مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 300 لسنة 39 القضائية (عليا)
مارس 26, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 1973 لسنة 47 القضائية (عليا)
مارس 26, 2020

الطعن رقم 3586 لسنة 42 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 1 من يونيه سنة 2000

الطعن رقم 3586 لسنة 42 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د.عبد الرحمن عثمان عزوز ومحمد مجدي خليل ورائد جعفر النفراوى وجمال السيد دحروج وعويس عبد الوهاب عويس وإسماعيل صديق راشد ومحمد أحمد الحسيني وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وجودة عبد المقصود فرحات.

نواب رئيس مجلس الدولة

………………………………………………………………..

المبادئ المستخلصة:

 (أ) الأزهر– ميزة البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين- المقصود بالعلماء خريجي الأزهر- لا يجوز أن يكون المقصود بهم حملة شهادة (العالمية) المماثلة للدكتوراه في الجامعات الأخرى- تنصرف تلك العبارة إلى خريجي جميع كليات الأزهر، حملة الشهادات العالية المعادلة لدرجة الليسانس أو البكالوريوس، المسبوقة بثانوية الأزهر- يستفيد هؤلاء من ميزة البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين متى كانوا موجودين في الخدمة وقت العمل بالقانون رقم 19 لسنة 1973، أو كانوا ممن التحقوا بالمعاهد الأزهرية قبل العمل بالقانون رقم 103 لسنة 1961، ثم توفرت في شأنهم الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 بعد تاريخ العمل به.

– المادتان 1 و 2 من القانون رقم 19 لسنة 1973 في شأن تحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر ومن في حكمهم، المعدل بالقانونين رقمي 45 لسنة 1974 و 42 لسنة 1977.

(ب) قانون– تفسير- سلطة المحكمة في استظهار إرادة المشرع- الأصل في النصوص التشريعية هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يئول إلى الالتواء بها عن سياقها، أو بما يعتبر تشويها لها، سواء بفصلها عن موضوعها أو بمجاوزتها الأغراض المقصودة منها؛ ذلك أن المعاني التي تدل عليها هذه النصوص التي ينبغي الوقوف عندها هي تلك التي تعتبر كاشفة عما قصده المشرع منها، مبينة حقيقة وجهته وغايته من إيرادها- حين تُعمل المحكمة سلطتها في التفسير القضائي للنصوص فإن ذلك يقتضي منها ألا تعزل نفسها عن إرادة المشرع، وإنما عليها أن تستظهر هذه الإرادة، وألا تخوض فيما يجاوز تحريها لماهيتها؛ بلوغا لغاية الأمر فيها، مستعينة في ذلك بالأعمال التحضيرية الممهدة لها، سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها، مثل ما دار عند مناقشة مشروع القانون في الهيئة التشريعية، أو عاصرتها مثل المذكرة الإيضاحية، أو غير ذلك من التقارير المرافقة للقانون، وذلك كله للوقوف على إرادة المشرع الحقيقية.

الإجراءات

بتاريخ 24/4/1996 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها العام برقم 3586 لسنة 42 ق عليا، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا في الدعوى رقم 10175 لسنة 1 ق، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا وبإلغاء القرار رقم 323 لسنة 1994 الصادر بتاريخ 19/2/1994 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.

وقد تم إعلان تقرير الطعن قانونا، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.

وتداولت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) نظر الطعن، حيث قررت بجلسة 4/9/1997 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع)، وحددت لنظره أمامها جلسة 9/12/1997، وبها نظر وبالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت بجلسة 17/12/1998 إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة؛ لقيام موجب الإحالة إليها (العدول عن مبدأ سابق للمحكمة الإدارية العليا).

وقد تحدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 7/5/1998، وأثناء تداول نظره بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بأن عبارة  “العلماء من خريجي الأزهر” -المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 في ظل العمل بأحكام القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها- تمتد لتشمل حملة الإجازة العالية من خريجي الأزهر المعادلة لدرجة الليسانس أو البكالوريوس، وهؤلاء يفيدون من ميزة البقاء في الخدمة حتى بلوغهم سن الخامسة والستين.

وبجلسة 3/2/2000 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/4/2000 مع مذكرات خلال ثلاثة أسابيع، وخلال الأجل لم تقدم أي مذكرات، وتم  مد أجل النطق بالحكم إداريا لجلسة 4/5/2000، وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستكمال المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وإتمام المداولة قانونا.

ومن حيث إن مجمل عناصر هذه المنازعة يخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق المودعة ملف الطعن- في أن المدعي (المطعون ضده) كان قد أقام الدعوى رقم 10175 لسنة 1ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بطنطا بتاريخ 13/9/1994، طالبا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 323 لسنة 1994 الصادر بتاريخ 19/2/1994 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش اعتبارا من 13/4/1994 (اليوم التالي لبلوغه سن الستين)، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وقال المدعي شارحا دعواه إنه من خريجي كلية الشريعة والقانون بالأزهر الشريف عام 1965، وعين في 1/1/1966 باحثا فنيا بالنيابة العامة، ثم تدرج في وظيفته حتى شغل وظيفة كبير مفتشين بالإدارة العامة لتفتيش الأحوال الشخصية للولاية على النفس بنيابة شبين الكوم بدرجة مدير عام.

وبتاريخ 19/2/1994 صدر القرار المطعون فيه رقم 323 لسنة 1994 بإنهاء خدمته ورفع اسمه من سجل قيد أسماء العاملين بالنيابة العامة اعتبارا من 13/4/1994 تاريخ اليوم التالي لبلوغه سن الستين المقررة لترك الخدمة.

وينعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته لصحيح حكم القانون؛ لفقدانه السبب، الأمر الذي يصمه بالبطلان؛ ذلك أن القانون رقم 19 لسنة 1973 وتعديلاته بشأن تحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر الشريف يذهب إلى تحديد سن التقاعد لهؤلاء العلماء ومن في حكمهم بخمس وستين سنة وليس بستين سنة.

وأضاف المدعي أنه كان قد حصل على الثانوية الأزهرية قبل منحه الإجازة العالية (الليسانس) من كلية الشريعة والقانون، ومن ثم يحق له الاستمرار في الخدمة حتى سن الخامسة والستين عملا بحكم المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973، ويغدو القرار الصادر بإحالته إلى المعاش (323 لسنة 1994 المطعون فيه) مخالفا لصحيح حكم القانون واجب الإلغاء.

………………………………….

وبجلسة 25/2/1996 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار رقم 323 لسنة 1994 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وقد شيدت المحكمة قضاءها –بعد أن استعرضت نصوص القانون رقم 19 لسنة 1973 وتعديلاته بتحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر والأعمال التحضيرية له– على أساس أن هذا القانون يرتكز على فترة الدراسة السابقة على التعليم العالي، وليس الفترة اللاحقة، إذ قصد المشرع حماية الثانوية الأزهرية وتعويض حاملها عما قضاه في دراستها زيادة عن زميله في التعليم العام، بما أدى إلى تأخيره في التحاقه بالوظائف، وأن هذا القانون لم يصدر من أجل العلماء من هيئة التدريس بالجامعة الأزهرية وحدهم، وإنما كان قانونا عاما يشمل العاملين بالجهاز الإداري للدولة وشركات القطاع العام، كذلك فإن هذا القانون لم يتعلق بخريجي الأزهر وحدهم، إنما شمل أيضا خريجي كلية دار العلوم وكلية الآداب من حاملي الثانوية الأزهرية، وهم من حملة الليسانس، مما يستخلص منه أن المقصود بعبارة “العلماء خريجي الأزهر”: خريجي كليات الأزهر من حملة الشهادة العالية، مثلهم في ذلك مثل خريجي دار العلوم وكلية الآداب، وهم من حملة شهادة الليسانس المسبوقة بالثانوية الأزهرية. وخلصت المحكمة من جماع ما تقدم إلى قضائها السابق الإشارة إليه.

ولم ترتضِ الجهة الإدارية الطاعنة ما قضى به الحكم المطعون فيه فأقامت طعنها الماثل على سند من أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ ذلك أن القانون رقم 19 لسنة 1973 حدد على سبيل الحصر الذين يستفيدون من الاستثناء المقرر به، وهم طائفة العلماء دون سواهم، وبالتالي لا يحق للعاملين الحاصلين على شهادة الإجازة العالية من كلية الشريعة والقانون والدراسات العربية ومن في حكمهم البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين؛ لأنهم لا يندرجون في عداد المخاطبين بحكم المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973.

………………………………….

ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يتمثل في تحديد معنى ومدلول عبارة “العلماء خريجي الأزهر” الواردة في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973، المعدل بالقانونين رقمي 45 لسنة 1974 و42 لسنة 1977، وبالتالي تحديد فئة المستفيدين من حكم هذه المادة، وهم الذين قرر المشرع لهم حق البقاء في الخدمة حتى بلوغهم سن الخامسة والستين.

ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 في شأن تحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر ومن في حكمهم تنص على أنه: “استثناء من أحكام القوانين التي تحدد سن الإحالة إلى المعاش، تنتهي خدمة العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الحكم المحلي والهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها والهيئات القضائية والجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحوث وغيرها من الجهات، من العلماء خريجي الأزهر، وخريجي دار العلوم من حملة ثانوية الأزهر أو تجهيزية دار العلوم، وخريجي كلية الآداب من حملة ثانوية الأزهر، وحاملي العالمية المؤقتة أو العالمية على النظام القديم غير المسبوقة بثانوية الأزهر؛ ببلوغ سن الخامسة والستين”.

وتنص المادة الثانية من هذا القانون على أن: “يسري حكم المادة السابقة على الطوائف المشار إليها إذا كانوا في الخدمة وقت العمل بهذا القانون، أو كانوا قد التحقوا بالمعاهد الأزهرية قبل العمل بالقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر ثم توفرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة بعد تاريخ العمل بهذا القانون.

كما يسري هذا الحكم على من تجاوز سن الستين وتقرر مد خدمتهم، أو إعادة تعيينهم بمكافأة شهرية شاملة تعادل الفرق بين المرتب الأساسي الذي كان يتقاضاه العامل وما يستحقه من معاش، مضافا إليه غلاء المعيشة”.

ومن حيث إن الأصل في النصوص التشريعية هو ألا تحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها أو بما يئول إلى الالتواء بها عن سياقها أو يعتبر تشويها لها، سواء بفصلها عن موضوعها، أو بمجاوزتها الأغراض المقصودة منها؛ ذلك أن المعاني التي تدل عليها هذه النصوص والتي ينبغي الوقوف عندها هي تلك التي تعتبر كاشفة عما قصده المشرع منها، مبينة حقيقة وجهته وغايته من إيرادها، والمحكمة حين تعمل سلطتها في التفسير القضائي للنصوص فإن ذلك يقتضيها ألا تعزل نفسها عن إرادة المشرع، بل عليها أن تستظهر هذه الإرادة وألا تخوض فيما يجاوز تحريها لماهيتها بلوغا لغاية الأمر فيها، مستعينة في ذلك بالأعمال التحضيرية الممهدة لها، سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها مثل ما دار عند مناقشة مشروع القانون في الهيئة التشريعية، أو عاصرتها مثل المذكرة الإيضاحية، أو غير ذلك من التقارير المرافقة للقانون، وذلك كله للوقوف على إرادة المشرع الحقيقية.

ومن حيث إنه يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 19 لسنة 1973 المشار إليه وما دار في مجلس الشعب عند مناقشة مشروع هذا القانون (مضبطتي المجلس لجلستي 25/11/1972 و 10/2/1973) والمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 45 لسنة 1974 بتعديل القانون رقم 19 لسنة 1973 وتقرير لجنة القوى العاملة المرافق للتعديل الأخير لهذا القانون الصادر بالقانون رقم 42 لسنة 1977 والمنشور بالنشرة التشريعية، يبين من كل ما تقدم أن إرادة المشرع استندت في إصدار هذا القانون بتعديليه المبينين سالفا إلى أن طالب الأزهر يقضي في دراسته الإعدادية والثانوية تسع سنوات، أي بزيادة قدرها ثلاث سنوات على ما يقضيه زميله في هاتين المرحلتين في التعليم العام، كما أن الالتحاق بالمرحلة الابتدائية الأزهرية يبدأ في سن أكبر من زميله في المرحلة نفسها في التعليم العام، وهو الأمر الذي يؤدي إلى أن مرجع الاستثناء الوارد بالمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 هو أن مدة الدراسة بالتعليم الأزهري تطول عنها في مدارس التعليم العام.

ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن قصد المشرع من إصدار ذلك القانون هو تعويض خريجي الأزهر الشريف عن قصر مدة خدمتهم من جراء طول أمد دراستهم، وحتى يكون ثمة إنصاف لهم يقضي على الفارق بينهم وبين أقرانهم ممن حصلوا على الشهادات العالية من تلك الكليات التابعة للتعليم العام، وحفزا للطلاب على الالتحاق بالمراحل المختلفة في الأزهر الشريف، لهذا لم يقصر المشرع ذلك على العلماء من هيئة التدريس بالجامعة الأزهرية وحدهم، إنما كان قانونا عاما يشمل العاملين بالجهاز الإداري للدولة وبشركات القطاع العام، كذلك فإن هذا القانون لم يصدر خاصا بالعلماء خريجي الأزهر وحدهم، وإنما شمل أيضا خريجي دار العلوم وكلية الآداب من حملة الثانوية الأزهرية وهم حملة الليسانس؛ تأكيدا لمبدأ المساواة بين المتماثلين في المراكز القانونية، مما يستخلص منه أن المقصود بعبارة “العلماء خريجي الأزهر”: خريجو كليات الأزهر من حملة الشهادات العالية، مثلهم في ذلك مثل خريجي دار العلوم وكلية الآداب وهم من حملة الليسانس من حاملي الثانوية الأزهرية.

ولا يغير من ذلك أو ينال منه ما أثير من خلاف في شأن تحديد مدلول لفظ “العلماء خريجي الأزهر”؛ ذلك أن هذا الخلاف أساسه ما يذهب إليه بعض المفسرين من أن العالم هو من بيده شهادة العالمية طبقا لأحكام قوانين الأزهر السابقة على القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، وهي تلك القوانين التي كانت تطلق اسم شهادة (العالمية) على الشهادة التي يحصل عليها المتخرج في كليات الأزهر المماثلة لكليات الجامعات الأخرى، فلما صدر القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه خص اسم شهادة (العالمية) بالشهادة المماثلة للدكتوراه، فلما استخدم القانون رقم 19 لسنة 1973 لفظ “العلماء من خريجي الأزهر” انصرف معنى العبارة في أذهان البعض إلى أن المقصود بها هم حملة شهادة الدكتوراه، وظهر طبقا لهذه الوجهة من النظر تباين شديد في تطبيق حكم المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973، إذ يفهم منه -في ضوء هذا النظر- أن من يستفيد من حكم البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين هم حملة الدكتوراه من خريجي الأزهر، وكذلك حملة الليسانس والبكالوريوس من خريجي كليات دار العلوم وكليات الآداب، متى كان هؤلاء جميعا من حاملي ثانوية الأزهر، ووجه المفارقة فيما أفضى إليه هذا الفهم أنه سوَّى بين حملة الدكتوراه من الأزهر وحملة الليسانس والبكالوريوس من كليات الآداب ودار العلوم، وأنه جعل مناط الحكم في الحالين هو الحصول على ثانوية الأزهر، وإذ جاز الاعتبار بثانوية الأزهر بشأن الشهادة التالية وهي الليسانس أو البكالوريوس، فلا يظهر مسوغ ولا مبرر قانوني أو فعلي يجعل شهادة الثانوية لها هذا التأثير مع شهادة الدكتوراه التي يحصل عليها الدارس بعد الليسانس والماجستير.

وهو الأمر الذي يؤكد على سلامة وجهة النظر التي تحدد معنى ومدلول عبارة “العلماء خريجي الأزهر”، حيث تصدق على حملة الشهادات العالية؛ بحسبان أن عبارة “العالم” تجري مجرى الغالب في الاستخدام العام باعتبار أن مناط تطبيق حكم القانون رقم 19 لسنة 1973 هو الحصول على ثانوية الأزهر، وهذا هو الشرط الفارق بين الاستفادة من الحكم وعدم الاستفادة منه.

ولا ينال من ذلك أن القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر قد نقل اسم شهادة (العالمية) من أن تكون شهادة إتمام الدراسة العليا بالجامعة إلى أن تكون اسما على الشهادة المعروفة بالدكتوراه؛ فإن ذلك لا يؤدي إلى أن ينقل مفهوم (العالم) من حاملي الليسانس والبكالوريوس إلى حامل الدكتوراه في تطبيق القانون رقم 19 لسنة 1973، وإلا فإن هذا القانون الأخير يكون قد سوى بين دكتوراه الأزهر والشهادات العالية التي تمنحها كليات الآداب ودار العلوم، الأمر الذي لم يقصده المشرع بإصداره القانون رقم 19 لسنة 1973 على نحو ما سلف بيانه، والذي يستبعده النظام التشريعي للدولة كله فيما حرص عليه وأكده من المساواة بين الشهادات العالية لجامعة الأزهر والشهادات العالية التي تمنحها كليات الآداب ودار العلوم في مجال تطبيق حكم القانون رقم 19 لسنة 1973.

وإذ كان هذا القانون الأخير -على ما سبق- قد خاطب خريجي كليات معينة بحكم مد سن الإحالة إلى المعاش إلى الخامسة والستين، وجعل مناط استفادتهم من هذا الحكم حصولهم على ثانوية الأزهر؛ بحسبان أنها الشهادة السابقة على شهادة التخرج، فلا يجوز في منطق القانون ذاته أن تكون شهادة ثانوية الأزهر هي ذاتها مناط تطبيق حكم لا يخضع له إلا حملة الدكتوراه (العالمية)، وخاصة أن هذه الشهادة غيرُ مقيدةٍ بعددٍ من السنوات للحصول عليها مقررٍ سلفا بمنهجِ سنةٍ فسنةٍ كشأن شهادات التخرج، فلا وجه للمقارنة بينهما، ومن ثم فإن عبارة “العلماء خريجي الأزهر” تنصرف إلى جميع خريجي كليات الأزهر حملة الشهادات العالية، وهم الذين قصدهم المشرع بالعبارة الواردة في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 الصادر بتحديد سن الإحالة إلى المعاش بالنسبة إليهم في الخامسة والستين، متى كانوا جميعا من حملة الثانوية الأزهرية، والموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون، أو من التحقوا بالمعاهد الأزهرية قبل العمل بالقانون رقم 103 لسنة 1961، ثم توفرت في شأنهم الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى المذكورة سالفا بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 19 لسنة 1973.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بأن المقصود بعبارة “العلماء خريجي الأزهر” الواردة بالمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1973 هم خريجو كليات الأزهر من حملة الشهادات العالية المعادلة لدرجة الليسانس أو البكالوريوس، المسبوقة بثانوية الأزهر، ويسري عليهم حكم البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين، وبالقيود والشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون رقم 19 لسنة 1973 بتحديد سن التقاعد للعلماء خريجي الأزهر على وفق ما هو مبين بالأسباب، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

Comments are closed.

xnxxbf