مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 1264 لسنة 35 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 2629 لسنة 31 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020

الطعن رقم 267 لسنة 34 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 3 من مارس سنة 1994

الطعن رقم 267 لسنة 34 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

 وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د.محمد جودت الملط وحنا ناشد مينا ورأفت محمد يوسف ومحمد معروف محمد وفاروق علي عبد القادر ود.أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب عويس وجودة أحمد فرحات ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وحسني سيد محمد حسن.

نواب رئيس مجلس الدولة

………………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

 (أ) قانون– التعليمات والمنشورات والأوامر المصلحية- قيمتها القانونية- تصدر هذه التعليمات عن رئيس المصلحة إلى مرءوسيه متضمنة تفسير القوانين والتشريعات القائمة وكيفية تنفيذها- توجه التعليمات إلى العاملين الذين يلزمون باحترامها وإطاعة ما فيها، مادامت متفقة وأحكام القانون- هذه التعليمات لا تضيف جديدا إلى التشريع القائم ولا قيمة لها إلا بحسب تطابقها مع التشريعات التي تصدر هذه التعليمات بناء عليها- الهدف من هذه التعليمات هو التيسير على جهات الإدارة وكفالة سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.

(ب) موظف– إعارة- القيمة القانونية لقرار مجلس الوزراء بمنح العامل المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء إعارته لا يعتبر خلالها منقطعا عن العمل- هذه القاعدة ليست صادرة تنفيذا لأي نص قانوني يقررها، وتضمنت إضافة للأحكام المنظمة لإعارات وإجازات وانقطاعات العاملين المدنيين بالدولة، ومن ثم تخرج عن نطاق اللوائح التنفيذية، ولا تعتبر من قبيل اللوائح المستقلة (التنظيمية) التي تصدر دون الاستناد إلى تشريع قائم؛ لأن الاختصاص بإصدار هذه اللوائح منوط برئيس الجمهورية طبقا للدستور- لا ينطبق على القاعدة المشار إليها وصف التعليمات أو المنشورات أو الأوامر المصلحية- مجلس الوزراء غير مخول بوضع تنظيم ملزم لمثل تلك المسألة، ومن ثم فإنها لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات أصدرها بمقتضى الاختصاص الممنوح له بالدستور بتوجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات والجهات التابعة لها.

  • المادة 156/ب من دستور سنة 1971.
  • قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس سنة 1975 بمنح العامل المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء إعارته لا يعتبر خلالها منقطعا عن العمل.

(ج) موظف– إعارة- لم يجعل المشرع من مجرد انتهاء الإعارة وعدم عودة العامل سببا لإنهاء خدمته، وإنما رخص لجهة الإدارة في تقدير العذر المبرر لعدم عودته- هذا أمر تقدره جهة الإدارة لكل عامل على حدة بلا معقب عليها، مادام مسلكها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة- القاعدة التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/8/1975 بمنح العامل المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء إعارته لا يعتبر خلالها منقطعا عن العمل لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات غير ملزمة.

الإجراءات

بتاريخ 23/12/1987 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والترقيات) بجلسة 29/10/1987 في الدعوى رقم 1692 لسنة 38 ق، الذي قضى بقبول الدعوي شكلا، ورفضها موضوعا، وإلزام المدعي المصروفات.

وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 458 لسنة 1983 الصادر في 7/8/1983 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن اعتبارا من 25/4/ 1983، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.

 وبتاريخ 26 /12 / 1987 أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه للأسباب المبينة به الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن المصروفات.

وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 24/12/1990، وتدوول نظر الطعن أمام تلك الدائرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 11/3/1991 إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة للاختصاص، وحددت لنظره أمامها جلسة 28/4/1991، وتدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها إلى أن قررت بجلسة 20/10/1991 إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا، وحددت لنظره أمامها جلسة 19/11/1991، وقد تدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة الأخيرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 14/7/1992 –إزاء ما تبين لها من وجود تعارض بين ما جرى عليه قضاء الدوائر الثانية والثالثة والرابعة بالمحكمة الإدارية العليا– إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة للفصل فيما إذا كان منح المهلة المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/8/1975 أمرا ملزما للجهة الإدارية المعنية، أم أنه جوازي يخضع لسلطتها التقديرية.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه أن القاعدة التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/8/1975 لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات غير ملزمة، يخضع إعمالها للسلطة التقديرية لكل جهة إدارية على حدة على وفق مصلحة العمل وحده.

وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 7/7/1993 وفيها وفي الجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت المحكمة بجلسة 4/11/1993 إصدار الحكم بجلسة 6/1/1994، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 3/3/1994 لإتمام المداولة، وفي هذه الجلسة الأخيرة قررت الدائرة إعادة الطعن إلى المرافعة لتغيير تشكيل الهيئة، ثم قررت النطق بالحكم آخر الجلسة، وبجلسة اليوم صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة قانونا.

ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق- في أنه بصحيفة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 20/12/1983 أقام الطاعن الدعوى رقم 1692 لسنة 38ق طالبا فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 458 لسنة 1983 الصادر في 7/8/1983 بإنهاء خدمته للانقطاع عن العمل بدون إذن، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وذكر الطاعن شرحا لدعواه أنه التحق بالعمل في الجهاز المركزي للمحاسبات بعد حصوله على ليسانس الحقوق عام 1960، وتدرج في وظائفه إلى أن رقي إلى وظيفة مراقب، وقد أعير للعمل بديوان المحاسبة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات، وقبل إنهاء إعارته في 25/4/1983 تقدم بطلب لتجديدها على وفق النظام المطبق بالجهاز، أو إمهاله لحين انتهاء أولاده من الدراسة بمدارس الإمارات حرصا على مستقبلهم، وكذلك لإنهاء متعلقاته بالدولة المعار إليها، إلا أن الجهاز رفض الموافقة على طلبه، وأصدر بتاريخ 7/8/1983 القرار رقم 458 لسنة 1983 بإنهاء خدمته للانقطاع اعتبارا من 25/4/1983، وقد بادر إلى التظلم منه فور علمه وذلك بتاريخ 18/10/1983، إلا أنه لم يتلق ردا على تظلمه، فأقام دعواه الماثلة ناعيا على القرار المشار إليه مخالفته لحكم المادتين 35 و79 من لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات؛ إذ لم تحدد هذه اللائحة مدة زمنية للإعارة، كما أن الجهاز لم يراع مدة الإنذار المنصوص عليها في المادة 79، فضلا عن عدم منحه مهلة الستة الأشهر المقررة لإنهاء متعلقاته قبل إنهاء خدمته للانقطاع وذلك على وفق قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس 1975.

وقد تدوول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، حيث قدمت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات ومذكرة بدفاعها، انتهت فيها إلى طلب الحكم (أصليا) بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، و(احتياطيا) برفض الدعوى؛ تأسيسا على أن المدعي أعير للخارج لمدة ست سنوات متتالية، وهي الحد الأقصى للإعارة المسموح بها على وفق النظام المتبع بالجهاز، وأنه قد تم إخطاره قبل إنهاء مدة إعارته -ردا على طلبه– بعدم الموافقة على تجديد إعارته لمدة عام آخر، ونظرا لعدم عودته فقد تم إنذاره على الوجه الذي تقضي به لائحة العاملين بالجهاز، ثم أعقب ذلك صدور قرار إنهاء خدمته، أما فيما يتعلق بعدم منحه مهلة الستة الأشهر المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر عام 1975 فمردود عليه بأن العاملين بالجهاز يخضعون في تنظيم شئونهم الوظيفية للائحة خاصة تنظم أمورهم بالنسبة لجميع شئونهم الوظيفية.

كما أودع المدعي حافظة مستندات ومذكرة بدفاعه صمم فيها على طلباته، وأودع الحاضر عن الجهاز المدعى عليه مذكرة أخرى بدفاعه اختتمت بنفس طلباته في مذكرة دفاعه السابقة.

وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات.

وقد تدوول نظر الدعوى أمام المحكمة حيث قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها تعقيبا على تقرير مفوض الدولة، طلبت فيها رفض الدعوى تأسيسا على أن ما جاء بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس 1975 لا يعدو أن يكون مجرد توجيهات أو توصيات غير ملزمة قانونا للجهاز المدعى عليه.

كما أودع المدعي حافظة مستندات أخرى. وبجلسة 10/4/1986 أودع الحاضر عن الجهاز المركزي للمحاسبات حافظتي مستندات، كما قدم مذكرتين بدفاعه، دفع في أولاهما بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة؛ تأسيسا على أن التوكيل الرسمي العام صادر بتاريخ لاحق على تاريخ رفع الدعوى وصمم في الثانية على طلباته. كما أودع المدعي حافظة مستندات ثالثة.

……………………………………

وبجلسة 29/10/1987 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها برفض الدعوى تأسيسا على أن المدعي قد أعير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لمدة ست سنوات اعتبارا من 27/4/1977 وحتى 24/4/1983، وأن الجهاز قد أخطره قبل انتهاء إعارته بثلاثة عشر شهرا في 25/3/1982 ثم في 10/6/1982 و 28/12/1982 و 2/7/1983 بعدم تجديد إعارته، ونبه عليه بعدم الارتباط بأي ارتباطات تعاقدية تقتضي وجوده بدولة الإمارات بعد انتهاء تاريخ الإعارة، والتنبيه عليه بالعودة وتسلم العمل اعتبارا من 25/4/1983، وإزاء عدم عودته قام الجهاز بإنذاره بكتابه رقم 2115 المؤرخ في 2/7/1983 بضرورة العودة وإلا سيطبق عليه نص المادة 79 من لائحة العاملين بالجهاز، ونظرا لإصرار المدعي على عدم العودة أصدر الجهاز القرار رقم 458 لسنة 1983 في 7/8/1983 بإنهاء خدمته للانقطاع، ومن ثم يكون القرار قد صدر صحيحا ومتفقا وأحكام القانون، ولا وجه للقول بأحقية المدعي في الاستمرار في إعارته لمدة ستة أشهر بعد انتهائها على وفق قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/8/1975 الذي يجيز للوزير المختص منح العامل المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء الإعارة لإنهاء متعلقاته هو وأسرته؛ لأن منح هذه المهلة أمر جوازي للسلطة المختصة.

……………………………………

وإذ لم يصادف هذا الحكم قبولا لدى المدعي فقد أقام الطعن رقم 267 لسنة 34ق عليا ناعيا على هذا الحكم ما يلي:

(أولا) مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، فقد أصدر مجلس الوزراء في السادس من أغسطس 1975 قرارا يقضي بأن للوزير المختص منح المعار الذي يستمر في الخارج رغم انتهاء مدة إعارته فترة ستة أشهر يجوز بعدها اعتباره مستقيلا من العمل في حالة عدم عودته، وذلك بقرار منه أو ممن يباشر سلطاته، وقد أشار وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بكتابه المؤرخ في 18/3/1976 والموجه إلى أجهزة الدولة بأنه قد روعي في إصدار هذا القرار منح العامل المهلة التي تسمح له بإنهاء متعلقاته هو وأسرته بالخارج، وهذا القرار يعد من قبيل إلزام الجهة الإدارية (ممثلة في مجلس الوزراء) نفسها بضوابط تتبعها إذا اتجهت نيتها إلى إعمال قرينة الاستقالة الضمنية في حق العامل المنقطع.

أما فيما يتعلق بسريان قرار مجلس الوزراء على العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات فقد سبق لمحكمة القضاء الإداري أن قضت في حكمها الصادر بجلسة 30/3/1983 في الدعوى رقم 3764 لسنة 35ق بأنه ليس من شك في سريان توجيهات مجلس الوزراء بقراره الصادر في 6/8/1975 على العاملين بالجهاز المدعى عليه؛ باعتبار أنه ولئن كان تابعا لمجلس الشعب إلا أنه أحد الأجهزة الإدارية بالدولة التي تقوم بمهمة محددة بشأن الرقابة المالية على أجهزة الدولة الأخرى.

(ثانيا) القرار المطعون فيه مشوب بعيب التعسف في استعمال السلطة والانحراف بها، ومظاهر ذلك أن الجهاز رفض الاستجابة إلى جميع المساعي التي بذلها ديوان المحاسبة بدولة الإمارات العربية المتحدة والمساعي الدبلوماسية التي بذلها التمثيل الدبلوماسي لمصر بدولة الإمارات لمد مدة إعارته.

(ثالثا) أن الطاعن تقدم بطلب إلى الجهاز أوضح فيه أنه مع تمسكه بعلاقته الوظيفية بالجهاز فإنه يطلب إما إمهاله لحين انتهاء السنة الدراسية أو قبول استقالته، إلا أن الجهاز رفض طلبه، كما رفض قبول استقالته، وأصدر قرار إنهاء خدمته، وبذلك يبين أن القرار المطعون فيه لم يقصد به تحقيق أية مصلحة عامة، ولم يبرأ من قصد الإضرار به عمدا، فرفض قبول استقالته إنما يعني أن الجهاز يتمسك ببقائه في الخدمة، ورغم ذلك فقد قرر إنهاء خدمته، فالغاية من ذلك هي إخضاع حساب معاشه للقواعد المعمول بها بالنسبة للعاملين المدنيين بالدولة، وحرمانه بالتالي من حساب المعاش على وفق نص المادة 78/2 من لائحة العاملين بالجهاز، فضلا عن حرمانه من المكافآت المقررة بقرار رئيس الجهاز رقم 143 لسنة 1983 في حالة قبول استقالته، وهو الأمر الذي لم يقصد منه سوى الإضرار بالطاعن والانتقام منه، بما ينطوي على عقوبة مقنعة.

……………………………………

ومن حيث إن المسألة مثار البحث تنحصر فيما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس 1975 بمنح العامل المعار مهلة ستة أشهر لإنهاء متعلقاته بالخارج قبل إنهاء خدمته للانقطاع يعد بمثابة قرار ملزم للجهات المخاطبة به، أم أنه أمر جوازي يخضع لسلطتها التقديرية.

ومن حيث إنه إلى جانب اللوائح التنظيمية واللوائح التنفيذية التي تملك السلطة التنفيذية إصدارها، فإنه في سبيل التيسير على جهات الإدارة في إدارة أنشطة المرافق العامة التي تتولاها، ومن أجل كفالة سير هذه المرافق بانتظام واطراد على الوجه السليم؛ فقد اعتُرف لجهة الإدارة بسلطة إصدار تعليمات ومنشورات وأوامر مصلحية توجه إلى العاملين لديها، وهي تصدر عن رئيس المصلحة إلى مرءوسيه متضمنة تفسير القوانين والتشريعات القائمة وكيفية تنفيذها، فهي موجهة أصلا إلى العاملين الذين يلزمون باحترامها وإطاعة ما فيها من أوامر، مادامت متفقة وأحكام القانون، وهي تدور في هذا الإطار، فلا ينبغي أن تضيف جديدا إلى التشريع القائم، ولا قيمة لها إلا بحسب مدى تطابقها مع التشريعات التي تصدر بناء عليها.

ومن حيث إنه بإنزال ما تقدم يبين أن القاعدة التي أقرها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 6/8/1975 بمنح المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء مدة إعارته لا يعتبر خلالها منقطعا عن العمل وذلك بغرض تدبير أمر عودته هو وأفراد أسرته وإنهاء متعلقاته بالخارج، هذه القاعدة ليست صادرة تنفيذا لأي نص قانوني يقررها، وأنها تتضمن إضافة جديدة للأحكام المنظمة لإعارات وإجازات وانقطاعات العاملين بأجهزة الدولة ومصالحها المختلفة، وهي لذلك تخرج عن أحكام اللوائح التنفيذية، كما لا تعتبر من قبيل اللوائح المستقلة (التنظيمية) التي تصدر دون الاستناد إلى تشريع قائم؛ باعتبار أن الاختصاص بإصدار هذه اللوائح على وفق نص الدستور هو لرئيس الجمهورية وحده ولا ينطبق عليها أيضا وصف التعليمات أو المنشورات أو الأوامر المصلحية على وفق المفهوم السالف بيانه.

ومن حيث إن هذه القاعدة قد صدرت –على وفق ما هو ثابت من كتاب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء والمتابعة والرقابة المؤرخ في 18/3/1976 إلى أجهزة الدولة– لمواجهة ما تردد خلال الفترة التي سبقت صدورها من اتجاه بعض الأجهزة إلى عدم تجديد إعارات العاملين الذين تجاوزوا الحد الأقصى لمدة الإعارة، وأنه قد روعي في إصدارها منح المعار المهلة التي تسمح له بإنهاء متعلقاته هو وأسرته بالخارج وتدبير أمر عودته وتهيئة الاستقرار المنشود للخبرات المصرية العاملة في الدول العربية.

ومن حيث إن مجلس الوزراء –بوصفه السلطة المصدرة لتلك القاعدة– غير مخول بوضع تنظيم ملزم لمثل تلك المسألة المتعلقة بأوضاع العاملين في الدولة، ومن ثم فإنها لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات أصدرها مجلس الوزراء بمقتضى الاختصاص الممنوح له بمقتضى المادة 156/ب من المادة 156 من الدستور التي تنص على أن: “يمارس مجلس الوزراء بوجه خاص الاختصاصات الآتية: (أ)… (ب) توجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات والجهات التابعة لها والهيئات والمؤسسات العامة”، وقد جاءت صياغة هذه القاعدة على النحو الذي أقره مجلس الوزراء بما ينفي عنها الصفة الإلزامية؛ فقد استهلت بالعبارة التالية: “يكون للوزير منح المعار…”، مما يعني أن إرادة الجهة مصدرة هذه القاعدة قد اتجهت إلى جعل منح تلك المهلة أمرا جوازيا يخضع للسلطة التقديرية لكل جهة إدارية تجريها في إطار مصلحة العمل وحدها.

ومما يؤكد ذلك أنه كان في وسع مجلس الوزراء استصدار هذه القاعدة في صورة قانون معدل لأحكام تشريعات العاملين السارية المفعول آنذاك وهي القانون رقم 58 لسنة 1971 بنظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 61 لسنة 1971 بنظام العاملين بالقطاع العام.

هذا فضلا عن أن التشريعات المنظمة لأوضاع العاملين اللاحقة في صدورها لتاريخ تقرير تلك القاعدة قد عمدت ليس فقط إلى عدم الإشارة إليها، بل إلى عدم تنظيم هذه المسألة ضمن أحكامها، ولو أراد المشرع الأخذ بها وتقريرها كقاعدة عامة ملزمة لنص على ذلك صراحة في تلك التشريعات اللاحقة، ونعني بذلك القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام، كما هي الحال بالنسبة للقانون رقم 112 لسنة 1959 بشأن تنظيم البعثات والإجازات الدراسية والمنح، الذي قرر في المادة 30 منه منح المبعوث مهلة لمدة شهر للعودة إلى أرض الوطن من تاريخ انتهاء دراسته، وكما هي الحال أيضا بالنسبة للقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات حينما نص صراحة في المادة 175 على عدم جواز إنهاء خدمة عضو هيئة التدريس المعار لانقطاعه عن العمل فور انتهاء مدة إعارته إلا بعد انقضاء ستة أشهر على انقطاعه، بحيث إذا عاد خلال هذه المدة سويت فترة الانقطاع على الوجه المحدد قانونا، أما إذا لم يعد اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.

ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن إلزامية تلك القاعدة إنما تستمد من الحكمة من تقريرها، وهي تمكين العامل المعار من أمر عودته هو وأفراد أسرته إذا كان له أبناء يتلقون العلم بمدارس الدولة المعار إليها مما يرتبط بميعاد انقضاء العام الدراسي، وكذلك تسوية متعلقاته المالية بالدولة المعار إليها، وتهيئة الاستقرار للعمالة المصرية بالخارج؛ ذلك أن هذه أمور كلها يمكن للعامل المعار أن يتدبرها مقدما قبل انتهاء إعارته بوقت كاف، لاسيما إذا كانت مدة الإعارة قد بلغت الحد الأقصى المسموح به وكان يعلم سلفا بعدم اتجاه نية جهة عمله إلى التصريح له بمدة أخرى، فإذا لم يتيسر له –لسبب أو لآخر– تدبير أموره، فهنا يظهر مجال السلطة التقديرية لجهة الإدارة في تقدير العذر المبرر لانقطاعه عن العمل وعدم عودته فور انتهاء مدة إعارته، وهو أمر تملكه جهة الإدارة على وفق الاختصاص المخول لها قانونا متى تقدم العامل بما يثبت أن انقطاعه كان له ما يبرره، وفي هذه الحالة تتم تسوية مدة انقطاعه عن العمل على النحو المحدد قانونا، سواء باعتبارها من رصيد إجازاته الاعتيادية متى سمح هذا الرصيد بذلك، أو بحرمانه من الأجر المستحق عنها، وذلك على حسب الأحوال، وبهذه الصورة فإن المشرع يكون قد نظم كيفية تسوية مدة انقطاع العامل التالية لإعارته متى حال دون عودته عذر مقبول، فهو لم يجعل من مجرد انتهاء الإعارة وعدم عودة العامل المعار سببا لانتهاء خدمته، وإنما رخص لجهة الإدارة في تقدير العذر المبرر لعدم عودته، وهو أمر تقدره جهة الإدارة بالنسبة لكل عامل معار على حدة، ومن البديهي أن ممارسة جهة الإدارة لسلطتها التقديرية هذه لا معقب عليها، مادامت هذه الممارسة قد خلت من عيب إساءة استعمال السلطة، بحيث إذا ما تبين وجود هذا العيب كان من حق العامل الالتجاء إلى القضاء الإداري طعنا على القرار الصادر عن جهة الإدارة برفض منحه هذه المهلة.

فلهذه الأسباب

قررت المحكمة أن القاعدة التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/8/1975 لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات غير ملزمة، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

Comments are closed.

xnxxbf