برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى خضري نوبي محمد
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد منصور محمد منصور، وأحمد عبد الراضي محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
طلبات في الدعوى- الطلب المستعجل- الحكم فيه- شرطا الاستعجال، وعدم المساس بأصل الحق- المقصود بهما:
الاستعجال هو الضرورة الملجئة لوضع حل مؤقت لنزاع يخشى على الحق فيه من مضي الوقت لو ترك حتى يفصل فيه موضوعا، ويكون ذلك باستظهار الأمور التي يخشى عليها فوات الوقت والنتائج التي يتعذر تداركها، والضرر المحدق بالحق المطلوب حمايته، وكذلك استظهار جديتها أو عدم جديتها، دون المساس بالناحية الموضوعية للنزاع- الاستعجال حالة مرنة غير محددة، ليس هناك معيار موحد لها يمكن تطبيقه في كل الأحوال، بل إن ظواهر الاستعجال متعددة، وقد تبرَّر في حالة وتختلف عنها في أخرى، والمرجع في تقديره إلى القضاء بحسب ظروف كل دعوى على حدة، فأينما لمس هذه الضرورة كان تصديه للمسألة جائزا.
شرط عدم المساس بأصل الحق لا يقصد به عدم احتمال إلحاق ضرر ما بأحد الطرفين، بل إن الضرر قد يكون محتملا، بل قد لا يقبل علاجا أو إصلاحا- ولاية الفصل في الأمور المستعجلة هي ولاية قضائية في أساسها، وإذا باشرها القضاء الكامل فإنه وإن كان لا يفصل في أصل الحق، إلا أنه يحميه مؤقتا، متى تحسس من تقديره لعناصر النزاع أن أحد الطرفين هو الأولى بالحماية، فينشئ بينهما مركزا وقتيا يسمح بتحمل المواعيد والإجراءات التي يقتضيها الفصل في الموضوع، فهو ليس ممنوعا من بحث الحقوق المتنازع عليها ومدى آثارها، بل له في هذا سلطة تقديرية واسعة، لكنه مقيد بألا يقرر إلا حلولا وقتية لتحفظ تلك الحقوق حتى يفصل فيها موضوعا، حتى لو ترتب على تلك الحلول لحوق ضرر ما بأحد الطرفين.
المنازعات الناشئة عنه- الطلبات المستعجلة- اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية هو اختصاص شامل لأصل تلك المنازعة وما يتفرع عنها، وعلى مقتضى ذلك يفصل القضاء الإداري في الوجه المستعجل من المنازعة المستندة إلى العقد الإداري، لا على اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة عن طلبات الإلغاء، بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضى العقد لإيجاد إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير، وتدعو إليها الضرورة لدفع خطر أو نتائج يتعذر تداركها، وحماية الحق إلى أن يفصل في موضوعه- لا يهم في هذا الصدد أن يصف صاحب الشأن طلبه بأنه “وقف تنفيذ”؛ إذ العبرة في وصف الطلب بحقيقته وجوهره وهدفه حسبما يظهر من أوراق الدعوى وعلى حسب التكييف القانوني الصحيح- يملك القضاء الكامل عند مباشرته ولاية الفصل في الأمور المستعجلة سلطان التقدير لعناصر النزاع المطعون عليه، ولا يحده في ذلك سوى قيام الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.
الجزاءات التي توقعها الإدارة- للجهة الإدارية الحق في فسخ العقد، ومصادرة التأمين، وخصم فرق أولوية العطاء، وشطب الاسم، وهي جزاءات تملك توقيعها على المتعاقد معها إذا تخلف عن الوفاء بما يفرضه عليه العقد، أو إذا استعمل الغش أو التلاعب في معاملته معها- من هذه الجزاءات ما يتعلق بمرحلة إبرام العقد، ومنها ما يتعلق بمرحلة تنفيذه- تعمَد جهة الإدارة إلى تضمين عقودها جزاءات تتلاءم مع طبيعة العقود الإدارية، وهي إن كانت غير مألوفة فى العقود الخاصة، فإنها تبغي من تلك الجزاءات أن تحقق ضغطا على المتعاقد معها ليبذل جهده فى تنفيذ التزامه، تحقيقا لاحتياجات المرافق العامة وضمان حسن سيرها بانتظام واضطراد- للقضاء الإداري بسط رقابته على الجهة الإدارية في استعمالها لسلطتها في توقيع الجزاءات على المتعاقد معها أو مقدم العطاء، ولا تقف هذه الرقابة عند حد التأكد من مدى مشروعية الجزاء، بل تمتد في بعض الأحوال إلى مراقبة مدى ملاءمته للتقصير المنسوب إلى المتعاقد معها أو مقدم العطاء.
الجزاءات التي توقعها الإدارة- شطب اسم المتعاقد- يفسخ العقد تلقائيا في حالتين: (الأولى) إذا ثبت أن المتعاقد استعمل بنفسه أو بواسطة غيره الغش أو التلاعب فى تعامله مع الجهة المتعاقدة أو في حصوله على العقد، و(الثانية) إذا أفلس المتعاقد أو أعسر- رتب المشرع كذلك على تحقق الحالة الأولى جزاءً آخرَ، هو الشطب من سجل المتعهدين أو المقاولين- إذا كان جزاء الفسخ لا يرد بالضرورة إلا على عقد قائم، فإن الجزاء الثاني المتمثل في الشطب لا يتطلب حتما وجود مثل هذا العقد، بل يمكن توقيعه، سواء في ظل عقد قائم أو في أية مرحلة من مراحل تكوين العقد؛ لأن العقد الإداري يتكون من عملية قانونية مركبة يصح في إحدى مراحلها توقيع الجزاء إذا تحقق موجبه، دون حاجة إلى أن يكون العقد قد تم إبرامه والتوقيع عليه.
مجرد مخالفة المواصفات لا يشكل غشا أو تلاعبا يدعو إلى شطب اسم المورد أو المقاول من قائمة المتعاملين مع الإدارة- يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات إلى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد أو المقاول بهذه المخالفة، بما ينطوي عليه هذا العلم من خداع من جانب المورد في حقيقة الشيء المسلَّم، من حيث نوعه أو صفاته الجوهرية التي جرى التعاقد عليها، أو أن يأتي المتعهد أو المقاول أعمالا تنم عن عدم التزام الجادة في تنفيذ التزاماته ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة، ففي هذه الحالات يتوفر سوء القصد الدال على استعمال الغش أو التلاعب المبرر لعدم التعامل مع المورد أو المقاول.
(هـ) عقد إداري:
عقد الأشغال العامة (عقد المقاولة)- حظر التنازل عن العقد- مدى جواز إبرام عقد من الباطن- يقصد بالتعاقد من الباطن أن يتنازل المقاول للغير عن عقد المقاولة بما يشتمل عليه من حقوق أو التزامات، ليحل المقاول المتنازل له محل المقاول المتنازل في العقد، ويصبح المتنازل له هو المقاول في حقوقه والتزاماته تجاه رب العمل، ويختفي المقاول المتنازل ولا يعود له شأن في المقاولة التي انتقلت بجميع ما يترتب عليها من آثار إلى المقاول المتنازل له، وتنتفي مسئولية المتنازل عن تنفيذ العقد قبل رب العمل.
حظر المشرع التنازل عن عقد المقاولة المبرم مع جهة الإدارة؛ حتى لا تكون العقود الإدارية مجالا للوساطات والمضاربات، لكنه لم يمنع المقاول المتعاقد مع جهة الإدارة من أن يسند بعض الأعمال إلى مقاول باطن- إذا وجد نص في العقد يلزم المقاول القيام بالعمل المتفق عليه بنفسه، وحظر عليه أن يسند تنفيذه في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن، وجب إعمال هذا الاتفاق، وإنزال الجزاء المقرر على وقوع المخالفة.
(و) عقد إداري:
عقد الأشغال العامة (عقد المقاولة)- التزامات المتعاقدين حال إبرام عقد من الباطن، ومدى جواز توقيع جزاء الشطب من سجلات المقاولين على مقاول الباطن:
الأصل أن عقد الأشغال العامة (عقد المقاولة)، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الذي أبرم العقد في ظله، يحكمان العلاقة بين رب العمل (جهة الإدارة) والمقاول الأصلي، وأن العلاقة بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن يحكمها عقد المقاولة من الباطن، وأنه لا تقوم علاقة مباشرة بين رب العمل في عقد الأشغال العامة ومقاول الباطن؛ إذ لا يربطهما أي تعاقد يسمح لأيهما بمطالبة الآخر مباشرةً بتنفيذ التزامه، فلا يطالبُ ربُّ العمل (جهةُ الإدارة) المقاولَ من الباطن مباشرةً بالتزاماتِه، بل يطالبه بها المقاولُ الأصليُّ، كما أن مقاولَ الباطن ليس طرفا في عقد الأشغال العامة، فلا يطالبُ ربَّ العمل (جهةَ الإدارة) مباشرة بالتزاماته، وليس من سبيل طبقا لهذا الأصل أمام رب العمل أو المقاول من الباطن سوى الدعوى غير المباشرة لمطالبة أيهما بما هو مستحق في ذمته للمقاول الأصلي– الدعوى غير المباشرة التي يرجع بها مقاول الباطن على رب العمل يستعملها باسم مدينه (المقاول الأصلي) باعتباره نائبا عنه، فإن رفعها باسمه شخصيا وجب إدخاله فيها، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة، ويترتب على استعمال هذا الحق إذا حكم في الدعوى لمصلحة المدين (المقاول الأصلي) أن ما حكم به يدخل في ذمة المدين ولا يستأثر به الدائن (مقاول الباطن) الذي رفع الدعوى، إلا أنه لما كانت هذه الدعوى تسمح لدائني المقاول الأصلي بمزاحمة المقاول من الباطن فقد رأى المشرع حمايته من هذه المزاحمة، فنص في المادة (662) من القانون المدني على تخويله حق رفع دعوى مباشرة وحق امتياز يجنبانه مزاحمة دائني المقاول الأصلي، بشرط أن تكون ذمة رب العمل مشغولة بدين للمقاول الأصلي ناشئٍ عن عقد المقاولة (عقد الأشغال العامة في القانون العام)، أي إنه يشترط لرجوع المقاول من الباطن بمستحقاته على رب العمل أن يكون الأخير مدينا للمقاول وقت رفع الدعوى.
يبقى المقاول الأصلي ملتزما نحو صاحب العمل، والتزاماته تنشأ من عقد المقاولة الأصلي، لا من عقد المقاولة من الباطن، فيلتزم نحو صاحب العمل بإنجاز العمل محل عقد المقاولة الأصلي، ويدخل في ذلك العمل الذي أنجزه المقاول من الباطن، فإذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه بإنجاز العمل طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها، أو استعمل الغش أو التلاعب في تنفيذ التزاماته، كان المقاول الأصلي مسئولا عن ذلك نحو صاحب العمل- مسئولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن مسئولية عقدية تنشأ من عقد المقاولة الأصلي، وتقوم على افتراض أن كل الأعمال والأخطاء التي تصدر عن المقاول من الباطن تعد بالنسبة إلى صاحب العمل أعمالا وأخطاءً صدرت عن المقاول الأصلي، في كون هذا مسئولا عنها قبله- أثر ذلك أن رب العمل (جهة الإدارة) لا يملك توقيع الجزاءات المقررة تعاقديا في علاقته بالمقاول الأصلي على مقاول الباطن، بل يكون له توقيع الجزاءات المقررة قانونا أو تعاقديا على المتعاقد معه، وهو المقاول الأصلي، دون غيره من مقاولى الباطن، ومن ثم لا يجوز له توقيع جزاء الشطب من سجل المقاولين على مقاول الباطن.
في يوم السبت الموافق 29/1/2011 أودع وكيل الشركة الطاعنة قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل، حيث قيد بجدولها برقم 14127 لسنة 57ق (عليا)، طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/11/2010 في الشق العاجل من الدعوى رقم 38018 لسنة 64ق، الذي قضى بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه موضوعا، وإلزام الشركة المدعية مصروفات هذا الطلب، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
وطلبت الشركة الطاعنة في ختام تقرير الطعن -وللأسباب الواردة فيه- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضدهم المصروفات وأتعاب المحاماة.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المقرر قانونا.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار رقم 195 لسنة 2010 الصادر بتاريخ 10/6/2010 على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 31/8/2014، وتدوول أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 15/4/2015 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، حيث نظرته بجلسة 1/9/2015 وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 19/4/2016 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 28/6/2016، وبها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص بالقدر اللازم للفصل في الطعن الماثل –حسبما يبين من الأوراق ومن الحكم المطعون فيه– في أن الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى (المطعون ضده الثاني) طرح في مناقصة محدودة مشروع توسعات محطة مياه الشرب بالأميرية بطاقة إنتاجية 200 ألف م3 في اليوم، وتم ترسيتها على شركة المقاولات المصرية–مختار إبراهيم (المطعون ضدها الثالثة) بقرار اللجنة العليا للبت بتاريخ 6/11/2006، وإسناد المشروع إليها بقيمة إجمالية مقطوعة ثابتة طوال مدة تنفيذ العقد بمبلغ مئة وخمسة وعشرين مليون جنيه، شاملا جميع الضرائب والرسوم المقررة عدا ضريبة المبيعات على خدمة المقاولات، وأبرم العقد بتاريخ 22/11/2006 متضمنا النص على تنفيذ الأعمال خلال 36 شهرا من تاريخ صرف الدفعة المقدمة، وناصا في البند الحادى عشر منه على أنه “لا يجوز للطرف الثاني أن يتنازل للغير عن الأعمال محل هذا العقد كليا أو جزئيا”.
وبتاريخ 31/5/2007 أسندت شركة المقاولات المصرية–مختار إبراهيم (المقاول الأصلي) إلى مقاول الباطن (شركة… الطاعنة) تنفيذ الأعمال الكهروميكانيكية بالمشروع، حيث قام مقاول الباطن بتوريد المعدات، وصرف قيمة التشوينات بمبلغ قدره 5264920,20 جنيها بناء على محاضر فحص التشوينات بحضور الاستشاري الأول للمشروع (وهو مركز الدراسات والتصميمات للمشروعات المائية) بقبولها ظاهريا لحين التركيب والتسليم الابتدائي للمشروع، ويتم طلب شهادات المنشأ والاختبار لها.
وبناء على طلب الجهة الإدارية المتعاقدة في 6/5/2010 أصدر المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء تقريرا فنيا برقم 592 بتاريخ 27/5/2010 انتهى إلى أن جميع المهمات الموردة من مقاول الباطن مخالفة للمواصفات الفنية المتعاقد عليها ومجهولة الصنع والمنشأ ومخالفة لأصول الصناعة وغير مقبولة فنيا، فأصدر رئيس الجهاز التنفيذى المشار إليه القرار رقم 195 لسنة 2010 بتاريخ 10/6/2010 بشطب مقاول الباطن (شركة… الطاعنة) من سجل الموردين والمقاولين بالجهاز، سواء بصفتها مقاولا رئيسا أو مقاولا من الباطن، وذلك في المشروعات التي يقوم الجهاز بتنفيذها، وإخطار الهيئة العامة للخدمات الحكومية بذلك القرار لنشره بطريق النشرات المصلحية، وتم إحالة الموضوع إلى نيابة الأموال العامة العليا للتحقيق وقيدت برقم 203 لسنة 2010 عرائض أموال عامة، وانتهت النيابة إلى حفظها إداريا حسبما تفيد الشهادة الصادرة عنها بتاريخ 6/11/2010.
……………………………………………………..
وبتاريخ 3/7/2010 أقامت الشركة الطاعنة (مقاول الباطن) الدعوى رقم 38018 لسنة 64ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود) بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 195 لسنة 2010 الصادر عن رئيس الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحي للقاهرة الكبرى والإسكندرية بتاريخ 10/6/2010 بشطب شركة… (الطاعنة) من سجل الموردين والمقاولين كمقاول رئيسى أو مقاول من الباطن وذلك في المشروعات التي يقوم الجهاز بتنفيذها، مع ما يترتب عليه من آثار، وإلزام المطعون ضدهم -عدا الثالث- تنفيذ الحكم بمسودته بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، وإلزامهم المصروفات.
ونعت الشركة الطاعنة على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وبطلانه وانعدامه وصدوره مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة، وبيانا لذلك تقول إنها قامت بتوريد مهمات أوروبية مطابقة للمواصفات العالمية، وما تم توريده محليا يطابق الكود المصرى والمواصفات العالمية ومعتمد من الجهات الفنية المختصة، وتم اعتماد جميع التوريدات من استشاري المشروع طبقا للبند (عاشرا) من عقد المقاولة الأصلي، وإن تقرير المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء مشوب بالبطلان من حيث الإجراءات الشكلية، والفساد في الاستدلال، مفتقد الحيدة الفنية المفترضة؛ إذ تم في غيبة المقاول الأصلي ومقاول الباطن وكمية من المستندات لو توفرت لتغير وجه الرأي الفنى، واقتصر التقرير على تناول 5% من المهمات الموردة المصنعة محليا والمعتمدة من الاستشاري، ولم يتعرض للمهمات الرئيسية والأساسية للمشروع والتى تمثل 95% من المشروع والموردة من أكبر الشركات العالمية المتخصصة بالشهادات المعتمدة والمعترف بها من الهيئات الاستشارية المختلفة، كما أن العلاقة التعاقدية في مشروع الأميرية هي بين الجهاز المذكور وشركة المقاولات المصرية، وأن الشركة الطاعنة مقاول باطن لا تربطه علاقة عقدية أو قانونية بالجهاز تخول له شطبه بل تم ذلك بقصد النيل من مقاول الباطن الذي ليست له صفة في التعاقد.
……………………………………………………..
وبجلسة 30/11/2010 صدر الحكم المطعون فيه قاضيا في منطوقه بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه موضوعا، وإلزام الشركة المدعية مصروفات هذا الطلب.
وأقامت المحكمة قضاءها -بعد أن استعرضت المادة (24) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998- على أن الثابت من ظاهر الأوراق أن ما قامت به الشركة الطاعنة يتجاوز مجرد قيامها بتوريد أو تنفيذ أعمال مخالفة للمواصفات الفنية، إلى توفر علمها بأن ما قامت بتوريده وتركيبه مخالف للمواصفات الفنية، وعلى عدم التزام الشركة الطاعنة الجدية في تنفيذ التزاماتها التعاقدية أو محاولة إصلاح مخالفاتها، وهو ما حدا المقاول الأصلي على إنهاء التعاقد معها وإسناده إلى شركة أخرى، ومحاولة الشركة الطاعنة لإيجاد الثغرات في تنفيذ التزاماتها بالادعاء بأنها بادرت إلى إخطار الجهة الإدارية بقيامها بتوريد مهمات مؤقتة بغية التشغيل والتجارب لحين وصول المهمات المعتمدة، وأنها لم تصرف أي مقابل مادي عن ذلك، وهو ما فنده تقرير المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء منتهيا إلى عدم صحته، وهو ما يشير إلى أن ما قامت به الشركة الطاعنة أثناء تنفيذها للعقد يمثل إحدى حالات التلاعب في تنفيذ العقد الإداري، وعلى القدر الكافي لحمل القرار المطعون فيه على سنده من صحيح القانون، وهو ما ينتفى معه ركن الجدية اللازم توفره للقضاء بوقف تنفيذه، وبما يغنى عن البحث لاستظهار ركن الاستعجال، متعينا والحال كذلك القضاء برفض الطلب العاجل في الدعوى.
……………………………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله لذات أسباب النعي على القرار المطعون فيه المشار إليها، الواردة بصحيفة الدعوى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية هو اختصاص شامل لأصل تلك المنازعة وما يتفرع عنها، وعلى مقتضى ذلك يفصل القضاء الإداري في الوجه المستعجل من المنازعة المستندة إلى العقد الإداري، لا على اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة عن طلبات الإلغاء، بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضى العقد لاتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير وتدعو إليها الضرورة لدفع خطر أو نتائج يتعذر تداركها وحمايته للحق إلى أن يفصل في موضوعه، ولا يهم في هذا الصدد أن يصف صاحب الشأن طلبه بأنه “وقف تنفيذ”؛ إذ العبرة في وصف الطلب بحقيقته وجوهره وهدفه حسبما يظهر من أوراق الدعوى وعلى حسب التكييف القانوني الصحيح، ويملك القضاء الكامل عند مباشرته ولاية الفصل في الأمور المستعجلة سلطان التقدير لعناصر النزاع المطعون عليه، ولا يحده في ذلك سوى قيام الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.
والاستعجال هو الضرورة الملجئة لوضع حل مؤقت لنزاع يخشى على الحق فيه من مضي الوقت لو ترك حتى يفصل فيه موضوعا، ويكون ذلك باستظهار الأمور التي يخشى عليها فوات الوقت والنتائج التي يتعذر تداركها، والضرر المحدق بالحق المطلوب حمايته، وكذلك استظهار جديتها أو عدم جديتها، دون المساس بالناحية الموضوعية للنزاع، والاستعجال حالة مرنة غير محددة، ليس هناك معيار موحد لها يمكن تطبيقه في كل الأحوال، بل إن ظواهر الاستعجال متعددة، وقد تبرَّر في حالة وتختلف عنها في أخرى، والمرجع في تقديره إلى القضاء بحسب ظروف كل دعوى على حدة، فأينما لمس هذه الضرورة كان تصديه للمسألة جائزا.
أما عدم المساس بأصل الحق فليس المقصود به عدم احتمال إلحاق ضرر ما بأحد الطرفين، بل إن الضرر قد يكون محتملا، بل قد لا يقبل علاجا أو إصلاحا، لأن ولاية الفصل في الأمور المستعجلة هي ولاية قضائية في أساسها، والقضاء الكامل في مباشرتها وإن كان لا يفصل في أصل الحق إلا أنه يحميه مؤقتا، متى تحسس من تقديره لعناصر النزاع أن أحد الطرفين هو الأولى بالحماية، فينشئ بينهما مركزا وقتيا يسمح بتحمل المواعيد والإجراءات التي يقتضيها الفصل في الموضوع، فهو ليس ممنوعا من بحث الحقوق المتنازع عليها ومدى آثارها، بل له في هذا سلطات تقديرية مطلقة، لكنه مقيد بألا يقرر إلا حلولا وقتية لتحفظ تلك الحقوق حتى يفصل فيها موضوعا، حتى لو ترتب على تلك الحلول لحوق ضرر ما بأحد الطرفين.
وحيث إن للجهة الإدارية الحق في فسخ العقد، ومصادرة التأمين، وخصم فرق أولوية العطاء، وشطب الاسم، وهذه ليست إلا جزاءات تملك توقيعها على المتعاقد معها إذا تخلف عن الوفاء بما يفرضه عليه العقد، أو إذا استعمل الغش أو التلاعب في معاملته معها، وتعمَد جهة الإدارة إلى تضمين عقودها جزاءات تتلاءم مع طبيعة العقود الإدارية وهي إن كانت غير مألوفة فى العقود الخاصة، فإنها تبغي من تلك الجزاءات أن تحقق ضغطا على المتعاقد معها ليبذل جهده فى تنفيذ التزامه، يحدوها فى ذلك ما تسعى إليه من تحقيق احتياجات المرافق العامة وضمان حسن سيرها بانتظام واضطراد. وقد تستهدف بالجزاء العقاب على ما بدر من غش أو تلاعب. وتلك الجزاءات منها ما يتعلق بمرحلة إبرام العقد، ومنها ما يتعلق بمرحلة تنفيذ العقد. وللقضاء الإداري بسط رقابته على الجهة الإدارية في استعمالها لسلطتها في توقيع الجزاءات على المتعاقد معها أو مقدم العطاء، ولا تقف هذه الرقابة عند حد التأكد من مدى مشروعية الجزاء، بل تمتد في بعض الأحوال إلى مراقبة مدى ملاءمته للتقصير المنسوب إلى المتعاقد معها أو مقدم العطاء.
وحيث إن المادة رقم (24) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، تنص على أن: “يفسخ العقد تلقائيا فى الحالتين الآتيتين:
(أ) إذا ثبت أن المتعاقد استعمل بنفسه أو بواسطة غيره الغش أو التلاعب فى تعامله مع الجهة المتعاقدة أو في حصوله على العقد.
(ب) إذا أفلس المتعاقد أو أعسر.
ويشطب اسم المتعاقد في الحالة المنصوص عليها فى البند (أ) من سجل الموردين أو المقاولين. وتخطر الهيئة العامة للخدمات الحكومية بذلك لنشر قرار الشطب بطريق النشرات المصلحية.
ويتم بناء على طلب المتعاقد الذي شطب اسمه إعادة قيده في سجل الموردين أو المقاولين إذا انتفى سبب الشطب بصدور قرار من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده أو بحفظها إداريا أو بصدور حكم نهائي ببراءته مما نسب إليه، على أن يعرض قرار إعادة القيد على الهيئة العامة للخدمات الحكومية لنشره بطريق النشرات المصلحية”.
وتنص المادة (55) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998 على أنه: “على مقدم العطاء مراعاة ما يلى فى إعداده لقائمة الأسعار (جدول الفئات) التى يتم وضعها داخل المظروف المالي:…5- يبين فى قائمة الأسعار ما إذا كان الصنف مصنوعا فى مصر أو فى الخارج. ويترتب على عدم صحة هذه البيانات كلها أو بعضها رفض الصنف علاوة على شطب اسم مقدم العطاء من سجل الموردين”.
وأوجبت المادة (6) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه على إدارة المشتريات بكل جهة من الجهات التي تطبق عليها أحكام هذه اللائحة أن تمسك السجلات والنماذج المحددة بهذه المادة، ومن بينها سجل (3) مشتريات لقيد الممنوعين من التعامل، وتثبت به الجهة المصدرة لقرار حظر التعامل، وتاريخ صدوره ورقمه، ورقم الكتاب الدوري الصادر عن الهيئة العامة للخدمات الحكومية بنشر قرار الحظر، وأسباب حظر التعامل.
كما أوجبت المادة (14) من القانون المذكور على الهيئة العامة للخدمات الحكومية أن تمسك سجلا لقيد أسماء الممنوعين من التعامل مع أية جهة من الجهات المذكورة، سواء كان المنع بنص فى القانون أم بموجب قرارات إدارية تطبيقا لأحكامه، وتتولى الهيئة نشر هذه القرارات بطريق النشرات المصلحية، ويحظر التعامل مع المقيدين فى هذا السجل.
وطبقا للمادة (135) من اللائحة تخطر الهيئة العامة للخدمات الحكومية بالقرارات التي تصدرها الجهات المعنية -بعد أخذ رأي إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة- بشطب أو إعادة قيد أسماء المتعاقدين، وتتولى الهيئة نشر هذه القرارات على وفق أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات.
وحيث إن المشرع رتب على الحالات المبينة في المادة (24) من القانون المشار إليه نوعين من الجزاءات: (الأول) فسخ العقد في حالتين. و(الثاني) هو الشطب من سجل المتعهدين أو المقاولين إذا ثبت أن المتعاقد استعمل بنفسه أو بواسطة غيره الغش أو التلاعب فى تعامله مع الجهة المتعاقدة أو فى حصوله على العقد (الحالة الأولى من حالات الفسخ)، وإذا كان الجزاء الأول المتعلق بالفسخ لا يرد بالضرورة إلا على عقد قائم، فإن الجزاء الثاني المتمثل في الشطب لا يتطلب حتما وجود مثل هذا العقد، بل يمكن توقيعه سواء في ظل عقد قائم أو في أية مرحلة من مراحل تكوين العقد؛ لأن العقد الإداري يتكون من عملية قانونية مركبة يصح في إحدى مراحلها توقيع الجزاء إذا تحقق موجبه، كما في حالة الشطب بسبب وقوع الغش أو التلاعب المنصوص عليه في المادة (24) المشار إليها، أو في حالة مصادرة التأمين المؤقت بسبب امتناع صاحب العطاء المقبول عن دفع التأمين النهائي المنصوص عليها في المادة (21) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، دون حاجة إلي أن يكون العقد قد تم إبرامه والتوقيع عليه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مجرد مخالفة المواصفات لا يشكل غشا أو تلاعبا يدعو إلى شطب اسم المورد أو المقاول من قائمة المتعاملين مع الإدارة، وأنه يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات إلى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد أو المقاول بهذه المخالفة، بما ينطوي عليه هذا العلم من خداع من جانب المورد في حقيقة الشيء المسلَّم، من حيث نوعه أو صفاته الجوهرية التي جرى التعاقد عليها، أو أن يأتي المتعهد أو المقاول أعمالا تنم عن عدم التزام الجادة في تنفيذ التزاماته ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة، ففي هذه الحالات يتوفر سوء القصد الدال على استعمال الغش أو التلاعب المبرر لعدم التعامل مع المورد أو المقاول.
وحيث إنه لا ريب في سلطة الإدارة في توقيع جزاء الشطب على المتعاقد معها إن تحققت أسبابه، إلا أنه في النزاع الماثل قد وقعت الجهة الإدارية جزاء الشطب من سجلات الموردين والمقاولين على مقاول الباطن، وهو ما يقتضى الفصل في سلطة الجهة الإدارية في توقيع الجزاء على مقاول الباطن.
وحيث إن المادة (661) من القانون المدني تنص على أنه: “1- يجوز للمقاول أن يَكِلَ تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن، إذا لم يمنعه من ذلك شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية. 2- ولكنه يبقى في هذه الحالة مسئولا عن المقاول من الباطن قبل رب العمل”.
وتنص الفقرة الثانية من المادة (38) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 على أنه: “ويحظر التنازل لغير هذه الجهات (الجهات التي تطبق عليها أحكام هذا القانون) عن العقود التي تتم فيما بينها”.
وتنص المادة (76) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون على أنه: “لا يجوز للمتعاقد النزول عن العقد أو عن المبالغ المستحقة له كلها أو بعضها، ومع ذلك يجوز أن يتنازل عن تلك المبالغ لأحد البنوك، ويكتفى في هذه الحالة بتصديق البنك، دون الإخلال بمسئولية المتعاقد عن تنفيذ العقد، كما لا يخل قبول نزوله عن المبلغ المستحق له بما يكون للجهة الإدارية قبله من حقوق”.
وحيث إن المشرع حظر التنازل عن عقد المقاولة المبرم مع جهة الإدارة؛ حتى لا تكون العقود الإدارية مجالا للوساطات والمضاربات، وذلك بأن يتنازل المقاول للغير عن عقد المقاولة بما يشتمل عليه من حقوق أو التزامات، ليحل المقاول المتنازل له محل المقاول المتنازل في العقد، ويصبح المتنازل له هو المقاول في حقوقه والتزاماته تجاه رب العمل، ويختفي المقاول المتنازل ولا يعود له شأن في المقاولة التي انتقلت بجميع ما يترتب عليها من آثار إلى المقاول المتنازل له، وتنتفي مسئولية المتنازل عن تنفيذ العقد قبل رب العمل.
ولم يمنع المشرع حوالة الحقوق المالية للمتعاقد مع جهة الإدارة إلى البنوك، التي تكون غالبا هي الممولة ماليا لهذا المتعاقد في الاتفاق على الأعمال محل العقد، وهي مصدرة خطابات الضمان الابتدائية والنهائية.
وحيث إن المشرع وإن حظر التنازل عن العقد على النحو المبين سالفا إلا أنه لم يمنع المقاول المتعاقد مع جهة الإدارة من أن يسند بعض الأعمال إلى مقاول باطن، فإذا وجد نص في العقد يلزم المقاول القيام بالعمل المتفق عليه بنفسه، وحظر عليه أن يسند تنفيذه في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن، وجب إعمال هذا الاتفاق، وإنزال الجزاء المقرر على وقوع المخالفة.
والأصل أن عقد الأشغال العامة وهو عقد مقاولة، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الذي أبرم العقد في ظله، يحكمان العلاقة بين رب العمل (جهة الإدارة) والمقاول الأصلي، وأن العلاقة بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن يحكمها عقد المقاولة من الباطن، وأنه لا تقوم علاقة مباشرة بين رب العمل في عقد الأشغال العامة ومقاول الباطن؛ إذ لا يربطهما أي تعاقد قد يسمح لأيهما بمطالبة الآخر مباشرةً بتنفيذ التزامه، فلا يطالب رب العمل (جهة الإدارة) المقاول من الباطن مباشرة بالتزاماته، بل يطالبه بها المقاول الأصلي، كما أن مقاول الباطن ليس طرفا في عقد الأشغال العامة، فلا يطالب رب العمل (جهة الإدارة) مباشرة بالتزاماته، وليس من سبيل أمام رب العمل أو المقاول من الباطن –طبقا لهذا الأصل– سوى الدعوى غير المباشرة لمطالبة أيهما بما هو مستحق في ذمته للمقاول الأصلي، وهذه الدعوى غير المباشرة يستعملها باسم مدينه (المقاول الأصلي) باعتباره نائبا عنه، فإن رفعها باسمه شخصيا وجب إدخاله فيها، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة.
واستثناءً من ذلك أعطى المشرع مقاول الباطن حق رفع دعوى مباشرة وحق امتياز يجنبانه مزاحمة دائني المقاول الأصلي، بشرط أن تكون ذمة رب العمل مشغولة بدين للمقاول الأصلي ناشئ عن عقد المقاولة (عقد الأشغال العامة في القانون العام) وقت رفع الدعوى، فنصت المادة (662) من القانون المدني على أن: “1- يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل، حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذي يكون مدينا به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى…”.
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، فإن المقاول الأصلي يبقى ملتزما نحو صاحب العمل، والتزاماته تنشأ من عقد المقاولة الأصلي، لا من عقد المقاولة من الباطن، فيلتزم نحو صاحب العمل بإنجاز العمل محل عقد المقاولة الأصلي، ويدخل في ذلك العمل الذي أنجزه المقاول من الباطن، فإذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه بإنجاز العمل طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها، أو استعمل الغش أو التلاعب في تنفيذ التزاماته، كان المقاول الأصلي مسئولا عن ذلك نحو صاحب العمل، ومسئولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن مسئولية عقدية تنشأ من عقد المقاولة الأصلي، وتقوم على افتراض أن كل الأعمال والأخطاء التي تصدر عن المقاول من الباطن تعد بالنسبة إلى صاحب العمل أعمالا وأخطاءً صدرت عن المقاول الأصلي، في كون هذا مسئولا عنها قبله، ومن ثم فلا يملك رب العمل توقيع الجزاءات المقررة تعاقديا في علاقته بالمقاول الأصلي على مقاول الباطن، بل يكون له توقيع الجزاءات المقررة قانونا أو تعاقديا على المتعاقد معه، وهو المقاول الأصلي، دون غيره من مقاولى الباطن.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان البين من ظاهر الأوراق أن الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي للقاهرة الكبرى والإسكندرية قد تعاقد على تنفيذ مشروع توسعات محطة مياه الشرب بالأميرية مع شركة المقاولات المصرية–مختار إبراهيم (المقاول الأصلي)، وكان الجهاز قد أصدر قراره بشطب شركة… الطاعنة (مقاول الباطن) من سجل الموردين والمقاولين كمقاول رئيسى أو مقاول من الباطن وذلك في المشروعات التي يقوم الجهاز بتنفيذها، وكان البين مما تقدم أنه إذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه بإنجاز العمل طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها، أو استعمل الغش أو التلاعب في تنفيذ التزاماته، كان المقاول الأصلي مسئولا مسئولية عقدية عن ذلك نحو صاحب العمل، على افتراض أن كل الأعمال والأخطاء التي تصدر عن المقاول من الباطن تعد بالنسبة إلى صاحب العمل أعمالا وأخطاءً صدرت عن المقاول الأصلي، ومن ثم فلا تملك جهة الإدارة بصفتها رب العمل توقيع جزاء الشطب المقرر قانونا على مقاول الباطن، بل يكون لها توقيع الجزاءات المقررة قانونا أو تعاقديا على المتعاقد معها، وهو المقاول الأصلي دون غيره من مقاولى الباطن.
ولما كان مركز مقاول الباطن هو الأَوْلى بالحماية في النزاع الماثل؛ بحسبان أن بقاء الشطب قائما يترتب عليه خطر محدق يلحق بمقاول الباطن يمنعه من مباشرة نشاطه في التعامل مع الجهات الحكومية على الرغم من حفظ النيابة للتحقيق، مما يوجب على قاضي العقد اتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير وتدعو إليها الضرورة لدفع هذا الخطر وحمايته للحق إلى أن يفصل في موضوعه، وهو ما يستوجب وقف تنفيذ قرار الشطب من ذلك السجل إلى أن يفصل في الموضوع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر، مما يستوجب إلغاءه، والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وفي الطلب المستعجل بقبوله شكلا، ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
(ثانيا) إلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتى التقاضي عن الطلب المستعجل.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |