مجلس الشعب
قانون رقم ١٠ لسنة ٢٠١٨ بإصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
فبراير 26, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 567 لسنة 29 القضائية (عليا)
مارس 9, 2020

دائرة توحيد المبادئ -الطعنان رقما 1201 و 1232 لسنة 28 ق.ع

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1985

الطعنان رقما 1201 و 1232 لسنة 28 القضائية (عليا)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد يسري عبده

رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود عبد العزيز الشربيني ويوسف شلبي يوسف وعبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد فؤاد الشعراوي وفؤاد عبد العزيز رجب ومحمد المهدي مليحي ود.محمد جودت الملط ومحمد أمين المهدي ومحمد محمود البيار ومحمود عبد المنعم موافي.

نواب رئيس مجلس الدولة

……………………………………………………………….

المبادئ المستخلصة:

(أ) تأديب-

فكرة الجزاء المُقنَّع- أساسها- في المرحلة السابقة على دستور 1971 وقانون مجلس الدولة الحالي (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972) كان اختصاص محاكم مجلس الدولة محددا على سبيل الحصر، ولم يكن يشمل قرارات النقل والندب- ابتدع القضاء الإداري فكرة الجزاء المُقَنَّع ليمُد اختصاصه إلى قرار النقل أو الندب الذي يتخذ ستارا يخفي قرارا آخر؛ حتى لا يكون بمنأى عن رقابة القضاء- لم يعد لهذه الفكرة موجبٌ من حيث الاختصاص بعد أن امتد اختصاص محاكم مجلس الدولة إلى جميع المنازعات الإدارية.

  • المادة 172 من دستور 1971.
  • المادة 10 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(ب) تأديب

مدلول القرارات النهائية للسلطات التأديبية- مدلول الجزاء التأديبي- القرارات النهائية للسلطات التأديبية هي تلك القرارات الصادرة بجزاءات تأديبية مما يجوز للسلطات المختصة توقيعها طبقا للقانون- تعبير “الجزاء التأديبي” ينصرف إلى الجزاءات المحددة على سبيل الحصر.

) تأديب-

اختصاص المحاكم التأديبية- اختصاص المحاكم التأديبية جاء استثناء من الولاية العامة للقضاء العادي (المحاكم العمالية) بالنسبة للعاملين بالقطاع العام، ومن الولاية العامة للقضاء الإداري بالنسبة للموظفين العموميين– هذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه- يتحدد اختصاص المحاكم التأديبية في النظر في الجزاءات التأديبية المحددة قانونا على سبيل الحصر– لا وجه في تحديد اختصاصها لإعمال فكرة الجزاء المقنع- لا تختص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في قرارات النقل أو الندب للعاملين المدنيين بالدولة أو للعاملين بالقطاع العام، ولو اتُّخِذت هذه القرارات ستارا يخفي قرارات أخرى- إذا كان الطعن موجها إلى قرار بنقل أو ندب أحد العاملين بالحكومة فإن الاختصاص بنظره ينعقد لمحكمة القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية حسب الأحوال، أما إذا تعلق الطعن بندب أو نقل أحد العاملين بالقطاع العام انعقد الاختصاص للقضاء العادي (المحاكم العمالية).

  • المواد 10 و 15 و 19 و 21 من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.

(د) اختصاص-

تحديد اختصاص المحكمة لا يتوقف على الفصل في الموضوع- تطبيق: القول بوجود الجزاء المقنع يفرض على المحكمة التأديبية لتحديد اختصاصها أن تبدأ بالفصل في الموضوع، فإذا تيقنت من وجود جزاء مقنع كانت مختصة، وإذا انتهت إلى عدم وجود الجزاء المقنع لم تكن مختصة- هذا مسلك يخالف أحكام القانون في عدم توقف تحديد الاختصاص على الفصل في الموضوع.

(هـ) اختصاص-

تحديد الاختصاص القضائي أمر يختص به القانون وحده، وإضفاء التكييف القانوني السليم على طلبات المتقاضين أمر تملكه المحكمة وحدها- لا يمكن التسليم للمتقاضي بأن ينفرد وحده بتحديد اختصاص المحكمة واختيار قاضيه حسبما يضفي على طلبه من وصف.

الإجراءات

أقام السيد/… الطعن رقم 109 لسنة 23 القضائية أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية ضد شركة…، طالبا الحكم بإلغاء القرار الصادر بنقله من الشركة بالإسكندرية إلى فرعها بالقاهرة، واستند في ذلك إلى أن هذا القرار قد انطوى على جزاء تأديبي مقنع.

وقد دفعت الشركة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطعن.

وبجلسة 18/4/1982 حكمت المحكمة التأديبية برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الطعن وباختصاصها وبعدم قبول الطعن شكلا.

وبتاريخ 7/6/1982 أقام السيد/… الطعن رقم 1201 لسنة 28 ق في هذا الحكم، طالبا إلغاءه والحكم له أصليا بإلغاء قرار نقله مع إلزام الشركة المطعون ضدها المصروفات.

كما طعنت هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بالطعن رقم 1232 لسنة 28 القضائية، وانتهت في تقرير طعنها إلى طلب الحكم بإلغائه وبقبول الدعوى شكلا.

وقد عرض الطعنان على الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا بعد أن أحيلا إليها من دائرة فحص الطعون (الدائرة الرابعة)، وقد تبين للدائرة الرابعة عند نظرها للطعنين أن ثمة تعارضا بين ما جرى عليه قضاؤها وما ذهبت إليه الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا في خصوص مدى اختصاص المحاكم التأديبية بمجلس الدولة بنظر الطعون المتعلقة بنقل وندب العاملين بالقطاع العام، فبينما استقر قضاء الدائرة الرابعة على اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون الموجهة لقرارات الندب أو النقل إذا ما تضمنت -بحسب تكييف صاحب الشأن لها- جزاء مقنعا، ذهبت الدائرة الثالثة إلى عدم اختصاص المحاكم المذكورة بمثل هذه القرارات.

وإزاء وجود هذا التعارض بين قضاء الدائرتين فقد قررت الدائرة الرابعة بجلسة 19/1/1985 إحالة الطعنين إلى هذه الهيئة إعمالا لحكم المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا برأيها القانوني في الطعنين استعرضت فيه أسانيد كلا الاتجاهين، وانتهت إلى طلب عدم العدول عما استقر عليه قضاء الدائرة الرابعة من اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون الموجهة لقرارات الندب أو النقل إذا ما انطوت على عقوبة مقنعة بحسب تكييف صاحب الشأن لها.

وتم نظر الطعنين بجلسات هيئة المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 27/10/1985 قررت حجز الطعنين للحكم بجلسة 15/12/1985، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

ومن حيث إن الخلاف المعروض يدور حول مدى اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في القرارات الصادرة بندب أو نقل العاملين بالقطاع العام.

وقد جاء هذا التعارض كنتيجة للاختلاف حول الأخذ بفكرة الجزاءات المقنعة في مجال قرارات الندب أو النقل بصفة عامة.

فذهبت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا إلى أنه إذا ما قصد بقرار النقل أو الندب توقيع عقوبة مقنعة على العامل، وتبينت المحكمة ذلك من ظروف الحال وملابساته وما هدف مصدر القرار إلى تحقيقه، كأن يكون قد قصد إلى توقيع عقوبة على العامل على أثر تحقيق أجرى معه، فيدور الأمر حول جزاء مقنع تختص المحكمة التأديبية بنظره.

واستقر هذا القضاء في أحكامه الحديثة على أن العبرة في تحديد اختصاص المحكمة في هذه الحالة هو بما أضفاه الطاعن من تكييف على قرار نقله أو ندبه، فيكفي لينعقد الاختصاص للمحكمة التأديبية أن يذهب إلى أن هذا القرار قد انطوى على عقوبة مقنعة قصد مصدر القرار إلى توقيعها.

وعلى عكس ذلك ذهبت الدائرة الثالثة إلى الالتزام في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالجزاءات المحددة قانونا على سبيل الحصر، فلا ينعقد الاختصاص لهذه المحاكم إلا بالطعون الموجهة إلى القرارات الصادرة بتوقيع جزاء صريح مما نص عليه القانون، وعلى أساس ذلك فقد انتهى هذا القضاء إلى عدم اختصاص المحاكم التأديبية بالطعون الموجهة إلى قرارات النقل أو الندب، وطبقت ذلك سواء على العاملين بالحكومة أو بالقطاع العام، وكان من نتيجة ذلك أن عاد الاختصاص بطعون العاملين بالقطاع العام في نقلهم أو ندبهم إلى القضاء العادي (المحاكم العمالية) صاحب الولاية العامة في قضايا العمال، وفي قضايا العاملين بالحكومة إلى محاكم مجلس الدولة الأخرى؛ بوصف أن الطعن في قرار النقل أو الندب إنما يعتبر من قبيل المنازعة الإدارية.

ومن حيث إن تَحَرِّي وجه الخلاف يكشف عن أن تحديد الاختصاص بقضايا العاملين من حيث النقل أو الندب مر بمراحل متعاقبة منذ إنشاء مجلس الدولة بمقتضى القانون رقم 112 لسنة 1946 وانتهاء بالقانون رقم 47 لسنة 1972: ففكرة الجزاء المقنع في مجال الندب أو النقل بدأت واستقرت في قضاء الإلغاء، وانتقلت بعد ذلك إلى قضاء التأديب بعد أن آل إلى المحاكم التأديبية الاختصاص بالطعون الموجهة إلى الجزاءات الموقعة على العاملين بالحكومة والقطاع العام.

فبالنسبة للعمال من غير العاملين بالحكومة كان القضاء العادي (المحاكم العمالية) يختص بجميع قضاياهم، وظلت الحال كذلك إلى أن تقرر اختصاص المحاكم التأديبية التي كانت قد أنشئت بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية بالفصل في الطعون المقامة منهم على الجزاءات التي توقع عليهم، وذلك بموجب لائحة العاملين بالقطاع العام الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966، ثم بقانون العاملين بالقطاع العام رقم 61 لسنة 1971، إلى أن جعل قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 نظر هذه الطعون المقامة من العاملين سواء بالحكومة أو القطاع العام من اختصاص المحاكم التأديبية.

وبالنسبة للعاملين بالحكومة فقد أنشئ مجلس الدولة بالقانون رقم 112 لسنة 1946، وتلته عدة قوانين، حتى استقر الأمر بالقانون الحالي الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، أما في المراحل السابقة على هذا القانون الأخير فيدل استقراء الأحكام التي تضمنتها نصوص هذه القوانين السابقة على هذا القانون الأخير أن المشرع جرى في تحديد اختصاص المجلس على قصره على مسائل محددة أوردها على سبيل الحصر.

وبالنسبة إلى شئون الموظفين العموميين نص على الاختصاص بطلب إلغاء القرارات النهائية الصادرة عن السلطات التأديبية دون طلب إلغاء قرارات النقل أو الندب، فلم يكن لها قاضٍ يراقب مشروعيتها؛ لهذا نظر القضاء الإداري إلى تلك النصوص من أفق واسع، مستهدفا إخضاع هذا النوع من القرارات لرقابة المشروعية، فابتدع فكرة الجزاء المقنع ليمد اختصاصه إلى قرارات النقل أو الندب، وإلا ما خضعت -مع ما قد يكون لها من خطورة- لأية رقابة قضائية، فكان الباعث على ظهور هذه الفكرة الرغبة في توسعة اختصاصات مجلس الدولة التي وردت مقصورة ومحددة على سبيل الحصر بقصد بسط رقابة القضاء لمشروعية هذه القرارات، حيث كان يمتنع على القضاء العادي التعرض للقرار الإداري، وبذلك كانت تخرج عن رقابة القضاء بإطلاق لو لم يؤخذ بفكرة الجزاء المقنع، لتكون بهذا الوصف من اختصاص القضاء الإداري بمجلس الدولة.

ثم بعد ذلك صدر دستور سنة 1971 ونصت المادة 172 منه على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”.

وإعمالا لهذا النص الدستوري صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، وكان من أهم ما تضمنه أن أصبح مجلس الدولة ولأول مرة صاحب اختصاص عام بنظر جميع المنازعات الإدارية عدا ما جعله نص قانوني من اختصاص جهة قضاء أخرى، فبعد أن عدد القانون في المادة 10 منه المسائل التي تدخل في اختصاص محاكمه، أضاف في البند الأخير من هذه المادة “سائر المنازعات الإدارية”، وأعاد القانون تنظيم المحاكم التأديبية وحدد اختصاصاتها بالدعاوى التأديبية التي تقام على العاملين في الحكومة بصفة عامة وعلى العاملين بالقطاع العام وفي بعض الجهات الخاصة، كما أسند إليها الاختصاص بنظر الطلبات والطعون في القرارات والجزاءات التأديبية، وذلك على النحو الوارد في المادة 10 من القانون المشار إليه: البند تاسعا (الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية)، والبند الثالث عشر (الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانونا).

وبذلك يدل استقراء تطور المراحل المتعاقبة السابق ذكرها أن انتقال الاختصاص بنظر الطعون في الجزاءات إلى المحاكم التأديبية قد جاء بالنسبة إلى العاملين بالقطاع العام استثناء من الولاية العامة للقضاء العادي (المحاكم العمالية) التي كانت تختص بجميع المنازعات المتعلقة بشئون العمال غير العاملين بالحكومة، كما جاء كذلك استثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري الذي كان ينعقد له الاختصاص بطلب الموظفين العموميين إلغاء القرارات النهائية الصادرة عن السلطات التأديبية بمجازاتهم.

ومن حيث إنه بتتبع قضاء مجلس الدولة إبان الفترة التي كان اختصاصه محددا على سبيل الحصر، يبين أنه في مرحلة أولى جرت محكمة القضاء الإداري في بادئ الأمر على عدم اختصاصها بنظر القرارات الصادرة بالنقل أو الندب، ثم ما لبث أن تطور هذا القضاء فاجتهد ليوسع اختصاصه، فذهب إلى أن الذي يخرج عن اختصاص المجلس هو تلك القرارات التي اتجهت بها إرادة الإدارة إلى إحداث الأثر القانوني المقصود بالنقل أو الندب فقط، وهو إعادة توزيع العاملين بما يكفل حسن سير المرفق، فإذا صدر القرار غير مستوف للشكل أو للإجراءات التي يكون القانون قد استوجبها، أو صدر مخالفا لقاعدة التزمت بها الإدارة في إجرائه، أو انحرفت بالنقل أو بالندب كنظام قانوني واتخذت منه ستارا يخفي قرارا مما يختص المجلس بطلب إلغائه فإنه يخضع لرقابة القضاء.

وذهبت هذه الأحكام إلى أن العبرة في ذلك بالإرادة الحقيقية دون المظهر الخارجي، فقد يستهدف القرار تعيينا أو تأديبا: كأن يكون النقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها، فيخفي ترقية أو تعيينا أو جزاء تأديبيا، كما أنه قد يتم النقل إلى وظيفة أدنى في السلم الإداري من حيث سعة اختصاصاتها أو مزاياها، كما أنه قد يستهدف به إبعاد أصحاب الدور في الترقية بإلحاقهم بإدارات أو وزارات أخرى بعيدا عن دائرة المتطلعين للترقية على أساس الأقدمية، فيكون سبيلا للتخطي باتخاذه وسيلة مستترة للحيلولة دون صاحب الدور والحصول على حقه في الترقية بالأقدمية، وأخيرا فقد ينطوي قرار الندب على ترقية وظيفية، ففي مثل هذه الحالات التي يتخذ فيها من النقل أو الندب وسيلة مستترة للترقية أو للحرمان منها فإن تصرف الإدارة يخضع لرقابة القضاء الإداري باعتباره قرار ترقية أو حرمانا منها.

ومن هذا يبين أن القضاء الإداري في محاولته توسيع اختصاصه ليشمل النقل أو الندب ذهب تارة إلى أن الذي يخرج عن اختصاصه هو تلك القرارات التي اتجهت فيها إرادة الإدارة إلى إحداث الأثر القانوني بالنقل أو الندب فقط، أما إذا صدر القرار دون استيفاء للشكل أو للإجراءات التي استوجبها القانون، أو صدر بالمخالفة لقاعدة التزمت بها الإدارة في النقل أو الندب خضع لرقابة القضاء، وهذا يعني أن هذا الاتجاه إنما استهدف فقط إخراج قرارات النقل أو الندب السليمة عن اختصاص القضاء الإداري، بما يفيد بسط رقابته على كل قرار منها صدر معيبا بما قد ينتهي إلى إلغائه.

ومن حيث إنه قد صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وأصبح القضاء الإداري هو صاحب الاختصاص الأصيل بالمنازعة الإدارية عدا ما أخرجه المشرع بالنص الصريح من ولايته، فإن قرارات النقل أو الندب تدخل في اختصاص القضاء الإداري بوصفها من المنازعات الإدارية، فإن شابها الانحراف بأن ثبت أن القرار لم تستهدف به الغاية التي شرع من أجلها، وهي بصفة أساسية إعادة توزيع العاملين بما يحقق حسن سير العمل بالمرفق، بل تغيا أمرا آخر كالتعيين أو التأديب أو إفادة عامل على حساب حق مشروع لآخر، كان ذلك جميعه داخلا في الاختصاص الأصيل للقضاء الإداري، فشأن قرارات النقل أو الندب في ذلك شأن أي قرار إداري آخر مما يخضع لرقابة القضاء من حيث الاختصاص والشكل والسبب والغاية، وغير ذلك من أوجه الرقابة على القرارات الإدارية.

وعلى هذا الوجه وإذا كان قضاء مجلس الدولة الأول -إبان أن كان اختصاصه محددا على سبيل الحصر- قد اجتهد فتوسع في تفسير النصوص المحددة لاختصاصه، فابتدع فكرة الجزاء المقنع ليمد اختصاصه ليشمل قرارات النقل أو الندب حتى لا تصبح هذه القرارات بمنأى عن رقابة القضاء، فإنه وقد تعدل الوضع بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 المشار إليه وجعل من مجلس الدولة صاحب ولاية عامة في المنازعات الإدارية فقد أضحى لا محل لمثل هذا التفسير؛ ذلك أن الطعن في قرار الندب أو النقل هو منازعة إدارية توفر للعامل كل الضمانات، إذ لو صدر قرار عنها وكان ساترا لعقوبة مقنعة قصد توقيعها على العامل فإن القرار في هذه الحالة يكون قد استهدف غير مصلحة العمل وغير الغاية التي شرع لها فيكون معيبا بعيب الانحراف.

ومن حيث إن القانون رقم 47 لسنة 1972 قد نص في الفقرة الأخيرة من المادة (15) على اختصاص المحاكم التأديبية بما ورد في البندين (تاسعا) و (ثالث عشر) من المادة (10): وأولهما: الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، وثانيهما: الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانونا، ونص في المادة (19) على أن “توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجري محاكمتهم”، ثم حددت الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة، وحدد في المادة (21) الجزاءات التأديبية التي توقع على من ترك الخدمة؛ فإن ما يستفاد من ذلك أن المشرع قد أراد بالقرارات النهائية للسلطات التأديبية تلك القرارات الصادرة بالجزاءات مما يجوز لتلك السلطات توقيعها طبقا لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الذي حدد هذه السلطات وما تملك كل سلطة منها توقيعه من جزاءات، وذات المعنى هو المقصود بالجزاءات التي توقع على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانونا، وهو قانون نظام العاملين بالقطاع العام، الذي حدد هو الآخر السلطات التأديبية وما يجوز لكل سلطة منها توقيعه من جزاءات، وهو ذات المقصود من المادتين 19 و 21 من القانون، ومن ثم فإن تعبير الجزاء التأديبي لا يمكن أن يقصد به غير هذا المعنى المحدد، وقد حدد كل من قانوني العاملين بالحكومة والقطاع العام هذه الجزاءات على سبيل الحصر.

وعلى هذا الوجه، وإذا كان اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في الجزاءات على نحو ما سلف إيضاحه بالمراحل التشريعية المحددة لذلك قد انتقل إلى هذه المحاكم استثناء من الولاية العامة للقضاء العادي (المحاكم العمالية)، كما جاء كذلك استثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري بالنسبة للموظفين العموميين، لذلك وإذ كانت القاعدة المسلمة أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره خاصة بعد زوال موجبه، فما كان يجوز سلوك هذا الاجتهاد مع صراحة النصوص المحددة للجزاءات التأديبية على سبيل الحصر طبقا لما سلف البيان، والقول بغير ذلك يؤدي إلى خلق جزاء جديد (هو الندب أو النقل)، وإضافته إلى قائمة الجزاءات التي حددها القانون صراحة وعلى سبيل الحصر، وهو ما لا يتفق مع أحكام القانون.

وفي ظل النظر باختصاص المحاكم التأديبية بالجزاء المقنع بالنقل أو الندب بعد العمل بالقانون رقم 47 لسنة 1972، ولوضع معيار في تحديد الاختصاص بين هذه المحاكم والقضاء الإداري والعمالي بالنقل أو الندب، فإن القول بوجود الجزاء المقنع كان يفرض البدء بالتعرض لموضوع الطعن والفصل فيه للتوصل إلى التحقق من وجود جزاء مقنع أو عدم وجوده، فكان على المحكمة التأديبية لتحديد اختصاصها أن تبدأ بالفصل في الموضوع، فإذا تيقنت من وجود جزاء مقنع كانت مختصة، وإذا انتهت إلى عدم وجود الجزاء المقنع لم تكن مختصة، وهو مسلك يخالف أحكام القانون في عدم توقف تحديد الاختصاص على الفصل في الموضوع.

وخروجا من هذا المأزق القانوني قيل بأن العبرة في تحديد الاختصاص هو بما يحدده الطاعن في طلباته، فإن وصف طعنه بأن محله جزاء مقنع اختصت المحكمة التأديبية، وإذا لم يقم طعنه على فكرة الجزاء المقنع لم تكن تلك المحكمة مختصة، هذا في حين أن الذي يتولى تحديد ما يعتبر جزاء مقنعا أو جزاء تأديبيا صريحا هو القانون وحده، أما ما يضفيه المدعي على طلباته من أوصاف قانونية فالعبرة فيها بما يقرره القانون، وتقضي به المحكمة صاحبة القول الفصل في إنزال التكييف القانوني السليم دون التزام بما يسنده صاحب الشأن من أوصاف قانونية، فالقانون هو الذي يحدد صراحة ما يعتبر جزاء تأديبيا أو قرارا نهائيا صادرا عن سلطة تأديبية.

لذلك فإنه لا يمكن التسليم للمتقاضي بأن ينفرد وحده بتحديد اختصاص المحكمة واختيار قاضيه حسبما يضفي على طلبه من وصف، إن شاء لجأ إلى المحكمة التأديبية فيصف النقل أنه تضمن جزاء، وإن شاء لجأ إلى المحكمة صاحبة الولاية العامة بقضاياه عندما ينفي وجود هذا الوصف، فيستند إلى الادعاء بوجود أي عيب آخر غير هذا العيب القصدي، وبذلك يصبح تحديد الاختصاص القضائي رهين إرادة منفردة يفرضها المتقاضي على القانون، ويقيد بها القاضي، فلا يملك تصحيح التكييف المعيب الذي أضفاه صاحب الشأن، وهذا ما يخالف ما هو مسلم من أن تحديد الاختصاص أمر يختص به القانون وحده، وأن إضفاء التكييف القانوني السليم على طلبات المتقاضين أمر تملكه المحكمة وحدها.

وليس من شك في أن تدارك هذه الأوضاع الشاذة يفرض الأخذ بما ذهب إليه الاتجاه الآخر من الالتزام في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالجزاءات الصريحة التي حددها القانون؛ إذ لم يعد لفكرة الجزاء المقنع موجب من حيث الاختصاص، فضلا عن أنه يترتب على الأخذ بهذا المعيار توحيد الاختصاص بنظر الطعون الموجهة إلى النقل أو الندب في جهة واحدة، بالإضافة إلى وضع حدود فاصلة وواضحة بين جهات القضاء وأنواع الخصومات.

ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن الهيئة تؤيد ما ذهبت إليه الدائرة الثالثة من وجوب الالتزام في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالجزاءات الصريحة التي حددها القانون على سبيل الحصر، وبالتالي لا ينعقد الاختصاص لهذه المحاكم إلا إذا كان الطعن موجها إلى ما وصفه صريح نص القانون بأنه جزاء، فإذا كان الطعن موجها إلى قرار صدر بنقل أو ندب أحد العاملين بالحكومة اختصت به محكمة القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية بحسب القواعد المنظمة لتوزيع الاختصاص بينهما، أما إذا تعلق الطعن بندب أو نقل لأحد العاملين بالقطاع العام انعقد الاختصاص للقضاء العادي (المحاكم العمالية) صاحبة الولاية العامة بمنازعات العمال.

                 فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في قرارات النقل أو الندب، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

Comments are closed.

xnxxbf