقديرها – تحقيقاً لحُسن سير العدالة بيد أنه لا يجوز لها بحال من الأحوال وتحت أى ذريعة أن تمتنع عن إعمال حكمه ما دام قائماً ،فمن ثم تضحى هذه اللجان – دون غيرها – صاحبة الاختصاص بالفصل فى هذه المنازعات وهو ما تقضى به المحكمة وتحسم على أساسه المسألة القانونية المعروضة عليها.
……………………………………………………………………………………………
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن نص المادة (54) مُكرراً المشار إليه كما يجيز للدائرة المنصوص عليها فيه أن تقتصر في حكمها الذى تصدره بعد اتصالها بالطعن على البت في المسألــــة القانونيــــة التى كانت محلا لتناقض الأحكام أو إقرار مبدأ قانونى على خلاف أحكام سابقة ثم تحيل الطعن بعد ذلك إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا المختصة لتفصل في موضوعه وفقاً للمبدأ الذى أرسته بحكمها وذلك على النحو الذى اطرد عليه قضاء هذه الدائرة،فإن هذا النص أيضاً لا يحول بين هذه الهيئة والفصل في الطعـــن الذى اتصلت به بقرار الإحالة بحكم منه للنزاع دون الوقوف عند القضاء بالمبدأ القانونى الذى يطعن على هذا النزاع ، ما دام أن الطعن قد استقامت عناصره وكان صالحاً للفصل فيه .
( في هذا المعنى الحكم الصادر من هذه الدائرة بجلسة 3/6/1990 في الطعن رقم 3564 لسنة 32 القضائية عُليا ،وبجلسة 21/4/1991 في الطعن رقم 2382 لسنة 32 القضائية عُليا،وحكمها الصادر بجلسة 1/3/2014 في الطعن رقم 5371 لسنة 47 القضائية عُليا )
ولما كان الطعن الماثل صالحاً للفصل فيه على ضوء المبدأ الذى أرسته هذه المحكمة آنف البيان.
ولما كان من المستقر عليه أن بحث مدى اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ولائياً يسبق بحث الشكل والموضوع بحسبان أن قواعد الاختصاص من النظام العام وتتصدى له المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يثره الخصوم .
فإنه ونزولاً على هدى ما تقدم ،ولما كان الثابت من عيون الأوراق أن نجل الطاعن بصفته التحق بالكلية الحربية بتاريخ 13/11/2011 ضمن أقرانه الطلبة المستجدين بالدفعة (108) حربية ،وبتاريخ 7/4/2012 عُرض على مستشفى الكلية الحربية على أثر انزلاق السلاح من يديه أثناء التدريبات حيث تم تشخيص حالته بزيادة شديدة لإفراز العرق باليدين،وبالعرض على قسم الجلدية بمستشفى كوبرى القبة وحجزه وعمل التحاليل اللازمة تم تشخيص حالته بالتشخيص المشار إليه ،وظل يتردد ما بين مستشفى الكلية ومستشفى كوبرى القبة وبتاريخ 1/10/2012 أوصت المستشفى الأخيرة بعرضه على المجلس الطبى العسكرى (لجنة جلدية) لتقرير مدى لياقته للخدمة العسكرية والاستمرار فى الكلية من عدمه ،وبجلسة 8/10/2012 عُرض على المجلس سالف الذكر والذى قرر أنه غير لائق للخدمة العسكرية للظرف المرضى آنف البيان، وبناءً على ذلك قرر مجلس الكلية بتاريخ 24/10/2012 بفصله لعدم اللياقة الطبية ،وهو ما صدر به القرار المطعون فيه فى 2/12/2012 ،ولما كانت المنازعة الماثلة منازعة إدارية فى قرار نهائى صادر مجلس الكلية المطعون ضدها بفصل نجل الطاعن بصفته لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية ،فمن ثم ينحسر الاختصاص بنظرها عن نطاق الاختصاص الولائى لمجلس الدولة ،وينعقد للجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية وهو ما يتعين القضاء به .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون مستوجباً الإلغاء والقضاء مجدداً بعــــــدم اختصاص المحكمـــة ولائياً بنظــــــر الدعوى ،وإحالتها بحالتها إلى لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية للاختصاص .
ومن حيث إن حكم عدم الاختصاص غير منه للخصومة فمن ثم يتعين إبقــاء الفصل فى المصروفات عملاً بمفهوم المخالفة لحكم المادة ( 184 ) مرافعات .
************
حكمت المحكمة : أولاً :- بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بالفصل فى المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات النهائية الصادرة عن مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية المعدة لتخريج ضباط القوات المسلحة ،وقرارات مجالس هذه الكليات والمعاهد الصادرة بفصل الطلاب لعدم اللياقة الطبية للخدمة العسكرية ،وباختصاص لجان ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية بها ، وذلك على النحو المبين بالأسباب .
ثانياً :- بقبول الطعن شكلاً ،وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ،والقضاء مجدداً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ،وإحالتها بحالتها إلى لجنة ضباط القوات المسلحة المنعقدة بصفة هيئة قضائية للاختصاص ،وأبقت الفصل فى المصروفات .
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |