برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عادل فهيم محمد عزب، ود. محمد عبد الرحمن القفطي، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل.
نواب رئيس مجلس الدولة
جامعة الأزهر- شئون الطلاب- تأديب- فصل الطالب الذي يقوم بأعمال تخريبية- أجاز المشرع لرئيس جامعة الأزهر توقيع عقوبة الفصل على الطالب الذي يمارس أعمالا تخريبية تضر بالعملية التعليمية- أحاط المشرع هذا الإجراء بسياج من الضمانات التى تكفل تحقيق العدالة وحقوق الدفاع- هذا القرار قرارٌ إداري، يجوز التظلم منه أمام مجلس التأديب بالجامعة- تختص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن في القرار الذي يصدر عن مجلس التأديب في هذا الشأن- إذا لجأ الطالب إلى القضاء مباشرةً طعنًا في قرار رئيس الجامعة بالفصل، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي المختصة بنظر الدعوى([1]).
– المادتان رقما (71) و(99) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها.
– المادة رقم (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه، المضافة بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 134 لسنة 2014.
– المواد أرقام (245) و(246) و(248) و(249) و(250) و(251) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975، والمعدَّلة بموجب القرار رقم 79 لسنة 1983.
تفسير- من المبادئ المسلم بها في تفسير أحكام القانون: عدم الانحراف عن صريح عبارات النص، أو تفسيره على نحوٍ يتعارض مع عباراته الواضحة الصريحة والقاطعة الدلالة على المقصود منها إلى معانٍ أخرى؛ وإلا كان ذلك افتئاتًا على إرادة المشرع، وإحلالا لإرادة المفسر (قاضيًا كان أو غيره) محل السلطة التشريعية، دون سندٍ من الدستور أو القانون- لا اجتهاد مع صراحة النص التشريعي وقطعية دلالته على ما تقصده السلطة التشريعية من تقريره.
تفسير- يجب تفسيرُ النصوص الخاصة تفسيرًا ضيقًا، بحيث لا تُطَبَّقُ إلا على الحالات التي تضمنتها- ما يخرج عن هذه الحالات يكون مردُّهُ إلى القاعدة العامة.
تفسير- النص العام والنص الخاص([2])– إذا جاءت عبارةُ النص عامةً، فإنها تجري على عمومها، ما لم يوجد ما يخصصها- يُحمَل النص العام على عمومه، ويُستبعَد من نطاقه ما خصَّه المشرِّعُ بحكمٍ خاص.
تفسير- من القواعد الأصولية في التفسير أن إعمالَ النص خيرٌ من إهماله- تُشَكِّلُ نصوص التشريعات المختلفة في النهاية منظومةً تشريعية، تفرز نسيجًا قانونيًّا واحدًا تتكامل نصوصُهُ، فيُكمل بعضها بعضا، ولا تتصادم أو تتعارض.
تفسير- من أصول التفسير وجوبُ التوفيق بين النصوص القائمة لإزالة ما قد يبدو من تعارضٍ بين ألفاظها، وذلك بصرف كلِّ نصٍّ إلى غايته التى رمى المشرِّعُ إلى تحقيقها، فيُحمَل النص العام على عمومه، ويُستبعَد من نطاقه ما خصَّه المشرِّعُ بحكمٍ خاص.
تفسير- في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية، إذا وُجِدَ أكثرُ من وجهٍ لفهم النص، أحدهما يجعل النص مشوبًا بالتناقض ويبطل حكمه، والآخر يحمله على الصحة ويؤدي إلى إعماله، فإنه يتعين الالتزامُ بالمعنى الظاهر الذي يحمل النصَّ على الصحة وإعمال مقتضاه، مادامت عباراته تحتمل هذا الفهم؛ ذلك أن النصوص لا تُفهَم معزولةً بعضها عن بعض.
الطعن في الأحكام- الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا- أثر إلغاء الحكم المطعون فيه القاضي بعدم اختصاص المحكمة نوعيا بنظر الدعوى- إذا كان إلغاءُ حكم محكمة أول درجة راجعًا لمخالفته قواعد الاختصاص، فلا يسوغ للمحكمة الإدارية العليا التصدي لنظر الموضوع([3]).
في يوم الأربعاء الموافق 20/5/2015 أودع وكيلُ الطاعنة (بصفتها وصية على كريمتها القاصر) قلمَ كُتَّابِ المحكمة الإدارية العليا صحيفةَ الطعن الماثل، الذي قُيِّدَ بالرقم المشار إليه عاليه، وذلك طعنًا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) بجلسة 26/4/2015 في الشق العاجل من الدعوى رقم 27852 لسنة 69ق، القاضي منطوقه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وإلزام المدعية المصروفات.
وطلبت الطاعنةُ (بصفتها) في ختام تقرير الطعن -للأسباب الواردة به- الحكم (أولا) بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل كريمتها من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالجامعة المطعون ضدها فصلا نهائيًّا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استمرار قيدها بالكلية، مع إلزام الجامعة عمل لجنةٍ خاصة لأداء الطالبة الامتحانات التى لم تؤدها خلال العام الجامعي 2014/2015 بسبب فصلها، مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان. (ثانيًا) وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل الأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل في الموضوع بهيئةٍ مغايرة، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
تدوول نظر الطعن بالجلسات أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا -على النحو المبين بالمحاضر- التي قررت إحالته إلى هذه المحكمة، التي نظرته بجلسة 4/11/2015، وبها قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صَدَرَ وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
حيث إن الطعن الماثل قد استوفى أوضاعه المقررة قانونًا لقبوله، فمن ثم يغدو مقبولا شكلا.
وحيث إنه عن الموضوع، فإن عناصر هذه المنازعة إنما تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أن المدعية بصفتها (الطاعنة بصفتها) كانت قد أقامت الدعوى محل الحكم الطعين بموجب صحيفةٍ أودعتها قلمَ كُتَّاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة)، اختتمتها بطلب الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل كريمتها المذكورة من الجامعة فصلا نهائيًّا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تمكينها من دخول امتحانات العام الدراسي 2014/2015، وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وساقت شرحًا لدعواها أن كريمتها المذكورة كانت مُقيَّدةً بالفرقة الثانية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بجامعة الأزهر في العام الجامعي 2014/2015، ومشهودٌ لها بالتميز والسمو الأخلاقي والديني، وأنها مُلتحِقةٌ بجامعة الأزهر منارة العلم والإيمان، إلا أنها فوجئت عندما توجهت لأداء امتحانات الفصل الدراسي الأول بمنعها من دخول الكلية، وسألت عن السبب، فعلمت بصدور قرار بفصلها فصلا نهائيًّا من الجامعة، مما حداها على إقامة دعواها بالطلبات المتقدمة.
……………………………………………………..
وبجلسة 26/4/2015 أصدرت محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) حكمها المطعون فيه الوارد منطوقه سالفًا.
وشيَّدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نص المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، المضافة بالقرار بقانون رقم 134 لسنة 2014، المعمول به اعتبارًا من 23/10/2014- على أن مفاد هذه المادة أن المشرع منح رئيس الجامعة سلطة توقيع عقوبة الفصل من الجامعة على الطالب الذي يمارس أعمالا تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر، أو تستهدف منشآت الجامعة أو الامتحانات، أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة، أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة، أو المساهمة في أي أمر مما تقدم، وأوجب التعديل أن يكون توقيع عقوبة الفصل بعد تحقيقٍ تجريه الجامعة خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ الواقعة، يخطر به الطالب بخطاب مُوصَّى عليه، ويتعين على الطالب الطعن على هذا الجزاء أمام مجلس التأديب المختص بالجامعة، فإذا لم يرتض النتيجة التى ينتهي إليها المجلس، يحق له الطعن على حكم مجلس التأديب أمام المحكمة الإدارية العليا دائرة الموضوع، وأضافت المحكمة أنه متى كان من المستقر عليه أنه لا يجوز للمحكمة الأدنى درجةً أن تحيل إلى المحكمة الأعلى درجة؛ لأن القول بالتزام الأخيرة بما يُحال إليها يتعارض وسلطتها في التعقيب على هذا الحكم؛ الأمر الذي يتجافى مع طبائع الأشياء، ويخل بنظام التدرج القضائي، مما يتعين معه القضاء بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيًّا بنظر الدعوى دون إحالة، وأنه في ضوء الثابت بالأوراق أن كريمة الطاعنة القاصر كانت مُقيَّدةً بالفرقة الثانية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بجامعة الأزهر في العام الجامعي 2014/2015، ونسبت إليها الجامعة المدعى عليها قيامها في 9/11/2014 بالتظاهر في الحرم الجامعي بقصد تعطيل العملية التعليمية، ورفع علامات تشير إلى رابعة العدوية والتنديد بالجيش والشرطة والأزهر ونظام الحكم، ومحاولة إحداث الشغب والتخريب وتعطيل العملية التعليمية والتشويش على الطلاب، وبناءً عليه صدر القرار المطعون فيه من رئيس الجامعة المتضمن فصلها من الجامعة فصلا نهائيًّا، ولما كان القرار بقانون رقم 134 لسنة 2014 قد عهد بالاختصاص بنظر الطعن على قرار الفصل -بعد التظلم منه- لدائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا، فمن ثم تقضي المحكمة والحال كذلك بعدم اختصاصها بنظر الدعوى دون إحالة، وخلصت المحكمة لحكمها المطعون فيه.
……………………………………………………..
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى الطاعنة بصفتها، فأقامت طعنها الماثل ناعيةً عليه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال؛ لأسبابٍ حاصلها أنه طبقًا لصحيح حكم المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، المضافة بالقرار بقانون رقم 134 لسنة 2014، فإن مناط اختصاص المحكمة الإدارية العليا أن يتظلم الطالب من قرار رئيس الجامعة الصادر بالفصل أمام مجلس التأديب، ويصدر حكم عن مجلس التأديب في هذا التظلم، أما خلاف ذلك فإن قرار الفصل الصادر عن رئيس الجامعة لا يعدو عن كونه قرارًا إداريًّا، يخضع للقواعد العامة في تحديد الاختصاص بنظر الطعن فيه، وهو ما ينعقد إلى محكمة القضاء الإداري، وأن القول بتفسير النص المشار إليه على ضوء أنه لا يجوز أن يكون المدعى حرًّا في تحديد الاختصاص، فإنه في مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية، إذا ما وُجِدَ أكثرُ من وجهٍ لفهم النص، أحدهما يجعل النص مشوبًا بالتناقض ويبطل حكمه، والآخر يحمله على الصحة ويؤدي إلى إعماله، فإنه يتعين الالتزام بالمعنى الذي يحمل النص على الصحة وإعمال مقتضاه -على وفق ما أفتت به الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة-، وأنه متى كان ما تقدم، وباستقراء نص المادة (74 مكررًا) المذكور سالفًا فإنه لما كانت كلمةُ “يجوز” قد وردت في هذا النص عامةً غير محددة، وطبقًا لقواعد التفسير فإن العام يُحْمَلُ على عمومه ما لم يوجد ما يُخَصِّصُه، وعليه فإن هذا اللفظ لا يعني سلوك طريق واحد للطعن، حيث بدا منه مقصد المشرع من منح الطالب حق الخيار بين أكثر من طريق للطعن، ولو أراد المشرع غير هذا لَنَصَّ على ذلك باستخدام لفظٍ يحقق المعنى المقصود، وهو ما ذهب إليه المشرِّعُ في عجز النص نفسه من استخدام لفظ “ويكون” الطعن على أحكام مجلس التأديب أمام المحكمة الإدارية العليا -دائرة الموضوع-، والمغايرة في اللفظ من المشرع تعني المغايرة في الحكم، وأضافت الطاعنة بصفتها أن لفظ “يجوز” الذي استخدمه المشرع في حالة الطعن على قرار رئيس الجامعة لا يعني إلا معنًى واحدًا هو حرية الطالب في اختيار طريق الطعن على قرار رئيس الجامعة بالفصل النهائي، أمام مجلس التأديب، أو اللجوء إلى محكمة القضاء الإداري مباشرةً باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل في هذا الشأن، وأنه لما كان اختصاصُها أصيلا في مجال طلبات إلغاء القرارات الإدارية، فإنه لا يجوز سلب هذا الاختصاص إلا بنصٍّ صريح، لا يتطرق إليه شكٌّ ولا يلتبس معه فهمٌ؛ ذلك أن هذا النص يكون على خلاف الأصل، فضلا عن أن نص المادة المشار إليها أضاف طريقًا استثنائيًّا للطعن على القرار الإداري بطلب إلغائه، وأفرد له مجلسَ تأديبٍ بتشكيلٍ خاص، من بين أعضائه عضوٌ بمجلس الدولة، وهذا النص لا يخرج عن كونه طريقًا استثنائيًّا لا يغِلُّ يدَ المدعي عن اللجوء إلى الطريق الأصلي للطعن بالإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري، وبعد أن ألمحت الطاعنة بصفتها لتوفر ركني الجدية والاستعجال في طلبها، اختتمت صحيفة طعنها بالطلبات المشار إليها بصدر هذا الحكم.
……………………………………………………..
وحيث إن مقطعَ النزاع في الطعن الماثل يدورُ حولَ تحديد المحكمة المختصة نوعيًّا بنظر قرار رئيس الجامعة المطعون ضدها بمجازاة الطالب بالفصل من الجامعة فصلا نهائيًّا استنادًا إلى أحكام المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 134 لسنة 2014، في حالة عدم تظلم الطالب الذي تمَّت مجازاته من قرار الفصل أمام مجلس التأديب وبالتالي عدم صدور قرار عن المجلس في شأن تظلمه، وما إذا كانت هذه المحكمة هي المختصة -على نحو ما ذهب إليه الحكمُ المطعون فيه-، أم ينعقد الاختصاصُ إلى محكمة القضاء الإداري -على نحو ما تأسَّس عليه الطعنُ الماثل-.
وفي هذا الشأن، فإن المادة (71) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها تنص على أن: “تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس بجميع درجاتهم أمام مجلس تأديب يُشكَّلُ من:
ونصت المادة (99) من القانون نفسه على أن: “تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية وغيرها مما وردت الإشارة إليه في هذا القانون: (1)…
(5) نظام تأديب الطلاب. …”.
وحيث إن اللائحة التنفيذية لهذا القانون، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975، والمعدَّلة بالقرار رقم 79 لسنة 1983، تنص المادة (245) منها على أن: “يخضع الطلاب المقيدون والمرخص لهم في الامتحان من الخارج والمستمعون للنظام التأديبي المبين في المواد التالية:”.
وتنص المادة (246) على أن: “تعتبر على الأخص مخالفات تأديبية:
(1) الأعمال المخلة بنظام الكلية أو المنشآت الجامعية الأخرى…
(2) كل فعل مخل بالشرف والكرامة أو مخل بحسن السير والسلوك داخل الجامعة أو خارجها.
(3) كل إخلال بنظام الامتحان…
(4) كل تنظيم للجمعيات داخل الجامعة أو الاشتراك فيها بدون ترخيص سابق من السلطات الجامعية المختصة.
(5) توزيع النشرات أو إصدار جرائد حائط بالكليات أو جمع توقيعات بدون ترخيص سابق من السلطات الجامعية المختصة.
(6) كل اشتراك في مظاهرات مخالفة للنظام العام والآداب واللياقة”.
وتنص المادة (248) من اللائحة نفسها على أن: “العقوبات التأديبية هي:
(1) التنبيه مشافهة أو كتابة.
(2)… …
(6) الفصل من الكلية لمدة لا تجاوز فصلا دراسيًّا.
(7) الحرمان من الامتحان في فصل دراسي واحد أو أكثر.
(8) الفصل من الكلية لمدة تزيد على فصل دراسي.
(9) الفصل النهائي من الجامعة، ويُبَلَّغُ قرارُ الفصل إلى الجامعات الأخرى. …”.
ونصت المادة (249) من اللائحة المذكورة سالفًا على أن: “الهيئات المختصة بتوقيع العقوبات هي:
(1) الأساتذة والأساتذة المساعدون: ولهم توقيع العقوبات الثلاثة الأولى المبينة في المادة (248) عَمَّا يقع من الطالب أثناء الدروس والمحاضرات والأعمال الخاصة بموادهم.
(2) عميد الكلية: وله توقيع العقوبات الخمسة الأولى المبينة في المادة (248).
(3) رئيس الجامعة: وله توقيع العقوبات الثمانية الأولى المبينة في المادة (248) بعد أخذ رأى عميد الكلية، وله أن يمنع الطالب المحال إلى لجنة التأديب من دخول أمكنة الجامعة إلا في اليوم المعين لمحاكمته.
(4) لجنة التأديب: ولها توقيع جميع العقوبات. …”.
ونصت المادة (250) من اللائحة المذكورة سالفًا على أن: “تُشكَّل لجنة التأديب على الوجه الآتي:
(أ) عميد الكلية التى يتبعها الطالب- رئيسًا.
(ب) وكيل الكلية المختص.
(جـ) أقدم أعضاء مجلس الكلية.- عضوين.
أما بالنسبة إلى الكليات التي ليس فيها وكيل أو مجلس للكلية، فتُشكَّل لجنة التأديب من عميد الكلية، وأقدم عضوين من أعضاء هيئة التدريس بها.
ويصدر قرار إحالة الطلاب إلى لجنة التأديب من رئيس الجامعة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب عميد الكلية المختص. …”.
وأخيرًا نصت المادة (251) من اللائحة نفسها على أن: “القرارات التى تصدر من الهيئات المختصة بتوقيع العقوبات التأديبية وفقًا للمادة (249) تكون نهائيةً، ومع ذلك يجوزُ الطعنُ في القرار الصادر بإحدى العقوبات التأديبية المبينة بالبنود 6، 7، 8، 9 من المادة (248)، ويكون الطعن بطريق الاستئناف،…”.
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 134 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، ونص في المادة الثانية منه على أن: “تُضَافُ إلى القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه مادةٌ جديدة برقم (74 مكررًا)، نصها الآتي:
لرئيس الجامعة أن يوقع عقوبة الفصل من الجامعة على كل طالبٍ يرتكب أو يسهم في ارتكاب أيٍّ من المخالفات الآتية:
1- ممارسة أعمال تخريبية تضر بالعملية التعليمية أو بالمنشآت الجامعية أو تعرض أيًّا منهما للخطر.
2- إدخال أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أية أدوات من شأنها أن تُستعمل في إثارة الشغب والتخريب.
3- إتيان ما يؤدي إلى تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير على أيٍّ منهما.
4- تحريض الطلاب على العنف أو استخدام القوة.
ولا يصدر قرار الفصل إلا بعد تحقيقٍ تجريه الجامعة خلال سبعة أيام من تاريخ الواقعة، ويخطر الطالب بقرار رئيس الجامعة بكتابٍ مُوصى عليه مصحوب بعلم الوصول، ويكون التظلم من هذا القرار أمام مجلس التأديب المنصوص عليه في المادة (71) من هذا القانون.
ويجوز الطعن على قرار مجلس التأديب أمام دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا”.
وحيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع -بموجب القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها ولائحته التنفيذية- وضع نظامَ تأديب طلاب جامعة الأزهر، فأشار إلى بيان بعض هذه المخالفات، وحدد العقوبات التأديبية التى يجوز توقيعها على الطالب المخالف، وأناط بعدة جهاتٍ توقيعَ هذه العقوبات -كل حسب النطاق المقرر لها- وأناط بلجنة التأديب بكلِّ كليةٍ والمنصوص على تشكيلها بالمادة (250) من اللائحة توقيعَ جميع هذه العقوبات، وأسبغ على القرارات الصادرة عن هذه اللجنة صفةَ النهائية، عدا حال توقيع أيٍّ من العقوبات المنصوص عليها بالبنود (6 و7 و8 و9) من المادة (148) من اللائحة المذكورة سالفًا، التى أجاز استئنافها على النحو المبين بالمادة (251).
وبموجب أحكام القرار بقانون رقم 134 لسنة 2014 أضاف المشرع المادة (74 مكررًا) إلى القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه، بأن خوَّل بموجبها رئيسَ جامعة الأزهر الحقَّ في إصدار قرار بفصل الطالب فصلا نهائيًّا من الجامعة، إذا أتى أيًّا من الأعمال التخريبية التى تضر بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر، أو تستهدف منشآتها أو الامتحانات أو العمل داخلها، أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة، أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة، أو المساهمة في أيِّ أمرٍ من هذه الأمور، وفي الوقت نفسه أحاط المشرع هذا الإجراء بسياج من الضمانات التى تكفل تحقيق العدالة وحقوق الدفاع، بأن أوجب أن يسبق إصدارَ هذا القرار إجراءُ تحقيقٍ تجريه الجامعة خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ الواقعة، ويخطر به الطالب بخطابٍ موصى عليه كي يتمكن الأخير من إيداع دفوعه والرد على ما أثير ضده من اتهامات، وقرر المشرع أن يكون التظلمُ من هذا القرار أمامَ مجلس التأديب المنصوص عليه بالمادة (71) من القانون، وأجاز الطعنَ على قرار المجلس أمامَ المحكمة الإدارية العليا (دائرة الموضوع).
وحيث إنه من المبادئ المسلم بها في تفسير أحكام القانون عدم الانحراف عن صريح عبارات النص، أو تفسيره على نحوٍ يتعارض مع عباراته الواضحة الصريحة والقاطعة الدلالة على المقصود منها إلى معانٍ أخرى؛ وإلا كان ذلك افتئاتًا على إرادة المشرع، وإحلالا لإرادة المفسر -قاضيًا كان أو غيره- محل السلطة التشريعية، دون سندٍ من الدستور أو القانون، فلا اجتهاد مع صراحة النص التشريعي وقطعية دلالته على ما تقصده السلطة التشريعية من تقريره. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا -دائرة توحيد المبادئ- الصادر بجلسة 21/4/1991 في الطعن رقم 2382 لسنة 32 ق.ع).
كما أنه يجب تفسيرُ النصوص الخاصة تفسيرًا ضيقًا، بحيث لا تُطَبَّقُ إلا على الحالات التى تضمنتها، وما يخرج عن هذه الحالات يكون مردُّهُ إلى القاعدة العامة.
وأن من المستقر عليه في أصول التفسير أنه إذا كانت عبارةُ النص واضحةَ الدلالة، فلا يجوز تأويلها بما يخرجها عن معناها المقصود منها، أو الانحراف عنها بدعوى تفسيرها، كما أنها إذا جاءت عامةً فإنها تجري على إطلاقها، ما لم يوجد ما يقيدها أو يخصِّص حكمَها.
وحيث إن نصوص التشريعات المختلفة تُشَكِّلُ في النهاية منظومةً تشريعية، تفرز نسيجًا قانونيًّا واحدًا تتكامل نصوصُهُ، فيُكمل بعضها البعض، ولا تتصادم أو تتعارض، بما يؤدي إلى إنزال القاعدة الأصولية في التفسير من أن إعمالَ النص خيرٌ من إهماله.
وأن من أصول التفسير وجوبُ التوفيق بين النصوص القائمة لإزالة ما قد يبدو من تعارضٍ بين ألفاظها، وذلك بصرف كلِّ نصٍّ إلى غايته التى رمى المشرِّعُ إلى تحقيقها، فيُحمَل النص العام على عمومه، ويُستبعَد من نطاقه ما خصَّه المشرِّعُ بحكمٍ خاص. (في هذا المعنى فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 690 بتاريخ 4/7/2006، ملف رقم 32/2/3644 جلسة 5/4/2006).
وفي مجال استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية، إذا ما وُجِدَ أكثرُ من وجهٍ لفهم النص، أحدهما يجعل النص مشوبًا بالتناقض ويبطل حكمه، والآخر يحمله على الصحة ويؤدي إلى إعماله، فإنه يتعين الالتزامُ بالمعنى الظاهر الذي يحمل على الصحة وإعمال مقتضاه، مادامت عباراته تحتمل هذا الفهم؛ ذلك أن النصوص لا تُفهَم معزولةً بعضها عن بعض. (في هذا المعنى فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 160 بتاريخ 6/3/2013، بجلسة 19/12/2012 ملف رقم 86/3/1124).
وحيث إنه باستقراء النصوص المنظِّمة لتأديب طلاب جامعة الأزهر مجتمعة وفهم مقاصدها، ولما كان نص المادة (74 مكررًا) المشار إليه وبعد أن قرر أن يكون التظلم من قرار الفصل أمام مجلس التأديب المنصوص عليه بالمادة (71) من القانون، جرت صياغة النص على أن: “ويجوز الطعن على قرار مجلس التأديب أمام دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا”، ولما كانت عبارة “أمام دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا” قد جاءت مشروطةً ومقترنةً -اقترانًا مباشرًا- بصدور قرار عن مجلس التأديب المشار إليه في التظلم المقدم من الطالب من قرار فصله، الأمر الذي يعني أن مناط اختصاص المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن صدور قرار عن مجلس التأديب في هذا التظلم، وبدون وجود مثل هذا القرار، فلا اختصاص لهذه المحكمة ابتداءً بنظر الطعن على القرار الصادر بفصل الطالب، ويتحدد الاختصاص -في هذه الحالة- على وفق القواعد العامة المقررة في هذا الشأن، والتي توسِّدُ إلى محكمة القضاء الإداري -باعتبارها صاحبة الولاية العامة في الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية عملا بأحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972- هذا الاختصاصَ، الأمر الذي يفضي جميعُهُ إلى القضاء باختصاص محكمة القضاء الإداري نوعيًّا بنظر الطعن على القرار الصادر عن رئيس جامعة الأزهر بفصل الطالب نهائيًّا من الجامعة استنادًا إلى أحكام المادة (74 مكررًا) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها، المضافة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 134 لسنة 2014، مادام لم يصدر قرارٌ عن مجلس التأديب في التظلم المقدم من الطالب إليه.
وترتيبًا على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن كريمةَ الطاعنة بصفتها كانت مُقيَّدةً بالفرقة الثانية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالجامعة المطعون ضدها في العام الجامعي 2014/2015، واستنادًا إلى ما نُسِبَ إليها من قيامها ببعض الأعمال المحظورة طبقًا لنص المادة (74 مكررًا) المذكورة سالفًا، فقد صدر قرار رئيس الجامعة بفصلها من الجامعة فصلا نهائيًّا استنادًا إلى أحكام القرار بقانون رقم 134 لسنة 2014 المشار إليه، وخلت الأوراق مما يفيد تظلم المذكورة من هذا القرار أمام مجلس التأديب المشار إليه بهذه المادة، وإنما أقيمت الدعوى محل هذا الطعن مباشرةً أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة)، وبمراعاة قواعد الاختصاص النوعي -على نحو ما تقدم-، فمن ثم كان يتعين على المحكمة الأخيرة أن تتصدى لنظر هذه الدعوى؛ لاختصاصها نوعيًّا بها، أما وأنها قضت بغير ذلك، فإنها تكون قد تنكبت جادة الصواب، مما يتعين معه القضاءُ بإلغاء الحكم الصادر عنها والمطعون فيه، والقضاء مجددًا باختصاصها نوعيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إليها للفصل فيها بهيئةٍ مغايرة؛ وذلك باعتبار أن إلغاء حكم محكمة أول درجة كان راجعًا لمخالفته قواعد الاختصاص، مما لا يسوغ معه لهذه المحكمة التصدي لنظر الموضوع، عملا بما قضت به دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 14/5/1988 في الطعن رقم 1352 لسنة 33ق.ع.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا باختصاص محكمة القضاء الإداري نوعيًّا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إليها للفصل فيها بهيئةٍ مغايرة.
([1]) يراجع في شأن فصل الطالب الذي يقوم بأعمال تخريبية في الجامعات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات: الحكم المنشور في هذه المجموعة الصادر بجلسة 13 من يناير سنة 2016 في الطعن رقم 50329 لسنة 61 القضائية عليا (المبدأ رقم 29). وكذا حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 30/9/2015 في الطعن رقم 33392 لسنة 61 ق.ع (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 60 مكتب فني، المبدأ رقم 121/أ، ص1355)، وفيه بينت المحكمة أن هناك تمايزا بين التظلم من القرار والطعن عليه، فالتظلم يقدم إلى الجهة الإدارية، وتفصل فيه إذا ما عَنَّ لها ذلك بموجب قرار إداري، وتمارس بشأنه رقابتي المشروعية والملاءمة, فتلغي القرار أو تعدله أو تسحبه، أما الطعن يقدم إلى محكمة, أو إلى جهة ذات اختصاص قضائي, ويُفصل فيه بموجب حكمٍ, يخضع لما تخضع له الأحكام القضائية من قواعد وإجراءات, ويتم الفصل فيه (بحسب الأصل) في نطاق رقابة المشروعية، وأنه إذا استخدم المشرع لفظ “الطعن”, ورتب على ذلك اختصاص المحكمة الإدارية العليا فيما يصدر بشأنه، فإن ذلك لا ينسحب إلى ما يصدر من قرارٍ عن سلطة إدارية.
([2]) اللفظ العام في اصطلاح الأصوليين هو اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة منها، فلفظ “كل” في قولنا: “كل عقد يشترط لانعقاده أهلية المتعاقدين” لفظ عام يدل على شمول كل ما يصدق عليه أنه عقد من غير حصر في عقد معين أو عقود معينة. وحكم اللفظ العام أنه إذا دخله التخصيص فإن دلالته على باقي الأفراد بعد التخصيص ظنية بالاتفاق، أما إذا بقي على عمومه دون أن يخصَّص فإن دلالته على جميع أفراده من جهة قطعيتها أو ظنيتها موضع خلاف بين الأصوليين، لكن أكثرهم يرى أن دلالة العام في جميع الأحوال ظنية، سواء كان مخصصا أو غير مخصص، وقالوا إنه بالاستقراء يبين أنه ما من لفظ عام إلا ودخله التخصيص. لكن الجميع يتفق على وجوب العمل بعموم اللفظ العام حتى يقوم على تخصيصه دليل.
أما اللفظ الخاص فهو عند الأصوليين لفظ وضع للدلالة على فرد واحد بالشخص (مثل محمد) أو بالنوع (مثل رجل)، أو للدلالة على أفراد متعددة محصورة، مثل ثلاثة وجمع وفريق، وغيرها من الألفاظ التي تدل على عدد من الأفراد، ولا تدل على استغراق جميع الأفراد كاللفظ العام. وحكم اللفظ الخاص أنه يدل على المعنى الواحد الموضوع له على سبيل القطع، ما لم يمنع من ذلك دليل آخر يصرفه عن المعنى الموضوع له إلى إرادة معنى آخر منه.
هذا ويعد كل من الإطلاق والتقييد من أنواع اللفظ الخاص، ويعرف اللفظ المطلق بأنه اللفظ الذي لم يقيد بأي قيد لفظي يقلل من شيوعه، كلفظ “عربي” و “فارسي”، أما اللفظ المقيد فهو مقيد بقيد لفظي يقلل من شيوعه، كقولنا “عربي مصري”. ويفترق العام عن المطلق في أن العام يدل على شمول كل فرد من أفراده، أما المطلق فيدل على فرد شائع أو أفراد شائعة، لا على جميع الأفراد.
وحكم اللفظ المطلق أنه يفهم على إطلاقه إلا إذا قام دليل على تقييده، فإن قام الدليل على تقييده كان هذا الدليل صارفا له عن إطلاقه ومبينا المراد منه، وإذا ورد اللفظ مطلقا في نص وورد هو نفسه مقيدا في نص آخر ننظر: فإن كان موضوع النصين واحدا بأن كان الحكم الوارد فيهما متحدا والسبب الذي بني عليه الحكم متحدا، حُمل المطلق على المقيد، أي كان المراد من المطلق هو المقيد؛ لأنه مع اتحاد الحكم والسبب لا يتصور الاختلاف بالإطلاق والتقييد، فيكون المطلق مقيدا بقيد المقيد.
أما إذا اختلف النصان في الحكم أو في السبب أو فيهما معا فلا يحمل المطلق على المقيد، بل يعمل بالمطلق على إطلاقه في موضعه، وبالمقيد على قيده في موضعه؛ لأن اختلاف الحكم والسبب أو أحدهما قد يكون هو علة الاختلاف إطلاقا وتقييدا.
(يراجع فيما سبق ولمزيد من البسط والأمثلة: علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف، ط دار القلم بالكويت سنة 1990، ص 181 وما بعدها، وأصول الفقه الإسلامي للدكتور/ محمد سلام مدكور، ط دار النهضة العربية 1976، ص 196 وما بعدها).
([3]) تنص المادة (269) من قانون المرافعات على أنه: “إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل في مسألة الاختصاص، وعند الاقتضاء تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها بإجراءات جديدة.
فإذا كان الحكم قد نقض لغير ذلك من الأسباب تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم، وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها المحكمة.
ويجب ألا يكون من بين أعضاء المحكمة التي أحيلت إليها القضية أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه.
ومع ذلك إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه، وجب عليها أيا كان سبب النقض أن تحكم في الموضوع”.
وكانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة تنص قبل تعديلها بموجب القانون رقم (76) لسنة 2007 على أنه: “ومع ذلك إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه، وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية، ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه، وجب عليها أن تحكم في الموضوع”.
– وقد ذكرت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 1352 لسنة 33 القضائية (عليا) بجلسة 14 من مايو سنة 1988 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما- المبدأ رقم 12) أن من الأصول التى يقوم عليها القانون وتحكم أسس تطبيقه وجوب تفادي تكرار الأعمال أو الأفعال أو الإجراءات أو التدابير القانونية المحدثة لنفس الأثر القانوني، إلا لضرورة حتمية من القانون نفسه توجب ذلك التكرار أيا كانت أسبابه، وهو أصل يأخذ به تقنين المرافعات الحالي بعدما حاول سابقه التقليل من مداه بِحَدِّه من مبدأ تصدي محكمة الطعن سواء بالاستئناف أو النقض لأمر في الحكم المطعون فيه لم تشمله أسباب الطعن، فقرر إرساءً لهذا المبدأ وترسيخا له عدم الحكم ببطلان الإجراء رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية منه (م20/2)، وجواز تصحيح الإجراء الباطل ولو بعد التمسك به (م23)، وتحول الإجراء الباطل وانتقاصه (م24/1و2)، وعدم بطلان الإجراءات السابقة على الإجراء الباطل ولا اللاحقة عليه إذا لم تكن مبنية عليه (م24/3)، ثم أخذ به كذلك في المادة (269/2) بإلزام المحكمة المحالة إليها القضية بعد نقض الحكم لغير مخالفة قواعد الاختصاص اتباع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها منعا لتكرار الطعن بالنقض لنفس السبب، خروجا عما كان متبعا من عدم وجود إلزام قانوني باتباع حكم محكمة النقض، ثم أخذت به الفقرة الرابعة من المادة نفسها بصورة أوضح، فأوجبت على محكمة النقض إذا نقضت الحكم وكان الموضوع صالحا للفصل فيه أن تحكم في موضوع الدعوى، كما أوجبت عليها ذلك أيضا إذا كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم، فهنا خرج التقنين عن أصل تعدد درجات التقاضي الذي يقوم عليه إلى أصل الاقتصاد في الإجراءات؛ لما قدره من ترجيحه في هذه الصور من صور التنازع بين الأصلين، ووجوب ترجيح أحدهما وتقديمه على الآخر، فقدر أولوية الأخير على الأول متى كان موضوع الدعوى صالحا للفصل فيه، فلا مبرر لإطالة أمد النزاع والعود بالإجراءات مرة أخرى إلى محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المطعون فيه مع احتمال تعرضه للنقض مرة ثانية، وفي هذه الإطالة إضرار لا بأطراف النزاع فقط بل بالنظام القضائي نفسه باتخاذ أصل تعدد الدرجات للإطالة والإضرار، فرجح عليه أصل الاقتصاد في الإجراءات وقرر له أولوية، مقدرا ما لمحكمة القانون من خبرة بالقانون والموضوع على السواء في موضوع صالح للفصل فيه؛ تعجيلا للبت في الموضوع أيا كانت أسباب نقض الحكم، لخطأ في القانون أو لمخالفة الثابت بالأوراق إلى غير ذلك، فأيا ما كان سبب الطعن والنقض تُمَكن المحكمة من تصفية النزاع وحسمه لغير رجعة، تجنبا لإعادة الإجراءات من جديد.
واستطردت المحكمة قائلة إنه لما كان تطبيق أحكام تقنين المرافعات طبقا للمادة الثالثة من القرار بقانون رقم (47) لسنة 1972 بإصدار إصدار قانون مجلس الدولة فيما لم يرد فيه نص في هذا الأخير، بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة، يمَكن المجلس من الأخذ بأصول المرافعات وتطبيقاتها التي لا تتعارض مع المنازعة الإدارية، ومنها أصل الاقتصاد في الإجراءات، فهو أخذٌ بأصل جوهري من أصول القانون وأسس تطبيقه، ولا يتعارض إعماله فى الصورة التى قررتها المادة (269/4) مرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية، بل أخذت به هذه المحكمة على وتيرة متصلة منذ إنشائها، بل ومن قبل أن يعرفه تقنين المرافعات بهذا الوضوح، فهو أوجب الإعمال فى نطاق القضاء الإداري؛ إذ هو في حقيقته من أصول القانون الإداري نفسه الذي يقوم في جوهره لتحقيق فاعليته على سرعة الحسم، سواء في اتخاذ القرار الإداري أو في الفصل في المنازعة الإدارية.
فإذا ما انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء حكم مطعون فيه أمامها لغير مخالفة قواعد الاختصاص فعليها إذا كان موضوعه صالحا للفصل فيه أن تفصل فيه مباشرة، ولا تعيده إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.
وأكدت المحكمة أن إلغاء الحكم لبطلانه لا يختلف عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب، فالبطلان من أوجه مخالفة القانون، وهو نتيجة لهذه المخالفة، وإلغاء الحكم سواء لبطلانه أو لغير ذلك من الأسباب يزيله من الوجود، لا فرق في ذلك بين إلغاء للبطلان أو لغيره، وفصْل المحكمة الإدارية العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بعد إلغائه للبطلان، فلا يوجد في طبيعة المنازعة الإدارية إلا ما يؤكد وجوب الأخذ بهذا الأصل وإعماله؛ ولهذا يتعين على المحكمة الإدارية العليا إذا انتهت إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أمامها ولو لبطلانه أن تفصل في موضوع النزاع، متى كان صالحا للفصل فيه.
– لكن دائرة توحيد المبادئ نفسها عادت في حكمها الصادر في الطعن رقم 2170 لسنة 31 القضائية (عليا) بجلسة 21 من إبريل سنة 1991 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما- المبدأ رقم 18)، وقيدت من هذا المبدأ مؤكدة أنه متى ثبت أن أحد أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم قد لحق به سبب من أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى، فإن الحكم في هذه الحالة يكون باطلا لمخالفته للنظام العام، ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وإعادة الطعن إلى محكمة القضاء الإداري لنظره من جديد، ولا تتصدى المحكمة الإدارية العليا في هذه الحالة لنظر موضوع الدعوى؛ ذلك لأن الحكم المطعون فيه في هذه الحالة يكون قد شابه بطلان جوهري ينحدر به إلى درك الانعدام بسبب عدم صلاحية أحد أعضاء الهيئة التي أصدرته لنظر الدعوى، ويتعين أن تعيد النظر فيه محكمة القضاء الإداري باعتبارها محكمة أول درجة؛ لتستعيد ولايتها في الموضوع على وجه صحيح.
وقارن الحكم المنشور أعلاه بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 14/6/2008 في الطعن رقم 23686 لسنة 51 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 53، مكتب فني، جـ2، ص 1391)، حيث انتهت إلى أنه إذا ألغت المحكمة الإدارية العليا حكما قاضيا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، فإن ذلك لا يستوجب إعادتها إلى المحكمة المطعون في حكمها للفصل فيها مجددا.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |