العقد في اللغة هو الربط أو التوثيق، مادياً كان أم معنويا: فيقال عقد الحبل أي ربط بين طرفيه، ويقال عقد العزم أي ألزم نفسه بأمر مستقبل.
ويقول الله تبارك وتعالي:”لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان ……” أي وثقتموها بالقصد والنية.
والعقد في الاصطلاح هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني.
والعقد ملزم لطرفيه من الناحيتين الدينية والقانونية. فيأمر الله المؤمنين بالوفاء بالتزاماتهم العقدية أمراً صريحاً قطعياً فيقول تبارك وتعالي في بداية سورة المائدة:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” وتنص القوانين وتقضي الأعراف بإلزام العقود لأطرافها. وقد اختلف في أساس الصفة الإلزامية للعقد. فقيل هي استقلال الإرادة، فكل طرف يلتزم بإرادته. وقيل أن أهلية التعاقد ليست إلا اختصاصاً منحه القانون لمن تتوافر فيه شروط الأهلية. وقيل أيضاً إن التزامات العقد تنبثق من جوهر العقد وطبيعته وهدفه، مع الأخذ في الاعتبار لكل من حسن النية، والعدالة الموضوعية، والثقة الشرعية، والتوازن بين المصالح المعنية.
تلجأ الإدارة في ممارستها لنشاطها إلى إبرام العقود مع الآخرين للحصول على كثير مما تحتاج إليه من سلع أو خدمات. إلا أن عقود الإدارة ليست كلها عقودا تخضع لنظام قانوني موحد. إذ قد يكون عقد الإدارة عقداً من عقود القانون الخاص، كما قد يكون عقداً إدارياً تسري عليه أحكام القانون العام . وذلك لعدم توافق أحكام القانون الخاص مع طبيعة النشاط الذي تمارسه الإدارة في كثير من الأحوال. وهذا النوع الأخير من العقود هو الذي تهمنا دراسته في مجال القانون والإداري.
وإذا كانت العقود أيا كان نوعها تتفق في جوهرها وأركانها – فالعقد في كل الأحوال هو توافق إرادتين على ترتيب أثر قانوني، وأركانه هي الرضا والمحل والسبب – فإن الأحكام والقواعد التي تخضع لها العقود الإدارية تختلف اختلافاً واضحاً – خاصة فيما يتعلق بامتيازات السلطة العامة – عن أحكام وقواعد القانون الخاص المقابلة، وسواء فيما يتعلق بتكوين العقد أو آثاره.
ومع ذلك فإن الإدارة عندما تبرم عقداً من عقودها فإنها غالباً ما لا تعرف ولا يهمها كثيراً أن تعرف صفة العقد الذي تبرمه، وما إذا كان إدارياً يخضع لأحكام القانون الإداير، أم مدنياً يخضع لقواعد القانون الخاص ولاختصاص القضاء العادي. ولا تثير طبيعة العقد أي تساؤلات أو إشكالات إلا إذا قام خلاف بين طرفيه وبدأت المنازعة في بعض أموره. وهنا تبدو المصلحة في تكييف العقد ويلزم تحديد طبيعته لمعرفة الجهة القضائية المختصة، والقانون واجب التطبيق.
ولا يرجع لإدارة الإدارة أو طرفي العقد لمعرفة ما إذا كان العقد عقداً إدارياً أم عقداً من عقود القانون الخاص. وذلك لأن هذا المعيار الشخصي يؤدي إلى تحديد الاختصاص القضائي على اساس إرادة الأطراف، وهو ما لا يجوز لأن تقسيم الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري يتعلق بالنظام العام.
وهناك عدد من القواعد المشتركة التي تطبق علي كافة عقود الإدارة بصرف النظر عن طبيعتها، سواء أكانت من عقود القانون الخاص أم كانت من العقود الإدارية. من ذلك قواعد الاختصاص، وإمكانية التحكيم، وتحريم التعاقد في بعض المجالات. غير أن ثبوت الصفة الإدارية لعقود الإدارة يستتبع خضوعها دون غيرها – لأحكام القانون الإداري ولاختصاص القضاء الإداري.
وتعد أحكام العقود الإدارية في جوهرها أحكاماً قضائية يرجع الفضل فيها إلي مجلس الدولة الفرنسي. ولا يتدخل المشرع في هذا المجال هناك إلا استثناء، وعادة ما يكون تدخله مقصوراً علي تبني قواعد سبق أن أرسي القضاء الإداري دعائمها.
بل إن العقود الإدارية نفسها يمكن أن تساهم في إرساء قواعد القانون من خلال العرف أو القضاء، خاصة وأن بعض العقود قد تبرم وموضوعاتها تخرج من إطار أي تنظيم تشريعي لذلك ينبغي أخذ الواقع التعاقدي في الاعتبار لتكوين فكرة متكاملة عن العقود الإدارية في بلد من البلاد. ولعل مما ييسر ذلك سهولة الإطلاع علي العقود الإدارية لأنها علنية، وتمثل وثائق إدارية قابلة للتداول وقد تنشر في الجريدة الرسمية. وذلك على خلاف عقود القانون الخاص.
أما في مصر فلم تبدأ نظرية العقود الإدارية في الظهور إلا متأخراً وبعد صدور قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 – الذي لم يتغير حكمه في القانون رقم 55 لسنة 1959 والقانون رقم 47 لسنة 1972 – والذي جعل القضاء الإداري هو جهة الاختصاص الوحيدة في مسائل العقود الإدارية. إذ أن قانون إنشاء مجلس الدولة لم يكن ينص على هذه المسائل ضمن اختصاصات المجلس المحددة علي سبيل الحصر كما أن القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي حل محله القانون السابق إذا كان قد منح محكمة القضاء الإداري والاختصاص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الإدارة والطرف الآخر فيما يتعلق بثلاثة عقود هي عقد الالتزام وعقد الأشغال العامة وعقد التوريد، فإن الاختصاص بمسائل العقود قد ظل مشتركا بين مجلس الدولة والمحاكم العادية إلي عام 1955.
إلا أن مجلس الدولة المصري قد اتجه بخطوات سريعة رغم حداثة عهده بالعقود الإدارية إلى الأخذ بالمبادئ التي سبق أن إقامها نظيره الفرنسي في هذا المضمار. وكذلك فعل مجلس شوري الدولة اللبناني.
وقد دفعت الصعوبات الاقتصادية التي واجهت الحكومات في العصر الحديث الجهات العامة إلى العودة إلى القطاع الخاص بحثا عن التمويل وسرعة التنمية وسهولة الحركة، مما استتبع بعث العقود الإدارية التقليدية – كعقد الالتزام وعقد الأشغال العامة – من جديد، بعد فترة من النعاس والثبات والتواري خلف أسوار التيارات الاشتراكية قبل سقوطها. وقد تمت بعض المشروعات العملاقة – في الدول المتقدمة والمتخلفة على السواء – بهذه الطريقة. منها على سبيل المثال النفق المقام تحت بحر المانش، ليربط برياً بين الجزر البريطانية والقارة الأوروبية عند فرنسا.
أهداف العقود الإدارية:
للعقد الإداري – كالقرار الإداري – هدف يرمي إلى تحقيقه وهذا الهدف ينبغي ألا يخرج عن إطار المصلحة العامة. فكل عقد إداري يبرم لتحقيق مصلحة عامة، ولكن بطرق متغيرة ومن زوايا مختلفة.وهذا الهدف عادة ما يتعلق بتشغيل المرافق العامة. فتقوم الإدارة بإشراك الأفراد في إدارة المرافق العامة عن طريق عقود يمكن أن يطلق عليها عقود التفويض في إدارة المرافق العامة، وفيها تعهد الإدارة لبعض أشخاص القانون الخاص بإدارة مرفق عام وإشباع الخدمة العامة المنبثقة عن تشغيله. وهذا يؤدي إلي إعفاء الجهة العامة من إدارة المرفق، ولكنها تظل مسئولة عنه وتحتفظ عليه بسلطة تنظيم ورقابة، ومجازاة في حالة التقصير أو الإخلال من جانب المتعاقد. ويحصل المتعاقد مع الإدارة على مقابل، إما من المستعملين كما في حالة عقد الامتياز وعقد الإيجار الزراعي وإما من جانب الإدارة نفسها كما في حالة العقود الأخري والتي أهمها عقد الأشغال العامة.
ولا تهدف العقود دائما إلي إشباع حاجات الإدارة إلى موضوعاتها أو السلع والخدمات التي تنصب عليها. فقد استخدمت هذه العقود في فرنسا لتنفيذ خطة الدولة في تحقيق أهداف أخري متصلة بالشئون الاقتصادية أو الإدارة المحلية. ولجأت الإدارة إلى إبرام هذه العقود مع بعض رجال المال والاقتصاد والوحدات الإقليمية لتحقيق سياسات معينة، ولتفادي ما قد يترتب على التطبيق الموحد للقاعدة القانونية من عيوب في بعض الأحيان. وأبرمت الحكومة الفرنسية عقوداً كثيرة مع البلديات لضمان تشغيل بعض المرافق المطلوبة كمدارس الحضانة، كما أبرمت البلديات كثيراً من عقود تقديم المعاونة لتشجيع الدولة علي إقامة بعض المرافق على إقليمها عن طريق المشاركة في عملية التمويل. من ذلك ما حدث عند بداية إقامة شبكات الاتصالات التليفونية في المحافظات.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |