برئاسة السيد الأستاذ المستشار / السيد السيد نوفل
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د.محمد أحمد عطية إبراهيم وإسماعيل صديق محمد راشد وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وأحمد محمد شمس الدين عبد الحليم خفاجة ومحمد منير السيد جويفل والسيد محمد السيد الطحان وإدوارد غالب سيفين ويحيى عبد الرحمن يوسف وسامي أحمد محمد الصباغ ومحمود إسماعيل رسلان.
نواب رئيس مجلس الدولة
…………………………………………………………………
(أ) حقوق وحريات– الحق في التعليم- لا يخفى ما في تواتر الدساتير المصرية على تأكيد حق التعليم وجعله إلزاميا في أولى مراحله من دلالة على مدى سموه- حق التعليم يسمو على الدستور بحسبانه من الحقوق الأساسية أو الطبيعية السابقة في نشأتها على الأنظمة الدستورية، بحيث لا يستطيع الدستور أو القانون أن يحجب هذا الحق عن أي مواطن راغب في ممارسته، أو يضيق من نطاق تطبيقه بحجة تنظيمه.
(ب) تعليم- المركز التنظيمي للطالب- لئن كان لجهة الإدارة الحق في أن تصدر ما تراه من قرارات لتنظيم العملية التعليمية باعتبار أن وضع الطالب وضع تنظيمي يجوز لجهة الإدارة أن تغيره في أي وقت ابتغاء المصلحة العامة، إلا أنه لا يجوز لها أن تقوم بإدخال أي تعديلات على نظام التعليم أثناء العام الدراسي؛ لما في ذلك من الإخلال بالمركز القانوني الذي توفر للطالب في أن يتم السنة الدراسية طبقا للنظام الذي بدأ به في هذه السنة؛ حتى لا يكون الطالب عرضة للتغيير المفاجئ في نظام السنة الدراسية التي بدأها- إذا رغبت جهة الإدارة في أن تغير ذلك النظام فعليها أن تجريه على وفق القانون، وقبل بداية العام الدراسي.
(ج) تعليم- التعليم الأساسي- سن الالتحاق به- الالتحاق بالصف الأول الابتدائي حق لكل الأطفال الذين يبلغون السادسة من أعمارهم في أول أكتوبر من كل عام دراسي- يستوي في ذلك التعليم في المدارس الخاصة والتعليم في المدارس الرسمية- لا يجوز لجهة الإدارة أن تضع من العقبات أو العراقيل ما يحول بين التلميذ الذي بلغ سن الإلزام وحقه في الالتحاق بالمرحلة الابتدائية- لا يجوز التعلل في ذلك بنظام وترخيص المدرسة أو الكثافة المقررة للفصل- مسألة الكثافة لا تكون محل بحث إلا في حالة قبول الأطفال الذين هم دون سن الإلزام.
(د) تعليم- التعليم الأساسي- الالتحاق به- الالتزام بإلحاق التلميذ في الصف الأول الابتدائي متى بلغ السادسة من عمره هو التزام قانوني، يتعين إجراء مقتضاه ولو لم يكن التلميذ الذي بلغ هذه السن قد التحق أصلا برياض الأطفال أو اجتازها- مرحلة رياض الأطفال تعد مرحلة تمهيدية غير لازمة، ولا تعد مرحلة منهجية- القول بغير ذلك يؤدى إلى تعطيل صريح نص المادة (15) من قانون التعليم.
في يوم السبت الموافق 10/6/2000 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنَين بصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) تقرير طعن قيد بجدولها برقم 7418 لسنة 46 القضائية عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بجلسة 18 من إبريل سنة 2000 في الدعوى رقم 3368 لسنة 54ق، المقامة من/… بصفته وليا على نجله القاصر/… ضد وزير التربية والتعليم ومحافظ الإسكندرية بصفتيهما، الذي قضى في منطوقه بالآتي: “حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار على النحو الموضح تفصيلا بالأسباب، وألزمت جهة الإدارة المصروفات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها”.
وطلبت هيئة قضايا الدولة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتقدمت هيئة مفوضي الدولة بتقرير مسبب بالرأي القانونى في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا فيما يتعلق بوقف التنفيذ، وإلزام الطاعنين المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) جلسة 4/5/2004، وتدوول نظره أمامها على النحو المبين بمحاضر جلساتها.
وبجلسة 19/10/2004 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) لنظره بجلسة 8/12/2004، وتدوول نظره بجلساتها، وبجلسة 22/3/2006 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقا للمادة 54 مكررا من القانون رقم 136 لسنة 1984 بتعديل القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة.
بعدها تقدمت هيئة مفوضي الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) بتقرير مسبب بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم:
(أولا) بأن التعليم الأساسي الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي حق مقرر لكل المصريين الذين يبلغون السادسة من أعمارهم في أول أكتوبر من كل عام، وأن هذا الحق مستمد من أحكام الدستور والقانون، ومن ثم فإنه يجب الالتزام بذلك وإزالة جميع العقبات التي تحول دون التمتع بهذا الحق.
(ثانيا) بتأييد الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرارات السلبية بالامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي.
وتدوول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 10/3/2007 قررت إصدار الحكم بجلسة 12/5/2007 ، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسات تالية موضحة بمحاضرها، إلى أن تقرر إصداره بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل -حسبما يبين من الأوراق- في أن المدعي/… بصفته وليا طبيعيا على نجله القاصر/… (المطعون ضده في الطعن الماثل) كان قد أقام الدعوى رقم 3368 لسنة 54ق بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، طالبا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة المدعى عليها (وزير التربية والتعليم ومحافظ الإسكندرية بصفتيهما) عن نقل ابنه… من الصف الثاني حضانة إلى الصف الأول الابتدائي بمدرسة… التجريبية في العام الدراسي 1999/2000 وما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان.
وأورد المدعى شرحا لدعواه أن ابنه المذكور مقيد بالصف الثاني حضانة بالمدرسة المذكورة في العام الدراسي 1999/2000، وأنه من مواليد 16/1/1993، ويبلغ ست سنوات كاملة في 1/10/1999، وعملا بأحكام قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 وتعديلاته وقرار وزير التعليم رقم 398 لسنة 1998 فإنه كان يتعين نقله إلى الصف الأول الابتدائى في العام الدراسي 1999/2000، إلا أن جهة الإدارة قد امتنعت عن ذلك دون مبرر، فأقام دعواه هذه للحكم له بطلباته المبينة سالفا.
وتدوولت الدعوى بالجلسات وتقدم طرفاها بالمذكرات والمستندات، إذ تقدم الحاضر عن جهة الإدارة بصورتي قرار وزير التعليم رقم 398 لسنة 1998 ورقم 65 لسنة 2000 بشأن قواعد القبول والنقل بالحضانة، كما تقدم بمذكرة طلب في ختامها الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم قيامه على ركن الجدية، كما قدم المدعي شهادة ميلاد نجله وما يفيد قيده بالمدرسة المذكورة سالفا.
وبجلسة 18/4/2000 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حكمها المطعون فيه القاضي منطوقه بالآتي: “حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار على النحو الموضح تفصيلا بالأسباب، وألزمت جهة الإدارة المصروفات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان وبإحالة الدعوى إلى هيئة المفوضين لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها”.
وأقامت المحكمة قضاءها على أسباب حاصلها أن التعليم الأساسي الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي حق مقرر لكل الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من عمرهم في أول أكتوبر من كل عام، وعلى كل محافظ في دائرة اختصاصه أن يصدر القرارات اللازمة لذلك باعتبار أن التعليم الأساسي حق للجميع وواجب عليهم، وأنه لما كان ابن المدعي المذكور قد تجاوز السادسة من عمره في 1/10/1999 فإنه يكون من حقه الالتحاق بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة المذكورة اعتبارا من العام الدراسى 1999/2000، دون محاجة في ذلك بأن الكثافة لا تسمح، أو أن نظام المدرسة أو ترخيصها لا يسمحان بذلك؛ إذ إن شرط الكثافة لا يكون إلا فى حالة بحث مدى قبول التلميذ دون السادسة من عمره بالصف الأول الابتدائي، أما مسألة ترخيص المدرسة أو نظامها فهذا لا يصلح أساسا لحرمان التلميذ من الالتحاق بالتعليم الإلزامي إذا بلغ السن المقررة، وإذ امتنعت جهة الإدارة عن نقل ابن المدعي المذكور إلى الصف الأول الابتدائى في العام الدراسى 1999/2000 فإن مسلكها هذا يكون منطويا على قرار سلبي مخالف للقانون يتحقق فيه ركن الجدية، كما يتحقق فيه ركن الاستعجال باعتبار أن تنفيذ القرار المطعون فيه يؤدي إلى ضياع سنة دراسية من عمر ابن المدعي، وفى ذلك إصابة للمدعي وابنه بأضرار يتعذر تداركها.
…………………………………..
ولم يصادف هذا القضاء قبولا لدى جهة الإدارة المدعى عليها فأقامت هيئة قضايا الدولة النائبة عنها الطعن الماثل بصحيفة أودعتها قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) في 10/6/2000، حيث قيد الطعن برقم 7418 لسنة 46 القضائية عليا، وقد طلبت جهة الإدارة فى ختام تقرير طعنها الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وذكرت جهة الإدارة فى أسباب طعنها أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وأنه خلط بين مرحلة ما قبل التعليم الأساسي ورياض الأطفال ومرحلة التعليم الأساسي، إذ إنه في مرحلة رياض الأطفال أجاز المشرع بمقتضى القرار رقم 398 لسنة 1998 نقل وتحويل الطلاب في هذه المرحلة أثناء العام الدراسي متى بلغ التلميذ سنا معينة في موعد أقصاه أول فبراير من تمهيدي ورياض أطفال إلى الصف الأول من سن أربع سنوات، ومن الصف الأول رياض أطفال إلى الصف الثاني رياض أطفال متى بلغ سن خمس سنوات في أول أكتوبر من كل عام، كما حظر القرار المذكور قبول أي طالب برياض الأطفال في سن الإلزام، وهذا الشرط يسري عند القبول ابتداءً بمرحلة رياض الأطفال دون تأثير لذلك في المرحلة التالية وهي مرحلة التعليم الأساسي، كما أن الحكم المطعون فيه تغاضى عن الكثافة المقررة، وفي ذلك تأثير سلبي في العملية التعليمية، كما استند هذا الحكم إلى موافقة المحافظ وأهدر حق وزير التربية والتعليم المقرر في هذا الشأن بمقتضى حكم القانون.
وخلصت جهة الإدارة الطاعنة إلى طلب الحكم لها بطلباتها المبينة سالفا.
…………………………………..
وجرى تحضير الطعن أمام هيئة مفوضى الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) التي أودعت تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا فيما يتعلق بوقف التنفيذ، وإلزام الطاعنين المصروفات.
وبعدها نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، حيث قررت إحالته إلى هذه المحكمة (الدائرة السادسة) التي أحالته بجلستها المنعقدة في 22/3/2006 إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقا للمادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة، وذلك للنظر فيما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من إلغاء الأحكام المماثلة للحكم المطعون فيه، ومن رفض لطلبات وقف تنفيذ القرارات السلبية المطعون فيها المتضمنة الامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من كل عام، وذلك تأسيسا على عدم وجود نص يلزم المدرسة ذات العلاقة بنقل التلميذ من صف لآخر أو من مرحلة لأخرى لمجرد بلوغه سنا معينة.
ومن حيث إن أحكام قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 وتعديلاته اللاحقة -لاسيما نص المادة (15) منه- وكذا القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن تنص صراحة على أن التعليم الأساسي الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي حق مقرر لكل المصريين الذين يبلغون السادسة من أعمارهم في أول أكتوبر من كل عام، كما يلزم المحافظين – كلا في دائرة اختصاصه- بإصدار القرارات اللازمة لذلك، وبإزالة العقبات التي تحول دونه؛ بالنظر إلى أن حق التلميذ في التعليم الأساسى عند بلوغه السادسة من عمره هو حق مستمد من القانون مباشرة، كما يجد سنده في أحكام الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية، ومن ثم فلا يجوز التذرع بأي سبب يحول دون حرمان التلميذ من حقه هذا.
لذا قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقا للمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وذلك للعدول عن المبدأ السابق، ومن ثم تأييد الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرارات السلبية بالامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي.
…………………………………..
ومن حيث إن محل هذه المنازعة أمام دائرة توحيد المبادئ (المشكلة طبقا للمادة رقم 54 مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984) إنما يكمن في تحديد مدى أحقية أي تلميذ بالقيد في الصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من كل عام، والنظر في العدول عن المبدأ السابق للمحكمة الإدارية العليا الذي جرى على رفض طلب وقف تنفيذ القرارات السلبية المطعون فيها المتضمنة الامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي.
ومن حيث إن اتجاه المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) في الطعن رقم 11819 لسنة 46ق. عليا -وغيره من الطعون المماثلة- يخلص في أنه ليس ثمة نص يتضمن الإلزام بنقل تلميذ من صف إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى لمجرد بلوغه سنا معينة، بل على العكس من ذلك فإن القرار الوزاري رقم 398 لسنة 1998 أجاز النقل من التمهيدي ما قبل رياض الأطفال بالمدارس الخاصة إلى الصف الأول رياض أطفال بشروط محددة، وبالمثل فقد أجاز النقل للملتحقين بالصف الأول رياض الأطفال إلى الصف الثاني رياض الأطفال بذات الشروط، أما النص في الفقرة الأخيرة من المادة الأخيرة من القرار المذكور على عدم جواز قبول التلميذ الذي يبلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي بفصول رياض الأطفال فلا يستفاد منه الالتزام بنقله من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الابتدائية، وإنما الهدف من هذا النص هو حظر القيد ابتداء في المرحلة السابقة على التعليم الأساسي لمن يكون فى أول أكتوبر قد بلغ السادسة من عمره أو جاوزها، أما القول بأن مفاد النص هو الإلزام بنقل من يبلغ هذه السن إلى مرحلة التعليم الأساسي دون ضوابط أخرى فإنه قول يتجرد من المنطق السليم ويناقض الأهداف الحقيقية التي توخاها المشرع من قانون التعليم، ألا وهى الإعداد الجيد للإنسان المصري القادر على الاعتماد على النفس وعلى خوض غمار الحياة والمشاركة في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
وحيث إن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) قد ارتأت بعد ذلك رأيا مخالفا رغَّب إليها طلب العدول عن ذلك القضاء المبين سالفا؛ حيث أوردت في قرار الإحالة الصادر بجلستها المنعقدة في 22/3/2006 أن أحكام قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 وتعديلاته اللاحقة -لاسيما نص المادة (15) منه- وكذا القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن تنص صراحة على أن التعليم الأساسي الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي حق مقرر لكل المصريين الذين يبلغون السادسة من أعمارهم في أول أكتوبر من كل عام، كما يلزم المحافظين -كلا في دائرة اختصاصه- بإصدار القرارات اللازمة لذلك، وبإزالة العقبات التي تحول دونه؛ بالنظر إلى أن حق التلميذ في التعليم الأساسي عند بلوغه السادسة من عمره هو حق مستمد من القانون مباشرة، كما يجد سنده في أحكام الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية، ومن ثم فلا يجوز التذرع بأي سبب يؤدي إلى حرمان التلميذ من حقه هذا.
وحيث إن هذا الاتجاه إنما يثير احتمال عدول المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) عما استقر عليه قضاؤها من رفض لطلبات وقف تنفيذ القرارات السلبية المطعون فيها المتضمنة الامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من كل عام، ومن ثم القضاء بتأييد أحكام محكمة القضاء الإداري القاضية بوقف تنفيذ هذه القرارات، وتحديدا: تأييد الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه المتضمن الامتناع عن قيد نجل المطعون ضده بالصف الأول الابتدائي بمدرسة… التجريبية في العام الدراسي 1999/2000 لبلوغه سن السادسة من عمره في أول أكتوبر من هذا العام، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
– ومن حيث إن حق التعليم يعد حجر الزاوية في نهضة الأمة الشاملة وأخذها بأسباب التقدم في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ يتمثل في هذا الحق والإلزام به أسمى الأهداف في تحقيق الاستنارة والقضاء على الجهل والتخلف ومحو الأمية، وذلك لما في تحقيق الإلزام في التعليم ومحو الأمية من ارتباط وثيق.
وحيث قضت وثيقة إعلان حقوق الإنسان التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة عام 1948 بوجوب التعليم الابتدائي الإلزامي والمجاني بهدف تزويد الأطفال بما يحتاجون إليه في الحياة من عناصر الثقافة الأولية وتربية قواهم البدنية والفكرية والخلقية وتنمية عواطفهم الوطنية والقومية، فيما تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الصادرة منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم إلى أن التعليم الأساسي أو الابتدائي صار مجانيا وإلزاميا في الغالبية العظمى من بلاد العالم، ومنها مصر التي وقعت على وثيقة إعلان حقوق الإنسان، وأصبحت معنية بأحكامها، ملزَمة بإجراء مقتضاها في مجال التربية والتعليم وغيره من المجالات التي عنتها الوثيقة، وكذا بتوفيق أوضاعها الداخلية بحيث تسمح بذلك.
وحيث تواترت الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور عام 1923 ودستور عام 1956، وأخيرا دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 على تأكيد حق التعليم وعلى الإلزام به في المرحلة الابتدائية، مع إمكانية مد الإلزام بعد ذلك إلى مراحل أخرى، حيث نصت المادة (18) من هذا الدستور على أن: “التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم كله، وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج”.
وحيث لا يخفى ما في تواتر الدساتير المصرية على تأكيد حق التعليم وجعله إلزاميا في أولى مراحله من دلالة على مدى سموه، حتى قيل بحق إن حق التعليم يسمو على الدستور بحسبانه من الحقوق الأساسية أو الطبيعية السابقة في نشأتها على الأنظمة الدستورية، بحيث لا يستطيع الدستور أو القانون أن يحجب هذا الحق عن أي مواطن راغب في ممارسته، أو يضيق من نطاق تطبيقه بحجة تنظيمه.
وحيث إنه في ضوء ما تقدم صدر القانون رقم 139 لسنة 1981 في شأن التعليم، ونصت المادة (15) منه (المستبدلة بموجب القانون رقم 233 لسنة 1988) على أن: “التعليم الأساسي حق لجميع الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من عمرهم، تلتزم الدولة بتوفيره لهم ويلزم الآباء أو أولياء الأمور بتنفيذه، وذلك على مدى ثماني سنوات([2])، ويتولى المحافظون كل في دائرة اختصاصه إصدار القرارات اللازمة لتنظيم وتنفيذ الإلزام بالنسبة للآباء وأولياء الأمور على مستوى المحافظة، كما يصدرون القرارات اللازمة لتوزيع الأطفال الملزمين على مدارس التعليم الأساسي في المحافظة، ويجوز في حالة وجود أماكن النزول بالسن إلى خمس سنوات ونصف، وذلك مع عدم الإخلال بالكثافة المقررة للفصل”.
كما صدر قرار وزير التربية والتعليم رقم 398 لسنة 1998 ناصا في مادته الأولى على أن: “1-يكون حساب السن في القبول برياض الأطفال بالمدارس الرسمية والخاصة حتى أول أكتوبر.
2 ــ يكون الحد الأدنى لسن القبول برياض الأطفال بالمدارس الرسمية والخاصة نظام السنتين… أربع سنوات، وفي المدارس نظام السنة الواحدة خمس سنوات، ويتم القبول تنازليا من أعلى سن للمتقدمين.
3 ــ يجوز تحويل الأطفال الملتحقين بالتمهيدي (ما قبل رياض الأطفال) بالمدارس الخاصة الذين يبلغ سنهم أربع سنوات أثناء العام الدراسي وفي موعد أقصاه أول فبراير إلى الصف الأول رياض أطفال بهذه المدارس، كما يجوز تحويل الأطفال الملتحقين بالصف الأول رياض الأطفال الذين يبلغ سنهم خمس سنوات أثناء العام الدراسي وفي موعد أقصاه أول فبراير إلى الصف الثانى رياض أطفال بهذه المدارس.
وفى كلتا الحالتين السابقتين يشترط توافر أماكن لهم، مع الالتزام بالكثافة المقررة.
4 ــ لا يجوز قبول أطفال فى سن الإلزام بفصول رياض الأطفال”.
كذلك نص قرار وزير التربية والتعليم في مادته الثانية على أنه: “لا يجوز أن يتجاوز عدد أطفال الفصل في رياض الأطفال 36 طفلاً”، فيما قضى القرار في مادته الثالثة بأن يعمل به من تاريخ صدوره، وأن يلغى القرار الوزارى رقم 210 الصادر بتاريخ 12/5/1998.
وحيث إن مقتضى النصوص المتقدمة أن التعليم الأساسي الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي حق مقرر لجميع الأطفال الذين يبلغون السادسة من عمرهم في أول أكتوبر من كل عام دراسي، وأن هذا الحق المقرر لهم مستمد من القانون مباشرة، ولا يتوقف منحه على إرادة فرد أو جهة، وقد أوجب المشرع على كل محافظ في دائرة اختصاصه أن يصدر القرارات اللازمة لتنفيذ ذلك؛ باعتبار أن التعليم الإلزامي حق للجميع، ومن ثم لا يجوز إصدار أي قرارات أو اتخاذ أي إجراءات تحول دون الطفل وحقه في الالتحاق بالتعليم الأساسي إذا بلغ سن السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي، يستوي في ذلك التعليم في المدارس الخاصة والتعليم في المدارس الرسمية.
وحيث إنه ولئن كان لجهة الإدارة الحق في أن تصدر ما تراه من قرارات لتنظيم العملية التعليمية؛ باعتبار أن وضع الطالب في مرحلة التعليم وضع تنظيمي يجوز لجهة الإدارة أن تغيره فى أي وقت ابتغاء المصلحة العامة، إلا أنه لا يجوز لها أن تقوم بإدخال أي تعديلات على نظام التعليم أثناء العام الدراسي؛ لما في ذلك من الإخلال بالمركز القانوني الذي توفر للطالب في أن يتم السنة الدراسية طبقا للنظام الذي بدأ به في هذه السنة، حتى لا يكون الطالب عرضة للتغيير المفاجئ في نظام السنة الدراسية التي بدأها، لما في ذلك من أثر سلبي في الطفل وفي العملية التعليمية بصفة عامة، فإذا ما رغبت جهة الإدارة في أن تغير ذلك النظام فعليها أن تجريه على وفق القانون، وقبل بداية العام الدراسي.
وحيث إنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تضع من العقبات أو العراقيل ما يحول بين التلميذ الذي بلغ سن الإلزام وحقه في الالتحاق بالمرحة الابتدائية، كما لا يجوز التعلل بنظام وترخيص المدرسة أو الكثافة المقررة للفصل لحرمان التلميذ من حقه فى القبول بهذه المرحلة، مادام قد بلغ سن ست سنوات من عمره، فضلا عن أن مسألة الكثافة هذه لا تكون محل بحث إلا في حالة قبول الأطفال الذين هم دون هذه السن، وإلا عد ذلك مخالفة لصريح نص المادة (15) من قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 المستبدلة بموجب القانون رقم 233 لسنة 1988 حسبما سلف بيانه.
وحيث إنه استنادا لما تقدم، فإنه لا يجوز الارتكان إلى ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا بقضائها بإلغاء الأحكام الصادرة عن محاكم القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرارات السلبية بالامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي، لأسباب حاصلها أنه ليس هناك نص يتضمن الإلزام بنقل التلميذ من صف إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى لبلوغه سنا معينة، والاستناد في ذلك إلى أحكام قرار وزير التربية والتعليم رقم 398 لسنة 1988 على نحو ما سلف إيراده فى حينه؛ ذلك أن هذا القضاء الذي صدر عن المحكمة الإدارية العليا وما استند إليه من أسباب لا ينهض سندا لمخالفة القانون الذي يقضي صراحة بأن الالتزام بإلحاق التلميذ في الصف الأول الابتدائي متى بلغ السادسة من عمره هو التزام بموجب قانوني، يتعين إجراء مقتضاه حتى لو لم يكن التلميذ الذي بلغ هذه السن قد التحق أصلا برياض الأطفال أو اجتازها؛ لأن مرحلة رياض الأطفال تعد مرحلة تمهيدية غير لازمة، ولا تعد مرحلة منهجية، والقول بغير ذلك يؤدى إلى تعطيل صريح نص المادة (15) من قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 حسبما سلف بيانه.
وحيث إنه لما سبق جميعه فإنه يتعين العدول عن قضاء المحكمة الإدارية العليا بصدد النزاع المعروض وغيره من أنزعه مماثلة لما أشير إليه من أسباب، ومن ثم القضاء بتأييد أحكام محكمة القضاء الإداري الصادرة بوقف تنفيذ القرارات السلبية بالامتناع عن قيد أي تلميذ بالصف الأول الابتدائي إذا بلغ السادسة من عمره في أول أكتوبر من العام الدراسي.
حكمت المحكمة بأن التعليم الأساسي (الذي يبدأ بالصف الأول الابتدائي) حق مقرر لكل الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من أعمارهم في أول أكتوبر من كل عام دراسي، وأن هذا الحق مستمد من أحكام الدستور والقانون، مما يتعين معه الالتزام بمقتضاه، والالتفات عن أي قرارات أو عقبات تحول دونه -على نحو ما هو مبين بالأسباب-، وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه في ضوء ذلك.
([1]) صدر قرار وزير التربية والتعليم رقم (65) لسنة 2000 بشأن رياض الأطفال، المعدل بقراره رقم (15) لسنة 2003، ونص في مادته السادسة على إلغاء كل ما يخالفه من أحكام.
([2]) كان النص قبل تعديله بموجب القانون رقم (223) لسنة 1988 “تسع سنوات دراسية”، وبمثل هذا نصت المادة بعد تعديلها لاحقا بموجب القانون رقم (23) لسنة 1999.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |