برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد أحمد الحسيني عبد المجيد وجودة عبد المقصود فرحات وعادل محمود زكي فرغلي وإسماعيل صديق محمد راشد وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعلي فكري حسن صالح والسيد محمد السيد الطحان وغبريال جاد عبد الملاك ود.حمدي محمد أمين الوكيل ويحيى خضري نوبي محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
……………………………………………………………….
(أ) دستور– مبدأ المشروعية الدستورية- غاية هذا المبدأ أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور- تتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة.
(ب) حقوق وحريات– الحقوق التى كفلها الدستور، ومنها حق التقاضى وحق الدفاع، ليست حقوقا مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها، وبالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور.
(ج) رسوم– التمييز بين الرسم والضريبة العامة- يتمايزان من حيث أداة إنشاء كل منهما، ومن حيث مناط كل منهما- الضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا من المكلفين بأدائها، إسهاما من جهتهم في الأعباء المالية، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها- الرسم مبلغ محدد من النقود، يسدد جبرا عن أصحاب الشأن مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها، كمقابل لتكلفتها وإن لم يكن بمقدارها- يبدو عنصر الجبر في الرسوم واضحا في استقلال مُصدر القرار بوضع نظامه القانوني من حيث تحديد مقداره وحالات استحقاقه وطريقة تحصيله، وأن هذا السعر يدفع مقابل انتفاع صاحب الشأن بالخدمة- الغرض الأساسي من اقتضاء الرسوم مقابل الخدمة التي يؤديها المرفق العام هو غرض مالي لمواجهة جزء من النفقات العامة التي تتحملها الخزانة العامة في سبيل توفير هذه الخدمة.
(د) رسوم– أداة فرض الرسم- الدستور لم يستلزم لفرض الرسم صدور قانون بتقريره، بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون، ومن ثم فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض، وأن يكون ذلك في حدود إجازتها، وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستوريا، وافتقدت أساس الإلزام بها.
(هـ) رسوم– رسوم قضائية- طبيعتها- الرسوم القضائية تعد مساهمة من جانب المتقاضين مع الدولة في تحمل نفقات مرفق العدالة- تدَخُّل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام عوضًا عما تتكبده الدولة من نفقة في سبيل تسيير مرفق العدالة لا ينطوي على إخلال بحق الملكية.
(و) رسوم– رسوم قضائية- أداة فرضها- السبيل في فرضها هو الأداة التشريعية المقررة دستورا- السبيل الوحيد لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة هو زيادة الرسوم القضائية المقررة في قوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر، أو صدور قانون بفرض الرسم.
(ز) رسوم– رسوم قضائية- عدم مشروعية فرض مقابل مالي نظير الخدمات الميكروفيلمية بموجب قرار يصدر بتنظيم هذه الخدمة عن رئيس المحكمة الابتدائية- تتوفر في شأن أسعار هذه الخدمة خصائص الرسوم؛ لأنها مبالغ محددة من النقود تسدد جبرا عن أصحاب الشأن من المتقاضين مقابل انتفاعهم بالخدمة– استهداف استحداث نظام حديث لتيسير التقاضي لا يجوز إلا من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما توجبه من إجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة– لا وجه للتحدي بأن مقابل الخدمة الميكروفيلمية لا يعد رسما، تأسيسا على أن حصيلته لا تئول إلى الخزانة العامة وإنما إلى خزانة الشركة المتعاقد معها، كما لا تتحمل وزارة العدل أية نفقات في هذا الشأن- تحصيل هذه المبالغ التي تمثل نفقة الخدمة الميكروفيلمية لا يغير من طبيعتها كرسوم.
في يوم الأحد الموافق 2/8/1998 أودع الأستاذ/… النائب بهيئة قضايا الدولة نائبا عن الطاعنين بصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها العمومي برقم 7402 لسنة 44 ق عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 2635 لسنة 2ق بجلسة 22/6/1998، القاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر عن السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية فيما تضمنه من تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
وطلب الطاعنان بصفتيهما -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه، والقضاء مجددا برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وقد حددت لنظر الطعن أمام الدائرة الأولى عليا فحص طعون جلسة 3/1/2000، وبجلسة 19/6/2000 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 27/8/2000، وتداولت نظره على النحو المبين بمحاضر جلساتها إلى أن قررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 17/2/2001 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق عليا بجلسة 19/1/1991 إلى تأييد قرار السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بإدخال نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة.
وقد عينت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 5/4/2001، وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، حيث أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرتي دفاع صممت في ختامهما على الطلبات المبينة بتقرير الطعن، تأسيسا على أنه قد تم الاتفاق بين الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم وبعض المراكز المتخصصة في مجال خدمة الميكروفيلم لإدخال نظام هذه الخدمة في حفظ وثائق ومستندات الدعاوى المنظورة أمام المحاكم، والإشراف على تطبيقه فنيا وهندسيا وإداريا، بحيث يكون المركز مسئولا عن جميع الأعمال التي يؤديها في مقر المحكمة على وفق النظم التي تم الاتفاق عليها بموجب العقود التي أبرمت بشأن إدخال هذه الخدمة؛ لذلك أصدر رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية (مفوضا من جمعيتها العمومية) الأمر الإداري المطعون فيه بشأن قواعد وإجراءات التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر بجميع محاكم الإسماعيلية، وعلى ذلك يكون القرار الطعين قد صدر طبقا لأحكام السلطة القضائية وفي حدود الاختصاص المخول لرؤساء المحاكم الابتدائية تفويضا من الجمعية العمومية بها.
ولا يقدح في ذلك ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق عليا بجلسة 19/1/1991 الذي استند إليه الحكم المطعون فيه بشأن القرار المطعون فيه من أنه قد تضمن حظرا أو مانعا على قيد الدعاوى، وفرضا رسما لم يقرره المشرع؛ لأن الأخذ بهذا النظام العالمي المستحدث -الذي يعد من أكفأ الأنظمة في حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من الفقد والضياع أو العبث بها أو التلاعب في محتواها- لا يعد بحال من الأحوال حظرا على قبول وقيد الدعاوى، وخاصة أنه ليس في قانون المرافعات أو قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ما يمنع من تنظيم العمل بالمحاكم تمشيا مع التكنولوجيا الحديثة المتطورة أو بإدخال الأنظمة الحديثة بالمحاكم.
كما أن المقابلَ المالي اليسير المقررَ مقابلَ هذه الخدمة المتطورة لا يعد قيدا أو حظرا على قيد وقبول الدعاوى كما صوَّره الحكم المطعون فيه؛ لأن القيدَ أو الحظرَ معناه غلُّ يد صاحب الشأن ومنعُه من قيد دعواه على أية صورة من الصور، أي منعه مطلقا من ذلك، وهذا ما لا يرمي إليه نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحاكم، فضلا عن أن هذا المقابل الذي وُصف بطريق الخطأ “رسما” هو ليس برسم، وإنما هو مقابل من المال نظير أداء هذه الخدمة، ويؤكد ذلك أن حصيلته لا تئول إلى خزانة الدولة، وإنما تئول إلى المركز أو المؤسسة التي تقوم على تنفيذ هذا النظام، كما لا يرتبط في تحديد قيمته بالقيمة المالية للدعوى، وإنما يكون حسب عدد أوراقها ومستنداتها، وعلى ذلك لا يعد تقرير هذا النظام والعمل به مخالفا لأحكام الدستور أو القانون؛ باعتبار أنه خدمة مهمة ترمي بالفعل إلى تحقيق مصلحة المتقاضي نفسه والمصلحة العامة في ذات الوقت بالحفاظ على أوراق ومستندات الدعاوى لدى دور المحاكم وسرعة الرجوع إليها والاطلاع عليها، مما يكون له أكبر الأثر في تحقيق عدالة ناجزة وسريعة بين المتقاضين.
وبجلسة 6/3/2003 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 8/5/2003 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء في شهر، حيث لم تقدم أية مذكرات من الطرفين، وبالجلسة السالفة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 5/6/2003 لإتمام المداولة، وبهذه الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم إداريا لجلسة 3/7/2003، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وجميع الأوراق- في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 2635 لسنة 2ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 24/7/1997 بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر عن رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية، وفي الموضوع بإلغاء القرار المذكور، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات، على سند من القول إنه بتاريخ 1/11/1991 صدر قرار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 بتطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية، وفرض هذا النظام في تعاملات المحامين والأفراد والمتقاضين أمام المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية، ونعى على هذا القرار أنه فرض هذا النظام مقابل رسم بالمخالفة للقانون، وانتهاكا لحرمة الدستور، بدعوى أن نصوص قانون المرافعات في المواد 63 حتى 71 حددت كيفية رفع الدعوى وقيدها أمام المحكمة بإجراءات واجبة التنفيذ وعلى سبيل الحصر، ولا يجوز فيها التأويل أو التفسير، وأن تقرير نظام الميكروفيلم يعد قيدا على حق التقاضي، ويشكل مخالفة لنص المادة 68 من الدستور، كما أنه يخالف نصوص القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية المتضمن قواعد تقدير رسوم الدعوى وأحوال تخفيضها وكيفية حسابها، وكذلك مخالفة المادة 119 من الدستور التي تنص على أن إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون، كما أنه يتضمن إخلالا بسرية التقاضي والانحراف بالسلطة، كما أنه صدر معيبا بعيب غصب السلطة، وهي سلطة المشرع المنوط به إصدار القوانين.
………………………………..
وبجلسة 22/6/1998 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية (الدائرة الأولى) حكمها المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نصوص المواد 68 و 69 و 195 من الدستور و15 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية و63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية و37و51 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية في المواد المدنية- على أن البادي من ظاهر الأوراق أن رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية أصدر بتاريخ 1/11/1991 القرار رقم 26 لسنة 1991 متضمنا تطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمي للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى بمحكمة الإسماعيلية الابتدائية وجزئياتها، وحدد خطوات قيد الدعاوى الجديدة، وألزم أصحاب الشأن التقدم إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية بالعريضة والمستندات ليقوم المركز بتقدير وتحصيل الرسوم المستحقة لتوثيق تلك الأوراق، وقرر عدم قبول عرائض الدعاوى أو مستنداتها أو أية أوراق متعلقة بها إلا بعد التحقق من توثيقها بالميكروفيلم وختمها بالخاتم الخاص بذلك، كما حظر تسليم صور الأحكام أو الشهادات أو المستندات أو الاطلاع عليها إلا بعد اتخاذ إجراءات التوثيق الميكروفيلمي، وألزم أمين السر تكليف أصحاب الشأن بسداد قيمة توثيق جميع المستندات والأوراق كل فيما يخصه بخزينة الميكروفيلم، وبذلك يكون رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية قد وضع قواعد تنظيمية عامة بقرار إداري يقيد به اطلاع الخصوم على أوراق ومستندات الدعاوى، الأمر الذي يشكل قيدا على الاطلاع لم يرد به نص فى قانون المرافعات، فضلا عما تنطوي عليه تلك القيود من إخلال بحق الدفاع وتدخل في سير الدعاوى على نحو يتعارض مع اختصاص القاضي الذي ينظر الدعوى، صاحبِ الحق الوحيد في الترخيص بالاطلاع من عدمه على وفق ما يراه محققا وكافلا لحق الخصوم في إبداء دفاعهم في الدعوى، كما أنه يكون بذلك قد فرض رسوما بالمخالفة لصريح أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية، ورسوم التوثيق في المواد المدنية التي نصت عليها المادتان 37 و 51 منه، والمادة 35 من قانون الرسوم أمام المحاكم الشرعية الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1944، وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991 -على حسب الظاهر من الأوراق- قد صدر بالمخالفة الصارخة لأحكام الدستور والقانون؛ لما قرره من وضع قيود وفرض رسوم على رفع الدعاوى وقيدها أمام المحاكم والاطلاع عليها بغير الطريق المقرر قانونا، وبأداة أدنى من التشريع اللازم لفرض الرسوم في مثل هذه الحالة، ومن ثم يكون ركن الجدية قد توفر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، كما يتوفر ركن الاستعجال فيه لما يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار الطعين من إلحاق أضرار بالمدعي وجمهور المتقاضين يتعذر تداركها، تتمثل في تعطيل وتأخير قيد الدعاوى وإفشاء أسرارهم.
………………………………..
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها أن القرار المطعون فيه لا يحمل في مضمونه ومحتواه سوى تنظيم وتحديث إجراءات التقاضي، بما في ذلك حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من التلف أو الضياع، بما لا شك أنه يحقق الفائدة القصوى للمتقاضين من هذا التطور الحديث؛ حيث إنه يحق للسلطة العامة أن تتدخل في أي وقت لتعديل سير المرافق العامة، دون أن يؤثر في استعمالها لهذا الحق اعتبارٌ غير المصلحة العامة، وتتولى جهة الإدارة إدارة وتنظيم المرفق العام بما يتلاءم وطبيعة المرفق ونوع الخدمات التي يؤديها وكيفية انتفاع الجمهور به، فإذا ما ظهر في أي وقت من الأوقات أن هذا التنظيم لم يعد يتفق مع المنفعة المرجوة، أو أن هناك تنظيما يكفل أداءها على وجه أفضل، كان لها أن تلجأ إلى تنظيم المرفق، ولها أن تفرض رسوما على الانتفاع، أو تخفف الرسوم الموجودة، أو تشدد من الرسوم المتطلبة؛ وحق الإدارة في هذا الشأن لا يقيده إلا مراعاة المصلحة العامة، ولا يمكن أن يقيدها في ذلك اعتبارات مستمدة من حق يُدَّعى اكتسابه لموظفي المرفق العام أو للمنتفعين، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ما تقدم وخلط بين الرسوم التي فرضها القانون على إجراءات التقاضي وتلك التي تحددها الإدارة بحسبانها القوامة على المرفق العام، بما يكفل حفظ أوراقهم ومستنداتهم من العبث أو التلف، بما يكفل بالتالي حسن أداء المرفق وتطوير خدماته التي تؤدى للجمهور المنتفع، بما يكون معه الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون، الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
………………………………..
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول طبيعة الرسوم المقررة مقابل تأدية الخدمات الميكروفيلمية بمقتضى القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991 الصادر عن السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية، الذي قصد به إنشاء نظام جديد ملزم للعاملين بالمحاكم وأصحاب الشأن من المتقاضين والسادة المحامين، والذي راعى في وضع تقدير تلك الرسوم أو المقابل المالي لتلك الخدمات الحديثة وزن الضوابط والاعتبارات التي رؤي استهدافها من وراء تزويد دور المحاكم بالوسائل العلمية الحديثة وما تحققه من مزايا عديدة في هذا الشأن، حيث لم يقتصر النزاع الماثل بشأنها حول أساس الالتزام بأسعار الخدمة الميكروفيلمية، وإنما امتد حول ما إذا كانت القواعد المقررة في هذا النظام مستقلة عما جاء بقوانين الرسوم القضائية؛ باعتبار أن مجال كل منهما مختلف عن الآخر، وأنه لا حرج في اختلاف أسس التقدير الموضوعة لكل منهما وقواعد وإجراءات تحصيل تلك الرسوم؛ لاختلاف الغاية التي يقصد إليها كل منهما، مما يتطلب إجراء التناسق بين أحكامهما وإعمال كل منهما في مجاله الخاص به، مما يقتضي العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991، وتأييد القرار الطعين، أم أن القواعد التي اشتمل عليها القرار المطعون فيه تشكل خروجا على أحكام الدستور ومخالفة لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وقوانين الرسوم القضائية، وأخصها:
– القانون رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته بشأن الرسوم القضائية في المواد المدنية.
– القانون رقم 91 لسنة 1944 وتعديلاته بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية.
– القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر، في خصوص ما ورد في كل منها بشأن حقوق وقواعد التقاضي والإجراءات القضائية.
ومن حيث إن الثابت أن الطعن الماثل أحيل إلى هذه الهيئة لنظره في ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق. عليا بجلسة 19/1/1991.
ومن حيث إنه يبين من استقراء هذا الحكم الصادر في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 6/5/1986 في الدعوى رقم 2596 لسنة 39ق، يبين أن هذه الدعوى كانت قد أقيمت بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الأمر الإداري الصادر عن السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة الجيزة الابتدائية بفرض نظام الميكروفيلم بجميع جزئياته مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 6/5/1986 بقبول تدخل السيد/… خصما منضما للمدعي (الطاعن)، وبعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، وألزمت المدعي والمتدخل بالمصروفات، وأقامت قضاءها بعدم قبول الدعوى على أن القرار المطعون فيه لا تتوفر في شأنه مقومات القرار الإداري؛ لكونه مجرد أوامر أو تعليمات داخلية لتنظيم العمل بالمحكمة، ملزمة للعاملين بها، ومستهدفة رعاية مصالح المتقاضين، ومن ثم لا يدخل في عداد القرارات الإدارية التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعون المقامة عليها.
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة 19/1/1991 في الطعن المشار إليه بقبوله شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء القرارات المطعون فيها على النحو المبين بالأسباب وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأسست المحكمة حكمها على أن الثابت من الأوراق أنه بناء على موافقة السيد وزير العدل بتاريخ 31/1/1984 على ما اقترحته محكمة الجيزة الابتدائية بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمبنى الجديد للمحكمة، فقد أبرم عقد بتاريخ 27 من سبتمبر سنة 1984 بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم التابعة لوزارة العدل ومركز… وذلك لتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية في مبنى محكمة الجيزة الابتدائية، وإعمالا لأحكام هذا العقد، وبمناسبة بدء العمل بنظام الخدمة الميكروفيلمية بمحكمة الجيزة الابتدائية، أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة بتاريخ 5/1/1985 المنشور رقم (1) ونص في البند (أولا) منه على أنه: “يراعى عدم قبول أية مستندات أو أوراق فى الدعاوى إلا بعد التحقق من تصويرها ميكروفيلميا وختمها بالختم الخاص بذلك”، كما نص البند (ثانيا) من المنشور على أنه: “على السادة الرؤساء والقضاة بالمحكمة مراعاة ذلك، والتنبيه على أمناء السر بالالتزام بذلك، وكذا التنبيه عليهم بعدم تمكين أي شخص من الاطلاع على ملفات القضايا، ويكون الاطلاع من مركز الخدمة الميكروفيلمية فقط”.
وبتاريخ 29/1/1985 أصدر السيد المستشار/ رئيس المحكمة أمرا إداريا نص البند الأول منه على أنه: “عند تقديم طلب من ذوي الشأن للاطلاع على القضايا أو مستنداتها أو أي أوراق بها ينفذ الآتى: 1- يبين في هذا الطلب المستند والأوراق المطلوب الاطلاع عليها 2-…”.
وبتاريخ 24/4/1985 صدر أمر إداري تال نص البند (أولا) منه على أنه: “ينبه على جميع أمناء السر وكتبة الجلسات بالمحكمة بتسليم كافة القضايا المتداولة أو التي يكون قد صدر فيها أحكام فرعية أو قرارات شطب أو صلح أو وقف أو ترك الخصومة أو أي أحكام أخرى لمركز الميكروفيلم لاتخاذ اللازم نحوها”.
ثم أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة أمرا إداريا لاحقا بتاريخ 17/7/1985 نص البند (ثالثا) منه على تسليم العاملين بالميكروفيلم الصورة الأصلية للحكم متى طلب تصويره، ثم تعاد فورا وترفق بالدعوى.
وأخيرا وبتاريخ 10/8/1986 صدر قرار يقضي بالتنبيه على السادة المتقاضين والمحامين الراغبين في الاطلاع الاستعلام من مكتبة الميكروفيلم عن وجود الدعوى بالمركز أم لا، وذلك قبل ملء النموذج بالاطلاع.
وبعد استعراض المحكمة لنصوص المواد 68 و 69 و 165 و 167 من الدستور، والمواد 15 و 158 و 159 و 160 و 161 من القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلا بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، خلصت المحكمة إلى أن مؤدى قرار رئيس المحكمة المطعون عليه بتقريره الالتزام بعدم قبول أوراق الدعاوى ومستنداتها قبل تصويرها ميكروفيلميا وسداد المقابل المقرر لذلك أن يكون في حقيقته إنشاء لقيد جديد على رفع الدعوى لم يرد به نص في قانون.
وعلى ذلك فلا يسوغ لقلم الكتاب أن يحجب الخصومة عن قاضيها المرفوعة أمامه أو أن يمتنع عن قبول الصحيفة، كما لا يجوز لأية جهة قضائية أو غير قضائية أن تضع من القيود أو تضيف من الشروط ما يعطل ممارسة هذا الحق أو يعوقه تحت أي سبب من الأسباب، كما أن القرار المذكور قد فرض رسوما بالمخالفة لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلا بالقانون رقم 66 لسنة 1964 المذكور سالفا، في حين أن المتقاضين يكونون غير ملزمين منذ رفع الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وتنفيذه، أو الطعن عليه والاستشكال في تنفيذه، وغير ذلك من أمور تتعلق بالخصومة القضائية والسير فيها إلا بما قرره القانون المذكور من رسم، من حيث حالات الاستحقاق ومقدار الرسوم والإعفاء منها، بحيث لا يسوغ تحت أي اعتبار تحميل المتقاضين برسوم أو نفقات لم يرد النص على تقريرها، أو على أساس فرضها في القانون، فضلا عن أنه لا يسوغ أيضا تحت أي سبب أو دافع إشراك غير أعوان القضاء سواء من العاملين أو من غير العاملين في سير العملية القضائية؛ حفاظا على سرية الأوراق والمستندات، ونظرا إلى ما يقتضيه العمل القضائي من صفات قدر المشرع أنها تتوفر فيمن يختار لهذا العمل، وألزمه حلف اليمين، ورسم له قواعد أداء العمل في حدود ما نص عليه قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك على الوارد تفصيلا بأسباب الحكم.
واختتمت المحكمة أسبابها التي بني عليها حكمها المشار إليه بأن الأوامر والمنشورات التي صدرت عن السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة الجيزة الابتدائية المذكورة سالفا تكون في حقيقتها قرارات إدارية انطوت على مخالفات جسيمة لأحكام الدستور والقانون، رغم ما يبدو في ظاهرها من تنظيم اتباع أسلوب تكنولوجي متقدم لحفظ وثائق ومستندات الدعاوى، وذلك لما شابها من عيوب تمثلت في غصب سلطة التشريع بوضع قيود على إقامة الدعوى لم يرد بها نص في القانون، مع الإخلال بحق الخصوم في الدفاع، هذا فضلا عن فرض رسم بغير الطريق الذي رسمه القانون، وإشراك غير أعوان القضاء في إدارة وتنفيذ العمليات الإدارية والقضائية المرتبطة بسير الخصومة منذ إقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها، وهو ما يجعلها مشوبة بعيوب جسيمة تجعلها منعدمة الأثر قانونا، الأمر الذي يستوجب القضاء بإلغائها؛ نزولا على الشرعية وسيادة الدستور والقانون، هذه السيادة التي يتعين أن تعلو على إرادة كل فرد وكل جماعة وكل سلطة في الدولة، ويخضع لها كل تصرف أو قرار إداري حتى لو كانت غايته الظاهرة الأخذ بأساليب العلم والتكنولوجيا الحديثة، كما هو الأمر بشأن موضوع الطعن الماثل، حيث لا نفع ولا قيمة لذلك ما لم يحقق الاحترام للنظام العام القضائي، ويؤكد حق الدفاع أمام المحاكم، ولا يمس أحكام الدستور أو يهدر أحكام القانون.
……………………………….
ومن حيث إن الثابت من مطالعة قرار السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 الصادر بتاريخ 1/11/1991 (مثار النزاع الماثل) بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية -بعد أن أشار في ديباجته إلى العقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقاري ومؤسسة الأهرام بشأن تنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بمجمع محاكم الإسماعيلية، والقرار الوزاري باعتماد قواعد وإجراءات التشغيل، والمحاسبة المالية لنظام التوثيق الميكروفيلمي للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى- يبين أنه قد نص في البند (أولا) منه على أن: “على ذوي الشأن التقدم إلى مركز الميكروفيلم بالمحكمة لتسجيل صحف الدعاوى والعرائض والطلبات والأوامر ميكروفيلميا بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقارى ومؤسسة “الأهرام” والمعلن عنه بمركز الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة وختمها بخاتم المركز…”.
كما نص في البند (ثانيا) منه على أنه: “على ذوى الشأن تقديم مستنداتهم… إلى مركز الميكروفيلم لختمها بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المشار إليه بالبند (أولا) وقبل تقديمها إلى المحكمة أو القاضي الآمر…”.
ونص في البند الثالث منه على أن: “على ذوي الشأن عند اتخاذهم أي إجراء من إجراءات التقاضي بعد رفع الدعوى التقدم أولا بأوراق ذلك الإجراء إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية لتسجيله قبل تقديمه إلى قلم الكتاب المختص أو إيداعه به”.
ونص في البند الرابع منه على أن: “وعلى قلم الكتاب تقديم الأوراق الخاصة بتنفيذ قرارات المحكمة وكذا ما يرد من تقارير خبراء أو غيرها إلى مركز الميكروفيلم لتسجيلها”.
ونص فى البند السادس منه على أنه: “بالنسبة للدعاوى المجددة من الشطب أو المعجلة من الوقف والانقطاع على طالب التجديد أو التعجيل تسجيل صحيفته بمركز الميكروفيلم قبل تقديمها إلى قسم الجدول، فإذا كانت الدعوى غير مسجلة ميكروفيلميا، التزم صاحب الشأن بسداد مقابل التسجيل الميكروفيلمى كاملا بالنسبة لجميع أوراق الدعوى ومستنداتها”.
ونص في البند السابع منه على أنه: “يراعى عدم تسليم أصحاب الشأن أية صورة رسمية مما حوته الدعوى إلا من خلال مركز الخدمة الميكروفيلمية”.
ونص في البند الثامن منه على أن: “يلزم أمناء السر بتسليم ملف الدعوى إلى مركز الميكروفيلم خلال ثلاثة أيام فقط من تاريخ توقيع القاضي على نسخة الحكم الأصلية”.
وأخيرا نص في البند التاسع منه على أنه: “بالنسبة لتسجيل ملفات عقود الشركات وتعديلاتها يقوم مركز الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة بتسجيل ملخصات عقود الشركات المراد شهرها وتعديلاتها بعد سداد مقابل الخدمة الميكروفيلمية، وذلك قبل قيدها بسجلات القسم التجاري”.
ومن حيث إنه يتضح بجلاء من مطالعة بنود القرار المطعون فيه أنه قد فرض مقابلا ماليا نظير الخدمات الميكروفيلمية المشار إليها فيه، وأنه قد توفرت في شأن أسعار هذه الخدمة الميكروفيلمية خصائص الرسوم على أساس أنها مبلغ محدد من النقود، يسدد جبرا عن أصحاب الشأن من المتقاضين، ويبدو عنصر الجبر واضحا في استقلال مُصدر هذا القرار بوضع نظامه القانوني من حيث تحديد مقداره وحالات استحقاقه وطريقة تحصيله، وأن هذا السعر يدفع مقابل انتفاع صاحب الشأن بالخدمة الميكروفيلمية، وأنه يترتب على هذه الخدمة تحقيق نفع خاص إلى جانب النفع العام، ويبدو هذا واضحا من أسعار الخدمة الميكروفيلمية التي يدفعها المتقاضون نظير خدمة مرفق القضاء، ويترتب عليها تحقيق نفع خاص للمتقاضي لا يشاركه فيه غيره من الأفراد، يتمثل في تمكين صاحب الشأن من الرجوع إلى الأوراق والمستندات المودعة بملف الدعوى والاطلاع عليها في سهولة ويسر والحفاظ على صور مستنداته وأوراقه التي أودعها بملف الدعوى خشية فقدها أو التلاعب فيها، وفي ذلك مراعاة لمصالحه الخاصة حتى يتم حصوله على حقه وضمان عدم منازعة أحد فيها بعد ذلك، وفي نفس الوقت تحقيق نفع عام يتمثل في تقديم أساليب متقدمة للحفاظ على المستندات والأوراق وتيسير إجراءات التقاضي وتحقيق سرعة الفصل في الدعاوى، وبذلك يستفيد المجتمع نتيجة استقرار الحقوق فيه وإقرار العدل وتوفير العدالة لأفراده.
ومن حيث إنه ليس صحيحا التعلل بما ذهبت إليه جهة الإدارة الطاعنة من أن القرار الطعين قد استهدف استحداث نظام حديث لتيسير التقاضي، وأن المقابل المالي للخدمة الميكروفيلمية لا يعتبر رسما بدعوى أن حصيلته تئول إلى خزينة الشركة القائمة على هذه الخدمة، وليس لخزانة الدولة؛ ذلك لأن تطوير نظام الخدمة التي يؤديها المرفق العام مسايرة للتقدم العلمي التكنولوجي والاستفادة من منجزاته يلقي على عاتق المشرع التزاما بمواكبة هذا التقدم؛ نزولا على مقتضيات المحافظة على الشرعية وسيادة القانون، بما لا يجوز معه تطوير هذه الخدمة وتحديثها إلا من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما توجبه من إجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة.
كما أنه لا وجه للتحدي بأن مقابل الخدمة الميكروفيلمية لا تعتبر رسما تأسيسا على أن حصيلة هذا المقابل لا تذهب إلى الخزانة العامة؛ ذلك أنه لما كان من المتفق عليه أن الغرض الأساسي من اقتضاء الرسوم مقابل الخدمة التي يؤديها المرفق العام هو غرض مالي، فجهة الإدارة تستهدف من فرض الرسم الحصول على إيرادات للخزانة العامة تواجه بها جزءا من النفقات العامة التي تتحملها الخزانة العامة في سبيل توفير هذه الخدمة، ولما كان الثابت أن مقابل هذه الخدمة الميكروفيلمية لا تتحمله وزارة العدل ولا تتحمل أية نفقات في هذا الشأن طبقا للعقد المبرم بينها وبين الشركة القائمة على هذه الخدمة، وإذ ثبت أن الخزانة العامة لا تتحمل نفقة أداء هذه الخدمة، ومن ثم فإن تحصيل هذه الرسوم التي تئول حصيلتها لخزانة الشركة تمثل نفقة الخدمة الميكروفيلمية، وبالتالي فإنه وإن كانت وزارة العدل لا تتحمل أية نفقات في مقابل هذه الخدمة، فإن ذلك لا يغير من طبيعة هذا المقابل كرسم.
ومن حيث إنه من المقرر دستورا وقانونا أن الرسوم القضائية تعتبر مساهمة من جانب المتقاضين مع الدولة في تحمل نفقات مرفق القضاء، والسبيل في ذلك فرض الرسوم القضائية بالأداة التشريعية المقررة دستورا.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور قد مايز بنص المادة 119 منه بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، سواء من حيث أداة إنشاء كل منها، أو من حيث مناطها، فالضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا من المكلفين بأدائها إسهاما من جهتهم في الأعباء المالية، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها، في حين أن مناط استحقاق الرسم قانونا أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها كمقابل لتكلفتها وإن لم يكن بمقدارها، ومن ثم فإن تدَخُّل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام -ومنها دعاوى القسمة- عوضا عما تتكبده الدولة من نفقة في سبيل تسيير مرفق العدالة لا ينطوي على إخلال بحق الملكية أو بالحق في الميراث. وحيث إن النص الطعين بعدم الدستورية (نص المادة 75 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية في شأن تقدير الرسوم النسبية) لا يتضمن مساسا بحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة، وإلزام الدولة بتقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في الدعاوى؛ لأن ذلك لا يتعارض ومساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة على الوجه الذي لا يرهق وصول الحقوق لأصحابها.
(حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 136 لسنة 21ق دستورية بجلسة 5/5/2001)
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم جميعه فإنه لما كان من المقرر أن الدستور لم يستلزم لفرض الرسم صدور قانون بتقريره، بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون، ومن ثم فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض، وأن يكون ذلك في حدود إجازتها، وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستوريا، وافتقدت أساس الإلزام بها.
ومن حيث إن خلاصة القول في ذلك كله أن السبيل الوحيد لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة هو زيادة الرسوم القضائية المقررة في قوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر، أو صدور قانون بفرض الرسم، وهذا ما أكده مسلك المشرع بإصدار القانون رقم 7 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق للخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، والقانون رقم 8 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 96 لسنة 1980 بفرض رسم إضافي لدور المحاكم.
ومن حيث إنه متى ثبت ما تقدم فإن القرار المطعون فيه يشكل خروجا على مبدأ المشروعية الدستورية -وغايته أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور، وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة- وذلك لما شابه من عيب تمثل في غصب سلطة المشرع بفرض رسوم بالمخالفة لحكم المادة 119 من الدستور.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن القرار الطعين كان يستهدف تنظيم مرفق القضاء بأساليب علمية حديثة عن طريق اتباع أسلوب تكنولوجي متقدم بإدخال نظام الميكروفيلم لتصوير القضايا وحفظها حتى يمكن الرجوع إليها بسهولة وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى؛ لأن مواجهة متطلبات العصر الحديث والاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام أحدث الوسائل العلمية في تدعيم نظام المحاكم وتطوير عمل الهيئات القضائية، كإدخال نظام الحاسب الإليكتروني لتخزين وضبط المعلومات والرجوع إليها بسهولة، ونظام الخدمة الميكروفيلمية، وغيرها من مخترعات العلم الحديث ومنجزات التقدم التكنولوجي -لا يكون ذلك- إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تلك الخدمات إعمالا لمبدأ الشرعية وسيادة القانون.
ومن حيث إنه من جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه قد تضمن قواعد تنظيمية عامة بقرار إداري بشأن نظام الخدمة الميكروفيلمية، فإنه للوصول إلى الرأي الراجح في المسألة المطروحة بشأن ما إذا كانت هذه القواعد تخالف نصوص قوانين أخرى من عدمه، فإنه يتعين الرجوع إلى النصوص الحاكمة في هذا الشأن، بدءا بالدستور الذي أفرد الباب الرابع منه لبيان المبادئ الدستورية التي يقوم عليها عنوان هذا الباب “سيادة القانون”، ومنها خضوع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، وكذا حق التقاضي، وحق الدفاع، كما أفرد المشرع الدستورى الفصل الرابع من الباب الخامس لبيان الأحكام الدستورية المتعلقة “بالسلطة القضائية” وأناط بالمشرع العادي تنظيم السلطة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها.
ومن حيث إنه من المقرر أن الحقوق التي كفلها الدستور (ومنها حق التقاضي وحق الدفاع) ليست حقوقا مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها، وبالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور.
ومن حيث إن المشرع أصدر التشريعات المنظمة لحق التقاضي وحق الدفاع وتنظيم الوظيفة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وإجراءات الالتجاء إلى القضاء، ومنها قانون المرافعات وقوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972.
وإذ ثبت من مطالعة الحكم المطعون فيه (الذي استند في قضائه إلى حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه سلفا) أنه قد تناول في أسبابه العيوب الأخرى التي اعتورت القرار الطعين بتحميله المتقاضين رسوما أو نفقات بالمخالفة للقانون رقم 90 لسنة 1944 معدلا بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، فضلا عن انطوائه على وضع قيود على حق التقاضي وحق الدفاع والاختصاص الولائي للدائرة التي تنظر الدعوى، لم يرد بها نص فى القانون بالمخالفة لأحكام قانون المرافعات، كما يتضمن مشاركة العاملين بالشركة القائمة على نظام خدمة الميكروفيلم لأعوان القضاة في سير العمل الإداري والقضائي بالمحاكم بالمخالفة لأحكام قانون السلطة القضائية المذكور آنفا.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، وكان الثابت أن قرار السيد المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 المطعون فيه فيما تضمنه من قواعد تنظيمية عامة بشأن تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بمحاكم الإسماعيلية قد شابته عيوب جسيمة طبقا لما سلف بيانه مما يصمه بعدم المشروعية، مما يتعين معه عدم العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991، وإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه على وفق ذلك.
حكمت المحكمة بعدم مشروعية القرار المطعون فيه على النحو المبين بالأسباب، وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه على وفق ذلك.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |