مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعنان رقما 2349 و 2462 لسنة 33 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 267 لسنة 34 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020

الطعن رقم 1264 لسنة 35 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 6 من يناير سنة 1994

الطعن رقم 1264 لسنة 35 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د.محمد جودت أحمد الملط وحنا ناشد مينا وفاروق عبد السلام شعت ورأفت محمد يوسف ومحمد معروف محمد وفاروق علي عبد القادر ومحمد مجدي خليل ود. أحمد مدحت حسن علي وعويس عبد الوهاب ومحمد أبو الوفا عبد المتعال.

نواب رئيس مجلس الدولة

……………………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

 (أ) القوات المسلحة- طلبة الكليات العسكرية- طبيعة العلاقة بينهم وبين جهة الإدارة- يحكم هذه العلاقة النظام الأساسي للكليات العسكرية، كما تخضع لشروط التعهد الكتابي الذي يوقعه الطالب وولي أمره عند الالتحاق بالكلية، فهي علاقة مركبة، تخضع في الجانب الأكبر منها إلى أحكام تنظيمية عامة، وتصطبغ في شق منها بصبغة عقدية- استقر القضاء الإداري على إلباس هذه العقود ثوب العقد الإداري.

(ب) القوات المسلحة- طلبة الكليات العسكرية- التعهد برد نفقات الدراسة([1])– يوقع الطالب وولي أمره تعهدا كتابيا بأن يرد للكلية التكاليف التي تحملها أثناء الدراسة في حالة استقالته أو فصله بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاد مرات الرسوب- هذا الالتزام يجد مصدره في العقد الإداري، المكمَّل بأحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لهذه الكليات.

  • القانون رقم 92 لسنة 1975 بشأن النظام الأساسي للكليات العسكرية.
  • المادة 24 من اللائحة الداخلية للكلية الحربية، الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976.

(ج) القوات المسلحة- طلبة الكليات العسكرية- التعهد برد نفقات الدراسة- يلتزم طلاب الكليات العسكرية بأداء الفوائد القانونية عند رد تلك النفقات- هذه النفقات معلومة المقدار وحالة الأداء بتمام واقعة انقضاء علاقة الطالب بالكلية قبل التخرج منها بسبب الاستقالة أو الفصل- لا وجه للقول بأن الالتزام برد نفقات الدراسة واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضان عن واقعة واحدة- الفوائد التأخيرية تستحق عن التأخير في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، والضرر في هذه الحالة مفترض طبقا لنص المادة (228) من القانون المدني، أما الالتزام برد النفقات فيجد أساسه في الإخلال بالالتزام الأصيل، وهو استمرار الطالب في الدراسة بالكلية العسكرية حتى تمام التخرج والالتحاق بإحدى الوحدات كضابط بالقوات المسلحة.

  • المادة (228) من القانون المدني

(د) الفوائد القانونية- تطبيقها في مجال العقود الإدارية- لئن كانت المادة (226) من القانون المدني تحكم العقود المدنية بحسب الأصل فإنها تنطبق كذلك في العقود الإدارية؛ باعتبارها من الأصول العامة في الالتزامات، ولا تتعارض مع طبيعة هذه العقود- هذه الفوائد تستحق كتعويض عن التأخر في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب– الضرر في هذه الحالة مفترض- لا وجه للقول بأن هذه الفوائد تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لأن هذا يمثل تعرضا لدستورية النص، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بدستوريته.

  • المادتان 226 و 228 من القانون المدني.
  • حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 20 لسنة 1 القضائية (دستورية) بجلسة 4/5/1985.

(هـ) قانون– لا يجوز للمحاكم أن تمتنع عن تطبيق نص قانوني قائم بحجة تعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية- هذا الامتناع يشكل في ذاته تعرضا لمدى دستورية النص أيا كانت الصورة التي يتم بها التعرض- مادام النص التشريعي قائما ولم يعدل وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه، دون إهمال أو إغفال، أيا كان السبب الذي تحتمي به أو تتخذه سندا لقضائها، وإلا غدا حكمها مجافيا للقانون، مشوبا بالقصور([2]).

الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 22/3/1989 أودع الأستاذ/… المستشار بهيئة قضايا الدولة نائبا عن السيد وزير الدفاع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها تحت رقم 1264 لسنة 35ق في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 29/1/1989 في الدعوى رقم 5783 لسنة 38ق، المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما، القاضي بإلزام المدعى عليهما أن يؤديا إلى المدعي بصفته مبلغ 2200 جنيه مع إلزامهما المصروفات.

وطلب الطاعن -للأسباب المبينة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما متضامنين المبلغ المحكوم به وفوائده القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.

وأعلن الطعن قانونا، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه -للأسباب المبينة به- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام المطعون ضدهما أن يؤديا إلى الطاعن بصفته مبلغ 2200 جنيه، والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26/6/1984 حتى تمام السداد، والمصروفات.

وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 16/5/1990، وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر إلى أن قررت بجلسة 19/9/1990 إحالته إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 3/10/1990، وفيها نظرته الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا، وتدوول أمامها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات. وبجلسة 25/12/1990 قررت إصدار الحكم فيه بجلسة 26/3/1991، وفيها قررت المحكمة فتح باب المرافعة فيه لجلسة 21/5/1991 لنظره بهيئة أخرى، وبجلسة 8/10/1991 قررت إصدار الحكم بجلسة 19/11/1991 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 10/12/1991.

وفي هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إحالة موضوع مدى التزام أصحاب الشأن بالفوائد القانونية عن نفقات الدراسة بالكلية الحربية التي يلتزمون بأدائها للجهة الإدارية المختصة، إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة، وتأجيل نظر الطعن لجلسة 21/1/1992 حتى تفصل الدائرة المشار إليها في هذا الموضوع.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما أن يؤديا إلى الجهة الإدارية مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26/6/1984 وحتى تمام السداد، مع إلزامهما المصروفات.

وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 6/2/1992، وفيها وفي الجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة بجلسة 4/11/1993 إصدار الحكم بجلسة 6/1/1994 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة قانونا.

ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن (وزير الدفاع بصفته) أقام الدعوى رقم 5783 لسنة 38ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات)، وذلك بإيداع صحيفتها قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 2/4/1989 مختصما المطعون ضدهما، وطلب في ختام صحيفة دعواه الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين أن يدفعا له بصفته مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد والمصروفات.

وقال في بيان دعواه إن المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) تقدم بتاريخ 17/8/1982 بطلب التحاق بإحدى الكليات العسكرية، وتمت الموافقة على طلبه وعلى قضاء مدة الدراسة المقررة بالكلية الحربية، وأن يخضع خلال مدة الدراسة للقوانين واللوائح المقررة، وأن يعمل في المستقبل كضابط بالقوات المسلحة، ومكث بالكلية الحربية الفترة من 23/10/1982 حتى 12/10/1983 ثم تقدم باستقالته.

وبتاريخ 12/10/1983 قرر مجلس الكلية قبول استقالته اعتبارا من نفس التاريخ مع إلزامه ما أنفق عليه خلال فترة التحاقه بالكلية الحربية ويبلغ 2200 جنيه، وأضاف الطاعن أن المدعى عليه الأول وقع إقرارا مع ولي أمره بسداد ما أنفق عليه خلال فترة وجوده بالكلية، كما وقع المدعى عليه الثاني (المطعون ضده الثاني) إقرارا آخر بتحمل النفقات التي تنفق على المدعى عليه الأول، وبالتالي يكون كل من المطعون ضدهما متضامنين في سداد هذه النفقات تطبيقا لنصوص قانون النظام الأساسي للكليات العسكرية رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية والتعهد المشار إليه، وقد تأخرا في الوفاء بقيمة هذه النفقات بالرغم من المطالبة الودية، وبالتالي يستحق عليهما فوائد تأخير بواقع 4% سنويا طبقا لنص المادة 226 من القانون المدني وذلك اعتبارا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، ولا سيما أنه مبلغ معلوم المقدار.

وقدمت هيئة قضايا الدولة لدى تحضير الدعوى حافظة مستندات طويت على: (1) الطلب المقدم من المطعون ضده الأول للالتحاق بالكليات العسكرية. (2) التعهد المقدم من المطعون ضده الثاني بصفته ولي أمر المطعون ضده الأول الذي تعهد فيه بسداد قيمة المبالغ والتكاليف التي تتحملها القوات المسلحة طوال مدة وجود الطالب بالكلية في حالة استقالته أو فصله بسبب خلاف عدم اللياقة الطبية أو تجاوزه مرات الرسوب المسموح بها، وموقع على هذا التعهد من الطالب. (3) طلبي الاستقالة المقدمان من المطعون ضده الأول (ذلك لعدم قدرته على تحمل الحياة العسكرية). (4) إقرار ولي أمره (المطعون ضده الثاني) برغبته في تقديم استقالة نجله. (5) إقرار مقدم من الطالب بأنه قدم الاستقالة بمحض إرادته ودون أي ضغط أو تهديد. (6) بيان تفصيلي بمفردات التكاليف والنفقات التي قدرت بمبلغ 2200 جنيه.

…………………………………

وبجلسة 29/1/1989 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه تأسيسا على أنه على وفق التعهد الموقع عليه من المدعى عليهما فإنهما يلتزمان في حالة استقالة المدعى عليه الأول من الكلية الحربية برد ما أنفق عليه من نفقات طوال فترة التحاقه بالكلية استنادا على أنه إذا استحال التنفيذ العيني أو كان من غير الممكن أو المنتج، فإنه يتولد في ذمة المدعى عليهما التزام برد ما أنفق على المدعى عليه الأول من نفقات أثناء فترة التحاقه بالكلية والتي قدرت بمبلغ 2200 جنيه، ومن ثم يتعين الحكم بإلزام المدعى عليهما أداءه إلى المدعي بصفته، ولا سند لما يطالب به المدعي من إلزامهما هذا المبلغ على سبيل التضامن؛ إذ خلا التعهد المأخوذ عليهما من النص على التضامن، كما أن هذه الواقعة لا يسري عليها القانون رقم 5 لسنة 1985 الذي استحدث النص على التضامن، والمعمول به في تاريخ لاحق لتاريخ الاستقالة.

وبالنسبة لطلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به، فقد قررت المحكمة أنه لما كان الثابت أن المبلغ المطالب به لا يعدو في حقيقته أن يكون تعويضا عن إخلال المدعى عليه الأول بالتزامه الأصلي، وكانت الفوائد القانونية لا يعدو أن تكون بدورها من قبيل التعويض، وكان من غير الجائز الحكم بتعويضين عن ذات الواقعة؛ ومن ثم تعين الحكم برفض طلب الفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به.

…………………………………

ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وبيان ذلك بالنسبة إلى مسألة الفوائد -وهي مثار النزاع أمام هذه الدائرة دون غيرها- أن المبلغ المطالب به في صحيفة الدعوى المطعون على حكمها معلوم المقدار وقت المطالبة، وتحدد مقداره على أسس ثابتة ليس للقضاء فيه سلطة تقديرية، فهو بمثابة النفقات الفعلية التي صرفت أثناء دراسة المطعون ضده الأول بالكلية، وقد تأخر المطعون ضدهما في الوفاء به رغم مطالبتهما قضائيا، ولذلك تستحق للطاعن بصفته الفوائد القانونية لتوفر شروط استحقاقها طبقا لحكم المادة 226 من القانون المدني من وجود مبلغ من النقود هو محل الالتزام، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به. وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه أن المبلغ المقضي به تعويض، رغم أنه نفقات فعلية وليس تعويضا؛ لاختلاف الأساس القانوني لكل منهما، مما يكون معه قد أخطأ في تطبيق القانون حريا بالإلغاء في هذا الشق.

ومن حيث إن مثار الخلاف المعروض هو مدى أحقية وزارة الدفاع في الحصول على فوائد قانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التي يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضي علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو بالفصل لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاد مرات الرسوب حتى صدور الحكم بإلزامهم برد هذه المبالغ.

ومن حيث إنه سبق للمحكمة الإدارية العليا أن قضت بجلستها المنعقدة في 12/3/1988 في الطعن رقم 1384 لسنة 28ق بإلزام المطعون ضدهم (طالب مفصول من الكلية الحربية وولي أمره وضامنه) بالنفقات التي تكبدتها الكلية الحربية أثناء فترة التحاق الطالب بها، والفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد؛ وذلك إعمالا لحكم المادة 226 من القانون المدني، كما قضت جلسة 31/7/1990 في الطعن رقم 2367 لسنة 34ق بالفوائد القانونية بواقع 4% سنويا على النفقات الدراسية المستحقة على الطالب المفصول لعدم الصلاحية من المدرسة الأساسية للقوات المسلحة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وقد ذهبت فيه المحكمة الإدارية العليا إلى أن الفوائد المطلوبة في مثل هذه الحالة إنما هي فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، فإذا تأخر المدين في الوفاء بالمبلغ المذكور فإن الدائن يستحق الفوائد القانونية على وفق نص المادة 226 من القانون المدني، وذلك من تاريخ المطالبة القضائية بها، والضرر مفترض في هذه الحالة بحكم القانون، فقد نصت المادة 228 من القانون المدني على أنه: “لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضررا لحقه من هذا التأخير”، وغني عن القول أن المادتين 226 و228 سالفتي الإشارة وإن وردتا في القانون المدني إلا أن أحكامهما تسري في نطاق الروابط العقدية الإدارية.

وإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد نَحَتْ في هذين الحكمين وغيرهما من الأحكام إلى إعمال نص المادة 226 من القانون المدني باستحقاق الفوائد القانونية التي تطالب بها وزارة الدفاع ممن لم يستمر بالدراسة بالكليات أو المدارس العسكرية من الملتحقين بهذه الكليات أو المدارس بسبب الاستقالة أو الفصل بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب، إلا أنها اتجهت اتجاها مخالفا في حكمها الصادر بجلسة 30/4/1991 في الطعن رقم 2229 لسنة 34ق المقام من وزير الدفاع بصفته طعنا على حكم محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) الصادر بجلسة 10/4/1988 في الدعوى رقم 5546 لسنة 39ق، فرفضت القضاء بالفوائد القانونية على المبالغ التي أنفقتها وزارة الدفاع على الطالب أثناء وجوده بالكلية الحربية قبل استقالته منها، واستندت في ذلك إلى أن الفوائد هي بطبيعتها تعويض آخر من واقعة واحدة، ومن ثم لا يجوز الجمع بين تعويضين عن واقعة واحدة.

ومما سبق يبين أن هناك اتجاهين في قضاء المحكمة الإدارية العليا بالنسبة لاستحقاق الفوائد القانونية على المبالغ التي تستحق على الملحقين بالكليات العسكرية بسبب استقالتهم أو فصلهم منها لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاد مرات الرسوب، فالاتجاه الأول يقضي بهذه الفوائد إعمالا لنصي المادتين 226 و228 من القانون المدني، أما الاتجاه الثاني والأخير فإنه يرفض القضاء بالفوائد المشار إليها.

ومن حيث إن علاقة الطلبة الملتحقين بالكليات العسكرية ومنها الكلية الحربية إنما تحكمها أحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية الحربية الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976 المنشور بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 14/2/1976، إضافة إلى شروط التعهد الكتابي الذي يوقعه كل من الطالب وولي أمره عند الالتحاق بالكلية، والذي نصت عليه المادة 24 من اللائحة الداخلية للكلية الحربية سالفة الذكر من أنه: “يشترط فيمن يتقدم للالتحاق بالكلية الحربية توفر الشروط الآتية: “… – أن يقدم الطالب تعهدا كتابيا موقعا منه ومن ولي أمره بأن يرد للكلية التكاليف التي تكلفتها أثناء الدراسة وذلك في حالة استقالته أو فصله بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاد مرات الرسوب”، ومن جماع هذه الأحكام تبين أن هذه العلاقة علاقة مركبة تخضع في الجانب الأكبر منها إلى أحكام تنظيمية عامة، وتصطبغ في شق منها بصبغة عقدية تتمثل في اتجاه إرادة الطالب وولي أمره إلى الانضواء تحت مظلة الأحكام التنظيمية العامة المذكورة، وتوقيع التعهد المشار إليه من جانبهما هو الذي يضفي على هذه العلاقة الطابع العقدي.

وقد استقر القضاء الإداري على إلباس هذا العقد وأشباهه ثوب العقد الإداري، وبذلك فإن التزام الطالب وولي الأمر الذي تنتهي علاقته بالكلية العسكرية بسبب الاستقالة أو الفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاد عدد مرات الرسوب إنما يجد مصدره في هذا العقد الإداري المكمل بأحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لهذه الكلية.

ومن حيث إنه وبناء على ما تقدم يلتزم الطالب -مع ولي أمره- الذي تنقضي علاقته بالكلية العسكرية قبل التخرج منها بسبب الاستقالة أو الفصل -عدا الفصل لأسباب صحية أو لاستنفاد مرات الرسوب- برد المبالغ التي أنفقت عليه أثناء فترة وجوده بالكلية، وهذه المبالغ تكون بتمام الواقعة معلومة المقدار حالة الأداء، وهو ما يستدعي إعمال حكم المادة 226 من القانون المدني في حالة التأخير في أداء هذه المبالغ، فقد نصت المادة المذكورة على أنه: “إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزما بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المئة في المسائل المدنية، وخمسة في المئة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخا آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره”، وإذا كانت هذه المادة تحكم في الأصل روابط العقود المدنية، فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على تطبيق حكمها في نطاق العقود الإدارية؛ باعتبارها من الأصول العامة في الالتزامات ولا تتعارض مع طبيعة هذه الروابط الإدارية.

ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما قد يثار من شبهة أن الفوائد القانونية المنصوص عليها في المادة 226 من القانون المدني تمثل ربا تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيس للتشريع على وفق حكم المادة الثانية من الدستور الحالي الصادر عام 1971 فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 13/6/1982 في الطعن رقم 1610 لسنة 26ق على أن الامتناع عن تطبيق نص قانوني قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي هي المصدر الرئيس للتشريع على وفق الدستور يشكل في واقعه تعرضا لمدى دستورية النص، أيا كانت الصورة التي يتم بها التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر، وأنه مادام النص التشريعي قائما ولم يعدل أو يلغى بالطريق الذي رسمه المشرع وحدد خطاه وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه دون إهمال أو إغفال، وأيا كان السبب الذي تحتمي به أو تتخذه تكئة لقضائها، وإلا غدا حكمها مجافيا القانون في صحيحه، مشوبا بالقصور. وفضلا عما تقدم فقد سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/5/1985 في الطعن رقم 20 لسنة 1ق بدستورية المادة 226 من القانون المدني المذكورة آنفا، ومن ثم فإنه لا مناص أمام القضاء من إعمال حكم تلك المادة متى توفرت شروط إعمالها في النزاع المطروح أمامه، وهي أن يكون محل الالتزام مبلغا من النقود، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به في الموعد المحدد.

ومن حيث إنه عن المستقر عليه فقها وقضاء أن الفوائد التأخيرية إنما تستحق كتعويض عن التأخر في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، أي أن أساس التعويض في هذه الحالة هو التأخير في الوفاء بالمبلغ النقدي، والضرر الذي هو أحد عناصر التعويض مفترض بنص المادة 228 من القانون المدني التي تقضي بأنه “لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضررا لحقه من هذا التأخير”، أما الالتزام برد النفقات التي أنفقت على الطالب في إحدى الكليات العسكرية أثناء وجوده بها فإن أساس هذا الالتزام هو الإخلال بالالتزام الأصيل، وهو الاستمرار في الدراسة بالكلية حتى تمام التخرج والالتحاق كضابط بالقوات المسلحة، وبناء على ذلك فلا وجه للقول بأن رد هذه النفقات واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضان عن واقعة واحدة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باستحقاق الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التي يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضي علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو بالفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاد مرات الرسوب، متى حكم بإلزامهم برد هذه المبالغ، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه.

([1]) راجع كذلك حكم دائرة توحيد المبادئ بجلسة 15/12/1985 في الطعن رقم 3364 لسنة 27 ق (منشور بهذه المجموعة برقم 4).

([2]) راجع كذلك المبدأ رقم (20/هـ) في هذه المجموعة، حيث أكدت دائرة توحيد المبادئ أنه لا يجوز للمحاكم أن تمتنع عن تطبيق نص تشريعي بهدف دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، وأنه إذا جاز= =للمحاكم أن تنتقد تشريع نص ما مستهدفة دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، إلا أنه لا يجوز لها الامتناع عن تطبيقه تحت أية ذريعة؛ فوظيفة المحاكم المحددة دستوريا هي تطبيق القانون لا تعطيله.

Comments are closed.

xnxxbf