برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى خضري نوبي محمد
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد منصور محمد منصور، وأحمد عبد الراضي محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
الاختصاص الولائي- تعد مسألة الاختصاص الولائي قائمة في الخصومة ومطروحة دائما على المحكمة، وعليها أن تقضي فيها من تلقاء نفسها- الحكم الصادر في الموضوع يشتمل على قضاء ضمني باختصاص المحكمة ولائيا، ومن ثم فإن الطعن على هذا الحكم يعد واردا على القضاء الضمني في مسألة الاختصاص، سواء أثارها الخصوم في الطعن أم لم يثيروها، ولمحكمة الطعن أن تتصدى للاختصاص الولائي؛ باعتبار أن ذلك متعلق بالنظام العام، ويدخل في نطاق الطعن.
تكييف العقد- العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه هي بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين، وللمحكمة السلطة التقديرية في التعرف على تلك الحقيقة والتحري عن مقصود العاقدين، ولها في سبيل ذلك تقدير الأدلة والقرائن المقدمة في الدعوى، واستخلاص ما تقتنع به منها، متى كان استخلاصها سائغا ومؤديا إلى النتيجة التي انتهت إليها- تطبيق: إذا تضمن العقد قيودا على حق المنتفع بالعين محل العقد بما ينافي طبيعة الإيجار، تُخرج التعاقد من نطاقه، فإنه لا يصح اعتباره عقد إيجار، ومن ثم فإنه لا يخضع في هذه الحالة لأحكام التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن، بل تحكمه القواعد العامة بحسب طبيعة العقد الذي اتجهت إليه إرادة المتعاقدين.
ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة- تختص بنظر المنازعة حول تخصيص مال من أموال المحافظة الثابتة أو المنقولة بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل، وما تفرع عن ذلك من امتناع عن تسليم الأرض المخصصة، وكذلك الوجه الآخر للمنازعة، بإلغاء تخصيص الأرض المؤجرة بإيجار اسمي- يتجلى في هذه الأعمال وجه السلطة العامة، بما يجعل المنازعة الدائرة بشأنها منازعة إدارية يختص بنظرها القضاء الإداري- التكييف الصحيح لعقد تأجير الشخص المعنوي العام أملاك الدولة الخاصة بإيجار اسمي لتحقيق غرض ذي نفع عام هو أنه “عقد إداري غير مسمى” يخرج عن نطاق القانون الخاص، ويخضع لأحكام القانون العام، ولا تطبق عليه أحكام الإيجار الواردة في القانون المدني إلا فيما فات القانون العام، وبما لا يتعارض وطبيعة هذه العقود.
تحول القطاع العام إلى قطاع الأعمال العام- بدءا من تاريخ العمل بقانون شركات قطاع الأعمال العام (الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 في 19/7/1991) تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة، وحلت الشركات التابعة محل شركات القطاع العام التي كانت تشـرف عليها تلك الهيئات، وذلك على نحو تلقائي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، وأصبحت الشركات التي تتمتع بوصف “شركات قطاع الأعمال العام” (القابضة والتابعة) تخضع لأحكامه، وانحسر عنها تطبيق أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983)- أصبح مجال تطبيق أحكام هذا القانون منذ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 محصورا في شركات القطاع العام التي لم يشملها الحلول المشار إليه، ومن ثم لم تخضع للقانون رقم 203 لسنة 1991، وتلك التي صدرت بشأنها أنظمة خاصة، حيث تظل متمتعة بوصفها كشركات قطاع عام خاضعة للأنظمة الصادرة في شأنها، وتطبق عليها أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983) فيما لم يرد به نص خاص في تلك الأنظمة، ما لم يصدر قرار عن رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس الوزراء، بتحويلها إلى شركات قطاع أعمال عام، فحينئذ تخضع لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991.
الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه كطريق بديل عن اللجوء إلى القضـاء لفض ما يثار بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين، وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية (مثال: المنازعات الخاصة بشركات القطاع العام([1])، وبشركات قطاع الأعمال العام).
التحكيم في منازعات شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام- اتجه المشرع في قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983) إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثار بين شركات القطاع العام فيما بينها، أو بين أي منها وغيرها من المؤسسات العامة أو الجهات الحكومية، تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات، فأوجب لجوء هذه الشركات إلى التحكيم الإجباري دون غيره كوسـيلة لفض المنازعات المشار إليها([2])– بات التحكيم طبقا لأحكام قانون قطاع الأعمال العام طريقا اختياريا، وليس إجباريا، كوسيلة لفض المنازعات التي تقع بين الشركات الخاضعة لأحكامه، أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأشخاص الطبيعيين– تطبيقا لهذا: إذا أبرم عقد بين إحدى شركات القطاع العام وغيرها مما يخضع للتحكيم الإجباري، ثم نشب نزاع بشأنه بعد أن تحولت تلك الشركة إلى شركة “قطاع أعمال عام”، فإن هذا النزاع لا يخضع للتحكيم الإجباري، بل يخضع للتحكيم الاختياري الذي يجب أن يتفق عليه الطرفان، فإذا لم يوجد اتفاق، كان الاختصاص معقودا للقضاء بنظر هذا النزاع.
نفاذ القانون من حيث الزمان فيما يتعلق بالعقود- لئن كان الأصل هو بدء نفاذ القانون الجديد على كل ما يقع بعد نفاذه، حتى لو كان مترتبا على وقائع أو مراكز نشأت في ظل القانون السابق، بما من شأنه أن يؤدي إلى وحدة القانون المطبق على المراكز القانونية ذات الطبيعة الواحدة في الدولة، تفاديا لازدواج أو تعدد الأنظمة القانونية في حكم المراكز المتماثلة، إلا أن هناك استثناء من هذا الأصل خاصا بالعقود، إذ تظل المراكز العقدية الجارية حتى بعد صدور قانون جديد محكومة بالقانون الذي تكونت في ظله، دون أن تخضع للأثر المباشر لهذا القانون الجديد- بذلك يحل مبدأ “الأثر المستمر للقانون القديم” محل مبدأ “الأثر المباشر للقانون الجديد” في شأن المراكز العقدية الجارية؛ وذلك باعتبار أن المراكز العقدية تخضع في نشأتها وتحديد آثارها لمبدأ “سلطان الإرادة”، فيظل النظام القانوني الذي تعاقد الطرفان في ظله ووضَعا أحكامه في اعتبارهما عند إبرام عقدهما، هو الواجب الإعمال.
تجديد العقد، مثل إنشائه، يجب أن تتوفر فيه كل الشروط اللازمة لصحة العقد، فالعقد يتجدد بإيجاب وقبول ضمنيين بشروطه نفسها في حالة النص على التجديد التلقائي للعقد، ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد، ومن ثم فإن التجديد يخضع للأثر المباشر للقانون النافذ وقت التجديد، ولو كان التجديد بنفس شروط العقد الذي يتم تجديده، فإذا اشترط القانون النافذ وقت تجديد العقد مدة معينة كحد أقصى للتعاقد، أو حظر التعاقد مع طائفة بعينها، امتنع التجديد على خلاف أحكام هذا القانون النافذ، على أن يظل العقد في الفترة السابقة على تجديده محكوما بالقانون القديم، وينتج آثاره، ولو خالف أحكام القانون الجديد- تؤخذ في الاعتبار المدة السابقة على التجديد إذا كان القانون الجديد قد حدد مدة معينة كحد أقصى للتعاقد- (تطبيق بالنسبة للعقود المبرمة بشأن الترخيص في الانتفاع بأملاك الدولة الخاصة في ظل القوانين المنظمة للإدارة المحلية).
في يوم الأحد الموافق 20/4/2008 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنَين (رئيس حي حلوان ومحافظ القاهرة بصفتيهما) قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل، حيث قيد بجدولها برقم 15636 لسنة 54ق (عليا)، طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية- أفراد ب) بجلسة 24/2/2008 في الدعويين رقمي 8638 و34961 لسنة 59ق، الذي قضى بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن -وللأسباب الواردة فيه– الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، وبقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعويين، مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتم إعلان تقرير الطعن على الوجه المقرر قانونا.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 5/12/2012، وتم تداوله أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/6/2013 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث تم نظره وتداوله أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/11/2015 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 26/1/2016، وبها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق ومن الحكم المطعون فيه- في أنه بتاريخ 28/12/2004 أقام المطعون ضده (الممثل القانوني للشركة المصرية لتسويق الأسماك، التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية) الدعوى رقم 8638 لسنة 59ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية)، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر عن المدعى عليهما (الطاعنين) بإخلاء الشركة المدعية (المطعون ضدها) من العين المؤجرة، واعتبار القرار كأن لم يكن، ومنع تعرض المدعى عليهما المادي والقانوني للشركة، مع إلزامهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك على سند من أن الشركة تستأجر من محافظة القاهرة قطعة أرض بموجب عقد إيجار مؤرخ في 1/7/1970 لمدة عشر سنوات تنتهي في 30/6/1980، تجدد تلقائيا لفترة مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بكتاب مسجل قبل انتهاء المدة المحددة بالعقد بستة أشهر على الأقل، وإذ لم تُخطر الشركة بانتهاء العقد فإن العلاقة الإيجارية استمرت بينهما حتى 2010، فضلا عن أنها مستمرة بقوة القانون؛ إذ إن العقد خاضع لقانون إيجار الأماكن؛ لاستئجار الشركة المحلات لعرض وبيع الأسماك بالأسعار الاقتصادية لجمهور المستهلكين، وطبقا للبند الخامس من العقد يجوز للشركة إقامة المباني والمنشآت والتعديلات اللازمة لإعداد محلات عرض وبيع الأسماك بتلك الأرض ومن مال الشركة العام، إلا أن الشركة فوجئت بورود كتاب من حي حلوان يتضمن إنذار الشركة بإخلاء هذا العقار خلال شهر من تاريخ هذا الإعلان، وإلا سيتم الإخلاء بالقوة الجبرية.
وتنعى الشركة على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون المدني، والقانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن، والقانون رقم 136 لسنة 1981، وأنه شابه التعسف في استعمال السلطة؛ لأن هناك خلافات سابقة بين الشركة ورئيس حي حلوان ثابتة بالمحاضر الرسمية بنيابة حلوان، وهذا الخلاف مكانه القضاء المدني وليس صدور قرارات مخالفة للقانون تخرج على مبدأ المشروعية،حيث تقوم الشركة بسداد القيمة الإيجارية، ولم تخل بأي شرط من شروط العقد الذي يعد ممتدا بقوة القانون، مما لا يجوز معه إنهاء التعاقد أو إخلاء الشركة دون وجود حكم قضائي يبيح الإخلاء.
– كما أقامت الشركة الدعوى رقم 4612 لسنة 2004 أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه نفسه بالدعوى السابقة، وللأسباب نفسها، وصدر فيها الحكم بجلسة 17/1/2005 بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وإبقاء الفصل في المصروفات، وبناء عليه قيدت الدعوى بجدول محكمة القضاء الإداري برقم 34961 لسنة 59ق، وبجلسة 11/11/2007 قررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد.وبجلسة 22/5/2005 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بالدفاع دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى هيئة التحكيم بوزارة العدل، بمقولة إن النزاع الماثل يدور بين محافظة القاهرة (مدعى عليها) والشركة المصرية لتسويق الأسماك وهي إحدى شركات قطاع الأعمال العام، مما ينعقد معه الاختصاص بنظرها لهيئة التحكيم بوزارة العدل طبقا للمادة 56 من القانون رقم 97 لسنة 1983، واحتياطيا: برفض الدعوى على أساس أن العقد محل التداعي يعد عقدا إداريا تملك جهة الإدارة فسخه بالإرادة المنفردة لاعتبارات المصلحة العامة.
وبجلسة 24/2/2008 صدر حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قاضيا في منطوقه بقبول الدعويين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من استقراء العقد المبرم بين حي حلوان والشركة المدعية أنه عقد إيجار أرض فضاء لمدة عشر سنوات، تجدد لفترة مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بكتاب مسجل قبل انتهاء مدة الإيجار بستة أشهر على الأقل، على أن تقوم الشركة المستأجرة بتجهيز وإعداد هذه الأرض بالبناء والمنشآت والتعديلات اللازمة لتحقيق الغرض من هذا التعاقد، وهو ما تضحى معه العلاقة بين الطرفين طبقا لهذا العقد علاقة إيجارية عادية بين شخصين من أشخاص القانون الخاص، حيث أبرمت الجهة الإدارية هذا العقد بصفتها شخصا من أشخاص القانون الخاص (مؤجر)، دون أن تُضمن بنود العقد أي شروط أو أحكام استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، تضفي عليه الصبغة الإدارية، ولم تهدف من جراء هذا العقد إلى تسيير مرفق عام أو إدارته، وهو ما يكون معه هذا العقد مدنيا يخضع لأحكام القانون الخاص، التي تستوجب أن يكون فسخ هذا العقد أو إنهاؤه إما بالاتفاق بين طرفيه أو باللجوء إلى القضاء المختص بنظر المنازعات الناشئة عنه، دون اللجوء إلى تطبيق أحكام القانون العام ووسائل السلطة العامة على هذه العلاقة، وهو ما لا يجوز معه استخدام جهة الإدارة لسلطاتها العامة الاستثنائية في مجال هذه العلاقة الخاصة بين حي حلوان والشركة المدعية، مما يكون معه القرار المطعون فيه الصادر بإخلاء الشركة المدعية من العين محل عقد الإيجار المبرم بينهما قد جاء مفتقدا لسنده الصحيح من الواقع والقانون، وهو ما يجعله غير مشروع لمخالفته للقانون، مما تقضي معه المحكمة بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
……………………………………………………..
وحيث إن الجهة الإدارية تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وبيانا لذلك تقول إن العقد المبرم بين الحي والشركة هو عقد إداري، بغض النظر عن تسميته “عقد إيجار”، عبارة عن ترخيص في استغلال قطعة أرض فضاء لإقامة معرض لتسويق السلعة السمكية عندما كانت الشركة تخضع لقانون القطاع العام وتُوفر السلع الغذائية بأسعار مدعمة، وإنه بعد خضوع الشركة لقانون قطاع الأعمال العام وأصبحت تبيع الأسماك بسعر السوق الحر وليس المدعم، فقد انتفى النفع العام، وتغير الغرض من العقد، كما قامت الشركة بتأجير جزء من أرض التداعي من الباطن مستترة بعقد إدارة. وفي حالة التسليم جدلا بكون العقد إيجارا فإنه لا يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية؛ لأن محل الإيجار أرض فضاء، ويظل العقد خاضعا لأحكام القانون المدني، فقد تم الإيجار لأسباب خاصة بشخص المستأجر، وبإيجار اسمى جنيه واحد شهريا بغرض توفير السلعة السمكية المدعمة، ومدة العقد الذي تجدد لفترة مماثلة انتهت في 30/6/1990، وأصبح غير محدد المدة، فتصبح مدته هي المدة المحددة لدفع الأجرة على وفق حكم المادة (563) من القانون المدني، كما انقضت مدته وحدها الأقصى 30 سنة على وفق حكم المادة (14) من قانون الإدارة المحلية، وبذلك يكون حكم إلغاء قرار الإخلاء مخالفا للقانون.
……………………………………………………..
وحيث إنه من المقرر أن مسألة الاختصاص الولائي تعد قائمة في الخصومة ومطروحة دائما على محكمة القضاء الإداري، وعليها أن تقضي فيها من تلقاء نفسها، إذ يعد الحكم الصادر في الموضوع مشتملا على قضاء ضمني باختصاصها ولائيا، ومن ثم فإن الطعن على الحكم الصادر فيها يعد واردا على القضاء الضمني في مسألة الاختصاص، سواء أثارها الخصوم في الطعن أم لم يثيروها، ولمحكمة الطعن أن تتصدى للاختصاص الولائي باعتبار أن ذلك متعلق بالنظام العام، ويدخل في نطاق الطعن طبقا للمادة (109) من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص على أن: “الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها. ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى”.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة أمام محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها إلى هيئة التحكيم بوزارة العدل، بمقولة إن النزاع الماثل يدور بين محافظة القاهرة (مدعى عليها)، والشركة المصرية لتسويق الأسماك، وهي إحدى شركات قطاع الأعمال العام، مما ينعقد معه الاختصاص بنظرها لهيئة التحكيم بوزارة العدل طبقا للمادة 56 من القانون رقم 97 لسنة 1983.
وحيث إن المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته، الصادر بالقانون رقم 97 لسـنة 1983 تنص على أن “يُفصل في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض، أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى، عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين في هذا القانون”.
وتنص المادة (40) من قانون شركات قطاع الأعمال العام، الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 على أنه: “يجوز الاتفاق على التحكيم في المنازعات التي تقع فيما بين الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الأشخاص الاعتبارية من القطاع الخاص أو الأفراد، وطنيين كانوا أو أجانب، وتطبق في هذا الشأن أحكام الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية”.
وحيث إن مفاد ما تقدم أنه إذا كان الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه كطريق بديل عن اللجوء إلى القضـاء لفض ما يثار بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محدديـن، وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية، وعلى ذلك، ونتيجةً لسياسة التأميم في حقبة الستينات، وما ترتب على ذلك من إنشاء مؤسسات وشركات قطاع عام لإدارة الأنشطة التي تضطلع بها وحدات الإنتاج، اتجه المشرع إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثار بين هذه الشــركات فيما بينها، أو بين أي منها وغيرها من المؤسسات العامة أو الجهات الحكومية، تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات؛ بحسبان أن النتيجة النهائية لفض أية منازعة ســـترتد إلى الذمة المالية للدولة المالكة لهذه الكيانات، وعلى ذلك فقد رسم المشرع بقواعد آمرة وجوب أن تلجأ شركات القطاع العام إلى التحكيم الإجباري دون غيره كوسـيلة لفض المنازعات المشار إليها.
أما عن قواعد وإجراءات هذا التحكيم فقد انتظمتها أحكام قوانين المؤسسات العامة وشركات القطاع العام المتعاقبة، بدءا بالقانون رقــم 32 لسنة 1966، ثم القانون رقم 60 لسنة 1971،وأخيرا القانون رقم 97 لسنة 1983.
وبدءا من تاريخ العمل بقانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 في 19/7/1991 تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة، وحلت الشركات التابعة محل شركات القطاع العام التي كانت تشـرف عليها تلك الهيئات، وذلك على نحو تلقائي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، عدا شركات القطاع العام المقررة لها أنظمة خاصة ولم يصدر قرار عن رئيس الجمهـورية بتحويلها إلى شركة قابضة أو شركة تابعة تخضع لأحكام هذا القانون.ومنذ تاريخ العمل بـه أصبحت الشركات التي تتمتع بوصف “شركات قطاع الأعمال العام” (القابضة والتابعة) تخضع لأحكامه، وانحسر عنها تطبيق أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983، وبات اللجوء للتحكيم اختياريا كوســــيلة لفض المنازعات التي تقع بين الشـركات الخاضعة لأحكامه، أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأشخاص الطبيعيين.
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، فإنه لما كانت الشركة المطعون ضدها قد تحولت إلى شركة تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وانحسر عنها وصف “شركة قطاع عام”، وما يستتبعه من عدم خضوعها للتحكيم الإجباري، وأضحى الفصل في المنازعات التي تثار بين هذه الشركة ووحدات الإدارة المحلية لجهات القضاء المختصة، ولا يجوز اللجوء إلى التحكيم إلا بموجب الاتفاق عليه كوسيلة اختيارية لفض المنازعات على وفقأحكام القانون رقم 27 لسنة 1994، وكان العقد المبرم بين الشركة المطعون ضدها وحي حلوان محل التداعي قد خلا من الاتفاق على التحكيم، كما خلت الأوراق من وجود اتفاق لاحق على العقد باللجوء إلى التحكيم، مما يجعل القضاء وحده هو صاحب الولاية للفصل في النزاع الراهن،وبناء عليه يكون الدفع باختصاص هيئات التحكيم بوزارة العدل بنظر النزاع في غير محله، حريا بالالتفات عنه.
– وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المنازعة حول تخصيص مال من أموال المحافظة الثابتة أو المنقولة بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل، وما تفرع عن ذلك من امتناع عن تسليم الأرض المخصصة، هي تصرفات تتجلى فيها السلطة العامة، بما يجعل المنازعة الدائرة بشأنها منازعة إدارية يختص بنظرها القضاء الإداري. (الطعن رقم 463 لسنة 44 ق.ع بجلسة 8/7/2001)، وكذلك الوجه الآخر للمنازعة، بإلغاء تخصيص الأرض المؤجرة بإيجار اسمي، تتجلى فيه السلطة العامة، بما يجعل المنازعة الدائرة بشأنه بحق منازعة إدارية يختص بنظرها القضاء الإداري، وبناء عليه يكون الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر النزاع في غير محله حريا بالالتفات عنه.
ولا ينال من ذلك قول الشركة المطعون ضدها إن العقد محل التداعي هو عقد إيجار خاضع لقوانين الإيجار الاستثنائية، ويخضع للامتداد القانوني، ولا يجوز إلغاؤه إلا إذا خالف أحد المتعاقدين هذه القوانين، وإن كون عقد الإيجار قد انصب على أرض فضاء لا يخرجه من الخضوع لهذه القوانين، مادام غرض العقد الحقيقي هو المحلات التي ستقام على الأرض على نفقة الشركة طبقا لما ورد بالتمهيد والبند الثانى من العقد؛ حيث إن ذلك مردود من ناحيتين:
(الأولى) أن المقرر في قضاء محكمة النقض في العقود المدنية أن ورود عقد الإيجار على أرض فضاء يخضعه لقواعد القانون المدني، ولا عبرة بالغرض الذي استؤجرت العين من أجله، ولا بما يقيمه عليها المستأجر من منشآت تحقيقا لهذا الغرض (الطعن رقم 229 لسنة 50ق نقض مدنى بجلسة 26/3/1987)؛ ذلك أن تشريعات إيجار الأماكن -وقد صدرت لمواجهة أزمة الإسكان- حرصت جميعها على استثناء الأرض الفضاء من نطاق تطبيقها، ومن ثم يخضع عقد إيجارها للقواعد العامة الواردة في القانون المدني، والعبرة في تحديد طبيعة العين محل التعاقد هي بحقيقة الواقع وقت إبرام العقد دون اعتداد بما تؤدي إليه إبان سريانه.
(الثانية) من المقرر أن العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه هي بحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين، وأن للمحكمة السلطة التقديرية في التعرف على تلك الحقيقة والتحري عن مقصود العاقدين، ولها في سبيل ذلك تقدير الأدلة والقرائن المقدمة في الدعوى، واستخلاص ما تقتنع به منها، متى كان استخلاصها سائغا ومؤديا إلى النتيجة التي انتهت إليها. ومن المقرر أنه إذا تضمن العقد قيودا على حق المنتفع بالعين محل العقد بما ينافي طبيعة الإيجار تُخرج التعاقد من نطاقه، فإنه لا يصح اعتباره عقد إيجار، ومن ثم فإنه لا يخضع في هذه الحالة لأحكام التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن، بل تحكمه القواعد العامة بحسب طبيعة العقد الذي اتجهت إليه إرادة المتعاقدين.
ولما كان ذلك، وكان عقد النزاع قد تضمن بنودا لا تتفق مع شرائط عقد الإيجار، وكان موضع الاعتبار في إبرامه لا يقتصر على المكان، بل اعتبارات أخرى، وهذا واضح من النص في التمهيد على أن “الطرف الأول (حي حلوان) يهدف إلى توفير السلعة السمكية لجمهور المستهلكين بحي حلوان عن طريق المعاونة مع الوحدات الاقتصادية المتخصصة في إعداد محلات عرض الأسماك وبيعها بمختلف جهات المحافظة وضواحيها وذلك في نطاق الخطة العامة للمحافظة… وأن الطرف الأول قد عرض تقديم مجموعة من الأراضي الفضاء الكائنة بزمام المحافظة إلى الطرف الثانى الذي يتولى إعدادها كمحلات لعرض الأسماك وتجهيزها وبيعها نظير إيجار اسمي، معاونة منه في تحقيق الهدف المنوط به، وقد قبل الطرف الثاني”، واعتبرت المادة الأولى من العقد هذا التمهيد جزءا لا يتجزأ منه، وحددت المادة الثانية من العقد أن الإيجار اسمي بقيمة جنيه واحد شهريا، وما قررته المادة الخامسة من العقد بأن يصرح الطرف الأول للطرف الثاني بإجراء المباني والمنشآت والتعديلات اللازمة لإعداد محلات عرض وبيع الأسماك بالأراضي المؤجرة بموجب هذا العقد، وذلك طبقا للرسومات والتصميمات التي يضعها الطرف الثاني في هذا الشأن ويوافق عليها الطرف الأول…. من كل هذه الشروط والبنود يتكشف للمحكمة أن العقد موضوع الدعوى ليس عقد إيجار، بل هو عقد غير مسمى، روعي إبرامه لاعتبارات كثيرة تفوق اعتبار المكان، ولا يخضع لقوانين الإيجار الاستثنائية، وأن التكييف الصحيح لعقد تأجير الشخص المعنوي العام أملاك الدولة الخاصة بإيجار اسمي لتحقيق غرض ذي نفع عام هو “عقد إداري غير مسمى” يخرج عن نطاق القانون الخاص، ويخضع لأحكام القانون العام، ولا تطبق عليه أحكام الإيجار الواردة في القانون المدني إلا فيما فات القانون العام، وبما لا يتعارض وطبيعة هذه العقود.
وحيث إنه باستقراء نصوص قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 المعدلة بالقانون 54 لسنة 1963 (المعمول به وقت إبرام العقد محل التداعى في عام 1970)،يبين أن المادة (25) منه كانت تنص على أنه: “يجوز للمجلس التصرف بالمجان في مال من أمواله الثابتة أو المنقولة أو تأجيره بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، وذلك بعد موافقة وزير الإدارة المحلية إذا كان التصرف في حدود 5000 جنيه في السنة المالية الواحدة أو كان لإحدى الوزارات أو المصالح الحكومية، أما التصرفات لغير الوزارات والمصالح الحكومية فيما يجاوز 5000 جنيه في السنة المالية الواحدة فتكون بقرار من رئيس الجمهورية”.
وحيث إنه ولئن كان الأصل هو بدء سريان القانون الجديد على كل ما يقع بعد نفاذه، حتى لو كان مترتبا على وقائع أو مراكز نشأت في ظل القانون السابق، بما من شأنه أن يؤدي إلى وحدة القانون المطبق على المراكز القانونية ذات الطبيعة الواحدة في الدولة، وتفاديالازدواج أو تعدد الأنظمة القانونية في حكم المراكز المتماثلة، إلا أن هناك استثناء من هذا الأصل خاصا بالعقود، إذ تظل المراكز العقدية الجارية حتى بعد صدور قانون جديد محكومة بالقانون الذي تكونت في ظله، دون أن تخضع للأثر المباشر لهذا القانون الجديد، وبذلك يحل مبدأ “الأثر المستمر للقانون القديم” محل مبدأ “الأثر المباشر للقانون الجديد” في شأن المراكز العقدية الجارية؛ وذلك باعتبار أن المراكز العقدية تخضع في نشأتها وتحديد آثارها لمبدأ “سلطان الإرادة”، فيظل النظام القانوني الذي تعاقد الطرفان في ظله ووضَعا أحكامه في اعتبارهما عند إبرام عقدهما، هو الواجب الإعمال؛ احتراما لإرادتهما المشتركة في هذا الشأن، وذلك ما لم يتعلق الأمر بنظام قانوني.
ولما كان تجديد العقد، مثل إنشائه، يجب أن تتوفر فيه كل الشروط اللازمة لصحة العقد، فالعقد يتجدد بإيجاب وقبول ضمنيين بشروطه نفسها في حالة النص على التجديد التلقائي للعقد، ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في عدم التجديد، ومن ثم فإن التجديد يخضع للأثر المباشر للقانون النافذ وقت التجديد، ولو كان التجديد بنفس شروط العقد الذي يتم تجديده، فإذا اشترط القانون النافذ وقت تجديد العقد مدة معينة كحد أقصى للتعاقد، أو حظر التعاقد مع طائفة بعينها، امتنع التجديد على خلاف أحكام هذا القانون النافذ، على أن يظل العقد في الفترة السابقة على تجديده محكوما بالقانون القديم، وينتج آثاره ولو خالف أحكام القانون الجديد.
وحيث إنه أثناء تنفيذ العقد محل التداعي ألغي قانون الإدارة المحلية الذي أبرم هذا العقد في ظل نفاذه، ولم يخرج قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعمول به وقت التجديد الأول للعقد عن المدة من 1/7/1980 إلى 30/6/1990 عن أحكام القانون الذي أبرم العقد في ظله، حيث نصت المادة (14) على أنه: “يجوز للمجلس الشعبي المحلي للمحافظة التصرف بالمجان في مال من أموالها الثابتة أو المنقولة أو تأجيرها بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل، بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، وذلك إذا كان التصرف في حدود مبلغ خمسين ألفا من الجنيهات في السنة المالية الواحدة، أو كان لإحدى الوزارات أو المصالح الحكومية أو الهيئات العامة، ولا يجوز التصرف فيما يزيد على ذلك إلا بموافقة مجلس المحافظين”.
وعند التجديد للعقد محل التداعي عن المدة من 1/7/1990 إلى 30/6/2000 صدر القانون رقم 50 لسنة 1981 معدلا لنص المادة (14) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979، ونصت بعد التعديل على أنه: “يجوز للمجلس الشعبي المحلي للمحافظة التصرف بالمجان في مال من أموالها الثابتة أو المنقولة أو تأجيره بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل، بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، وذلك إذا كان التصرف أو التأجير لإحدى الوزارات أو المصالح الحكومية أو الهيئات العامة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو شركات القطاع العام والجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام.
ومع عدم الإخلال بأحكام القوانين الخاصة بتملك الأجانب للعقارات يجوز للمجلس بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء التصرف بالمجان أو التأجير بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل لأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو لجهة أجنبية في حدود خمسين ألف جنيه في السنة المالية الواحدة ولغرض ذي نفع عام. ويجب موافقة مجلس الوزراء فيما يجاوز ذلك.
وفي الأحوال التي يكون فيها التصرف أو التأجير وفقا لأحكام هذه المادة لأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو لجهة أجنبية، يجب ألا تزيد مدة الإيجار على ثلاثين سنة يجوز تحديدها بقرار من مجلس الوزراء، كما يجب بقاء الأموال موضوع التصرف أو التأجير مخصصة للغرض الذي تم التصرف أو التأجير من أجله، فإذا زال هذا الغرض لأي سبب، أو إذا أخل به المتصرف إليه أو المستأجر في أي وقت، اعتبر التصرف أو عقد الإيجار مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي أو إنذار، وفي هذه الحالة تسترد المحافظة الأموال موضوع التصرف أو التأجير بالطريق الإداري”.
وحيث إن مفاد القانون الجديد (رقم 50 لسنة 1981 المشار إليه) أن المشرع أناط بالمجلس الشعبي المحلي للمحافظة سلطة التصرف بالمجان في مال من أموالها الثابتة أو المنقولة أو تأجيره بإيجار اسمي أو بأقل من أجر المثل، بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، وحدد الأشخاص الذين يجوز التصرف إليهم، ومن بينهم شركات القطاع العام، واستلزم أن تظل الأموال محل التصرف مخصصة للغرض الذي خصصت من أجله، فإذا زال الغرض لأي سبب، أو إذا أخل المتصرف إليه أو المستأجر بالتزاماته، اعتبر التصرف أو عقد الإيجار مفسوخا من تلقاء نفسه، وتسترد المحافظة الأموال موضوع التصرف، ولا ريب في أن التأجير بإيجار اسمي في كل تشريعات الإدارة المحلية المتعاقبة بدءا من القانون رقم 124 لسنة 1960، يستلزم تحقيق غرض ذي نفع عام، مما مؤداه أنه إذا زال هذا الغرض كان للجهة المحلية إلغاء العقد.
وحيث إنه بصدور القانون رقم 203 لسنة 1991 تم تحويل الشركة المصرية لتسويق الأسماك إلى شركة تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، وأصبحت الشركة شخصا من أشخاص القانون الخاص، تطبق في شأنها أحكام قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، على وفق حكم المادة الأولى التي تنص على أن: “يعمل في شأن قطاع الأعمال العام بأحكام القانون المرافق، ويقصد بهذا القطاع الشركات القابضة والشركات التابعة لها الخاضعة لأحكام هذا القانون، وتتخذ هذه الشركات بنوعيها شكل شركات المساهمة، ويسري عليها فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون وبما لا يتعارض مع أحكامه نصوص قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981″، لاسيما وأن المشرع قسم رأس مال الشركة التابعة إلى أسهم متساوية القيمة (المادة 18) ، وجعلها قابلة للتداول من تاريخ قيد الشركة بالسجل التجاري (المادة 20)، وهو ما تكون معه الشركات التابعة قد تحولت من نمط شركات القطاع العام إلى نمط الشركات الخاصة، ومن ثم لم تعد تتقيد بالفلسفة الاقتصادية والاجتماعية التي قامت على أساسها فكرة القطاع العام، بل أضحت تسعى بكل طاقاتها إلى تحقيق الربح المادي والمضاربة في الأسواق، وهي في هذا المسعى لا تختلف عن الشركات المملوكة للأفراد والأشخاص المعنوية الخاصة، وتتبع ذات الأسس الاقتصادية التي تسير عليها تلك الشركات، ومن ثم ينحسر عنها جميع ما كانت تتمتع به شركات القطاع العام من امتيازات.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان الثابت في العقد موضوع النزاع أن الطرفين قد اتفقا في المادة الثالثة على أن مدة العقد عشر سنوات تبدأ من 1/7/1970 وتنتهي في 30/6/1980، وتجدد لفترة مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بكتاب مسجل قبل انتهاء مدة سريان الإيجار بستة أشهر على الأقل، وكان الثابت بالأوراق أن الجهة الإدارية الطاعنة لم تخطر الشركة المطعون ضدها برغبتها في عدم تجديد العقد خلال الأجل المتفق عليه، وترتب على ذلك تجدده تلقائيا لعشر سنوات أخرى تنتهي في 30/6/1990، ثم لمدة أخرى مماثلة تنتهي في 30/6/2000، ثم أرسلت الطاعنة الإخطار إلى المطعون ضدها بفسخ العقد بكتابها رقم 4872 بتاريخ 12/12/2004، وهذا الإخطار، وإن صدر بعد انقضاء المهلة المحددة لذلك، وتجدد العقد بالفعل لمدة عشر سنوات أخرى تنتهي في 30/6/2010، إلا أنه لما كان العقد محل التداعي بتأجير أرض فضاء من أملاك الدولة الخاصة إلى الشركة المصرية لتسويق الأسماك التي كانت إحدى شركات المؤسسة المصرية العامة للثروة المائية، مقابل إيجار اسمي جنيه واحد، قد استهدف ما أشار اليه التمهيد الوارد بالعقد من أن الغرض من تأجير قطعة الأرض الفضاء الكائنة بحلوان هو توفير السلعة السمكية لجمهور المستهلكين بحي حلوان بما يضمن عدالة التوزيع وبالجودة والسعر المناسب، طبقا لطبيعة نشاط الشركة، ومعاونة مع الوحدات الاقتصادية في نطاق الخطة العامة للمحافظة.
ولما كان قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981(النافذ عند تجديد العقد اعتبارا من 1/7/2000) قد أوجب ألا تزيد مدة الإيجار الاسمي للأشخاص الاعتبارية الخاصة على ثلاثين سنة، كما جعل التصرف بالمجان في أموال الدولة الثابتة أو المنقولة أو تأجيرها بإيجار اسمي على وفقنصوص قانون نظام الإدارة المحلية المشار إليها لا يكون إلا لإحدى الجهات المحددة بها حصرا، وهي الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات وشركات القطاع العام أو المؤسسات الخاصة ذات النفع العام، والتي يجمع بينها جميعًا القيام على وجوه النفع العام.
وبالنظر إلى أن الشركة المصرية لتسويق الأسماك تحولت إلى شركة تابعة، وانحسر عنها وصف شركات القطاع العام، وخرجت عن عداد الجهات التي يمكن التخصيص لها بإيجار اسمي على نحو ما سلف إيضاحه، وزال عنها غرض النفع العام الذي تم التأجير بإيجار اسمي بسببه، وبزوال هذا الغرض وتجاوز العقد الحد الأقصى لمدة التأجير، وهي ثلاثون سنة، يعد عقد الإيجار الاسمي مفسوخا من تلقاء نفسه، دون حاجة إلى حكم قضائي أو إنذار، وتسترد المحافظة الأموال موضوع التأجير بالطريق الإداري، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر بإلغاء التخصيص بالإيجار الاسمي وفسخ العقد بعد زوال وصف “شركة القطاع العام” عن الشركة المطعون ضدها واكتمال الحد الأقصى لمدة التأجير بثلاثين سنة المنتهية في 30/6/2000 قد صدر متفقا وصحيح القانون، وبمنأى عن الإلغاء.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر، فمن ثم وجب إلغاؤه، والقضاء برفض الدعويين.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الدعويين برفضهما، وألزمت المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.
([1]) في حكمها الصادر بجلسة 16/6/2015 في الطعن رقم 31990 لسنة 55 القضائية (عليا) قضت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا بوقف الطعن تعليقيا، وإحالته إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته، الصادر بالقانون رقم (97) لسنة 1983، حيث ارتأت المحكمة عدم دستورية هذه المادة فيما تضمنته من فرض التحكيم جبرا في المنازعات التي تنشأ بين شركات القطاع العام بعضها وبعض، أو بينها وبين جهة حكومية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة، وبينت المحكمة أن النص بهذا يكون قد تضمن المآخذ الدستورية نفسها التي وجهت لنصي المادتين (17) و(35) من قانون الضريبة على المبيعات (الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991)، اللذين قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 6/1/2001 في القضية رقم (65) لسنة 18 القضائية (دستورية) بعدم دستوريتهما.
وقد قيدت القضية بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم (173) لسنة 37 القضائية (دستورية)، ولم يفصل فيها حتى مثول هذه المجموعة للطبع.
وكانت المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة) تنص على أن: “للمصلحة تعديل الإقرار المنصوص عليه فى المادة السابقة، ويخطر المسجل بذلك بخطاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول خلال ستين يوما من تاريخ تسليمه الإقرار للمصلحة. وللمسجل أن يتظلم لرئيس المصلحة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسليم الإخطار، فإذا رفض التظلم أولم يبت فيه خلال خمسة عشر يوما، فلصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون خلال الخمسة عشر يوما التالية. وفى جميع الأحوال يجوز مد هذه المدد بقرار من الوزير. ويعتبر تقدير المصلحة نهائيا إذا لم يقدم التظلم أو يطلب إحالة النزاع للتحكيم خلال المواعيد المشار إليها”، وكانت المادة (35) من ذلك القانون تنص على أنه: “إذا قام نزاع مع المصلحة حول قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها، أو كميتها، أو مقدار الضريبة المستحقة عليها، وطلب صاحب الشأن إحالة النزاع إلى التحكيم في المواعيد المقررة وفقا للمادة (17) من هذا القانون، فعلى رئيس المصلحة أومن ينيبه خلال الخمسة عشر يوما التالية لتاريخ إخطاره بطلب التحكيم أن يحيل النزاع كمرحلة ابتدائية للتحكيم إلى حكمين تعين المصلحة أحدهما ويعين صاحب الشأن الآخر، وفي حالة اتفاق الحكمين يكون رأيهما نهائيا. فإذا لم تتم المرحلة السابقة بسبب عدم تعيين صاحب الشأن للحكم أو إذا اختلف الحكمان المنصوص عليهما فى الفقرة السابقة رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه الوزير رئيسا، وعضوية كل من: ممثل عن المصلحة يختاره رئيسها، وصاحب الشأن أومن يمثله، ومندوب عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوب عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر اللجنة قرارها بأغلبية الأصوات بعد أن تستمع إلى الحكمين عند توافر المرحلة الابتدائية ومن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والفنيين. ويعلن قرار اللجنة إلى كل من صاحب الشأن والمصلحة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول. ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب النفاذ ويشتمل على بيان من يتحمل نفقات التحكيم. ويحدد الوزير إجراءات التحكيم بالمراعاة للقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات كما يحدد نفقاته وعدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والمكافآت التي تصرف لأعضائها”، كما كانت المادة (36) من قانون الضريبة على المبيعات المشار إليه تنص على أنه: “لا يجوز نظر التحكيم إلا إذا كان مصحوبا بما يدل على سداد الضريبة طبقا للإقرار الشهري المنصوص عليه في المادة (16) من هذا القانون. فإذا كان قرار التحكيم لغير صالح المسجل استحقت الضريبة التي تمثل الفرق بين ما تم سداده وفقا لإقراره وما انتهى إليه التحكيم, وكذلك الضريبة الإضافية على هذا الفرق عن الفترة من تاريخ السداد وفقا للإقرار وحتى تاريخ السداد وفقا للتحكيم”.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم (65) لسنة 18 القضائية (دستورية) المشار إليها بعدم دستورية نص المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما تضمنه من أن لصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه، وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائيا، وبعدم دستورية نص المادة (35) من ذلك القانون، وبسقوط نص المادة (36) من القانون المشار إليه.
وأسست المحكمة حكمها على أن الدستور (دستور 1971) قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، مخولا إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالا بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارا لحقائق العدل في جوهر ملامحها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجردا من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وأنه لا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعا قائما أو محتملا؛ ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه –على وفق أحكامه- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذا كاملا على وفقفحواه، ليئول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم من ثم بإسناد من الدولة.وبهذه المثابة فإن التحكيم يعد نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسرا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكا لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
وحيث إن البين من استقراء المادة (17) الطعينة أنه متى أخطرت مصلحة الضرائب على المبيعات المسجل بتعديل الإقرار المقدم منه بخطاب موصى عليه مصحوبا بعلم الوصول خلال ستين يوما من تسلمها الإقرار، فإن الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين، فإما أن يقبل المسجل -صراحة أو ضمنا- ما أجرته المصلحة من تعديل، وإما أن يتقدم -خلال الميعاد المحدد- متظلما منه، فإن رفضت المصلحة تظلمه أو لم تبت فيه، كان عليه إن أراد المضي في المنازعة فى التعديل الذي أجرته المصلحة أن يطلب إحالة الأمر إلى التحكيم وإلا صار تقدير المصلحة نهائيا. ثم تناولت المادة (35) تنظيم التحكيم وجعلته على مرحلتين: أولاهما ابتدائية تعين فيها المصلحة محكما ويعين صاحب الشأن المحكم الآخر، فإن لم يعينه أو اختلف الحكمان، رُفعَ النزاع إلى لجنة يستأثر وزير المالية بتحديد إجراءات التحكيم أمامها، يرأسها مفوض دائم يعينه الوزير، وتضم صاحب الشأن أو من يمثله، وممثلا عن المصلحة ومندوبا عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوبا عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر هذه اللجنة قرارها بالأغلبية، ويعلن لكل من المصلحة وصاحب الشأن ويكون واجب النفاذ مشتملا على تحديد من يتحمل نفقات التحكيم.
ولازم ذلك كله، أن المسجل إذا تلمس طريقا إلى المنازعة في مقدار الضريبة أو قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها أو كميتها، فليس أمامه سوى طلب إحالة النزاع إلى التحكيم؛ وإلا كان تقدير المصلحة -مهما شابه من عسف أو مبالغة- ملزما له ونافذا في حقه.
ولا ينال من النتيجة المتقدمة قالة إن هذا التحكيم لا يمنع صاحب الشأن من أن يعزف عنه ويلجأ بظلامته من ذلك التقدير مباشرة إلى المحكمة، أو أن يختاره ثم يطعن على قرار اللجنة أمام القضاء؛ لأن الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح “التحكيم” يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعا من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17 و35 و36 منه، فإن إرادة المشرّع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم -بديلا عن القضاء- في منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن المادتين الطعينتين تكونان قد فرضتا التحكيم قهرا على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم -الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة- يكون منافيا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطا وكرها، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات بالمادتين الطعينتين لنظر المنازعات التي أدخلها جبرا في ولايتها يكون منتحلا، ومنطويا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة (68) من الدستور، ومنعدما من ثم من زاوية دستورية. وحيث إن المادة (36) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه ترتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمادتين (17) و(35) منه، فإنها تسقط لزوما تبعا للحكم بعدم دستوريتهما، إذ لا يتصور وجودها بدون هذين النصين.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |