مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 294 لسنة 39 القضائية (عليا)
مارس 27, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 4453 لسنة 44 القضائية (عليا)
مارس 27, 2020

الطعن رقم 6316 لسنة 43 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 6 من يونيه سنة 2002

الطعن رقم 6316 لسنة 43 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عادل محمود زكى فرغلي وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي ود. فاروق عبد البر السيد إبراهيم وعلي فكرى حسن صالح والسيد محمد السيد الطحان  وغبريال جاد عبد الملاك ود. حمدي محمد أمين الوكيل ويحيى عبد الرحمن أبو يوسف وممدوح حسن يوسف ومحمد عادل حسن إبراهيم حسيب.

نواب رئيس مجلس الدولة

……………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

(أ) موظف– بدلات- أثر عدم توفر الاعتماد المالي- لا يصح الخلط بين القرار الصادر بمنح البدل والتزام الإدارة بإصداره بموجب قاعدة تلزمها بذلك، وبين التنفيذ- لا يجوز للإدارة أن تمتنع عن إصدار القرار الذي تلزمها القواعد بإصداره بحجة عدم توفر الاعتماد المالي اللازم للتنفيذ- يتعين عليها أن تصدع لحكم القانون فتصدر القرار ثم تسعى إلى توفير الاعتماد اللازم لتنفيذه بإدراجه في موازنتها- القول بغير ذلك يعني أن لها أن تعطل ما تشاء من أحكام القانون بالامتناع عن إصدار القرارات اللازمة لتطبيقه بحجة عدم توفر الاعتمادات بعد أن تتقاعس عن إدراجها في ميزانيتها.

(ب) الموازنة العامة– الالتزام بعدم تجاوز الاعتماد المالـي لا يبرر الامتناع عن توفير الاعتماد اللازم لتنفيذ القانون، أو الامتناع عن إدراجه بالميزانية.

(ج) قانون– نفاذه- وَضْعُ النص فى ظل ظروف معينة، وبقاؤه بعد زوال تلك الظروف لا يؤدي إلى سقوطه أو تعطيله، مادام أن المشرع لم يلغِه أو يعدله بعد تغير الظروف، بل إن إبقاءَ المشرعِ النصَّ على حاله إنما يعني اتجاه قصده إلى إعماله في ظل ما استجد من ظروف.

) موظف– بدل السكن- توفيرُ السكن المجاني لفئة من العاملين وحجبُه عن باقى العاملين مع حرمانهم من بدل السكن ينطوي على إخلال جسيم بالمساواة فيما بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة.

(هـ) الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان– عاملون بها- بدل السكن- يستحق العاملون بالهيئة بدل السكن إذا لم توفر لهم الهيئة سكنا مجانيا، ويلتزم رئيس مجلس إدارتها بتقدير هذا البدل- نص لائحة شئون العاملين المطبقة على العاملين بالهيئة صريح الدلالة على أن السكن المجاني هو الذي يمنح في ضوء الظروف والإمكانيات، أما بدل السكن فإنه التزام يقع على عاتق الهيئة تقديره وصرفه لكل عامل لا يحصل على سكن مجاني، فليس في تقريره أية سلطة تقديرية للإدارة- القول بغير ذلك إنما يعني التفرقة بين ذوي المراكز المتماثلة دون مبرر، إذ سيؤدي إلى حصول البعض على سكن مجاني وحرمان الباقين منه ومن أي ميزة تقابله- تلتزم الهيئة بأن تقدر هذا البدل وأن تدرج في ميزانيتها الاعتماد المالي اللازم لصرفه للعاملين المستحقين له على وفق قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة.

  • المواد 8 و 40 و 64 و 117 من دستور 1971.
  • المواد 1 و 4 و 6 و 16 مكررا من قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بإنشاء الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان.
  • المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي، الصادرة بقرار وزير السد العالي رقم 45 لسنة 1966.

(و) الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان– عاملون بها- بدل السكن- العاملون بالهيئة لا يخضعون لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية؛ لأنهم عاملون بهيئة عامة- إذا قيل بخضوعهم له فإنه لن يخاطب سوى الفئة التي منحت سكنا مجانيا دون باقي العاملين، إذ يظل لهم حق ثابت في صرف بدل السكن.

الإجراءات

بتاريخ 13/8/1997 أودع الأستاذ/… المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته نائبا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 6316 لسنة 43ق.عليا، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بقنا بجلسة 24/7/1997 في الدعوى رقم 1334 لسنة 2ق، الذي قضى في منطوقه: (أولا): بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير المالية وإخراجه منها بلا مصروفات. (ثانيا): بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بامتناع المدعى عليه عن تقرير بدل سكن للمدعين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الهيئة المدعى عليها المصروفات.

وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن -للأسباب الواردة به-  الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في الموضوع، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضدهم، وإلزامهم المصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين.

وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا في الطعن انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الهيئة الطاعنة المصروفات.

وتداولت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) نظر الطعن، وبجلسة 22/5/2000 قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية موضوع)، وحددت لنظره أمامها جلسة 17/6/2000 وتداولت المحكمة نظر الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/10/2000 قررت الدائرة الثانية (موضوع) إحالته إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص، وحددت لنظره أمامها جلسة 7/1/2001، فنظرته على النحو الثابت بمحاضر الجلسات.

وبجلسة30/9/2001 قررت إحالته إلى الدائرة المنصوص عليها بالمادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984؛ للعدول عن مبدأ سابق أقرته الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 4/7/1998 في الطعن رقم 3155 لسنة 40ق بعدم صرف بدل سكن للعاملين بهيئة السد العالي وخزان أسوان الذين لم يحصلوا على سكن مجاني إذا لم يتوفر الاعتماد المالي اللازم لصرف بدل السكن.

 وقد نظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 7/2/2002 وتداولت نظره بالجلسات، وأثناء المرافعة أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه العدول عن المبدأ السابق تقريره في الطعن رقم 3155 لسنة 40ق عليا، وبجلسة 7/3/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/6/2002، وصرحت بتقديم مذكرات خلال شهر، وفي هذا الأجل لم تقدم أية مذكرات، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن جميع الأوراق المودعة ملف الطعن- في أن المطعون ضدهم أقاموا في 31/8/1994 الدعوى رقم 1334 لسنة 2ق أمام محكمة القضاء الإداري بقنا بطلب الحكم (بصفة أصلية) بأحقيتهم في صرف بدل السكن العادل بالنسبة التي تقدرها المحكمة من الأجر الأساسي أو بداية ربط الفئة الوظيفية، مع صرف المتجمد طبقا لقاعدة التقادم الخمسي، و(بصفة احتياطية) بندب خبير لتقدير النسبة أو المبلغ المستحق لهم كبدل سكن، وإلزام المدعى عليه الأول المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وأوضح المدعون في صحيفة الدعوى أنهم من العاملين بالهيئة العامة للسد العالى وخزان أسوان الخاضعين لأحكام لائحة العاملين بالهيئة، وأن الهيئة لم تتمكن من توفير سكن مجاني لهم، وفي الوقت نفسه لم تصرف لهم بدل سكن مع أن اللائحة تلزمها بذلك، وأضاف المدعون أن هذا المسلك مؤداه تمتع بعض العاملين بالهيئة بميزة السكن المجاني وحرمان الباقي من تلك الميزة ومن البدل المستحق عنها رغم تماثل المراكز القانونية، وهو ما يعني تميز بعض العاملين دون سند من القانون.

وبعد تحضير الدعوى بهيئة مفوضي الدولة أودعت تقريرا انتهى لأسبابه إلى قبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بامتناع الهيئة المدعى عليها الأولى عن صرف بدل السكن المقرر للعاملين بها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامها المصروفات.

……………………………….

وجرى تداول الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بقنا على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 24/7/1997 أصدرت حكمها المذكور سالفا، وحاصله: إلغاء القرار السلبي بامتناع المدعى عليه عن تقدير بدل سكن المدعين، واستندت المحكمة فى ذلك إلى نصوص المواد 1و4 و 6 و 16 مكررا من قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بشأن الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان، والمادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة (الصادرة بالقرار الوزاري رقم 45 لسنة 1966)، وأكدت في حيثيات حكمها أن إسكان العاملين وأسرهم بالمجان هو الذي يخضع لمقتضيات الظروف، ويتوقف على إمكانيات الهيئة، أما تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يتمتعون بسكن مجاني فهو أمر وجوبي لا تتمتع الهيئة بصدده بسلطة تقديرية، وأن رئيس مجلس الإدارة ملزم بموجب النص بتقدير بدل السكن لمن لا يتمتعون بسكن مجاني، وأن القول بغير ذلك من شأنه حرمان بعض العاملين من ميزة السكن المجاني ومن بدل السكن المستحق عنها رغم تماثل المراكز القانونية، بما يتعارض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور، ولذلك انتهت المحكمة إلى أنه مادامت الأوراق قد خلت مما يفيد عجز الهيئة المدعى عليها أو عدم قدرتها على تدبير الاعتماد المالي اللازم لصرف بدل سكن للمدعين، فإن امتناعها عن الصرف يكون غير قائم على سند صحيح من القانون.

وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من الطاعن فقد بادر إلى إقامة الطعن رقم 6316 لسنة 43ق. عليا، ناعيا على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الواردة بتقرير الطعن، وحاصلها أن نص المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة المقرر للسكن المجاني وبدل السكن وضع لمواجهة إنشاء السد العالي بهدف ترغيب العاملين في العمل بالسد، وأن تلك الظروف تغيرت على وجه لم يعد يستدعي توفير السكن العيني أو منح بدل عنه، وأن ميزانية الهيئة لم تدرج بها أي اعتمادات مالية لصرف بدل سكن، وأن الهيئة تملك سلطة تقديرية في توفير السكن العيني وفي صرف بدل السكن، وأنها لم تفرق في منح السكن العيني، وإنما منحت هذا السكن للعاملين وقت إنشاء السد عندما كان متوفرا، وأنه إذا كان الدستور يوجب المساواة فإنه يحظر تجاوز الاعتمادات الواردة في الموازنة، وأن قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية ألغى القرارات الصادرة بالمخالفة لأحكامه، وحظر الإعفاء من مقابل الانتفاع بالوحدات السكنية إلا في الحالات التي تقتضيها مصلحة العمل، بأن يستهدف الإعفاء ترغيب العاملين في العمل بجهات محددة، أو كان العمل بجهة نائية، أو كان بجهة لا يتوفر فيها سكن غير حكومي مناسب، أو كان راتب العامل لا يتجاوز خمسة عشر جنيها، وتلك أمور لا تتوفر في حق المطعون ضدهم.

……………………………….

وبعد تحضير الطعن أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا في موضوعه انتهى إلى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، لأسباب حاصلها وجوب إعمال صريح النص، وعدم جواز إسقاط الحكم لمجرد تغير الظروف التي صدر في ظلها، والاعتداد بعلة النص دون حكمته، وأن المشرع خول الإدارة سلطة تقديرية في توفير السكن العيني ولم يخولها السلطة نفسها في صرف بدل السكن عند عدم القدرة على توفير السكن العيني، وأن التماثل في المراكز القانونية يستوجب معاملة واحدة، وأن العاملين بالهيئة الطاعنة يستمدون حقهم في بدل السكن من لائحة العاملين بها، وليس من أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بشأن المساكن الحكومية.

……………………………….

ومن حيث إن الطعن نظر أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الثانية) على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 22/5/2000 قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية موضوع) التي أحالته بجلسة 28/10/2000 إلى الدائرة السابعة (موضوع) للاختصاص، فقررت بجلسة 30/9/2001 إحالته إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها بالمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 للأسباب المبينة بمحضر الجلسة، وحاصلها أن الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا قضت بجلسة 4/7/1998 في الطعن رقم 3155 لسنة 40ق بأن سلطة رئيس مجلس إدارة الهيئة في تقرير بدل السكن للعاملين في حالة عدم توفر السكن المجاني على وفق المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة رهينة بتوفر الاعتماد المالي، وأن قراره بصرف بدل السكن وتقديره يصبح غير جائز قانونا، ولا يقبل التنفيذ في حالة عدم توفر الاعتماد المالي؛ لانطوائه على تحميل للميزانية بأعباء مالية لم يدرج لها الاعتماد المالي اللازم للوفاء بها، الأمر الذي يعني تعذر تطبيق حكم المادة 17 المشار إليها، وأن هذا القضاء يتعارض مع صريح نص المادة 17 الذي يعني تعليق السكن المجاني على الظروف والإمكانيات، وإلزام رئيس الهيئة تقدير بدل السكن لمن لا يحصل على سكن عيني مجاني كتعويض عن الحرمان منه، بما يؤدي إلى المساواة بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة، ولأن تدبير الاعتماد المالي لا يعد ركنا أساسيا من أركان القرار الإداري، وإنما هو عقبة تتعلق بتنفيذ القرار بعد صدوره صحيحا، وبالتالي يتعين على الجهة الملزَمة قانونا بإصدار القرار أن تصدره صحيحا ومطابقا للقانون، ويتعين على الجهات المختصة بالتنفيذ أن تنشط بجميع الوسائل إلى تدبير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ القرار، وأن القول بغير ذلك إنما يشكل خلطا بين إصدار القرار الذي يستوجبه القانون وطريقة تنفيذه، ويسند مهمة تفسير الروابط القانونية إلى الجهة المنوط بها التنفيذ، إن شاءت نفذت القرار وإن شاءت ألغته ضمنا لتعفي نفسها من جميع الآثار المترتبة عليه.

ومن حيث إن المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه: “إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض، أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه…”، وكان مناط إعمال هذا النص تعارض الأحكام أو العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة، وكانت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) قد ذهبت في حكمها الصادر بجلسة 4/7/1998 في الطعن رقم 3155 لسنة 40ق إلى أن سلطة رئيس مجلس الإدارة في تقدير بدل السكن للعاملين طبقا لنص المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة رهينة بتوفر الاعتماد المالي اللازم للصرف، وكانت الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا قد رأت العدول عن هذا المبدأ للأسباب المذكورة سالفا، فإن إحالة الطعن إلى هذه الدائرة يكون سليما ومطابقا للقانون.

ومن حيث إن النزاع في الطعن الماثل يدور حول مدى أحقية العاملين بالهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان في بدل السكن إذا كانوا يعملون بأسوان، ولم يحصلوا على سكن مجاني، وذلك في حالة عدم وجود اعتماد مالي بموازنة الهيئة يكفي للصرف.

ومن حيث إن الدستور الصادر في 11/9/1971 ينص في المادة الثامنة على أن: “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين”، وينص في المادة الأربعين على أن: “المواطنون لدى القانون سواء، وهم  متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”، وينص في المادة الرابعة والستين على أن: “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”، وينص في المادة (117) على أن: “يحدد القانون أحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها”.

ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 بشأن الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان ينص في المادة الأولى على أن: “تنشأ هيئة عامة يطلق عليها اسم الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان، ويكون مقرها مدينة أسوان، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع وزير الري…”. وينص في المادة الرابعة على أن: “يتولى إدارة الهيئة مجلس إدارة يشكل على الوجه التالي: رئيس مجلس إدارة الهيئة.. رئيسا…”.

وينص في المادة السادسة على أن: “يكون لمجلس الإدارة السلطات اللازمة لإدارة شئون الهيئة وتحقيق أغراضها ويباشر على الأخص ما يأتي:… (1) وضع النظم واللوائح الداخلية والقواعد التي تجري عليها الهيئة في شئونها الفنية والإدارية والمالية، وذلك دون التقيد بالقواعد الحكومية المعمول بها”.

 وينص في المادة (16مكررا) المضافة بالقرار رقم 1241 لسنة 1972 على أنه: “إلى أن يتم وضع النظم واللوائح الخاصة بالهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان تسري عليها النظم واللوائح الداخلية والإدارية والمالية التي تطبقها الهيئة العامة لبناء السد العالي”.

ومن حيث إن المادة (17) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي الصادرة بالقرار الوزاري رقم 45 لسنة 1966 تنص على أن: “تتولى الهيئة إسكان العاملين الذين يعملون في أسوان وأسرهم بالمجان، ويشمل الإسكان استهلاك الكهرباء والمياه ومقابل استهلاك الأثاث، ويتم ذلك وفقا لمقتضيات الظروف وفي حدود إمكانيات الهيئة. ويقدر رئيس مجلس الإدارة بدل السكن المستحق لمن لا يتمتعون بسكن مجاني”([1]).

ومن حيث إن مفاد ما تقدم من نصوص أن الدستور أوجب المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، وحظر التفرقة بينهم لأي سبب كان، وأسند إلى القانون بيان أحكام موازنات الهيئات العامة، وأن قرار رئيس الجمهورية رقم 2436 لسنة 1971 أنشأ الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان، وأسند إلى مجلس إدارتها وضع نظمها ولوائحها الخاصة، وقضى باستمرار العمل بلوائح الهيئة العامة لبناء السد العالي إلى حين صدور لوائح جديدة للهيئة، وبذلك خضع العاملون بالهيئة لأحكام المادة 17 من لائحة العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي التي وضعت على عاتق الهيئة توفير سكن مجاني للعاملين في أسوان في ضوء الظروف والإمكانيات، وأوجبت على رئيس مجلس الإدارة تقدير بدل السكن المستحق لمن لا يحصل على سكن مجاني؛ ذلك أن نص المادة 17 من اللائحة المشار إليها صريح الدلالة على أن السكن المجاني هو الذي يمنح في ضوء الظروف والإمكانيات، أما بدل السكن فإنه التزام يقع على عاتق الهيئة تقديره وصرفه لكل عامل لا يحصل على سكن مجاني، فليس في تقديره أية سلطة تقديرية للإدارة، والقول بغير ذلك إنما يعني التفرقة بين ذوي المراكز المتماثلة دون مبرر إذ سيؤدي إلى حصول البعض على سكن مجاني وحرمان الباقين منه ومن أية ميزة تقابله، ومن ثم فإن سلطة الهيئة في تقدير بدل السكن للعاملين الذين لم يحصلوا على سكن مجاني تعد سلطة مقيدة لا تملك الهيئة إزاءها خيارا في المنح أو المنع، وبالتالى فإنها تلتزم بأن تقدر هذا البدل وأن تدرج فى ميزانيتها الاعتماد المالى اللازم لصرفه للعاملين المستحقين له على وفق قواعد العدالة، ومع مراعاة المساواة وتكافؤ الفرص بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة إعمالا لأحكام الدستور.

ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3155 لسنة 40ق.عليا بجلسة 4/7/1998 من أن تقدير رئيس مجلس الإدارة بدل السكن للعاملين الذين لا يتمتعون بسكن مجانى رهين بتوفر الاعتماد المالي اللازم للصرف في موازنة الهيئة، وإلا أصبح غير جائز ولا يمكن تنفيذه؛ لانطوائه على تحميل للميزانية بأعباء لم تدرج بها، وهو ما يعني تعذر تطبيق حكم المادة 17 المشار إليها بعدم توفر الاعتماد المالي؛ ذلك لأن هذا الاتجاه ينطوي على خلط بين القرار ذاته وتنفيذه، فالقرار الإداري الذي هو إفصاح الإدارة المختصة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني ممكن وجائز قانونا ابتغاء مصلحة عامة يصبح قابلا للتنفيذ بمجرد اكتمال أركانه من سبب واختصاص ومحل وغاية، يستوي في ذلك أن يكون قرارا فرديا أو عاما في صورة لائحة تشتمل على قواعد تنظيمية عامة، أما تنفيذه بالفعل فهو الذي يتوقف على الاعتماد المالي، وهو ما يعني ثبوت أصل الاستحقاق بمجرد صدور القرار صحيحا رغم عدم توفر الاعتماد، أما صرف المستحقات فعلا تنفيذا للقرار فهو عمل مادي، وهو الذي يتوقف على توفر الاعتماد، ومن ثم فلا يصح الخلط بين القرار والتزام الإدارة بإصداره بموجب قاعدة تلزمها بذلك وبين التنفيذ؛ إذ لا يجوز للإدارة أن تمتنع عن إصدار القرار الذي تلزمها القواعد بإصداره بحجة عدم توفر المال اللازم للتنفيذ، إذ يتعين عليها أن تصدع لحكم القانون فتصدر القرار ثم تسعى إلى توفير الاعتماد اللازم لتنفيذه بإدراجه فى موازنتها، وإلا كان لها أن تعطل ما تشاء من أحكام القانون بالامتناع عن إصدار القرارات اللازمة لتطبيقه بحجة عدم توفر الاعتمادات بعد أن تتقاعس عن إدراجها فى ميزانيتها.

ومن حيث إنه لا يغير مما تقدم ما استند إليه تقرير الطعن من أسباب؛ ذلك لأن وضع النص في ظل ظروف معينة وبقاءه بعد زوال تلك الظروف لا يؤدي إلى سقوطه أو تعطيله، مادام أن المشرع لم يلغِه أو يعدله بعد تغير الظروف، بل إن إبقاء المشرع النص على حاله إنما يعني اتجاه قصده إلى إعماله في ظل ما استجد من ظروف، ولأنه إذا كان النص قد خول رئيس الهيئة سلطة تقديرية في توفير السكن المجاني فإنه لم يخوله ذات السلطة فيما يتعلق بالبدل الذي يستمد العامل حقه فيه من النص مباشرة، وبالتالي لا يحق لرئيس مجلس الإدارة أن يمتنع عن تقديره بأية حجة كانت مادام لم يوفر سكنا مجانيا للعامل، ولأن توفير السكن المجاني لفئة من العاملين وحجبه عن باقى العاملين مع حرمانهم من بدل السكن ينطوي على إخلال جسيم بالمساواة فيما بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة، ولأن الالتزام بعدم تجاوز الاعتماد المالـي لا يبرر الامتناع عن توفير الاعتماد اللازم لتنفيذ القانون أو الامتناع عن إدراجه بالميزانية، ولأن العاملين بالهيئة لا يخضعون لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية باعتبارهم عاملين بهيئة عامة، وإذا قيل بخضوعهم له فإنه لن يخاطب سوى الفئة التي منحت سكنا مجانيا دون باقي العاملين إذ يظل لهم حق ثابت مستمد من النص مباشرة في صرف بدل السكن.

ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم فإنه يكون من المتعين العدول عن المبدأ الذي قُضي به في الطعن رقم 3155 لسنة 40 ق.عليا، والقضاء باستحقاق العاملين بالهيئة الطاعنة بدل سكن إذا لم توفر لهم الهيئة سكنا مجانيا، والتزام رئيس مجلس إدارة الهيئة بتقدير هذا البدل.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باستحقاق العاملين بالهيئة الطاعنة بدل السكن إذا لم توفر لهم الهيئة سكنا مجانيا، والتزام رئيس مجلس إدارتها بتقدير هذا البدل.

([1]) في إطار اضطلاع المكتب الفني للمحكمة الإدارية العليا بدوره في مراجعة النصوص التشريعية المنشورة بهذه المجموعة، تمت مراجعة نص هذه المادة على وفق قرار وزير السد العالي رقم 45 لسنة 1966 بإصدار لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة لبناء السد العالي، المنشور بالوقائع المصرية بالعدد رقم 122 في= =12/7/1967، وقد تبين أن نص المادة (17) من هذا القرار كما هي منشورة يقضي بأن: ” تتولى الهيئة إسكان العاملين الذين يعملون في أسوان وأسرهم بالمجان، ويشمل الإسكان استهلاك الكهرباء والمياه ومقابل استهلاك الأثاث، ويتم ذلك وفقا لمقتضيات الظروف وفي حدود إمكانيات الهيئة. ويجوز منح العاملين خارج أسوان مساكن مجانية بالشروط والأوضاع التي يقررها رئيس مجلس الإدارة. ويجوز أن يقرر رئيس المجلس بدل السكن المستحق لمن لا يتمتعون بسكن مجاني”. ولم يقف المكتب الفني على أي تعديلات منشورة لهذا النص.

Comments are closed.

xnxxbf