برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فايز شكري حنين نوار
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد عبد الحميد أبو الفتوح، وسعيد سيد أحمد القصير، وجعفر محمد قاسم عبد الحميد، ومحمد محمود عبد الواحد عقيلة
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) دعوى– طلبات في الدعوى- تكييف الطلبات- إذا رُفِعَت الدعوى ابتداءً أمام القضاء المدني، بطلب إلزام الجهات الإدارية المختصة إصدار قرار يتعين عليها إصداره قانونًا، انطوى ذلك ضمنًا على طلبي وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه في مفهوم قانون مجلس الدولة، ولو لم يُطلب صراحةً وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه- أساس ذلك: أن المدعي يحدد طلباته أمام القضاء المدني على وفق المصطلح القائم فيه، فإذا أُحيلت الدعوى إلى القضاء الإداري يجب تكييف الطلبات على هدي القواعد المطبقة لديه، ولا وجه للقول بأنه يتقيد بحرفية الطلبات المبداة أمام القضاء المدني؛ لأن هذا يتناقض مع اختلاف الطبيعة الإدارية للمنازعات أمام محاكم مجلس الدولة- ترتيبا على ذلك: لا تكون تلك المنازعة خاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات.
(ب) دعوى– شرطا الصفة والمصلحة- على القضاء الإداري أن يجتهد رأيه ولا يألو في تحديد مفهوم الصفة والمصلحة بالنسبة للدعاوى التي تُطرح في ساحته، سواءً كانت من دعاوى الإلغاء، أو مما اصطلح على تسميته بدعاوى القضاء الكامل، وذلك بتفسير النصوص التي تشترط توفر الصفة والمصلحة لقبول الدعاوى، تفسيرًا ينأى بالمنازعات الإدارية بوجهٍ عام عن أن تكون من دعاوى الحسبة، ويتوافق في الوقت نفسه مع طبيعة المنازعات الإدارية، والدور الذي يقوم به القضاء الإداري في حراسة الشرعية وسيادة القانون، بغير إفراطٍ ولا تفريط، فلا يبسط في مفهوم الصفة والمصلحة كلَّ البسط، فيتلاشى الفارق بين المنازعات الإدارية ودعاوى الحسبة، فلا يكاد يبين، ولا يتشدد في تحديد مفهوم تلك الصفة والمصلحة، بما يتأبى وطبيعة المنازعات الإدارية، فيحجب أصحاب الحقوق والمصالح عن أن يطرقوا بابه ويلجوا ساحاته دفاعًا عن مصالحهم وحقوقهم، بل عليه أن يتخذ بين ذلك سبيلا، وذلك حسب الظروف والملابسات التي تظهر له في الدعوى.
(ج) مبانٍ– مخالفات البناء- صاحب الصفة في طلب إلغاء قرار إزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة- تثبت الصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة لمأمور اتحادِ ملاك العقارات في الطعن على قرار إزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة في العقار؛ بحسبان أن الأعمال المطلوب إزالتها تمثل تعديًا على الأجزاء المشتركة لملاك العقار، وبصفته مأمورًا لاتحاد ملاك هذا العقار([1]).
(د) قرار إداري– ما يُعد قرارًا إداريا سلبيا- امتناع الجهة الإدارية المختصة عن إصدار القرار اللازم لمواجهة أعمال البناء المخالفة يمثلُ قرارًا إداريا سلبيا، يخولُ كلَّ صاحبِ صفةٍ ومصلحةٍ الطعن عليه أمام القضاء- إصدار الجهة الإدارية المختصة قرارًا بإزالة أو تصحيح أعمال البناء المخالفة هو إجراء أوجبه القانون على تلك الجهة، يتعين عليها اتخاذه؛ تحقيقًا لأهداف المشرع من إصدار تشريعاتِ توجيه وتنظيم أعمال البناء([2]).
(هـ) مبانٍ– مخالفات البناء- نظم المشرع إجراءات مواجهة مخالفات أعمال البناء في حلقاتٍ متتابعة، بحيث يتم أولا إثباتُها، ويلي هذا إصدارُ قرارٍ بوقفها، ثم إصدارُ قرارٍ بالإزالة أو التصحيح، وتنفيذُ هذا القرار أو ذاك بمعرفة الجهة الإدارية بنفسها أو بواسطة من تعهد إليه بذلك، إذا تقاعس ذوو الشأن عن تنفيذ القرار خلال المدة المحددة لذلك- هذا التتابع لا يحول دون قيام الجهة الإدارية بواجبها نحو إصدار قرار الإزالة أو التصحيح مباشرةً، إذا ثبت لها أن الأعمال المخالفة قد تمت، وأنه لا جدوى من إصدار قرارٍ بوقفها([3]).
(و) مبانٍ– مخالفات البناء- لا يزيل المخالفةَ قيامُ الجهة الإدارية بإصدار قرارٍ بغلق المحل موضوع مخالفة البناء والمتداعى بشأنه؛ لأن هذا الغلق يتم على وفق أحكام القانون المنظم للمحال التجارية والصناعية، وهو أمر يتعلق بمزاولة النشاط من عدمه، كما أن إصدارَ رخصةِ مزاولةِ نشاطٍ للمحل موضوع مخالفة البناء، لا يُصحح مخالفةَ أحكامِ قوانين البناء- تظل المخالفة قائمةً حتى تُتخذ في شأنها الإجراءات المنصوص عليها قانونًا طبقًا لأحكام القانون المنظم لأعمال البناء؛ بحسبان أن مخالفات البناء من المخالفات المستمرة.
– المواد (4) و(11) و(15) و(16) و(17) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، المعدَّل بالقانون رقم 101 لسنة 1996، والملغي -فيما عدا المادة (13 مكررًا) منه- بموجب القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء.
– في يوم الأحد الموافق 27/9/2009 أودعت هيئة قضايا الدولة، بصفتها نائبةً عن الطاعنين، قلم كتاب هذه المحكمة تقريرَ طعنٍ قُيد في جدولها العام برقم 38290 لسنة 55 القضائية (عليا)، طعنًا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 40874 لسنة 60 القضائية، بجلسة 3/9/2009، القاضي بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان -للأسباب المبينة في تقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضدهم على وفق الثابت في الأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ونظر هذا الطعن ابتداءً أمام الدائرة السادسة (فحص الطعون) بالمحكمة الإدارية العليا، التي قررت إحالته إلى الدائرة السادسة (موضوع) لنظره في جلسة 5/5/2010 والتي نظرته فيها، وفي جلسة 23/11/2011 قررت إحالة الطعن الماثل إلى هذه المحكمة لنظره مع الطعن رقم 38 لسنة 56 القضائية (عليا).
– وفي يوم الأربعاء الموافق 7/10/2009 أودع الأستاذ/… المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن/ سعدية… قلم كتاب هذه المحكمة تقريرَ طعنٍ قُيد في جدولها العام برقم 38 لسنة 56 القضائية (عليا)، طعنًا في الحكم نفسه المشار إليه فيما تقدم.
وطلبت الطاعنة -للأسباب المبينة في تقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا: (1) بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000. (2) بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ولانتفاء شرط المصلحة. (3) رفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده الأول المصروفات.
وأعلن هذا الطعن إلى المطعون ضدهم على وفق الثابت في الأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعنة المصروفات.
ونظر هذا الطعن أمام الدائرة الخامسة (فحص الطعون) -المنبثقة عن هذه المحكمة- على وفق الثابت في محاضر جلساتها، فقررت إحالته إلى هذه المحكمة، فتدوول أمامها، وفي جلسة 10/3/2012 قررت ضم الطعن رقم 38 لسنة 56 القضائية (عليا) إلى الطعن رقم 38290 لسنة 55 القضائية (عليا) للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وفي جلسة 20/10/2012 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة 22/12/2012، وقد تم مد أجل النطق بالحكم إداريا لجلسة 19/1/2013، وفي هذه الجلسة قررت إعادة الطعنين إلى المرافعة لجلسة 2/3/2013؛ وذلك بناءً على طلب الطاعنة في الطعن 38 لسنة 56ق.عليا لتقديم مستندات، وفي جلسة 4/5/2013 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة 22/6/2013، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الطعنين إلى المرافعة لجلسة 23/9/2013 مع تكليف الجهة الإدارية والطاعنة في الطعن رقم 38 لسنة 56ق.عليا بالإفادة عما تم في الإشكال رقم 56465 لسنة 63 القضائية في الحكم موضوع هذين الطعنين، وبيان ما إذا قد صدر قرار بإزالة الفترينتين محل النزاع وتم تنفيذه من عدمه، وفي جلسة 3/5/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة.
وحيث إن الطعنين قد استوفيا جميع إجراءاتهما الشكلية، فمن ثم يتعين القضاء بقبولهما شكلا.
وحيث إن عناصر هذا النزاع تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق- في أنه بتاريخ 2/6/2003 أقام إسحق… (المطعون ضده الأول في الطعنين الماثلين) أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 3692 لسنة 2003، ضد (1)… (2) رئيس حي روض الفرج (3) مدير الإدارة الهندسية بحي روض الفرج (4)…، طالبًا في هذه الدعوى الحكم بإلزامهم متضامنين إزالة الأربعة الدكاكين المقامة في مدخل المبنى الإداري من العقار رقم 121 شارع شبرا- القاهرة، والتصريح له بإزالتها على نفقتهم، وذلك على سندٍ من القول إنه بصفته مأمور اتحاد ملاك العقار المشار إليه فقد تبين له قيام المدعى عليها الرابعة ببناء أربعة دكاكين في مدخل العقار نفسه بدون ترخيصٍ، مما أعاق استغلال المبنى وأضرَّ بالملاك، وقد أبلغ الجهة الإدارية المختصة بذلك لكنها لم تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لإزالة هذه الدكاكين، رغم أنها تمثل جنحة مخالفة قوانين المباني، وتخول تلك الجهة إزالتها في أي وقت باعتبارها مخالفة مستمرة، لأن العقار مقامٌ على وفق الترخيص رقم 12 لسنة 1983، مما يؤكد حينذاك عدم وجود مخالفات فيه، وقد تم ارتكاب الأعمال المخالفة بعد ذلك، وقد قام بإنذارها لإزالة هذه المخالفات، ثم أقام هذه الدعوى بطلباته المبينة سالفًا.
وتدوولت الدعوى أمام المحكمة المدنية المذكورة، على وفق الثابت في محاضر جلساتها، أحالتها خلالها إلى مكتب خبراء وزارة العدل المختص لأداء المأمورية التي كلفته القيام بها، وفي جلسة 10/6/2006 حكمت بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات، فقُيدت في جدولها العام بالرقم المشار إليه، وتدوولت أمامها، وفي جلسة 3/9/2009 أصدرت حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها -بعد استعراضها نص المادة (17) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء- على أن الثابت في الأوراق وطبقًا لما انتهى إليه الخبير في تقريره المرافق لملف الدعوى، أن الفترينات محل التداعي أُقيمت بالمخالفة للرسومات الهندسية للترخيص الصادر للعقار (المبنى الإداري) منذ إنشاء العقار عام 1983، وأن الجهة المختصة قد أصدرت القرارين رقمي 250 و251 لسنة 2002 بغلق تلك الفترينات، ولما كانت هذه الفترينات أُنشئت بالمخالفة لترخيص البناء الصادر للعقار، وصدرت في شأنها قرارات إزالة، فكان يتعين على الجهة الإدارية تنفيذها، وإذ لم تقم بذلك، فإن هذا يشكل قرارًا سلبيا في جانبها بالامتناع عن تنفيذها، يتعين القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
………………………………………………..
– وحيث إن الطعن رقم 38290 لسنة 55 القضائية (عليا) قد أُسِّسَ على أن الحكم المطعون فيه صدر مخالفًا للقانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ تأسيسًا على أن الدعوى مقامة بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000، وأن الجهة الإدارية قامت بتحرير محاضر بالمخالفات محل التداعي، وأصدرت قراري غلق لتلك الفترينات، ومن ثم لم تمتنع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة في شأنها، وإذ لم يأخذ الحكم المطعون فيه بذلك، فإنه يكون واجب الإلغاء، واختتم الطاعنون تقرير هذا الطعن بطلباتهم المبينة سالفًا.
– وحيث إن الطعن رقم 38 لسنة 56 القضائية (عليا) قد شُيدَ على أن الحكم المطعون فيه صدر باطلا من عدة أوجه: (أولها) أنه خالف أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000، و(ثانيها) أنه قضى بقبول الدعوى رغم انتفاء صفة ومصلحة رافعها، و(ثالثها) أنه قام على سندٍ لا وجود له؛ فقد استند إلى أن هناك قرارات إزالة لم يتم تنفيذها رغم عدم وجودها، و(رابعها) أنه قضى بما لم يطلبه المدعي؛ إذ لم يطلب في دعواه إلغاء امتناع الجهة الإدارية عن إصدار قرار إزالة لتلك الأعمال، واختتمت الطاعنة تقرير هذا الطعن بطلباتها المبينة آنفًا.
………………………………………………..
– وحيث إنه عن النعي الأول على الحكم المطعون فيه بأنه قضى بقبول الدعوى شكلا، رغم عدم قبولها لرفعها من غير ذي صفةٍ أو مصلحة، والتفاته عن الدفع المبدى في هذا الشأن، فإن هذا الدفع غيرُ سديدٍ، ومردودٌ عليه بما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة من أن على القضاء الإداري -حتمًا مقضيا- أن يجتهد رأيه ولا يألو في تحديد مفهوم الصفة والمصلحة بالنسبة للدعاوى التي تُطرح في ساحته، سواءً كانت من دعاوى الإلغاء، أو مما اصطلح على تسميته بدعاوى القضاء الكامل، بتفسير النصوص التي تشترط توفر الصفة والمصلحة لقبول الدعاوى، تفسيرًا ينأى بالمنازعات الإدارية -بوجهٍ عام- عن أن تكون من دعاوى الحسبة، ويتوافق في الوقت نفسه مع طبيعة المنازعات الإدارية، والدور الذي يقوم به القضاء الإداري في حراسة الشرعية وسيادة القانون، بغير إفراطٍ ولا تفريط، فلا يبسط في مفهوم الصفة والمصلحة كلَّ البسط في المنازعات الإدارية، فيتلاشى الفارق بينها وبين دعاوى الحسبة، فلا يكاد يبين، ولا يتشدد في تحديد مفهوم تلك الصفة والمصلحة، بما يتأبى وطبيعة المنازعات الإدارية، فيحجب أصحاب الحقوق والمصالح عن أن يطرقوا بابه ويلجوا ساحاته دفاعًا عن مصالحهم وحقوقهم، بل عليه أن يتخذ بين ذلك سبيلا، وذلك حسب الظروف والملابسات التي تظهر له في الدعوى.
وتأسيسًا على هذا، ولما كان الثابت في الأوراق أن رافع الدعوى ابتداءً (المطعون ضده الأول في الطعنين الماثلين) مالكٌ للوحدة رقم (2) بالطابق السابع في العقار محل القرار الطعين، ومأمورُ اتحادِ ملاك هذا العقار، فمن ثم تكون له صفةٌ ومصلحةٌ شخصية ومباشرة في الطعن على القرار المطعون فيه؛ بحسبان أن الأعمال المطلوب إزالتها تمثل تعديًا على الأجزاء المشتركة لملاك العقار، وبصفته مأمورًا لاتحاد ملاك هذا العقار، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى استنادًا إلى هذا، فإنه يكون متفقًا وصحيح حكم القانون، ويضحى الدفع المبدى في هذا الشأن غير قائمٍ على سنده القانوني، جديرًا بالالتفات عنه.
– وحيث إنه عن النعي الثاني على الحكم المطعون فيه بأنه قضى بقبول الدعوى، رغم رفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000، فإن هذا النعي كذلك في غير محله، ومردودٌ عليه بأن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقتٍ ممكن ودون تحميلهم أعباء مالية قد تثقل كاهلهم، ولتخفيف العبء عن القضاة وترشيدًا للمنازعات أمام المحاكم، أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية -المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون- والعاملين فيها أو غيرهم من الأفراد أو الأشخاص المعنوية الخاصة، وذلك أيّا كانت طبيعة تلك المنازعات، بيدَ أنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات بعينها، وهي تلك التي ورد النص عليها في المادة الرابعة منه، والتي تتسم الجهات الإدارية أطراف الخصومة فيها بطبيعة خاصة، مثل وزارة الدفاع والإنتاج الحربي والأجهزة والجهات التابعة لها، أو تلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية، لطبيعتها الخاصة التي قد يستعصى حلها عن طريق اللجان التي شكلها هذا القانون، أو غيرها من المنازعات التي أفرد لها المشرع تنظيمًا خاصًا لفضها أو تسويتها، إما عن طريق لجانٍ قضائية أو إدارية أو هيئاتِ التحكيم، وفضلا عن ذلك فإن المشرع قد أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون نوعًا آخر من المنازعات، وهي التي ورد النصُّ عليها في المادة (11) من القانون المذكور، وذلك نظرًا لطبيعة هذه المنازعات التي لها صفة الاستعجال، فهي جميعها تندرج ضمن المسائل المستعجلة التي يتعين الفصل فيها على الفور، دون انتظار المواعيد المقررة في القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه، بل في آجالٍ أقرب منها؛ حرصًا على مصلحة أصحاب الشأن، وهو ما يتفق والغاية التي ابتغاها المشرع من إصدار هذا القانون، وقد حصر هذه المنازعات أو المسائل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ؛ لما تتسم به من طبيعة مستعجلة، ومن ثم فإنه عدا المسائل المستثناة حصرًا من أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 -المبينة سالفًا- قد رتب المشرع أثرًا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان المنصوص عليها فيه، وهو عدم قبول الدعاوى التي تُقام مباشرةً أمام المحكمة.
وتأسيسًا على هذا، وإذ كان رافع الدعوى قد عقد لواء هذه المنازعة ابتداءً أمام القضاء المدني، طالبًا فيها القضاء بإلزام الجهات الإدارية المختصة إزالة الفترينات موضوع النزاع، فإنه وإن لم يصحبه صراحةً طلب وقف تنفيذ القرار المطلوب القضاء بإلغائه، إلا أنه ينطوي ضمنًا على هذا المعنى في مفهوم قانون مجلس الدولة، وأساس ذلك: أن المدعي يحدد طلباته أمام القضاء المدني على وفق المصطلح القائم فيه، فإذا أُحيلت الدعوى إلى القضاء الإداري يجب تكييف الطلبات على هدي القواعد المطبقة لديه، بحيث لا وجه للقول بأنه يتقيد بحرفية الطلبات المبداة أمام القضاء المدني؛ لأن هذا يتناقض مع اختلاف الطبيعة الإدارية للمنازعات أمام محاكم مجلس الدولة، ومن ثَمَّ فإن قيام محكمة أول درجة بتكييف الطلبات في النزاع الماثل على أنها طعنٌ بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، يُعَدُّ متفقًا وصحيح حكم القانون، ومن ثم تكون هذه المنازعة غير خاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه، ويكون ولوج رافع الدعوى الطريق القضائي مباشرةً متفقًا وصحيح حكم القانون، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بذلك، فإنه يكون قد أصاب وجه الحق من القانون، ويضحى هذا الدفع غير قائم على أساسٍ سليم من حكم القانون، مما يتعين القضاءُ بالالتفات عنه كذلك.
– وحيث إنه عن الموضوع، فإن المادة (4) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، والقوانين المعدلة له، بحسبان أن القرار المطعون فيه قد صدر خلال المجال الزمني لسريانه، تنص على أنه: “لا يجوز إنشاء مبانٍ أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو إجراء أي تشطيبات خارجية إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وفقًا لما تبينه اللائحة التنفيذية…”.
وتنص المادة (11) منه على أنه: “يجب أن يتم تنفيذ البناء أو الأعمال وفقًا للأصول الفنية وطبقًا للرسومات والبيانات والمستندات التي مُنح الترخيص على أساسها…”.
وتنص المادة (15) منه على أن: “تُوقف الأعمال المخالفة بالطريق الإداري، ويصدر بالوقف قرار مُسببٌ من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم يتضمن بيانًا بهذه الأعمال، ويُعلن إلى ذوي الشأن بالطريق الإداري…”.
وتنص المادة (16) من هذا القانون على أن: “يصدر المحافظ المختص أو من ينيبه قرارًا مُسببًا بإزالة أو تصحيح الأعمال التي تم وقفها، وذلك خلال خمسة عشر يومًا على الأكثر من تاريخ إعلان قرار وقف الأعمال المنصوص عليه في المادة السابقة…”.
وتنص المادة (17) من القانون المشار إليه على أنه: “على ذوي الشأن أن يبادروا إلى تنفيذ القرار الصادر بإزالة أو تصحيح الأعمال المخالفة، وذلك خلال المدة التي تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم، فإذا امتنعوا عن التنفيذ أو انقضت المدة دون إتمامه، قامت الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بذلك بنفسها أو بواسطة من تعهد إليه، ويتحمل المخالف جميع النفقات وتحصل منه بطريق الحجز الإداري”.
وحيث إن مفاد ما تقدم -على وفق ما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة- أن المشرع في قوانين تنظيم أعمال البناء المتعاقبة حرص على أن تسير حركة البناء على وفق قواعد موضوعية؛ وذلك لضمان سلامة المباني وصلاحيتها فنيا وهندسيا وصحيا، ولذلك أوجب، قبل الشروع في البناء أو إقامة أيِّ أعمالٍ تعد من أعمال البناء، على ذوي الشأن الحصول على ترخيصٍ بذلك من الجهة الإدارية المختصة، وألزمهم تنفيذ الأعمال المرخص بها على وفق الأصول الفنية وطبقًا للرسومات التي مُنِحَ الترخيصُ على أساسها، كما خول المشرع العاملين المختصين في الجهات الإدارية دخول مواقع الأعمال وإثبات ما قد يكون شابها من مخالفات، سواء بإقامتها دون ترخيص، أم بالمخالفة لشروط الترخيص، أو غيرها من الأصول الفنية، أو الاشتراطات البنائية، وأوجب على الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها قانونًا لوقف الأعمال المخالفة بالطريق الإداري، والعرض على السلطة المختصة لاتخاذ القرار المناسب، سواء بإزالة هذه الأعمال أو تصحيحها، بحسب الأحوال، ويبين من هذا أن المشرع قد نظم إجراءات مواجهة مخالفات أعمال البناء في حلقاتٍ متتابعة، بحيث يتم أولا إثباتُها، ويلي هذا إصدارُ جهة الإدارة قرارا بوقف الأعمال المخالفة، ثم إصدارُ قرار بالإزالة أو التصحيح، وتنفيذُ هذا القرار أو ذاك بنفسها أو بواسطة من تعهد إليه بذلك، إذا تقاعس ذوو الشأن عن تنفيذ القرار الصادر بذلك خلال المدة التي حددتها لهم الجهة الإدارية، على أن هذا التتابع لا يحول دون قيام الجهة الإدارية بإصدار قرار الإزالة أو التصحيح مباشرةً إذا ثبت لها أن الأعمال المخالفة قد تمت ولا جدوى من إصدار قرار بوقفها، ومقتضى هذا إن إصدار الجهة الإدارية المختصة قرارًا بإزالة أو تصحيح أعمال البناء المخالفة هو إجراء أوجبه القانون على تلك الجهة، يتعين عليها اتخاذه؛ تحقيقًا لأهداف المشرع من إصدار تشريعاتِ توجيه وتنظيم أعمال البناء، ومن ثَمَّ فإن امتناع الجهة الإدارية المختصة عن إصدار القرار اللازم لمواجهة أعمال البناء المخالفة يمثل قرارًا سلبيا في جانبها يخول كل صاحب صفة ومصلحة الطعن عليه أمام القضاء.
وحيث إنه تأسيسًا على ما تقدم، وإذ كان الثابت في الأوراق أن العقار موضوع القرار المطعون فيه يقع برقم 121 شارع شبرا- حي روض الفرج- القاهرة، قد صدر ببنائه الترخيص رقم 12 لسنة 1983، ليكون مكونًا من بدروم فيه جراج، وطابقين محلات، أعلاهما مستشفى بكامل المساحة، ومبنى إداري على الجزء الأمامي منه بارتفاع ثمانية طوابق أعلى المستشفى، وبعد تشييده قام مالكاه (فايز…، وسوزان…، المطعون ضدها الثانية) ببناء فاترينتين (محلين) في مدخل المبنى الإداري، إحديها لبيع الملابس الجاهزة، والأخرى مخزنا، ثم قاما ببيعهما إلى المطعون ضدها الثالثة في الطعن الأول، بموجب العقد المؤرخ في 17/3/1987، رغم إقامتهما بالمخالفة لترخيص البناء المشار إليه، وعدم تقديم ما يثبت الترخيص بإقامتهما، على وفق ما أثبته الخبير المنتدب لتحقيق عناصر النزاع أمام المحكمة المدنية المذكورة، وعضدته المستندات المقدمة في هذا الشأن، وتأخذ به المحكمة محمولا على أسبابه؛ بحسبانه جاء متفقًا مع ما تضمنته وقائع ومستندات النزاع، ومتى كانت الحال كذلك، فإن الفاترينتين (المحلين) محل التداعي تكونان قد أقيمتا بدون ترخيصٍ وبالمخالفة لترخيص البناء الصادر للعقار وأحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء المشار إليه، مما كان يتعين معه على الجهة الإدارية المختصة اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون لإزالة أو تصحيح هذه المخالفة، وذلك لوقوع المخالفة في مدخل العقار، أي على الأجزاء المشتركة لجميع المنتفعين بوحدات العقار، مما يعيق استخدام المدخل على الوجه الأكمل في الأغراض المخصص لها، خاصةً في حالات الطوارئ، على وفق ما أكده قطاع شمال القاهرة للدفاع المدني والإطفاء، وإذ جاءت الأوراق خلوًا من إصدار الجهة الإدارية المختصة قرارًا بإزالة الأعمال المخالفة أو تصحيحها بحسب الأحوال، فمن ثم فإن هذا يمثل قرارًا سلبيا في جانبها مخالفًا للقانون، يتعين القضاءُ بإلغائه.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما قامت به الجهة الإدارية بإصدار القرارين رقمي 250 و251 لسنة 2002 بغلق المحلين أو الفاترينتين محل التداعي؛ بحسب أن هذا الغلق لا يزيل المخالفة طبقًا لأحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء المشار إليه، لأن هذا الغلق تم على وفق أحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال التجارية والصناعية، وهو أمر يتعلق بمزاولة النشاط من عدمه مع بقاء المحلين دون إزالة، كما لا يدحض ما تقدم القول بإصدار رخصةِ مزاولةِ نشاطٍ للمحلين المذكورين، لأن هذا مردودٌ عليه بأن إصدار هذه الرخصة لا يُصحح بناء المحلين بالمخالفة لأحكام قوانين البناء، وتظل المخالفة قائمة حتى تتخذ في شأنها الإجراءات المنصوص عليها قانونًا؛ بحسب أن مخالفات البناء من المخالفات المستمرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى النتيجة نفسها بإلغاء القرار المطعون فيه، فإنه يكون قد أصاب وجه الحق من حكم القانون، ويضحى كل من الطعنين الماثلين غير قائم على أساسٍ سليمٍ من حكم القانون، مما يتعين معه القضاءُ برفضهما.
وحيث إن خاسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بأحكام المادتين (184) و(270) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعًا، وألزمت كلَّ طاعنٍ مصروفات طعنه.
([1]) استبدل المشرع اتحادات شاغلي العقارات باتحادات الملاك، حيث تنص المادة (72) من قانون البناء (الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008) على أن: “تنشأ اتحادات لشاغلي العقارات المبنية والتي لا يقل عدد وحداتها عن خمس وحدات، أو المجمعات السكنية سواء كانت كلها أو بعضها سكنية أو غير سكنية، مملوكة أو بحق انتفاع أو مؤجرة لأشخاص طبيعية أو اعتبارية، وذلك أيا كان تاريخ إنشائها أو شغلها، كما يجوز إنشاء اتحاد يضم أكثر من عقار، ويجوز تكوين اتحاد يضم مجموعة عقارات متجاورة، وفي حالة التجمعات السكنية المتكاملة من مجاورة أو أكثر يلتزم الشاغلون وملاك هذا التجمع بإنشاء شركة أو أكثر للإدارة والصيانة، لها الاختصاصات المقررة لاتحاد الشاغلين، وذلك كله طبقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون من إجراءات في هذا الشأن. وعلى الوحدات المحلية وغيرها من الجهات المختصة خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون ونظام اتحاد الشاغلين، إخطار شاغلي العقارات التي تسري عليها أحكام هذا الباب والتي لم يتم إنشاء الاتحاد بها للقيام بإنشاء اتحادات للشاغلين، أو توفيق أوضاع اتحادات الملاك القائمة، ومتابعة القيام بإنشاء الاتحادات أو توفيق الأوضاع، وذلك وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون”.
([2]) في هذا المعنى: حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 5194 لسنة 42ق ع بجلسة 30/11/1997 (منشور بمجموعة السنة 43/1 مكتب فني، المبدأ رقم 46، ص 435)، ويراجع كذلك حكمها في الطعن رقم 15147 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 22/3/2014 (منشور بهذه المجموعة، المبدأ رقم47).
(2) في المعنى نفسه: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 15147 لسنة 55 القضائية (عليا) بجلسة 22/3/2014 (منشور بهذه المجموعة- المبدأ رقم47).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |