برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الله إبراهيم فرج ناصف
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد عبد الحميد حسن عبود، ومحمود شعبان حسين رمضان، وخالد جابر عبد اللطيف محمد، ود. رضا محمد عثمان دسوقي.
نواب رئيس مجلس الدولة
(أ) هيئة النيابة الإدارية– شئون الأعضاء- تأديب- أفرد المشرِّعُ تنظيمًا متكاملا لمحاكمة أعضاء هيئة النيابة الإدارية بجميع درجاتهم تأديبيا، حدَّد فيه تشكيل مجلس التأديب، والعقوبات التي يجوز توقيعها، ومَنْ له سلطة إقامة الدعوى التأديبية، أو سلطة التحقيق، وكيفية إقامة هذه الدعوى، وغير ذلك من الضمانات- لم يُقرِّر المشرِّعُ ضمانات المحاكمة التأديبية عبثًا، ولم يفرضها اعتباطًا، بل قصد بها الوصول إلى محاكمةٍ تأديبية عادلة ومُنصفة ومحايدة، يتمخض عنها حكمٌ لمجلس التأديب يُمثِّل عنوانًا للحقيقة- إذا راعى مجلسُ التأديب هذه الضمانات، واستخلصَ حكمَه استخلاصًا سائغًا من الأوراق، كان حكمُه مطابقًا لصحيح القانون بمنأى عن الإلغاء، أما إذا أهدرَ أيةَ ضمانة من هذه الضمانات، أو بنى حكمَه على غير الثابت من الأوراق، وقع حكمُه مخالفًا للقانون، وكان متعينَ الإلغاء.
– المادتان (39) و(40) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، المعدَّل بموجب القانونين رقمي 12 لسنة 1989 و15 لسنة 1999.
(ب) هيئة النيابة الإدارية– شئون الأعضاء- تأديب- ارتكاب عضو النيابة الإدارية جريمة إصدار شيكاتٍ دون أن يقابلها رصيدٌ قائم وقابل للسحب، مخالفةٌ تنطوي على مساسٍ خطير بكرامة وظيفته القضائية، مما يفقِدُه الثقةَ والاعتبار اللذين يجب أن يتحلى بهما- يجب على شاغل الوظيفة القضائية التحلي بأكبر قدر من الاستقامة والأخلاق الحميدة التي تنأى به عن الدنايا، وأن يتحلى بالأمانة والصدق والنزاهة التي لا يستقيمُ معها أن يحرِّر شيكات لا يقابلها رصيد، وهو يعلم بحكم وظيفته أن ذلك يُشكِّلُ جريمةً جنائية- إذا أصدر مجلسُ التأديب قرارًا بعزل عضو النيابة الإدارية من وظيفته بعدما استيقنَ اقترافَه للمخالفاتِ المُسنَدة إليه بإصدار شيكاتٍ بدون رصيد، واستخلصَ ذلك استخلاصًا سائغًا من الأوراق، مع عدم قيام أي عيبٍ في تشكيل المجلس، أو إهداره لأية ضمانة من الضمانات المُقرَّرة قانونًا، كان قرارُه خاليًا من الغلو في تقدير الجزاء، موافقًا لحكم القانون، قائمًا على ما يبرِّرُه.
(ج) هيئة النيابة الإدارية– شئون الأعضاء- تأديب- استلزمَ القانونُ أن تُقام الدعوى التأديبية من وزير العدل، دون أن يتطلب لذلك شكلا معينًا، فلم يُوجِب أن يكون تقريرُ الاتهام مُذَيَّلا بتوقيعه- يكفي في هذا المقام أن يأمر وزير العدل بإقامة الدعوى التأديبية، ثم تتولى هيئة النيابة الإدارية باقي الإجراءات؛ خاصةً أن أمرَ وزيرِ العدل بإقامة الدعوى لن يتأتى إلا بعد فحصٍ ودراسة للحالة القانونية للعضو المُحال، والوقوف على جميع الجوانب القانونية والإجرائية والواقعية لها- استلزامُ توقيع وزير العدل على تقرير الاتهام إغراقٌ في إجراءاتٍ شكلية لا طائل منها.
(د) هيئة النيابة الإدارية– شئون الأعضاء- تأديب- إعادة التحقيق بعد توقفه- الشروعُ في التحقيق مع أحد أعضاء النيابة فيما أُسْنِدَ إليه من مخالفاتٍ، ثم عدم استكمال إجراءاته لصدور قرار عن رئيس الجمهورية بنقل العضو إلى وظيفةٍ غير قضائية، ووقوف الإجراءات عند هذا الحد، بعد موافقة رئيس هيئة النيابة الإدارية؛ لا يُعَدُّ من الناحيةِ القانونية حِفْظًا للتحقيق، ولا يحولُ دون إعادة طرحه من جديدٍ في المخالفات نفسها إذا صدر حكم بإلغاء قرار نقله إلى الوظيفة غير القضائية؛ خاصةً أن الوقوف بالإجراءات كان لأمرٍ عارض يتصلُ بهذا النقل، ولم يكن لأسبابٍ موضوعية تتصل بموضوع المخالفات المُسندة إليه.
(هـ) هيئة النيابة الإدارية– شئون الأعضاء- تأديب- لئن كانت جريمة إصدار شيك بدون أن يقابله رصيدٌ لا تُعَدُّ مخلةً بالشرف في كل الأحوال، إلا أن محاكمة عضو الهيئة تأديبيا بشأن هذه المخالفة (كجريمةٍ تأديبية) تستقل تمامًا عن الجريمةِ الجنائية- لا تطبق على أعضاء هيئة النيابة الإدارية أحكام المادة (94) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية).
(و) قرار إداري– ركن السبب- إذا استندت جهة الإدارة في قرارها إلى عدة أسباب، وتخلف بعضها، فإن ذلك لا يؤثر في صحة القرار، مادام الباقي يكفي لحمل القرار على سببه الصحيح([1]).
في يوم الإثنين الموافق 23/12/2002 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعن بموجب التوكيل العام رقم 296/ح لسنة 2002، قلمَ كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن، قُيِّدَ بجدولها برقم 2288 لسنة 49 ق.عليا، طلب في ختامه الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية بجلسة 27/10/2002 في الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 فيما قضى به من معاقبة الطاعن بالعزل من وظيفته، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأعلن المطعون ضدهما بتقرير الطعن، على النحو الثابت بالأوراق، وجرى تحضير الطعن بهيئة مفوضي الدولة، وأودعت تقريرًا مُسَبَّبًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات عدا الرسوم.
وتدوول نظر الطعن أمام المحكمة، على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث أودع وكيل الطاعن حافظتي مستندات ومذكرة دفاع، وأودعت هيئة قضايا الدولة حافظتي مستندات ومذكرة دفاع طلبت فيها الحكم برفض الطعن، وبجلسة 25/1/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بطلباته المبينة آنفًا.
وحيث إن الطعن استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة قانونًا، فمن ثم يغدو مقبولا شكلا.
وحيث إن التصدي لموضوع الطعن يغني عن بحث الشق العاجل منه.
وحيث إنه عن موضوع الطعن: فإن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن أقام طعنه الماثل طالبًا الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية الصادر في الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 فيما قضى به من معاقبته بالعزل من وظيفته، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على سندٍ من أنه أُحيل للمحاكمة التأديبية أمام مجلس تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية بالدعوى رقم 3 لسنة 2002؛ لأنه بوصفه رئيس نيابة إدارية من الفئة (ب)، وخلال المدة من 1/1/1995 حتى 20/6/1995، خرج على مقتضى واجب وظيفته القضائية، ولم يحافظ على كرامتها، ولم يلتزم بالسلوك القويم بأن: (1) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب بتاريخ 1/1/1995 بمبلغ عشرة آلاف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على بنك الإسكندرية/ فرع السادات. (2) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب بتاريخ 20/3/1995 بمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على البنك المصري الخليجي/ فرع مصر الجديدة. (3) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب بتاريخ 20/6/1995 بمبلغ عشرين ألف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على بنك مصر/ فرع أشمون.
………………………………………………..
وبجلسة 27/10/2002 قضى مجلس التأديب المذكور بمعاقبته بالعزل من وظيفته نظير الاتهامات المسندة إليه.
ونعى الطاعن على الحكم المذكور مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتأويله، وصدوره مشوبًا بالغلو في تقدير الجزاء؛ لأسبابٍ حاصلها: (أولا) بطلان قرار مجلس التأديب لصدوره بناءً على إجراءات باطلة؛ لعدم اتصال الدعوى التأديبية التي تمخض عنها القرار أو الحكم بعزله من وظيفته بمجلس تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية اتصالا صحيحًا متفقًا ونص المادة (39) من قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958 والقوانين المعدِّلة له، إذ لم تقم الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 من وزير العدل، ولم تُوَقَّع منه صحيفتُها، ومن ثم لا تنعقد الخصومة فيها انعقادًا صحيحًا، بل أقيمت هذه الدعوى بناءً على طلبِ أو أمرِ وزيرِ العدل بتقريرِ اتهامٍ وقَّعَهُ رئيسُ هيئة النيابة الإدارية مُهدرًا بذلك ضمانة جوهرية لا ينبغي التجاوز عنها، وهي ضرورة أن تُقام الدعوى التأديبية من وزير العدل.
(ثانيًا) أن الاتهامات التي أسندت إليه في الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 التي قُضِيَ فيها بمعاقبته بالعزل من وظيفة استنادًا إليها، سبق أن قرر رئيس هيئة النيابة الإدارية حفظها نهائيا، على نحوٍ لا يجوز معه إعادةُ محاسبته أو مساءلته عنها.
(ثالثًا) أن مجلس تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية سبق أن حاكمه في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 1998 عن المخالفات نفسها المسندة إليه في الدعوى رقم 3 لسنة 2002، وقضى ببراءته من إحدى التهم الثلاث، وهي التهمة الأولى الخاصة بتحريره شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب للسيد/… بمبلغ عشرة آلاف جنيه.
(رابعًا) أن جريمة تحرير شيك بدون رصيد ليست جريمةً مُخلة بالشرف والأمانة في كل الأحوال، على وفق ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وإفتاء الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وقد حرَّر الشيكات الثلاثة المنوَّه عنها في ظروفٍ صعبة ألمت به وأعوزته إلى تحريرها، وانقضت بعض الدعاوى الخاصة بها بالتصالح، والبعض الآخر صدر فيه حكمٌ مشمول بالإيقاف الشامل.
(خامسًا) أن ما اقترفه من ذنب، بفرض ثبوته قِبله، لا يتناسب البتة وعظيم الجزاء الذي حلَّ به، والذي حُرِمَ بموجبه من وظيفته القضائية وكان له أبلغ الأثر عليه.
………………………………………………..
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية ينص في المادة (39)، المعدَّلة بالقانونين رقمي 12 لسنة 1989 و15 لسنة 1999 على أن: “العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعُهَا على أعضاء النيابة الإدارية هي: الإنذار- اللوم- العزل. وتُقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناءً على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية أو أحد نوابه، ولا يُقدَّم هذا الطلب إلا بناءً على تحقيقٍ جنائي أو بناءً على تحقيقٍ إداري تُسمع فيه أقوال العضو. ويتولى إجراء التحقيق الإداري عضوٌ يندبه وزير العدل لهذا الغرض على أن يكون سابقًا في ترتيب الأقدمية على العضو الذي يُجرى التحقيق معه، وبشرط ألا تقل وظيفته عن نائب رئيس بالنسبة للتحقيق مع نواب الرئيس، وعن وكيل عام أول بالنسبة للتحقيق مع الوكلاء العامين الأُول والوكلاء العامين، أما باقي الأعضاء فيتولى إجراء التحقيق معهم وكيل عام على الأقل من إدارة التفتيش يندبه رئيس الهيئة… وتُرفع الدعوى التأديبية بصحيفةٍ تشتمل على التهمة والأدلة المؤيدة لها، وتُعلن للعضو، ولمجلس التأديب أن يجري ما يراه لازمًا من التحقيقات وأن يأمر بوقف العضو عن مباشرة أعمال وظيفته أو وضعه في إجازة حتمية، وله أن يعيد النظر في أمر الوقف أو الإجازة المذكورة في كل وقت. ويحضر العضو بشخصه أمام المجلس، وله أن يقدم دفاعه كتابةً وأن ينيب في الدفاع عنه أحد أعضاء النيابة الإدارية، وللمجلس الحق في طلب حضوره شخصيا، فإذا لم يحضر جاز الحكم في غيبته بعد التحقق من صحة الإعلان. ويصدر الحكم ويُنطق به مُشتمِلا على الأسباب التي بُنِيَ عليها في جلسةٍ سرية، ويكون الطعن فيه أمام الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا المشار إليها في المادة (40 مكررًا -1) من هذا القانون خلال ستين يومًا من تاريخ صدور الحكم. وتنقضي الدعوى التأديبية باستقالة العضو أو بإحالته إلى المعاش، ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة ذاتها”.
وينص في المادة (40)، المعدَّلة بالقانون رقم 15 لسنة 1999، على أن: “يختص بتأديب أعضاء النيابة الإدارية بجميع درجاتهم مجلسُ تأديبٍ يُشَكَّلُ من رئيس الهيئة أو من يحل محله رئيسًا، وعضوية أقدم ستة من النواب، وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه يحل محله الأقدم فالأقدم من النواب أو الوكلاء العامين الأُول. ولا يجوز أن يجلس في مجلس التأديب مَنْ طلب إقامة الدعوى التأديبية أو دعوى الصلاحية، أو شارك في أيهما بإجراء تحقيق أو فحص، أو بإبداء رأي، أو بإعداد التقرير المعروض”.
وحيث إن مؤدى ذلك أن المشرع بمقتضى قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958 والقوانين المعدلة له، أفرد تنظيمًا متكاملا لمحاكمة أعضاء هيئة النيابة الإدارية -بجميع درجاتهم- تأديبيا، حدَّد فيه تشكيل مجلس التأديب، والعقوبات التي يجوز له توقيعها، ومن له سلطة إقامة الدعوى التأديبية، ومن له سلطة التحقيق، وكيفية إقامة هذه الدعوى، وغير ذلك من الضمانات التي تكفل محاكمة عادلة مُنصفة محايدة لعضو النيابة الإدارية، إذ عهد إلى مجلس تأديب يُشكَّل من رئيس هيئة النيابة الإدارية أو من يحل محله رئيسًا وعضوية أقدم ستة من النواب، يحل محل من يغيب منهم أو يوجد مانع لديه الأقدم فالأقدم من النواب أو الوكلاء العامين الأُول، عهد إليه ولايةَ تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية بجميع درجاتهم، وحظر أن يجلس في هذا المجلس مَنْ طلب إقامة الدعوى التأديبية أو شارك فيها بإجراء تحقيق أو فحص أو بإبداء رأي أو بإعداد التقرير المعروض، وأوجب أن تُقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناءً على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية أو أحد نوابه، وأن يُقدم هذا الطلب بناءً على تحقيقٍ جنائي، أو تحقيقٍ إداري تُسمع فيه أقوال العضو، وأن تُرفع هذه الدعوى بصحيفةٍ تشتمل على التهمة الموجَّهة للعضو والأدلة المؤيِّدة لها، وأن تُعلن للعضو المحال للتأديب الذي له أن يحضر بشخصه أمام المجلس وأن يبدي دفاعه كتابة، أو ينيب في الدفاع عنه أحد أعضاء النيابة الإدارية، كما أوجب المشرع أن يتولى التحقيق الإداري عضو يندبه وزير العدل لهذا الغرض، على أن يكون سابقًا في ترتيب الأقدمية على العضو الذي يُجرى التحقيق معه، وبشرط ألا تقل وظيفته عن نائب رئيس بالنسبة للتحقيق مع نواب الرئيس، وعن وكيل عام أول بالنسبة للتحقيق مع الوكلاء العامين الأُول والوكلاء العامين، أما باقي الأعضاء فيتولى إجراء التحقيق معهم وكيل عام على الأقل من إدارة التفتيش الفني يندبه رئيس الهيئة.
وحيث إن المشرع لم يقرِّر ضمانات المحاكمة المنوَّه عنها عبثًا، ولم يفرضها اعتباطًا، بل قصدَ بها إحاطة عضو النيابة المحال للمحاكمة التأديبية بها وصولا لمحاكمة تأديبية عادلة ومُنصفة ومحايدة، يتمخض عنها حكمٌ لمجلس التأديب يُمثِّل عنوانًا للحقيقة، فإذا راعى مجلسُ التأديب هذه الضمانات واستخلص حكمَه استخلاصًا سائغًا من الأوراق، كان حكمُه مطابقًا لصحيح القانون بمنأى عن الإلغاء، أما إذا أهدر أية ضمانة من هذه الضمانات أو بنى حكمَه على غير الثابت من الأوراق، وقع حكمُه مخالفًا للقانون متعينَ الإلغاء.
وحيث إن الثابت من الأوراق، وبالقدر اللازم للفصل في الطعن الماثل، أنه بجلسة 27/10/2002 أصدر مجلسُ تأديب أعضاء هيئة النيابة الإدارية حكمَه محل الطعن بمعاقبة الطاعن بالعزل من وظيفته؛ استنادًا إلى ما أسند إليه من أنه بوصفه رئيسًا للنيابة الإدارية من الفئة (ب)، وخلال المدة من 1/1/1995 حتى 20/6/1995، خرج على مقتضى واجب وظيفته القضائية، ولم يحافظ على كرامتها، ولم يلتزم السلوك القويم بأن: (1) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيدٌ قائم وقابل للسحب بتاريخ 1/1/1995 بمبلغ عشرة آلاف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على بنك الإسكندرية/ فرع السادات. (2) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيدٌ قائم وقابل للسحب بتاريخ 30/3/1995 بمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على البنك المصري الخليجي/ فرع مصر الجديدة. (3) حرَّر شيكًا لا يقابله رصيدٌ قائم وقابل للسحب بتاريخ 20/6/1995 بمبلغ عشرين ألف جنيه لمصلحة السيد/…، مسحوبًا على بنك مصر/ فرع أشمون، ومتى كان الاتهامان الثاني والثالث -ودون نظر للاتهام الأول الذي سبق أن قضى مجلسُ التأديب ببراءته منه في الدعوى التأديبية رقم (1) لسنة 1998 التي عُوقِب فيها بالعزل، ثم صدر حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 1383 لسنة 45ق. عليا بجلسة 12/8/2000 بإلغاء هذا القرار، وأُعيدت محاكمته إثر ذلك بالدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 التي تمخض عنها القرار المطعون فيه- ثابتين بحق الطاعن الذي أقر صراحةً أنه حرَّر هذين الشيكين اللذين لا يقابلهما رصيدٌ قائم وقابل للسحب، وقد عُوقب بالحبس لمدة شهرين مع الإيقاف الشامل في القضية رقم 1139 لسنة 1996 جنح أشمون نظير تحريره شيكا بدون رصيد لمصلحة المواطن/…، ومن قبل عُوقب بالحبس لمدة سنة مع الشغل والإيقاف لمدة ثلاث سنوات نظير تحريره شيكًا بدون رصيد بمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه لمصلحة السيد/…، ثم قُضِيَ استئنافيا بإلغاء هذا الحكم لإقامة الدعوى الجنائية بغير الطريق الذي رسمه القانون، وصدر عقب ذلك أمرٌ بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، بعد أن تصالح مع المجني عليه المذكور، وقد شهد مَنْ تحرر لمصلحتهما هذان الشيكان بتحقيقات النيابة العامة بأن الطاعنَ حرَّرهما لمصلحتهما دون أن يقابلهما رصيدٌ قائم وقابل للسحب، ومما لا شك فيه أن الإثم الذي اقترفه الطاعن والمخالفة التي تردى فيها تنطوي على مساسٍ خطير بكرامة وظيفته القضائية، وتُفقِدُه الثقةَ والاعتبار اللذين يجب أن يتحلى بهما كلُّ شاغلٍ للوظيفة العامة، فما بالك بشاغل الوظيفة القضائية الذي يجب أن يتحلى بأكبر قدر من الاستقامة والأخلاق الحميدة التي تنأى به عن الدنايا، وأن يتحلى بالأمانة والصدق والنزاهة التي لا يستقيم معها أن يُحرِّر شاغلها شيكات لا يقابلها رصيد، وهو يعلم -بحكم وظيفته- أن ذلك يُشكِّل جريمةً جنائية، وإذ أصدر مجلس التأديب قراره بعزل الطاعن من وظيفته بعدما وقر في يقينه واستقر في وجدانه اقترافُ الطاعن للمخالفات المسندة إليه، واستخلص ذلك استخلاصًا سائغًا من الأوراق التي تنطق جهرًا بذلك، وخلا قرارُه من الغلو في تقدير الجزاء، كما خلت الأوراق مما يفيد قيام أي عيب في تشكيل المجلس أو إهداره لأية ضمانة من الضمانات المقررة قانونًا، ومن ثم يغدو القرار المطعون فيه متفقًا وصحيح حكم القانون، قائمًا على سببه المشروع الذي يبرِّره قانونًا، ويضحى الطعن الماثل فاقدًا لسنده، متعينَ الرفض.
ولا يغير مما تقدم ما تمسك به الطاعن من أن الدعوى التأديبية التي تمخض عنها القرار المطعون فيه قد أقيمت بغير الطريق الذي رسمه القانون، لكون وزير العدل لم يُوَقَّعْ تقريرَ الاتهام؛ ذلك أن الثابت يقينًا من الأوراق أن الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 التي حُوكِمَ فيها الطاعن وتمخض عنها القرار محل الطعن قد أقيمت بناءً على أمرٍ من وزير العدل، وليس هناك نصٌّ قانوني يُوجِبُ أن يكون تقريرُ الاتهامِ مُذيَّلا بتوقيع وزير العدل، وكل ما استلزمه القانون أن تُقام الدعوى من وزير العدل دون أن يتطلب لذلك شكلا معينًا، ومن ثم يكفي في هذا المقام أن يأمر وزير العدل بإقامتها، ثم تتولى هيئة النيابة الإدارية ما تبقى من إجراءات، خاصةً أن أمرَ وزيرِ العدل بإقامة الدعوى التأديبية لن يتأتى إلا بعد فحصٍ ودراسة للحالة القانونية للعضو المحال، والوقوف على جميع الجوانب القانونية والإجرائية والواقعية لها، على نحوٍ يغدو استلزام توقيعه تقرير الاتهام هو محض استغراق في إجراءاتٍ شكلية لا طائل منها.
كما أن التذرع بأن رئيس هيئة النيابة الإدارية سبق أن وافق على حفظ المخالفات المسندة إليه في الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002 حفظًا نهائيًا في غضون عام 1995، ومن ثم لا يسوغ من الناحية القانونية إعادةُ مساءلتِه عنها، مردودٌ بأن الأوراق تنطق جهرًا بأن إدارة التفتيش الفني بهيئة النيابة الإدارية شرعت في غضون عام 1995 في التحقيق فيما أسند إلى الطاعن في الفحوص أرقام 169 و180 و304 لسنة 1995 (المخالفات نفسها التي أسندت للطاعن في الدعوى التأديبية رقم 3 لسنة 2002)، بيد أنها لم تستكمل إجراءات التحقيق لصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 291 لسنة 1995 في 13/9/1995 بنقل الطاعن إلى وظيفة غير قضائية، ومن ثم طلبت إدارة التفتيش الفني الوقوف بالإجراءات عند هذا الحد، ووافق على ذلك رئيس هيئة النيابة الإدارية في 22/10/1995، وبمناسبة عودته إلى وظيفته القضائية إثر صدور حكمٍ عن هذه المحكمة بإلغاء قرار نقله إلى وظيفة غير قضائية، أعيد التحقيق معه في المخالفات نفسها، ومن ثم فإن الإجراء الذي اتُّخِذَ لا يُعَدُّ من الناحية القانونية حفظًا للتحقيق يحول دون إعادة طرحه من جديد، خاصةً أن الوقوف بالإجراءات كان لأمرٍ عارض يتصل بنقل الطاعن إلى وظيفة غير قضائية، ولم يكن لأسبابٍ موضوعية تتصل بموضوع المخالفات المسندة إليه.
فضلا عن أن ما تمسك به الطاعن من أنه سبق أن قضى مجلسُ التأديب في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 1998 ببراءته من التهمة الأولى المسندة إليه والمتصلة بتحريره شيكًا لا يقابله رصيدٌ لمصلحة السيد/…، ومن ثم لا تجوز مساءلتُه عنها لدى إعادة محاكمته إثر صدور حكمِ هذه المحكمة في الطعن رقم 1383 لسنة 45ق. عليا بإلغاء قرار مجلس التأديب الصادر في الدعوى رقم 1 لسنة 1998 بعزله من وظيفته القضائية، مردودٌ بأن المخالفتين الأخريين كافيتان لحمل القرار المطعون فيه على سببه دون نظر لهذه المخالفة.
كما أن القول بأن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد لا تُعَدُّ مخلةً بالشرف في كل الأحوال، مردودٌ بأن مجلسَ التأديب لدى إصداره القرار الطعين لم يرتب أثر الحكم الجنائي الصادر بحق الطاعن إعمالا لنص المادة (94) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والتي لا تطبق أحكامُها على أعضاء هيئة النيابة الإدارية، بل حاكمَهُ عن هذه المخالفة تأديبيا كجريمةٍ تأديبية مستقلة تمامًا عن الجريمةِ الجنائية، واستخلص -بِحق- بعدما استيقن من اقتراف الطاعن لهذه المخالفة، أنه لم يَعُدْ أهلا للثقة التي يوليها الناسُ رجالَ القضاءِ وأعضاءَ الهيئات القضائية، وأنزل به عقابًا مُتسِقًا ومُتناسبًا مع ما تردى فيه من مخالفات، وهو العزل من وظيفته القضائية.
وحيث إن الطعن مُعفى من الرسوم عملا بنص المادة (40 مكررًا -1) من قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المبين سالفًا.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا.
([1]) يراجع ما سبق وقررته المحكمة الإدارية العليا من أنه إذا ذكرت الإدارة عدة أسباب لقرارها، وتخلفت بعض هذه الأسباب، فإن تخلفها لا يؤثر، مادامت باقي الأسباب تكفي لحمل القرار على وجهه الصحيح، وأنه إذا أشار القرار في ديباجته إلى أكثر من قانون، وخلا في صلبه من تحديد القانون الذي خالفه الصادر ضده القرار من بين هذه القوانين؛ كان معيبا بالقصور في التسبيب، ولا تملك المحكمة إزاء ذلك إلا مراقبة القرار على اعتبار أنه صدر استنادا إلى أكثر من سبب. (حكمها في الطعن رقم 7686 لسنة 44 ق ع بجلسة 15/1/2005، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 50 مكتب فني، جـ1، رقم 62 ص448)، وكذا ما انتهت إليه من أن تخلف بعض أسباب القرار التي ذكرتها الإدارة لا يؤثر مادام الباقي يكفي لحمل القرار على وجهه الصحيح. (حكمها في الطعن رقم 1850 لسنة 37 ق ع بجلسة 13/4/1997، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 42 مكتب فني، جـ2، رقم 93 ص 883)، وأنه إذا قام القرار على عدة أشطار ثم تبين أن أحد هذه الأشطار أو الشطر الصحيح منها كافٍ لحمل القرار على سببه الصحيح، فلا يكون هناك وجه للطعن عليه. (حكمها في الطعنين رقمي 16220 و16293 لسنة 52 ق ع بجلسة 17/3/2007، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة الأولى بالمحكمة عام 2006/2007 مكتب فني، جـ1، رقم 76 ص493).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |