برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الله إبراهيم فرج ناصف
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، والسيد إبراهيم السيد الزغبي، وأحمد محفوظ محمد القاضي، ود. رضا محمد عثمان دسوقي حسين
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) قرار إداري– دعوى الإلغاء- التظلم الوجوبي- لا يخضعُ قرارُ سحبِ قرارِ التعيين لشرط وجوب التظلم منه قبل رفع الدعوى- الأصل أن يلجأ الناس إلى قاضيهم؛ انتصافًا لِما يعتقدونه حقًّا لهم، وكشفًا لِما يرونه ضررًا حاق بهم، دون قيود تعترضُهم، أو حواجز تمنعُهم، إلا ما يقرِّره المشرِّعُ تنظيمًا لانتصافهم، ومن ثمَّ وجب اعتبار هذا التظلم استثناءً على هذا الأصل، والقاعدة الأصولية أن الاستثناء لا يُقاسُ عليه ولا يُتوسَّعُ في تفسيره- (تطبيق): أخذًا بالمنطق المتقدم واحترامًا للأصل المذكور، فإن التظلم بحسبانه استثناءً وقيدًا على حق التقاضي لا يسوغ أن يتجاوز قرارَ التعيين إلى قرار سحبه، فلا يجب التظلم من هذا الأخير.
– المواد (10/ثالثًا) و(12/ب) و(24) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
(ب) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- تعيين- السلطة المختصة بالموافقة على التعيين- التعيين في الوظائف القضائية بمجلس الدولة مرجعه إلى موافقة الجمعية العمومية لأعضاء المجلس، والمجلس الخاص للشئون الإدارية، بحسب الأحوال، وكل حسب اختصاصه، باعتبارهما صاحبي السلطة الأصلية في الموافقة على التعيين- بناء على تلك الموافقة تصدر أداة التعيين، وهي قرار رئيس الجمهورية، على أن يعود تاريخُ التعيين إلى تاريخ موافقة الجهتين المذكورتين سالفًا بالمجلس- مفاد هذا أن قرارَ التعيينِ في تلك الوظائف قرارٌ مركب- لم تتضمن القوانين نصًّا يُجِيزُ مخالفةَ مُصْدِرِ قرار التعيين لِما تنتهي إليه كلٌّ من الجمعية العمومية لأعضاء المجلس والمجلس الخاص للشئون الإدارية من قراراتٍ متعلقة بتعيين وترقية أعضاء المجلس، فيما عدا وظيفة رئيس مجلس الدولة، التي اقتصر التعيين فيها على أخذ رأي جمعيةٍ عمومية خاصة، فلا يعد رأيها في هذا الشأن مُلزِمًا لمصْدِرِ القرار.
– المادة (83) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، المعدَّلة بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984.
(ج) مجلس الدولة– شئون الأعضاء- تعيين- التعيين في وظيفة (مندوب مساعد)- لا يجوزُ سحبُ موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة على تعيين مَنْ تقررت صلاحيتُهم لشغل هذه الوظيفة، مادام لم يَثْبُت أن مباشرة المجلس الخاص لولايته في هذا الشأن قد شابها إساءة استخدام السلطة أو الانحراف بها، أو مخالفة القانون- إذا انتهت لجنةُ المقابلات بمجلس الدولة (المكوَّنة من أعضاء المجلس الخاص للشئون الإدارية) من أعمالها الخاصة بفحص واختبار المتقدمين لشغل تلك الوظيفة، وتقرير مدى صلاحيتهم، فإنه لا يجوزُ عقب ذلك إعادةُ تقييم المرشحين، إذ يقتصر الأمر فقط على استكمال الإجراءات الشكلية الأخرى بالنسبة لِمَنْ تثبت صلاحيتهم من المتقدمين، بالتيقن من خلوهم من أية شائبةٍ تشوبهم وأسرهم أمنيا، وكذا التيقن من حالتهم الطبية وصلاحيتهم بإجراء الكشف الطبي عليهم، ويعقب ذلك صدور قرار المجلس الخاص بالموافقة على تعيين مَنْ ثبتت صلاحيتُه ولم تشبه شائبةٌ أمنية ولم يقم به مانعٌ طبي، ثم تُرسَل تلك الموافقة بما تضمنتها من أسماء وقع عليهم الاختيارُ لاستصدار القرار الجمهوري بالتعيين- لا يجوزُ لأية جهةٍ أو سلطةٍ أخرى (بما في ذلك المجلس الخاص نفسه) معاودةُ النظر في مدى صلاحية المرشحين الواقع عليهم الاختيار للتعيين، تعديلا أو سحبًا، حتى لو تمَّ تغييرُ أعضاء تلك الجهات؛ لأنها تكون قد استنفدت سلطتها في هذا الشأن، وذلك مادام أنه لم يشب مباشرة تلك الجهات ولايتها إساءة استخدام السلطة، أو الانحراف بها، أو مخالفة القانون.
– المادة (83) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، المعدَّلة بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984.
– المادة (57) من اللائحة الداخلية لمجلس الدولة، الصادرة بقرار مجلس الوزراء، المنشور في الجريدة الرسمية في 23/4/1955، (الملغاة لاحقًا بموجب قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة رقم 1 لسنة 2011 بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس الدولة- النافذة).
في يوم الأربعاء الموافق 5/9/2007 أودع وكيل الطاعن قلمَ كُتَّابِ المحكمةِ تقريرَ الطعنِ الماثل، طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قراري المجلس الخاص للشئون الإدارية، الصادر أولهما في شهر يوليو سنة 2006 بسحب قرار تعيينه الصادر بتاريخ 4/6/2006، والصادر ثانيهما برقم 71 لسنة 2007 بتخطيه في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسَبَّبًا بالرأي القانوني. وجرى تداول الطعن أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة- فرع بني سويف، عام 2005، بتقدير تراكمي جيد، بنسبة 69,2%، وإذ أعلن مجلس الدولة عن قبول دفعة تكميلية من خريجي كليات الحقوق لشغل وظيفة مندوب مساعد، فقد بادر بالتقدم بأوراقه، وأجرى مقابلةً شخصية اجتازها بنجاح، وأجريت في شأنه تحريات أكدت سلامة موقفه جنائيًّا وسياسيًّا، وتم توقيع الكشف الطبي عليه تمهيدًا لتعيينه، وأرسل مشروع القرار إلى رئاسة الجمهورية تمهيدًا لاعتماده في غضون شهر مايو سنة 2006، إلا أنه بسبب اختيار بعض الحاصلين على تقدير مقبول، فقد أعيد الإعلان عن ذات الدفعة التكميلية، حيث بادر بالتقدم إليها، واجتاز المقابلة، إلا أنه فُوجِئَ باستبعاده دون سبب، وتعيين من هم دونه في مجموع الدرجات، فتظلم من هذا القرار بتاريخ 23/4/2007 فور علمه به، ولم يتلقَّ ردًا على تظلمه، فتقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بطلبٍ قُيِّدَ برقم 306 لسنة 53 ق، فقررت بجلسة 14/7/2007 ندب أحد المحامين لمباشرة الطعن، حيث تقدم به بتاريخ 5/9/2007 في الميعاد المقرَّر قانونًا، ناعيًا على قرار المجلس الخاص الساحب لقراره المؤرَّخ في 4/6/2006 المتضمن تعيينه في وظيفة مندوب مساعد (وكان ترتيبه قرين رقم 36 بين المعينين) أنه قد شابه مخالفة القانون، بعد إذ صدر صحيحًا، وتولد عنه حق ومركز شخصي، مما يمتنع سحبه، أما بالنسبة للقرار رقم 71 لسنة 2007 فقد تضمن تعيين مَنْ هم أقل منه مجموعًا، بالرغم من انتمائه لأسرة من رجال القانون، فضلا عن سبق اختياره للتعيين من قبل المجلس الخاص، ولكن تمَّ سحبُ قراره دون سندٍ من القانون.
………………………………………………..
وحيث إن حقيقة ما يهدف إليه الطاعن -بحسب صحيح تكييف طلباته- هو الحكم بقبول الطعن شكلا، و(أصليًّا) بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/7/2006 فيما تضمنه من سحب الموافقة السابقة للمجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/6/2006 بتعيين الطاعن بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأخصها استكمال إجراءات استصدار قرار رئيس الجمهورية بتعيين الطاعن بهذه الوظيفة اعتبارًا من 4/6/2006. و(احتياطيًّا) بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 71 لسنة 2007 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
………………………………………………..
وحيث إنه عن شكل الطلب الأصلي، فإن الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم قبول الطعن لعدم سابقة التظلم، فإنه دفعٌ غيرُ سديدٍ واجب الالتفات عنه، ذلك أن قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 ينص في المادة (10/3) على أن: “تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية:… ثالثًا- الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات…”.
وينص في المادة (12/ب) على أنه: “لا تقبل الطلبات الآتية:… (ب) الطلبات المقدمة رأسًا بالطعن في القرارات الإدارية النهائية المنصوص عليها في البنود ثالثًا ورابعًا وتاسعًا من المادة (10) وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية…”.
وينص في المادة (24) على أن: “ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يومًا من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضى ستين يومًا من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مُسَبَّبًا، ويعتبر مضي ستين يومًا على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه. ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يومًا من تاريخ انقضاء الستين يومًا المذكورة “.
وحيث إنه إعمالا لِما تقدم، فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن ينازع في مشروعية قرار المجلس الخاص بمجلس الدولة المؤرَّخ في 16/7/2006 المتضمن سحب قراره المؤرَّخ في 4/6/2006 المتضمن تعيين الطاعن بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، فإنه فضلا عن أن قرار سحب قرار التعيين لا يخضع طبقًا لِمفاد نص المادة (12/ب) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المشار إليه -وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- لإجراء التظلم الوجوبي، فالأصل أن يلجأ الناس إلى قاضيهم؛ انتصافًا لِما يعتقدونه حقًّا لهم، وكشفًا لِما يرونه ضررًا حاق بهم، دون قيود تعترضُهم، أو حواجز تمنعُهم إلا ما يقرِّره المشرِّعُ تنظيمًا لانتصافهم، ومن ثمَّ وجب اعتبار هذا التظلم استثناءً على هذا الأصل، وتبعًا لذلك تجري عليه القاعدة الأصولية، وهي أن الاستثناء لا يُقاسُ عليه ولا يُتوسَّعُ في تفسيره، وإعمالا لذلك فإنه لئن كان المشرع قد اشترط التظلم مناطًا لقبول المنازعة في قرار التعيين، فإنه أخذًا بالمنطق المتقدم واحترامًا للأصل المذكور، فإن قيد التظلم -بحسبانه استثناءً وقيدًا على حق التقاضي- لا يسوغ أن يتجاوز قرارَ التعيين إلى قرار سحبه مناطًا لقبول مخاصمته قضاء، فلا يخضع الأخير لهذا القيد، وفضلا عن ذلك فإن الأوراق قد جاءت خلوا من تحقق العلم اليقيني للطاعن بالقرار المطعون فيه في تاريخ سابق على إقامة طعنه؛ إذ إنه حتى بعد أن أعاد مجلسُ الدولة الإعلانَ عن تعيين الدفعة التكميلية ذاتها (دفعة 2005) بتاريخ 11/8/2006، فإن هذا الإعلان لا يُشَكِّلُ في وجدان الطاعن وعلمه سوى إعادة مسابقة التعيين للدفعة ذاتها، ولا يرقى بحالٍ في يقينه إلى سحب قرارٍ لا يعلمُ على أيِّ نحوٍ بالأوراق بإدراج اسمه به، ومن ثمَّ فلا تعدو واقعة تقدمه بأوراق التعيين لهذه المسابقة علمًا بقرار المجلس الخاص المؤرَّخ في 16/7/2006 الساحب لقراره السابق المؤرَّخ في 4/6/2006، ومن ثم يكون الطعن قد أقيم في الميعاد، وإذ استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم فهو مقبول شكلا.
وحيث إن المادة رقم (83) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972([1]) تنص على أن: “يُعيَّن رئيس مجلس الدولة… ويُعيَّن نواب رئيس المجلس ووكلاؤه… ويُعيَّن باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية. ويعتبر تاريخُ التعيين أو الترقية من وقت موافقة الجمعية العمومية أو المجلس المشار إليه حسب الأحوال”.
وتنص المادة رقم (57) من اللائحة الداخلية لمجلس الدولة([2]) على أن: “يُعيَّن المندوبون المساعدون من بين الحاصلين على درجة ممتاز في ليسانس الحقوق ثم من بين الحاصلين على درجة جيد جدًّا فمن بين الحاصلين على درجة جيد. ويجوز تعيينُهم ولو لم يكونوا حاصلين على إحدى الدرجات المذكورة عن طريق مسابقةٍ عامة تُحدَّد شروطُها بقرارٍ من رئيس المجلس”.
وحيث إن الدستور كفل حق المواطنين في تولي الوظائف العامة، وكذا تكافؤ الفرص بينهم لكونهم متساوين في الحقوق والواجبات، وإن المشرِّعَ في قانون مجلس الدولة أجاز تعيين الحاصلين على ليسانس حقوق بأيٍّ من التقديرات العلمية، إلا أن اللائحة الداخلية لمجلس الدولة جعلت تعيينَ الحاصلين على مرتبة مقبول عن طريق مسابقة تُحدَّد شروطُها بقرارٍ من رئيس المجلس، وأن التعيين بوظيفة رئيس مجلس الدولة يكون بقرارٍ يصدر عن رئيس الجمهورية، أما التعيين بوظائف المجلس فيما عدا وظيفتي نائب رئيس المجلس ووكيل يكون بناءً على موافقةٍ سابقة من المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة، ويرجع تاريخُ التعيين إلى تاريخ موافقة هذا المجلس، أما وظيفتا نائب رئيس مجلس ووكيل فيكون التعيين فيهما بموافقة الجمعية العمومية لأعضاء المجلس، ويرجع تاريخُ الترقية فيهما إلى تاريخ موافقة الجمعية، أي إن الأصل في التعيين بوظائف مجلس الدولة مرجعه -حسب الأحوال- موافقة الجمعية العمومية لأعضاء المجلس والمجلس الخاص للشئون الإدارية، كل حسب اختصاصه، باعتبارهما صاحبي السلطة الأصلية في الموافقة على التعيين، ثم -بناء على تلك الموافقة- تصدر أداة التعيين، وهي قرار رئيس الجمهورية، وعلى أن يعود تاريخُ التعيين لتاريخ موافقة الجهتين المذكورتين سالفًا بالمجلس، وباعتبار أن قرارَ التعيينِ بوظائف المجلس قرارٌ مركب، ولم تتضمن القوانين النص على جواز مخالفة مُصْدِرِ قرار التعيين لِما ينتهي إليه كلٌّ من الجمعية العمومية لأعضاء المجلس والمجلس الخاص للشئون الإدارية من قراراتٍ متعلقة بالتعيين والترقية لوظائف أعضاء المجلس، فيما عدا وظيفة رئيس مجلس الدولة، التي اقتصر التعيين فيها على أخذ رأي جمعيةٍ عمومية خاصة من شاغلي وظائف نواب رئيس مجلس الدولة والوكلاء والشاغلين لوظيفة مستشار لمدة عامين، أي إن رأيها في هذا الشأن لا يكون مُلزِمًا لمصْدِرِ القرار بالتعيين في تلك الوظيفة.
وحيثُ إن قضاء هذه المحكمة (دائرة توحيد المبادئ) قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظيفة القضائية يكون شرطًا لازمًا يُضاف إلى شروط التعيين المنصوص عليها في القانون، والتي تنحصر في التمتـع بجنسية جمهورية مصر العربية، والحصول على إجازة الحقوق، وعدم صدور أحكام عن المحاكم أو مجالس التأديب في أمرٍ مُخِلٍّ بالشرف ولو تمَّ رد الاعتبار، وحُسن السُمعة وطيب السيرة، وأن تلك اللجنة غير مُقيَّدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها، فهي لا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توفر أو عدم توفر تلك الأهلية، وأن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدُّها سوى استهداف المصلحة العامة؛ لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية ستظل على وجه الدوام واجبًا يبتغي المصلحة العامة باختيار أكفأ العناصر وأنسبها، وهو أمر سيبقى مُحَاطًا بإطار المشروعية التي تتحقق دون سواها، وذلك بالتمسك بضرورة توفر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميلٍ أو هوى، وأن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين كل من توفرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية، وبين فاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره، فلا يتقلد وظائفه إلا من توفرت له الشروط العامة، وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهِّله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل، ومن ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصةُ مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية والمشكَّلة من قمم الجهة القضائية التي تقدم لشغل وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة، وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب، ولا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل اللجنة في إعمال معايير وضوابط استخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، وإلا ترتب على ذلك إهدار كل قيمةٍ لعمل لجان المقابلة؛ إذ إن حلول المحكمة محلها بناء على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توفر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فهذه نتيجة يأباها التنظيم القضائي، كما أنه ليس للحاصل على تقدير أعلى أن يحتج بتعيين مَنْ هو أقل منه تقديرًا، إذا ثبت أن تخطيه في التعيين يرجع إلى عدم أهليته بقرار من لجنة المقابلة.
وحيث إنه لا مندوحة من أن يُتْرَك لأعضاء تلك اللجنة بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها، وأضحوا شيوخًا لرجال القضاء، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توفر الشروط التي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها لاختيار أفضل العناصر لتولي الوظيفة القضائية التي تتطلب في شاغلها، فضلا عن الكفاية العلمية، أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة والبعد عن الميل والهوى، هذا بالإضافة إلى أن التقدير ومجموع الدرجات الحاصل عليهما المتقدم لشغل الوظيفة القضائية في الدرجة العلمية، وهي ليسانس الحقوق أو ما يعلوها، لا يصلح أن يكون وحده معيارًا لقياس مدى صلاحية المتقدم لشغل الوظيفة، حيث إن المقابلات التي تجريها اللجان المشكَّلة من شيوخ القضاء في الجهات القضائية والسالفة البيان تُعَدُّ في حقيقة أمرها أشبه بالمسابقة التي يكون المعيار في تحديد نتائجها متضمنًا العديد من العناصر، إحداها التقدير أو مجموع الدرجات في المؤهل العلمي، بالإضافة إلى العناصر الأخرى المتعلقة بالشخصية والسلوك، كما أن المناقشات التي تجرى مع المتقدمين من خلال المقابلات التي تجريها اللجنة تسفر عن بيان مدى منطقية تفكير المتقدم ودقة التعبير وسلامة الوصول إلى الحكم القانوني للمواضيع التي تُناقش، وليس من خلال معلومات محفوظة، بل عن طريق القدرة في كيفية توظيف هذه المعلومات وتطبيقها على الوقائع عن طريق الترتيب الفكري القانوني السليم واللازم للعمل القضائي الفعلي، وأن تقييم هذه العناصر لا يجوز للمحكمة أن تحل فيه محل تلك اللجان، ولا مطعن على ما تنتهي إليه هذه اللجان من نتيجة سوى إذا ما ثَبُتَ بالدليل اليقيني إساءةُ استعمال السلطة أو الانحرافُ بها عن المصلحة العامة.
وحيث إنه من المسلَّم به أنه عندما تنتهي لجنةُ المقابلات بمجلس الدولة المكونة من أعضاء المجلس الخاص للشئون الإدارية من أعمالها الخاصة بفحص واختبار المتقدمين لشغل الوظائف القضائية، وتقرير صلاحية أو عدم صلاحية المتقدم، فإنه لا يجوز عقب ذلك إعادة تقييم المرشحين، إذ يقتصر الأمر فقط على استكمال الإجراءات الشكلية الأخرى بالنسبة لمن تثبت صلاحيتهم من المتقدمين بالتيقن من خلوهم من أية شائبة تشوبهم وأسرهم أمنيَّا بإجراء التحريات الأمنية عليهم، وكذا التيقن من حالتهم الطبية وصلاحيتهم بإجراء الكشف الطبي عليهم، يعقبه صدور قرار المجلس الخاص بالموافقة على تعيين من ثبتت صلاحيته، ولم تشبه شائبة أمنية، ولم يقم مانع طبي من تعيينه شغلا للوظيفة القضائية، ثم ترسل تلك الموافقة بما تضمنتها من أسماء وقع عليهم الاختيار لاستصدار القرار الجمهوري بالتعيين في أدني الدرجات بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، ولا يجوز لأية جهةٍ أو سلطة أخرى، بما في ذلك المجلس الخاص نفسه، معاودة النظر في مدى صلاحية المرشحين الواقع عليهم الاختيار للتعيين على النحو المتقدم تعديلا أو سحبًا، وذلك حتى لو تمَّ تغييرُ أعضاء تلك الجهات، بعد أن استنفدت سلطتها، والقول بغير ذلك قد يؤدي إلى إهدار هيبة هذا المجلس، ويُشكِّكُ في أعمال أعضائه وأعضاء لجنة المقابلات الشخصية، وهم شيوخ قضاة المجلس، وقد يوحي أيضًا بأن ما تتخذه تلك الجهات من قرارات وأعمال لا يقوم على أساس المصلحة العامة، وأنها مرتبطة بالأهواء والآراء الشخصية، وليست صادرةً بناءً على قواعد وأسس عامة لا يبتغي منها سوى المصلحة العامة، مما قد يصم ما يصدر عن لجان المقابلات والمجلس الخاص من قرارات وأعمال في هذا الشأن بعيب الانحراف وإساءة استخدام السلطة وعدم المشروعية، وهو الأمر غير الجائز قانونًا، وتأباه المكانةُ المرموقة للجهات القضائية وكونها محرابًا للعدالة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وأن الثابت من الأوراق والتي لم تنكرها جهة الإدارة أو تقدم ما يناقضها أن الطاعن من الحاصلين على الليسانس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة- فرع بني سويف سنة 2005، وتقدم بناءً على إعلانِ مجلس الدولة عن حاجته لشغل وظائف مندوب مساعد كدفعة تكميلية للخريجين الحاصلين على ليسانس حقوق عام 2005، واجتاز المقابلة الشخصية بنجاح، وأجريت عنه التحريات الأمنية التي لم تسفر عن شيء يشوبه بعدم الصلاحية، كما أجري الكشف الطبي المقرَّر وثبتت لياقته طبيًّا، ووافق المجلس الخاص بالشئون الإدارية بمجلس الدولة بتاريخ 4/6/2006 على تعيينه هو وآخرين بالوظائف المعلَن عنها، وأرسلت موافقة المجلس الخاص إلى الجهات الرئاسية لاستصدار الأداة القانونية للتعيين، وهو قرار رئيس الجمهورية، إلا أن المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة عاد مرةً أخرى بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/7/2006 مُقَرِّرًا سحبَ موافقته السابقة على تعيين الطاعن وآخرين، وإذ كان ما تمَّ في هذا الشأن من سحب موافقة المجلس السابقة يُعَدُّ أمرًا غيرَ قائمٍ على سنده القانوني السليم، بعد أن استنفد المجلس ولايته، وجاءت الأوراق خلوا مما يفيد أن مباشرته هذه الولاية قد شابتها إساءة استخدام السلطة أو الانحراف بها، أو مخالفة القانون، بل كان مخاضُ هذه الولاية قرارًا صادرًا عن جهةٍ قوامها شيوخ قضاة المجلس الأكثر حرصًا على تطبيق أحكام القانون وتحقيق المصلحة العامة ومراعاة هذا الأمر في جميع أعمالهم وقراراتهم، بما لا تستقيم للمجلس مندوحةٌ لسحبه، ومن ثمَّ فإن القرار المطعون فيه إذ تضمن ذلك، فإنه يكونُ غيرَ قائمٍ على سنده القانوني السليم، مُتعيّن القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال إجراءات استصدار القرار الجمهوري اللازم لتعيين الطاعن بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة اعتبارًا من 4/6/2006 (تاريخ موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية بالمجلس على تعيينه وآخرين بالوظيفة المعلَن عنها والمتقدِّم إليها).
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/7/2006 فيما تضمنه من سحب الموافقة السابقة للمجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/6/2006 بتعيين الطاعن بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال إجراءات استصدار قرار رئيس الجمهورية بتعيين الطاعن بالوظيفة المبينة سالفًا اعتبارًا من 4/6/2006.
[1])) هذه المادة مُستبدَلة بموجب القانون رقم 136 لسنة 1984.
[2])) النص المذكور بالحكم هو نص اللائحة الداخلية السابقة للمجلس، الصادرة بقرار مجلس الوزراء بتاريخ 12/4/1955، والمنشورة في الجريدة الرسمية بالعدد (32 مكررًا) في 23 من إبريل 1955، وقد ألغيت هذه اللائحة لاحقًا بموجب قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة رقم 1 لسنة 2011 بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس الدولة، ويقابل المادة (المذكورة بعاليه) المادة (186) من اللائحة النافذة حاليًا، والتي تنص على أن: “يُعَيَّنُ المندوبون المساعدون من بين الحاصلين على درجة ممتاز في ليسانس الحقوق ثم من بين الحاصلين على درجة جيد جدًّا ثم من بين الحاصلين على درجة جيد، وفي جميع الأحوال يجري المجلس الخاص اختبارات شخصية للمتقدمين للتأكد من توافر شروط الصلاحية لتولي القضاء. ولا يجوزُ اتخاذُ أية إجراءاتٍ بشأن تعيين أعضاء بمجلس الدولة في غير أدنى الدرجات أو بشأن تعيين مندوبين مساعدين على خلاف رأي الجمعية العمومية لمجلس الدولة”.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |