برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد المهدي مليحي ومحمد محمود الدكروري ود.عبد المنعم جيرة ورأفت السيد يوسف ومحمد معروف محمد وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعبد اللطيف محمد الخطيب ومحمد مجدي خليل وعويس عبد الوهاب عويس وأحمد إبراهيم عبد العزيز.
نواب رئيس مجلس الدولة
…………………………………………………………………
(أ) مجلس الدولة– وظيفته القضائية– تطبيق المادة (110) من قانون المرافعات أمام محاكم مجلس الدولة– قصْد المشرع الصريح هو القضاء على حالات التنازع السلبي على الاختصاص طبقا لنص هذه المادة- تلتزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقا للمادة 110 من قانون المرافعات، ولو تبين لها أنها تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة([1])– مناط ذلك:
مجلس الدولة- وظيفته القضائية(ب)
– تطبيق المادة (110) من قانون المرافعات أمام محاكم مجلس الدولة- يقصد بالتزام المحكمة إليها الدعوى بنظرها: التزامها بالفصل في موضوعها.
(ج) دعوى– مبدأ عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهات القضاء على قضاء جهة أخرى– المقصود بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة: أنه لا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر عن محكمة أخرى إلا إذا كانت أعلى منها درجة.
(د) اختصاص– مبدأ عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهات القضاء على قضاء جهة أخرى- الحكم بعدم الاختصاص والإحالة إلى محكمة النقض أو المحكمة الإدارية العليا يترتب عليه مخالفة الأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين، فضلا عما ينطوي عليه هذا الحكم من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة– هذه الإحالة غير جائزة.
(هـ) قانون– الالتزام بتطبيقه- مبدأ الفصل بين السلطات- لا يجوز للمحاكم أن تمتنع عن تطبيق نص تشريعي بهدف دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه- إذا جاز للمحاكم أن تنتقد تشريع نص ما مستهدفة دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، إلا أنه لا يجوز لها الامتناع عن تطبيقه تحت أية ذريعة؛ فوظيفة المحاكم المحددة دستوريا هي تطبيق القانون لا تعطيله([4]).
بتاريخ 20 من يوليو 1989 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض بصفته وكيلا عن السيد/… قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3803 لسنة 35 القضائية عليا ضد كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربي ووزير العدل، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى بجلسة 21/5/1989 فى الدعوى رقم 4404 لسنة 41 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم، الذي قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن –للأسباب الورادة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجددا، واحتياطيا: الفصل فى الدعوى والحكم بطلبات الطاعن الواردة بصحيفة دعواه بعد تعديلها إلى (60000 ج) ستين ألف جنيه، والطلبات الأخرى، والزام المطعون ضدهم المصروفات والأتعاب.
وأودع السيد الأستاذ المستشار/ محمد عزت إبراهيم مفوض الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني لهيئة مفوضى الدولة، ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى، وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات)، التي تداولت نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن، وبجلسة 3/11/1990 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة المشكلة طبقا للمادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة للبت فيما إذا كانت محاكم مجلس الدولة تلتزم بالإحالة طبقا لأحكام المادة 110 من قانون المرافعات من عدمه.
وعينت جلسة 18/11/1990 لنظر الطعن، وأودع السيد الأستاذ المستشار/ علي رضا مفوض الدولة تقريرا تكميليا مسببا بالرأي القانونى لهيئة مفوضي الدولة، ارتأى فى ختامه الحكم بما انتهى إليه التقرير الأول المودع من رأي.
وقد تدوول نظره أمامها حيث استمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وملاحظات في مرافعة ذوى الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 23/5/،1992 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 6/6/ 1992، وفيها صدر وأودعت مسوته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع عل الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة لنظرها.
ومن حيث إن عناصر هذة المنازعة –حسبما يبين من أوراقها– تخلص في أنه بتاريخ 6/6/1983 أقام السيد/… الدعوى رقم 6533 / 1983 مدنى كلي جنوب القاهرة، وطلب في ختام صحيفتها الحكم بالزام المدعى عليهم على وجه التضامن أن يدفعوا له مبلغ (ثلاثين ألف جنيه) كتعويض رمزي لما أصابه من أضرار أدبية ومادية والمصاريف.
وقال في شرح دعواه إنه بتاريخ 3/7 1967 أحيل إلى التعاقد بعد ترقيته إلى رتبة لواء طيار، وفي 24/8/1967 اعتقل وأودع بالقلعة ثم بإدارة أمن المخابرات الحربية، حتى أفرج عنه في سبتمبر ثم أعيد اعتقاله في نوفمبر 1969، ووضع في سجن القناطر ولم يفرج عنه إلا في سبتمبر 1971 رغم إلغاء قرار اعتقاله في غضون عام 1970.
وبجلسة 21 /5/ 1989 أصدرت حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لنظرها.
وورد ملف الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى وقيد بجدولها تحت رقم 4404 لسنة 41ق، وبجلسة 21/5/1989 أصدرت المحكمة حكمها الطعين القاضي بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإلزام المدعي المصروفات، على أسباب محصلها أنه ولئن كان الثابت أن المدعي قد صدرت قرارات ثلاثة باعتقاله، إلا أن الذي لا مرية فيه أنه لا يهدف بدعواه إلى اختصام هذه القرارات بطلب التعويض عنها كتصرفات قانونية صدرت عن جهه الإدارة؛ إذ لم يشر في صحيفة الدعوى إلى ما ينبئ عن اتجاه إرادته صراحة أو ضمنا إلى طلب التعويض عن تلك القرارات، وإنما يستشف منها أنه يتغيا الحكم له بالتعويض على أساس من الأفعال المادية غير المشروعة التى نسبها إلى تابعي المدعى عليهم، يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة دفاع الطاعن أمام المحكمة المدنية ردا على الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى بأن المقرر اختصاص القضاء المدني بالفصل فى قضايا التعويض عن الأضرار نتيجة التعذيب المادي أو النفسي، وهو ما عاد يؤكده في صحيفة تعديل الطلبات، حيث أشار في سياقها إلى سابقة اعتراضه على الدفع المبدى أمام المحكمة المدنية بعدم الاختصاص الولائي، وخلص إلى طلب الحكم له بمبلغ ستين ألف جنيه على سبيل التعويض عما أصابه من أضرار مادية وأدبية عن الأفعال المبينة بأصل صحيفة الدعوى، ومن ثم فإن المنازعة لا تستقيم منازعة إدارية مما ينعقد الاختصاص به لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري؛ بحسبانها لا تعدو أن تكون من قبيل المنازعات المدنية البحتة، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى دون إحالتها إلى المحكمة المختصة على موجب صحيح القانون؛ إذ لا جدوى من الإحالة إلى محكمة سبق لها أن عرضت للدعوى بقضاء واستنفدت ولايتها فيها، والمدعي وشأنه في سلوك سبيل فض التنازع السلبي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لأسباب محصلها أن الطاعن أفصح فى صحيفة دعواه صراحة وليس ضمنا عن أنه يختصم قرارات اعتقاله كتصرفات قانونية صدرت عن جهة الإدارة، وأن اعتقاله لم يكن له ما يبرره من الواقع والقانون، وأنه يمثل اعتداء على حريته التى كفلها الدستور، وأنه أصيب بأضرار مادية وأدبية من جراء قرارات اعتقاله والمعاملة غير الإنسانية أثناء فترة اعتقاله، هذا فضلا عن أنه أشار في صحيفة دعواه إلى الفروق المالية التى ضاعت عليه نتيجة إحالته إلى التقاعد ثم اعتقاله، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة القضاء الإداري.
……………………………
ومن حيث إن المسألة المطروحة على هذه المحكمة قد حددتها دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات بالمحكمة الإدارية العليا بقرارها الصادر بجلسة 3/11/1990 بإحالة الطعن إلى هذه المحكمة للبت في مدى التزام محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى المحالة إليها بحكم صادر بعدم الاختصاص والإحالة عن محكمة تابعة لجهة القضاء العادي طبقا لنص المادة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والنجارية.
ومن حيث إنه تجدر الإشارة ابتداء إلى أن أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة في شأن تطبيق حكم الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تفرقت وجهتين:
(الأولى) قضت بأن نص هذه الفقرة بالتزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها لا يلزم محاكم مجلس الدولة بالفصل في موضوع الدعوى إذا استبان لها أنها غير مختصة بنظرها طبقا لمواد القانون المحددة ولايتها، ومن ثم فإن على محاكم مجلس الدولة بالرغم من حكم عدم الاختصاص والإحالة إليها أن تبحث بداءة وقبل الفصل في الموضوع مدى اختصاصها بنظره على وفق مواد القانون المحددة لولايتها والإجراءات المطبقة أمامها، فإن استبان لها أنها غير مختصة ولائيا بنظره، وأن المحكمة التي سبق لها أن قضت بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة من محاكم مجلس الدولة هي المختصة قانونا، وجب عليها أن تقضي بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، دون إحالتها مرة أخرى إلى المحكمة الأولى بعد أن استنفدت هذه المحكمة ولايتها بحكمها القطعي الصادر عنها في الدعوى بعدم الاختصاص.
ويقوم هذا الاتجاه على سند مؤداه أن قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 قد أناط بها ولاية الفصل في مسائل تنازع الاختصاص السلبي، مما مفاده أن المشرع افترض إمكان قيام حالة تنازع الاختصاص السلبي بين القضاء العادي والإداري في شأن منازعة بعينها.
(الحكم الصادر في الطعنين رقمي 1216 و1218 لسنة 18 ق عليا)
أما الوجهة الثانية في المسألة نفسها فقد قضت بأن نص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة يلزم محاكم مجلس الدولة الفصل في موضوع الدعوى التي سبق لإحدى المحاكم العادية أن قضت فيها بعدم اختصاصها ولائيا بنظرها وبإحالتها إلى أي من محاكم مجلس الدولة للاختصاص.
وسند هذا الاتجاه أن المشرع قد استهدف بنص الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة حسم المنازعات ووضع حد لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة إلى أخرى، وأنه إزاء صراحة النص المذكور وإطلاقه فإنه يمتنع على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم بعدم الاختصاص الولائي الصادر عن جهة القضاء العادي أن تعاود البحث في مسألة الاختصاص، ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية.
(الأحكام الصادرة في الطعون أرقام 677 لسنة 31 ق عليا و284 لسنة 25 ق عليا و849 و1034 و1535 لسنة 26 ق عليا و502 و503 لسنة 27 ق عليا)
– ومن حيث إن هذه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 27 من إبريل سنة 1986 في الطعن 1845 لسنة 27 ق عليا قد تبنت الاتجاه الأول، حيث قضت بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقا للمادة 110 من قانون المرافعات إذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة، أما في الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فلها أن تحيلها إلى المحكمة المختصة إذا تبين لها أنها غير مختصة بنظرها.
وقد شيد هذا القضاء على أسباب محصلها أن قانون المرافعات يسري على المحاكم المحددة في المادة الأولى من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وهي محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والجزئية، وحيث وردت كلمة (محكمة) في نصوص قانون المرافعات كان المقصود بها إحدى هذه المحاكم، وهي محاكم القانون الخاص المدنية والتجارية ومحاكم الأحوال الشخصية، في حين أن المحاكم الجنائية يسري عليها قانون الإجراءات الجنائية، أما محاكم مجلس الدولة فلا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات، وعلى ذلك فإن تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على القسم القضائي بمجلس الدولة طبقا للمادة 3 من قانون المجلس هو تطبيق احتياطي وقانوني، مشروط بعدم وجود نص خاص في قانون مجلس الدولة، وعدم تعارض قانون المرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية ونظام المجلس وأوضاعه الخاصة نصا وروحا، ومن ثم فلا يجوز أن يؤدي تطبيق أي نص من نصوص قانون المرافعات -كما هو شأن الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات- إلى المساس باختصاص المجلس الذي حدده الدستور والقانون؛ نزولا على أحكام الدستور نفسه، كما لا يجوز إخضاع جهة القضاء الإداري -سواء في تحديد اختصاصها أو في موضوع قضائها- لجهة قضاء أخرى بالمخالفة لحكم الدستور والقانون، وهذا بذاته ما دعا المشرع بعد وضع المادة 110 مرافعات بصياغتها الحالية إلى استبقاء أحكام محكمة تنازع الاختصاص، فأناطه بالمحكمة العليا ثم بالمحكمة الدستورية العليا، وأنه إذا كانت الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات تنص على التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها فهي إنما تخاطب المحاكم التي ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها، وهي المحاكم التي حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة.
وإذ تمخض أن تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات يتعارض نصا وروحا مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة وطبيعة المنازعة الإدارية وما حدده الدستور والقانون للمجلس من اختصاص، فإن حكمها في هذا الخصوص ينأى عن مجال التطبيق أمام محاكم مجلس الدولة؛ حيث يؤدى تطبيقه إلى مخالفة حكم الدستور والقانون بإلزام هذه المحاكم نظر منازعات تخرج عن اختصاصها.
– ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 تنص على أن: “على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة لا تجاور عشرة جنيهات([5]) وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها”، وبهذا النص استحدث قانون المرافعات حكما لم يكن مقررا من قبل، ألا وهو وجوب أن تأمر المحكمة بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة إذا قضت بعدم اختصاصها ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، وهذه الإحالة المترتبة على الحكم بعدم الاختصاص الولائي لم تكن المحاكم تملكها من قبل تاريخ العمل بقانون المرافعات المشار إليه؛ ذلك أن المادة 135 من قانون المرافعات الملغى كانت تجعل الإحالة جوازية للمحكمة، فجعلها نص المادة 110 المشار إليه وجوبية، وجرى القضاء وغالبية الفقه فى ظل المادة 135 المذكورة على أن الإحالة المقررة بها (وهي جوازية للمحكمة) لا تكون إلا بين محاكم الجهة القضائية الواحدة، فلا يجوز أن تتم إلى محاكم جهة قضائية أخرى، كما أنها لا تكون إلا بين محكمتين من طبقة واحدة.
ثم صدر القانون رقم 100 لسنة 1962 ونص على تعديل حكم المادة 135 المذكورة فجعل الإحالة وجوبية بين محاكم ذات الجهة القضائية، أي دون تتعدى الإحالة إلى محاكم جهة قضائية أخرى، ونص على أن تلنزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، سواء كانت المحكمة التي قضت بالإحالة من طبقة المحكمة المحال إليها أو من طبقة أعلى أو أدنى.
ثم صدر قانون المرافعات الحالي بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ونص في المادة 110 منه على وجوب الإحالة ولو بين جهتي القضاء، وعلى أن تلتزم المحكمة إليها الدعوى بنظرها، وجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون تعليقا على نص هذه المادة أن المشرع قد استحدث في المادة 110 نصا مؤاده أن على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، بعد أن كان القضاء قد استقر في ظل القانون القائم على عدم جواز الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص إذا كان ذلك راجعا إلى سبب متعلق بالوظيفة (أي الولاية)، وكان مبنى هذا القضاء فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن الآخر، وهي فكرة لم يعد لها محل بعد تطور القضاء وانحصاره في جهتين تتبعان سيادة واحدة.
وفي مقام عرض أهم ما تضمنه المشروع من مبادئ وأحكام عنيت المذكرة الإيضاحية بترديد العبارة السابقة، وجاء بتقرير اللجنة التشريعية ما يلي: “عمد المشروع إلى تنقية النظام القضائي مما علق به من رواسب الماضي، وأخصها فكرة استقلال الجهات القضائية بعضها عن البعض الآخر، -ومقتضاها على ما استقر عليه القضاء- عدم جواز إحالة الدعوى من جهة قضائية إلى جهة أخرى إذا حكمت المحكمة المرفوع إليها الدعوى بعدم اختصاصها لانتفاء الولاية.
وترجع هذه الفكرة إلى العهد الذي كانت فيه ولاية القضاء مقطعة الأوصال تتقاسمه جهات قضائية متعددة بعضها مصري والبعض الآخر غير مصري، ولم يعد لهذه الفكرة محل بعد تطور نظام القضاء وتوحيده في جهتين تتبعان سيادة واحدة هي سيادة الدولة، ولذلك أوجب المشرع على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها بنظرها.
ومن حيث إن صريح نص المادة 110 من قانون المرافعات المشار إليه ومذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية مفاده أنه إذا قضت جهة القضاء العادي بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة القضاء الإداري، فإن محاكم هذه الجهة تلتزم بنظرها، أي بالفصل في موضوعها، دون أن تعاود بحث مسألة الاختصاص الولائي لها، ولو استبان لها أن موضوع الدعوى لا يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه طبقا لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، والعكس صحيح، ومن شأن التزام محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم هذا النص-ولا ريب في وجوب التزامها به- القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص فيما بينهما، ويكون نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات إذا كان موضوع الدعوى المحالة لا يندرج قانونا في ولاية المحكمة المحال إليها معدلا لولايتها في خصوصية موضوع الدعوى المحالة، وهذا طبقا لصريح نص القانون، وهو أيضا ما يقول به فقه المرافعات في شأنه، ولا اجتهاد مع صراحة النص.
وغني عن البيان أن الحكم في هذه الحالة ليس حكما بعدم الاختصاص فحسب حتى يقال إنه لا يقيد المحكمة التي أصدرته من حيث قضائها بعدم اختصاصها، وإنما هو حكم أيضا باختصاص المحكمة التي أحليت إليها الدعوى، وذلك بناء على أن المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها فإن عليها أن تأمر بإحالتها إلى المحكمة المختصة، فالمحكمة تحيل الدعوى بناء على تحديدها للمحكمة المختصة، لا تزيدا منها، وإنما بمقتضى السلطة التي خولها إياها القانون، أي بمقتضي ولايتها بالحكم باختصاص المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى المحالة، أي أن حكم الإحالة إلى المحكمة المحال إليها الدعوى صدر عن محكمة لها الولاية في إصداره، فيحوز حجيته أيضا أمام المحكمة المحال إليها.
وبعبارة أخرى فإن الحكم بالإحالة ينطوي حتما على حكم باختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى، وهو حكم له حجيته أمام جميع المحاكم؛ بحسبانه صادرا عن محكمة أناط بها المشرع بصريح نص المادة 110 مرافعات الولاية في إصداره.
وليس في التزام المحكمة بنظر الدعوى المحالة إليها -ولو لم تكن المحكمة التي قضت بالإحالة أعلى درجة- إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء على آخر إلا إذا كان الأول أعلى درجة؛ لأن المقصود بهذه القاعدة ألا يكون للمحكمة أن تعيد النظر في قضاء صادر عن محكمة أخرى إلا إذا كانت الأولى أعلى درجة، والفرض أنه ليس للمحكمة المحال إليها الدعوى أي قضاء فيها.
كذلك ليس فيه إخلال بقاعدة عدم جواز تسليط قضاء إحدى جهتي القضاء على قضاء الجهة الأخرى المنوه عنه مالم تكن المحكمة المحال إليها محكمة طعن كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا؛ لمخالفة هذه الإحالة للأوضاع والمواعيد والإجراءات وحالات الطعن المقررة أمام هاتين المحكمتين، فضلا عما قد ينطوي عليه الحكم بعدم الولاية والإحالة لأي من هاتين المحكمتين من إهدار حق التقاضي أمام أكثر من درجة فتضحى غير جائزة، أما النزام من عدا هاتين المحكمتين من محاكم جهتي القضاء العادي والإداري بحكم الإحالة فهو إعمال لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه، ومقتضاها أن للحكم حجيته أمام جميع المحاكم بصرف النظر عن المحكمة التي أصدرته، وبصرف النظر عن المحكمة التي يحتج به أمامها؛ إذ إنه حكم صادر عن محكمة لها الولاية على وفق أحكام المادة 110 مرافعات في إصداره كما سبق البيان.
وحيث إنه لا سند أو جدوى من محاولة تخصيص إطلاق عبارة الفقرة الثانية من المادة 110 المذكورة تخلصا مما يترتب على الإحالة من تعديل لولاية محاكم مجلس الدولة في خصوصية الدعاوى المحالة إذا كان موضوعها لا يندرج قانونا في ولايته، بالقول إن محاكم مجلس الدولة لا تندرج في عداد المحاكم المخاطبة بأحكام قانون المرافعات، وبالتالي فهي لا تلتزم بما يقضي به نص الفقرة الثانية من المادة 110 من التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها؛ ذلك أنه ولئن كان صحيحا أن محاكم مجلس الدولة لا تندرج فى عداد تلك المحاكم، إلا أنها مخاطبة بصريح نص المادة 110 المذكورة التي أوجبت الإحالة ولو كان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية، وألزمت المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، وهو الحكم الذي استحدثه قانون المرافعات الجديد الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، الذي لا مجال لتطبيقه إلا في الإحالة لعدم الاختصاص الولائي، أي في الإحالة لمحاكم جهة القضاء الإداري، فلا يسوغ معه القول بأن محاكم مجلس الدولة غير مخاطبة به.
يؤكد سلامة هذا النظر ما ورد بالمذكرة الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عن المادة (110) مرافعات من أن القصد من استحداثه هو القضاء على حالات التنازع السلبي للاختصاص حسبما سبق ذكر ذلك، ومن هذا يتأكد أنه لا مجال لتخصيص حكم المادة 110 مرافعات بأي مخصص، سواء من النص أو من خارجه، أما القول إن المشرع نفسه صدر عنه مبدأ عدم التزام القضاء الإداري بالإحالة إليه في أمر خارج عن اختصاصه؛ إذ نظم الفصل في تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي على الوجه الذي حدده قانون المحكمة العليا ثم قانون المحكمة الدستورية العليا، وهما صادران بعد المادة 110 في صياغتها الحالية، مما يقطع بأن المشرع تصور عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه عن الآخر، مما يؤدي حتما إلى تنازع الاختصاص السلبي، ومما يعني عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين؛ إذ إن القول بوجوب الالتزام الدقيق بالإحالة المقررة بهذه المادة يؤدى حتما إلى نفي تصور قيام التنازع السلبي -هذا القول- في الحقيقة يدحض نفسه بنفسه؛ ذلك أن تصور المشرع عدم التزام أي من القضاءين بالإحالة الصادرة إليه عن الآخر لا يعني البتة أنه قصد عدم سريان حكم المادة 110 مرافعات في الإحالة بين القضاءين، وإلا كان الحكم المستحدث كله لغوا، والأصل أن المشرع ينزه عن اللغو، غاية الأمر أن هذا التصور يفرضه الواقع لا صحيح أحكام القانون، ومن ثم كان حتما على المشرع أن يستكمل النظام القضائي بتحديد المحكمة المختصة بالتنازع السلبي على الاختصاص، فضلا عن التنازع الإيجابي، وبعبارة أخرى: فإن قصد المشرع الصريح الواضح إلى القضاء على حالات التنازع السلبي طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات لا يمنع من قيامها على سبيل الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وهي دائما تكون كذلك، كأن يُئَوَّلَ حكم المادة 110 مرافعات تأويلا خاطئا أو مغايرا لقصده فينشأ عنه حالات التنازع السلبي في الاختصاص، ومن ثم كان حتما على المشرع سد هذه الثغرة في التنظيم القضائي.
ومؤدى هذا أنه ليس لقانون المحكمة العليا أو لقانون المحكمة الدستورية العليا أية دلالة في نسخ حكم الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات حسبما أراده المشرع.
وأخيرا فليس يبقى من حجج الرأي العكسي سوى القول بأن من شأن الالتزام بحكم الإحالة المبني على عدم الاختصاص الولائي أن تفصل محاكم مجلس الدولة في منازعات تخرج عن اختصاصها كما حدده الدستور والقانون، كالدعاوى المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية، ويتعين بادئ بدء القول بأنه عندما وضع المشرع المادة (110) من قانون المرافعات، كان اختصاص محاكم مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة غير منصوص عليه فى الدستور، وقد صدر الدستور الحالي في 11 من سبتمبر 1971 ونص فى المادة 172 على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”، وقد نص الدستور في الفصل الخاص بالسلطة القضائية على أنها مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون، ونصت المادة 167 على أن: “يحدد القانون اختصاصات الهيئات القضائية”، وقد نصت المادة (15) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أنه: “فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص مجلس الدولة، تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثني بنص خاص”، ومن ثم فإنه إذا تمت إحالة منازعة من تلك المنازعات التي لا تدخل أصلا في ولاية محاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية التي حددها الدستور والقانون وتدخل في ولاية جهات القضاء الأخرى على وفق مقتضى أحكام الدستور وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية أو غيرها من القوانين، فإن هذا الحكم بالإحالة يقوم على مخالفة القانون العام القضائي حسبما حدد الدستور، وليس فقط على مخالفة لأحكام القانون المنظم لاختصاص محاكم مجلس الدولة أو أحكام المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فالأحكام التي تصدر عن إحدى محاكم القضاء العادي بعدم ولاية المحكمة بنظر المنازعة وبإحالتها إلى إحدى محاكم مجلس الدولة أحكام لها حجيتُها القانونية وإلزامُها لمحاكم مجلس الدولة طبقا للمادة 110 من قانون المرافعات، مادامت هذه الأحكام لا تفقد صفتها وكيانها كأحكام قضائية، وهي لا تكون كذلك إلا لو فقدت ركنا أو أكثر من أركانها كأحكام قضائية لو صدرت منعدمة في الحالات المسلم بها فقها وقضاءً، فسيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات العامة للمواطنين، والتقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا (المواد 64 و 65 و 68 من الدستور)، ولا يعتد بأحكام منعدمة تهدر الأسس الجوهرية لنظام سيادة القانون أو النظام القضائي العام في البلاد.
والواقع من الأمر أن هذه حجة جدلية بحتة؛ إذ لم يحدث بالفعل من تاريخ العمل بنص المادة 110 مرافعات منذ عام 1968 حتى الآن أن أحيلت إلى محاكم مجلس الدولة منازعة تجارية أو جنائية أو منازعة أحوال شخصية، إنما انحصر الأمر في مجال بعض المنازعات المدنية وحدها التي يحدث خلاف في تكييف مدى كونها من المنازعات الإدارية التي تتولاها محاكم مجلس الدولة طبقا لنص المادة (172) من الدستور وأحكام قانون تنظيم المجلس حاليا. ولا ريب في أن ذلك ينطوي حقا على مخالفة لولاية مجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية كما هي محددة بص المادة 172 من الدستور وبنصوص قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن خلاصة القول فى ذلك كله أن مقتضى صريح نص الفقرة الثانية من المادة 110 مرافعات أنه مالم يكن الحكم الصادر بعدم الولاية والإحالة إلى محاكم مجلس الدولة منعدما، تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها، ولو استبان لها أنه لا يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقا لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، ولا اجتهاد مع صراحة النص، وهذا الالتزام رهين كذلك بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، فإن وجدت تعين القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها؛ لما هو معلوم من أن حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة المذكور مقصورة فقط على أسبابه، فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي لاختصاص المحكمة التى أصدرت الإحالة، ورهين أيضا بإلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلى؛ إذ به تزول حجيته.
ويتعين في هذا المجال -بالنسبة لنقد تشريع نص الفقرة من المادة 110 مرافعات، لا في مجال استظهار حكمها على النحو الذي أراده المشرع على وفق ما سلف البيان- القول بأن الأصل أنه جاز للمحاكم أن تنتقد تشريع نص ما مستهدفه دعوة المشرع إلى الأخذ بأحسن منه، إلا أنه لا يجوز لها الامتناع عن تطبيقه تحت أية ذريعة؛ فوظيفة المحاكم التي حددها الدستور (م/165) هي تطبيق القانون لا تعطيله، واستهدافا لحسن سير العدالة فإنه ومن الإنصاف في هذا الصدد القول بأنه من الأوفق تشريعيا أن يترك حكم الإحالة بين جهتي القضاء من حيث مدى التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها للقواعد العامة ومواد الدستور والقانون المحدد لولاية كل جهة قضائية، فلا تلتزم بها المحكمة المحال إليها إلا إذا كان موضوع الدعوى المحالة مما يدخل ضمن ولايتها للفصل فيه؛ احتراما لقواعد الاختصاص المتعلقة بالولاية، وهي دقيقة الصلة بالنظام العام الدستوري والقضائي في البلاد بنفس الدرجة المقررة لحجية الشيء المحكوم فيه، فالإحالة بين جهتي القضاء لم تكن مقررة من قبل تشريع المادة 110 مرافعات، ومع هذا فلا مانع تشريعيا من تقريرها كإجراء تأمر به المحكمة إذا هي حكمت بعدم اختصاصها الولائي بنظر الدعوى تيسيرا على المتقاضين، -وكل تيسير في إجراءات تحقيق العدالة واجب دستوري ووطني محمود باعتبار أن “التقاضي حق مصون للناس” كما يقول صدر المادة 68 من الدستور- دون أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها إلا إذا كان موضوعها يدخل ضمن ولايتها الفصل فيه؛ احتراما لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، وهي وثيقة الصلة بسيادة القانون وبالنظام العام القضائي في البلاد، وعدم تغليب رغبة المشرع على حالات التنازع السلبي للاختصاص على الشرعية وسيادة القانون والنظام العام.
حكمت المحكمة بإلزام محاكم مجلس الدولة الفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقا للمادة 110 من قانون المرافعات، ولو كانت تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة، وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه على وفق ذلك.
([1]) عدَلت دائرة توحيد المبادئ في هذا الحكم عن المبدأ الذي سبق لها إقراره في الطعن رقم 1845 لسنة 27 القضائية عليا بجلسة 27/4/1986 (منشور بهذه المجموعة برقم 7/ب)، حيث كانت قد انتهت= =إلى أن محاكم مجلس الدولة لا تلتزم بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى إذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة.
([2]) في حكمها الصادر بجلسة 1/8/2015 في القضية رقم 297 لسنة 30 ق (دستورية) أكدت المحكمة الدستورية العليا أن حكم الإحالة وإن كان ملزما للمحكمة المحال إليها، إلا أن هذا الإلزام يكون في حدود الأسباب التي بني عليها الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة، فإذا رأت المحكمة المحال إليها أنها غير مختصة لسبب آخر قضت بعدم اختصاصها، وبإحالة الدعوى مرة أخرى إلى المحكمة المختصة.
([3]) راجع المبدأ رقم (80) في هذه المجموعة، حيث انتهت دائرة توحيد المبادئ إلى أنه تجوز الإحالة من أي من المحاكم إلى المحكمة الإدارية العليا، ولو كانت أدنى منها، إذا كانت الإحالة إليها بوصفها محكمة موضوع لا محكمة طعن.
([4]) راجع كذلك المبدأ رقم (23/هـ) في هذه المجموعة، حيث أكدت دائرة توحيد المبادئ أنه لا يجوز للمحاكم أن تمتنع عن تطبيق نص قانوني قائم بحجة تعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأن هذا الامتناع يشكل في ذاته تعرضا لمدى دستورية النص أيا كانت الصورة التي يتم بها التعرض، وأنه مادام النص التشريعي قائما ولم يعدل وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه، دون إهمال أو إغفال، أيا كان السبب الذي تحتمي به أو تتخذه سندا لقضائها، وإلا غدا حكمها مجافيا للقانون مشوبا بالقصور.
([5]) أصبحت الغرامة أربع مئة جنيه بموجب تعديلات متلاحقة، أحدثها بموجب القانون رقم (76) لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات.
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |