مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 1012 لسنة 45 قضائية عليا
يناير 25, 2022
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 3669 لسنة 44 قضائية (عليا)
أبريل 1, 2022

الطعن رقم 11834 لسنة 46 قضائية عليا

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 9 من فبراير سنة 2002م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح، ود.محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى.

نواب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة الشخصيات العامة وهم/ أ.د محمد عادل أحمد يحيى،
وأ.د مقبل محمد الشافعى عمران، وأ.محمود عبدالرحمن الشاعر، وأ.محمد عونى عبدالمجيد عجور، وأ. زكريا إبراهيم محمد جاد.

وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو.

     مفوض الدولة

وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس.

سكرتير المحكمة

الطعن رقم 11834 لسنة 46  قضائية عليا:

أحزاب سياسية ـ تأسيس الأحزاب  ـ تميز برنامج الحزب ـ مناطه.

المادة (5) من الدستور الصادر عام 1971 والمعدل عام 1980.

المواد (1)، (2)، (3) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.

الدستور وضع أصلاً عاماً هو قيام النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب ـ الأحزاب السياسية هي جماعات منظمة تعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في نظام الحكم ـ الحزب السياسي ينبغي أن يكون له برنامج محدد يسعى إلى تحقيقه ـ قانون الأحزاب السياسية لا يتطلب صراحة ـ كما لا يمكن حمل نصوصه تفسيراً أو تأويلاً ـ أن يكون كل ما يتبناه برنامج حزب ناشئ مبتكراً وجديداً لم يتطرق له الدستور والقوانين، ولم يتناوله مفكرون وكتّاب، ولم تتصد له السلطة الحاكمة، أو تتعرض له الأحزاب القائمة، ولا يعيب أي حزب ناشئ أن يتناول فى برنامجه شئوناً سبق أن تناولها غيره، بل لا يعيبه أن يكون تفكيره فيها متقارباً أو حتى متشابهاً مع غيره ما دام أنه يملك في برنامجه عناصر تميزه عن غيره من الأحزاب ـ  يكفى لنفى قصور برنامج الحزب أن يكون هذا البرنامج قد تعرّض إلى المبادئ العامة المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والثقافية للدولة التى تحدد إطاره الفكري بصدد هذه الشئون، أما البرامج التفصيلية المتفرعة عن المبادئ العامة والاتجاهات الرئيسية، فإنها لا تعدو أن تكون فروعاً لهذه المبادئ العامة والاتجاهات السياسية، فلا يعيب البرنامج خاصة والحزب في طور التكوين ألا يتقدم ببرامج تفصيلية لعلاج كل المشكلات التى تقوم في الواقع، أو يتسم في بعض أجزائه بعدم التحديد الدقيق ـ الدستور والقانون تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب القائمة وتلك التى تطلب التأسيس فى أمور غير مسموح بشأنها الاختلاف، ونتيجة ذلك أن يضيق مجال التميز المتطلب كشرط لتأسيس الحزب، فالتميز لا يكون مسموحاً به أو جائزاً إلا في غير تلك الأمور، وهو الأمر الذي يؤدى إلى التماثل بل والتطابق ـ أثر ذلك ـ عدم التميز في هذا الشأن لا يمكن أن يكون مانعاً أو حائلاً دون تأسيس الحزب ـ  تطبيق.

الإجـــــــراءات

بتاريخ 16/9/2000 أودع الأستاذ/ عبد المنصف خليل المحامى، نائبًا عن الأستاذ/ محمود سليمان داود المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قُيد بجدولها برقم 11834 في القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة 20/8/2000 بالاعتراض على تأسيس حزب باسم حزب الجيل الديمقراطي, وطالب الطاعن بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار بما في ذلك الموافقة على تأسيس حزب الجيل الديمقراطي، وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.

وقد جرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن وارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.

وقد نُظر الطعن أمام هذه المحكمة ابتداءً من جلسة 11/11/2000، وتدوول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 13/10/2001 قررت المحكمة إصدار حكمها بجلسة اليوم ومذكرات فى شهر وفى فترة حجز الطعن للحكم أودع الحاضر عن السيد رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمــــــــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.

ومن حيث إن البيِّن من الأوراق، أن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه، قد صدر بتاريخ 20/8/2000 وأودع تقرير الطعن فيه قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 16/9/2000، أى خلال الميعاد المنصوص عليه فى المادة (8) من القانون رقم (40)
لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية الأخرى، فمن ثَمَّ يكون مقبولاً شكلاً.

ومن حيث إنه عن موضوع الطعن، فإن الثابت من الأوراق، أن الطاعن تقدم بتاريخ 9/4/2000 بصفته وكيلاً عن المؤسسين لحزب الجيل الديمقراطي بطلب إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية يطلب فيه الموافقة على تأسيس الحزب، وأرفق بطلبه الأوراق اللازمة قانوناً، وقد عرض الطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية، التى أصدرت بجلسة 20/8/2000 قرارها المطعون فيه بالاعتراض على تأسيس الحزب مستندةً فى ذلك إلى أن حزب الجيل الديمقراطي ـ تحت التأسيس ـ لم يتضمن برنامجه أي جديد يكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة والتي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي وتميزه تميزًا ظاهرًا عن برنامج الأحزاب القائمة، حيث جاء البرنامج في جملته ترديدًا لبرامج وخطط وسياسات قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً وتناول مجالات لا جديد فيها مطروحة سلفًا على الساحة أو تعرضت لها برامج الأحزاب القائمة، فضلاً عن أن الأغلب الأعم من الموضوعات التى وردت بالبرنامج جاءت فى عبارات عامة مرسلة لا تحمل أي سياسة واضحة ومحددة وبناءً عليه خلصت اللجنة إلى قرارها المطعون فيه.

وإذ لم يلق القرار المشار إليه قبولاً من الطاعن، فقد أودع تقرير طعنه الذى استعرض فيه برنامج حزب الجيل الديمقراطي وإنه يتميز فى أمور وأوجه عديدة عن برامج الأحزاب السياسية القائمة في الساحة السياسية. ثم استعرض الطاعن ما ارتآه من أوجه التميز في برنامجه المعروض، وتناول الطاعن في تقرير طعنه الرد على المبررات والحجج التى أقامت عليها اللجنة قرارها، مبينًا أوجه تميز برنامج حزبه ومحددًا أسباب طعنه بأن اللجنة قد ارتأت على غير الحقيقة عدم وجود ما يميز برنامج الحزب المقدم منه، وأن القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة لنصوص القانون رقم 40 لسنة 1977 وأن حيثياته قد خالفت الحقائق الواردة ببرنامج الحزب المقدم منه التى تتميز في أمور كثيرة وأوجه عديدة عن برامج الأحزاب القائمة وأنه قد خلط بين عمل الدولة وعمل الأحزاب، وبالتالي يكون القرار المذكور قد صدر متعسفًا فى تطبيق نصوص القانون ومجحفًا بحقوق المؤسسين الذين يمثلهم الطالب.

وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم له بطلباته سالفة الذكر.

ومن حيث إن هذه المحكمة بتشكيلها الخاص على النحو الوارد بالمادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانون رقم 144 لسنة 1980، و114 لسنة 1983 إنما تلتزم فى أعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب بأحكام الدستور والقانون، بما مؤداه ولازمه أن تحقق هذه الرقابة إلى تحديد نطاق اختصاص تلك اللجنة ومداه ويكون الاستهداء فى استنطاق نصوص الدستور والقانون، بتفسير عباراتها بالتطبيق للقواعد العامة المقررة للتفسير مع الاستهداء، عند الاقتضاء بالمبادئ العامة التى صدرت تلك النصوص عنها وهدفت إلى تحقيقها.

ومن حيث إن الثابت من الأوراق، أن الطاعن قدم إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية برنامج حزب الجيل الديمقراطي، وقد احتوى هذا البرنامج على بنود أربعة، تناول البند الأول فيها المبادئ العامة للحزب، وتعرَّض البند الثانى لرؤية الحزب للقضايا المصرية الأساسية الداخلية والخارجية، وعالج البند الثالث نحو إستراتيجية مصرية تجاه النيل نهرًا وحوضًا ودولاً، وعالج البند الرابع المثلث الذهبى: رؤية الحزب لنهضة مشتركة بين مصر وليبيا والسودان.

ومن حيث إن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية برفض تأسيس حزب الجيل الديمقراطي قام على عدة أسباب تتمثل فى أن الحزب لم يضمِّن برنامجه أي جديد يكسبه ملامح الشخصية الحزبية المتميزة والتي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي وتميزه تميزًا ظاهرًا عن برامج الأحزاب القائمة، فقد جاء هذا البرنامج فى جملته ترديدًا لبرامج وخطط وسياسات قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً وتناولت مجالات لا جديد فيها مطروحة سلفًا على الساحة أو تعرضت لها برامج الأحزاب القائمة، فضلاً عن أن الأغلب الأعم من الموضوعات التى وردت بالبرنامج جاءت في عبارات عامة مرسلة لا تحمل أى سياسة واضحة ومحددة، وأن ما تناوله برنامج الحزب من أمور إما عالجها الدستور والقوانين، أو أنها مطروحة على الساحة أو تقوم بها الحكومة أو توالى الاهتمام بها أو تتابع دراستها أو جار تنفيذها على أرض الواقع، وأن ما ذكره الحزب قد نادى به كبار الكتاب والمفكرين ورجال السياسة، وأن ما ورد فى برنامج الحزب تعرضت له برامج أحزاب أخرى عديدة، وانتهت اللجنة المذكورة إلى الاعتراض على تأسيس الحزب، بحسبان أنه لا تتوافر فيه الشروط التى تتطلبها المادة (2)، والبند (ثانياً) من المادة (4) من القانون رقم (40) لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.

ومن حيث إن الدستور المصرى الصادر عام 1971، المعدل عام 1980، ينص فى المادة (5) على أن “يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، وذلك فى إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور، وينظم القانون الأحزاب السياسية”.

ومن حيث إنه صدر القانون رقم (40) لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، ناصًا فى المادة (1) على أن “للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية، ولكل مصرى الحق فى الانتماء لأى حزب سياسى، وذلك طبقًا لأحكام هذا القانون”.

ونصت المادة (2) على أن “يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم”.

وتنص المادة (4) على أنه “يُشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسى ما يلى:

أولاً: عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع :

1ـ مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع.

2ـ مبادئ ثورتى 23 يوليو 1952 و 15 مايو 1971 .

3ـ الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الاشتراكية .

ثانيًا: تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذه البرامج تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب الأخرى………..”.

ومن حيث إن الدستور وضع أصلاً عاماً هو قيام النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، على أن ينظم القانون هذه الأحزاب، وقد ذهب قضاء المحكمة الدستورية العليا فى هذا الصدد إلى أن الأصل المستمد من أحكام الدستور هو حرية تكوين الأحزاب السياسية، وهو أصل كفله الدستور في الإطار الذي رسمه لها وعلى ذلك فإن القيود التى تضمَّنها التشريع المنظم للأحزاب السياسية يتعين تفسيرها باعتبارها تنظيمًَا للأصل الذى قرره الدستور، ومن ذلك وجوب أن يلتزم التنظيم إطار الأصل العام المقرر، وإنه لا يجوز أن يخرج التنظيم عن الحدود المقررة فى الأصل الذى يستند إليه سواء بالتوسعة أو الانتقاص منه (الطعن رقم 56 لسنة 6 القضائية بجلسة 21/6/1986). فقضاء المحكمة الدستورية العليا في الطعن المذكور والطعن رقم 44 لسنة 7 القضائية بجلسة 7/5/1988 يرسى الأصول العامة والمبادئ الأساسية التى يتعين أن يدور تفسير نصوص قانون تنظيم الأحزاب السياسية في إطارها، وأول هذه الأصول وتلك المبادئ هو حرية تكوين الأحزاب السياسية، باعتبارها حقًا نص عليه الدستور، وأصلاً من الأصول التى يقوم عليها نظام الحكم على النحو المقرر دستوراً.

ومن حيث إن المادة (2) من قانون تنظيم الأحزاب السياسية تقضى بأن الأحزاب السياسية هي جماعات منظمة تعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم، أى أن الحزب السياسى ينبغى أن يكون له برنامج محدد يسعى إلى تحقيقه.

ومن حيث إن لجنة شئون الأحزاب ذهبت فى شأن البرنامج الذي قدمه حزب الجيل الديمقراطي تحت التأسيس، إلى أنه تناول أمورًا مقررة فى الدستور أو توردها القوانين المختلفة، أو خططًا وبرامج قائمة أو يجرى تنفيذها فعلاً، أو مجالات مطروحة سلفًا على الساحة، أو تعرض لها برامج الأحزاب القائمة، كما أن برنامجه يكتفى فى عديد من الأمور بعبارات مرسلة لا تحمل أى سياسة محددة واضحة.

ومن حيث إن قانون الأحزاب السياسية لا يتطلب صراحة ـ كما لا يمكن حمل نصوصه تفسيرًا أو تأويلاً ـ أن يكون كل ما يتبناه برنامج حزب ناشئ مبتكرًا وجديدًا لم يتطرق له الدستور والقوانين، ولم يتناوله مفكرون وكتَّاب، ولم تتصد له السلطة الحاكمة، أو تتعرض له الأحزاب القائمة، ذلك أن أوضاع أى مجتمع تفرض مشاكل معينة تجد صدى لها بالضرورة في نصوص الدستور والقوانين وفى كتابات المفكرين والكتَّاب وفى أعمال السلطة الحاكمة وفى برنامج الأحزاب السياسية القائمة، ولا يعيب أي حزب ناشئ أن يتناول فى برنامجه شئونًا سبق أن تناولها غيره، بل لا يعيبه أن يكون تفكيره فيها متقاربًا أو حتى متشابهًا مع غيره ما دام أنه يملك فى برنامجه عناصر تميزه عن غيره من الأحزاب، خاصة وأن العبرة ليست فقط بالبرنامج الذى يضعه الحزب، فالحزب ليس أفكارًا فقط إنما هو فى الأساس رجال يفترض أنهم مواطنون نذروا أنفسهم للمصلحة العامة، فالأفكار المسطورة إنما ينطق بها رجال، ولا يعيب الأفكار التى يقوم عليها الحزب طالب التأسيس أن تستند إلى أحكام الدستور أو أن تبنى عليها فذلك أمر لازم والتزام قائم، مصدره أن الأحزاب عليها ـ ما هو قائم منها أو ما هو طالب للتأسيس ـ أن تلتزم أحكام الدستور باعتباره الإطار الحاكم لمختلف أنشطتها وهو الذى ارتضاه الشعب مصدرًا وأساسًا لنظام الحكم ولحقوق المواطنين وحرياتهم وضماناتهم وكذلك لتنظيم السلطات الدستورية العامة، كذلك لا يتطلب قانون الأحزاب السياسية من حزب ناشئ لم يضع قدمه على بداية الطريق بعد، أن تكون كل أفكاره مما لا تختلف بشأنها وجهات النظر في أنها متكاملة وناضجة وواضحة والطريق إلى بلوغها مرسوم بدقة، ذلك أن التكامل والنضج والوضوح أمور نسبية وهى بعد حصاد زمن وثمار تجربة وخبرة؛ لذا فليس بلازم أن يكون برنامج الحزب الوليد متكاملاً، بل يكفى أن يكون البرنامج واضحًا ومنطقيًا فى عمومه ولو شَابَ بعض أجزائه ـ جدلاً ـ بعض أوجه نقص أو غموض.

ومن حيث إن الأحزاب السياسية كيانات اجتماعية حية تولد باجتماع إرادات، وتنمو فى رحاب المجتمع، تصهرها التجارب وتزدهر في التفاعل مع ظروف العمل السياسي، والأوضاع الاجتماعية والسياسية حتى يمكن أن تتكامل في شأنها عوامل النضج السياسي الذي هو محصلة وعى وإدراك لا يتوافر إلا نتيجة تفاعل سياسى والتحام واقعى فى معايشة لأوضاع المجتمع السياسى وأوضاع المجتمع المدنى، ويكون مفاد ذلك ولازمه أن الحزب في مرحلة الميلاد والتكوين هو أحرى بأن يكون تقييمه إعمالاً لصحيح أحكام الدستور على نحو ما كشفت عنه أحكام المحكمة الدستورية العليا، وأيضًا على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، بمعيار التيسير وليس التسعير، وذلك مما يتعين أن تنزل عليه دومًا لجنة الأحزاب السياسية حتى يتفق ما تصدره من قرارات مع صحيح أحكام الدستور وحقيق مقتضيات القانون وحتى تتلاقى صدقًا وحقًا مع اعتبارات الواقع السياسي والاجتماعى.

ومن حيث إنه إذا كان الفهم الصحيح لأحكام الدستور والإدراك الواعي للمراد من نصوص قانون نظام الأحزاب السياسية مؤداه العمل على تشجيع أكبر عدد ممكن من المواطنين للمشاركة الإيجابية في الشئون العامة ومنها الشأن السياسى، فإن أحد العوامل التى تشجع على ذلك هو عدم التشدد ـ على غير أساس من الدستور أو القانون ـ في فرض قيود على حرية تكوين الأحزاب السياسية، لإمكان استيعاب كافة التيارات الموجودة في المجتمع المصرى والتي لا تجد في الأحزاب السياسية القائمة مكانها الطبيعى أو انتماءها الفكرى.

ومن حيث إنه ولئن كانت لجنة شئون الأحزاب السياسية ترمى برنامج الحزب الطاعن بالقصور، فإنه يكفى لنفى القصور عنه أن يكون هذا البرنامج قد تعرَّض إلى المبادئ العامة المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والثقافية للدولة التى تحدد إطاره الفكري بصدد هذه الشئون، وبحيث يكون الانتماء إليه عن بصيرة ويقين من اتجاهاته الرئيسية ومبادئه العامة، أما البرامج التفصيلية المتفرعة عن المبادئ العامة والاتجاهات الرئيسية فإنها لا تعدو أن تكون فروعًا لهذه المبادئ والاتجاهات الرئيسية، فلا يعيب البرنامج خاصة والحزب في طور التكوين ألاّ يتعرض ببرامج تفصيلية لعلاج كل المشكلات التى تقوم فى الواقع، أو يتسم في بعض أجزائه بعدم التحديد الدقيق، ذلك أن استلزام الكمال فى برنامج الحزب الوليد فيه عَنَتٌ وإرهاق، خاصة إذا نظر إلى حجم ونوعية المشكلات القائمة، والتي هي من العلم العام، أو تلك التى تطرأ وهى بعد فى علم الغيب، فلا يشترط قانونًا، ولا يستقيم في الواقع، أن يكون برنامج الحزب الوليد متكاملاً لا تشوبه شائبة، ذلك أن البرنامج، أى برنامج يتغير ويتبدل ويضاف إليه ويحذف منه مع الزمن ووفق ما يطرأ من متغيرات، دولية ومحلية،ولعله لا يخفى أن الأحزاب السياسية قد درجت على أن تعقد مؤتمرات دورية تدرس فيها المشاكل وتضع الحلول الجديدة وتعد البرامج وتحذف منها وتضيف إليها ليتفق برنامج الحزب مع أحداث العصر.

ومن حيث إنه إذا كان الأمر كما سبق وكان برنامج الحزب الطاعن قد تناول المبادئ الأساسية المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حسب رؤيته لهذه المسائل وتقديره لوسائل معالجة المشاكل التى تثور بشأنها، أياً كان الحكم الموضوعي عليها والذي مرده في النهاية إلى تقييم وتقدير المواطنين، فإنه لا يكون فيما قدمه ما يمكن وصمه بالقصور الذي يتنافى مع الحكم المنصوص عليه فى المادة (25) من قانون الأحزاب السياسية.

ومن حيث إنه عن مدى تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه فى تحقيق هذا البرنامج تميزًا ظاهرًا عن برامج غيره من الأحزاب السياسية القائمة، فإن المحكمة الدستورية العليا سبق أن قضت بدستورية شرط التميز بحسبانه “ضمانًا للجديد”، وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون فى وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراءً للعمل الوطنى ودعمًا للممارسة الديمقراطية تبعًا لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها (الطعن رقم 44 لسنة 7 القضائية الدستورية جلسة 7/5/1988).

ومن حيث إن الدستور ومن بعده القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بتنظيم الأحزاب السياسية تطلب لزامًا اتفاق الأحزاب القائمة وتلك التى تطلب التأسيس فى أمور غير مسموح بشأنها الاختلاف، ونتيجة ذلك أن يضيق مجال التميز المتطلب كشرط لتأسيس الحزب؛ فالتميز لا يكون مسموحًا به أو جائزًا إلا في غير تلك الأمور، الأمر الذى يؤدى إلى أن التماثل، بل التطابق يفترض حتمًا فى المقومات الأساسية التى تقوم عليها الأحزاب؛ وعلى ذلك فإن عدم التميز في هذا الشأن لا يمكن أن يكون مانعًا أو حائلاً دون تأسيس الحزب، كما أنه يكشف عن الوجه الصحيح لتفسير حكم الفقرة (ثانياً) من المادة (4) المشار إليها التى تشترط “تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزًا ظاهرًا عن الأحزاب”. فالمقصود بذلك اختلاف البرنامج والسياسات أو الأساليب عن تلك التى يقوم عليها حزب آخر. والتميز المطلوب لا يمكن أن يكون مقصودًا به أن يكون تميزًا عن كافة ما تقوم عليه برامج الأحزاب الأخرى كلها أو تكون أساليبه متميزة عن أساليب الأحزاب الأخرى مجتمعة، فالتميز يتحقق فى توافر التفرد والانفصال فى برامج الحزب وسياساته
أو أساليبه عن حزب آخر بحيث لا يكون هناك حزبان يتفقان فى البرامج والسياسات أو فى الأساليب التى يعتنقانها لتحقيق تلك البرامج والسياسات، فالأحزاب القائمة ليست فرعًا لتنظيم واحد يضمها جميعًا، بل كل منها ينفرد بذاتية مستقِلة رغم ما قد يكون بينها من اتفاق فى أصول عامة نابعة ومنبثقة من قواعد دستورية وقانونية تستلزم هذا الاتفاق، واشتراط التميز المطلق والتام بين الحزب طالب التأسيس وبين برامج الأحزاب الأخرى مجتمعةً يفترض أن هذه الأحزاب تمثل حزبًا واحدًا أو تنظيمًا واحدًا بحيث يجب أن يتميز عنها الحزب طالب التأسيس، وهو أمر غير مقبول فى تفسير النص، كما أن القول به مؤداه فرض قيد هو إلى تحريم تكوين أى حزب جديد أقرب منه إلى تنظيم الحق فى هذا التكوين.

ومن حيث إن التميز يكمن صدقًا وحقًا فى تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى ترد فى برامج الحزب وأساليبه وسياساته التى ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية متميزة، وتعبّر عن توجه فكرى مميز فى مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها من بين البدائل المتعددة فى ظروف الحياة الواقعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين المصريين ينفرد به على باقى الأحزاب السياسية، ويُعرف به بينها بحيث لا يكون نسخة ثانية مقلدة من البرامج والسياسات التى يتبناها ويتميز بها حزب قائم بالفعل، أو صورة مطابقة له فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأى من الأحزاب القائمة، إذ إن السماح لمثل هذا الحزب الذى يطابق غيره بالظهور على الساحة السياسية لا يشكل أية جدوى أو إضافة جديدة تثرى العمل الوطنى، فالتميز الظاهر بهذه المثابة هو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد، لو توافرت باقى الشروط التى حَتَّم الدستور والقانون توافرها، مما يعنى ظهور ملامح الشخصية المتميزة للحزب تحت التأسيس، وتفردها على باقى الأحزاب الأخرى.

ومن حيث إنه بالاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس وتقرير طعنه، يتبين أن لدى الحزب أوجهًا للتميز ينفرد بها عن غيره من الأحزاب، فالوجه الأول لتميز الحزب الطاعن، والمعلم الأساسى الذى يصطبغ به، هو وضع إستراتيجية مصرية تجاه النيل نهرًا وحوضًا ودولاً وتأثيره فى نهضة مصر الاقتصادية والسياسية، إذ يرى الحزب أن النيل هو شريان الحياة الطبيعى للشعب المصرى فى حاضره ومستقبله وأنه يحاول أن يتميز فى برنامجه السياسى بتقديم رؤية متكاملة ويتبنى الدعوة إلى استراتيجية مصرية جديدة للنهوض بهذا النيل وبدوله ومياهه، تقوم على أربعة عناصر مجتمعةً تبدأ بفهم النشأة التاريخية لهذا النهر وجغرافيته، ثم بيان استراتيجية الحزب للتعاون مع دول حوض وادى النيل ورؤيته بالنسبة لأزمة المياه ولنهضة النهر، وفى تفصيل ذلك أورد الحزب ما يلى:

1ـ نهر النيل.. مدخل عام عن النشأة التاريخية:

وفى هذا الصدد أورد الحزب أن النيل المصرى سواء فى صورته الأولية أو الحالية لا يدين بوجوده وأصله للحبشة أو غيرها من المنابع بقدر ما يدين لجيولوجية مصر المحلية فى تطوراتها المتعاقبة، وأن فضل هذه المنابع أتى تاليًا لذلك، أما الفضل الأول فكان للنيل المصرى المحلى المجتهد النشط ذاته ولولاه لما تفضلت المنابع العليا بدورها اللاحق.

2ـ جغرافية النيل بالأرقام الدقيقة :

أورد الحزب الأرقام الدالة على أن طول هذا النهر فى مصر يعادل ما يقرب ربع طوله من أقصى منابعه حتى المصب، وأن عرضه فى مصر يبلغ نحو ثلث عدد درجات عرضه إلا قليلاً، وأن النيل المصرى وحده يفوق طولاً معظم أنهار أوربا المعروفة وأنه على النقيض من هذه الأبعاد ليس النيل فى مصر إلا حوضًا ضامرًا لا يعدو أن يكون جزءًا من أجزاء أو نحو 7 ـ 8% من حوض النهر الكلى بالتقريب. واستطرد الحزب موضحًا أنه بعد هذه النظرة العامة الخارجية إلى امتداد الوادى فى مصر ككل فإنه من المفيد أن ينظر نظرة داخلية إلى تقسيم هذا الامتداد بين قطاعاته المختلفة خاصة الدلتا والصعيد، وفى بيان ذلك أورد الحزب بالشرح والأرقام امتداد النيل طولاً وعرضًا بالدلتا والصعيد ومعدل انحدار هذا النهر فى مصر.

3ـ استراتيجية الحزب للتعاون مع دول حوض وادى النيل:

أوضح الحزب أنه انطلاقًا من الجغرافية المتميزة لنهر النيل وتواصله مع عشر دول أفريقية صديقة فإن من أهم دعوات الحزب ضرورة التنسيق المائى والسياسي والاقتصادى مع منظومة دول حوض وادى النيل، وذلك للحيلولة بين الدور الأجنبي وبخاصة الدور الإسرائيلى، وبين تهديد وحدة هذه الدول وأمنها ومشاريعها الاقتصادية، وينبه الحزب إلى خطورة الدور الإسرائيلى فى هذا الخصوص وإلى المشاريع التى تم الاتفاق عليها بين إسرائيل وأوغندا والتى يخشى أن تتسبب فى أزمة جديدة بين أوغندا وعدد من دول حوض النيل، ولذلك يرى الحزب ضرورة بناء استراتيجية للتعاون والتنسيق بين دول حوض النيل؛ وتنمية الروابط الوثيقة معها وتحقيق التكامل بينها فى المجالات المختلفة، وذلك حمايةً لها من الأخطار والتدخلات الأجنبية الخطرة. ويطالب الحزب بإنشاء منظمة حوض نهر النيل تضم كل دول الحوض، ويكون مقرها القاهرة، حيث تنعقد فيها اجتماعات المنظمة الدورية بمعدل مرة كل سنة ويحضرها رؤساء هذه الدول على أن يكون للمنظمة أمانة تمثل فيها جميع الدول الأعضاء وتقوم بالتحضير للاجتماعات ومتابعة تنفيذ القرارات والتنبيه إلى الأخطار التى تحيط بحوض النهر العظيم ويكون أمين هذه المنظمة من دول المقر.

4ـ رؤية الحزب لأزمة المياه وللنهوض بالنهر:

يدعو الحزب إلى الاهتمام استراتيجيًا بالنيل لمواجهة أزمة نقص المياه العالمية والعربية والمصرية. ويوضح الحزب أن منطقة حوض وادى النيل تعانى من مشكلة عجز المياه وأن مصر فى القلب منها، إذ إن الحصة المحددة لها وهى 55 مليار م3 لا تتناسب مع الزيادة السكانية ومعدلات التنمية مما يستوجب إعادة النظر في سياستنا المائية والبحث عن الطرق التى تؤدى إلى أقصى استفادة من المياه، وفى هذا الصدد يؤكد الحزب على أهمية مشروع توشكى وأهمية دراسته جيدًا بما يفيد مصر واحتياطى المياه بها. كما يرى الحزب من ناحية أخرى ضرورة إعادة النظر فى علاقة مصر بدول أعالى النيل، خاصة أنه لا يوجد قانون ترتضى به الدول، فضلاً عن وجود محطات لإعادة توزيع المياه تهدد أمن مصر مما يستوجب التخطيط لسياسة مائية طويلة المدى تقوم على تحسين نظم الرى والحد من الإسراف المائى فى المجال البشرى والزراعى والاعتماد على الأنماط الزراعية حتى لا تحتاج إلى مياه كثيفة.

ومن حيث إن ما ساقته لجنة شئون الأحزاب فى قرارها المطعون عليه من أن الاهتمام بنهر النيل هو واقع وحقيقة لا خلاف عليها، وأن ما ساقه برنامج الحزب بضرورة التنسيق المائى والسياسى والاقتصادى مع دول حوض النيل وإعادة النظر فى العلاقات بين مصر ودول حوض النيل هو أمر حقيقى، لأن مصر حريصة على تحقيق الصلات الطبيعية والروابط الحسنة مع هذه الدول، وأنه فى خصوص ما يدعو إليه برنامج الحزب من إنشاء منظمة تضم دول حوض النيل وتعقد اجتماعات دورية سنوية بحضور رؤساء الدول فإن إنشاء هذه المنظمة أمر لا يتضمن جديدًا، حيث تسعى مصر إلى تحقيقه من منطلق جدوى هذه المنظمة وأن مجلس الوزراء لدول حوض النيل يقوم بدور فعال فى هذا الشأن. وأضافت اللجنة أن حكومة الحزب الوطنى الديمقراطى تنتهج سياسة مائية رشيدة تقوم على خطط سليمة ودراسات وأبحاث متعمقة ومستفيضة وتجارب مستمرة ومتجددة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة. كما تعمل الحكومة على ترشيد استخدام واستهلاك مياه النيل بما تقيمه من مشروعات وما تقدمه من توعية فى هذا الشأن وأن هناك أحزابًا أخرى تدعو فى برامجها إلى ترشيد مياه النيل وتنمية موارده.

ولا ينال ما سبق من تميز الحزب لأن ما أثارته اللجنة وتنتهجه الحكومة هو منظور جزئى، أما الحزب فيعالجه من منظور كلى يتسع ليغطى الموضوع وتأثيراته المختلفة على جوانب الحياة فى مصر، فالمنهج فى الحالتين مختلف، كما أن الاهتمام بالموضوع من جانب الحكومة وبعض الأحزاب فى جزئياته لا ينهض سببًا لنفى فكرة التميز عن الحزب الطاعن، وذلك أن فكرة التميز فى مفهوم البند (ثانياً) من المادة (4) من قانون الأحزاب السياسية ينظر إليها فى نطاق الأحزاب السياسية وليس خارجها، فيكفى لقيام التميز فى برنامج الحزب الطاعن أن يعالج استراتيجية موحدة تجاه النيل حتى يكون الحزب الطاعن منفردًا وبالتالى متميزًا فى هذا الجانب، خاصة أن برنامج الحزب الطاعن فى هذا المجال ينطلق من أن الأمن القومى المصرى يتطلب تأمينًا لتدفق النهر العظيم من دول المنابع وليس تأمينه فقط من جنوب السودان كما هو شائع حتى لو تطلب هذا التأمين تقديم مساعدات لهذه الدول فى المجالات المختلفة، بحيث يتكون لمصر نفوذ اقتصادي وتجارى وثقافى فى هذه الدول وخاصة أن الحاجة لهذا التأمين ستزداد فى القرن الحادى والعشرين التى رشح الخبراء ندرة المياه وأزمتها الخانقة لتكون مسرحًا للحروب القادمة التى ستكون مدمرة بسبب التقدم التكنولوجى فى الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، كما أن برنامج الحزب يرى أنه لابد من تكوين رأى عام ووعى ثقافى وتاريخى بنهر النيل وهذا لن يتأتى إلا بقراءة صحيحة ومعرفة دقيقة بالنهر العظيم وتكون ضمن المناهج الدراسية فى المراحل التعليمية المختلفة وهذه المعرفة وتلك القراءة تبدأ بتعريف أجيالنا الجديدة بالنهر الخالد وجغرافيته بتفاصيلها الدقيقة التى تبدأ من المنابع وهو ما يسهل الدعوة إلى أن يكون لمصر نفوذ فى دول الحوض العشر حتى ولو كان على حساب توفير بعض الاحتياجات الأساسية لأهاليها.

 وإذا كان حزب “مصر الفتاة” ذكر أن هناك مجموعة من الدول الأفريقية عددها سبع دول أعضاء فى جمعية دول حوض النيل، بالإضافة إلى مصر والسودان، ويرى الحزب ضرورة تنظيم اتحادها لاتصال هذا الاتحاد بالمصالح العليا فى وادى النيل، ويكون ذلك من خلال توسيع نطاق برلمان وادى النيل بحيث يكون مقصورًا على الدول التسع المستفيدة من ماء النيل، وما يقول به حزب “مصر الفتاة” يختلف عما تبناه الحزب الطاعن، فالمنظمة التى على مستوى القمة لم يقل به حزب “مصر الفتاة”، لذلك فإن لجنة شئون الأحزاب السياسية فى اعتراضها على تأسيس الحزب الطاعن لم تشر إلى ذلك مما يعنى أن برنامج الحزب الطاعن يختلف عن برنامج حزب “مصر الفتاه” فى هذه الجزئية، كذلك الأمر بالنسبة لحزب “مصر 2000” الذى لم تشر إليه اللجنة فى قرارها ولم تناقش هذه المسألة بالنسبة له، الأمر الذى يمثل تميزًا للحزب الطاعن فى هذه النقطة عن سائر الأحزاب القائمة.

ومن حيث إن وجه التميز الثانى للحزب تحت التأسيس يتمثل فى فكرة “المثلث الذهبى” وهو رؤية الحزب لنهضة مشتركة بين مصر وليبيا والسودان، ويشيد الحزب بدعوة مصر إلى تجمع دول الكوميسا وانعقاد مؤتمرها الأخير فى القاهرة ويرى أن هذا العمل الجيد والمتميز يكتمل أكثر ويزداد قوة إذا تمت موازاته بتحقيق التكامل الاقتصادى والسياسى والاجتماعى بين دول المثلث الذهبي (مصر ـ  ليبيا ـ السودان) وصولاً إلى تحقيق وحدة اندماجية بين الأقطار الثلاثة، خاصة أن شروط هذا التكامل متوافرة تمامًا، إذ تؤكد الدراسات العلمية أن هذه الدول الثلاث تنفرد بامتلاك مجموعة من المؤهلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تؤهلها للتكامل والنهضة وفقًا للبيانات الإحصائية التى أوردها الحزب فى مختلف المجالات والتى توضح قدرات وإمكانيات هذه الدول التى تؤكد أن التكامل يمكن أن يكتب له النجاح إذا تم تعضيده بالإرادة السياسية والشعبية لتلك الدول على أن يقوم بدايةً فى القطاع الأهلى والاجتماعى، ثم بعد ذلك فى القطاع الزراعى والثروة الحيوانية، وذلك باستغلال ما لدى السودان من أرض زراعية شاسعة وثروة حيوانية كبيرة وما لدى مصر من عمالة فنية راقية ذات خبرة عالية وما لدى ليبيا من فوائض مالية بترولية حتى إذا ما نجح التكامل فى هذا القطاع يمكن التركيز بعد ذلك على قطاع آخر مثل الصناعة والسياحة وهكذا حتي يتم التكامل والوحدة الكاملة بين هذه الدول الثلاث انطلاقًا من وحدة الشعوب. ويؤكد الحزب على أن التكامل المنشود سوف يعود على الدول الثلاث بالكثير من الفوائد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالسودان سيتم استصلاح واستزراع الكثير من أراضيها الزراعية؛ ومن ثَمَّ زيادة الإنتاج ورفع الكفاءة الإنتاجية وبذلك يزيد الدخل الفردى والقومى ويتسنى تشغيل العديد من العاملين مما يحقق القضاء على الكثير من العمالة العاطلة بهذا البلد، وفضلاً عن ذلك فإن تكامل السودان مع مصر سواء شعبيًا أو أهليًا سينهى النزاع بالجنوب والحروب الدائرة فى شأنه منذ سنوات طويلة والتى استنزفت أموالاً طائلة وأرواح المواطنين وتُعرِّض السودان للتقسيم. كما أن هذا التكامل سوف يساعد على استكمال مشروع قناة جونجلي الذى سيفيد السودان ومصر بموارد مائية بكميات كبيرة مما يزيد من اتساع الرقعة الزراعية بالبلدين ويعود بالخير عليهما، أما بالنسبة لمصر فقد أوضح الحزب أن التكامل سيؤدى إلى تشغيل الكثير من العمالة المصرية فى قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والتصنيع الزراعى والحيوانى بالسودان وسيعود على مصر بالمزيد من الموارد المائية ويقضى على محاولات بعض الدول الأفريقية التلاعب فى حصص البلدين المائية، وفضلاً عن ذلك فإن السودان من الناحية السياسية هو الامتداد الاستراتيجي لمصر. أما بالنسبة لليبيا فقد أشار الحزب إلى أنها سوف تستثمر أموالها وفوائضها البترولية فى مجالات المشروعات المختلفة المشتركة بين الدول الثلاث، وأن ذلك سيعود بفوائد كبيرة اقتصادية واجتماعية على الجماهيرية الليبية.

ومن حيث إن ما ساقته لجنة شئون الأحزاب فى قرارها المطعون عليه من اعتراض على تكوين الحزب بالنسبة لهذه النقطة وهو أن هذا المطلب مطروح على الساحة وتنادى به شعوب هذه الدول وتتطلع إلى تحقيقه انطلاقًا من إيمانها بتوافر عناصر قيام هذا التكامل والترابط، وأن التعاون والتقارب بين هذه الدول فى مختلف المجالات حاصل فعلاً على أرض الواقع ويجرى العمل على توسيع نطاقه بخطى حثيثة من خلال الاتفاقيات والاستثمارات والمشروعات المشتركة بين تلك الدول.

ولا ينال ما سبق من تميز الحزب من هذه الناحية ـ أيضًا ـ لأن ما أثارته اللجنة من وجود واقع بذلك لا يعد سببًا للاعتراض على تكوين الحزب فلم يحدد القرار فى أى حزب سياسى قائم تبنّى وجهة نظر الحزب المطلوب تأسيسه فى برنامجه فى هذا الشأن وجاء القرار خاليًا من أى سبب للاعتراض على هذه النقطة، مما يجعل الاعتراض على برنامج الحزب فى هذا النقطة غير قائم على سببه.

يضاف إلى ما تقدم أن برنامج الحزب الطاعن قد تضمَّن فى صدد شرح برنامجه بالنسبة للسياسة الخارجية تحت عنوان “مقترحات جديدة فى العلاقات الدولية” أنه يهدف إلى طرح بديل عربى للعلاقات الدولية يؤسس لعالمية جديدة عادلة فى مواجهة هيمنة الغرب وثقافته على العالم، وفى سبيل ذلك يدعو إلى تأسيس أكاديمية مصرية “متطورة” تخرج علماء وساسة لديهم دراية ثقافية عالية بالعلاقات الدولية وانتماء وهوية عربية واضحة. ويقترح الحزب أن تهتم هذه الأكاديمية فى مناهجها الدراسية بمجالات السياسة الخارجية والدولية والأمن القومى والقضايا والأزمات الدولية المعاصرة وتاريخ العلاقات الدولية والقانون الدولى والمنظمات الدولية والإقليمية ونزع السلاح والرقابة على التسليح والجغرافيا السياسية والعلاقات الاقتصادية الدولية، وكذا العلاقات الدبلوماسية والقنصلية والعولمة.

وقد علقت لجنة شئون الأحزاب المطعون فى قرارها على ذلك بأن الدعوة إلى إنشاء الأكاديمية المصرية تحتاج إلى مزيد من التفصيل والدراسة خاصة وأن هذه الأكاديمية تقارب فى أهدافها ومناهجها المقترحة معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية المصرية. وهذا الاقتراح يمثل نقطة متميزة تمامًا لم يسبق إثارتها من قبل ولم تعلق عليها اللجنة ولم تشر إلى وجود رؤية تماثلها فى برنامج الأحزاب الأخرى، ويعد هذا المطلب اقتراحًا وليدًا وهامًا، لأنه يهتم بتعليم الأجيال القادمة أكاديميًا وعمليًا ما يتعلق بمجالات هامة فى نطاق العلاقات الدولية وهى لا تماثل مناهج معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية لكونه لا يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية وحدها، كما أنه ليس مقصورًا على الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، بل هى أكاديمية عامة تعمل فى هذا المجال مما يجعل للحزب الطاعن تميزًا فى هذه النقطة عن سائر الأحزاب القائمة.

ومن حيث إنه لم يرد بقرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون عليه ما يفيد أن برنامج الحزب يشوبه القصور فى نقاط معينة فإنه والحال كذلك يكون برنامج الحزب الطاعن قد تعرض لأمهات المبادئ التى يراها فى الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها الإيمان بالديمقراطية والتعددية وحرية الفكر، وتأكيد الوحدة الوطنية مع أقباط مصر ومحورية دور النيل فى نهضة مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبالنسبة للسياسة الداخلية رؤية للمشهد الاقتصادى والاجتماعى العام فى البلاد، كذلك العمل النقابى، ودور البنوك فى التنمية ورؤيته لقضايا الأسرة والمرأة والطفولة، وقضايا الإعلام والثقافة والسياحة والزراعة، وقضايا الإسكان والشباب وقضايا التعليم، وكذلك السياسة الخارجية، ومقترحات فى العلاقات الدولية ومشكلة العولمة والعلاقات الأفريقية الأوروبية، فضلاً عن إستراتيجية النيل نهراً وحوضًا ودولاً، والمثلث الذهبى.

ومن حيث إنه لما سبق فإنه يكون قد توفر للحزب الطاعن ما تطلبته المادة (2) من قانون الأحزاب السياسية من برنامج محدد يتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة يمكن أن تعمل على تحقيقه عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم. كما يتميز البرنامج المذكور تميزًا ظاهرًا عن برنامج الأحزاب الأخرى حسبما يتطلب ذلك البند (ثانياً) من المادة (4) من قانون الأحزاب السياسية.

ومن حيث إنه يتبين من دراسة البرنامج المقدم من الحزب الطاعن أنه لا يتعارض فى مقوماته ومبادئه وأهدافه وسياساته فى ممارسة نشاطه مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، ومع مبادئ ثورتى 23 من يوليو سنة 1952 و 15 من مايو
سنة 1971، والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى والمكاسب الاشتراكية، كما أن الحزب فى مبادئه وبرنامجه ومباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه، لا يقوم على أساس طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة ولا تنطوى وسائل الحزب على إقامة أى تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، ولا يقوم الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسى بالخارج، كما أن الحزب الطاعن لا يرتبط أو يتعاون مع أية أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو قوى سياسية تقوم على معاداة أو مناهضة المبادئ والأحكام والمنصوص عليها فى المادة (3) أو فى البند (أولاً) من المادة الرابعة من القانون رقم (40) لسنة 1977، كما يتوافر فى حق الحزب الطاعن شرط علانية المبادئ والأهداف والبرامج والنظم والتنظيمات والسياسات والوسائل وأساليب مباشرة النشاط الحزبى وعلانية تشكيلاته وقيادته وعضويته ووسائل ومصادر تمويله، كما لم يشتمل النظام الداخلى للحزب على ما يخالف أحكام المادة (5) من الدستور وأحكام قانون الأحزاب السياسية، ويتضمن هذا النظام القواعد التى تنظم كل شئون الأحزاب السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية.

ومن حيث إنه بالترتيب على ما تقدم جميعه، وإذ توافرت فى حزب الجيل الديمقراطى طالب التأسيس الشروط القانونية التى نص عليها القانون رقم (40) لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية وتعديلاته، فمن ثَمَّ يكون القرار الصادر من لجنة الأحزاب السياسية بتاريخ 20/8/2000 بالاعتراض على تأسيس الحزب قد خالف القانون، الأمر الذى يتعين معه الحكم بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار.

وطبقًا للمادة التاسعة من القانون المشار إليه يتمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية ويمارس نشاطه السياسي اعتبارًا من تاريخ صدور حكم هذه المحكمة بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب.

ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية الصادر فى 20/8/2000 بالاعتراض على تأسيس حزب الجيل الديمقراطى، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المطعون ضده بصفته المصروفات.

Comments are closed.

Violetporno xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV XnxxXnxx arabYêu nhau bao lâu bây giờ mới được ướm cặc vào lồn em