مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الأولي – الطعن رقم 5796 لسنة 48 القضائية عليا
يناير 3, 2021
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الثالثة – الطعن رقم 16453 لسنة 53 القضائية (عليا)
يناير 5, 2021

الدائرة الثالثة – دعوى بطلان حكم التحكيم المقيدة برقم 8204 لسنة 44 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 31 من يوليو سنة 2016

دعوى بطلان حكم التحكيم المقيدة برقم 8204 لسنة 44 القضائية (عليا)

(الدائرة الثالثة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى خضري نوبي محمد

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد منصور محمد منصور، وأحمد عبد الراضي محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد.

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

  • اختصاص:

القواعد القانونية التي تتعلق بالنظام القضائي في الدولة، وتقرر توزيع ولاية القضاء والفصل في الخصومات، وتبين جهاته المختلفة، تعد من النظام العام، فلا يجوز الخروج عليها، ولا يملك الخصوم الاتفاق أو التراضي على خلافها- كل قضاء في خصومة يصدر عن محكمة أو جهة معينة لا ولاية لها في إصداره لا يعتد به، ولا يكون له أي أثر، ولا يكتسب أية حجية؛ لما لحقه من مخالفة جسيمة من شأنها أن تهوي به إلى درك الانعدام.

(ب) تحكيم:

طبيعته- الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه، كطريق بديل عن اللجوء إلى القضـاء، لفض ما يثار بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين، وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية (مثال: المنازعات الخاصة بشركات القطاع العام([1])، وبشركات قطاع الأعمال العام).

  • تحكيم:

الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم- تعد هيئات التحكيم جهة قضاء نظمها القانون، وجعل لأحكامها الحجية المقررة للأحكام بصفة عامة، ومن ثم يتعين أن يكون ما يصدر عنها من أحكام متفقا والنظام القضائي الذي وسد إليها ذلك الاختصاص، فإن خالف حكم التحكيم أحكام هذا النظام، بأن فصل في نزاع بغير سند قانوني يخلع على الهيئة التي أصدرته ولاية إصداره، كان حكما باطلا عديم الأثر، ولا يعتد به.

(د) قطاع عام:

تحول القطاع العام إلى قطاع الأعمال العام- بدءا من تاريخ العمل بقانون شركات قطاع الأعمال العام (الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 في 19/7/1991) تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة، وحلت الشركات التابعة محل شركات القطاع العام التي كانت تشـرف عليها تلك الهيئات، وذلك على نحو تلقائي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، وأصبحت الشركات التي تتمتع بوصف “شركات قطاع الأعمال العام” (القابضة والتابعة) تخضع لأحكامه، وانحسر عنها تطبيق أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983)– أصبح مجال تطبيق أحكام هذا القانون منذ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 محصورا في شركات القطاع العام التي لم يشملها الحلول المشار إليه، ومن ثم لم تخضع للقانون رقم 203 لسنة 1991، وتلك التي صدرت بشأنها أنظمة خاصة، حيث تظل متمتعة بوصفها كشركات قطاع عام خاضعة للأنظمة الصادرة في شأنها، وتطبق عليها أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983) فيما لم يرد به نص خاص في تلك الأنظمة، ما لم يصدر قرار عن رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس الوزراء، بتحويلها إلى شركات قطاع أعمال عام، فحينئذ تخضع لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991.

  • المواد (1) و(2) و(3) و(9) و(40) من قانون شركات قطاع الأعمال العام، الصادر بالقانون رقم (203) لسنة 1991.

(هـ) تحكيم:

التحكيم في منازعات شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام- اتجه المشرع في قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983)إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثار بين شركات القطاع العام فيما بينها، أو بين أي منها وغيرها من المؤسسات العامة أو الجهات الحكومية، تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات، فأوجب لجوء هذه الشركات إلى التحكيم الإجباري دون غيره كوسـيلة لفض المنازعات المشار إليها([2])– بات التحكيم طبقا لأحكام قانون قطاع الأعمال العام طريقا اختياريا، وليس إجباريا، كوسيلة لفض المنازعات التي تقع بين الشركات الخاضعة لأحكامه، أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأشخاص الطبيعيين.

  • المادة رقم (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته، الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983.
  • المادة (40) من قانون شركات قطاع الأعمال العام، الصادر بالقانون رقم (203) لسنة 1991.

(و) تحكيم:

التحكيم في منازعات شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام- العبرة في تحديد الاختصاص بصفة المدعي والمدعى عليه وقتَ رفع الدعوى([3])، فإن كانت الشركة وقت تقديم طلب التحكيم محتفظةً بوصف “شركة قطاع عام”، ولم يتم تحويلها إلى شركة من شركات قطاع الأعمال العام، فإن الاختصاص بنظر المنازعة ينعقد لهيئات التحكيم بوزارة العدل، أما إن كانت قد رفعت الدعوى بعد تحولها إلى شركة من شركات قطاع الأعمال العام، فإن الدعوى ينعقد الاختصاص بنظرها للمحكمة المختصة؛ حيث انحسر عنها تطبيق أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983)– لا ينال من ذلك أن يكون قد نُصَّ في العقد على أن أي نزاع ينشأ عنه تختص هيئات التحكيم بالفصل فيه؛ ذلك أن الشركة كانت تخضع في ظل نفاذ أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته(المشار إليه) إلى نظام التحكيم الإجباري، دون حاجة إلى نص في العقد يقرر ذلك، ومن ثم فإن ذلك النص في العقد لم يضف جديدا أو يقرر حكما في شأن التحكيم الاختياري، الذي لم يكن مقررا أصلا لشركات القطاع العام وقت تحرير العقد، ومن ثم لا يمكن القول بوجود اتفاق على التحكيم استنادا إلى هذا البند.

(ز) تحكيم:

التحكيم في منازعات العقود الإدارية- قيام المشرع بإصدار القانون رقم 9 لسنة 1997 بتعديل قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية بإضافة فقرة جديدة إلى المادة (1) منه، تنص على أنه بالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك، يؤكد أن التحكيم لم يكن جائزا في منازعات العقود الإدارية، حتى تدخل المشرع بالنص على إجازته بموجب التعديل المشار إليه، وقد جرت أحكام المحكمة الإدارية العليا قبل هذا التعديل على بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية- شرط (أو مشارطة) التحكيم في عقد إداري قبل إجازة التحكيم في العقود الإدارية يقع باطلا، ويبطل تبعا لذلك حكم هيئة التحكيم المبني على شرط (أو مشارطة التحكيم) الباطل- اعتداد المحكمة بهذا الحكم الباطل يعد خطأ في تطبيق القانون

  • المادتان (1) و(53) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
  • تحكيم:

الطعن في أحكام هيئة التحكيم:

(أولا) الطعن في أحكام هيئة التحكيم طبقا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية (الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994):

يحظر هذا القانون الطعن في أحكام التحكيم بمختلف طرق الطعن، العادية منها وغير العادية؛ ذلك أن اللجوء إلى التحكيم الاتفاقي يتأسس في نشأته، وإجراءاته، وما يتولد عنه من قضاء، على إرادة أطرافه، التي تتراضى بحرياتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم، بدلا من اللجوء إلى القضاء- احتراما لهذه الإرادات، واعترافا بحجية أحكام التحكيم ووجوب نفاذها من جهة، ومواجهة الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بعوار ينال من مقوماته الأساسية، ويدفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة من جهة أخرى؛ أقام المشرع توازنا دقيقا بين هذين الأمرين من خلال سماحه بإقامة دعوى البطلان الأصلية، بشروط محددة، في حكم التحكيم، مستصحبا الطبيعة القضائية لهذا الحكم، ليسوي بينه وبين أحكام المحاكم القضائية بصفة عامة، من حيث جواز إقامة دعوى بطلان أصلية في شأنها؛ احتراما للضمانات الأساسية في التقاضي، وبما يؤدي إلى إهدار أي حكم يفتقر في مصدره إلى المقومات الأساسية للأحكام القضائية- عهد المشرع بنظر دعوى بطلان حكم المحكمين إلى محكمة الدرجة الثانية، وليس إلى محكمة الدرجة الأولى، مستلهما الطبيعة الخاصة لأحكام المحكمين، والتي تستهدف احترام إرادة أطرافه، وسرعة الفصل في النزاع، والبعد عن إطالة أمد التقاضي وتعقد الإجراءات- لا يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك؛ لتعلق هذه المسائل بالنظام القضائي في الدولة، والتي تعد من النظام العام.

(ثانيا) الطعن في أحكام هيئات التحكيم بوزارة العدل المشار إليها بقانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983):

كانت الفقرة الأولى من المادة (66) من هذا القانون تنص على عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن- قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذه الفقرة فيما نصت عليه من عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن- في ظل عدم وجود نصوص قائمة تنظم قواعد دعوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة على وفق القانون المشار إليه، فلا مناص في ظل هذا الفراغ التشريعي من استصحاب الأحكام المتعلقة بدعوى بطلان أحكام التحكيم المنصوص عليها بقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية (الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994)، وتطبيقها على دعاوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم الإجباري طبقا للقانون رقم 97 لسنة 1983؛ وذلك بحسبان أنه بصدور قانون التحكيم المشار إليه أصبح هو القانون الإجرائي العام في مجال التحكيم الذي يجري في مصر- كذلك فإن إخضاع كلا النظامين القائمين للتحكيم (الإجباري والاتفاقي) للقواعد نفسها فيما يتعلق بدعاوى بطلان الأحكام الصادرة على وفق أي منهما، يعد تطبيقا لمقتضى القاعدة الدستورية التي كشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، والتي مفادها ضرورة المساواة وعدم الممايزة في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها، وفي طرق الطعن التي تنظمها.

  • المواد (3 إصدار) و(52) و(53) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
  • حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 95 لسنة 20 القضائية (دستورية) بجلسة 11 من مايو سنة 2003.

الإجراءات

في يوم الخميس الموافق3/9/1998 أودع وكيل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة الطاعنة قلم كتاب المحكمة صحيفة دعوى البطلان الماثلة، حيث قيدت بجدولها برقم 8204 لسنة 44ق (عليا)، طعنا بالبطلان في الحكم الصادر عن هيئة التحكيم بوزارة العدل بجلسة 16/6/1998 في طلب التحكيم رقم 95 لسنة 1997، الذي قضى: (أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص هيئات التحكيم بنظر الدعوى. (ثانيا) برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. (ثالثا) بإلزام المحتكم ضدهما بصفتيهما (رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ورئيس جهاز تنمية مدينة برج العرب الجديدة) أن يؤديا إلى الشركة المحتكمة (شركة المجموعة الوطنية لاستثمارات الأوقاف- المحمودية سابقا) مبلغ 3501512.00 جنيها، فقط (ثلاثة ملايين وخمس مئة وواحد ألف وخمس مئة واثنا عشر جنيها)، ورفض ما زاد على ذلك، وإلزام المحتكم ضدهما المصروفات المناسبة، والمقاصة في أتعاب المحاماة.

وطلبت الهيئة الطاعنة الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم المطعون فيه، وفي الموضوع ببطلانه، مع إلزام الشركة المطعون ضدها المصروفات والأتعاب.

وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء حكم هيئة التحكيم المطعون فيه فيما قضى به من اختصاصها بنظر الموضوع،والأمر بإحالة الطعن بحالته إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعه، مع إرجاء الفصل في المصروفات.

وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/1/2013، وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 31/8/2014 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرته بجلسة 23/12/2014 وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 10/5/2016 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق،وسماع الإيضاحات،وبعد المداولة.

حيث إن مجمل الواقعات –في حدود ما يتطلبه الفصل في الطعن بالبطلان وعلى ما يبين من الأوراق ومن الحكم المطعون فيه– تخلص في أنه بتاريخ 6/9/1987 أبرمت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عقد أشغال عامة مع شركة المحمودية العامة للمقاولات، عُهِد بمقتضاه للشركة بأعمال تنفيذ 576 وحدة سكنية منخفضة التكاليف بمدينة برج العرب الجديدة بقيمة 2533855 جنيها، وقضى البند (19) من العقد بأن تخضع جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد للاختصاص القضائي لهيئات التحكيم المنصوص عليها في القانون رقم 97 لسنة 1983 بإصدار قانون هيئات القطاع العام وشركاته، كما عقد اجتماع بتاريخ 23/12/1995 بحضور رئيس مجلس إدارة شركة المحمودية العامة للمقاولات، ونائب رئيس الشركة القومية للتشييد، ورئيس جهاز مدينة برج العرب الجديدة، ونائب الوزير، ورئيس الجهاز المركزي للتعمير، لبحث الخلاف حول مشروع 576 وحدة سكنية، ومشروع آخر، وتضمن محضر الاجتماع في عجز البند (ثالثا) منه: “ويحال ما لم يتم الاتفاق عليه إلى هيئة التحكيم طبقا لعقدي المقاولة”.

وبتاريخ 18/5/1997 تقدمت الشركة المحتكمة (المطعون ضدها) بطلب تحكيم إلى مكتب التحكيم بوزارة العدل، قيد برقم 95/1997، وكانت طلباتها الختامية هي الحكم بإلزام المحتكم ضدهما (رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ورئيس جهاز تنمية مدينة برج العرب الجديدة) أن يؤديا للشركة المحتكمة مبلغ 6092750 جنيها فقط (ستة ملايين واثنان وتسعون ألفا وسبع مئة وخمسون جنيها) قيمة مستحقات ناشئة عن العقد المشار إليه، وبجلسة 2/6/1998 دفع الحاضر عن الهيئة بعدم اختصاص هيئة التحكيم ولائيا بنظر التحكيم.

……………………………………………………..

وبجلسة 16/6/1998 صدر حكم التحكيم المطعون فيه بالبطلان، متضمنا في أسبابه رفض الدفع المبدى من الهيئة المحتكم ضدها بعدم اختصاص هيئة التحكيم ولائيا بنظر طلب التحكيم، على سند من أن عقد المقاولة المبرم بين الشركة المحتكمة والهيئة المحتكم ضدها نص صراحة في البند التاسع عشر منه على اختصاص هيئات التحكيم بنظر ما ينشأ من منازعات عن تنفيذ بنوده، وأنه تحرر بعد ذلك اتفاق في 23/12/1995 بمناسبة الخلاف على تنفيذ بعض بنود عقد المقاولة، انتهى إلى تشكيل لجنة لبحث نقاط الخلاف وإنهائها وإحالة ما لم يتم الاتفاق عليه إلى هيئات التحكيم طبقا لنص عقد المقاولة، وإذا كان عقد المقاولة قد أبرم في ظل العمل بالقانون رقم 97 لسنة 1983 الذي نص على التحكيم الإجباري، فإن التحكيم الماثل يظل خاضعا لولاية التحكيم، ولا يسلب هذا الاختصاص القانون رقم 203 لسنة 1991؛ باعتباره تحكيما اتفاقيا تم بمقتضى إرادة الطرفين؛ ذلك أن زوال هيئات التحكيم بمقتضى القانون رقم 203 لسنة 1991 قد اقتصر على الولاية الإجبارية لهذه الهيئات دون الولاية الاختيارية التي تتم بإرادة الطرفين، وإذ كان ذلك، وكانت نية طرفي النزاع قد انصرفت إلى التحكيم الاختياري منذ بداية التعاقد،فإن هيئات التحكيم تكون هي المختصة بنظر النزاع، ويكون الدفع بعدم الاختصاص متعيَّن الرفض.

……………………………………………………..

وحيث إن المادة (54) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 حددت ميعاد رفع دعوى البطلان والمحكمة المختصة بنظرها بنصها على أن: “(1) ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه. ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم.

(2) تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون. وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع”.

وحيث إن دعوى بطلان حكم التحكيم المطعون فيه قد استوفت أوضاعها الشكلية.

وحيث إن مبنى الطعن ببطلان حكم هيئة التحكيم المطعون فيه أن طلب التحكيم قدم في عام 1997 بعد الميعاد المحدد بالقانون رقم 203 لسنة 1991، وهو 18/7/1991، حيث ألغي بمقتضى هذا القانون اختصاص هيئات التحكيم بوزارة العدل بنظر المنازعات التي تدور بين شركات قطاع الأعمال العام والهيئات العامة، وهو أمر من النظام العام؛ لتعلقه باختصاص وظيفي، ولعدم توفر شروط ومقومات التحكيم الاختياري؛ إذ إن النص الوارد بالبند التاسع عشر من العقد لا يعدو أن يكون ترديدا لقواعد الاختصاص الولائي المعمول بها في تاريخ إبرام العقد في عام 1987 –والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها– وقت أن كانت الشركة المحتكمة شركة قطاع عام وقبل تحولها إلى شركة قطاع أعمال عام بمقتضى القانون رقم 203 لسنة 1991، كما لا يجوز الارتكان إلى محضر الاجتماع المشار إليه للقول بوجود اتفاق على التحكيم؛ لأن رئيس مجلس إدارة الهيئة هو وحده الذي له سلطة الاتفاق على التحكيم، ولم يتم الاتفاق على نقاط الخلاف التي تحال إلى هيئة التحكيم، مما ينفي وجود التحكيم الاتفاقي، وإحالة محضر الاجتماع إلى معدوم.

وحيث إن قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، يحظر أصلا الطعن في أحكام التحكيم بمختلف طرق الطعن، العادية منها وغير العادية؛ ذلك أن اللجوء إلى التحكيم الاتفاقي يتأسس في نشأته، وإجراءاته، وما يتولد عنه من قضاء،على إرادة أطرافه، التي تتراضى بحرياتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم، بدلا من اللجوء إلى القضاء، واحتراما لهذه الإرادات، واعترافا بحجية أحكام التحكيم ووجوب نفاذها من جهة، ومواجهة الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بعوار ينال من مقوماته الأساسية، ويدفعه إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة من جهة أخرى، أقام المشرع توازنا دقيقا بين هذين الأمرين من خلال سماحه بإقامة دعوى البطلان الأصلية، بشروط محددة، في شأن حكم التحكيم، مستصحبا الطبيعة القضائية لهذا الحكم، ليسوي بينه وبين أحكام المحاكم القضائية بصفة عامة، من حيث جواز إقامة دعوى بطلان أصلية في شأنها،احتراما للضمانات الأساسية في التقاضي، وبما يؤدي إلى إهدار أي حكم يفتقر في مصدره إلى المقومات الأساسية للأحكام القضائية.

وقد عهد المشرع بدعوى بطلان حكم المحكمين إلى محكمة الدرجة الثانية، وليس إلى محكمة الدرجة الأولى، مستلهما الطبيعة الخاصة لأحكام المحكمين، والتي تستهدف احترام إرادة أطرافه، وسرعة الفصل في النزاع، والبعد عن إطالة أمد التقاضي وتعقد الإجراءات، تقديرا منه أن هذا المسلك هو الأنسب إلى طبيعة المنازعة التحكيمية، ومقتضيات سرعة حسمها، وفي ذلك تنص المادة (52) من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 على أنه: “(1) لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.

(2) يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في المادتين التاليتين”.

وحيث إن المادة (53) من القانون المشار إليه حددت الحالات التي يصاب فيها حكم التحكيم بالبطلان بنصها على أنه: “(1) لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

(أ) إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلا أو قابلا للإبطال أو سقط بانتهاء مدته.

(ب) إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقا للقانون الذي يحكم أهليته.

(جـ) إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلانا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.

(هـ) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين.

(و) إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق. ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.

(ز) إذا وقع بطلان في حكم التحكيم, أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.

(2) وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية”.

وحيث إن المشرع في الفقرة الأولى من المادة (53) المذكورة قد حدد الحالات التي تقبل فيها دعوى بطلان حكم التحكيم، ومن بينها: حالة إذا لم يوجد اتفاق تحكيم، أو إذا كان هذا الاتفاق باطلا أو قابلا للإبطال، كما أوجب المشرع في الفقرة الثانية من المادة نفسها على المحكمة التي تنظر دعوى البطلان أن تقضي ببطلان حكم التحكيم من تلقاء نفسها إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.

ولما كان من المسلمات أن القواعد القانونية التي تتعلق بالنظام القضائي في الدولة، وتقرر توزيع ولاية القضاء والفصل في الخصومات، وتبين جهاتها المختلفة، تعد من النظام العام، فلا يجوز الخروج عليها، ولا يملك الخصوم الاتفاق أو التراضي على خلافها، وكل قضاء في خصومة يصدر عن محكمة أو جهة معينة لا ولاية لها في إصداره لا يعتد به، ولا يكون له أي أثر، ولا يكتسب أية حجية؛ لما لحقه من مخالفة جسيمة من شأنها أن تهوي به إلى درك الانعدام.

ومن المقرر أن التحكيم جهة قضاء نظمها القانون، وجعل لأحكامها الحجية المقررة للأحكام بصفة عامة، ومن ثم يتعين أن يكون ما يصدر عن هيئاته من أحكام متفقا والنظام القضائي الذي وسد إليها ذلك الاختصاص، فإن خالف حكم هيئة التحكيم أحكام هذا النظام، بأن فصل في نزاع بغير سند قانوني يخلع على الهيئة التي أصدرته ولاية إصداره، كان حكما باطلا عديم الأثر ولا يعتد به.

وحيث إن رفض حكم هيئة التحكيم (المطعون فيه بالبطلان) الدفع المبدى من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بعدم اختصاص هيئات التحكيم بوزارة العدل بنظر النزاع مردود من ناحيتين:

(الأولى) أن المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 تنص على أن “يفصل في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين في هذا القانون”.

وحيث إنه إذا كان الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه كطريق بديل عن اللجوء إلى القضاء لفض ما يثار بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية، وعلى ذلك، ونتيجة لسياسة التأميم في حقبة الستينات وما ترتب على ذلك من إنشاء مؤسسات وشركات قطاع عام لإدارة الأنشطة التي تضطلع بها وحدات الإنتاج، فقد اتجه المشرع إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثار بين هذه الشركات فيما بينها بعضها البعض، أو بين أي منها وغيرها من المؤسسات العامة أو الجهات الحكومية، تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات، فرسم المشرع بقواعد آمرة وجوب أن تلجأ شركات القطاع العام إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات المشار إليها، أما عن قواعد وإجراءات هذا التحكيم فقد انتظمتها أحكام قوانين المؤسسات العامة وشركات القطاع العام المتعاقبة، بدءا من القانون رقم 32 لسنة 1966 ثم القانون رقم 60 لسنة 1971 وأخيرا القانون رقم 97 لسنة 1983.

وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام تنص على أن: “يعمل في شأن قطاع الأعمال العام بأحكام القانون المرافق، ويقصد بهذا القطاع الشركات القابضة والشركات التابعة لها الخاضعة لأحكام هذا القانون،… ولا تسري أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 على الشركات المشار إليها”.

وتنص المادة الثانية منه على أن: “تحل الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 المشار إليه، كما تحل الشركات التابعة محل الشركات التي تشرف عليها هذه الهيئات وذلك اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون ودون حاجة إلى أي إجراء آخر…”.

وتنص المادة الثالثة على أن:”تشكل مجالس إدارة الشركات القابضة والشركات التابعة وفق أحكام القانون المرافق خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به…”.

وتنص المادة التاسعة على أن: “يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء تحويل إحدى الهيئات الاقتصادية أو المؤسسات العامة أو شركات القطاع العام المقرر لها أنظمة خاصة إلى شركة قابضة أو شركة تابعة تخضع لأحكام هذا القانون”.

وتنص المادة (40) من قانون شركات قطاع الأعمال العام المشار إليه على أن: “يجوز الاتفاق على التحكيم في المنازعات التي تقع فيما بين الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون، أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الأشخاص الاعتبارية من القطاع الخاص أو الأفراد وطنيين كانوا أو أجانب…”.

وحيث إنه قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 في 19/7/1991 كانت المنازعات التي تقع فيما بين شركات القطاع العام بعضها وبعض، أو بين إحداها وإحدى الجهات الحكومية أو الأشخاص الاعتبارية العامة يتم الفصل فيها عن طريق التحكيم الإجباري دون غيره، وطبقا للقواعد المنصوص عليها في القانون رقم 97 لسنة 1983، إلا أنه بمقتضى قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة، وحلت الشركات التابعة محل شركات القطاع العام التي كانت تشرف عليها تلك الهيئات، وذلك على نحو تلقائي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، وبناء عليه صدرت قرارات تشكيل مجالس إدارة الشركات التي ينطبق عليها قانون قطاع الأعمال المشار إليه والقرارات المتعلقة بدمج ونقل تبعية بعض هذه الشركات، ومنذ تاريخ العمل به أصبحت الشركات التي تتمتع بوصف “شركات قطاع الأعمال العام” (القابضة والتابعة)تخضع لأحكامه، وانحسر عنها تطبيق أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983، كما أصبح اللجوء إلى التحكيم اختياريا كوسيلة لفض المنازعات التي تقع بين الشركات الخاضعة لأحكامه، أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأشخاص الطبيعيين، كما أصبح تطبيق القانون رقم 97 لسنة 1983 منذ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 محصورا في شركات القطاع العام التي لم يشملها الحلول المشار إليه، ومن ثم لم تخضع للقانون رقم 203 لسنة 1991، وتلك التي صدرت بشأنها أنظمة خاصة، حيث تظل متمتعة بوصفها كشركات قطاع عام خاضعة للأنظمة الصادرة في شأنها، وتطبق عليها أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 فيما لم يرد به نص خاص في تلك الأنظمة ما لم يصدر قرار عن رئيس الجمهورية –بعد موافقة مجلس الوزراء– بتحويلها إلى شركات قطاع أعمال عام، فحينئذ تخضع لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن العبرة في تحديد الاختصاص بصفة المدعي والمدعى عليه وقت رفع الدعوى، فإن كانت الشركة الطاعنة وقت تقديم طلب التحكيم بتاريخ 18/5/1997، مختصمةً هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، محتفظةً بوصف “شركة قطاع عام”، ولم يتم تحويلها من شركة قطاع عام إلى شركة قابضة أو تابعة من شركات قطاع الأعمال العام، فإن الاختصاص بنظرها ينعقد لهيئات التحكيم بوزارة العدل، أما إن كانت قد رفعت الدعوى بعد تحويلها إلى شركة من شركات قطاع الأعمال العام، فإن الدعوى ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.

لما كان ذلك، وكانت شركة المحمودية العامة للمقاولات تأسست طبقا لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1964 وذلك بتاريخ 6/2/1965 بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 259 لسنة 1965، ثم أصبحت الشركة خاضعة لإشراف هيئة القطاع العام للتشييد طبقا للقانون رقم 97 لسنة 1983، وقرار رئيس الجمهورية رقم 467 لسنة 1983 بإنشاء هذه الهيئة، ثم تحولت إلى “شركة مساهمة مصرية” تابعة للشركة القومية للتشييد والتعمير إعمالا لأحكام قانون قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، وبذلك انحسر عنها تطبيق أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 في عام 1991 بعد أن أصبحت شركة تابعة للشركة القابضة “الشركة القومية للتشييد والتعمير” في تاريخ سابق على رفع طلب التحكيم في عام 1997، ومن ثم لا تختص هيئات التحكيم بنظر الدعوى، ويكون الدفع بعدم اختصاص هيئات التحكيم بنظر النزاع في محله.

ولا ينال من ذلك ما تضمنه البند التاسع عشر من ذلك العقد من أن أي نزاع ينشأ عنه تختص هيئات التحكيم بالفصل فيه؛ ذلك أن هذا العقد -كما تقدم- قد أبرم بتاريخ 6/9/1987، أي في ظل نفاذ أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 المشار إليه، والذي كانت الشركة طبقا لأحكامه تخضع للتحكيم الإجباري دون حاجة إلى نص في العقد يقرر ذلك،ومن ثم فإن نص البند التاسع عشر من هذا العقد لم يضف جديدا أو يقرر حكما في شأن التحكيم الاختياري الذي لم يكن مقررا أصلا لشركات القطاع العام وقت تحرير العقد محل التحكيم الماثل، ومن ثملا يمكن القول بوجود اتفاق على التحكيم استنادا إلى هذا البند.

(الثانية) بطلان الاتفاق على التحكيم الوارد بمحضر الاجتماع المؤرخ في 23/12/1995 حيث إنه صدر القانون رقم 9 لسنة 1997 بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 ناصا في مادته الأولى على أن: “تضاف إلى المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فقرة ثانية، نصها الآتي:”وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك”.

وحيث إنه ورد بتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن هذا القانون أنه “استبان للجنة أنه في الفترة السابقة على صدور القانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه كانت مسألة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية محل خلاف في الرأي، وصدرت في خصوصها أحكام قضائية وفتاوى تباينت الآراء فيها، حيث أجازت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة التحكيم في العقود الإدارية، بينما لم تجز المحكمة الإدارية العليا التحكيم في هذه العقود،وكان خلافهما في هذا الشأن متعاصرا ومتداخلا، ففتويا الجمعية العمومية صادرتان في مايو 1989 وفبراير 1993، وحكما المحكمة الإدارية العليا صادران في فبراير ومارس 1990، واستظهرت اللجنة أن الجمعية العمومية أجازت التحكيم في منازعات العقود الإدارية استنادا إلى أن الاختصاص الإفتائي لمجلس الدولة يشمل عقود التحكيم طبقا للمادة (58) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، بينما استندت المحكمة الإدارية العليا في منعها التحكيم في العقود الإدارية إلى أن الاختصاص القضائي لمجلس الدولة المبين بالمادة (10) من قانون المجلس يقصر الفصل في منازعات العقود الإدارية على محاكم مجلس الدولة دون غيرها، ثم صدر القانون رقم 27 لسنة 1994 سالف الذكر، وكان المأمول من عبارة “أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع” الواردة في المادة (1) من القانون المذكور أن تشكل سندا لا يختلف عليه حول سريان أحكام هذا القانون على منازعات العقود الإدارية، بحيث يكون جائزا قانونيا الاتفاق على حسم هذه المنازعات بطريقة التحكيم،واستظهرت اللجنة أنه في ظل العمل بأحكام القانون المذكور صدر إفتاء من اللجنة الثالثة لقسم الفتوى بمجلس الدولة بجلستها المنعقدة بتاريخ 1/9/1996 بعدم جواز اتفاق الأشخاص العامة على فض منازعات العقود الإدارية المبرمة بينها بطريق التحكيم، واختصاص الجمعية العمومية بذلك، استنادا إلى أن القانون المذكور قانون عام ينظم التحكيم في المواد المدنية والتجارية، ومن ثم فهو لا يسري على ما ورد بقانون مجلس الدولة من نصوص خاصة تنظم فض المنازعات القائمة بين الهيئات العامة، ثم أحالت اللجنة الثانية لقسم الفتوى بمجلس الدولة إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع مسألة مدى جواز إدراج شرط التحكيم الاختياري في العقود الإدارية طبقا لنص المادة (66/د) من قانون مجلس الدولة التي تقضي باختصاص الجمعية العمومية بنظر المسائل التي ترى فيها إحدى لجان قسم الفتوى رأيا يخالف فتوى من الجمعية العمومية، بالنظر إلى أن اللجنة الثانية لقسم الفتوى كانت قد اتجهت إلى ترجيح ما أقرته المحكمة الإدارية العليا بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية على خلاف إفتاء الجمعية العمومية المشار إليه، ثم تصدت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع للتساؤل المشار إليه في فتواها الصادرة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/12/1996، حيث رأت أن الوصول لكلمة سواء في أمر العقود الإدارية والتحكيم يوجب النظر إلى هذا الأمر، لا من منظور الاختصاص الإفتائي أو القضائي لمجلس الدولة، ولكن من منظور الطبيعة القانونية للعقد الإداري، ومدى تلاؤمها مع نظام التحكيم أو تنافرها معه، وما هي الشروط والأوضاع التي يمكن بها إقامة هذا التلاؤم، وما هي شرائط الأهلية وأوضاع الولاية التي تمكن من إقامة هذا التلاؤم أو لا تمكن منه، وأوضحت الجمعية العمومية في فتواها المشار إليها أن القانون رقم 27 لسنة 1994 في أي من مراحل إعداده وحتى صدوره لم يشتمل قط على حكم صريح بخضوع العقود الإدارية لهذا القانون، وأن شمول هذا التحكيم أو عدم شموله لمنازعات العقود الإدارية لا يتعلق فقط بما إذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود أو لا يسعها، إنما يتعلق أيضا بصحة شرط التحكيم من حيث توفر كمال أهلية إبرامه لمن يبرمه في شأن غيره أو مال غيره، والأصل عند عدم النص عدم صحة ما يجريه الشخص في شأن غيره أو ماله، وأنه إذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لا يصح لناقص الأهلية إلا باكتمال أهليته، فإنه في منازعات العقود الإدارية لا يصح هذا الشرط إلا باكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية العامة في إجرائه، ولا تكتمل الولاية هنا إلا بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد الإداري بضوابط محددة وقواعد منظمة، أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للإذن به في أية حالة مخصوصة، وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط، فلا يكون الإذن به مطلق الإباحة لأية هيئة عامة أو وحدة إدارية أو غير ذلك من أشخاص القانون العام. كما تبين للجنة أن حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر من الدائرة 63 تجاري بجلستها المنعقدة في 19/3/1997 يجيز التحكيم في منازعات العقود الإدارية. وأضاف النص الوارد في مشروع القانون موافقة الوزير المختص للاتفاق على التحكيم في هذه المنازعات أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص، فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة، إعلاء لشأنها وتقديرا لخطورتها ولاعتبارات المصلحة العامة، وباعتبار أن الوزير يمثل الدولة في وزارته، وقد استظهرت اللجنة أن نظام التحكيم بوجه عام يقوم على مبدأ حرية الإرادة، وأنه لا ينال من سيادة الدولة، فلجوء الدولة إلى التحكيم في عقودها الإدارية يتم بمحض إرادتها وبموافقتها طبقا لما تراه محققا للمصلحة العامة بإيكال مهمة الفصل في المنازعات المذكورة لهيئة تحكيم يتفق عليها مع المتعاقد معها”.

وحيث إن قيام المشرع بإصدار القانون رقم 9 لسنة 1997 بتعديل قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية بإضافة فقرة جديدة إلى المادة (1) منه تنص على أنه: “وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك”، يؤكد أن التحكيم لم يكن جائزا في منازعات العقود الإدارية حتى تدخل المشرع بالنص على إجازته بموجب التعديل المشار إليه، وقد جرت أحكام المحكمة الإدارية العليا على بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية.

وحيث إنه لما كان الثابت من العقد محل التداعي المبرم بتاريخ 6/9/1987 أنه عقد أشغال عامة، عهد بمقتضاه للشركة المطعون ضدها بأعمال تنفيذ إنشاء 576 وحدة سكنية منخفضة التكاليف بمدينة برج العرب، ولما كان عقد الأشغال العامة بطبيعته من العقود الإدارية، فإن مشارطة التحكيم الواردة في محضر الاجتماع المؤرخ في 23/12/1995 (قبل إجازة التحكيم في العقود الإدارية بموجب القانون رقم 9 لسنة 1997) تقع باطلة، ويبطل تبعا لذلك حكم هيئة التحكيم المبني على مشارطة التحكيم الباطلة؛ إعمالا لحكم المادة (53/1/أ) من القانون رقم 27 لسنة 1994، ولما كان الحكم المطعون فيه بالبطلان قد خالف هذا النظر واعتد بمشارطة التحكيم الواردة بمحضر الاجتماع محل التداعي على الرغم من بطلان هذه المشارطة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب بطلانه لهذا السبب، دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

وحيث إنه لا ينال مما تقدم القول بأن أحكام هيئات التحكيم بوزارة العدل غير قابلة للطعن فيها استنادا إلى نص المادة (66) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 الذي لا يجيز الطعن في أحكام هيئات التحكيم بأي وجه من الوجوه، بنصها على أن “تكون أحكام هيئات التحكيم نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن، ويسلم مكتب التحكيم إلى من صدر الحكم لصالحه صورة منه مذيلة بالصيغة التنفيذية”؛ إذ قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 95 لسنة 20 قضائية (دستورية) بجلسة 11 من مايو سنة 2003 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (66) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 فيما نصت عليه من عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن، وفي ظل عدم وجود نصوص قائمة تنظم قواعد دعوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة على وفق القانون المشار إليه، فلا مناص في ظل هذا الفراغ التشريعي من استصحاب الأحكام المتعلقة بدعوى بطلان أحكام التحكيم المنصوص عليها بالقانون رقم 27 لسنة 1994 وتطبيقها على دعاوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم الإجباري طبقا للقانون رقم 97 لسنة 1983؛ وذلك بحسبان أنه بصدور القانون رقم 27 لسنة 1994 في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية (الذي ألغى بمقتضى المادة الثالثة من موادَّ إصداره مواد التحكيم التي كان يتضمنها قانون المرافعات المدنية والتجارية) فقد أصبح هذا القانون هو القانون الإجرائي العام في مجال التحكيم الذي يجري في مصر، وفي الوقت نفسه فإن ذلك يعد تطبيقا لمقتضى القاعدة الدستورية التي كشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، والتي مفادها ضرورة المساواة وعدم الممايزة في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها، وفي طرق الطعن التي تنظمها، وأن يكون للحقوق نفسها قواعد موحدة في مجال التداعي بشأنها أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلا فيها، وهو ما يغدو معه إخضاع كلا النظامين القائمين للتحكيم (الإجباري والاتفاقي) للقواعد نفسها فيما يتعلق بدعاوى بطلان الأحكام الصادرة على وفق أي منهما، متفقا مع القاعدة الدستورية المذكورة آنفا، ومع ما تمليه قواعد العدالة في ظل الوضع القانوني القائم والنصوص النافذة حاليا.

وحيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع ببطلان حكم التحكيم المطعون فيه الصادر في طلب التحكيم رقم 95 لسنة 1997، وألزمت الشركة المدعى عليها المصروفات.

([1]) في حكمها الصادر بجلسة 16/6/2015 في الطعن رقم 31990 لسنة 55 القضائية (عليا) قضت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا بوقف الطعن تعليقيا، وإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته، الصادر بالقانون رقم (97) لسنة 1983، حيث ارتأت المحكمة عدم دستورية هذه المادة فيما تضمنته من فرض التحكيم جبرا في المنازعات التي تنشأ بين شركات القطاع العام بعضها وبعض، أو بينها وبين جهة حكومية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة، وبينت المحكمة أن النص بهذا يكون قد تضمن المآخذ الدستورية نفسها التي وجهت لنصي المادتين (17) و(35) من قانون الضريبة على المبيعات (الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991)، اللذين قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 6/1/2001 في القضية رقم (65) لسنة 18 القضائية (دستورية) بعدم دستوريتهما.

وقد قيدت القضية بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم (173) لسنة 37 القضائية (دستورية)، ولم يفصل فيها حتى مثول هذه المجموعة للطبع.

وكانت المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة) تنص على أن: “للمصلحة تعديل الإقرار المنصوص عليه فى المادة السابقة، ويخطر المسجل بذلك بخطاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول خلال ستين يوما من تاريخ تسليمه الإقرار للمصلحة. وللمسجل أن يتظلم لرئيس المصلحة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسليم الإخطار، فإذا رفض التظلم أولم يبت فيه خلال خمسة عشر يوما، فلصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون خلال الخمسة عشر يوما التالية. وفى جميع الأحوال يجوز مد هذه المدد بقرار من الوزير. ويعتبر تقدير المصلحة نهائيا إذا لم يقدم التظلم أو يطلب إحالة النزاع للتحكيم خلال المواعيد المشار إليها”، وكانت المادة (35) من ذلك القانون تنص على أنه: “إذا قام نزاع مع المصلحة حول قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها، أو كميتها، أو مقدار الضريبة المستحقة عليها، وطلب صاحب الشأن إحالة النزاع إلى التحكيم في المواعيد المقررة وفقا للمادة (17) من هذا القانون، فعلى رئيس المصلحة أومن ينيبه خلال الخمسة عشر يوما التالية لتاريخ إخطاره بطلب التحكيم أن يحيل النزاع كمرحلة ابتدائية للتحكيم إلى حكمين تعين المصلحة أحدهما ويعين صاحب الشأن الآخر، وفي حالة اتفاق الحكمين يكون رأيهما نهائيا. فإذا لم تتم المرحلة السابقة بسبب عدم تعيين صاحب الشأن للحكم أو إذا اختلف الحكمان المنصوص عليهما في الفقرة السابقة رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه الوزير رئيسا، وعضوية كل من: ممثل عن المصلحة يختاره رئيسها، وصاحب الشأن أو من يمثله، ومندوب عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوب عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر اللجنة قرارها بأغلبية الأصوات بعد أن تستمع إلى الحكمين عند توافر المرحلة الابتدائية ومن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والفنيين. ويعلن قرار اللجنة إلى كل من صاحب الشأن والمصلحة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول. ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب النفاذ ويشتمل على بيان من يتحمل نفقات التحكيم. ويحدد الوزير إجراءات التحكيم بالمراعاة للقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات كما يحدد نفقاته وعدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والمكافآت التي تصرف لأعضائها”، كما كانت المادة (36) من قانون الضريبة على المبيعات المشار إليه تنص على أنه: “لا يجوز نظر التحكيم إلا إذا كان مصحوبا بما يدل على سداد الضريبة طبقا للإقرار الشهري المنصوص عليه في المادة (16) من هذا القانون. فإذا كان قرار التحكيم لغير صالح المسجل استحقت الضريبة التي تمثل الفرق بين ما تم سداده وفقا لإقراره وما انتهى إليه التحكيم, وكذلك الضريبة الإضافية على هذا الفرق عن الفترة من تاريخ السداد وفقا للإقرار وحتى تاريخ السداد وفقا للتحكيم”.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم (65) لسنة 18 القضائية (دستورية) المشار إليها بعدم دستورية نص المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما تضمنه من أن لصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه، وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائيا، وبعدم دستورية نص المادة (35) من ذلك القانون، وبسقوط نص المادة (36) من القانون المشار إليه.

وأسست المحكمة حكمها على أن الدستور (دستور 1971) قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالا بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجردا من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وأنه لا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا؛ ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه –على وفق أحكامه- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذا كاملا على وفق فحواه، ليئول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم من ثم بإسناد من الدولة.وبهذه المثابة فإن التحكيم يعد نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسرا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكا لحق التقاضي الذي كفله الدستور.

وحيث إن البين من استقراء المادة (17) الطعينة أنه متى أخطرت مصلحة الضرائب على المبيعات المسجل بتعديل الإقرار المقدم منه بخطاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول خلال ستين يوما من تسلمها الإقرار، فإن الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين، فإما أن يقبل المسجل -صراحة أو ضمنا- ما أجرته المصلحة من تعديل، وإما أن يتقدم -خلال الميعاد المحدد- متظلما منه، فإن رفضت المصلحة تظلمه أو لم تبت فيه، كان عليه إن أراد المضي في المنازعة في التعديل الذي أجرته المصلحة أن يطلب إحالة الأمر إلى التحكيم وإلا صار تقدير المصلحة نهائيا. ثم تناولت المادة (35) تنظيم التحكيم وجعلته على مرحلتين: أولاهما ابتدائية تعين فيها المصلحة محكما ويعين صاحب الشأن المحكم الآخر، فإن لم يعينه أو اختلف الحكمان، رُفعَ النزاع إلى لجنة يستأثر وزير المالية بتحديد إجراءات التحكيم أمامها، يرأسها مفوض دائم يعينه الوزير، وتضم صاحب الشأن أو من يمثله، وممثلا عن المصلحة ومندوبا عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوبا عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر هذه اللجنة قرارها بالأغلبية، ويعلن لكل من المصلحة وصاحب الشأن ويكون واجب النفاذ مشتملا على تحديد من يتحمل نفقات التحكيم.

ولازم ذلك كله، أن المسجل إذا تلمس طريقا إلى المنازعة فى مقدار الضريبة أو قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها أو كميتها، فليس أمامه سوى طلب إحالة النزاع إلى التحكيم؛ وإلا كان تقدير المصلحة -مهما شابه من عسف أو مبالغة- ملزما له ونافذا في حقه.

ولا ينال من النتيجة المتقدمة قالة إن هذا التحكيم لا يمنع صاحب الشأن من أن يعزف عنه ويلجأ بظلامته من ذلك التقدير مباشرة إلى المحكمة، أو أن يختاره ثم يطعن على قرار اللجنة أمام القضاء؛ لأن الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح “التحكيم” يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعا من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17 و35 و36 منه، فإن إرادة المشرّع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم -بديلا عن القضاء- فى منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن المادتين الطعينتين تكونان قد فرضتا التحكيم قهرا على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم -الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة- يكون منافيا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطا وكرها، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات بالمادتين الطعينتين لنظر المنازعات التي أدخلها جبرا في ولايتها يكون منتحلا، ومنطويا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة (68) من الدستور، ومنعدما من ثم من زاوية دستورية. وحيث إن المادة (36) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمادتين (17) و(35) منه، فإنها تسقط لزوما تبعا للحكم بعدم دستوريتهما، إذ لا يتصور وجودها بدون هذين النصين.

([2])  يراجع الهامش السابق.

([3]) في هذا المنحى: أكدت محكمة النقض أن العبرة في تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع هي بتحقق الصفة الوظيفية للمدعي، كعامل أو كموظف عام، وقت نشوء الحق محل التداعي (حكمها في الطعن رقم 10679 لسنة 65 القضائية بجلسة 23/12/2010، س61 مكتب فني، القاعدة رقم 172 ص1011).

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV