برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد ماهر أبو العينين، وطارق محمد لطيف عبد العزيز، ومحمد محمد مجاهد راشد، وحسن محمود سعداوي محمد
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) قرار إداري– بطلان القرار وانعدامه- حالة صدور القرار نتيجة غشٍّ أو تدليس-الغش والتدليس من عيوب الإرادة، إذا شابا التصرف أبطلاه وما ترتب عليه من آثار- التدليس عملٌ قصدي بطبيعته، يتوفر باستعمال صاحب الشأن طرقًا احتيالية بنيةِ التضليل، للوصول إلى غرضٍ غير مشروع، يدفع الإدارة فعلا إلى إصدار قرارها- قد تكون هذه الطرق الاحتيالية طرقًا مادية كافية للتضليل وإخفاء الحقيقة، وقد تكون عملا سلبيًّا محضًا في صورة كتمان صاحب الشأن عمدًا بعض المعلومات الأساسية التي تجهلها جهة الإدارة، ولا تستطيع معرفتها عن طريق آخر، ويُؤثِّر جهلُها تأثيرًا جوهريًّا في إرادتها، وذلك مع علم صاحب الشأن بهذه المعلومات وبأهميتها وخطرها، وأن الإدارة تعوِّل عليها في إصدار قرارها، ولو لم تطلبها منه صراحةً- مناط إنزال حكم قيام التدليس أن يكون صادرًا عن المستفيد، أو يثبت أنه كان يعلم به، أو كان من المفروض حتمًا أن يعلم به- لا يُضار المستفيد من عمل غيره؛ لأن أساس فكرة التدليس هي معاقبةُ المدلِّسِ نفسه، وحرمانُه من الاستفادة من عمله([1])–(تطبيق): لا يجوز أن يضار الطالب من الغش أو التدليس الواقع من ولي أمره.
(ب) قرار إداري– سحب القرار المعيب- القرار الإداري الذي يولد حقا أو مركزًا قانونيًّا ذاتيًّا، متى صدر صحيحًا، يكون حصينًا من السحب، فإذا ما انطوى على مخالفة للقانون، وجب على جهة الإدارة أن تسحبه خلال الميعاد المقرر قانونًا للطعن عليه بالإلغاء، أو أن تتخذ خلال هذا الميعاد مسلكًا إيجابيًّا في هذا الاتجاه- إذا لم يتم ذلك فإن مقتضيات المصلحة العامة والحرص على استقرار المراكز القانونية تقتضي تحصن هذا القرار من السحب، شأنه شأن القرار الإداري الذي صدر صحيحًا، ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حقٌّ مكتسب في المركز القانوني الناشئ عن هذا القرار- كلُّ إخلالٍ بهذا المركز بقرار لاحق يعدُّ أمرًا مخالفًا للقانون، يعيب القرار الأخير ويبطله- لا يخرج عن ذلك الأصل العام إلا أن يكون القرار الإداري معدومًا، أو صدر نتيجة غش أو تدليس من جانب صاحب الشأن أو بمشاركته، ففي هاتين الحالتين لا يتقيد سحب القرار الإداري بالميعاد المذكور- الغش يُفسِدُ كلَّ شيءٍ.
(ج) تعليم– شئون الطلاب- نتيجة الامتحان- قرار الجهة الإدارية المختصة باعتماد النتيجة يُستمَد من سلطتها التقديرية في وزن وتقدير كفاية الطالب في فهم وتحصيل المواد المقررة، على أساس واقع إجاباته ودرجاته الفعلية التي حصل عليها في المواد المختلفة- مؤدى إعلان النتيجة وثبوت نجاح الطالب، واعتماد تلك النتيجة من الجهات المختصة: أن يصبح للطالب حقٌّ مكتسب، لا يجوز تعديله أو تغييره؛ لِما ينطوي عليه ذلك من مساس محظور بمركزه القانوني.
(د) مسئولية– أحكامها العامة- المسئولية الجنائية والإدارية مسئوليةٌ شخصية- لا يجوز أن يُسأل شخصٌ ما عن تصرفاتِ غيره، ولو كان هذا الغير هو وليه أو الوصي أو القيم عليه أو مَنْ ينوب عنه قانونًا.
في يوم 23/2/2013 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن/… بصفته وليًّا طبيعيًّا على كريمته/…، قلمَ كُتَّاب المحكمة الإدارية العليا تقريرَ طعنٍ قُيِّدَ بجدولها برقم 11704 لسنة 59 ق. عليا، طعنًا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) بجلسة 29/1/2013 في الدعويين رقمي 58488 لسنة 66ق. و59077 لسنة 66ق. القاضي بقبول الدعويين شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفاته، وأمرت بإحالة الدعويين إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعهما.
وبتاريخ 31/3/2014 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن السيدة/… عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها القاصر/… عريضةً مُعلَنة بتصحيح شكل الطعن لوفاة الطاعن بصفته بإدخال السيدة المذكورة أرملة الطاعن بصفتها وصية على كريمتها…
وتطلب الطاعنة بصفتها بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ قرار رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا المطعون فيه فيما تضمنه من فصل كريمتها/… الطالبة بكلية الطب البشري، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادتها للدراسة مرة أخرى بالفرقة الثانية بالكلية المذكورة.
وبعد الإعلان قانونًا، أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه قبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم المصروفات.
وجرى نظر الطعن بالجلسات أمام الدائرة السابعة عليا (فحص) على النحو الثابت بالمحاضر، حيث قررت الدائرة بجلسة 5/2/2014 إحالة الطعن إلى الدائرة السابعة (موضوع) لنظره بجلسة 9/3/2014، وفيها نظر الطعن، حيث أودع الأستاذ/… المحامي مذكرةً طلب بختامها التنحي عن الوكالة والاعتذار عن الاستمرار في الدفاع، وحضر الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن أرملة… وطلب أجلا لتصحيح شكل الطعن لوفاة الطاعن بصفته بإدخال السيدة/… بصفتها وصية على كريمتها…، وأودع حافظة بالمستندات طويت على أصل شهادة وفاة الطاعن بصفته وصورة رسمية من القرار الصادر بجلسة 10/2/2014 في القضية رقم 18/2014 بتعيين… وصية على ابنتها القاصرة…، وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 27/4/2014، وفيها نظر الطعن على النحو الثابت بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 18/5/2014 ومذكرات في أسبوع، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 6/9/2012 و10/9/2012 أقام المدعو/… بصفته وليًّا طبيعيًّا على كريمته… الدعويين رقمي 58488 و59077 لسنة 66 ق. ضد وزير التعليم العالي ورئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، طالبًا الحكم بقبول الدعويين شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة بفصل كريمته/… من كلية الطب البشري- جامعة العلوم والتكنولوجيا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استمرارها في الدراسة بالفرقة الثانية بالكلية المذكورة، وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وإلزام جهة الإدارة المصروفات، وذكر في شرح دعواه أن كريمته أنهت دراسة الدبلومة الأمريكية على وفق المستوى العلمي بشهادة (أمريكان هاي سكول دبلوما) التي تصدرها لجنة الاعتماد الدولي (CITA) وذلك في اثني عشر عامًا على وفق الشهادات المعتمدة، من المدارس المصرية المتكاملة بإدارة العاشر من رمضان التعليمية بمحافظة الشرقية من مدارس… الخاصة، بالإضافة إلى أدائها بنجاح الامتحان في اللغة العربية والتربية الدينية والجغرافيا والتاريخ بالصف الأول الثانوي، وكذلك التربية الدينية واللغة العربية والتربية القومية على مستوى الثانوية العامة بمرحلتيها، وحصلت على شهادة الدبلومة الأمريكية بمجموع 116,5 درجة، وتقدمت لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا للعام الدراسي 2011/2012، واجتازت فيها الفصل الدراسي الأول بنجاح بتقدير امتياز، كما أنها خاضت امتحانات مواد الفصل الدراسي الثاني، إلا أن جهة الإدارة أصدرت القرار المطعون فيه بعدم أحقية كريمته في الالتحاق بالجامعات المصرية؛ لعدم توفر شرط قضاء كريمته اثني عشر عامًا بالتعليم العام، حسبما ورد بقرار المجلس الأعلى للجامعات بجلسته المؤرخة في 5/2/2008، ونعى على هذا القرار مخالفته للقانون.
………………………………………………..
وبجلسة 29/1/2013 قضت المحكمة المذكورة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعي مصروفاته، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها، مُشَيِّدة قضاءها على ما بدا لها من ظاهر الأوراق -وبالقدر اللازم للفصل في الشق العاجل- أن الجهة الإدارية عمدت إلى إصدار القرار المطعون فيه بفصل الطالبة من كلية الطب- جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، بعد ما استبان لها من واقع التحقيقات التي أجرتها الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم أن ولي أمر الطالبة قدم أوراقًا مُزوَّرة لمكتب القبول بالجامعات الخاصة، تفيد توفر شرط قضاء كريمته اثني عشر عامًا بالتعليم قبل الجامعي، وذلك على غير الحقيقة، وتم قبولها بكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، ثم تم فصلها بناءً على توصية مكتب القبول، وبذلك يغدو بحسب الظاهر أن القرار المطعون فيه قائمٌ على سببه المبرر له قانونًا، وينتفي بذلك ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ، ويتعين رفضه.
………………………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفًا للقانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ حيث صدر القرار الطعين عن رئيس الجامعة (بصفته) دون أخذ رأي عميد الكلية، أو سبق التحقيق مع الطالبة، وأنه تم تقديم ما يفيد قضاءها اثني عشر عامًا بنجاح في النظام الأمريكي، وأن مديرية التربية والتعليم قد اعتمدت نتائجها، وترتب لها مركزٌ قانوني، لاسيما أن الطلاب في هذه المراحل العمرية غير كاملي الأهلية، وليس عليهم مسئولية، وأن الأجهزة التنفيذية بوزارة التعليم هي المنوط بها تنظيم شئون الطلاب وهم أمانة في عنقها.
………………………………………………..
حيث إن حقيقة طلبات الطاعنة (بصفتها) -على وفق التكييف القانوني الصحيح الذي تسبغه عليها المحكمة بما لها من سلطة في هذا الشأن- الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار مكتب القبول للجامعات الخاصة والأهلية فيما تضمنه من إلغاء قيد كريمة الطاعنة/… بكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلغاء قرار رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بالفصل النهائي للطالبة المذكورة، وإلزام الجامعة المصروفات.
وحيث إن المادة (4) من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، معدَّلا بالقانون رقم 23 لسنة 1999، تنص على أن: “تكون مدة الدراسة في التعليم قبل الجامعي على النحو التالي:
– تسع سنوات للتعليم الأساسي الإلزامي، ويتكون من حلقتين «الحلقة الابتدائية» ومدتها ست سنوات، و«الحلقة الإعدادية» ومدتها ثلاث سنوات.
– ثلاث سنوات للتعليم الثانوي (العام والفني)…”.
وتنص المادة (65) منه على أن: “يكون نظام الدراسة والامتحانات في المدارس الخاصة مطابقًا للنظام المعمول به في المدارس الرسمية المناظرة”.
وتنص المادة (66) من القانون نفسه على أن: “تتولى المديرية التعليمية المختصة الإشراف على المدارس الخاصة من كافة النواحي، شأنها شأن المدارس الرسمية، كما تشرف على امتحانات القبول والنقل بها وتعتمد نتائجها…”.
وتنص المادة (61) من قرار وزير التعليم رقم 306 لسنة 1993 بشأن التعليم الخاص([2]) على أن: “تعتمد المديرية أو الإدارة التعليمية المختصة نتائج امتحانات النقل بالمدارس الخاصة بعد مراجعتها للتأكد من تطبيق القواعد المعمول بها…”.
وتنص المادة (62) منه على أن: “لوزارة التربية والتعليم وأجهزتها وحدها حقُّ منح شهادات بنهاية مراحل الدراسة…”.
وتنص المادة (3) من شروط قبول الطلاب الحاصلين على الشهادات الثانوية الأجنبية المعادلة على أن: “المجلس الأعلى للجامعات قرر بجلسته المنعقدة بتاريخ 5/2/2008 ما يلي: (أولا): الموافقة على أن يتقدم الطلاب المصريون الحاصلون على الشهادات الثانوية الأجنبية المعادلة للالتحاق بالجامعات الحكومية والمعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم العالي بشرط قضاء اثني عشر عامًا في التعليم قبل الجامعي اعتبارًا من العام الجامعي 2011/2012 (تنسيق 2011) وذلك على النحو التالي: «مضي ثلاث سنوات بعد الشهادة الإعدادية المصرية أو ما يعادلها، أو ست سنوات بعد الشهادة الابتدائية، أو قضاء اثني عشر عامًا في التعليم الأجنبي». والطلاب الذين لم يتوافر في حالتهم شرط مضي 12 سنة في التعليم قبل الجامعي يكون قبولهم بالجامعات والمعاهد بعد استيفائهم هذا الشرط، ووفقًا للشروط المقررة للقبول بالجامعات والمعاهد في العام الذي يتقدمون فيه بأوراقهم لمكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد”.
وحيث إن مفاد ذلك أن التعليم بالمدارس الخاصة يجرى تحت إشراف ورقابة وزارة التربية والتعليم ومديريات التربية والتعليم بالمحافظات، وأن نتائج امتحانات النقل بهذه المدارس تعتمد من الإدارة التعليمية المختصة، وأن وزارة التربية والتعليم ومديرياتها بالمحافظات بحسب الأحوال، هي وحدها صاحبة الحق في منح شهادات نهاية مراحل الدراسة بتلك المدارس.
ولما كان ذلك، وكان من المقرر أن الجهة الإدارية المختصة -طبقًا لما استقر عليه قضاء وإفتاء مجلس الدولة- حين تصدر قرارها باعتماد النتيجة، فإن قرارها إنما يُستمَد من سلطتها التقديرية في وزن وتقدير كفاية الطالب في فهم وتحصيل المواد المقررة على أساس واقع إجاباته ودرجاته الفعلية التي حصل عليها في المواد المختلفة، وأن الطالب إنما يستجمع جميع الشروط التي حددها القانون لاعتباره ناجحًا، وأن مؤدى إعلان النتيجة وثبوت نجاح التلميذ، واعتماد تلك النتيجة من الجهات المختصة: أن يصبح للطالب حقٌّ مكتسب، لا يجوز تعديله أو تغييره؛ لِما ينطوي عليه ذلك من مساس محظور بمركزه القانوني.
وحيث إن من المستقر عليه فقهًا وقضاءً أن القرار الإداري الذي يولد حقا أو مركزًا قانونيًّا ذاتيًّا متى صدر صحيحًا، فإنه يكون حصينًا من السحب، فإذا ما انطوى ذلك القرار على مخالفة لصحيح حكم القانون، مما يجعله غير مشروع، فيجب على جهة الإدارة أن تسحبه التزامًا منها بحكم القانون، وذلك خلال الميعاد المقرر قانونًا للطعن عليه بالإلغاء، أو أن تتخذ خلال هذا الميعاد مسلكًا إيجابيًّا في هذا الاتجاه، فإن لم يتم ذلك يصير هذا القرار -نزولا على مقتضيات المصلحة العامة، وحرصًا على استقرار المراكز القانونية- حصينًا من السحب، شأنه شأن القرار الإداري الذي صدر صحيحًا، ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حقٌّ مكتسب في المركز القانوني الناشئ عن هذا القرار، وكلُّ إخلالٍ بهذا المركز بقرار لاحق يعدُّ أمرًا مخالفًا للقانون، يعيب القرار الأخير ويبطله، ولا يخرج عن ذلك الأصل العام المبين سالفًا إلا أن يكون القرار الإداري معدومًا، أو صدر نتيجة غش أو تدليس من جانب صاحب الشأن أو بمشاركته؛ على أساس أن الغش أو التدليس يعيب الإرادة، وإذا شاب التصرف أبطله؛ إعمالا للأصل المقرر أن الغش يُفسِدُ كلَّ شيءٍ، إذ في هاتين الحالتين لا يتقيد سحب القرار الإداري بالميعاد المذكور.
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد وقر على أن الغش والتدليس عيبٌ من عيوب الإرادة، إذا شاب التصرف أبطله وما يترتب على ذلك من آثار، إذ الأصل أن الغش يُفسِدُ كلَّ شيءٍ، والتدليس الذي يصاحب مراحل إصدار القرار الإداري عملٌ بطبيعته قصدي، يتوفر باستعمال صاحب الشأن طرقًا احتيالية بنيةِ التضليل للوصول إلى غرضٍ غير مشروع يدفع الإدارة فعلا إلى إصدار قرارها، وقد تكون هذه الطرق الاحتيالية طرقًا مادية كافية للتضليل وإخفاء الحقيقة، وقد تكون عملا سلبيًّا محضًا في صورة كتمان صاحب الشأن عمدًا بعض المعلومات الأساسية التي تجهلها جهة الإدارة ولا تستطيع معرفتها عن طريق آخر، ويُؤثِّر جهلُها تأثيرًا جوهريًّا في إرادتها، وذلك مع علم صاحب الشأن بهذه المعلومات وبأهميتها وخطرها، وأن الإدارة تعوِّل عليها في إصدار قرارها، ولو لم تطلبها منه صراحةً، على أن مناط إنزال حكم قيام التدليس أن يكون صادرًا عن المستفيد، أو يثبت أنه كان يعلم به، أو كان من المفروض حتمًا أن يعلم به، فلا يُضار المستفيد من عمل غيره؛ لأن أساس فكرة التدليس هي معاقبةُ المدلِّسِ ذاته وحرمانُه من الاستفادة من عمله. “حكما المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 268 لسنة 11 ق. عليا بجلسة 2/3/1968، وفي الطعن رقم 2423 لسنة 27 ق. عليا بجلسة 9/5/1987”.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن المسئولية الجنائية والإدارية مسئوليةٌ شخصية، فلا يجوز أن يُسأل شخصٌ ما عن تصرفاتِ غيره ولو كان هذا الغير هو وليه أو الوصي أو القيم عليه أو مَنْ ينوب عنه قانونًا.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن كريمة الطاعنة حاصلة على الدبلومة الأمريكية المعادلة لشهادة إتمام الثانوية العامة المصرية للعام 2010/2011، وقدرها ثلاث سنوات، وذلك بعد إتمامها لمرحلة التعليم الأساسي، وقدرها تسع سنوات في العام الدراسي 2007/2008، فتكون قد أمضت اثني عشر عامًا في التعليم قبل الجامعي، اعتبارًا من الصف الأول الابتدائي وحتى التحاقها بالجامعة المطعون ضدها بالعام الدراسي 2011/2012 بكلية الطب البشري من قِبَل مكتب القبول للجامعات الخاصة والأهلية، وذلك على وفق أحكام قانون التعليم وقرار المجلس الأعلى للجامعات، حسبما هو ثابت من الشهادات الدراسية المعتمدة من الإدارة التعليمية المختصة بوزارة التعليم، ذلك أن الامتحانات التي اجتازتها كريمة الطاعنة في السنوات المتتالية إلى أن حصلت على الدبلومة الأمريكية، إنما قامت على أساس ما قدرته الجهة الإدارية المختصة من كفاية هذه الطالبة وصحة اجتيازها هذه المراحل، ومن ثمَّ فإن القرارات الصادرة بإعلان نتيجتها في جميع هذه المراحل تغدو قد اكتسبت مركزًا قانونيًّا جديدًا لا يجوز المساس به، لاسيما أنه لم يثبت عدم صحة الشهادات موضوع المنازعة، أو عدم صدورها عن الجهة الإدارية المختصة بوزارة التعليم، وعلى ذلك فإن موقف الطالبة وما قدمته من مستندات قد تأكد للمحكمة صحته، كما اطمئن وجدانها إلى ما انتهى إليه تقريرُ المكتب الاستشاري الفني للطب الشرعي -قسم أبحاث العلوم الجنائية- المرافق لحافظة مستندات الطاعنة (بصفتها)، من نتيجةٍ مفادها أن الطالبة المذكورة قد قضت اثني عشر عامًا بالتعليم الأساسي قبل الالتحاق بكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وأنها قد أدت الامتحان في اللغة العربية والتربية الدينية والتربية القومية في مقرر الصف الثالث الإعدادي، والمرحلتين الأولى والثانية للثانوية العامة نظام حديث في المواد القومية، وقد أثبتت عملية الفحص الفني والمضاهاة أن جميع أختام شعار الجمهورية على جميع المستندات المقدمة سليمة، وأنه بفرض وجود اختلاف في التسلسل الدراسي للطالبة المذكورة، فإنها مجرد أخطاء إدارية صادرة عن الموظفين المختصين بالإدارات التعليمية بوزارة التعليم، عليهم تحمل تبعتها، وقد أجدبت الأوراق عن ثبوت اقتراف ولي أمر الطالبة أي فعل أو تدخل في هذا الشأن.
وحيث إنه بشأن ما نعته جهة الإدارة من أن القرارات الصادرة بشأن الطالبة بمرحلة التعليم قبل الجامعي كانت صادرةً بناءً على غش أو تدليس من قِبَل ولي أمرها، فإنه وبفرض صحة هذا النعت -والفرض غير الحقيقة- فإنه لما كان الغش أو التدليس يعتبر عملا قصديًّا يلزم صدوره عن المستفيد منه، أو أنه كان بعلم منه حقا أو فرضًا، فإذا كان المستفيد بمرحلة عمرية وعقلية لا تسوِّغ له إدراكَ حقيقة الغش وانصراف إرادته إليه، فإنه لا يجوز أن يُضار منه، ولا تقوم مسئوليته الشخصية عنه، ولا يتحمل تبعته.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن القرار المطعون فيه الصادر عن مكتب تنسيق القبول للجامعات الخاصة والأهلية بإلغاء قيد كريمة الطاعنة/… بكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا يضحى غيرَ قائمٍ على سببٍ يبرِّره قانونًا، وبحسب الظاهر يكون مُرجَّحَ الإلغاء، مما يتوفر معه ركنُ الجدية في طلب وقف التنفيذ، ولما كان من شأن استمرار تنفيذ القرار الطعين إلحاق الضرر الجسيم بالمستقبل التعليمي للطالبة المذكورة، فيكون قد تكامل لوقف التنفيذ ركناه، ومن ثمَّ فإن المحكمة تقضي به، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلغاء قرار رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بالفصل النهائي لكريمة الطاعنة، واستمرار دراستها بالصف الثاني بكلية الطب البشري.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ فيما قضى به حقيقًا بالإلغاء، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته طبقًا للمادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف قرار رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بالفصل النهائي لكريمة الطاعنة/… واستمرار دراستها بالصف الثاني بكلية الطب البشري، وألزمت الجامعة المصروفات عن الدرجتين.
([1]) يراجع في ذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1769 لسنة 38 ق. عليا بجلسة 4/1/1998، (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 43/1، مكتب فني، المبدأ رقم 68، ص641).
[2])) هذا القرار ألغى بموجب القرار الوزاري رقم 449 لسنة 2013، الملغى (لاحقًا) بموجب القرار الوزاري رقم 420 لسنة 2014 (النافذ).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |