مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
دائرة توحيد المبادئ –الطعن رقم 2178 لسنة 29 القضائية (عليا)
مارس 24, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
دائرة توحيد المبادئ –الطعن رقم 1352 لسنة 33 القضائية (عليا)
مارس 24, 2020

دائرة توحيد المبادئ –الطعن رقم 235 لسنة 33 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 9 من إبريل سنة 1988

الطعن رقم 235 لسنة 33 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد يسري عبده

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عزيز بشاي سيدهم وعصام الدين السيد علام وأبو بكر دمرداش أبو بكر ونبيل أحمد سعيد وعبد اللطيف أحمد عطية ومحمد المهدي مليحي ود.محمد جودت الملط وجودة محمد محمد ومحمد يسري زين العابدين وجمال السيد دحروج.

نواب رئيس مجلس الدولة

……………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

 (أ) دعوى- الطعن في الأحكام- الفرق بين رقابة النقض الإدارية التي تمارسها المحكمة الإدارية العليا ورقابة النقض المدنية- يتطابق النظامان من حيث بنيان حالات الطعن بالنقض، ويختلفان من حيث ميعاد الطعن وشكله وإجراءاته وكيفية الحكم فيه- لكل من النظامين قواعده الخاصة، مما يمتنع معه إجراء القياس؛ لوجود الفارق: إما من النص، أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافا مرده أساسا التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام، وتلك التي تنشأ بين الأفراد في مجالات القانون الخاص- من السمات الخاصة التي قررتها المحكمة الإدارية العليا للنقض الإداري:

  • أن سلطة المحكمة المطعون في حكمها في فهم الواقع أو الموضوع في دعوى الإلغاء ليست سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا.
  • أنه يجوز إبداء سبب جديد أمام المحكمة الإدارية العليا ولو لم يتعلق بالنظام العام.
  • أن الطعن في أحد شُقوق الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا يثير المنازعة برمتها أمامها، مادامت الطلبات مرتبطة ارتباطا جوهريا.
  • أن بطلان الحكم للقصور المخل في أسبابه لا يمنع سلامة النتيجة التي انتهى إليها منطوقه في ذاتها، وأن تقضي بها هذه المحكمة إذا كانت الدعوى صالحة للحكم فيها ورأت الفصل فيها بنفسها.
  • أنه إذا كانت الدعوى المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا مهيأة للفصل فيها، وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة المطعون في حكمها، وتم استيفاء دفاع الخصوم فيها، فللمحكمة الإدارية العليا أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع، ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة للفصل فيها من جديد.

(ب) دعوى– دعوى الإلغاء- سلطة المحكمة في قضاء الإلغاء- الأصل في قضاء الإلغاء هو قصر اختصاص المحكمة على بحث مشروعية القرار المطعون فيه، فإذا ما تبينت مشروعيته رفضت الطعن عليه، وإذا تبينت عدم مشروعيته حكمت بإلغائه- لا تملك المحكمة في حالة الحكم بإلغاء القرار أن تستبدل به قرارا آخر يحقق نفس هدفه ويتلافى ما أدى إلى عدم مشروعيته- لا تملك المحكمة ذلك من باب الأَولى إذا رأت عدم ملاءمة القرار حتى ولو في مداه- القول بغير ذلك يجعل قاضي الإلغاء يحل محل مصدر القرار، وهو ما لا يجيزه الدستور؛ احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات- الأصل شمول هذا المبدأ قرارات السلطة التأديبية الرئاسية لدى نظر الطعن فيها أمام المحاكم التأديبية- مع هذا فإن رقابة قضاء الإلغاء محلها الوحيد هو المشروعية، وتنبسط هذه الرقابة على جميع عناصر المشروعية في القرار المطعون فيه وتتناولها من كافة أوجهها ونواحيها- اختلال التناسب بين المخالفة والجزاء من أوجه عدم المشروعية.

(ج) دعوى– الطعن في الأحكام- الفرق بين رقابة المحكمة الإدارية العليا على أحكام المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري من ناحية، ورقابتها على أحكام المحاكم التأديبية من ناحية أخرى وهي تباشر سلطات التأديب- رقابة المشروعية التي تمارسها المحكمة الإدارية العليا على قضاء الإلغاء تختلف عن ذات الرقابة على قضاء التأديب في أن عنصر الواقع الذي تستقل به المحكمة التأديبية هو عنصر الموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتا ونفيا- هذا أمر تستقل به المحكمة التأديبية وحدها، لا تتدخل فيه المحكمة الإدارية العليا وتفرض رقابتها عليه إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق، أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة- اختلال التناسب بين المخالفة والجزاء من أوجه عدم المشروعية التي تنبسط لها رقابة المحكمة الإدارية العليا- تمتد رقابة هذه المحكمة عند إلغاء الحكم التأديبي إلى الفصل في الموضوع بنفسها متى كان صالحا للفصل فيه، وحينئذ عليها أن توقع الجزاء الذي تراه مناسبا.

(د) تأديب المحاكم التأديبية- حدود اختصاصها لدى نظر الطعون في القرارات التأديبية الرئاسية- رقابة المحكمة التأديبية على هذه القرارات تمتد عند إلغائها إلى الفصل في الموضوع بنفسها متى كان صالحا للفصل فيه، وحينئذ عليها أن توقع الجزاء الذي ترى مناسبته للمخالفة- اختلال التناسب بين المخالفة والجزاء من أوجه عدم المشروعية التي تنبسط لها رقابة المحكمة التأديبية.

الإجراءات

في يوم الأحد الموافق 14 من ديسمبر سنة 1986 أودع الأستاذ/… المحامي نائبا عن الأستاذ/… الوكيل عن المهندس/… بصفته رئيسا لمجلس إدارة شركة… المدمج فيها شركة… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 235 لسنة 33 القضائية عليا في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة بجلسة 25 من أكتوبر سنة 1986 في الطعن رقم 136 لسنة 19 القضائية المقام من السيد/… ضد الشركة المذكورة، الذي قضى بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه.

وطلب الطاعن -للأسباب المبينة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه، وبرفض الطعن المقام من المطعون ضده وإلزامه المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.

وقد عرض الطعن على الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا بعد أن أحيل إليها من دائرة فحص الطعون بها، وإذ تبينت أن هناك تعارضا بين ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وما ذهبت إليه الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا في مدى سلطة المحكمة التأديبية والمحكمة الإدارية العليا في تعديل القرار التأديبي الصادر عن الجهة الإدارية، فقد جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن اختصاصها يقتصر على إلغاء القرار التأديبي المطعون فيه الذي يثبت عدم مشروعيته، لتعيد الجهة الإدارية تقدير الجزاء بمعرفتها، بينما ذهبت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا إلى تعديل مثل هذا القرار.

وإزاء هذا التعارض فقد قررت الدائرة الثالثة بجلستها المنعقدة يوم 26 من يناير سنة 1988 إحالة الطعن إلى هذه الهيئة إعمالا لحكم المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة للقانون رقم 136 لسنة 1984.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى أن رقابة المحكمة الإدارية العليا في مجال التأديب رقابة قانونية ولا تمتد إلى ملاءمة الجزاء؛ لأن الملاءمة من اختصاص الجهة التي تملك توقيع الجزاء، وهي التي تترخص في تقدير مدى جسامة الذنب وما يناسبه من جزاء تأديبي؛ وإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه على هذا النحو.

وعين لنظر الطعن أمام هذه الهيئة جلسة 5 من مارس سنة 1988، وفيها سمعت الهيئة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوعين، وبتاريخ 13 من مارس سنة 1988 أودع السيد/… مذكرة بدفاعه طلب في ختامها الحكم بإعادة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لتقضي فيه بصفة أصلية بعدم وجود مسئولية عليه، وبصفة احتياطية بمجازاته بخفض الراتب بمقدار علاوة.

كما أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها ذهبت فيها إلى أنه إذا انتهت المحكمة التأديبية إلى أن قرار الجزاء الصادر عن السلطة التأديبية في شركة من شركات القطاع العام لم يقم على كامل سببه، وكان القانون لم يحدد للمخالفة الثابتة في حق العامل عقوبة محددة، ولم تكن المخالفة الثابتة كافية لحمل القرار، فيتعين على المحكمة التأديبية أن تعيد الأمر إلى السلطة المختصة لإعمال سلطتها في توقيع العقوبة المناسبة، ولا تملك المحكمة التأديبية بصفتها محكمة طعن أو المحكمة الإدارية العليا سلطة توقيع الجزاء على العامل في هذه الحالة، أما إذا كانت السلطة التأديبية تمارس اختصاصا مقيدا في مجال تحديد العقوبة فتملك المحكمة التأديبية تصحيح القرار برد الجزاء إلى الحد المقرر قانونا للمخالفة الثابتة في حق العامل، وهو ما تملكه أيضا المحكمة الإدارية العليا.

وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

ومن حيث إن محل هذه المنازعة يتحدد فيما ما إذا كانت المحاكم التأديبية تملك -بعد إلغاء القرار التأديبي المطعون فيه لعدم مشروعيته- توقيع العقوبة التي تراها مناسبة للمخالفة التي ارتكبها العامل، فقد ذهبت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا إلى أنه لا يجوز للمحكمة التأديبية عند نظر دعوى إلغاء القرار التأديبي الموقع على العامل من رئاسته أن تجنح إلى محاكمته تأديبيا وتوقيع جزاء عليه، بل يتعين أن يقف قضاؤها عند حد الفصل في الطلب المطروح عليها، فإذا ما قضت بإلغاء الجزاء فإن ذلك يفتح المجال للجهة الإدارية لإعادة تقدير الجزاء المناسب؛ ذلك أن طعن المدعي في قرار الجزاء الذي وقعته عليه جهة العمل أمام المحكمة التأديبية لا يخولها إلا سلطة رقابة مشروعية هذا القرار، دون أن يفتح الباب أمامها لتأديبه وتوقيع الجزاء عليه بعد أن قضت بإلغاء الجزاء المطعون فيه.

بينما ذهبت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا إلى أن المحكمة التأديبية تملك بعد أن تقضي بإلغاء قرار الجزاء أن تتصدى لتوقيع الجزاء المناسب باعتبارها صاحبة الولاية العامة في مسائل تأديب العاملين.

ومن حيث إن الأصل في قضاء الإلغاء هو قصر اختصاص المحكمة على بحث مشروعية القرار المطعون فيه، فإذا ما تبينت مشروعيته رفضت الطعن عليه، وإذا تبينت عدم مشروعيته حكمت بإلغائه، ولكنها لا تملك حتى في هذه الحالة أن تستبدل به قرارا آخر يحقق نفس هدفه ويتلافى ما أدى إلى عدم مشروعيته، ومن ثم إلغاءه، فتحل بذلك محل مصدر القرار في اتخاذه، ولا تملك ذلك من باب الأَولى إذا رأت عدم ملاءمة القرار حتى ولو في مداه دون قيام ما يمس مشروعيته، إذ يحل قاضي الإلغاء بذلك محل مصدر القرار، وهو ما لا يجيزه الدستور؛ احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، ولا تجيزه القوانين المنظمة لاختصاص قضاء الإلغاء.

ولا شك في أصل شمول هذا المبدأ قرارات السلطة التأديبية الرئاسية.

ومع ذلك فإن رقابة قضاء الإلغاء محلها الوحيد هو المشروعية، وهو أمر قانوني بحت لا يخرج أي عنصر من عناصره ولا يتأبى على رقابة المشروعية، وبذلك تنبسط هذه الرقابة على جميع عناصر المشروعية في القرار المطعون فيه وتتناولها من كافة أوجهها ونواحيها.

ورقابة المشروعية -وهي رقابة قانون- مناطها الجوهري مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، فهي رقابة تامة كاملة، وهي بذاتها وفي جوهرها رقابة المشروعية التي يتولاها قضاء النقض مدنيا كان أو إداريا على الأحكام القضائية التي يتناولها، فجوهر رقابة النقض على مشروعية الأحكام هو جوهر رقابة قضاء الإلغاء الإداري على مشروعية القرار الإداري، والمقصود هنا رقابة النقض الإدارية التي تمارسها المحكمة الإدارية العليا، وهي تختلف عن رقابة النقض المدنية على ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا منذ إنشائها، وما قررته في حكمها الصادر بجلسة 5 من نوفمبر سنة 1955 (الطعن رقم 159 لسنة 1 القضائية) من تطابق النظامين من حيث بنيان حالات الطعن بالنقض، واختلافهما من حيث ميعاد الطعن وشكله وإجراءاته وكيفية الحكم فيه، فلكل من النظامين قواعده الخاصة، مما يمتنع معه إجراء القياس؛ لوجود الفارق: إما من النص، أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافا مرده أساسا التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام وتلك التي تنشأ بين الأفراد في مجالات القانون الخاص.

وسلطة المحكمة المطعون في حكمها في فهم الواقع أو الموضوع في دعوى الإلغاء ليست سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا (الطعن رقم 1596 لسنة 7 القضائية بجلسة 3 من إبريل سنة 1965)، فيجوز إبداء سبب جديد أمام المحكمة الإدارية العليا ولو لم يتعلق بالنظام العام (الطعن رقم 159 لسنة 1 القضائية المشار إليه سالفا)، والطعن في أحد شُقوق الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا يثير المنازعة برمتها أمامها، مادامت الطلبات مرتبطة ارتباطا جوهريا (الطعون أرقام 161 لسنة 3 القضائية بجلسة 29 من يونيه سنة 1957 و 196 لسنة 9 القضائية بجلسة 5 من ديسمبر سنة 1965 و 582 لسنة 17 القضائية بجلسة 17 من مايو سنة 1975)، وبطلان الحكم للقصور المخل في أسبابه لا يمنع سلامة النتيجة التي انتهى إليها منطوقه في ذاتها، وأن تقضي بها هذه المحكمة إذا كانت الدعوى صالحة للحكم فيها ورأت الفصل فيها بنفسها (الطعن 960 لسنة 2 القضائية بجلسة الأول من ديسمبر سنة 1956 بصدد قرار إداري)، وإذا كانت الدعوى المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا مهيأة للفصل فيها، وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة وتم استيفاء دفاع الخصوم فيها، فللمحكمة الإدارية العليا أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع، ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة للفصل فيها من جديد (الطعن 151 لسنة 3 القضائية بجلسة 15 من يونيه سنة 1957 بشأن قرار تأديبي).

وبهذا رسمت المحكمة الإدارية العليا السمات الخاصة للطعن بالنقض الإداري، وهي سمات جوهرية في رقابة المشروعية الإدارية محل الطعن بالإلغاء، وجوهر ما تقرره المحكمة الإدارية العليا نفسها في حدود هذه الرقابة في شأن ما يطعن فيه أمامها من أحكام هو نفس جوهر رقابة قاضي إلغاء القرار الإداري بدوره، فجوهر الرقابة واحد لا يختلف إلا باختلاف ما تقتضيه حدود الرقابة أو يمليه نص القانون.

ويكتمل ذلك بما قررته المحكمة نفسها في الفرق بين رقابتها على أحكام المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري من ناحية، ورقابتها على أحكام المحاكم التأديبية من ناحية أخرى وهي تباشر سلطات التأديب، فقررت أنها رقابة قانونية لا تعني استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتا أو نفيا، فذلك تستقل به المحكمة التأديبية وحدها لا تتدخل فيه المحكمة الإدارية العليا وتفرض رقابتها عليه إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق، أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة، فهنا فقط يكون التدخل؛ لأن الحكم يكون غير قائم على سببه (الطعن 989 لسنة 14 القضائية بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1973 ورقم 831 لسنة 19 القضائية بجلسة 11 من مايو سنة 1974)، أما اختلال التناسب بين المخالفة والجزاء فهو من أوجه عدم المشروعية.

وبتحديد المحكمة لدور رقابة المشروعية في كل من الحكم الإداري في دعوى الإلغاء والحكم التأديبي الصادر في الدعوى التأديبية، حيث تباشر المحكمة بنص القانون اختصاصا من الاختصاصات الأصيلة للسلطة الإدارية -وهو اختصاص التأديب- تتحدد معايير رقابة المشروعية بالنسبة لنوعي الأحكام والقرارات. فرقابة المشروعية التي تمارسها المحكمة الإدارية العليا على قضاء الإلغاء تختلف عن ذات الرقابة على قضاء التأديب في أن عنصر الواقع الذي يستقل به قضاء التأديب هو عنصر الموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتا ونفيا، إلا إذا كان الدليل الذي اعتمده غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق، أو كان استخلاصه لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة.

وبهذا التحديد يتحدد أيضا دور المحكمة التأديبية، فهي سلطة تأديب مستقلة بنص القانون استنادا إلى ما تقضي به المادة 172 من الدستور من اختصاص مجلس الدولة كهيئة قضائية في الدعاوى التأديبية، وهنا ليس ثمة قرار من جهة الإدارة تباشر عليه رقابة ما، وإنما هي سلطة ذاتية تخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا، وهي في نفس الوقت سلطة رقابة مشروعية بالإلغاء في قرارات التأديب الصادرة عن السلطات الإدارية. وإذا كانت هذه الرقابة الأخيرة رقابة مشروعية فهي تجرى في نطاق وحدود رقابة المشروعية التي تباشرها المحكمة الإدارية العليا على المحكمة التأديبية كسلطة تأديبية، وتتسم الرقابة بنفس السمات وتجري على ذات الوجه وتحدها ذات الحدود، وبذلك تتناول هذه الرقابة كل ما تعلق بمشروعية القرار التأديبي من جميع الأوجه، وتثبت لها جميع السلطات التي تثبت للمحكمة الإدارية العليا في نطاق رقابة المشروعية، بما في ذلك الإخلال الجسيم بين المخالفة الثابت ارتكابها والجزاء الموقع.

وإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد استقر قضاؤها في هذه الرقابة -إذا تبين لها تعيب الحكم التأديبي المطعون فيه، وأخذا بالأصل المنصوص عليه في المادة 269 من قانون المرافعات من أنه: “إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحا للفصل فيه… وجب عليها أن تحكم في الموضوع”- استقر على أن تحكم في موضوع الدعوى التأديبية المطعون في حكمها، فتوقع بنفسها الجزاء الذي تراه مناسبا مع المخالفة التي تبين لها ثبوت ارتكابها، أو تقضي بالبراءة إذا كانت لديها أسبابها؛ وجب الأخذ بذات الأصل في رقابة المشروعية التي تباشرها المحكمة التأديبية في قرارات السلطة الإدارية التأديبية، فإذا انتهت في رقابتها إلى عدم مشروعية القرار كان لها أن تفصل في الموضوع على نفس الوجه الذي ثبت للمحكمة الإدارية العليا في رقابتها على أحكامها كسلطة تأديبية، ويخضع حكمها الصادر في هذا الشأن على هذا الهدي لرقابة المشروعية التي تمارسها المحكمة الإدارية العليا في نطاق قضاء الإلغاء. فإذا ما تبينت المحكمة الإدارية العليا تعيب الحكم المطعون فيه أمامها بأي عيب وتبينت صلاحية الدعوى للفصل فيها وجب عليها أن تحكم في موضوعها بنفسها دون إعادة إلى المحكمة التأديبية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بأن رقابة المحكمة التأديبية على قرارات السلطات الرئاسية التأديبية تمتد عند إلغائها إلى الفصل في الموضوع بنفسها متى كان صالحا للفصل فيه، وحينئذ عليها أن توقع الجزاء الذي ترى مناسبته، والأمر كذلك في رقابة المحكمة الإدارية العليا على أحكام المحكمة التأديبية الصادرة في نطاق هذا الاختصاص. وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

Comments are closed.

xnxxbf