إن إتباع الإجراءات والشكليات التي تتبع عادة في إبرام العقود الإدارية كإجراء المناقصات والمزايدات وتحرير دفاتر الشروط لا يكفي في حد ذاته لإضفاء الصفة الإدارية علي العقد.
وإن أهم ما يعنينا في تكوين العقد الإداري هو القيود التي يضعها القانون – بالمعني الواسع لهذه الكلمة – علي حرية الإدارة في التعاقد، وعلي وجه الخصوص فيما يتعلق باختيارها للمتعاقد معها.
أولاً: القيود الواردة علي حرية التعاقد:
لما كانت الإدارة تعمل من أجل المصلحة العامة، فقد وضع القانون الإداري من القواعد ما يحاول به ضمان سلوكها في تعاقدها طريق تحقيق هذه المصلحة. وقد جاءت قواعد القانون الإداري في هذا الشأن مقيدة لحرية الإدارة في التعاقد من نواح متعددة. وذلك علي خلاف القواعد العامة في القانون الخاص وما يسودها من حرية التعاقد في حدود النظام العام والآداب. ويهدف القانون الإداري من وراء ذلك إلى هدفين هما الاقتصاد في النفقات لصالح الخزانة، والكفاءة في الأداء لصالح الجميع.
وتتلخص أهم القيود الواردة علي حرية الإدارة في التعاقد فيما يلي:
1- من حيث شكل العقد:
الأصل أنه لا يشترط في الايجاب أو القبول اللازمين لانعقاد العقد الإداري شكلاً معيناً. إذ يجوز التعبير عن كل منهما باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المتداولة عرفاً، كما يجوز باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته علي حقيقة المقصود. بل يجوز أن يكون التعبير ضمنياً. “ولا شك أن طلب وزارة الزراعة موافاتها بشيك بقيمة الكمية المطلوب شراؤها …. يعتبر قبولاً من هذه الوزارة طابق الإيجاب الصادر من الإدارة الصحية، وانعقد باقترانهما عقد بيع بين هاتين الجهتين …”.
وقد يتمثل الشكل المستلزم في كتابة العقد أو في الرقابة المسبقة أو في التصريح السابق:
أ- كتابة العقد:
الأصل أنه لا يشترط في العقد الإداري أن يكون مكتوباً إلا إذا نص القانون علي خلاف ذلك. فللإدارة أن تتحلل من الشكل الكتابي للعقد. غير أنه غالباً ما تتضمن خطوات التعاقد وثائق مكتوبة، حتي ولو لم يفرغ العقد في النهاية في وثيقة مكتوبة. “ويستند القضاء أحياناً إلي هذه الوثائق المتبادلة بين الإدارة والأفراد للقول بقيام الروابط التعاقدية”.
ولكن العقد غير المكتوب غير مألوف في المجال الإداري بسبب جنوح الإدارة عادة إلي إثبات روابطها التعاقدية كتابة. غير أنه لا يزال يؤدي دوراً مكملاً لبعض أنواع العقود الإدارية. كما إذا اتفقت الإدارة مع بعض المتعاقدين علي تكملة أغراض التعاقد الأصلي في بعض الأمور التي انصب عليها. وقد استقر القضاء الإداري في فرنسا ومصر علي أن العقد الشفوي التكميلي تنصرف إليه طبيعة العقد الأصلي بحكم ارتباطه به وتعويله عليه، وبالتالي فلا حاجة إلي استظهار أركان العقد الإداري فيه”.
وقد نصت المادة 32 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات علي أنه “يجب أن يحرر عقد متي بلغ مجموعة قيمة مارسا توريده أو تنفيذه خمسين ألف جنيه. أما فيما يقل عن ذلك فيجب أخذ إقرار مكتوب من المتعاقد مع الجهة الإدارية شاملاً كافة الضمانات اللازمة لتنفيذ التعاقد. ويحرر العقد من ثلاث نسخ علي الأقل تسلم نسخة منها لإدارة الحسابات وتسلم نسخة للمتعاقد وتحفظ النسخة الثالثة بالإدارة المختصة بالتنفيذ …”.
ومعني ذلك أن الصورة الكتابية للعقد لا تلزم إلا متي بلغت قيمة العقد خمسين ألف جنيه. أما إذا قلت القيمة عن ذلك فلا يلزم كتابة العقد، وإنما يكتفي بأخذ إقرار كتابي من المتعاقد يتضمن الضمانات اللازمة لتنفيذ التعاقد. وهذا الإقرار يعتبر إثباتاً كتابياً لوجود العقد وضماناً لتنفيذ التزامات المتعاقد.
ويجب أن تكتب العقود الإدارية باللغة العربية طبقاً لأحكام القانون الذي يوجب تحرير المكاتبات والعطاءات وغيرها من المحررات والوثائق التي تقدم إلى الجهات الحكومية باللغة العربية. ويستثني من ذلك الهيئات الدبلوماسية الأجنبية، والهيئات الدولية، والأفراد الذين لا يقيمون في مصر، والمنشآت التي لا يكون مركزها الرئيسي في مصر ولا يكون لها فرع أو وكيل فيها. غير أن هذا لا يحول دون وجود ترجمة بلغة أجنبية تيسيراً للتعامل مع الجهات القائمة والمشرفة علي تنفيذ العقود.
الأخطاء الكتابية والحسابية:
قد يقع في العقد الإداري غلط مادي، كالخطأ في الكتابة أو في الحساب وهو غلط غير جوهري لا يؤثر في صحة العقد، وإنما يجب تصحيحه. وذلك تطبيقاً لأحد المبادئ العامة للقانون يسري علي العقود الإدارية كما يسري علي العقود المدنية. وقد نصت عليه صراحة المادة 123 من القانون المدني المصري بقولها:” لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم، ولكن يجب تصحيح الغلط”. ومن أمثلة الخطأ المادي أن يرد في العقد أن السعر المتفق عليه هو 160 مليماً بدلاً من 1600، وأنت يقوم الدليل علي ذلك. كما لو سارعت الشركة إلى تصحيح الخطأ في لجنة الممارسات. ومن أمثلة ذلك ما قضت به المحكمة الإدارية العليا من أنه ” ومن حيث أن الظروف والملابسات التي أحاطت بالتعاقد تقطع بأن ما وقع فيه المدعي من غلط كان من غلطات القلم، إذ أخطأ في كتابة تمييز الرقم الذي دونه سعراً للكيلو متر الواحد من أعمال البندين المشار إليهما وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة، فذكر أنه المليم بينما كانت إرادته متجهة فعلاً إلى القرش علي ما يبين من القيمة الإجمالية التي دونها بهذين البندين …. ومن حيث أن جهة الإدارة قد أخطأت في عدم القيام بما يفرضه عليها القانون من وجوب تصحيح ما وقع فيه المدعي من خطأ وأرست العطاء عليه بمبلغ يقل عن المبلغ الذي صدر إيجابه علي أساسه، الأمر الذي ترتب عليه الإضرار بحقوق المدعي، فمن ثم فإنه يحق له أن يطالبها بتعويض ما لحقه من أضرار”.
ب- الرقابة المسبقة:
تخضع العقود التي تزيد قيمتها علي خمسة آلاف جنيه لعدة أنواع من الرقابة المالية والاقتصادية والقانونية. ويجب موافقة البرلمان علي العقود التي يترتب عليها انفاق مبالغ من خزانة الدولة في فترة مقبلة:
1- الرقابة المالية:
يباشرها الجهاز المركزي للمحاسبات طبقاً لأحكام القانون. وذلك للتحقق من أن هذه العقود قد أبرمت ضمن الاعتمادات المدرجة لها في الميزانية، ووفقاً للأحكام والقواعد المالية المقررة. ورقابة هذا الجهاز لا تخل بأحكام قانون مجلس الدولة.
2- الرقابة الاقتصادية:
تمارسها الهيئة العامة للاستثمار. وتتضمن هذه الرقابة النظر في اقتصاديات العقد وموقفه من الاقتصاد القومي وأثره عليه ومدي ارتباطه بخطة الدولة.
3- الرقابة القانونية:
يمارسها مجلس الدولة طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972. وذلك للتحقق من مطابقة أحكام مشروع العقد للقانون.
ويلاحظ أن العقود التي تبرم تطبيقاً لاتفاقية دولية لا تخرج من نطاق رقابة مجلس الدولة – وغيره من الجهات الرقابية – إلا إذا تضمنت الاتفاقية نصاً صريحاً يخرج ما يبرم تطبيقاً لها من عقود عن نطاق هذه الرقابة، وذلك لأن أحكام الاتفاقيات الدولية تأخذ قيمة النصوص القانونية بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها.
وعدم عرض العقد الإداري علي مجلس الدولة يستتبع بطلانه لذلك انتهي رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع بمجلس الدولة المصري إلي أن ” العقد الذي أبرمته وزارة الصناعة بالإقليم السوري مع الهيئة الاتحادية للاستيراد والتصدير بموسكو قد وقع مخالفاً للقانون لعدم عرضه علي مجلس الدولة قبل إبرامه لا بواسطة هيئاته المختصة ولا باشتراك ممثل لمجلس الدولة في الوفد الذي أبرم هذا العقد”.
ويجب أن تتم مراجعة العقد الإداري بواسطة مجلس الدولة قبل إبرامه لأن الغرض من استلزام هذه المراجعة هو أن تقف جهة الإدارة علي حكم القانون في هذا العقد قبل الالتزام بأحكامه، ولا جدوي من مراجعة العقد بعد إبرامه وتنفيذه. وقد أفتي مجلس الدولة المصري بأنه إذا كان الثابت من الأوراق أنه قد تم الاتفاق فعلاً بين الحكومتين الفرنسية والمصرية علي عرض بعض الأعمال الفنية بمتحف أورساي بباريس، دون أخذ رأي المجلس، فلا ملائمة لمراجعة مشروع العقد التنفيذي المزمع إبرامه بين الطرفين تنفيذاً للاتفاق السابق.
جـ – التصريح السابق:
قد يوجب القانون حصول الإدارة المتعاقدة علي تصريح سابق من إحدي سلطات الدولة كالسلطة المركزية مثلاً في حالة إبرام العقد بواسطة سلطة لا مركزية مرفقية أو محلية.
ويستلزم الدستور الموافقة المسبقة لمجلس الشعب علي إبرام أي عقد يترتب عليه انفاق مبالغ من خزانة الدولة في فقرة مقبلة. فقد نصت المادة 121 من دستور عام 1971 علي أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية عقد قروض أو الارتباط بمشروع يترتب عليه انفاق مبالغ من خزانة الدولة في فترة مقبلة إلا بموافقة مجلس الشعب. وذلك لتحقيق مبدأ الرقابة البرلمانية علي موارد ومصروفات الدولة. ويخرج من إطار هذا الحظر العقود التي تبرمها الإدارة تنفيذاً لمشروع سبق أن وافق البرلمان عليه. أما المشروعات التي لم يسبق للمجلس الموافقة عليها فيتعين عرض عقودها عليه طالما أنها ترتب فور إبرامها التزاماً بانفاق مبالغ في سنة أو سنوات لاحقة. وهنا بنبغي التفرقة بين عقود التوريد التي يلتزم المورد بمقتضاها بتوريد كميات محددة خلال عدد من السنوات المقبلة مقابل أداء قيمة ما يتم توريده، وهنا يجب موافقة مجلس الشعب، وبين عقود التوريد التي لا تحدد فيها كمية ما سيتم توريده، تاركة ذلك لأوامر التوريد وهنا لا تلزم موافقة البرلمان لأن الالتزام بأداء الثمن لا ينشأ إلا بصدور أمر التوريد الذي يصدر في سنة معينة وفي حدود احتياجات هذه السنة.
وينعقد العقد الإداري صحيحاً منتجاً لآثاره ” حتي ولو لم يكن البرلمان قد اعتمد المال اللازم لهذه الأشغال، أو حتي لو جاوزت الإدارة حدود هذا الاعتماد، أو لو خالفت الغرض المقصود منه، أو لو فات الوقت المحدد لاستخدامه. فمثل هذه المخالفات – لو وجدت من جانب الإدارة – لا تمس صحة العقد ولا نفاذه وإنما قد تستوجب المسئولية السياسية، وعلة ذلك ظاهرة، وهي أن هذه العقود الإدارية التي تبرمها الإدارة مع الغير هي روابط فردية ذاتية، وليست تنظيمية عامة ويجب من ناحية حماية هذا الغير، ومن ناحية أخري عدم زعزعة الثقة في الإدارة فليس في مقدور الفرد الذي يتعاقد معها أن يعرف مقدما ما إذا كان قد صدر اعتماد أو لم يصدر. وما إذا كان يسمح بإبرام العقد أو لا يسمح، وما إذا كان العقد في حدود الغرض المخصص له الاعتماد أو ليس في حدود هذا الغرض. كل أولئك من الدقائق التي يتعذر علي الفرد العادي بل الحريض التعرف عليها. ولو جاز جعل صحة العقود الإدارية ونفاذها رهناً بذلك لما جازف أحد بالتعاقد مع الإدارة، ولتعطل سير المرافق العامة …”.
2- من حيث الاختصاص:
يحدد القانون الإداري الأشخاص الذين يحق لهم التعاقد باسم الإدارة والمجالات التي يتعاقدون في إطارها وفقاً لاختصاص الإدارات التي يمثلونها.
3- من حيث اختيار المتعاقد:
ومن حيث اختيار المتعاقد مع الإدارة ليس للإدارة غالباً أن تتعاقد مع من تشاء، وإنما عليها أن تتبع في اختيار المتعاقد معها إجراءات خاصة يحددها القانون ليضمن بها تعاقد الإدارة مع من يتقدم إليها بأفضل العروض من الناحية المالية والفنية على السواء.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |