مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 1973 لسنة 47 القضائية (عليا)
مارس 26, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 3599 لسنة 40 القضائية (عليا)
مارس 26, 2020

الطعنان رقما 1368 و 1430 لسنة 43 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 18 من يناير سنة 2001

الطعنان رقما 1368 و 1430 لسنة 43 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أمين المهدي

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ جمال السيد دحروج وفاروق علي عبد القادر ومحمد أحمد الحسيني وإسماعيل صديق راشد وكمال زكي اللمعي وأحمد إبراهيم عبد العزيز ود.فاروق عبد البر إبراهيم وعلي فكري حسن والسيد محمد الطحان وأحمد عبد الفتاح حسن.

نواب رئيس مجلس الدولة

………………………………………………………………..

المبادئ المستخلصة:

 (أ) لائحة– اللوائح التنفيذية- تتضمن هذه اللوائح الأحكام التفصيلية والتكميلية اللازمة لتنفيذ القانون- لا يجوز لها أن تعطل أحكام القانون أو تتناولها بالتعديل أو بالاستثناء- ينبغي على الجهة التي تصدر اللوائح التنفيذية أن تتقيد بالمبادئ والأسس والضمانات، سواء ما ورد منها في الدستور أو في القانون([1]).

  • المادة (144) من دستور 1971.

(ب) لائحة– اللوائح التنفيذية- تخويل القانون جهة معينة في إصدار لائحة خاصة بالعاملين بها دون التقيد بما هو مقرر بقانون بالنسبة لباقي العاملين بالدولة والقطاع العام لا يمكن اعتباره تفويضا تشريعيا- لكل من القانون واللوائح التنفيذية والتفويض التشريعي مجاله طبقا للدستور- التفويض التشريعي لا يكون إلا لرئيس الجمهورية دون غيره، وعند الضرورة وفي أحوال استثنائية وبشروط معينة، أما ما يصدر من قوانين تخول رئيس الجمهورية أو غيره إصدار لوائح العاملين دون التقيد بالقوانين والقواعد المعمول بها فلا يمكن أن ينطوي على تفويض في إصدار قرارات لها قوة القانون، ولا يخرج عن كونه دعوة لممارسة اختصاص رئيس الجمهورية أو غيره بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون([2]).

  • المواد 86 و 108 و 144 من دستور 1971.

(ج) حقوق وحريات– حق العمل- مقتضى كونه حقا وشرفا- التوجيه الدستوري لحق العمل، واعتباره حقا وشرفا مؤداه أن يكون مكفولا من الدولة، وهو ما يعني بالضرورة أن يكون القانون وحده هو الذي ينظم الشروط الموضوعية لحق العمل، والأوضاع التي ينبغي أن يمارس فيها، والحقوق التي يرتبها، وأشكال حمايتها؛ ليكون العمل كافلا لضمانة الحق في الحياة، وواحدا من أهم روافدها تحقيقا للتنمية- ما يضعه القانون من تنظيم لحقوق العامل وضماناته، ومنها عدم جواز إحالته إلى المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم تأديبي، لا يجوز تعديله إلا بقانون، وليس بأداة أدنى.

  • المادتان 13 و 14 من دستور 1971.

(د) قطاع عام– عاملون به- الاختصاص بتوقيع جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة- هذا الاختصاص منوط بالمحكمة التأديبية دون سواها- لا يختص مجلس إدارة الشركة بتوقيعهما- لا يجوز تضمين لوائح العاملين بشركات القطاع العام نصا يجعل من اختصاص رئيس الجمعية العامة للشركة توقيع جزاء الفصل من الخدمة- هذا النص يخالف قانون نظام العاملين بالقطاع العام- الجزاء المقرر على التغول على اختصاص المحكمة التأديبية المقرر في هذا الشأن هو البطلان الذي ينحدر إلى حد الانعدام؛ لصدور القرار عن سلطة غير ذات اختصاص أصلا.

  • المادة 172 من دستور 1971.
  • المادة 19 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
  • المواد 82 و 83 و 84 و 85 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978.

 الإجراءات

في يوم 25/7/1996 أقام السيد/… الطعن رقم 368 لسنة 30ق أمام المحكمة التأديبية للرئاسة وملحقاتها، بموجب عريضة أودعها سكرتارية المحكمة، طلب فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 34 لسنة 1996 الصادر عن وزير الدولة للإنتاج الحربي ورئيس الجمعية العامة لشركة شبرا للصناعات الهندسية فيما تضمنه من فصله من العمل، وإعادته إلى عمله، مع صرف كافة مستحقاته المالية من تاريخ وقفه عن العمل اعتبارا من 2/1/1996، مع إلزام المطعون ضدهما المصاريف والأتعاب.

وبجلسة 30/11/1996 حكمت المحكمة التأديبية:

أولا: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة.

ثانيا: برفض الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الأول.

ثالثا: بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 34 لسنة 1996 الصادر عن وزير الدولة للإنتاج الحربي ورئيس الجمعية العامة لشركة شبرا للصناعات الهندسية فيما تضمنه من فصل الطاعن، وإعادته إلى عمله، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وبتاريخ 15/1/1997 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن السيد وزير الدولة للإنتاج الحربي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1368 لسنة 43ق في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية للرئاسة وملحقاتها بجلسة 30/11/1996 في الدعوى رقم 368 لسنة 30ق، طالبة الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الطعن.

وبتاريخ 19/1/1997 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن المفوض العام لشركة شبرا للصناعات الهندسية (بصفته) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1430 لسنة 43ق في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية للرئاسة وملحقاتها بجلسة 30/11/1996 في الدعوى رقم 368 لسنة 30ق، طالبا الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.

وقد عرض الطعنان على الدئرة الخامسة بالمحكمة الإدارية العليا بعد أن أحيلا إليها من دائرة فحص الطعون، وقررت الدائرة بجلسة 14/11/1999 إحالة الطعنين المضمومين إلى الدائرة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، للفصل في التعارض بين حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 759 لسنة 59ق الصادر بتاريخ 20/5/1986، الذي ذهب إلى عدم مشروعية اللائحة فيما نصت عليه من سلطة رئيس مجلس إدارة الشركة أو الهيئة في توقيع عقوبة الفصل من الخدمة، وبين حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 5209 لسنة 41ق الصادر بجلسة 30/1/1999، الذي قضى بمشروعية اللائحة الخاصة بالهيئة  القومية للبريد فيما نصت عليه من سلطة رئيس مجلس الإدارة في توقيع عقوبة الفصل من الخدمة.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا برأيها القانوني فى الطعنين، انتهت فيه إلى عدم الاعتداد بأي نص في لائحة خاصة يخول رئيس مجلس الإدارة سلطة توقيع عقوبة الفصل.

ونظر الطعنان بجلسات هذه الدائرة على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 2/11/2000 قررت الهيئة حجز الطعنين للحكم بجلسة 4/1/2000، وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

ومن حيث إن المادة (172) من الدستور تنص على أن: “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”.

وإعمالا لهذا النص الدستوري صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة الذي نص في المادة (19) على أن: “توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم. على أنه بالنسبة إلى العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، والعاملين بالشركات التي تضمن لها الحكومة حدا أدنى من الأرباح، فتكون الجزاءات: (1) الإنذار. (2) الخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين. (3) خفض المرتب. (4) تنزيل الوظيفة. (5) العزل من الوظيفة…”.

وتنص المادة (82) من قانون نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 على أن: ” الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين هي:

(1) الإنذار. (2) تأجيل موعد استحقاق العلاوة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر. (3) الخصم من الأجر لمدة لا تجاوز شهرين في السنة… (4) الحرمان من نصف العلاوة الدورية. (5) الوقف عن العمل لمدة لا تجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الأجر. (6) تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة لا تزيد على سنتين. (7) خفض الأجر في حدود علاوة. (8) الخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة. (9) الخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة، مع خفض الأجر بما لا يتجاوز القدر الذي كان عليه قبل الترقية. (10) الإحالة إلى المعاش. (11) الفصل من الخدمة.

أما بالنسبة للعاملين من شاغلي الوظائف العليا الواردة بجدول توصيف وتقييم الوظائف المعتمدة من مجلس إدارة الشركة فلا توقع عليهم إلا الجزاءات التالية:

1- التنبيه. 2- اللوم. 3- الإحالة إلى المعاش. 4- الفصل من الخدمة”.

في حين تنص المادة (83) منه على أن: “يضع مجلس الإدارة لائحة تتضمن جميع أنواع المخالفات والجزاءات المقررة لها وإجراءات التحقيق والجهة المختصة بالتحقيق مع العاملين مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الإدارية…”.

كما تنص المادة (84) على أن: “يكون الاختصاص في توقيع الجزاءات التأديبية كما يلي:

(1) لشاغلي الوظائف العليا كل في دائرة اختصاصه توقيع جزاء الإنذار أو الخصم من المرتب بما لا يجاوز ثلاثين يوما في السنة، بحيث لا تزيد مدته في المرة الواحدة عن خمسة عشر يوما. ويكون التظلم من توقيع هذه الجزاءات إلى رئيس مجلس الإدارة وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إخطار العامل بالجزاء الموقع عليه.

(2) لرئيس مجلس الإدارة بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجة الثالثة فما دونها توقيع أي من الجزاءات التأديبية الواردة في البنود من 1-8 من الفقرة الأولى من المادة (82). ويكون التظلم من توقيع هذه الجزاءات إلى رئيس مجلس إدارة الشركة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إخطار العامل بالجزاء الموقع عليه.

وتعرض التظلمات من الجزاءات الموقعة من رئيس مجلس الإدارة على لجنة ثلاثية يشكلها مجلس الإدارة للنظر في هذه التظلمات، ويكون من بين أعضائها عضو تختاره اللجنة النقابية.

(3) للمحكمة التأديبية بالنسبة للجزاءات الواردة في البنود من 9-11 من المادة (82) ويكون التظلم من هذه الجزاءات أمام المحكمة الإدارية العليا.

(4) لمجلس الإدارة بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجة الثانية فما فوقها عدا أعضاء مجلس الإدارة المعينين والمنتخبين وأعضاء مجلس إدارة التشكيلات النقابية توقيع أي من الجزاءات الواردة في المادة (82) من هذا القانون. ويكون التظلم من توقيع هذه الجزاءات أمام المحكمة التأديبية المختصة خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطار العامل بالجزاء الموقع عليه.

(5) لرئيس الجمعية العمومية للشركة بالنسبة لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة توقيع أحد جزاءي التنبيه أو اللوم، وله توقيع أي من الجزاءات الواردة في البنود من 1-8 على أعضاء مجلس إدارة التشكيلات النقابية، فيما عدا جزاء الوقف فيكون بناء على حكم من السلطة القضائية المختصة.

ويكون التظلم من توقيع هذه الجزاءات أمام المحكمة التأديبية المختصة خلال ثلاثين يوما من تاريخ إخطار العامل بالجزاء الموقع عليه.

وفي جميع الحالات السابقة الواردة في البنود من 1-4 من هذه المادة تكون القرارات الصادرة بالبت في التظلم، وكذلك أحكام المحاكم التأديبية نهائية.

(6) للمحكمة التأديبية المختصة بالنسبة لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة وأعضاء مجالس إدارات التشكيلات النقابية توقيع جزاء الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة.

ويكون التظلم من توقيع هذه الجزاءات أمام المحكمة الإدارية العليا خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلان العامل بالحكم”.

وتنص المادة (85) على أنه: “إذا رأى مجلس الإدارة أو رئيس المجلس أن المخالفة التي ارتكبها العامل تستوجب توقيع جزاء الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة تعين قبل إحالة العامل إلى المحكمة التأديبية، عرض الأمر على لجنة تشكل على الوجه الآتي… وكل قرار يصدر بفصل أحد العاملين خلافا لأحكام هذه المادة يكون باطلا بحكم القانون دون حاجة لاتخاذ أي إجراء آخر”.

ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن المشرع حدد سلطات التأديب واختصاص كل منها سواء في توقيع الجزاء أو التعقيب عليه، كما أناط بالمحكمة التأديبية سلطة توقيع الجزاءات الواردة في البنود من 9-11 من المادة (82) المشار إليها، وهي جزاءات الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر بما لا يجاوز الأجر الذي كان عليه قبل الترقية، والإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة.

فإذا كان حكم المادة (84) قد يوحي في ظاهره باختصاص مجلس إدارة الشركة بتوقيع جميع الجزاءات المنصوص عليها في المادة (82)، بما فيها جزاء الفصل من الخدمة على شاغلي الدرجة الثانية فما فوقها، إلا أن البين من استعراض نص المادة (85)، وعلى ما تكشف عنه الأعمال التحضيرية، أن المشرع قيد في هذه المادة اختصاص مجلس إدارة الشركة بتوقيع الجزاءات المشار إليها، بقصْر اختصاصه على توقيع ما دون جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة التي ناط توقيعهما بالمحكمة التأديبية دون سواها.

وأساس ذلك أن المادة (85) المشار إليها نصت على أنه إذا رأى مجلس الإدارة أو رئيس مجلس الإدارة أن المخالفة التي ارتكبها العامل تستوجب جزاء الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة تعين قبل إحالة العامل إلى المحكمة التأديبية عرض الأمر على اللجنة الثلاثية المشكلة لهذا الغرض، وأردفت هذه المادة في معرض بيان الجزاء المترتب على الحكم السابق أن كل قرار يصدر بفصل أحد العاملين خلافا لأحكام هذه المادة يكون باطلا بحكم القانون دون حاجة لاتخاذ أي إجراء آخر.

وقد أفصحت الأعمال التحضيرية لذلك القانون بجلاء عن اتجاه المشرع في هذا الشأن، إذ ورد على لسان السيد وزير الدولة للتنمية الإدارية أمام مجلس الشعب -على النحو الثابت بمضبطة الجلسة الثانية والسبعين المنعقدة في 10 من يونيه 1978- أنه “عند مناقشة المادة 84 في لجنة القوى العاملة استبعدت اللجنة توقيع عقوبتي الفصل من الخدمة والإحالة إلى المعاش من سلطة رئيس مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة، وقصرت هذا الحق على المحكمة التأديبية”، ثم عاد وقرر أن توقيع عقوبتي الفصل والإحالة إلى المعاش أصبحتا من اختصاص المحكمة التأديبية فقط.

ومؤدى ذلك أن توقيع جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة أصبح خارجا عن اختصاص مجلس الإدارة ومنوطا بالمحكمة التأديبية دون سواها عملا بحكم المادة (85) المشار إليها، والجزاء المقرر على التغول على اختصاص المحكمة التأديبية المقرر في هذا الشأن هو البطلان، الذي ينحدر إلى حد الانعدام، لصدور القرار عن سلطة غير ذات اختصاص أصلا، وهو ما عبرت عنه الفقرة الأخيرة من المادة (85) المذكورة سالفا بأن كل قرار يصدر بفصل أحد العاملين خلافا لأحكام هذه المادة يكون باطلا بحكم القانون دون حاجة لاتخاذ أي إجراء آخر.

ومن حيث إن ما انتهجه قانون نظام العاملين بالقطاع العام بصدد توقيع جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة مبعثه التوجيه الدستوري لحق العمل بالنص في المادة (13) على أن: “العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع”، والنص في المادة (14) على أن: “الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون”، واعتبار العمل حقا وشرفا مؤداه أن يكون مكفولا من الدولة، وهو ما يعني بالضرورة أن يكون القانون وحده هو الذي ينظم الشروط الموضوعية لحق العمل والأوضاع التي ينبغي أن يمارس فيها والحقوق التي يرتبها وأشكال حمايتها؛ ليكون العمل كافلا لضمانة الحق في الحياة، وواحدا من أهم روافدها تحقيقا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويترتب على ذلك أن ما يضعه القانون من تنظيم لحقوق العامل وضماناته، ومنها عدم جواز إحالته إلى المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم تأديبي، لا يجوز تعديله إلا بقانون وليس بأداة أدنى، كما لا يجوز للوائح التنفيذية التي تصدرها السلطة التنفيذية والتي تتضمن الأحكام التفصيلية والتكميلية اللازمة لتنفيذ القانون أن تعطل أحكامه أو تتناولها بالتعديل أو بالاستثناء، وينبغي على الجهة التي تصدر اللوائح التنفيذية أن تتقيد بالمبادئ والأسس والضمانات، سواء ما ورد منها في الدستور أو في قانون نظام العاملين بالدولة أو نظام العاملين بالقطاع العام، ومن هذه المبادئ والضمانات ما نص عليه قانون نظام العاملين بالقطاع العام من اختصاص المحكمة التأديبية دون سواها بتوقيع جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة.

كما أن تخويل القانون لجهة معينة إصدار لائحة خاصة بالعاملين دون التقيد بما هو مقرر بقانون بالنسبة لباقي العاملين بالدولة والقطاع العام لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره تفويضا تشريعيا؛ إذ من المسلم به أن لكل من القانون واللوائح التنفيذية والتفويض التشريعي مجاله على وفق أحكام الدستور، حيث تنص المادة (86) على أن: “يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع”، وتنص المادة (108) على أن: “لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفي الأحوال الاستثنائية، وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثي أعضائه، أن يصدر قرارات لها قوة القانون، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات، والأسس التي تقوم عليها، ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب في أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض، فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها زال ما كان لها من قوة القانون”، أي أن التفويض التشريعي لا يكون إلا لرئيس الجمهورية دون غيره، وعند الضرورة وفي أحوال استثنائية وبشروط معينة حددتها المادة (108) المشار إليها، أما ما يصدر من قوانين تخول رئيس الجمهورية أو غيره إصدار لوائح العاملين دون التقيد بالقوانين والقواعد المعمول بها فلا يمكن أن ينطوي على تفويض في إصدار قرارات لها قوة القانون على وفق ما تنص عليه المادة (108) من الدستور، ولا يخرج عن كونه دعوة لممارسة اختصاص رئيس الجمهورية أو غيره بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون طبقا لما تقضي به المادة (144) من الدستور التي نصت على أن: “يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها، ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه”.

ومن حيث إنه متى كان الأمر على هذا النحو وإذا كانت لائحة شئون العاملين بالشركة الطاعنة خولت رئيس الجمعية العامة للشركة سلطة فصل العامل على نحو يخالف حكم المادة (84) من قانون نظام العاملين بالقطاع العام استنادا لنص المادة (9) من القانون رقم 6 لسنة 1984 بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربي، الذي خول مجلس إدارة الهيئة وضع اللوائح الوظيفية دون التقيد بالقوانين والنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة أو الهيئات العامة أو القطاع العام، فإن اللائحة التي يصدرها مجلس الإدارة في هذا الشأن تعد من اللوائح التنفيذية التي يتعين أن تقتصر على تفصيل المبادئ التي وردت في القانون، دون إضافة لها أو تعديل في أحكامها أو إعفاء من تنفيذها طبقا لنص المادة (144) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بأنه لا يجوز تضمين لائحة العاملين بالشركة الطاعنة نصا يحدد اختصاص رئيس الجمعية العامة للشركة بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة بالمخالفة لأحكام المادة (84) من قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978، وأن أي قرار يصدر بعقوبة الفصل من غير المحكمة التأديبية يكون مشوبا بالانعدام لاغتصابه سلطة المحكمة، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

([1]) أكدت دائرة توحيد المبادئ على نفس المبدأ في حكمها الصادر في الطعن رقم 2081 لسنة 43               ق ع بجلسة 4/3/2004 (منشور بهذه المجموعة برقم 57/أ).

([2]) أكدت دائرة توحيد المبادئ على نفس المبدأ في حكمها الصادر في الطعن رقم 2081 لسنة 43 ق ع بجلسة 4/3/2004 (منشور بهذه المجموعة برقم 57/ب).

Comments are closed.

xnxxbf