برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد عبد الغني محمد حسن
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضـويــة الســـادة الأسـاتــذة المستشـارين/ محمد منير السيد جويفل والسيد محمد السيد الطحان ورمزي عبد الله محمد أبو الخير وأحمد أمين حسان والصغير محمد محمود بدران وفريد نزيه حكيم تناغو وعصام الدين عبد العزيز جاد الحق وسامي أحمد محمد الصباغ ومجدي حسين محمد العجاتي وأحمد عبد العزيز أبو العزم.
نواب رئيس مجلس الدولة
………………………………………………………………..
(أ) اختصاص– أثر حل مجلس الشعب في استمرار المحكمة في نظر بيان حكم القانون في تحديد الجهة المختصة بنظر الطعن في القرارات الصادرة بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب- لا يحول حل مجلس الشعب بموجب الإعلان الدستوري المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 13 فبراير 2011 دون هذه الدائرة وبيان حكم القانون في تحديد الجهة المختصة بنظر الطعن في القرارات الصادرة بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب، التي تتضمن إعادة الانتخابات بين بعض المترشحين، كما لا يحول دون ذلك ما أُجري من تعديل دستوري على المادة (93) وتضمنته المادة (40) من الإعلان الدستوري، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 30/3/2011، وتوسيد أمر الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب إلى محكمة النقض- هذه المسألة مسألةٌ قانونية تستدعي حسمَ ما أثير بشأنها، ووضعَ مبدأ ينهي الجدل حولها؛ بحسبانها متعلقة بالنظام العام، وترسيمِ الحدود بين اختصاص محاكم مجلس الدولة، واختصاص من وُسِّد إليه الاختصاص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب.
(ب) اختصاص– ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة– الطعن في القرارات الصادرة بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب التي تتضمن إعادة الانتخابات بين بعض المترشحين- مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الأصيل بالفصل في جميع المنازعات الإدارية- القرارات الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات واللجان العامة، ومنها قرارات إعلان نتيجة الانتخابات، قرارات إدارية، والأصل دخول المنازعات القضائية حول مدى مشروعيتها ضمن المنازعات التي تختص محاكم مجلس الدولة بالفصل فيها- استبعادُ المشرع الدستوري الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب عن نطاق هذا الاختصاص، وعقدُه لمجلس الشعب، ومن بعدُ لمحكمة النقض، مناطه أن يكون الطعن منصبا على صحة العضوية بمجلس الشعب- لازم ذلك أن يكون الطعن منصبا على آخر إجراء اكتُسبت العضوية بناءً عليه، وهو ما يتمثل في قرار إعلان نتيجة الانتخابات بفوز من فاز من المترشحين– هذا القرار والإجراءات التي أدت إلى ولادته، هو الذي حُجز الاختصاص بالفصل في مدى صحته لمجلس الشعب، ثم لمحكمة النقض، دون غيره من القرارات السابق صدورها عليه، ومنها القرارات الصادرة بإعادة إجراء الانتخابات بين بعض المترشحين، حيث يكون لذوي الشأن الحقُّ في الطعن فيها أمام قاضى المشروعية؛ إذ لا عضوية حالتئذ اكتُسبت يمكن أن تكون محلا لطعن بإبطالها- لو كان المراد غير ذلك لأتى النص على غير ما أتى به.
بتاريخ 2/12/2010 أودع السيد/… المحامي، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريرَ طعن قُيد بجدولها العام بالرقم عاليه، طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم) في الدعوى رقم 1484 لسنة 11 ق بجلسة 2/12/2010، الذي قضى بعدمِ اختصاصِ المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن –للأسباب المبينة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة: بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بالطلبات المقدمة أمام محكمة أول درجة، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بالطلبات، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات وأتعابَ المحاماة عن درجتَي التقاضي.
وعُينت لنظر الطعن أمام المحكمة جلسة 4/12/2010، وفيها حضر طرفا الخصومة بوكيليهما، وقدم الحاضر عن الطاعن حافظة مستندات، وأبدى ممثلُ هيئةِ مفوضي الدولة الرأي القانوني بشأن الطعن على النحو الثابت بمحضر الجلسة، حيث ارتأى الحكم برفض الطعن. وبالجلسة نفسها قررت المحكمة إصدار الحكم آخر الجلسة، ثم قررت إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظره بجلستها في ذات التاريخ، وفيها نظر الطعن، حيث حضر وكيلا طرفي الخصومة، وآخر الجلسة قررت المحكمة إحالةَ الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها بالمادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984؛ لما ارتأته الدائرة الأولى من العدول عن المبدأ الذي ذهبت إليه المحكمة من قبلُ بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في القرار الذي يصدر بشأن انتخابات مجلس الشعب، متضمنا إعادة الانتخاب بين بعض المرشحين، وذلك للأسباب التي أبدتها الدائرة في قرارها الصادر بالجلسة المشار إليها.
وحُددت لنظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ جلسة 1/1/2011 مع إحالته لهيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير عاجل يودع قبل الجلسة بأسبوع. وقد أودعت الهيئة التقرير بالرأي القانوني، حيث ارتأت الحكم بانحسار ولاية مجلس الدولة منعقدا بهيئة قضاء إداري عن نظر الدعاوى التي تقام طعنا في القرار الصادر بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب، متضمنا إعادة الانتخاب بين بعض المرشحين، وانعقاد الاختصاص بنظر هذا النوع من القرارات لمجلس الشعب على وفق حكم المادة (93) من الدستور، وإعادة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه.
وتدوول نظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 5/3/2011 قدم الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع، وبهذه الجلسة قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 2/4/2011، ثم مُد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 1/12/2010 أقام الطاعن الدعوى رقم 1484 لسنة 11 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم)، طالبا الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء إعلان نتيجة انتخاب مجلس الشعب عن الدائرة… ومقرها مركز شرطة… ، وبوقف تحديد موعد الإعادة في 5/12/2010، على أن يتم تحديد موعد آخر، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وذلك على سند من القول: إنه تقدم للترشح لعضوية مجلس الشعب بانتخابات عام 2010 بالدائرة… مركز شرطة…، إلا أنه فوجئ بإعلان نتيجة الانتخابات التي أجريت يوم 28/11/2010 بإعادة الانتخاب بين بعض المترشحين عن مقعد الفلاحين بهذه الدائرة، ولم يكن هو من بينهم. ونعَى على هذا القرار مخالفتَه للقانون؛ حيث أجريت العملية الانتخابية خلافا للمادة (25) من قانون مباشرة الحقوق السياسية، كما أنه تم اكتشاف حوالي ألف بطاقة انتخابية أو أكثر لمصلحته ملقاةً على الأرض صبيحةَ اليوم التالي. وخلص المدعي إلى طلباته المذكورة آنفا.
وبجلسة 2/12/2010 صدر الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات. وشيدت المحكمة حكمها على أساس أنه في ضوء المادتين (93) و (172) من الدستور يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعن في القرارات الإدارية التي تسبق عملية الانتخاب بالمعنى الفنيِّ الدقيق، أما غير هذه القرارات والطعون التي تنصب أساسا على بطلان عملية الانتخاب ذاتها وما قد يشوبها من عوار، والتي تتطلب تحقيقا تجريه محكمة النقض، فهي تنأى عن الرقابة القضائية لمجلس الدولة، وتدخل في اختصاص مجلس الشعب؛ باعتباره المختصَّ بالفصل في صحة عضوية أعضائه، دون أن يغير من ذلك ما قد يثار من تفرقة بين حال ما إذا أسفرت العملية الانتخابية فعلا عن فوز أحد المترشحين واكتساب العضوية، وما إذا لم تسفر العملية الانتخابية عن ذلك، بما يقتضي الإعادة بين المترشحين لعدم حصول أي منهم على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة إعمالا لحكم المادة (15) من قانون مجلس الشعب؛ لأن مناط تحديد الاختصاص المقرر لمجلس الشعب وحدَه أن يكون مردُّ الطعن إلى ما شاب العملية الانتخابية من بطلان، متى أسفرت هذه العملية حالا أو مآلا عن اكتساب العضوية بالمجلس. وإنه بناء على ما تقدم، ولما كانت الدعوى الماثلة تنطوي على نعي موجهٍ لعملية الانتخاب التي أجريت يوم 28/11/2010 بالدائرة… مركز… محافظة بني سويف، فإن الدعوى تنصب على صحة العملية الانتخابية بالمعنى الفني الدقيق، وما نتج عنها من إعادة بين بعض المترشحين دون المدعي، ومن ثم يكون مجلس الشعب هو المختص بالفصل في هذه الدعوى، مما ينحسر معه اختصاص المحكمة ولائيا عن نظرها، وهو ما تقضي به المحكمة.
وإذ لم يرتضِ الطاعن هذا الحكم أقام طعنه الماثل، ناعيا عليه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه؛ ذلك أن قرار إعادة الانتخابات المطعون فيه لم يترتب عليه تحديد الفائز بمقعد مجلس الشعب عن الدائرة… مركز شرطة… بمحافظة بني سويف، ولذا فمن غير المعقول قانونا أن يُطلب من مجلس الشعب الفصل في الطعن على هذا القرار رغم أنه غير منوط به ذلك من الناحية الفعلية.
…………………………………
ومن حيث إن المسألة القانونية المثارة في الطعن الماثل تتحدد فيما إذا كان مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو المختص على وفق المادة (172) من الدستور بنظر الدعاوى التي تقام طعنا على القرار الذي يصدر بشأن انتخابات مجلس الشعب، متضمنا إعادة الانتخاب بين بعض المترشحين، أم أن الفصل في مثل هذه الدعاوى يخرج عن اختصاص مجلس الدولة؛ لاندراج الطعن في القرار المشار إليه ضمن الطعون المعنية في المادة (93) من الدستور سابقا، و(40) من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30/3/2011 حاليا.
وإنه تجدر الإشارة بداءة إلى أنه لا يحول دون الدائرة وبيان حكم القانون في المسألة المحددة آنفا حلُّ مجلس الشعب بموجب الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة شئون البلاد، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 13 من فبراير 2011، كما لا يحول دون ذلك ما أُجري من تعديل دستوري للمادة (93) المشار إليها، وتضمنته المادة (40) من الإعلان الدستوري المشار إليه، وتوسيد أمر الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب لمحكمة النقض؛ لأن المسألةَ المثارة في الطعن الماثل مسألةٌ قانونية، تستدعي حسمَ ما أثير بشأنها، ووضعَ مبدأ ينهي الجدل حولها؛ بحسبانها متعلقةً بالنظام العام، وترسيمِ الحدود بين اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، واختصاصِ من وُسِّد إليه الاختصاص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب بناءً على التعديل الدستوري الذي أدخل على المادة (93) وتضمنته المادة (40) من الإعلان الدستوري المشار إليه.
ومن حيث إنه سبق أن ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن الحدودَ الفاصلةَ بين اختصاص مجلس الشعب عملا بحكم المادة (93) من الدستور، واختصاصِ مجلس الدولة على وفق الولاية العامة المقررة له للرقابة على جميع المنازعات الإدارية لا تكمن في تعريف القرار الإداري النهائي الذي تنبسط عليه الرقابة القضائية، وإنما تجد أساسها في نص المادة (93) المشار إليها، التي اختصت مجلس الشعب وحدَه بالفصل في صحة عضوية أعضائه، فالعبرة دائما بالطعن الانتخابي الذي يوجه إلى العملية الانتخابية بمعناها الفني، بدءا من مرحلة التصويت، ثم الفرز، وانتهاءً بإعلان النتيجة، بغض النظر عما يصدر عن اللجان المشرفة على مراحل العملية الانتخابية ذاتها من قرارات أثناء مباشرتها الاختصاصات المنوطة بها؛ ذلك أنه أيا كان وجه الرأي في طبيعة القرارات الصادرة عن اللجان المذكورة أو فيما تباشره من إجراءات أثناء العملية الانتخابية، فإن الأمرَ كلَّه يدخل في صميم العملية الانتخابية بمعناها الدقيق المشار إليه، وتندرج المطاعن الموجهة إلى ما تتخذه اللجان المذكورة من قرارات ضمن الطعن الانتخابي الذي يختص مجلس الشعب وحده بالفصل فيه.
وإن ثمة مغايرة لا ريب فيها بين ما يصدر عن لجان فحص طلبات الترشح ولجان الفصل في الاعتراضات من قرارات، وما تتخذه اللجان الفرعية واللجان العامة القائمة على أمر العملية الانتخابية من إجراءات أو قرارات؛ ذلك أن عمل لجان فحص طلبات الترشح ولجان الفصل في الاعتراضات وما ينجم عنه من قرارات هو أمر سابق ولا شك على العملية الانتخابية، وهي قرارات إدارية نهائية صدرت معبرة عن إرادة اللجنة المختصة التي أصدرتها بمقتضى السلطة المخولة لها قانونا، وقد يكون من شأن تلك القرارات أن تحجب أحد طالبي الترشح لعضوية مجلس الشعب عن أن يمارس حقا دستوريا، هو حق الترشح، أو أن تضفي عليه صفةً غير تلك الصفة التي يجب أن يترشح للعضوية على أساسها، وذلك كله يستنهض ولا شك –عند النعي على تلك القرارات بالبطلان– رقابةَ مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، بحكم ما خُول له بصريح ما جاء بالمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة.
وإن الاختصاص المعقود لمجلس الدولة بنظر المنازعات في القرارات المشار إليها يظل قائما ومعقودا له بغض النظر عن حصول واقعة الانتخاب وإعـــلان نتيجتها؛ لأن المنـــازعة في تلك القــرارات لا صلة لها بالعملية الانتخابية ذاتها، وإنما تظل متعلقة بقرار إداري نهائي مما يختص بنظر الطعن فيه مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
وإذا كان ما تقدم فإن الأمر مغاير تماما بالنسبة للجان الفرعية واللجان العامة التي يقتصر دورها على الإعلان، لا عن إرادتها بما لها من سلطة تقديرية، ولكن عن إرادة الناخبين، ومن ثم إذا شاب إعلان تلك الإرادة أي مطاعن أو أخطاء، تكون تلك اللجان قد خرجت عن صحيح الإرادة الحقيقية للناخبين، ومن ثم على صحيح عضوية من تم انتخابه، الأمر الذي يندرج ضمن الطعن الانتخابي الذي يخرج عن رقابة مجلس الدولة، ويدخل في اختصاص مجلس الشعب، الذي له وحده حق الفصل فيه.
وإنه لا وجه لما أثير من أن قرار إجراء انتخابات الإعادة بين مترشحَين بالدائرة أو بين أربعة مترشحين يظل قرارا إداريا يدخل الفصل في الطعن عليه ضمن اختصاص مجلس الدولة، قولا بأن هذا القرار لم يُضفِ صفة العضوية على أي من المترشحين الذين تقرر إجراء الإعادة فيما بينهم، إذ لم تسفر العملية الانتخابية عن فوز مترشح بعينه، وينحسر بالتالي اختصاص مجلس الشعب– لا وجه لذلك؛ لأن الإعلان عن إجراء إعادة الانتخاب بين المترشحين في بعض الدوائر لا يعدو أن يكون مرحلة من مراحل العملية الانتخابية بمعناها الدقيق، والحاصل في قرار الإعادة أنه إعلان للنتيجة التي انتهت إليها لجان الفرز، ومؤداها عدم حصول مترشح بعينه على الأغلبية المطلقة لعدد أصوات الناخبين، مما يتعين معه إعادة الانتخاب؛ لأن مناط الأمر دائما بما يوجه إلى الإعلان عن الإرادة الشعبية من مطاعنَ وأخطاءٍ، مما يظل الفصل فيه معقودا لمجلس الشعب، ويتحقق بذلك ما يقتضيه حسن سير العدالة وسلامة أداء رسالتها من عدم تقطيع أوصال المنازعة الواحدة في صحة العضوية وفي صحة العملية الانتخابية برمتها.
ولا ينال مما تقدم أو يقدح فيه ما يثار من أن انحسار اختصاص مجلس الدولة عن الفصل في الطعن الموجه ضد القرار الصادر بإعادة الانتخاب في بعض الدوائر، في الوقت الذى يخرج نظر الطعن في ذات القرار عن اختصاص مجلس الشعب (ومناطه عملا بحكم المادة 93 من الدستور أن يكون ثمة طعنٌ انتخابيٌ في صحة عضوية من أعلن فوزه بالعضوية) مؤداه وجود خصومة بلا قاضٍ، ومصادرة حق التقاضي؛ لأن هذا النعي غير سديد، إذ الخصومة في هذه الحالة لم تكتمل مقوماتها؛ لأن أمر العضوية الذي هو جوهر الخصومة لم يحسم بعد، وبالتالي فإن وقت ممارسة الحق في الطعن الانتخابي على النحو الذي حدده الدستور ونظمه قانون مجلس الشعب لم يحن بعد، ويظل حق ذوى المصلحة في ممارسة حقهم في الطعن قائما حتى يتم الإعلان عن فوز مترشح بعينه بالعضوية، ثم ينفتح لهم باب الطعن أمام مجلس الشعب.
(المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 646 لسنة 42 ق.ع بجلسة 17/11/1996، و2621 لسنة 47 ق.ع بجلسة 4/12/2004 ، و3336 لسنة 47 ق.ع بجلسة 26/2/2005، و3344 لسنة 47 ق.ع بجلسة 4/6/2005، و3343 لسنة 47 ق.ع بجلسة 19/11/2005 ، و 7504 لسنة 52ق.ع بجلسة 24/2/2007)
ومن حيث إن مقطع النزاع حول المسألة القانونية المثارة يتمثل فيما إذا كان الطعن في قرار إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب الذي يصدر متضمنا إعادة الانتخاب بين بعض المترشحين يدخل -على وفق حقيقة مراد المشرع الدستوري- ضمن الطعون التي أُخرجت عن نطاق اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، والتي مناطها الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب، أم أنه لا يدخل ضمن تلك الطعون ويظل الاختصاص بالفصل فيها معقودا لمجلس الدولة.
ومن حيث إن المادة (93) من الدستور والمادة (172) منه (واجبتي التطبيق إبان صدور القرار الطعين في الدعوى الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل) تنص أولاهما على أن: “يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه. وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه… ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس”.
وتنص ثانيتهما على أن: “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة. ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”.
وقد امتد التعديل الدستوري لبعض مواد الدستور إلى المادة (93)، ونيط بمحكمة النقض اختصاص الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب، وهو ما تضمنته بعد ذلك المادة (40) من الإعلان الدستوري المشار إليه آنفا.
ومقتضى ذلك: أن مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص أصالة بالفصل في جميع المنازعات الإدارية، بما يعني أنه متى توفر للمنازعة مناط اعتبارها منازعة إدارية كان الاختصاص بالفصل فيها معقودا لمجلس الدولة، بيد أن المشرع الدستوري استبعد الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب من نطاق هذا الاختصاص بموجب المادة (93) ثم بموجب المادة (40) من الإعلان الدستوري المشار إليه، وهو ما يحتم –على وفق صحيح القواعد الأصولية- أن يتوفر مناط إخراج الطعون المقصودة للمشرع على وفق هذه المادة من نطاق اختصاص مجلس الدولة ومن مظلة ولايته، وإلا لظل الطعن مندرجا طبقا للأصل الدستوري المقنن بالمادة (172) ثم بالمادة (48) من الإعلان الدستوري المشار إليه سالفا ضمن المنازعات التي يختص مجلس الدولة بالفصل فيها، ويتمثل هذا المناط في أن يكون الطعن منصبا على صحة العضوية بمجلس الشعب.
وبالبناء على ذلك فإنه ولئن كان واجبا استبعاد الطعن الذي يكون موضوعه صحة عضوية أعضاء المجلس المذكور؛ لِعَقد الاختصاص بالفصل فيه على وفق المادة (93) من الدستور و(40) من الإعلان الدستوري لمجلس الشعب سابقا، ولمحكمة النقض حاليا ومنذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية بتاريخ 19/3/2011، ثم صدور الإعلان الدستوري ونشره بالجريدة الرسمية؛ فإنه يتحتم أن يوضع هذا الاختصاص في نطاقه –في ضوء هذه المادة– دون انتقاص منه بتضييق، أو افتئات على الاختصاص المعقود لمجلس الدولة بتوسيع؛ إذ إن ما يبدو جليا أن المادة المشار إليها حددت نطاق الاختصاص الذي وُسِّد لمجلس الشعب ثم من بعدُ لمحكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء هذا المجلس، ومن ثم يضحى لازم ذلك أن يكون الطعن الذي يقدم على وفق هذه المادة منصبا على آخر إجراء اكتُسبت العضوية بناءً عليه، ويتمثل هذا الإجراء في قرار إعلان نتيجة الانتخابات بفوز من فاز من المترشحين، ويكون النعي على بطلان الانتخابات هو السبيل للوصول إلى بطلان العضوية، الأمر الذي مؤداه أن هذا القرار، والإجراءات التي أدت إلى ولادته، هو الذي حُجز الاختصاص بالفصل في مدى صحته- وبالتالي مدى صحة عضوية من اكتسب العضوية بصدوره- لمجلس الشعب، ثم لمحكمة النقض، دون غيره من القرارات السابقة صدورا عليه، التي يكون لذوي الشأن حق في الطعن فيها أمام قاضي المشروعية (مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري)؛ بحسبانه القاضي الطبيعي لجميع المنازعات الإدارية، وهذا هو ما يوجبه التفسير السديد للنصوص الدستورية المذكورة آنفا، والتي تتكامل ولا تتنافر، وتتعاضد ولا تتواهن، وتتقارب ولا تتباعد، حتى إن اختلفت مواطن ورودها، إذ يجب النظر إلى كل منها، لا على التفرد في حكمها، بل على أساس تكاملها مع حكم غيرها، بما يتطابق حقا مع مراد مُصدرها وهو الشعب.
ومن حيث إن ما يساند ذلك ويعضده أنه ليس هناك خلافٌ في أن القرارات التي تصدر عن اللجان المختصة بشأن العملية الانتخابية، سواء في ذلك اللجان العامة أو اللجنة العليا للانتخابات، ما هي إلا قرارات إدارية، وآية ذلك ما تتمتع به كل منها من سلطة على وفق أحكام قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس الشعب، حيث يتمتع كل منها على وفق الحدود المبينة في مواد هذين القانونين بما يمكنها من الإشراف على العملية الانتخابية من بدئها حتى منتهاها، حيث إن لها سلطة الفصل فيما يقدم إليها من البلاغات والشكاوى المتعلقة بوقوع مخالفات للأحكام المنظمة للعملية الانتخابية، كما هو نص الفقرة الثالثة من المادة (24) من قانون مباشرة الحقوق السياسية المشار إليه، وكذا سلطة إعلان النتيجة على وفق ما تسفر عنه عملية الفرز التي تتولاها لجنة الفرز، التي يرأسها رئيس اللجنة العامة، والتي يكون لها سلطة الفصل في جميع المسائل المتعلقة بعملية الانتخاب، وفي صحة أو بطلان ما أبدي من آراء، وبحيث تصدر قراراتها في جميع ذلك بالأغلبية المطلقة لأصوات أعضائها، وذلك على وفق ما هو منصوص عليه في المواد أرقام (34) و (35) و (36) من هذا القانون، وكذا تحديد من له حق الفوز أو من لهم حق الإعادة، مع مراعاة النسبة المقررة للعمال والفلاحين في ضوء أحكام المادتين (15) و (17) من قانون مجلس الشعب، ثم ما يتلو ذلك من قيام اللجنة العليا للانتخابات بإعلان النتيجة العامة بما هو مخول لها على وفق حكم المادة (37) من قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وإنه ارتفاقا لجميع ذلك لا يمكن القول بأن ما يصدر عن اللجان المشار إليها بشأن العملية الانتخابية ذو طبيعة أخرى غير طبيعة القرارات الإدارية، ومنها على وجه الخصوص قرارات إعلان نتيجة الانتخابات، سواء في ذلك ما كان منها متضمنا إعلان فوز بعض المترشحين أو ما كان متضمنا إعادة الانتخاب بين بعضهم الآخر، وهو ما أدى بالمحكمة الإدارية العليا إلى القول بأن الحدود الفاصلة بين اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ومجلس الشعب –وقت أن كان مختصا– لا تكمن في تعريف القرار الإداري، وإنما تجد أساسها في نص المادة (93) من الدستور.
وترتيبا على ذلك، ولما كان الأصل دخول المنازعات القضائية حول مدى مشروعية القرارات المشار إليها ضمن المنازعات التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فيها بحسبانه قاضي المنازعات الإدارية على وفق المادة (172) من الدستور ثم (48) من الإعلان الدستوري، فإن اختصاصه هذا يبقى ممتدا إلى كل منازعة تثار بشأن أي من هذه القرارات التي لم يُنتزع اختصاصُه بشأنها، وإذ لم يخرج المشرع الدستوري من نطاق اختصاص مجلس الدولة سوى القرارات الصادرة بإعـــلان فوز أي من المترشحين -على وفق ما سبق– بحسبان أن هذه القرارات هي التي يترتب عليها اكتساب عضوية مجلس الشعب، حيث يكون موضوع الطعن فيها هو مدى صحة هذه العضوية، بما يخرجه عن عداد ما يختص به مجلس الدولة، فمن ثم فإن ما عدا هذه القرارات يظل الفصل فيما يقدم ضدها من طعون معقودا لمجلس الدولة، ومنها على وجه الخصوص: الطعون في القرارات الصادرة بإعادة إجراء الانتخابات بين بعض المترشحين.
يضاف إلى ذلك أن ما سِيق حجةً لإخراج الطعون على هذه القرارات عن ولاية مجلس الدولة من التفرقة بين القرارات التي تصدر عن لجان تلقي طلبات الترشح لعضوية مجلس الشعب ولجان الفصل في الاعتراضات، والتي تصدر قبل العملية الانتخابية وبدء التصويت، والقرارات التي تصدر عن اللجان العامة واللجنة العليا للانتخابات بإعادة إجرائها بين بعض المترشحين- تفرقة غير سائغة؛ ذلك أنه فضلا عما سبق ذكره من أن جميع ما أشير إليه من قرارات ذو طبيعة واحدة، فإن ثمة جامعا آخر يجمع بينها يتمثل في أنها جميعا تنشئ مركزا قانونيا يتحدد به من يكون أهلا لأن يكون محلا للاقتراع من قِبل الناخبين وصولا إلى التمثيل لمجلس الشعب، بَيد أن القرارات التي تصدر عن اللجان الأولى قبل بدء العملية الانتخابية تفسح المجال لجميع المقبول ترشيحهم ليكونوا محلا للاقتراع، بينما القرارات التي تصدر عن اللجان الثانية بإعادة إجراء الانتخابات تحدد من ينفسح لهم المجال ثانية –لكونهم الأجدر– لأن يكونوا محلا للاقتراع الذي ينتج عنه فوز من يحصل منهم على الأغلبية المطلقة للأصوات، ومن ثم اكتساب عضوية مجلس الشعب.
وعلى وفق ما سلف بيانه تتمتع كل من هذه اللجان بسلطة على وفق صحيح حكم القانون وإن اختلف مدى التقدير فيها، الأمر الذي لا مسوغ معه للتفرقة فيما بينها، وإخراج ما يثار من منازعات بشأن بعضها عن نطاق اختصاص مجلس الدولة، مادام لم يتوفر مناط هذا الإخراج باكتساب عضوية مجلس الشعب.
وإنه في ضوء ذلك ليس ثمة مراء في أن قرار إعلان نتيجة الانتخابات بإجراء الإعادة بين بعض المترشحين يولد مركزا قانونيا، سواء بالنسبة لمن لم يحصل على عدد من أصوات الناخبين بما يمكنه من دخول مرحلة الإعادة، أم من حصل على أصوات تؤهله لذلك على وفق ما ينطق به القرار، هذا المركز يخول ذوي الشأن الطعن في القرار المرتب له، وصولا إلى أحقيتهم في دخول انتخابات الإعادة، وحجب من ليس أهلا لها عن دخولها، متى كان هذا القرار مشوبا بالبطلان، لتوفر عيب من عيوب القرار الإداري في شأنه، وذلك دون وجود ما يمنع من إقامة مثل هذا الطعن بحجة التريث حتى يصدر قرار إعلان النتيجة بفوز أحد المترشحين بعد إجراء الإعادة؛ إذ القول بذلك فضلا عما يمثله من منع ذوي الشأن من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي فور نشوء المركز القانوني الماس بهم بالمخالفة لحكم المادة (68) من الدستور (21 من الإعلان الدستوري) والتي نصت على أن: “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كـــافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي…”؛ فإنه (أي هذا القول) يجعل من قرار إعلان النتيجة بالفوز قرارا مركبا، وهو ما لا يتوفر سنده من قانون أو يقوى دليله من حجة؛ ذلك أنه ليس لزاما حتى يتحقق إعلان النتيجة بفوز أحد المترشحين أن تمر العملية الانتخابية بمرحلتين، وإنما يتحقق مناط الاقتراع على المترشح ثانية بعدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلقة لعدد أصوات الناخبين الصحيحة في جولة الاقتراع الأولى، ولو أن قرارَ إعلان النتيجة من تلك القرارات المركبة لوجب أن يمر دوما بالمرحلتين ليكتسب نهائيته وهو ما يخــــالف القانون، ومن ثم فإن القول بوجوب التريث حتى يصدر قرار بإعلان النتيجة بعد إجراء الإعادة للطعن في قرار الإعادة ذاته فيه افتئات على صحيح حكم المادة (93) ثم (40) من الإعلان الدستوري، ومعطل لحق التقاضي المكفول للجميع فور المساس بمراكزهم القــــانونية أو ترتيب مراكز متباينة مع صائب القـــانون، كما أنه قـــول مؤدٍ لا محالة إلى حجب اختصاص قضائي أصيل لمجلس الدولة.
وإنه لا ينال من ذلك ما سِيق حجة لإخراج المنازعة في قرار الإعادة بين بعض المترشحين عن نطاق الاختصاص القضائي لمجلس الدولة من أن اللجان المختصة حينما تصدر هذا القرار يكون دورها مقتصرا على الإعلان، لا عن إرادتها بما لها من سلطة تقديرية ولكن عن إرادة الناخبين، وأن هذا يغاير ما يصدر عن لجان فحص طلبات الترشح ولجان الفصل في الاعتراضات من قرارات إدارية نهائية، إذ تصدر هذه القرارات تعبيرا عن إرادتها بمقتضى السلطة المخولة لها؛ لأن ذلك مردود عليه بما سلف بيانه من أن كلا من اللجان المذكورة، بما فيها اللجان العامة واللجنة العليا للانتخابات تتمتع بسلطة بشأن ما تصدره من قرارات، وإن اختلف مداها حسب موضوعها، إذ كيف يمكن التسليم بانتفاء التقدير عند الفصل فيما يقدم من بلاغات وشكاوى بوقوع مخالفات للأحكام المنظمة للعملية الانتخابية، وبما لا يمكن معه غضُّ الطرْف عن تأثير ذلك في نتيجة الانتخابات في ضوء ما يسفر عنه الفصل في هذه البلاغات والشكاوى، وكذا عند الفصل في صحة أو بطلان الصوت، وكذلك عند تحديد الفائز من بين المترشحين عند تزاحم الفئات مع العمال والفلاحين، وعند تحديد من له حق الإعادة أيضا عند تزاحمهم، حفاظا في الحالتين على نِسب التمثيل وشغل المقاعد طبقا للدستور والقانون.
وإنه إزاء ما تتمتع به اللجان المختصة، سواء لجنة الفرز التي يرأسها رئيس اللجنة العامة أو اللجنة العامة ذاتها أو اللجنة العليا للانتخابات من سلطة تقديرية –في ضوء ما سلف ذكره– تخلص بها إلى تحديد ما يعتد به من أصوات الناخبين على وجه الخصوص، وبالتالي إصدار القرار المنشئ للمركز القانوني فوزا واكتسابا لعضوية المجلس أو إعادة للانتخابات- إزاء ذلك لا يمكن التسليم بانعدام إرادة اللجان المعنية بشأن هذا القرار بعد أن تعمل سلطتها المخولة لكل منها بمقتضى أحكام قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس الشعب.
وبالإضافة إلى ما سبق فليس بممكن التسليم بأن العمليةَ الانتخابية بمعناها الدقيق وما تفرزه من إدلاء للناخبين بأصواتهم تعبيرا عن إرادة كل منهم في اختيار من يرى أنه أهل للتمثيل بمجلس الشعب- سببٌ لإخراج المنازعة فيما يصدر من قرارات بإعادة الانتخابات بين بعض المترشحين عن المنازعات التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فيها؛ ذلك لأن التعبير عن إرادة الناخبين لا يمكن أن يمثل سببا سائغا للنيل من اختصاص معقود دستوريا لمجلس الدولة بذات هذه الإرادة التي ولد عنها الدستور، الذي أولى مجلس الدولة ولاية عامة بالفصل في المنازعات الإدارية، والذي جاءت المادة (48) من الإعلان الدستوري ترديدا لما أفرزته هذه الإرادة.
ويعضد ذلك أن مجلس الدولة نفسه هو المختص –دون ريب أو مراء– بالفصل في الطعون الانتخابية الخاصة بانتخابات المجالس الشعبية المحلية، التي قوامها إرادة الناخبين أيضا، والتي تفرزها عملية انتخابية بمعناها الدقيق، بدءا من الإدلاء بالأصوات ثم الفرز وانتهاء بإعلان النتيجة، وليس ثمة فارق يوجب التباين في الحكم القانوني لإخراج منازعة بعينها عن ولاية صاحب الولاية العامة بالفصل في المنازعــات الإدارية.
وليس ثمة محاجة فيما ذهبت إليه هيئة مفوضي الدولة من القول بأن المجالس الشعبية ليست جزءا من السلطة التشريعية التي اختصها الدستور-حماية لاستقلالها- بحكم المادة (93)؛ ذلك أن حماية الاستقلال كما هي واجبة للسلطة التشريعية، فهي مفروضة بالنسبة لمجلس الدولة كهيئة قضائية بألا يُنتزع اختصاص قضائي أصيل له على وفق المادة (172) من الدستور، ومؤكد بالمادة (48) من الإعلان الدستوري، ويُعطى لغيره، رغم عدم تحقق مناط الاختصاص لغير مجلس الدولة، الذي يتمثل في ثبوت العضوية لمن يقام الطعن لإبطال عضويته التي لا ثبوت لها قانونا إلا بإعلان الفوز في الانتخابات بقرار من اللجنة المختصة بذلك، وليس كذلك بحالٍ القرارُ الذي يصدر بإعادة إجراء الانتخابات بين بعض المترشحين، ومن ثم فإن حسن العدالة ومقتضياتها وما توجبه من عدم تقطيع أوصال المنازعة الإدارية يتحتم معه عدمُ انتزاع اختصاص أصيل لمجلس الدولة بالفصل في مدى مشروعية قرار إعلان نتيجة الانتخابات المتضمن إعادة إجرائها بين بعض المترشحين بما يرتبه من حجب البعض الآخر منهم عن الاقتراع عليه ثانية، وبما يمكن أن يصل معه إلى عضوية المجلس، أو بما قد يرتبه من حجب الفوز عمن فاز من أي ممن ذكروا.
ولا ينال من ذلك ما ذهبت إليه هيئة مفوضي الدولة من أن عدم إخراج المنازعة التي يكون محلها قرار إعلان النتيجة بإعادة إجراء الانتخابات وما قد يسفر عنه الفصل فيها من تعديل للنتائج المعلنة، سواء بالكشف عن أحقية مترشح ما بالفوز بالعضوية دون إعادة، أو بتغييرٍ في من يكون له الحق في دخول انتخابات الإعادة– عدم إخراج مثل هذه المنازعة عن ولاية مجلس الدولة من مؤداه إتاحة السبيل لبسط رقابة مجلس الشعب على قضاء صادر عن مجلس الدولة وهو ما يتعين تجنبه؛ ذلك أن القول ببسط رقابة من قِبل مجلس الشعب أو غيره (محكمة النقض على وفق ما تضمنه الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011) لا يسانده نص، ويتناقض مع المنطق القانوني؛ إذ الفصل بقضاءٍ في مثل هذا القرار، بما يرتب حقًا في خوض انتخابات الإعادة لمن كان محجوبا عن خوضها بموجب هذا القرار، لا صلة له البتة بما قد يقام من طعن فيما بعدُ في صحة عضوية من يعلن فوزه في هذه الانتخابات على وفق قرار إعلان نتيجتها، حتى لو كان الفائز هو من رتب الحكم الصادر لمصلحته تمكينَه من دخولها، إذ الطعن حالتئذ سيكون على القرار الجديد الصادر بإعلان النتيجة بفوزه.
كما أن الفصل بقضاءٍ في قرار إعادة الانتخابات، بما يرتب اكتساب عضوية مجلس الشعب لمن حُجب عن اكتسابها بعدم إعلان فوزه بموجب هذا القرار، وإن كان لا يمنع الحق في تقديم طعن لإبطال عضويته إلى محكمة النقض (ومن قبلُ كان مجلس الشعب) إلا أن حجية الحكم الصادر عن إحدى محاكم مجلس الدولة بما رتبه من اكتساب للعضوية تعتبر حائلا دون الفصل في مثل هذا الطعن بما يمس هذه الحجية التي تعلو حتى على النظام العام.
وحيث إنه مما يجدر ذكره أن المادة (40) من الإعلان الدستوري المشار إليه آنفا تنص على أن: “تختص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وتقدم الطعون إلى المحكمة خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يوما من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، وتفصل المحكمة في الطعن خلال تسعين يوما من تاريخ وروده إليها. وتعتبر العضوية باطلة من تاريخ إبلاغ المجلسين بقرار المحكمة”.
والبادي جليا من هذا النص –وبالنظر على وجه الخصوص إلى صدره وإلى عجزه– أن محكمة النقض التي خلفت مجلس الشعب يتحدد نطاق اختصاصها في الفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس، ولا يتأتى الفصل في صحة العضوية والحكم بإبطالها إلا إذا كانت العضوية قد اكتُسبت، وهى دون مراء لا تُكتسب إلا بالقرار الصادر بإعلان النتيجة بالفوز، ومن ثم لا يتأتى القول بامتداد هذا الاختصاص إلى القرارات التي تسبق قرار إعلان الفوز، ومنها القرار الذي يصدر بإعلان نتيجة الانتخابات بإجراء الإعادة بين بعض المترشحين؛ إذ لا عضوية حالتئذ اكتُسبت يمكن أن تكون محلا لطعن بإبطالها. ولو كان المراد غير ذلك لأتى النص على غير هذا النحو، الأمر الذي يتسق مع ما خلصت إليه المحكمة في حكمها الماثل من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الطعن على القرار الذي يصدر بشأن انتخابات مجلس الشعب، متضمنا إعادة الانتخاب بين بعض المترشحين، دون غيره ، حيث لا مقنع في اتجاه المحكمة الإدارية العليا السابق القضاء على وَفقه بعدم اختصاص مجلس الدولة بالفصل في مثل هذا الطعن.
حكمت المحكمة باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في الدعاوى التي تقام للطعن في القرارات الصادرة بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب التي تتضمن إعادة الانتخابات بين بعض المترشحين. وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |