ليس المقصود بذلك عد الصلاحية الفنية التي تجعل القاضي غير صالح للاستمرار في وظيفته و تؤدي إلي عزله بواسطة مجلس التأديب الخاص بالقضاة ، و إنما فقط قيام حالة من الحالات التي نص عليها المشرع تجعل القاضي غير صالح لنظر قضية معينة يفترض المشرع أنه لن يكون محايداً بصددها ، و لكنه سيكون صالحاً لنظر ما عداها من القضايا.
و أسباب عدم الصلاحية وردت في القانون علي سبيل الحصر ، و هي من القوة بحيث تجعل القاضي غير صالح لنظر دعوي معينة بقوة القانون أي لمجرد توافر السبب و لو لم يطلب منه الخصوم أن يتنحي عن نظرها ، بل و لو حتي اتفق الخصوم علي صلاحيته.
فالمقصود من الحالات حماية مظهر الحيدة التي يجب أن يتحلي بها القاضي أكثر منها حماية مصالح الخصوم.
يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوي في الأحوال الآتية، و هي ما نصت عليه المادة 146 من قانون المرافعات:
الحكمة من جعل ذلك سبباً لعدم صلاحية القاضي هي أن وجود مثل هذه العلاقة بين القاضي و بين أحد الخصوم غالباً ما يؤثر علي حياد القاضي أو علي مظهر الحيدة علي الأقل.
و يقوم هذا السبب و لو كانت قرابة القاضي بالخصمين معاً ، إذ قد تكون رابطته بأحدهما رابطة عطف و مودة ، و بالآخر رابطة بغض أو عدم اكتراث ، مما لا يضمن معها سلامة الحكم من التميز أو خلوصه بوجه الحق.
كما يدخل تحت هذا السبب من باب أولي أن يكون القاضي زوجاً لأحد الخصوم ، كما يقوم هذا السبب و لو بعد انحلال الزواج.
و غذا كان القاضي نفسه هو الخصم فإن ولايته القضائية تنتفي بالنسبة للدعوي و يعد العمل الصادر منه منعدما لصدوره من غير قاض.
الحكمة من ذلك أن الخصومات تثير الأحقاد و تحمل علي التشفي مما يخشي معه انحراف القاضي عن طريق العدالة أو اتهامه بذلك.
و يشترط لتوافر هذه الحالة أولاً أن تكون الخصومة قضائية، فلا يكفي وجود شكوي إدارية أو إجراءات تمهد للخصومة.
و يشترط ثانياً أن تكون هذه الخصومة قائمة وقت نظر الدعوي بأن تكون قد بدأت قبل رفع الدعوي و مازالت قائمة . أما إذا بدأت و انتهت قبل نظر الدعوي أو أنها لم تبدأ إلا بعد رفع الدعوي فإن هذه الحالة لا تتوافر ، و ذلك حتي لا يركن الخصوم إلي هذه الوسيلة فيستطيعون تهديد القاضي في أية لحظة بافتعال خصومة قضائية معه بقصد إقصائه عن الدعوي التي دخلت حوزته .
و يشترط ثالثاً أن تكون الخصومة بين القاضي أو زوجته و بين أحد الخصوم أو زوجته، فلا يكفي أن تكون الخصومة مع محامي أحد الخصوم ، فهذا المحامي ليس طرفاً في الخصومة المنظورة أمام القاضي.
ذلك أن الوكيل الاتفاقي أو النائب القانوني لن يكون محايداً في النزاع الذي يقوم بين الموكل أو عديم الأهلية و بين الغير. كما أنه إذا كان أحد الخصوم قريباً للقاضي لأبعد من الدرجة الرابعة و من شأن هذه القرابة أن تجعل القاضي وارثاً بفرض وفاة الخصم، فإن المصلحة المحتملة للقاضي في تضخيم أموال المورث المحتمل أن تؤول إليه تجعله غير محايد لنظر الدعوي التي يكون فيها هذا القريب طرفاً .
و العبرة بتوافر السبب وقت نظر الدعوي ، فإذا كانت وكالة القاضي أو نيابته قد انقضت قبل نظر الدعوي ، أو كان الإرث قد تحقق بالفعل قبل رفع الدعوي فإن القاضي يعد صالحاً لنظرها.
و لكن ليس شرطاً أن يكون هذا السبب متوافراً من قبل رفع الدعوي، فعندما تنشأ صلة الوكالة أو النيابة بعد رفع الدعوي فإن القاضي يعد غير صالح لنظرها.
و إذا كانت للقاضي مجرد صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه فإن ذلك يعتبر أيضاً سبباً لعدم الصلاحية.
و يشترط القانون لتوافر عدم الصلاحية هنا أن يكون “لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوي”.
صحيح أن عضو مجلس الإدارة أو المدير ليس خصماً في الدعوي – و إنما الخصم هو الشخص المعنوي ذاته – و بكن أن يكون للعضو أو المدير مصلحة غير مباشرة تعود عليه من كسب الدعوي يجعل القاضي القريب لأيهما غير محايد و بالتالي غير صالح لنظر الدعوي.
ليس المقصود بذلك أن أن يكون أحد المذكورين طرفاً في الدعوي المرفوعة أمام القاضي و إلا خضع للسبب الأول من أسباب عد الصلاحية، و إنما المقصود أن أحدهم في مركز قانوني يتأثر بالحكم في الدعوي، مثال ذلك أن يكون القاضي أو أحد أقاربه مشترياً لعقار مرفوعة بشأنه دعوي فسخ علي البائع، فالحكم بالفسخ سوف يؤدي بطريق غير مباشر إلي إبطال البيع الذي ابرم مع القاضي أو أحد أقاربه.
الجامع بيه هذه الأمور هو أن القاضي قد أبدي رأياً معيناً أو اتجاهاً معيناً بالنسبة للدعوي مما يتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، فالمشرع يخشي من عدم قدرة القاضي علي الرجوع عن رأي أبداه من قبل في ذات الدعوي ، مما يخل بالتالي بحياده و استقلاله عن أي مكان مؤثر كان.
و يلزم لتوافر هذه الحالة أن يكون القاضي قد أبدي رأيه بإحدي الصور السابقة في ذات الدعوي المعروضة عليه ، و لو في خصومة سابقة ، كأن سبق له نظرها كقاض في درجة تقاضي سابقة أو سبق له أن أصدر حكماً تمهيدياً يشف عن اتجاهه في الدعوي في درجة تقاضي سابقة ، أما سبق نظر الدعوي المستعجلة فإنه لا يمنع القاضي بعد ذلك من نظر الدعوي الموضوعية التي تتعلق بها الدعوي المستعجلة لاختلاف الدعويين.
كذلك فإن سبق نظر الاستئناف الوصفي لا يمنع من نظر الاستئناف الموضوعي ، أيضاً فإن سبق نظر الدعوي لا يحول دون صلاحية القاضي لنظرها في نفس درجة التقاضي كما في حالة التماس إعادة النظر.
و يجب أن يكون سبق ابداء الرأي في ذات الدعوي المعروضة عليه و ليس في دعوي مشابهة أو مرتبطة , و لذلك فإن سبق ابداء الرأي العلمي في مقال أو مؤلف قانوني بمناسبة الحكم الصادر في دعوي معينة لا يمنع القاضي من نظر دعوي أخري و إن كانت متشابهة .
و يجب أن تكون الشهادة قد حدثت من القاضي فعلاً ، فلا يكفي مجرد استدعاءه للشهادة كما لا يكفي أن يذكر القاضي شهادته أنه لم يعلم شيئاً.
تنص علي هذا السبب المادة 75/1 من قانون السلطة القضائية، و الحكمة من ذلك ضمان استقلال القاضي في رأيه و عدم تأثره بآراء قريبه أو صهره، فهو يرمي إلي ضمان حسن إعمال مبدأ تعدد القضاة.
و قد نصت علي هذا السبب أيضاً المادة 75/2 من قانون السلطة القضائية باعتبار أن هذه الصلة قد تؤثر في استقلال القاضي و حياده.
و يلاحظ أنه بالنسبة لوكالة المحامي الذي تربطه بالقاضي القرابة المذكورة فإن نفس المادة تجعل القاضي صالحاً إذا كانت الوكالة لاحقة لقيام القاضي بنظر الدعوي، لأن بغير ذلك يجعل القاضي تحت رحمة الخصوم بأن يقوم أحدهم بتكويل محام قريب للقاضي الذي تعين لنظر الدعوي و لا يريده الخصم.
العلة في ذلك أن وجود خصومة قضائية أو إدارية بين القاضي و أحد الخصوم تحول دون حياده في نظر الدعوي التي يكون هذا الخصم أحد أطرافها.
فمجرد رفع دعوي المخاصمة لا يجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوي التي حصلت المخاصمة بسببها ، و لكن ابتداء من الحكم بقبول هذه الدعوي لا يصير القاضي صالحاً لنظرها ، علي أنه إذا حكم بعد ذلك برفض المخاصمة صار القاضي صالحاً لنظر الدعوي.
إذا قام سبب من أسباب عدم الصلاحية السابقة يكون القاضي ممنوعاً من سماع الدعوي التي قام بها السبب.
و بناء عليه يجب علي القاضي من تلقاء نفسه أن يتنحي عن نظر الدعوي دون حاجة إلي الحصول علي إذن بذلك و دون حاجة إلي أن يطلب منه الخصوم ذلك.
إذا لم يتنحي القاضي فإن عمله أو قضاءه يقع باطلاً و لم تم باتقاف الخصوم ، بل و لو كان القاضي لا يعلم بوجود سبب عدم الصلاحية، معني ذلك أن المشرع يعتبر قواعد عدم الصلاحية من النظام العام ، و هو محق في ذلك فالأمر لا يتعلق فقط بالمصالح الخاصة للخصوم إلا أنه يهم في المقام الأول حماية مظهر الحيدة و هو من لوازم حسن سير القضاء.
و لذلك يجوز الطعن في الحكم الصادر منه بطرق الطعن المتاحة ، و يلاحظ أن وقوع بطلان في الحكم يجعل هذا الأخير قابلا للطعن بالاستئناف و لو كان صادراً في حدود النصاب الانتهائي للمحكمة ، كما يجعله قابلاً للطعن بالنقض و لو كان صادراً من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية ، و حتي لو كان الحكم صادراً من محكمة النقض فإنه خلافاً للقاعدة التي لا تجيز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن فإنه يجوز للخصم أن يلجأ إلي محكمة النقض طالباً منها إلغاء الحكم و إعادة نظر الطعن أمام دائرة أخري.
علي أن الحكم الصادر من قاض غير صالح لاصداره لا يعد معدوماً، و بالتالي إذا انقضت مواعيد الطعن في مثل هذا الحكم فإنه لا تجوز مهاجمته بأي طريق.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |