مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعن رقم 3803 لسنة 35 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الطعنان رقما 2349 و 2462 لسنة 33 القضائية (عليا)
مارس 25, 2020

الطعن رقم 3411 لسنة 31 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 1 من إبريل سنة 1993

الطعن رقم 3411 لسنة 31 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد معروف محمد ومحمد عبد الغني حسن ومحمد محمود الدكروري ومحمد مجدي خليل وعبد اللطيف الخطيب وعلي شحاتة وعلي رضا عبد الرحمن وأحمد عبد العزيز تاج الدين وحنا ناشد مينا ورأفت السيد يوسف.

نواب رئيس مجلس الدولة

…………………………………………………………………

المبادئ المستخلصة:

 (أ) براءات الاختراع– نظم منحها- هناك نظامان رئيسان في العالم فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع: (أولهما) يقوم على منح البراءة بمجرد الإيداع دون فحص أو معارضة. و(ثانيهما) يقوم على منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توفر العناصر الموضوعية التي يستلزمها القانون في الاختراع مع فتح باب المعارضة- نهَج المشرع المصري طريقا وسطا بينهما، يأخذ بنظام الإيداع المقيد بشروط خاصة، مع فتح باب المعارضة للغير.

  • المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955([1]).

(ب) براءات الاختراع– منحها- اختصاص إدارة براءات الاختراع- تختص بالتحقق من توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة فضلا عن الشروط الشكلية– المشرع وإن لم يلزم الإدارة المختصة التحقق من توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة، إلا أنه لم يمنعها من التثبت من توفر شروط: الابتكارية والجدة والقابلية للاستغلال الصناعي، وهي من الشروط الموضوعية، وألزمها أن تبني قرارها على أساس من الفحص والبحث.

  • المواد 1 و 15 و 18 و 20 من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955([2]).

(جـ) براءات الاختراع– منحها- تمارس الجهة الإدارية المختصة بمنح براءات الاختراع اختصاصاتها سواء بالنسبة للشروط الشكلية أو الموضوعية تحت رقابة القضاء الإداري- القرار الصادر في هذا الشأن هو قرار إداري يخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضا– لا يسوغ القضاء بإلغاء قرار تلك الجهة تأسيسا فقط على أنها جاوزت اختصاصها بتصديها لبحث توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة.

  • المادة 68 من دستور 1971.

(د) قواعد أصولية([3])– ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما هو مقدمة أو سبب سابق وحتمي للنتيجة بحسب طبائع الأمور، أو مقتضيات التنظيم الوضعي، يكون على وفق المنطق حتما واجبا ومحققا وموجودا بمجرد ثبوت وجود النتيجة ذاتها التي تترتب عليه.

الإجراءات

بتاريخ 3 من أغسطس سنة 1985 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها تحت رقم 3411 لسنة 31 القضائية عليا ضد… في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 4/6/1985 في الدعوى رقم 4744 لسنة 36 القضائية، الذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا، وبقبولها، وإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات.

وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) وعينت لنظره أمامها جلسة 14/10/1989، وتداولت الدائرة نظره بجلسات المرافعة واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 23/12/1989 قررت إحالته إلى الدائرة الخاصة المشكلة طبقا للمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، حيث نظرته بجلسة 14/2/1990، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه لأسبابه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات.

وقد تداولت المحكمة نظر الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبعد أن استمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات قررت إصدار الحكم بجلسة 1/4/1993، وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

ومن حيث إن حالة هذا الطعن قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة لنظره أمام هذه الدائرة.

ومن حيث إن عناصر المنازعة -حسبما يبين من أوراقها- تتحصل في أنه بتاريخ 8 من يوليو سنة 1982 أقامت السيدة/… الدعوى رقم 4474 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بصحيفة أودعتها قلم كتاب المحكمة، طلبت في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء قرار إدارة براءات الاختراع برفض منح براءة اختراع عن الطلب رقم 334 لسنة 1978، مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وقالت شرحا لدعواها إنها أودعت بتاريخ 24 من مايو سنة 1978 الطلب رقم 334 لسنة 1978 باسم السيد/… الفرنسي الجنسية لدى إدارة براءات الاختراع بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا للحصول على براءة اختراع عن (هياكل قطع أثاث) طبقا لأحكام القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع، وبتاريخ 17 من إبريل سنة 1982 أخطرتها جهة الإدارة برفض طلبها بمقولة إن الاختراع الذي تقدمت به لا يرقى إلى مستوى الابتكارية؛ إذ يوجد في الحدائق والنوادي من مدة طويلة، وما هو إلا نموذج صناعي، فبادرت بالتظلم من هذا القرار بتاريخ 25 من مايو سنة 1982 إلا أنها لم تتلق ردا على تظلمها، فأقامت الدعوى بالطلبات السابقة، مستندة إلى أسباب محصلها أن الاختراع تتوفر فيه جميع الشروط التي تطلبها القانون لتسجيله والحصول على براءة عنه، سواء من ناحية توفر “الابتكار” أو من ناحية تحقق شرطي “الجدة”، و”القابلية للاستغلال الصناعي”؛ فهو يتعلق بهياكل وتراكيب قطع الأثاث الخاصة بالأماكن المفتوحة، ويتحقق ركن الابتكار فيه في كيفية تجميع أجزاء أنبوبية لمادة خاصة بلاستيكية حرارية، بحيث يكون الاتصال بين المكونات بواسطة جزء لعضو معين على شكل انحناء مسطح ويمر خلالها بواسطة عضو أنبوبي ثان ويمسك بالعضو الثاني بطريقة مرنة، وعندما يتم تجميع الأجزاء الأنبوبية فإنه يتم إحكامها إما بواسطة تثبيت الانحناءات السابق ذكرها أو بواسطة لصقها بالأنابيب التي تمر خلالها، وأن هدف الاختراع هو التغلب على هذه المصاعب بواسطة إنتاج هياكل أثاث يمكن فيها تجميع الأجزاء الأنبوبية بطريقة محكمة وفكها بطريقة سهلة، وأنه يتوفر للاختراع ركن الجدية؛ لأنه لم يعلن عنه من قبل تقديم طلب البراءة، كما تتوفر له شروط القابلية للاستغلال الصناعي؛ إذ إنه سهل التصنيع والتنفيذ، وأن التشريع المصري لم يأخذ بنظام الفحص السابق للاختراع المطلوب تسجيله للتحقق من توفر شروط الابتكار والجدة والقابلية للاستغلال الصناعي، ولكنه أخذ بنظام الإبداع المقيد بشروط خاصة مع فتح باب المعارضة للغير، وبالتالي فليس من سلطة الإدارة البحث في موضوع الاختراع نفسه، وليس من اختصاصها أن تقرر ما إذا كان الاختراع يتضمن أو لا يتضمن العناصر التي يتطلبها القانون لاعتباره ابتكارا، إذ إن مناقشة ذلك لا يكون إلا عند حصول اعتراض من الغير أمام لجنة الاعتراضات أو أمام القضاء، وإنما يقتصر دورها على التأكد من استيفاء الإجراءات الشكلية في الطلب، ولذلك فإنه لا يحق لها أن تدعي عن حق أو عن باطل أن الاختراع لا يرقى إلى مستوى الابتكارية.

……………………………….

وبجلسة 4 من يونيه سنة 1985 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين على أسباب محصلها أن المشرع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع بنظام “الفحص السابق”، ومن مظاهر ذلك أنه لم يُلقِ على عاتق الإدارة واجب التثبت من أن طلب البراءة ينصب على ابتكار جديد من الناحية الموضوعية، وإنما ناط بها فقط التحقق من توفر الشروط الإجرائية التي أوردتها المادة (18) من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، والتي تتعلق بوضوح الوصف والرسم للاختراع وتعيين موضوعه، فإذا ما توفرت هذه الشروط مجتمعة تعين عليها طبقا للمادة (20) من القانون أن تقوم بالإعلان عن الطلب بالطريقة التي حددتها اللائحة التنفيذية؛ تمكينا لذوي الشأن من المعارضة في إصدار البراءة، وبذلك لا يكون المشرع قد تطلب في إصدار البراءة أن يكون قد سبقها فحص للوقوف على مدى توفر الشروط الموضوعية في الاختراع، وعليه فإن قبول الإدارة منح البراءة لا يؤخذ في حد ذاته حجة أو دليلا على توفر شرطي الابتكار والجدة في الاختراع موضوع البراءة، ومن ثم فإنه ما كان يجوز قانونا لإدارة براءات الاختراع أن ترفض تسجيل طلب البراءة المقدم من المدعية استنادا إلى أنه لا يرقى إلى مستوى الابتكارية، مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار الضمني برفض تسجيل براءة الاختراع المقدم عنها الطلب رقم 334 لسنة 1978.

……………………………….

ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، تأسيسا على أنه ولئن كان المشرع لم يأخذ بنظام الفحص السابق في منح براءات الاختراع، إلا أنه يبقى للإدارة المختصة بفحص طلب البراءة أن تتحقق من أنه مقدَّم عن اختراع في حد ذاته، والتفرقة بينه وبين النماذج والرسوم الصناعية التي حواها القانون، والقول بغير ذلك يتنافى وقصد الشارع في الأخذ بنظام الإبداع المقيد بشروط، الذي يوجب لمنح البراءة أن يكون هناك ابتكار أو اختراع جديد، وقابل للاستغلال الصناعي، وأن يجيز القانون منح براءة عنه.

وإذ كان الثابت من ملف طلب البراءة رقم 334 لسنة 1978 أن موضوع الاختراع عبارة عن هيكل أثاث (كرسي حدائق أو نوادي) ليس فيه ابتكارية، وغير جديد، وكل ما أتى به صاحبه هو تعديل طريقة تثبيت هذه الهياكل بحيث يمكن تجميعها وفكها بطريقة مرنة، فلا يعدو أن يكون مجرد تنقيح أو تعديل في نطاق الصناعة مما يخرج عن نطاق الاختراع، ويدخل في نطاق الرسوم والنماذج الصناعية، وأنه أيا كان النظام الذي انتهجه المشرع المصري، فلا يجوز أن تسلب الجهة الإدارية المختصة سلطة بحث مدى توفر الاشتراطات التي تطلبها القانون رقم 132 لسنة 1949 المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 بمقولة إنه لم يأخذ بنظام الفحص السابق؛ إذ لا يمكن أن يقتصر دور إدارة براءات الاختراع على منح براءة لكل من يتقدم لها بأي شيء يعتقد أنه اختراع وهو في الحقيقة غير ذلك، وسلب أي اختصاص لها من الناحية الفنية أو حصره في عملية مادية هي مجرد التسجيل أو منح البراءة، مما يؤدي إلى إفراغ الحماية القانونية من مضمونها وانهيار نظام براءات الاختراع.

……………………………….

ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل هو في تحديد مدى اختصاص الجهة الإدارية (إدارة براءات الاختراع) ببحث توفر شروط منح البراءة من عدمه، وما إذا كان هذا الاختصاص يقتصر على بحث توفر الشروط الشكلية التي نصت عليها المادة (15) من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 ولائحته التنفيذية، بحيث يتعين على الجهة الإدارية المختصة أن تمنح البراءة لطالبها إذا ما استبان لها توفر الشروط الشكلية المذكورة في طلبه، وتغل يدها عن بحث توفر الشروط الموضوعية التي استلزمها نص المادة الأولى من القانون في الاختراع المطلوب عنه البراءة، ألا وهي أن يكون الاختراع مبتكرا، جديدا، قابلا للاستغلال الصناعي، وألا يحظر القانون منح براءة عنه، وهو الاتجاه الذي اعتنقه قضاء الحكم المطعون عليه موافقا في ذلك قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 3/4/1965 في الطعن رقم 1596 لسنة 7 ق عليا، أم أن هذا الاختصاص يمتد فيشمل -فضلا عن بحث توفر الشروط الشكلية لمنح البراءة- بحث توفر الشروط الموضوعية المنوه عنها.

ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم 132 لسنة 1949 المشار إليه تنص على أن: “تمنح براءة اختراع وفقا لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي، سواء أكان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة، أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة، أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة”.

وتنص المادة (18) من هذا القانون على أن: “تفحص إدارة براءات الاختراع طلب البراءة ومرفقاته للتحقق مما يأتي:

1) أن الطلب مقدم وفقا لأحكام المادة 15 من هذا القانون.

2) أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه.

3) أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة واضحة محددة”.

وتنص المادة (20) من القانون نفسه على أنه: “إذا توافرت في طلب البراءة الشروط المنصوص عليها في المادة (18) من هذا القانون قامت إدارة براءات الاختراع بالإعلان عن الطلب بالطريقة التي تحددها اللائحة التنفيذية”.

ومن حيث إن مفاد نصي المادتين (18) و (20) من القانون رقم 132 لسنة 1949 المشار إليه أن إدارة براءات الاختراع تختص بشكل قاطع بالتحقق من أمور ثلاثة: (الأول) هو أن الطلب مقدم على وفق أحكام المادة (15) من القانون. (الثاني) هو أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه. (الثالث) هو أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة محددة واضحة.

والأمر الأول هو ما جرت الأحكام على تسميته بالشروط الشكلية، وأجمعت على اختصاص إدارة براءات الاختراع بالتحقق من توفرها، والأمر الثاني إذ يتعلق بصريح النص باختصاص تلك الإدارة بالتحقق من أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه، فلا ريب في أن هذا الاختصاص بالفحص إنما يشتمل -بداءة- بالضرورة وبحكم اللزوم التحقق من توفر شرط قابلية الاختراع للاستغلال الصناعي، وبدونه فإنه لا يمكن -بداهة- التحقق من أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه؛ إذ إنه لا يمكن التحقق من وضوح هذا التصوير في الوصف والرسم إذا لم يكن الاختراع قابلا في ذاته للاستغلال الصناعي.

ومقتضى ذلك ولازمه أن يندمج الأمران معا، ويضحى كلاهما من اختصاص إدارة براءات الاختراع -بصريح نص القانون-؛ ذلك أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما هو مقدمة أو سبب سابق وحتمي للنتيجة بحسب طبائع الأمور، أو مقتضيات التنظيم الوضعي، يكون على وفق المنطق حتما واجبا ومحققا وموجودا بمجرد ثبوت وجود النتيجة ذاتها التي تترتب عليه.

أما عن الأمر الثالث فهو يتعلق بصريح النص كذلك باختصاص تلك الإدارة بالتحقق من أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة محددة واضحة، فصريح النص يعهد إلى تلك الإدارة الاختصاص بالتحقق من تحديد ووضوح العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها، وهذا يفترض بالضرورة أن يتناول هذا الاختصاص التحقق من أن تلك العناصر مبتكرة في ذاتها؛ إذ لا معنى للتحقق من تحديد ووضوح عناصر ليست كذلك، وإلا أضحى النص لغوا والمشرع منزه عن اللغو والعبث، ولا ريب كذلك في اختصاص تلك الإدارة بالتحقق من توفر شرط الجدة في الاختراع الذي تطلبه القانون، والتحقق من أن القانون لا يحظر منح براءة عن هذا الاختراع؛ إذ لا يتصور في المنطق السليم في إطار المشروعية إلزام تلك الإدارة منح براءة عن اختراع فقد جدته، أو يحظر القانون منح براءة عنه.

ومن حيث إن حاصل ما تقدم أن صريح نص المادة (18) المشار إليه ينوط صراحة بتلك الإدارة التحقق من توفر شرطي قابلية الاختراع للاستغلال الصناعي، وابتكارية العناصر التي يطلب صاحب الشأن حمايتها، وهما من الشروط الموضوعية لمنح البراءة كما حددها صريح نص المادة (1) من القانون رقم 132 لسنة 1949، وليس في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور ما يناقض ذلك أو ينفيه، بل إن ما ورد بها لا يدع مجالا للشك في اتجاه إرادة المشرع إليه، حيث ورد بها أن هناك نظامان رئيسيان فيما يتعلق ببراءات الاختراع، (أحدهما) النظام الفرنسي، وهو يقوم على منح البراءة بمجرد “الإيداع” دون فحص أو معارضته، و(الثاني) النظام الإنجليزي، وهو يقوم على منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توفر العناصر الموضوعية التي يستلزمها القانون في الاختراع، مع فتح باب المعارضة.

وإذا كان من غير الملائم أن تأخذ مصر -وهي في إبان نهضتها الصناعية- بالنظام الفرنسي الذي بدأت الدول تعدل عنه، كما أنه ليس من الميسور عملا أن تبدأ بالأخذ بالنظام الإنجليزي، وإذ كان ذلك كذلك فقد رؤي اتباع طريق وسط، ولهذا آثر المشرع أن يأخذ بنظام “الإيداع المقيد” بشروط خاصة، ولكنه زاد عليها ففتح باب المعارضة للغير، كما هو الشأن في قوانين المجر ويوغسلافيا وجنوب إفريقيا، وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج الفحص الكامل، وقد توخى المشرع أن يكون بالإدارة الحكومية القائمة على التنفيذ لجنة تفصل في المنازعات المتعاقبة ببراءة الاختراع مع إجازة الطعن أحيانا في قراراتها أمام القضاء، والنظام المقترح يؤدي إلى تدريب الإدارة الحكومية الجديدة، وتكوين نواة من الفنيين تمكن في المستقبل من الأخذ بالنظام الإنجليزي المعتبر في المجال الدولي نظاما نموذجيا، وأن ما جاء بالمذكرة الإيضاحية على هذا النحو -وإن صح أن يستخلص منه أن المشرع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع بنظام الفحص السابق فلم يُلقِ على عاتق الإدارة المختصة بهذه البراءات واجب التثبت من أن طلب البراءة ينصب على ابتكار جديد حسبما أورده قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 3/4/1965 في الطعن رقم 1596 لسنة 7 القضائية- إلا أن عدم الأخذ بنظام الفحص السابق لا يمنع الإدارة المختصة من التثبت من أن طلب البراءة تتوفر فيه شروط الابتكارية والجدة والقابلية للاستغلال الصناعي حسبما تقضي نصوص المواد 1 و 18 و 20 من القانون المشار إليه؛ إذ إن قرار الجهة الإدارية يحتم ويفترض أن يشمل أسباب قيام تلك الشروط أو عدم قيامها وتحققها، بل إن في عبارات المذكرة الإيضاحية ما يحتم على الإدارة المختصة التحقق والتثبت من تلك الشروط كلما أمكنها ذلك؛ إذ وردت بها عبارتا: “وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج الفحص الكامل” و “وتكوين نواة من الفنيين تمكن في المستقبل من الأخذ بالنظام الإنجليزي المعتبر في المجال الدولي نظاما نموذجيا”، ومن ثم فإن المستفاد بوضوح من عبارات هذه المذكرة الإيضاحية أن المشرع وإن لم يلزم الإدارة المختصة التحقق من توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة، إلا أنه لم يمنعها منه، بل حتم عليها أن ينبني قرارها على أساس من الفحص والبحث لتبين أساس وأسباب قرارها، وهذا هو الطريق الوسط بين النظامين الفرنسي والإنجليزي الذي قررت المذكرة الإيضاحية للقانون صراحة أن المشرع قد اختار اتباعه.

ومن حيث إنه غني عن القول أن الجهة الإدارية المختصة بمنح براءات الاختراع تمارس اختصاصاتها المشار إليها سواء بالنسبة للشروط الشكلية في الطلب أم بالنسبة للشروط الموضوعية فيه تحت رقابة المشروعية التي يختص بولايتها القضاء الإداري فليس لقرارها في هذا الشأن حصانة مانعة أو حجية قاطعة تمنع من خضوعه لرقابة المشروعية أو تحول دون الطعن عليه أمام القضاء الإداري الذي يقضي بصحة هذا القرار إذا كان مطابقا للقانون أو بإلغائه إذا كان مخالفا لصحيح حكم القانون إذ هو قرار إداري مثل غيره من القرارات التي تخضع في ظل سيادة القانون لرقابة الإلغاء والتعويض والتي لا يجوز النص على إخراجها من نطاق هذه الرقابة أو تحصينها على وفق صحيح نص أحكام المادة (68) من الدستور التي حظرت على المشرع هذا التحصين.

ومن حيث إنه على هذا المقتضى فإنه لا يسوغ القضاء بإلغاء قرار الجهة الإدارية المختصة بمنح براءات الاختراع تأسيسا على أنها جاوزت اختصاصها بتصديها لبحث توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باختصاص إدارة براءات الاختراع بالتحقق من توفر الشروط الموضوعية في طلب البراءة فضلا عن الشروط الشكلية طبقا لأحكام المواد 1 و15 و18 و20 من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم (65) لسنة 1955 ولائحته التنفيذية وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل في موضوعه.

([1]) ألغي القانون رقم 132 لسنة 1949 بموجب المادة الثانية من القانون رقم (82) لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

([2]) ألغي القانون رقم 132 لسنة 1949 بموجب المادة الثانية من القانون رقم (82) لسنة 2002 بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

([3]) القاعدة في اللغة هي الأساس، وفي الاصطلاح: قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها (راجع التعريفات للجرجاني، باب القاف، والمعجم الوسيط، مادة: قَعَد).

وتمتاز القاعدة بأنها من جوامع الكلِم، فهي تصاغ في جملة مفيدة موجزة مكونة من كلمة أو كلمات من ألفاظ العموم.

والقواعد الأصولية هي: قواعد استدلالية يُتوصل من خلالها إلى الكشف عن الأحكام الشرعية، كليِّها وجزئيِّها. ومن القواعد الأصولية: قاعدة (الأمر المطلق يفيد الوجوب) وقاعدة (النهي المطلق يفيد التحريم) وقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فهذه القواعد قواعد استدلالية وليست أحكاما فقهية كلية، فهي وسيلة للكشف عن الحكم وليس ذات الحكم.

والقواعد الأصولية بهذا المفهوم تختلف عن القاعدة الفقهية التي هي: بيان لحكم شرعي كلي تتفرع عنه الكثير من الأحكام الجزئية التي يتحقق فيها المعنى الكلي العام.

والقواعد الفقهية كثيرة العدد ولا تحصى، والقواعد الفقهية الخمس الكبرى هي: (الأمور بمقاصدها) و (الضرر يُزال) و (اليقين لا يزول بالشك) و (المشقة تجلب التيسير) و (العادة مُحَكَّمة)، وتحت كل منها تندرج قواعد أخرى.

والقواعد الأصولية متقدمة في وجودها على القواعد الفقهية؛ لأن معرفة الجزئيات متوقف على وجود القاعدة الأصولية، لأنها القيود التي أخذ الفقيه بها نفسه عند استنتاجه الحكم، في حين أن القواعد الفقهية متأخرة في وجودها على الفروع نفسها؛ لأنها جمع لأشتاتها وربْط بينها وجمع لمعانيها.

ومن العلماء من لم يرَ تفرقة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، ويرى أن القاعدة يمكن أن تكون أصولية من وجه وفقهية من وجه آخر.                                                               =

= ويفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة القانونية في أن القاعدة القانونية ما هي إلا نوع من أحكامِ جزئياتِ الوقائع، فهي تشبه الأحكام الفقهية الفرعية، أما القاعدة الفقهية فتمثل الأطر العامة التي تجمع أحكاما لجزئيات غير محدودة العدد.

(يراجع فيما سبق: د. محمد صدقي البورنو، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ط مؤسسة الرسالة، وعلي الندوي، القواعد الفقهية، ط دار القلم، ود. عبد العزيز عزام، القواعد الفقهية، ط دار الحديث).

Comments are closed.

xnxxbf