برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد عبد الرحمن القفطي، وعبد الفتاح أمين عوض الله الجزار، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل.
نواب رئيس مجلس الدولة
الحكم بعدم الاختصاص والإحالة- تجوز الإحالة من محكمة القضاء الإداري إلى المحكمة الإدارية العليا إذا كانت مختصةً كمحكمةِ أول درجة([1]).
جامعة الأزهر- شئون الطلاب- تأديب- فصل الطالب الذي يقوم بأعمال تخريبية- أجاز المشرع لرئيس جامعة الأزهر توقيع عقوبة الفصل على الطالب الذي يمارس أعمالا تخريبية تضر بالعملية التعليمية- يجوز التظلم من هذا القرار أمام مجلس التأديب بالجامعة- تختص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن في القرار الذي يصدر عن مجلس التأديب في هذا الشأن([2])– يجب لانعقاد اختصاصها في هذا الشأن أن يكون قرار الفصل نهائيًّا بصدوره عن مجلس التأديب في التظلم المقدَّم أمامه، حتى لو صار كذلك بعد إقامة الطعن.
– المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، المضافة بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 134 لسنة 2014.
شئون الطلاب- تأديب- المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية- وجوبُ الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم من المتهم، وأن يقوم هذا الثبوت على أساس توفر أدلةٍ كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقينيًّا في ارتكاب المتهم الفعل المنسوب إليه- لا يسوغ قانونًا أن تقوم الإدانة تأسيسًا على أدلةٍ مشكوك في صحتها أو في دلالتها، وإلا كانت تلك الإدانة مُزعزعةَ الأساس مُتناقضةَ المضمون مُفرغةً من ثبات اليقين- الأصل في الإنسان البراءة؛ فإذا شاب الشك وقوعَ الفعل أو نسبتَهُ إلى فاعله، تعين تفسيرُ الشك لمصلحته، وحملُ أمره على الأصل وهو البراءة، ينعم بها ولا تنفك عنه؛ مادامت الأوراق لم تكن شاهدةً وواضحة في ثبوت نسبة الاتهام إليه- تطبيق: لا يكفي لصحة الاتهام القول بأنه تمَّ استدعاء الطالب للتحقيق ولم يمثل أمام المحقق؛ إذ لا يترتب على ذلك سوى تفويته حق الدفاع على نفسه، دون أن يعد ذلك قرينةً على ارتكابه المخالفة المنسوبة إليه.
شئون الطلاب- تأديبهم- ضمانة التحقيق ومقوِّماته- يلزم إجراء تحقيقٍ قانوني صحيح مع الطالب، يعني بالفحص والبحث والتقصي الموضوعي المحايد والنزيه؛ لاستبيان وجه الحقيقة فيما يتعلق بصحة حدوث وقائع محددة ونسبتها إلى أشخاص محددين- لا يكون التحقيق مكتمل الأركان إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام, مُحدِّدًا عناصرها بوضوحٍ, من حيث الأفعال والزمان والمكان والأشخاص، فضلا عن أدلة وقوعها ونسبتها إلى المتهم- إذا قَصُرَ التحقيقُ عن استيفاء عنصرٍ أو أكثر من هذه العناصر, على نحوٍ تُجَهَّلُ معه الواقعةُ, وجودًا وعدمًا, أو أدلةُ وقوعها, أو نسبتُها إلى الفاعل, كان تحقيقًا معيبًا- يلحق الوصفُ نفسه بالتحقيق إذا ما افتقد أحد أهم مقوماته، المتمثلة في مواجهة المتهم في صراحة ووضوح بالمآخذ المنسوبة إليه والوقائع المحددة التي تمثلها، وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه إزاء ما هو منسوب إليه، ومناقشة شهادة مَنْ سُمِعَت شهادتُهم من شهود الإثبات.
ما يدخل في اختصاص المحكمة الإدارية العليا- تختصُّ بنظر طلبات التعويض عن قرارات مجالس التأديب التي لا تخضع للتصديق من سلطات أعلى([3]).
تقوم المسئولية الموجبة للتعويض على توفر أركان ثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما، فإذا انتفى أحدها انتفت المسئولية.
شئون الطلاب- تأديب- التعويض عن قرارات تأديب الطلاب بالجامعات- أيًّا ما كان وجهُ الرأي في مدى جواز التعويض عن الأحكام، فإنه إذا قامت جهة الإدارة اضطلاعًا بمسئوليتها في التنظيم والمتابعة والتوجيه لطلاب الجامعة، وكشف ما يَعرِضُ منهم من مخالفاتٍ سلوكية أو تنظيمية، بإجراء تحقيقٍ موضوعي ومحايد لتحديد مسئولية الطلاب عَمَّا يظهر لديها من أخطاء، وأسفر التحقيق عن إدانة سلوك أحد الطلاب، فأوقع عليه مجلس التأديب الجزاء المناسب لِما ثبت لديه من أخطاء، ثم استبان للمحكمة أن الأدلة المستند إليها لا تكفي لإدانة سلوك الطالب، أو أن المخالفات ليست ثابتة في حقه يقينًا، بما يستوجب براءته مما هو منسوب إليه، فإن قرار مجازاته وإن كان يُشَكِّلُ خطأ من الناحية الفنية، يستوجب الإلغاء، إلا أنه لا يعد عملا غير مشروع يثير المسئولية المدنية بما يستوجب التعويض- القول بغير ذلك يؤدي إلى غل يد الجامعة عن الكشف عن المخالفات وتوقيع الجزاء المناسب على مرتكبها تحقيقًا للمصلحة العامة، خشية التعرض للمسئولية([4]).
في يوم الأحد الموافق 31/5/2015، وبناءً على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية) بجلسة 18/3/2015 في الدعوى رقم 4886 لسنة 37ق، القاضي في منطوقه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) للاختصاص، وأبقت الفصل في المصروفات، وورد ملفُّ هذه الدعوى قلمَ كُتَّابِ المحكمة الإدارية العليا، وقُيِّدَت الإحالة بالرقم المشار إليه عاليه.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وإلغاء القرار المطعون فيه، وأبقت الفصل في المصروفات.
وتدوول نظر الطعن بالجلسات أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا -على النحو المبين بالمحاضر- التي قررت إحالته إلى هذه المحكمة، التي نظرته أمامها -على النحو المبين بالمحاضر-، وقد أرجأت المحكمة إصدار الحكم إلى جلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
حيث إن الطاعن يهدف إلى الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة الأزهر فيما تضمنه من فصل نجلته (أسماء) فصلا نهائيًّا من كلية الدراسات الإنسانية بنات بتفهنا الأشراف، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إنه فيما يتصل بحكم الإحالة الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، بإحالة الدعوى إلى هذه المحكمة بسندٍ من اختصاص الأخيرة بنظرها والفصل فيها.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن الطاعن (بصفته) كان قد أقام الدعوى محل حكم الإحالة بموجب صحيفةٍ أودعها قلمَ كُتَّاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية)، اختتمها بطلب الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل نجلته المذكورة من الكلية المشار إليها فصلا نهائيًّا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تمكينها من أداء امتحانات العام الدراسي 2014/2015، وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وتعويضها عن الأضرار التي أصابتها من جراء صدور هذا القرار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وساق شرحًا لدعواه أن نجلته كانت مُقيَّدةً بالفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإنسانية بنات بجامعة الأزهر- فرع تفهنا الأشراف في العام الجامعي 2014/2015، وهي مشهودٌ لها بالتميز والسمو الأخلاقي والديني، إلا أنها فوجئت عندما توجهت لأداء الامتحانات بمنعها من دخول الكلية، وسألت عن السبب، فعلمت بصدور قرار بفصلها فصلا نهائيًّا من الجامعة، مما حداها على إقامة دعواها بالطلبات المتقدمة.
……………………………………………………..
وبجلسة 18/3/2015 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة -الدائرة الثانية- حكمها في الدعوى محل الإحالة الوارد منطوقه سالفًا.
وشيَّدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نص المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، المضافة بالقانون رقم 134 لسنة 2014، المعمول به اعتبارًا من 23/10/2014- على أن مفاد هذه المادة أن المشرع منح رئيسَ الجامعة سلطةَ توقيع عقوبة الفصل من الجامعة على الطالب الذي يمارس أعمالا تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر، أو تستهدف منشآت الجامعة أو الامتحانات، أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة، أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة، أو المساهمة في أيِّ أمرٍ مما تقدم، وأوجب التعديل أن يكون توقيع عقوبة الفصل بعد تحقيقٍ تجريه الجامعة خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ الواقعة، يُخطَر به الطالبُ بخطابٍ مُوصى عليه، ويتعين على الطالب الطعنُ على هذا الجزاء أمام مجلس التأديب المختص بالجامعة، فإذا لم يرتض النتيجة التي ينتهي إليها المجلس يحق له الطعن على حكم مجلس التأديب أمام المحكمة الإدارية العليا (دائرة الموضوع)، وأضافت المحكمة أنه متى كانت الدعوى الماثلة تنصب على قرار رئيس جامعة الأزهر الصادر بفصل الطالبة فصلا نهائيًّا، وقد صدر استنادًا إلى القانون رقم 134 لسنة 2014 المشار إليه لِما نُسِبَ إليها من قيامها بأعمال بالمخالفة لأحكام المادة (74 مكررًا) المذكورة سالفًا، وأن المشرع عهد إلى المحكمة الإدارية العليا -دائرة الموضوع- الاختصاصَ بنظر الطعن في هذا القرار، ومن ثم فإن بحث مشروعية هذا القرار يخرج نوعيًّا عن اختصاص هذه المحكمة، ويدخل في اختصاص المحكمة الإدارية العليا، وهو ما يتعين معه القضاءُ بعدم اختصاص المحكمة نوعيًّا بنظر الدعوى، وخلصت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه.
……………………………………………………..
لما كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن القرار المطعون عليه صدر بسندٍ مما خلص إليه التحقيق الإداري من قيد ما نُسِبَ إلى نجلة الطاعن من مخالفةٍ تأديبية عملا بحكم المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 مُعدَّلا بالقرار بقانون رقم 134 لسنة 2014، والذي تمَّ الطعنُ عليه من قِبل نجلة الطاعن أمام مجلس التأديب المنصوص عليه بالمادة (71) من القانون رقم 103 لسنة 1961، مما يتوفر معه مناط اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى، بما يستقيم معه الحكم بالإحالة سديدًا.
وحيث إنه بتاريخ 27/12/2014 أصدر رئيس الجامعة المطعون ضدها قرارًا بفصل نجلة الطاعن فصلا نهائيًّا من الكلية، وتظلمت أمام مجلس التأديب، فأصدر قراره المطعون فيه بتاريخ 14/9/2015، وأقيم الطعن الماثل بتاريخ 31/5/2015، أي أن القرار المطعون فيه قد أصبح نهائيًّا بعد إقامة الدعوى، واستوفى جميع أوضاعه الشكلية المتطلبة قانونًا، فإنه يكون مقبولا شكلا. (يُراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 68304 لسنة 61 ق.ع بجلسة 4/5/2016).
وحيث إنه من المقرر أن الفصلَ في موضوع الدعوى أو الطعن يغني -بحسب الأصل- عن الفصل في طلب وقف التنفيذ.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن إدارةَ الأمنِ بكلية الدراسات الإنسانية بنات- جامعة الأزهر قد حرَّرَت مذكرةً مُؤرَّخة في 6/12/2014 تضمنت أن نجلة الطاعن (وأخريات) شاركن في تنظيم المظاهرات وإمساكهن بالدفوف ورفع شعارات رابعة، وقد كان ذلك في يوم 17/11/2014، وبعرض المذكرة المشار إليها على المطعون ضده الأول فقد قرر بتاريخ 6/12/2014 وقفها عن الدراسة، وإحالة الأمر إلى التحقيق، الذي باشرته إدارة التحقيقات بالإدارة العامة للشئون القانونية بالجامعة، وأعدت مذكرةً بنتيجته، ارتأت في ختامها قيدَ الواقعة مخالفةً تأديبية عملا بنص المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 ضد نجلة الطاعن لقيامها يوم 17/11/2014 بالتظاهر وإمساكها وأخريات بالدفوف ورفع شعارات (رابعة)، وبعرض المذكرة المشار إليها على المطعون ضده الأول، فقد قرر بتاريخ 27/12/2014 فصل نجلة الطاعن فصلا نهائيًّا من الكلية، وإذ تظلم الطاعن من القرار المشار إليه إلى مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة (71) من القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه، فقد قرر قبول التظلم شكلا، والإبقاء على عقوبة الفصل النهائي، مما حداه على إقامة الطعن الراهن.
وحيث إن المشرع قد قام بتعديل قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، بموجب القرار بقانون رقم 15 لسنة 2014، بإضافة المادة (184 مكررًا)، وكذا تعديل القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، بموجب القرار بقانون رقم 134 لسنة 2014، بإضافة المادة (74 مكررًا) التي تنص على أنه: “لرئيس الجامعة أن يوقع عقوبة الفصل من الجامعة على كل طالبٍ يرتكب أو يسهم في ارتكاب أيٍّ من المخالفات الآتية:
1- ممارسة أعمال تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو بالمنشآت الجامعية أو تعرض أيًّا منهما للخطر.
2- إدخال أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أية أدوات من شأنها أن تُستعمل في إثارة الشغب والتخريب.
3- إتيان ما يؤدي إلى تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير على أيٍّ منهما.
4- تحريض الطلاب على العنف أو استخدام القوة.
ولا يصدر قرار الفصل إلا بعد تحقيقٍ تجريه الجامعة خلال سبعة أيام من تاريخ الواقعة، ويخطر الطالب بقرار رئيس الجامعة بكتابٍ مُوصى عليه مصحوب بعلم الوصول، ويكون التظلم من هذا القرار أمام مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة (71) من هذا القانون. ويجوز الطعن على قرار مجلس التأديب أمام دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا”.
وحيث إن مفاد النص المتقدم -والذي اتُّخِذ سندًا لقرار مجلس التأديب المطعون عليه- أن المشرع ناط برئيس الجامعة توقيع عقوبة الفصل على الطالب إذا ما ثبت ممارسته لأعمال تخريبية من شأنها الإضرار بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر، أو استهداف منشآت الجامعة، أو ثبوت إتيانه ما يؤدي إلى تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير على أي منهما، أو إدخاله أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أية أدوات من شأنها أن تستعمل في إثارة الشغب أو التخريب.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن من المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية وجوبَ الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم من المتهم، وأن يقوم هذا الثبوت على أساس توفر أدلةٍ كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقينيًّا في ارتكاب المتهم الفعل المنسوب إليه، ولا يسوغ قانونًا أن تقوم الإدانة تأسيسًا على أدلةٍ مشكوك في صحتها أو في دلالتها، وإلا كانت تلك الإدانة مُزعزعةَ الأساس مُتناقضةَ المضمون مُفرغةً من ثبات اليقين، ومادام الأصل في الإنسان البراءة، فإذا ما شاب الشكُّ وقوعَ الفعل أو نسبتَهُ إلى فاعله، تعين تفسيرُ الشكِّ لمصلحته، وحملُ أمره على الأصل وهو البراءة، ينعم بها ولا تنفك عنه؛ مادامت الأوراق لم تكن شاهدةً وواضحة في ثبوت نسبة الاتهام إليه؛ باعتبارها أحد أهم المبادئ التي كفلتها الدساتير والمواثيق الدولية، ومن قبلهما الشرائع السماوية، بما يستلزم وجوب إجراء تحقيقٍ قانوني صحيح، يعني بالفحص والبحث والتقصي الموضوعي والمحايد والنزيه؛ لاستبيان وجه الحقيقة فيما يتعلق بصحة حدوث وقائع محددة ونسبتها إلى أشخاص محددين؛ وذلك لوجه الحق والعدالة، ولا يتأتى ذلك إلا بتحديد الواقعة محل الاتهام من حيث عناصرها بوضوح أفعالا وزمانًا ومكانًا وأشخاصًا، فضلا عن أدلة وقوعها ونسبتها إلى المتهم، فإن قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر، على نحوٍ تجهل معه الواقعة وجودًا وعدمًا، أو أدلة وقوعها أو نسبتها إلى المتهم، كان التحقيقُ معيبًا، كما يلحقه الوصفُ نفسه إذا ما افتقد التحقيق أحد أهم مقوماته، متمثلة في مواجهة المتهم في صراحة ووضوح بالمآخذ المنسوبة إليه والوقائع المحددة التي تمثلها، وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه إزاء ما هو منسوب إليه، ومناقشة شهادة مَنْ سُمِعَت شهادتُهم من شهود الإثبات.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على التحقيق الذي اتُّخِذَ سندًا للقرار المطعون عليه أنه جاء منقوصًا في تناول الواقعة محل الاتهام المنسوب إلى نجلة الطاعن، كما خلا التحقيق من سماع أقوال أو شهادة مُقَدِّمِ الشكوى أو البلاغ، كما لم يَعْنِ بسماع شهادة أيٍّ من الطالبات أو أعضاء هيئة التدريس أو العاملين بالكلية، بل ارتكن التحقيق فقط إلى ما ورد بالبلاغ.
لما كان ذلك، فإن التحقيق يغدو قد فقد أهم أركانه الجوهرية التي تفترضها طبيعته وغايته كبحثٍ جدي موضوعي لبلوغ الحقيقة في المخالفة محله، بما يصمه بالقصور الشديد على نحوٍ لا يصحُّ الارتكانُ إليه في ثبوت ما نسبه إلى نجلة الطاعن, ولا ينال من ذلك زعم جهة الإدارة أنه تمَّ استدعاءُ الطالبة للتحقيق دون أن تمثل, فذلك مردودٌ من وجهين: أولهما: أن الأوراق قد أجدبت مما يفيد علم الطالبة بهذا الإخطار، وثانيهما: أنه حتى بفرض صحة استدعاء الطالبة وعدم مثولها للتحقيق، فإنه أمرٌ لا يكفي لصحة الاتهام، إذ لا يترتب عليه -وعلى ما استقر عليه قضاءُ هذه المحكمة- سوى تفويتها على نفسها حق الدفاع، دون أن يعد ذلك قرينة على ارتكابها المخالفة المنسوبة إليها، وإثبات المخالفة في حق الطالبة يجب أن يتأتى بأدلةٍ قاطعة تقدمها جهةُ التحقيق، وما كان ينبغي لها أن ترتكن إلى بلاغ مُقَدِّمِ الشكوى وحده، وحيث إنه وهديًا بما تقدم جميعه، يضحى القرار المطعون عليه لا سند له من واقع أو قانون، جديرًا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما تقضي به المحكمة مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان عملا بحكم المادة (286) من قانون المرافعات.
– وحيث إنه عن طلب التعويض، فإن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا سبق أن قضت بجلسة 11/12/2004 في الطعن رقم 844 لسنة 43ق.ع باختصاص المحكمة الإدارية العليا بنظر طلبات التعويض من قرارات مجالس التأديب التي لا تخضع للتصديق من سلطات عليا.
وحيث إن طلب التعويض استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إنه عن موضوع هذا الطلب، فإنه أيًّا ما كان وجهُ الرأي في مدى جواز التعويض عن الأحكام، ونزولا على ما قضت به دائرة توحيد المبادئ في الطعن رقم 844 لسنة 43 ق.ع المشار إليه، فإن القاعدة في المسئولية الموجبة للتعويض أنها تقوم على توفر أركان ثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما، فإذا انتفى أحدها انتفت المسئولية. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا بجلسة 23/3/1996 في الطعن رقم 3804 لسنة 37 ق.ع).
وحيث إنه عن ركن الخطأ، فإن قيام جهة الإدارة اضطلاعًا بمسئوليتها في التنظيم والمتابعة والتوجيه لطلاب الجامعة، وكشف ما يَعْرِضُ منهم من مخالفاتٍ سلوكية أو تنظيمية، بإجراء تحقيقٍ موضوعي ومحايد لتحديد مسئولية الطلاب عَمَّا يظهر لديها من أخطاء، ثم أسفر التحقيق عن إدانة سلوك أحد الطلاب، فأوقعت عليه الجزاء المناسب لِما ثبت لديها من أخطاء، ثم استبان للمحكمة أن الأدلة التي ساقتها جهة الإدارة لا تكفي لإدانة سلوك الطالب، أو أن المخالفات ليست ثابتة في حقه يقينًا، بما يستوجب براءته مما هو منسوب إليه، فإن مسلك جهة الإدارة وإن كان يُشَكِّلُ خطأ من الناحية الفنية، يستوجب الإلغاء، إلا أنه لا يعد عملا غير مشروع يثير مسئولية الإدارة مدنيًّا بما يستوجب التعويض، والقول بغير ذلك يؤدي إلى غل يد الجامعة في الكشف عن المخالفات وتوقيع الجزاء المناسب على مرتكبها تحقيقًا للمصلحة العامة خشية التعرض للمسئولية. (في هذا المعنى: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 10031 لسنة 46 ق.ع بجلسة 21/11/2004).
وحيث إنه إعمالا لما تقدم، فإن المحكمة وإن كانت قد ألغت قرار فصل نجلة الطاعن لعدم ثبوت المخالفة في حقها ثبوتًا يقينيًّا، إلا أن ذلك لا يعد عملا غير مشروع يستوجب التعويض، أي أن ركن الخطأ انتفى في حق جهة الإدارة، وبفقده لا يكون هناك قوام لعناصر المسئولية المدنية، وهو ما تقضي معه المحكمة برفض هذا الطلب.
وحيث إنه يجوز للمحكمة أن تلزم الطرف الذي أخفق في بعض طلباته مصروفات الدعوى كلها، عملا بالمادة رقم (186) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
([1]) قررت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في حكمها الصادر في الطعن رقم 1831 لسنة 48 ق.ع بجلسة 2/1/2010، (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عامًا- مكتب فني، المبدأ رقم 80، ص957).
([2]) يراجع كذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 62932 لسنة 61 ق.ع بجلسة 11/11/2015 (المنشور بهذه المجموعة- المبدأ رقم 9).
([3]) قررت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في حكمها الصادر في الطعن رقم 844 لسنة 43 ق.ع بجلسة 11/12/2004، (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عامًا- مكتب فني، المبدأ رقم 61/ج، ص740).
([4]) يراجع في شأن التعويض عن قرارات مجالس التأديب بالنسبة لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ما قررته الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 1 من يوليو سنة 2013 في الطعن رقم 11627 لسنة 58 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 58، مكتب فني، المبدأ رقم 16)، حيث أكدت المحكمة أن مجالس التأديب تختلف عن المحاكم التأديبية من حيث تشكيلها، فهي تتكون من أغلبيةٍ من غير القضاة ذوي الحصانة القضائية والاستقلال الكامل، ولا يخضع أعضاؤها من غير القضاة لقواعد المساءلة الاستثنائية للقضاة، ومن ثم لا تنطبق عليهم أسبابُ مخاصمة القضاة، وأنه لا يجوز القولُ بمساءلة الجهة الإدارية المشكِّلة لمجلس التأديب تنفيذًا لنص قانوني عن أعمال مجلس التأديب الذي يكون مستقلا في أعماله عن الجهة الإدارية، ولا تخضع قراراته لتصديقها، ولا يُتصوَّر كذلك انعقادُ مسئولية مجلس التأديب على وفق قواعد المسئولية التقصيرية، أو على نحو مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية، أيا كان حجم الخطأ وقدر الضرر، لكن ليس معنى هذا إعفاء مجلس التأديب من المسئولية عما يصدر عنه من قراراتٍ على وجه الإطلاق، إذ تنعقدُ مسئوليةُ مجلس التأديب عما يصدر عنه من قراراتٍ يشوبُها الخطأُ الجسيم الذي قد يصل إلى درجة الخطأ الشخصي الذي ينطوي على هوى طائش ورغبةٍ جامحة يُتَغيَا بها الكيدُ أو إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها؛ باعتبار أن ذلك من العيوب القصدية التي تشوب القرار وتنحدر به إلى درك الانعدام، وبينت المحكمة الخطأ في عرض الوقائع أو تفسيرها أو إساءة الاستنتاج أو قصور الأسباب لا يُعَدُّ من قبيل الخطأ الجسيم الموجِب للتعويض.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |