بسم اللــــه الرحمـــن الرحيــــم
رقم التبليغ:
بتاريــخ: / /2021
ملف رقم: 32/2/5407
السيد الدكتور/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد
تحية طيبة، وبعد،
فقد اطلعنا على كتابكم رقم (4559) المؤرخ 24/2/2021، بشأن النزاع القائم بين الهيئة القومية للبريد والوحدة المحلية ببني محمد سلطان بمحافظة المنيا، بخصوص فسخ التعاقد مع الهيئة وإلزامها بسداد مبلغ مقداره (2234) ألفان ومئتان وأربعة وثلاثون جنيهًا قيمة مقابل الانتفاع بمكتب بريد ماقوسة المقام على مساحة (77)م2 عن الفترة من 1/7/2018 حتى 30/6/2020.
وحاصل الوقائع– حسبما يبين من الأوراق– أن الهيئة القومية للبريد كانت قد تعاقدت بتاريخ 20/3/2001 مع الوحدة المحلية ببني محمد سلطان بمحافظة المنيا، على شغل مقر مكتب بريد ماقوسة، والذي أقيم بالجهود الذاتية على مساحة (77)م2 خدمة لأهالي البلدة، بموجب عقد تبرع بحق الانتفاع لمدة خمسين عامًا بدون مقابل، وقد استمر شغل الهيئة لهذا المقر لمدة تجاوزت ثمانية عشر عامًا، قامت بعدها الوحدة المحلية ببني محمد سلطان بتاريخ 19/7/2020 بمطالبة الهيئة بسداد مقابل مادي نظير انتفاعها وشغلها لهذا المقر، استنادًا إلى قرار اللجنة العليا لأملاك الدولة برئاسة محافظ المنيا في 2/9/2019 بشأن إعادة التقديرات عن مكاتب البريد المقامة على أراضي أملاك الدولة الصادر لها قرارات تخصيص، حيث تم إعادة تقدير الإيجار الاسمي للمتر الواحد سنويًّا بمبلغ عشرين جنيهًا للمتر بالمدن، ومبلغ عشرة جنيهات للمتر في القرى، وقدرت الوحدة المحلية ببني محمد سلطان قيمة مقابل الانتفاع عن المقر المذكور عن الفترة من 1/7/2018 حتى 30/6/2020، بمبلغ (2234) ألفين ومئتين وأربعة وثلاثين جنيهًا، وطالبت الوحدة المحلية بفسخ التعاقد مع الهيئة في حال عدم السداد، وارتأت الهيئة أحقيتها في استمرار شغل المقر المذكور بدون قيمة إيجارية، واستمرار سريان العقد المحرر بين الطرفين حتى نهاية مدته في 1/3/2051، وعدم أحقية الوحدة المحلية ببني محمد سلطان في المطالبة بأي مبالغ حاليًّا أو مستقبلا حتى نهاية العقد، لذا طلبتم عرض النزاع على الجمعية العمومية.
ونفيد أن النزاع عُرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المعقودة في 27 من أكتوبر عام 2021م الموافق 20 من ربيع الأول عام 1443هـ؛ فتبين لها أن المادة (87) من القانون المدني تنص على أن: “تُعتَبر أموالا عامة: العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص…”، وأن المادة (88) منه تنص على أن: “تفقد الأموال صفتها العامة بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة. وينتهى التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص أو بالفعل أو بانتهاء الغرض الذى من أجله خُصصت تلك الأموال للمنفعة العامة”، وأن المادة (147) منه تنص على أن: “(1) العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه
ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون…”، وأن المادة (148) منه تنص على أن: “(1) يجب تنفيذ العقد طبقًا لما اشتمـل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية…”، وأن المادة الأولى من القانون رقم (19) لسنة 1982 بإنشاء الهيئة القومية للبريد تنص على أن: “تنشأ هيئة قومية لإدارة مرفق البريد تسمى (الهيئة القومية للبريد) وتكون لها الشخصية الاعتبارية…”.
واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم– وحسبما جرى به إفتاؤها- أن الأصل فى ملكية الدولة لأموالها أنها ملكية عامة تبتغى منها إدارة المرافق العامة التى تضطلع بأعبائها، سواء أكانت هذه المرافق محض تقسيمات إدارية لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية كالوزارات، أم كانت أشخاصًا اعتبارية كالهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية، إذ إن كلا منها لا يعدو أن يكون جزءًا أو عنصرًا من الكيان القانونى العام للدولة، وعليه فإن تخصيص الدولة جانبًا من أموالها لأى من هذه المرافق لاستخدامها فى تحقيق غرضها، سواء بمناسبة إنشائها أو فى تاريخ لاحق لهذا الإنشاء، إنما يتم بدون مقابل كأصل عام، ولا يُعد هذا التخصيص، أو نقل الانتفاع بالمال العام بين أشخاص القانون العام، من قبيل النزول عن أموال الدولة أو التصرف فيها، ذلك أنه لا يصح القول بتعدد الدومين العام استنادًا إلى المادة (87) من القانون المدنى؛ لأن هذه المادة وردت بشأن تحديد صفة المال العام المُخصص للمنفعة العامة سواء أكان تحت يد الدولة، أم الأشخاص الاعتبارية العامة، بل إن نصوص القانون المدنى تُعين على القول بوحدة الدومين العام، فالمادتان (87) و(88) حين تعرضتا لأحوال تخصيص المال العام للمنفعة العامة أو انتهاء هذا التخصيص وفقده صفته كمالٍ عام، قَضَتا بأن يكون التخصيص أو الإنهاء بقانون أو مرسوم أو بقرار من الوزير المختص، أو بالفعل. وعلى ذلك فإن أدوات تخصيص المال المملوك للدولة للمنفعة العامة أو انتهاء هذا التخصيص بعمل قانونى تنحصر فى: قانون، أو مرسوم، أو قرار وزارى، وهى أدوات لا تصدر إلا عن بعض سلطات الدولة، وهو ما يعنى انفراد الدولة بملكية الدومين العام ولو كان تحت يد غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، ومن ثم فإن نقل الانتفاع بأموال الدولة المملوكة لها ملكية عامة بين أشخاص القانون العام، إن لم يُجرِه الكيان القانونى العام- وهو الدولة– بأي من هذه الأدوات التي حددها المشرع، فإن الجهة الإدارية المُخصص لها المال العام أو التى تنتفع به، والجهة الإدارية التى لها سلطة الإشراف الإدارى على الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، إنما تترخص فى إجراء هذا النقل حسبما تراه محققًا للمصلحة العامة، كما أنها تترخص فى حال الموافقة عليه فى تحديد المقابل الذى تحصل عليه لقاء ذلك، فتغيير وجه المنفعة العامة، سواء أتمّ بمقابل أم بدون مقابل، لا يجوز إلا بعمل قانونى حسبما حدّده المشرع، طبقًا لما سبق بيانه، أو بفعل يصدر عن الجهة صاحبة الحق فى هذا المال، بحسبانها صاحبة الاختصاص الأصيل فى هذا الشأن، بما لا يجوز معه لأية جهة أخرى القيام بذلك، أو غصب سلطة تلك الجهة فى الانتفاع بالمال العام، أو فى إدارة أو استغلال أو التصرف فى الأموال التى ناط بها المشرع القيام على شئونها، أو إسباغ وصف المال العام على مال لا تملكه، إذ إن ذلك من سلطة الجهة الإدارية التى يتبعها، أو يُخصص لها هذا المال.
فوصفُ الجهة بأنها من أشخاص القانون العام لا يستنهض لها حقًّا فى تقرير أو نقل أو إنهاء وجه المنفعة العامة للمال الخاضع لإشراف جهة عامة أخرى، أو تجاوز سلطة الإدارة والاستغلال والتصرف المعقودة لجهة إدارية أخرى على بعض الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، حيث يجب أن يتم ذلك كله ممّن يملكه، وباتباع الأداة القانونية الصحيحة.
كما استظهرت الجمعية العمومية مما تقدم– وعلى نحو ما استقر عليه إفتاؤها– أن المشرع استنّ أصلا عامًّا من أصول القانون ينطبق بالنسبة إلى العقود المدنية أو الإدارية على حدٍّ سواء، مقتضاه أن العقد شريعة المتعاقدين، وأنه لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التى يقررها القانون، وأن تنفيذه يجب أن يكون طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، فالعقد الإدارى مثل العقد المدنى لا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء أو تعديل التزامات تعاقدية تقوم على التراضي بين طرفيه، وهو بهذه المثابة شريعة المتعاقدين، فما تلاقت عليه إرادتاهما يقوم مقام القانون بالنسبة إليهما.
وترتيبًا على ما تقدم، ولما كان الثابت أنه بتاريخ 20/3/2001م، تم الاتفاق بين الوحدة المحلية ببني محمد سلطان بمحافظة المنيا والهيئة القومية للبريد على شغل وانتفاع الهيئة بالمبنى المملوك للوحدة المحلية ومساحته (77)م2، لاستغلاله مكتبًا للبريد وفي تأدية كافة أغراض وخدمات الهيئة خدمةً لأهالي القرية، وقد اتفق الطرفان صراحة على أن الانتفاع بالمبنى المشار إليه بدون مقابل، ولمدة خمسين عامًا تنتهي في 20/3/2051م، وإذ خلت الأوراق مما عساه أن يُفيد وجود اتفاق لاحق بين الطرفين على أن يكون الانتفاع بمقابل، كما لم تقدم الوحدة المحلية ببني محمد سلطان– رغم مطالبتها بذلك أكثر من مرة– سندها في المطالبة أو في انتفاء حق الهيئة بالانتفاع بالمبنى محل النزاع، واستمرت الهيئة القومية للبريد في شغل هذا المبنى واستخدامه باعتبارها هيئة عامة تقوم على إدارة مرفق عام هو مرفق البريد لمدة تسعة عشر عامًا دون أي اعتراض أو مطالبة بمقابل من جانب السلطات ذات الاختصاص بمحافظة المنيا، وكان سند شغلها لهذه العين يُعَدُّ في حقيقته عقد انتفاع بمال عام دون مقابل، أبرمته الهيئة مع الوحدة المحلية ببني محمد سلطان، وقد خلت الأوراق مما يفيد انتهاء غرض المنفعة العامة المرصودة له العين محل النزاع، أو انحساره عنها بمقتضى سندٍ قانوني يُعتَدُّ به، ومن ثم فإنه يحق للهيئة الاستمرار في الانتفاع بالمبنى المشار إليه كمكتب بريد بلا مقابل طوال مدة العقد المشار إليه، ولا يحق للوحدة المحلية لقرية بني محمد سلطان مطالبتها بأية مبالغ مالية نظير هذا الانتفاع طوال مدة هذا العقد، مما يتعين معه رفض المطالبة.
لـــذلــــك
انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى: أحقية الهيئة القومية للبريد في شغل مقر مكتب بريد ماقوسة التابع للوحدة المحلية ببني محمد سلطان بمحافظة المنيا بلا مقابل طوال مدة العقد المُبرم بين الهيئة والوحدة المحلية ببني محمد سلطان، وعدم أحقية الوحدة المحلية ببني محمد سلطان في مطالبة الهيئة بأية مبالغ مالية نظير شَغلها هذا المقر طوال مدة هذا العقد، وذلك على النحو المُبين بالأسباب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحريرًا في: / /2021
رئـيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
المستشار/
أسامة محمود عبد العزيز محرم
النــائـــب الأول لرئـيـس مـجـلـس الـدولــة
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |