برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي وسعيد عبد الستار محمد سليمان و د. رضا محمد عثمان دسوقي و د. عبد الجيد مسعد عبد الجليل حميدة.
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) مجلس الدولة– دائرة توحيد المبادئ- مناط الإحالة إليها- تُلزم المادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة دوائر المحكمة الإدارية العليا أن تحيل أي طعن منظور أمامها إلى الدائرة المشكلة طبقا لتلك المادة، متى تبينت اختلاف الأحكام السابق صدورها عنها أو عن دائرة أخرى بالمحكمة، أو إذا رأت العدول عن مبدأ قانوني مستقر في أحكام المحكمة([1]).
– المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972، المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
(ب) دعوى– دعوى البطلان الأصلية- مناطها أن ينتفي عن الحكم صفة الحكم القضائي، كأن يكون صدر عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية، أو لحق الحكم عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة يفقد فيها الحكم وظيفته- تطبيق: إحالة رئيس الدائرة المختصة بنظر الطعن بالمحكمة الإدارية العليا أحد الطعون إلى دائرة توحيد المبادئ لإقرار مبدأ قانوني فى مسألة معينة, لا يمنع من مشاركته فى إصدار الحكم الصادر عن هذه الدائرة بشأن الطعن نفسه، كما لا يمنعه من باب أولى من الاشتراك مع زملائه بعد ذلك فى إصدار الحكم فى موضوع الطعن بعد أن يعاد إليهم من دائرة توحيد المبادئ- لا يبطل الحكم لهذا السبب- نظر المنازعة سواء أمام دائرة فحص الطعون أو أمام دائرة توحيد المبادئ أو دائرة الموضوع يعد متصلا ومتكاملا من درجة واحدة من درجات التقاضي؛ لأن الرأي النهائي في الموضوع لا يكون إلا بعد مداولة بين أعضاء دائرة الموضوع الذين سمعوا المرافعة وشاركوا في إصدار الحكم.
– المواد (4) و(46) و(47) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
(ج) دعوى– دعوى البطلان الأصلية– ما لا يُعد من حالاتها- صدور حكم عن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف أحكام مستقرة بالمحكمة دون إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة لا يبطل الحكم؛ إذ لم ينص المشرع على البطلان في هذه الحالة.
(د) دعوى– صلاحية القضاة- يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها، ولو لم يردَّه أحد الخصوم، إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها، ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء- علة عدم الصلاحية في هذه الحالات جميعا هي سَبْق إبداء القاضي رأيا في الدعوى.
– المادة رقم (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
(هـ) موظف– تأديب- مناط الرجوع إلى قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية في شأن الإجراءات التأديبية- قانون الإجراءات الجنائية هو القانون الأصل الذي يتعين الالتجاء إليه في حالة عدم وجود نص يحكم المنازعة التاديبية؛ لكون المحاكمة التأديبية أقرب إلى المحاكمة الجنائية، ولأن القانون التأديبي ينتمي إلى أسرة قانون العقوبات- لا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص في مجال التأديب؛ وذلك لأن الإجراءات المدنية وضعت للمصالح الخاصة، أما إجراءات المحاكمة التأديبية فقد نظمت للمصلحة العامة- يحق للمحكمة التأديبية الرجوع إلى كل من القانونين (قانون الإجراءات الجنائية، وقانون المرافعات) في كل حالة ترى فيها أن الحكم الوارد بأيهما ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه، ولها ألا تتقيد بأي منهما إذا وجدت أن الحكم المقرر بهما لا يستقيم مع النظام التأديبي([2]).
– المادة (3) من مواد إصدار قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
(و) موظف– تأديب- الطعن فى أحكام المحاكم التأديبية- قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه”- لا يجوز لمحكمة الطعن الإضرار بمصلحة الطاعن، ما لم يكن هو هيئة النيابة الإدارية([3]).
– المادة (417) من قانون الإجراءات الجنائية، الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950.
(ز) موظف– تأديب- التحقيق الإداري- شكله- لم تتضمن النصوص ما يوجب إفراغ التحقيق في شكل معين، ولم يرتب جزاء البطلان على إغفال إجرائه في شكل خاص، إلا أنه ينبغي أن يتم التحقيق في حدود الأصول العامة، وبمراعاة الضمانات الأساسية التى تقوم عليها حكمته.
– المادة (79) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية).
(ح) موظف– تأديب- التحقيق الإداري- إجراء التحقيق الإداري وسماع أقوال الموظف فيما هو منسوب إليه وتحقيق دفاعه إجراء جوهري- لا يترتب على مخالفة هذا الإجراء فى كل الحالات جزاء البطلان، فمتى تمكن المتهم من تحقيق دفاعه أمام السلطة التأديبية, أو كان هناك تحقيق جنائي أجري معه بشأن ما نسب إليه, وأنهته النيابة العامة بعد أن سمعت أقواله وحققت دفاعه بشأنه, فليس هناك ما يدعو إلى تكرار إجراء التحقيق.
(ط) موظف– تأديب- التحقيق الإداري- ضماناته- يجب أن تتوفر في التحقيق ضمانة السلامة والحيدة والاستقصاء لمصلحة الحقيقة، وأن يكفل حماية حق الدفاع للموظف؛ تحقيقا للعدالة- لا يكون التحقيق مستكمل الأركان صحيحا من حيث محله وغايته إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام بالتمحيص، فلا بد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين، من حيث الأفعال والزمان أو المكان والأشخاص وأدلة الثبوت- إذا ما قَصُرَ التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر على نحو تُجَهَّل معه الواقعة وجودا وعدما كان التحقيق معيبا.
(ي) موظف– تأديب- التحقيق الإداري- مبدأ المواجهة– يقصد به: أن يقف العامل على حقيقة التهمة المسندة إليه، وأن يحاط علما بمختلف الأدلة التى تشير إلى ارتكابه المخالفة، حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه بجميع الوسائل المشروعة.
(ك) موظف– تأديب- أثر تنازل الزوج عن دعوى الزنا في الدعوى التأديبية المقامة ضد الزوجة أو شريكها إذا كانا من الموظفين العموميين- هذا التنازل لا يحول دون مســاءلة الزوجة أو الشــريك تأديبيا إذا كانا من الموظفين العموميين، متى كان في مسلكهما إخلال بواجبات الوظيفة وظهور بمظهر لا يتفق مع واجباتها وقدسيتها.
في يوم الأربعاء الموافق 29/10/2014 أودع الأستاذ الدكتور/… المحامي بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن السيد/… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا عريضة دعوى بطلان أصلية، قيدت برقم 4752 لسنة 61ق عليا، طعنا على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/9/2014 في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا، القاضي بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وطلب المدعى -للأسباب التى أوردها في عريضة طعنه- الحكم بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/9/2014 في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا، وإعادة الطعن للفصل فيه من دائرة أخرى.
وتحددت لنظر الدعوى جلسة 7/3/2015، وفيها قررت المحكمة حجز الدعوى لإصدار الحكم فيها بجلسة 14/3/2015، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع علي الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن الدعوى استوفت جميع أوضاعها الشكلية، فهي مقبولة شكلا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 18/1/2011 أصدر السيد رئيس جامعة بنها القرار رقم 833 لسنة 2011 بإحالة السيد/ … المعيد بكلية الزراعة بمشتهر إلى مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين؛ لأنه بتاريخ 22/4/2010 تم ضبطه في واقعة زنا، وبجلسة 13/6/2011 أصدر مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بجامعة بنها قراره في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 2011 بمجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة، تأسيسا على ثبوت ارتكابه المخالفة المسندة إليه.
وإذ لم يرتض المدعي هذا القضاء، فقد بادر إلى الطعن عليه بتقرير أودعه قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 7/8/2011، قيد برقم 39372 لسنة 57ق عليا، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بانقضاء الدعوى التأديبية لتنازل الزوج عن شكواه في جريمة الزنا.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التى قررت إحالته إلى دائرة الموضوع التى نظرته بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، حيث قررت إصدار الحكم فيه بجلسة 12/10/2013، وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 26/10/2013، وبهذه الجلسة قررت إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها بالمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 معدلا بالقانون رقم 136 لسنة 1984، لما ظهر لها من أن الطعن يثير مسألة قانونية اختلفت بشأنها المبادئ التى قررتها دوائر المحكمة الإدارية العليا، تتمثل في أثر تنازل الزوج عن شكواه في جريمة الزنا على الدعوى التأديبية المقامة عن تلك الجريمة.
وبجلسة 7/6/2014 أصدرت هذه الدائرة حكمها بترجيح الاتجاه الذي يقضي بأن تنازل الزوج عن شكواه في جريمة الزنا لا يحول دون مساءلة الزوجة أو الشريك تأديبيا إذا كانا من الموظفين العموميين، وأعيد الطعن إلى الدائرة الرابعة عليا موضوع، فقضت بجلسة 2/9/2014 بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 22/4/2010 حرر المدعو/… المحضر رقم 10099 لسنة 2010 جنح طوخ ضد الطاعن يتهمه فيه بارتكاب جريمة الزنا مع زوجته، وأنه قام بضبطه في ذلك اليوم بمنزله مع زوجته عند عودته من عمله مرتديا جلبابا كان يرفعه لأعلى، وأن زوجته ترتدي قميص نوم، وعندما شاهده قام بالقفز من البلكونة، ولاذت زوجته بالهروب عن طريق السطوح إلى منازل مجاورة، وتمكن أهالي المنطقة وجيرانه من الإمساك به، وقاموا بالتعدي عليه بالضرب وأجبروه على تحرير إيصالات أمانة لتسوية الموضوع وديا، إلا أنه أصر على السير في الإجراءات القانونية، وأضاف بأن النيابة العامة تناولت الواقعة بالتحقيق، وقررت حبسه أربعة أيام، ثم جدد له قاضي المعارضات هذه المدة، ونظرا لتقدم الزوج بتنازل عن اتهام زوجته بالزنا، فقد أصدرت النيابة العامة قرارا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لانقضائها بتنازله، وإذ صدر قرار مجلس التأديب بمجازاته بالفصل من الخدمة عن هذه التهمة الثابتة بيقين في حقه، فإن هذا القرار يكون قد صدر مطابقا للقانون، ويضحى الطعن عليه في غير محله جدير بالرفض.
………………………………………………….
وتقوم دعوى البطلان الأصلية على عدة أسباب:
السبب الأول: أن الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/9/2014 في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا شابه البطلان المتعلق بالنظام العام، لأنه صدر عن محكمة مشكلة برئاسة السيد المستشار/… نائب رئيس مجلس الدولة الذي شارك في إصدار القرار الصادر بجلسة 26/10/2010 بإحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة بالمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة، كما كان سيادته أحد أعضاء دائرة توحيد المبادئ التى أصدرت بجلسة 7/6/2014 قضاءها بترجيح الاتجاه الذي يقضي بأن تنازل الزوج عن شكواه في جريمة الزنا لا يحول دون مساءلة الزوجة أو الشريك تأديبيا إذا كانا من الموظفين العموميين، ومن ثم يكون قد لحق بسيادته سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 من قانون المرافعات؛ لسبق إبداء سيادته رأيا في موضوع الدعوى.
والسبب الثاني: أن الحكم الطعين طرح قاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه؛ لأن عميد كلية الزراعة بمشتهر أصدر قرارا في 22/5/2010 بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وتأخير ترقيته إلى الوظيفة الأعلى لمدة سنتين، وأنه طعن على هذا القرار أمام المحكمة التأديبية بطنطا التي قضت بجلسة 25/6/2011 في الطعن رقم 796 لسنة 38ق بإلغاء هذا القرار، ومن ثم فإنه لا يجوز مجازاة المدعي عن ذات الواقعة بأشد من الجزاء الذي وقعه عليه عميد كلية زراعة مشتهر، والذي ألغته المحكمة التأديبية بطنطا.
والسبب الثالث والأخير: أن المدعو/… تقدم ضده بشكويين إلى كلية الزراعة بمشتهر، اتهمه في الأولى بأنه على علاقة غير شرعية مع زوجته، وأنه قام بضبطه وأبلغ الشرطة بالواقعة، وأن أوراق الواقعة قيدت برقم 10099 لسنة 2010 جنح طوخ، وأن النيابة العامة أصدرت قرارا بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأن قاضي المعارضات جدد له مدة الحبس لتكون لمدة خمسة عشر يوما، ثم أخلي سبيله بناء على تنازل الزوج عن المحضر، وأن الإدارة القانونية أجرت تحقيقا في هذه الواقعة وتشككت في صحة الواقعة، وارتأت قيدها مخالفة إدارية لظهوره بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، ولسلوكه مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب، أما الشكوى الثانية فقرر فيها أنه أكره على البصم على أوراق تحت تهديد السلاح، وعند مواجهته بهذه التهمة أنكرها، وأرجع سبب اتهامه إلى وجود خلافات بينهما لاتهامه في جريمة زنا، ولم يقم المحقق بمواجهته بهذه التهمة، وأنه دفع بالجلسات ببطلان هذه التحقيقات، إلا أن المحكمة لم ترد على هذه الدفوع، ومن ثم فإن قضاءها يكون قد صدر باطلا؛ لإخلاله الجسيم بحق الدفاع.
………………………………………………….
وحيث إن المقرر أن المحكمة الإدارية العليا هي أعلى محكمة طعن في مجلس الدولة، وأن أحكامها هي خاتمة المطاف، ولا يجوز قانونا أن يعقب عليها أو يطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، إلا أنه استثناء من هذا الأصل العام، فإنه أجيز استثناء إذا انتفت عن حكم صادر عنها صفة الأحكام القضائية، كأن يكون صدر عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية، أو لحق الحكم عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة يفقد فيها الحكم وظيفته، أن يطعن على هذا الحكم بدعوى بطلان أصلية.
وحيث إن المشرع حين أنشا القضاء التأديبي بمقتضى القانون رقم 117 لسنة 1958، لم يُفصل الإجراءات التى يتعين مراعاتها في مختلف مراحل المحاكمات التأديبية، إلا أنه أشار تارة إلى قانون الإجراءات الجنائية، وتارة أخرى إلى قانون المرافعات، فنص فى المادة 25 من هذا القانون على أن تسري على الشهود الأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجنائية للتحقيق بمعرفة النيابة العامة، بما في ذلك الأمر بضبط الشاهد وإحضاره، ونص في المادة 26 على أنه في حالة وجود سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة لرئيس المحكمة أو أحد أعضائها يجب عليه التنحي عن نظر الدعوى، وللموظف المحال إلى المحاكمة الحق في طلب تنحيه.
وحيث إن المحكمة التأديبية أقرب إلى المحكمة الجنائية؛ لأن القانون التأديبي ينتمي إلى أسرة قانون العقوبات، ومن ثم فإن قانون الإجراءات الجنائية هو القانون الأصل الذي يتعين الالتجاء إليه في حالة عدم وجود النص.
وحيث إنه ولئن كانت المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 قد نصت على أن تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد به نص، فإن كون المحاكمة التأديبية أقرب إلى المحاكمة الجنائية، وأن القانون التأديبي ينتمي إلى أسرة قانون العقوبات، فإنه لا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص في مجال التأديب؛ وذلك لأن الإجراءات المدنية وضعت للمصالح الخاصة، أما إجراءات المحاكمة التأديبية فقد نظمت المصلحة العامة، ومن ثم فإنه من حق هذه المحكمة الرجوع إلى كل من القانونين: قانون الإجراءات الجنائية، وقانون المرافعات، في كل حالة ترى فيها أن الحكم الوارد بأيهما ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه، ولها ألا تتقيد بأي منهما إذا وجدت أن الحكم المقرر بهما لا يستقيم مع النظام التأديبي.
وحيث إن المادة (25) من مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاء تنص على أنه: “لا يجوز للقاضي أن يحكم في قضية يمكن أن تثير تخوفا معقولا من تحيزه أو من تنازع في المصلحة أو تعارض في المهام”.
وتضمن تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة صورا لبعض حالات الانحراف التى تقع من بعض القضاة فى دول العالم، ومن هذه الحالات: حالة عدم استعداد القاضي للانسحاب من قضية مختلف فيها تنطوي على حالة من حالات الحرج أو الصلاحية، لذلك فإنه يجب على القاضي قبل أن يتصدى للفصل في الدعوى أن يتأكد أن له صفة الحكم في الدعوى أو الصلاحية الشخصية للحكم في الدعوى، فعدم صلاحية القاضي أمر يتخذ صورتين، هما: صورة القاضي غير المنزه، وصورة القاضي غير الأهل، فالأول هو الذي تربطه مصلحة شخصية بموضوع الخصومة المطروحة عليه، أو تربطه صلة قرابة بقاضٍ آخر يشاركه النظر فيها، أما القاضي غير الأهل فهو غير صالح لأداء مهمة القضاء في قضية معينة بذاتها.
وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية المصري أن المادة 247 منه ذكرت الحالات التى يجب فيها على القاضي أن يمتنع عن الاشتراك في نظر الدعوى، ومن ضمن هذه الحالات: حالة أن يكون للقاضي فيها صفة لا يجوز له فيها الجمع بينها وبين القضاء، بما يستوجب بطلان قضائه بحكم القانون، وقد نصت على هذه الحالات المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية بنصها على أنه يمتنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصيا، أو كان قد قام في الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائي أو بوظيفة النيابة العامة، أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادة، أو باشر عملا من أعمال أهل الخبرة، ويمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة أو اشترك في الحكم في الطعن، إذا كان الحكم المطعون فيه صادرا عنه، وتجتمع هذه الحالات فى افتراضها أن للقاضي رأيا معينا في الدعوى تكوَّن لديه قبل أن يجلس للقضاء فيها، وهو ما لا يتفق مع حياده، ومن ثم فإن قيام القاضي بعملين في الدعوى ينتمي كل منهما إلى مرحلة معينة من مراحلها، يناقض علة تجزئة الدعوى إلى مراحل، وما تفترضه من رقابة السلطة التي باشرت مرحلةً على عملِ السلطة التى باشرت المرحلةَ السابقة عليها.
وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون تعليلا لهذا الامتناع: أن أساس وجوب امتناع القاضي عن نظر الدعوى، هو قيامه بعمل يجعل له رأيا في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزنا مجردا.
وتأسيسا على ما تقدم فإنه لا يجوز للقاضي كأصل عام أن ينظر في الدعوى، أو يحكم فيها إذا كان له رأي سابق فيها، فإذا كان قد أبدى رأيه قبل أن يجلس للنظر في الدعوى، امتنع عليه ابتداء أن ينظر فيها، وإذا أبدى رأيه أثناء نظرها فقد صلاحيته للحكم فيها، إذ يعني ذلك أنه فقد الحياد المتطلب لصلاحية القضاء، وعلى الرغم من أن المشرع لم يصرح بهذا الأصل، فهو مستخلص بالضرورة من التطبيقات التى نص عليها، مما يعني أنه تبناه، ثم استظهر تطبيقاته، وبالإضافة إلى ذلك فقد ذكره قانون المرافعات، وإن يكن في أسلوب غير مباشر، حين نص في الفقرة الأخيرة من المادة 146 على أن يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها، ولو لم يردَّه أحد الخصوم، إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها، ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، وعلة عدم الصلاحية في هذه الحالات جميعا هي سبق إبداء القاضي رأيا في الدعوى.
وحيث إن محكمة النقض المصرية قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 12/3/1946(مجموعة القواعد القانونية ج 7 ق 108 ص 94) بأن ما قد يدور في الجلسة في أثناء نظر الدعوى من مناقشة حول مسألة من المسائل المعروضة من الخصوم أو محاميهم، وبين رئيس المحكمة، حتى لو كان الرئيس في كل أو بعض ما صدر عنه يتحدث باسم المحكمة كلها، ذلك لا يصح عَدُّه رأيَ المحكمة النهائي في وجهة نظر معينة، إذ المفروض أن الرأي النهائي إنما يكون في الحكم الذي لا يكون إلا بناء على المداولة عند الفراغ من سماع الدعوى والمرافعة فيها.
كما قضت بجلسة 5/4/1931 (مجموعة القواعد القانونية ج 2 ق 229 ص 283) بأنه يجوز أن يقضي المستشار في موضوع الدعوى، وإن كان قد سبق له أن قضى في نقطة قانونية في نفس الدعوى عندما عرضت على محكمة النقض، لأن قضاءه الأول لم يتدخل في الموضوع من أية ناحية، ولم يمسه من أية وجهة.
وقضت بجلسة 10/1/1957 في الطعن رقم 38 لسنة 23 ق، بأن حق نفس الهيئة الاستئنافية التى فصلت في الاستئناف الفرعي أن تفصل في استئناف الموضوع.
وقضت بجلسة 23/5/1963 في الطعن رقم 19 لسنة 39ق أحوال شخصية، بأن الحكم في المسائل المستعجلة لا يعد سببا لعدم الصلاحية عند نظر الموضوع.
وقضت بجلسة 24/5/1973 في الطعن رقم 4 لسنة 41ق أحوال شخصية، بأن سبق نظر القاضي دعوى نفقة لا يمنعه من نظر دعوى التطليق للفرقة.
وقضت بجلسة 1/6/1976 في الطعن رقم 50 لسنة 39 ق بأن اشتراك القاضي في إصدار الحكم ببطلان التنفيذ لا يمنعه من نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن هذا التنفيذ.
وقضت بجلسة 10/1/1957 (مج 8 ص 45) بأن سبق القاضي الحكم في مسألة متصلة بالدعوى، لا يعد سببا من أسباب عدم الصلاحية.
وقضت بجلسة 17/1/1978 في الطعن رقم 920 لسنة 44ق بأن المقصود بسبق نظر الدعوى كقاض، هو سبق نظرها في مرحلة أو درجة أخرى، لأنه ليس للقاضي الذي نظر قضية أمام محكمة أول درجة أن يشترك في نظرها أمام المحكمة الاستئنافية.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت المادة الرابعة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: “يكون مقر المحكمة الإدارية العليا في القاهرة، ويرأسها رئيس المجلس، وتصدر أحكامها من دوائر من خمسة مستشارين، وتكون بها دائرة أو أكثر لفحص الطعون، تشكل من ثلاثة مستشارين…”.
وتنص المادة 46 على أن: “تنظر دائرة فحص الطعون الطعن بعد سماع إيضاحات مفوض الدولة وذوي الشأن إن رأى رئيس الدائرة وجها لذلك، وإذا رأت دائرة فحص الطعون أن الطعن جدير بالعرض على المحكمة الإدارية العليا، إما لأن الطعن مرجح القبول، أو لأن الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة تقريره أصدرت قرارا بإحالته إليها، أما إذا رأت بإجماع الآراء أنه غير مقبول شكلا أو باطل أو غير جدير بالعرض على المحكمة حكمت برفضه”.
وتنص المادة 47 على أن: “تسري القواعد المقررة لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على الطعن أمام دائرة فحص الطعون، ويجوز أن يكون من بين أعضاء المحكمة الإدارية العليا من اشترك من أعضاء دائرة فحص الطعون في إصدار قرار الإحالة”.
وتنص المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 على أنه: “إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض، أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشار برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه…”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المنازعة المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا تبدأ بطعن يقدم من ذوي الشأن بتقرير يودع قلم كتابها، وتنتهي بحكم يصدر إما عن دائرة فحص الطعون المشكلة من ثلاثة من مستشاري المحكمة الإدارية العليا، وإما عن إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة من المستشارين، وإذا تبين لأي من هذه الدوائر عند نظر أحد الطعون أنه صدرت عنها أو عن إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه، وتعد إجراءات نظر المنازعة في هذه المراحل متصلة ومتكاملة في درجة واحدة من درجات التقاضي.
وترتيبا على ما تقدم، فإنه إذا كان القرار الصادر عن دائرة فحص الطعون بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لا يمنع من الاشتراك في إصدار الحكم من المستشارين المشتركين في تشكيل المحكمة الإدارية العليا، وهو ما نص عليه المشرع صراحة في الفقرة الثانية من المادة 47 من قانون مجلس الدولة التى أجازت أن يكون من بين أعضاء المحكمة الإدارية العليا مَن اشترك من أعضاء دائرة فحص الطعون في إصدار قرار الإحالة، فإنه من باب أولى، فإن لرئيس الدائرة الذي رأى إحالة الطعن إلى الهيئة المشكلة إعمالا للمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة لإقرار مبدأ قانوني في مسألة معينة، واشترك في إصدار الحكم الصادر عنها إعمالا لما نص عليه المشرع صراحة في المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 أن يشترك مع زملائه بعد ذلك في إصدار الحكم في موضوع الطعن بعد أن أعيد إليهم من دائرة توحيد المبادئ التى لم تناقش موضوع الدعوى من أي ناحية ولم تمسه من أية جهة، ولما كان اختصاص الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة مقصورا على الطعون التى تحال إليها من دوائر المحكمة الإدارية العليا لترسي فيها مبدأ قانونيا، بل قد خلا نص المادة 54 مكررا من تقرير أي بطلان للأحكام التى تصدر عن دوائر المحكمة الإدارية العليا دون التزام بالمبدأ القانوني الذي أقرته.
ولما كان ما تقدم، فإن مشاركة السيد الأستاذ المستشار/… نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرة الرابعة موضوع فى إصدار قرار بجلسة 26/10/2013 في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا بإحالة الطعن إلى الهيئة المنصوص عليها في المادة 54 مكررا المضافة إلى قانون مجلس الدولة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 لتقرير مبدأ قانوني، ومشاركته كأحد أعضاء هذه الدائرة في إرساء هذا المبدأ، فإن مشاركته بعد ذلك في إصدار حكم في الطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا، تكون متفقة وحكم القانون؛ لأنه لم يلحق بسيادته أي سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها، سواء في قانون الإجراءات الجنائية أو قانون المرافعات، وأن مشاركته في إرساء مبدأ قانوني هى مقررة بقوة القانون، ولأن دائرة توحيد المبادئ التى أرست المبدأ القانوني الذي شارك سيادته في إرسائه، لم تناقش موضوع الدعوى من أي ناحية، ولم تمسه من أية جهة، وإذ كان نظر المنازعة سواء أمام دائرة فحص الطعون أو أمام دائرة توحيد المبادئ أو دائرة الموضوع يعد متصلا ومتكاملا من درجة واحدة من درجات التقاضي، ولأن الرأي النهائي في الموضوع لا يكون إلا بعد مداولة بين أعضاء دائرة الموضوع الذين سمعوا المرافعة وشاركوا في إصدار الحكم.
– وحيث إنه عما أثاره المدعي من أن الحكم المطعون فيه خرج خروجا صارخا على قواعد العدالة بإهدار مبدأ ألا يضار الطاعن بطعنه، تأسيسا على أن المدعو/… تقدم بشكوى ضده إلى كلية الزراعة اتهمه فيها أنه على علاقة غير شرعية مع زوجته، وأنه قام بضبطه بتاريخ 22/4/2010، وأن النيابة العامة أصدرت قرارا بحبسه لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأن قاضي المعارضات مد هذا الحبس لمدة خمسة عشر يوما أخرى، وأنه أخلي سبيله بعد ذلك، بناء على التنازل الذي قدمه الزوج، وأن إدارة الشئون القانونية أجرت تحقيقا في هذه الواقعة، وانتهت إلى قيدها مخالفة ضده لظهوره بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة وسلوكه مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب، وأنه استنادا إلى هذه النتيجة أصدر عميد كلية الزراعة قرارا بتاريخ 22/5/2010 بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وتأخير الترقية إلى الوظيفة الأعلى لمدة سنتين، وأنه بادر إلى الطعن على هذا القرار أمام المحكمة التأديبية بطنطا التي قضت بجلسة 25/6/2011 في الطعن رقم 796 لسنة 38ق بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه، ومن ثم فإنه لا يجوز مجازاته عن ذات الواقعة بجزاء أشد من الجزاء السابق توقيعه عليه، عملا بقاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد صدر باطلا- فإن الثابت من الأوراق وبإقرار المدعي أن القرار الصادر عن عميد كلية زراعة مشتهر بمجازاته بالوقف عن العمل وتأخير الترقية كان بناء على التحقيق الذي أجرته الإدارة القانونية، والذي انتهت فيه إلى أنه وضع نفسه موضع الشبهات، وعرض اسمه وكرامته ووظيفته للإهانة، بأن قام المدعو/… بالتعدي عليه بالضرب وأوقعه على الأرض، وأجبره على التوقيع على إيصالات أمانة نتيجة تدخله بطريقة مريبة وفي وقت غير لائق في إجراء صلح بينه وبين زوجته، وأن المحكمة التأديبية قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 25/6/2011 بإلغاء هذا القرار تأسيسا على أنه انطوى على عقوبتين منصوص عليهما في البندين الخامس والسادس من المادة 80 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بالمخالفة لما هو مستقر عليه من أنه لا يجوز توقيع عقوبتين عن واقعة واحدة، وأن الواقعة التى أصدر السيد رئيس جامعة بنها قراره رقم 833 لسنة 2011 بإحالته بسببها إلى مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين كانت بسبب واقعة الزنا، وهي واقعة تختلف تماما عن الواقعة السابق مجازاته عنها.
وحيث إنه ولئن كان المقرر أنه لا يجوز لمحكمة الطعن الإضرار بمصلحة الطاعن إذا كان من غير النيابة الإدارية، وقد تقرر هذا المبدأ في فرنسا بادئ الأمر في فتوى لمجلس الدولة في 12/11/1806، ثم قننه المشرع الفرنسي بعد ذلك في المادة 515 إجراءات. (نقض 23 من نوفمبر سنة 1983، مجموعة الأحكام س 34 رقم 51 ص 265).
وبهذا المبدأ أخذ المشرع المصري فنص في المادة 417/3 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه إذا كان الاستئناف مرفوعا من غير النيابة العامة فليس للمحكمة إلا أن تؤيد الحكم أو تعدله لمصلحة رافع الطعن، وبناء على هذا المبدأ فإنه إذا كان الطعن مرفوعا من الطاعن وحده لا يجوز الإساءة إليه بالحكم عليه بعقوبة أشد، حتى لا ينقلب طعن الطاعن وبالا عليه.
وحيث إن الحكم الذي أصدره مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بجامعة بنها بتاريخ 13/6/2011 في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 2011 قضى بمجازاة المدعي بالفصل من الخدمة، ولم يرتض الطاعن هذا القضاء فطعن عليه أمام هذه المحكمة بالطعن رقم 39372 لسنة 57ق عليا، فقضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 2/9/2014 بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، ومن ثم فإنه لا محل لإعمال قاعدة ألا يضار الطاعن بطعنه؛ لأن هذا القضاء في واقعة غير تلك الواقعة السابق مجازاته عنها.
وحيث إنه عما أثاره المدعي من بطلان التحقيق الذي أجرته معه الإدارة القانونية، لأن المحقق لم يحطه علما بالتهمة المسندة إليه ، ولم يمكنه من الدفاع عن نفسه، وأن الحكم المطعون عليه طرح هذا الدفاع مما يجعله مشوبا بالبطلان، فإن المادة (79) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 لا تجيز توقيع جزاء على العامل إلا بعد تحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، وأن القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية جعل مناط اختصاص الإدارات القانونية بالجهات الخاضعة لأحكامه يتحدد بما يحال إليها من وقائع من السلطة المختصة.
وحيث إن التحقيق سواء تولته الجهة الرئاسية أو النيابة الإدارية يستهدف كشف الحقيقة، وإن كان المشرع في نظام العاملين المدنيين بالدولة لم يضع تنظيما متكاملا للتحقيق الإداري حينما تتولاه الجهة الإدارية، ولم تتضمن النصوص ما يوجب إفراغ التحقيق في شكل معين، ولم يرتب جزاء البطلان على إغفال إجرائه في شكل خاص، إلا أنه ينبغي أن يتم التحقيق في حدود الأصول العامة، وبمراعاة الضمانات الأساسية التى تقوم عليها حكمته، بأن تتوفر فيه ضمانة السلامة والحيدة والاستقصاء لمصلحة الحقيقة، وأن تكفل حماية حق الدفاع للموظف تحقيقا للعدالة.
وحيث إنه من مقتضى الأساس الدستوري لقاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإنه يلزم حتما إجراء تحقيق قانوني صحيح سواء من حيث الإجراءات أو المحل أو الغاية لكي يمكن أن يستند إليه قرار الاتهام، وتلك القاعدة التى تستند إليها شرعية الجزاء هي الواجبة الاتباع، سواء تم توقيع الجزاء إداريا من السلطة التأديبية الرئاسية بواسطة الرئيس الإداري، أو تم توقيعه بواسطة مجلس التأديب المختص، لأن التحقيق هو وسيلة استبيان الحقيقة فيما ينسب إلى العامل من اتهام، وبغير أن يكون تحت يد الجهة التى تملك توقيع الجزاء تحقيق مستكمل الأركان لا يكون في مكنتها الفصل على وجه شرعي وقانوني في الاتهام المنسوب للعامل سواء بالإدانة أو البراءة، وعليه فإن أي حكم يصدر استنادا إلى تحقيق ناقص أو غير مستكمل الأركان يكون حكما غير مشروع، ولا يكون التحقيق مستكمل الأركان صحيحا من حيث محله وغايته إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام بالتمحيص، ولا بد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين، من حيث الأفعال والزمان أو المكان والأشخاص وأدلة الثبوت، فإذا ما قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر على نحو تجهل معه الواقعة وجودا وعدما، كان التحقيق معيبا.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى الأحكام المنظمة لتأديب العاملين يتبين أنها تستهدف في مجموعها توفير الضمانات اللازمة لسلامة التحقيق وتيسير وسائله بغية الوصول إلى الحقيقة، ومن بين هذه الضمانات الجوهرية التي حرص الشارع على مراعاتها في التحقيق الإداري: المواجهة، وذلك بإيقاف العامل على حقيقة التهمة المسندة إليه، وإحاطته علما بمختلف الأدلة التى تشير إلى ارتكابه المخالفة، حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه بجميع الوسائل المشروعة.
وحيث إنه ولئن كان إجراء التحقيق الإداري وسماع أقوال الموظف فيما هو منسوب إليه وتحقيق دفاعه إجراء جوهري، إلا أنه لا يترتب على مخالفة هذا الإجراء في كل الحالات جزاء البطلان، متى تمكن المتهم من تلافى هذا القصور، وطلب من مجلس التأديب تحقيق دفاعه وإجابته إلى طلبه، أو إذا كان هناك تحقيق جنائي أجري مع الموظف بشأن ما نسب إليه، وأنهته النيابة العامة بعد أن سمعت أقواله وحققت دفاعه بشأنه، فليس هناك ما يدعو إلى تكرار إجراء تحقيق؛ لأنه من المسلم أن الضمانات تتوفر للمتهم في التحقيق الذي تجريه النيابة العامة، وبالتالي يجوز أن يستند إليه.
وحيث إن الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة تناولت واقعة الزنا المنسوبة إلى المدعي بالتحقيق في القضية رقم 10099 لسنة 2010 جنح طوخ، وأعدت مذكرة بشأنه أشارت فيها إلى أن الواقعة تخلص حسبما هو ثابت بمحضر جمع الاستدلالات المؤرخ فى 22/4/2010 والثابت به قيام المدعو/… بالإمساك بالمدعي رفق زوجته بمنزل الزوجية في وضع مخل، وأنه يتهمهما بالزنا، وأنه بسؤال المشكو في حقه أنكر ما نسب إليه، وإذ أسفرت تحريات مباحث مركز طوخ عن صحة ما جاء بأقوال المبلغ، فإن الواقعة تشكل جريمة الزنا المؤثمة قانونا، وهي ثابتة في حقهما أخذا بأقوال الشاكي وتحريات مباحث مركز طوخ، وما استأنس به من أقوال جيران الشاكي المثبتة بمحضر جمع الاستدلالات، ومن ثم فإن هذا التحقيق الجنائي الذي أجري مع المدعي بشأن ما نسب إليه في واقعة الزنا كاف لإدانته تأديبيا.
وإذا أضيف إلى ما تقدم، أن المدعي حضر مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بجلسة 11/4/2011 وواجهه بالتهمة المنسوبة إليه فنفاها، وبمواجهته بما جاء بالمحضر رقم 10099 لسنة 2010 جنح طوخ، قرر بأن الشاكي تصالح معه، وبمواجهته بما أسفرت عنه تحريات مباحث مركز طوخ قرر أنه لم يتم ضبطه متلبسا، كما طلب من مجلس التأديب سماع شهادة كل من… و…، وأجابه المجلس إلى طلبه واستمع إلى شهادتهما، كما استمع أيضا لشهادة السيدتين/… زوجة الشاكي ووالدتها السيدة/…، ومن ثم فإن التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة ومجلس التأديب في واقعة الزنا قد توفر لها جميع المقومات الأساسية، فقد أحيط المدعي بالتهمة المسندة إليه وتمكن من إبداء دفاعه كاملا، مما يجعل دفعه ببطلان التحقيقات التي أجريت معه لا يستقيم مع الواقع والقانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يهدر دفاع المدعي ورد على جميع دفوعه، فإنه لا محل للنعي عليه بالبطلان.
حكمت المحكمة بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلا، ورفضها موضوعا.
([1]) راجع كذلك: المبدأ رقم (93) في هذه المجموعة. وقد أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا أن صدور حكم عن إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا على خلاف أحكام مستقرة بالمحكمة دون إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة، لا يترتب عليه البطلان؛ إذ لم ينص المشرع على البطلان في هذه الحالة، كما أن هذا لا يفقد الحكم صفته كحكم قضائي، أو يفقده أحد الأركان الأساسية المتعين توفرها فيه، وهو ما ينتفي معه مناط قبول دعوى البطلان. (حكمها في الطعن رقم 10646 لسنة 52ق ع بجلسة 13/6/2009، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 77/ج).
([2]) راجع كذلك المبدأ رقم (105/أ) في هذه المجموعة، ويراجع في المعنى نفسه الحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في الطعن رقم 39372 لسنة 57 القضائية عليا بجلسة 7 من يونيه سنة 2014 (منشور بمجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 59، مكتب فني، المبدأ رقم5)، حيث انتهى إلى أن الرجوع إلى قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية في شأن الإجراءات التأديبية لا يكون إلا في حالة كون الحكم الوارد بالنص ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه، أما إذا كان النص الوارد بأيهما لا ينسجم مع طبيعة النظام التأديبي وأهدافه فإنه لا يؤخذ به.
[3])) راجع كذلك المبدأ رقم (105/ز) في هذه المجموعة، حيث قررت المحكمة الإدارية العليا أن محل مبدأ “لا يضار الطاعن بطعنه” أن يكون الطعن مقاما من الطاعن وحده، أما إذا كان المطعون ضده قد طعن كذلك على الحكم، فإن هذا المبدأ لا يصح إعماله، ويكون لمحكمة الطعن أن تؤيد الحكم أو تلغيه أو تعدله، وأن الطعن المقابل يترتب عليه نقل موضوع الدعوى برمتها إلى محكمة الطعن، واتصال هذه المحكمة بالدعوى يخولها النظر فيها من جميع نواحيها، والحكم فيها طبقا لما تراه في حدود القانون.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |