مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 2846 لسنة 46 القضائية (عليا)
مارس 27, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 7402 لسنة 44 القضائية (عليا)
مارس 27, 2020

الطعن رقم 11225 لسنة 46 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 8 من مايو سنة 2003

الطعن رقم 11225 لسنة 46 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

 وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد أحمد الحسيني عبد المجيد وجودة عبد المقصود فرحات وعادل محمود زكي فرغلي وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعلي فكري حسن صالح والسيد محمد السيد الطحان وغبريال جاد عبد الملاك ود.حمدي محمد أمين الوكيل وأحمد أمين حسان ويحيى خضري نوبي محمد.

نواب رئيس مجلس الدولة

……………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

 (أ) دعوى– دعوى الإلغاء- ميعاد رفعها- العلم اليقيني بالقرار المطعون فيه- حددت نصوص قانون مجلس الدولة الإعلان والنشر كأداتين للعلم بالقرار الإداري على سبيل الحصر، فهما قرينتان على وصول القرار المطعون عليه إلى علم صاحب الشأن- القضاء الإداري لم يلتزم حدود النص في ذلك وأنشأ نظرية العلم اليقيني- يشترط في هذا العلم ليقوم مقام النشر أو الإعلان ثلاثة شروط: (الأول) أن يكون علما يقينيا حقيقيا بمؤدى القرار ومحتوياته، لا ظنيا ولا افتراضيا، و(الثاني) أن يكون منصبا على جميع عناصر القرار ومحتوياته، بحيث يجعل صاحب الشأن في حالة تسمح له بتبين حقيقة أمره بالنسبة إلى القرار المطعون فيه، و(الثالث) أن يسمح العلم لصاحب الشأن بتحديد طريق الطعن المناسب- متى قام الدليل القاطع على ذلك بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم، دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه- هذا العلم يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة- للقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة، وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره.

  • المادة 24 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ب) دعوى– دعوى الإلغاء- ميعاد رفعها- فكرة استطالة الأمد- استطالة الأمد لا تقوم مقام الإعلان على الإطلاق- استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه هي قرينة تقبل إثبات العكس، فكما تدل على العلم الظني بالقرار، تدل أيضا على عدم العلم به- لا يصح استنتاج علم صاحب الشأن بالقرار علما يقينيا من قرينة تقبل إثبات العكس، أو تعتمد على يقظة المدعي أو ثقافته- استطالة الأمد على صدور القرار لا تكفي وحدها دليلا حاسما على العلم اليقيني بالقرار، وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى، بحسب ظروف كل حالة على حدة، على توفر هذا العلم- هذا أمر متروك لمحكمة الموضوع تستخلصه من ظروف النزاع المعروض عليها، ومشروط بالتقيد بالمدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة، وهي خمس عشرة سنة من تاريخ صدور القرار.

  • المادة 24 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ج) دعوى– دعوى الإلغاء- أثر ظهور مبدأ قانوني جديد من دائرة توحيد المبادئ- الحكم الصادر عن هذه الدائرة وإن كان يضع حدا لاختلاف الرأي السابق عليه، إلا أنه لا يطبق بأثر رجعي يمس الأحكام القضائية النهائية التي استقرت بها المراكز القانونية للأطراف المعنية، ولا يفتح ميعادا لرفع دعوى بإلغاء القرار الإداري بعد فوات الميعاد.

الإجراءات

في يوم الخميس الموافق 31/8/2000 أودع الأستاذ/… المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا -بصفته وكيلا عن الطاعن- قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 11225 لسنة 46ق. عليا طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة الترقيات) بجلسة 2/7/2000 في الدعوى رقم 5217 لسنة 53ق، القاضي منطوقه بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي المصروفات.

وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع: (أولا) إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بأحقيته في إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى  وظيفة (باحث أول) من الدرجة الأولى، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. و(ثانيا) إلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية، مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.

وقد أعلن تقرير الطعن الماثل إلى المطعون ضدهما على النحو الثابت بمحضر الإعلان.

وتتحصل وقائع النزاع الماثل -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 17/3/1999 أقام الطاعن دعواه رقم 5217 لسنة 53ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة ضد المطعون ضدهما بصفتيهما، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع:

(أولا) إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة (باحث أول) من الدرجة الأولى، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.

(ثانيا) إلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وذكر المدعى شرحا لدعواه أنه علم في أواخر شهر فبراير من عام 1999 بالقرارين المطعون فيهما المذكورين سالفا، وقد تخطاه الأول في الترقية لوظيفة من الدرجة الأولى، كما تخطاه الثاني في الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية، وتمت ترقية من هم أحدث منه من زملائه إلى هاتين الدرجتين، وأنه لا يقل كفاية عنهم، فضلا عن أقدميته في التعيين عليهم. ولتوفر شروط الترقية في حقه؛ فقد تظلم من هذين القرارين فور علمه بهما، فلم ترد جهة الإدارة على تظلمه، ثم خلص المدعى إلى طلباته المبينة سالفا.

……………………………….

وقد جرى تحضير الدعوى بهيئة مفوضي الدولة على النحو الثابت بمحاضرها، ثم أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الأولى ودرجة مدير عام، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وتدوولت الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 2/7/2000 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نص المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، والمادة (5) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978، والمادة (6) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون- تأسيسا على أن القرارين المطعون فيهما (الأول) صدر بتاريخ 7/8/1984، و(الثاني) صدر بتاريخ 24/7/1991، وتم النشر بالنشرة الرسمية لوزارة المالية، وتم توزيعه على إدارات وأقسام ووحدات القطاع الذي يعمل به المدعي، غير أنه لم ينشط إلى اختصامهما بالدعوى الماثلة إلا بتاريخ 17/3/1999، بعد فوات الميعاد المقرر قانونا، ثم خلصت المحكمة إلى قضائها المطعون فيه.

……………………………….

وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعيا على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، على سند من أنه ليس هناك علم يقيني لدى المدعي بالقرارين المطعون فيهما إلا في شهر فبراير سنة 1999، حيث إن هذين القرارين قد صدرا عن وزارة المالية بالقاهرة، والطاعن بحكم عمله بأسيوط لم يعلم بهما نهائيا، كما نعى الطاعن على الحكم الطعين انطواءه على إخلال بحق الدفاع، وأن ما جاء به ليس له سند من الأوراق، فضلا عن عزوفه عن إيراد أسباب وأسانيد ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضي الدولة، ثم خلص الطاعن إلى طلباته المبينة سالفا.

……………………………….

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن المصروفات.

ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، حيث قررت بجلسة 2/5/2001 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 30/9/2001.

وبجلسة 13/4/2002 قررت (الدائرة الثانية موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، تأسيسا على أن هناك تعارضا في أحكام المحكمة الإدارية العليا، إذ إن بعض الطعون (أرقام 5204 لسنة 42ق و4206 لسنة 40ق و4610 لسنة 40ق و68 لسنة 41ق و3190 لسنة 44ق و4491 لسنة 40ق و4162 لسنة40ق) أخذ بفكرة الاستطالة مفترضا العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة، وبالتالي يحكم بعدم قبول الدعوى شكلا، في حين أن البعض الآخر (الطعون أرقام3243 لسنة 40ق و3336 لسنة 40ق و605 لسنة 41ق و2493 لسنة 40ق و4204 لسنة 40ق) لا يأخذ بالفكرة السابقة ويشترط العلم بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا عن طريق الإعلان أو النشر، وإلا حكم بقبول الدعوى شكلا مهما بلغت المدة التي انقضت على صدور القرار المطعون فيه.

وإذا أُخِذ بفكرة الاستطالة، فما هي الضوابط التي يمكن أن تجعل هذه الفكرة معيارا موضوعيا لا يختلف فيه من حالة إلى أخرى؟

وإذا كانت دائرة توحيد المبادئ قد انتهت في جلستها المنعقدة في 6/6/1996 إلى اعتبار جميع قطاعات كوادر ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة في مجال التعيين والترقية والنقل والندب عند تطبيق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، فهل ينفتح منذ هذا التاريخ ميعاد جديد للطعن في قرارات الترقية التي صدرت على أساس تعدد القطاعات بديوان عام الوزارة، والتي لم ينشط ذوو الشأن من العاملين للطعن فيها وقتذاك لعدم وجود مصلحة لهم في هذا الطعن، ثم صارت لهم مصلحة في الطعن على القرارات المشار إليها بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ المذكور سالفا؟

وقد نظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 4/7/2002، وتداولت نظره بالجلسات، وأثناء المرافعة أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام (5204 لسنة 42ق و4206 لسنة 40ق و4610 لسنة 40ق و68 لسنة 41ق و3190 لسنة44ق و4491 لسنة44ق و4162 لسنة 40ق)، والتأكيد على ما سبق أن قررته ذات المحكمة في الطعون أرقام (3243و 3336 لسنة 40ق و605 لسنة 41ق و2493 لسنة 40ق و4204 لسنة 40ق) من الأخذ بنظرية العلم اليقيني بالقرار، وما تشترطه من العلم بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا.

وفيما يتعلق بالتساؤل المطروح بقرار الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمدى انفتاح ميعاد جديد للطعن في قرارات الترقية بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ في جلستها المنعقدة في 6/6/1996 فإن صدور هذا الحكم بمبدأ قانوني جديد لا يترتب عليه انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء.

وبجلسة 7/11/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/3/2003، وصرحت بتقديم مذكرات خلال شهر، وفي هذا الأجل لم تقدم أية مذكرات، وفي الجلسة المذكورة تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 30/4/2003، ثم إلى 8/5/2003، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة

ومن حيث إن الغاية من إحالة الطعن الماثل إلى هذه الدائرة المشكلة على وفق المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة هي أن الدائرة الثانية بالمحكمة رأت وجود تعارض في أحكام المحكمة الإدارية العليا بين الأخذ بفكرة الاستطالة لافتراض العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة، والأخذ بفكرة العلم اليقيني واشتراط العلم بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا.

ومن حيث إن بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا المشار إليها قد ذهبت إلى أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء هو ستون يوما تسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، إلا أنه يقوم مقام الإعلان علم صاحب الشأن به بأية وسيلة من وسائل الإخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل، بيد أن العلم الذي يمكن ترتيب هذا الأثر عليه من حيث سريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء يجب أن يكون علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا، وأن يكون شاملا جميع عناصر القرار التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا القرار، ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه إلى الطعن فيه، ولا يجري الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل.

ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله، دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء الإداري في إعمال رقابته القانونية التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال، فلا يؤخذ بهذا العلم إلا إذا توفر اقتناعها بقيام الدليل عليه، كما لا تقضي به عند إنكار صاحب المصلحة إياه؛ حتى لا يتزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التي كسبها أربابها من هذه القرارات.

(الطعون أرقام 1113 لسنة 7ق و956و958 لسنة 5ق و217و 1683 لسنة 30ق و 4096 لسنة 45ق بجلسة 17/2/2001)

غير أن المحكمة الإدارية العليا قد ذهبت إلى مذهب مغاير في الطعون أرقام 2762 لسنة 40ق و140 لسنة 44ق و4610 لسنة 40ق و5204 لسنة 42ق و4206 لسنة 40ق و4610 لسنة 40 ق و68 لسنة 41ق و3190 لسنة 44ق و 4491 لسنة 44ق و4162 لسنة 40ق)، حيث قضت بأن العلم بالقرار الذي يعول عليه في مجال سريان ميعاد دعوى الإلغاء يتعين أن يكون بالغا حد اليقين، بحيث لا يقوم على ظن أو يبنى على افتراض، إلا أن هذا المبدأ لا ينبغي اتخاذه ذريعة للطعن على القرارات الإدارية مهما طال عليها الأمد؛ لذلك فإن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن، وسلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار؛ إذ على العامل أن ينشط دائما إلى معرفة القرارات التي من شأنها المساس بمركزه القانوني، وأن يبادر إلى اتخاذ اجراءات اختصامها في الوقت المناسب، خاصة أن تحديد ميعاد الطعن بستين يوما من تاريخ العلم بالقرار إنما يتغيا استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها؛ درءا لتعرض الأوضاع الإدارية للأضرار، فليس من ريب في أن الادعاء بعدم العلم حال استطالة الأمد مؤداه إهدار المراكز القانونية التي استتبت على مدار السنين وهو ما لا يمكن قبوله.

وغني عن البيان أن المدة التي لا يقبل بانقضائها التذرع بانتفاء العلم إنما تتحدد بالمدى المقبول على وفق تقدير القاضي الإداري تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا، أخذا في الاعتبار ظروف وملابسات كل حالة على حدة، استهداء باعتبارات وضع القرار موضع التنفيذ، وما إذا كان مقتضاه يتحقق معه العلم بحكم اللزوم من عدمه، كذلك لا يستوي في هذا الصدد من يثبت وجوده خارج أرض الوطن ومن كان مقيما في الداخل، ولا من حالت دون علمه قوة قاهرة وذلك الذي تخلف عنه هذا الاعتبار.

– ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يتحدد فيما يأتي:

(أولا) الأخذ بفكرة استطالة الأمد للقول بالعلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة، وبالتالي يحكم بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، أم الأخذ بنظرية العلم اليقيني وما تتطلبه من ضرورة العلم بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا عن طريق الإعلان أو النشر وما يقوم مقامهما.

(ثانيا) هل ينفتح ميعاد رفع دعوى الإلغاء في حالة ظهور مبدأ قانوني جديد لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا يخالف ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا من قبل؟

– ومن حيث إن المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: “ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية…”.

ومفاد ما تقدم أن ميعاد الطعن في القرارات الإدارية يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، فالإعلان والنشر هما أداتا العلم بالقرار الإداري المطعون فيه وذلك كما ورد بنص المادة (24) من قانون مجلس الدولة المذكور سالفا على سبيل الحصر.

وغني عن البيان أنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعة النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء، وبالنظر إلى أنهما ليسا إلا قرينتين على وصول القرار المطعون عليه إلى علم صاحب الشأن، فالقضاء الإداري في مصر وفرنسا لم يلتزما حدود النص في ذلك، وأنشآ نظرية العلم اليقيني. وهذا العلم يقوم مقام النشر والإعلان، وذلك بشرط أن يكون علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا.

فمتى قام الدليل القاطع -على وفق مقتضيات ظروف النزاع وطبيعته- على علم صاحب الشأن بالقرار علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا، بحيث يكون هذا العلم شاملا جميع محتويات القرار ومواده، حتى يتيسر له بمقتضى هذا العلم أن يحدد مركزه القانوني من القرار -متى قام الدليل على ذلك- بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم، دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه.

وهذا العلم يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله، دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره.

والعلم اليقيني الذي يقوم مقام النشر أو الإعلان، والذي يبدأ من تاريخ ثبوته سريان ميعاد الطعن بالإلغاء يشترط فيه ثلاثة شروط وهي:

1- أن يكون العلم يقينيا حقيقيا بمواد القرار ومحتوياته لا ظنيا ولا افتراضيا.

2- أن يكون منصبا على جميع عناصر القرار ومحتوياته، ويجعل صاحب الشأن في حالة تسمح له بالإلمام بكل ما تجب معرفته حتى يستطيع تبين حقيقة أمره بالنسبة إلى القرار المطعون فيه، وهل مس مصلحته أم لا، ويمكنه من تعرف مواطن العيب إن كان لذلك وجه.

3-أن يسمح العلم لصاحب الشأن بتحديد طرق الطعن المناسبة.

ولا يتقيد إثبات العلم اليقيني بوسيلة إثبات معينة، وإنما يمكن إثباته من أية واقعة تفيد حصوله.

ولا ينال من ذلك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا من أن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن وسلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار؛ فذلك مردود بأن استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه ليست دليلا على العلم اليقيني بالقرار، فقد لا يعلم المدعي بصدور القرار نهائيا بالرغم من فوات مدة طويلة على صدوره.

هذا فضلا عن أنه إذا افترضنا جدلا أن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه دليل على علم صاحب الشأن به، فإن هذا العلم هو مجرد علم ظني أو افتراضي، وليس علما يقينيا، فمجرد استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه لا تصلح دليلا قاطعا على علم صاحب الشأن بالقرار وبجميع محتوياته وعناصره وتحديد مركزه بالنسبة له، وما إذا كان قد مس مصلحته أم لا، فاستطالة الأمد لا تقوم مقام الإعلان على الإطلاق، ولا يمكن أن يثبت العلم المراد بالإعلان بمجرد استطالة الأمد ثبوتا يقينيا قاطعا.

كما أنه ليس صحيحا القول بأن عدم العلم حال استطالة الأمد مؤداها إهدار المراكز القانونية التي استتبت على مدار السنين؛ فذلك مردود بأن الحفاظ على استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها مرهون بتوفر علم أصحاب الشأن علما حقيقيا، لا ظنيا ولا افتراضيا، بالقرارات الماسة بهم التي أنشأت هذه المراكز، والتزام جهة الإدارة بإعلان أصحاب الشأن بهذه القرارات.

ولما كان القول باستطالة الأمد لا يكون إلا في حالة عدم الإعلان أو عدم ثبوت الإعلان بالقرار، وهو خطأ جهة الإدارة، فلا يجوز أن تستفيد منه بالقول بأن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه قرينة على العلم به، فقرينة استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه كما تدل على العلم الظني بالقرار فإنها تدل أيضا على عدم العلم بالقرار، أي أنها قرينة تقبل إثبات العكس، ولا يصح استنتاج علم صاحب الشأن بالقرار علما يقينيا من قرينة تقبل إثبات العكس أو تعتمد على يقظة المدعي أو ثقافته.

وعلى ذلك فإن استطالة الأمد على صدور القرار لا تكفي وحدها دليلا حاسما على العلم اليقيني بالقرار، وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى بحسب ظروف كل حالة على حدة على توفر هذا العلم، وهو أمر متروك لمحكمة الموضوع تستخلصه من ظروف النزاع المعروض عليها. وبعبارة أخرى: فإنه يمكن الاستناد إليه كأحد عناصر التدليل على توفر العلم اليقيني، تعززه أدلة أخرى، دون أن يكون وحده عنصرا حاسما لتوفر هذا العلم، وذلك كله بشرط التقيد بالمدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة، وهي خمس عشرة سنة من تاريخ صدور القرار.

– ومن حيث إنه عن مدى أثر ظهور مبدأ قانوني جديد لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء، فإن المحكمة الإدارية العليا قد ذهبت في الطعنين رقمي 1885و1902 لسنة 31ق بجلسة 28/1/1989 إلى أن الحكم الصادر عن الدائرة الخاصة المشكلة بالمحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلا بالقانون رقم 136 لسنة 1984، وإن وضع حدا لاختلاف الرأي السابق عليه، إلا أنه لا يسري بأثر رجعي يمس الأحكام القضائية النهائية التي استقرت بها المراكز القانونية للأطراف المعنية، وهو ما تأخذ به هذه المحكمة.

 وبذلك فالحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 6/6/1996 في الطعن رقم 573 لسنة 39ق باعتبار جميع قطاعات (كوادر) ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة فى مجال التعيين والترقية والنقل والندب عند تطبيق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 يعد حكما كاشفا لحقيقة وضع من يطعن على قرار مماثل، ومن ثم لا ينفتح باب الطعن بالنسبة له بعد فوات الميعاد. ومقتضى ذلك أن صدور حكم عن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمبدأ قانوني جديد لا يفتح ميعادا لرفع دعوى الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

(أولا) بأن استطالة الأمد على صدور القرار لا تكفي وحدها للقول بتوفر العلم اليقيني بالقرار، ولكنها قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى كدليل على توفر هذا العلم، تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف وملابسات النزاع المعروض عليها، بشرط ألا يتجاوز ذلك المدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة، وهي خمسة عشر عاما من تاريخ صدور القرار.

(ثانيا) أنه لا يترتب على صدور حكم دائرة توحيد المبادئ في جلستها المنعقدة في 6/6/1996 في الطعن رقم 573 لسنة 39ق انفتاح ميعاد جديد لرفع دعوى الإلغاء، على النحو الوارد بالأسباب.

وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

Comments are closed.

xnxxbf