برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل فهيم محمد عزب
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد عبد الرحمن القفطي، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل.
نواب رئيس مجلس الدولة
لجان التوفيق في بعض المنازعات- أثر اللجوء إليها في ميعاد رفع دعوى الإلغاء- متى اقترن طلبُ إلغاء القرار الإداري بطلب وقف تنفيذه (متى كان جائزًا قانونًا وقف تنفيذه) فإنه يُستثنى من وجوب العرض على لجنة التوفيق كشرطٍ لقبول الدعوى- لم يمنع المشرِّعُ اللجوء إلى لجنة التوفيق اختيارا في الحالات المستثناة من وجوب اللجوء إليها؛ بغية إفساح المجال أمام جهة الإدارة لإعادة النظر في قرارها قبل اللجوء إلى القضاء- إذا لجأ ذو الشأن إلى اللجنة حال عدم وجوب ذلك، كان من شأن هذا الإجراءً أن يُرَتِّبَ أثرَ اللجوءِ الإجباري إلى اللجنة فيما يتصل بميعاد إقامة الدعوى([1]).
– المواد (1) و(9) و(10) و(11) من القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، (قبل تعديله بموجب القانون رقم 6 لسنة 2017).
شئون الطلاب- تأديبهم- ناط المشرِّعُ برئيس الجامعة توقيع عقوبة الفصل على الطالب إذا ثبتت ممارسته لأعمالٍ تخريبية من شأنها الإضرار بالعملية التعليمية أو تعريضها للخطر أو استهداف منشآت الجامعة أو الامتحانات أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات أو المساهمة في أيِّ أمرٍ من هذا القبيل- هذا القرار هو قرارٌ تأديبيٌّ (شأنه شأنُ كلِّ قرارٍ إداريٍّ) يجب أن يقوم على سببٍ يبرِّرُه، يحملُ جهةَ الإدارة (ممثلة في رئيس الجامعة) على التدخل لإصداره، بسندٍ من حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخله- يخضع ذلك لرقابة القضاء للوقوف على صحة هذه الحالة من حيث تحققها واقعًا، وإنتاجها قانونًا للنتيجة التي خلص إليها القرار- إذا جاءت النتيجة مُنتزعةً من غير أصول موجودة، أو كانت مُستخلصةً من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها ماديًّا لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرارُ فاقِدًا لركنِ السبب المبرر له، وبات مخالفًا القانون([2]).
– المادة (184 مكررًا) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، المضافة بموجب القانون رقم 15 لسنة 2014.
شئون الطلاب- تأديبهم- المسئولية التأديبية- المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية- وجوبُ الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم من المتهم، وأن يقوم هذا الثبوتُ على أساس توفر أدلةٍ كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقينًا في ارتكاب المتهم الفعل المنسوب إليه- لا يسوغ قانونًا أن تقوم الإدانة تأسيسًا على أدلةٍ مشكوك في صحتها أو في دلالتها، وإلا كانت تلك الإدانة مُزعزعةَ الأساس مُتناقضةَ المضمون مُفرغةً من ثبات اليقين- الأصل في الإنسان البراءة؛ فإذا شاب الشك وقوعَ الفعل أو نسبته إلى فاعله، تعين تفسيرُ الشك لمصلحته، وحملُ أمره على الأصل وهو البراءة، ينعم بها ولا تنفك عنه.
شئون الطلاب- تأديبهم- المسئولية التأديبية- مداها- يجبُ تقديرُ مدى المسئولية على أساس مقدار الخطأ الواقع من مُرتكِبِه، دون تحميله بالمسئولية عن العوامل الأخرى الواقعة بفعل الغير والخارجة عن إرادته والتي أدت إلى تفاقم الأضرار([3])– لا يَصِحُّ في مجال المساءلة أن يُدَان شخصٌ بجريرة سواه، ولا يستقيم شرعًا ولا قانونًا أن تزر وازرةٌ وزرَ أخرى.
نُبْلُ الغايةِ لا يغني عن شرعية الوسيلة- يجب أن تحقق التشريعات الموضوعة لمواجهة صور العنفِ التوازنَ بين مكافحتها وحماية الحقوق والحريات (تطبيق).
بتاريخ 18/4/2015 أودع الأستاذ/… المحامي المقبول للمرافعة أمام محكمتي النقض والإدارية العليا وكيلا عن الطاعنة قلمَ كُتَّابِ المحكمةِ تقريرَ الطعن المقيد بالرقم عاليه في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) في الدعوى رقم 85369 لسنة 68 ق. بجلسة 22/2/2015، القاضي منطوقه بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعية المصروفات.
واختتم تقرير الطعن -لِما ورد به من أسباب- بطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار رقم 632 لسنة 2014 الصادر عن رئيس جامعة القاهرة بفصل الطاعنة نهائيًّا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد تم إعلان تقرير الطعن -على الوجه المقرر قانونًا- حسب الثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل في موضوعها -بهيئةٍ مغايرة- وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون -بالدائرة السادسة عليا- على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/6/2015 قدم الحاضر عن الطاعنة حافظة مستندات، طويت على شهادةٍ بالحالة الصحية للطاعنة صادرة عن وحدة صحة أسرة زاوية دهشور- التابعة للإدارة الصحية بالبدرشين، وبجلسة 25/7/2015 تقرر إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة عليا (موضوع) لنظره بجلسة 29/7/2015، فتدوول بالجلسات -على النحو الثابت بمحاضرها-، وبجلسة 4/11/2015 قدم الحاضر عن المطعون ضده الأول حافظة مستندات، طويت على بيان بالحالة الدراسية للطاعنة، وبالجلسة نفسها تقرر حجز الطعن ليصدر الحكم فيه بجلسة 16/12/2015 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع، وخلال الأجل المشار إليه أودع وكيل المطعون ضده الأول مذكرةَ دفاع، اخْتُتِمَتْ بطلب الحكم برفض الطعن، وإلزام الطاعنة المصروفات، وبالجلسة المشار إليها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وتمام المداولة قانونًا.
حيث إن الطعن أقيم خلال الميعاد المقرر قانونًا، واستوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونًا، الأمر الذي يكون معه مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- أنه بتاريخ 17/9/2014 أقامت الطاعنة الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها، بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 632 لسنة 2014 بفصلها من كلية الحقوق جامعة القاهرة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك بسندٍ من أنها وأثناء أدائها امتحان مادة القانون الجنائي في الفصل الدراسي الثاني للسنة الثالثة بكلية الحقوق، فوجئت بأن أحد المعيدين يحاول تعطيلها عن أداء الامتحان زاعمًا محاولتها الغش، وهو أمر لم يثبت حدوثه، إذ جاءت محاولاته بعد قيامها بتسليم ورقة الإجابة، وقد خضعت للتفتيش والذي لم يسفر عن محاولتها الغش، وأضافت أنها وأثناء أدائها امتحان المادة التالية فوجئت بطردها من قاعة الامتحان إلى خارج الجامعة، بدعوى صدور قرار عن رئيس الجامعة بفصلها فصلا نهائيًّا، مما حداها على إقامة دعواها بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المشار إليه.
……………………………………………………..
وإذ تدوول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه بالجلسات -على النحو الثابت بمحاضرها-، فقد قدم الحاضر عن جامعة القاهرة حافظتي مستندات، حوت الأولى ما يفيد علم المدعية بالقرار الطعين بتاريخ 10/6/2014، وتضمنت الثانية صورةً طبق الأصل من التحقيق الذي أُجْرِي بمعرفة الشئون القانونية بكلية الحقوق- جامعة القاهرة بخصوص الواقعة سبب القرار المطعون عليه، ومذكرةً بنتيجة التحقيق والتي عُرِضَت على المطعون ضده الأول الذي أَشَّرَ عليها بأن تُطَبَّقَ المادةُ (184 مكررًا) من قانون تنظيم الجامعات، وتُفْصَلُ المدعيةُ فصلا نهائيًّا من كلية الحقوق- جامعة القاهرة، كما قدم مذكرةَ دفاع، وقدم الحاضر عن المدعية حافظةَ مستندات حوت إخطارًا بالتوصية الصادرة عن لجنة التوفيق في الطلب المقدَّم برقم 769 لسنة 2014، كما قدم مذكرةَ دفاع.
وبجلسة 22/2/2015 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعية المصروفات، وشيَّدت هذا القضاء على سندٍ من أن القرار المطعون عليه قد صدر بتاريخ 21/5/2014 دون أن يثبت من الأوراق تقدمها بتظلم من القرار الطعين، فإن دعواها تكون قد أقيمت بعد الميعاد المقرر قانونًا لدعوى الإلغاء.
……………………………………………………..
وإذ لم ترتضِ الطاعنة القضاء المتقدم، فقد أقامت طعنها الماثل، ناعيةً على الحكم الطعين الخطأ في تطبيق القانون، والفساد في الاستدلال؛ بركيزةٍ من أنها تقدمت قبل إقامة الدعوى بطلب إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، وهو ما من شأنه أن يقطع ميعاد إقامة الدعوى، وأن القرار الطعين لم يقم على سبب يبرره واقعًا وقانونًا.
……………………………………………………..
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها([4])، أن مادته الأولى تنص على أن: “يُنشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة”.
وتنص مادته التاسعة على أن: “تصدر اللجنة توصيتها في المنازعة، مع إشارة موجزة لأسبابها تثبت بمحضرها، وذلك في ميعاد لا يجاوز ستين يومًا من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها، وتعرض التوصية -خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها- على السلطة المختصة والطرف الآخر في النزاع، فإذا اعتمدتها السلطة المختصة وقبلها الطرف الآخر كتابةً خلال الخمسة عشر يومًا التالية لحصول العرض، قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يُوَقَّعُ من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي، ويُبَلَّغُ إلى السلطة المختصة لتنفيذه”.
وتنص المادة العاشرة من القانون نفسه على أنه: “إذا لم يقبل أحدُ طرفي النزاع توصية اللجنة خلال المدة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون، أو انقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفان أو أحدهما رأيه بالقبول أو الرفض، أو لم تصدر اللجنة توصيتها خلال ميعاد الستين يومًا، يكون لكلٍّ من طرفي النزاع اللجوءُ إلى المحكمة المختصة. ويترتب على تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وقف المدد المقررة قانونًا لسقوط وتقادم الحقوق أو لرفع الدعوى بها، وذلك حتى انقضاء المواعيد المبينة بالفقرة السابقة…”.
وتنص المادة الحادية عشرة من القانون نفسه المشار إليه على أن: “عدا المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل…، وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ لا تُقْبَلُ الدعوى التي ترفع ابتداءً إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية، أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول، وفقًا لحكم المادة السابقة”.
وحيث إن مفاد ما تقدم من نصوص تشريعية، وعلى ما يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه، أنّ هذا القانون قد صدر في إطار حرص الدولة على أن تأخذ زمام المبادرة في تبسيط إجراءات حصول المتخاصمين معها على حقوقهم من خلال أداةٍ سهلة، وبإجراءاتٍ مُبسَّطة، لا تحفل بالشكل ولا تلوذ به إلا صونًا لضمانات الدفاع ومبادئه الأساسية، وبمراعاة إرادة طرفي الخصومة، ودون المساس بحق التقاضي الذي يكفله الدستور، وقد جعل المشرِّعُ اللجوءَ إلى هذه اللجنة إجراءً واجبًا قبل اللجوء إلى القضاء بشأن المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، والتي تنشأ بينها وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فيما عدا المنازعات المستثناة بحكم القانون، والوارد النص عليها حصرًا في المادتين (4 و11) من القانون المشار إليه، ومنها طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلب وقف التنفيذ، ويترتب على تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وقف المدد المقررة قانونًا لسقوط وتقادم الحقوق أو لرفع الدعوى بها، على أن يبدأ ميعاد رفع الدعوى -على ما خلصت إليه المحكمة الإدارية العليا (دائرة توحيد المبادئ) في الطعن رقم 11234 لسنة 48 ق. عليا بجلسة 14/4/2007- طعنًا على القرارات الإدارية من تاريخ صدور توصيةٍ عن اللجنة بشأن هذه القرارات.
وحيث إن الثابت بالأوراق أن القرار المطعون عليه قد صدر بتاريخ 21/5/2014، وبتاريخ 9/6/2014 تقدمت المدعية (الطاعنة في الطعن الماثل) بطلبٍ إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات بجامعة القاهرة، والتي قررت بتاريخ 27/8/2014 رفض الطلب، وذلك على النحو الثابت من الاطلاع على حافظة المستندات المقدمة من الطاعنة أمام محكمة أول درجة بجلسة 14/12/2014، فأقامت الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بتاريخ 17/9/2014، فإنها تضحى قد أقيمت خلال الميعاد المقرر قانونًا لإقامة دعوى الإلغاء.
ولا ينال مما تقدم ما تساند إليه دفاعُ الجامعة المطعون ضدها من أن طلب إلغاء القرار الطعين قد اقترن بطلب وقف تنفيذه، مما تعد معه الدعوى مُستثناة من وجوب اللجوء إلى اللجنة على ما ذهب إليه دفاعُ الجامعة، لا حجةَ في ذلك؛ إذ إنه مردودٌ عليه بأن طلب الإلغاء متى اقترن بطلب وقف تنفيذ قرار إداري -متى كان جائزًا قانونًا وقف تنفيذه- يُستثنى من وجوب العرض على لجنة التوفيق في بعض المنازعات كشرط لقبول الدعوى محله، ولكنَّ المشرِّعَ لم يمنع اللجوء إلى اللجنة بصدده من ذي الشأن باختياره وتوجهه؛ بغية إفساح المجال أمام جهة الإدارة لإعادة النظر في قرارها قبل وُلُوجِهِ ساحات القضاء وإقامة دعواه، وبمعنى آخر فإن لذي الشأن إذا شاءَ نحَّاهُ جانبًا ولجأ مباشرةً إلى قاضيه، لا يحجبه حاجبٌ ولا يقتضيه إجراءٌ، وإن شاء لجأ إلى اللجنة، وفي الحالة الأخيرة فإنه إجراءٌ من شأنه أن يُرَتِّبَ أثرَ اللجوءِ الإجباري نفسه إلى اللجنة المشار إليها فيما يتصل بميعاد إقامة الدعوى.
لما كان ما تقدم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى شكلا، بسندٍ من إقامتها بعد الميعاد المقرر قانونًا لإقامة دعوى الإلغاء، مُسْقِطًا أثرَ تقدمِ الطاعنة بطلبٍ إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات -على النحو المشار إليه آنفًا-، فإنه يكون غيرَ قائمٍ على سندٍ صحيح من القانون، واجبَ الإلغاءِ.
…………………………………………………………
وحيث إنه من المستقر عليه -في قضاء هذه المحكمة- أنه على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلانَ الحكم المطعون فيه، وانتهت إلى إلغائه، أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحًا لذلك.
وحيث إن الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها قد تهيأت للفصل في موضوعها، واستنفدت محكمة القضاء الإداري ولايتها عليها، بعد أن فصلت فيها بعدم القبول، وهو حكمٌ مُنْهٍ للخصومة، حتى وإن لم يكن صادرًا في موضوعها، مما يسوغ لهذه المحكمة التصدي لموضوع الدعوى، مما يتفق والعدالة الناجزة، ويتسق والغايات الأساسية في اللجوء إلى القضاء للانتصاف بحسم النزاع دون إطالة لأمده.
وحيث إنه من المقرر أنه يلزم للقضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري أن يأتي طلبُه مُرتكِنًا إلى شرطي الجدية والاستعجال، ومؤدى الشرط الأول أن يبين -من ظاهر الأوراق- مشوبة القرار المطعون عليه بعيبٍ من العيوب التي تسم القرار بعدم المشروعية، مما يجعله مُرجح الإلغاء حال نظر طلب الإلغاء، ومفاد الشرط الثاني (الاستعجال) أن يكون من شأن الاستمرار في تنفيذ القرار أن تترتب نتائج يتعذر تداركها إذا ما قُضِيَ بإلغائه.
وحيث إنه عن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، فإن البين -من ظاهر الأوراق- أنه بتاريخ 19/5/2014 تحرَّر محضرُ ضبطٍ بمعرفة الأستاذ/ محمود…- مدرس مساعد بكلية الحقوق- جامعة القاهرة، دَوَّنَ به أنه أثناء أداء امتحان مادة قانون العقوبات لطلبة الفرقة الثالثة اشْتَبَهَ في قيام الطاعنة بالغش، وعند اقترابه منها طلبت التوقيع للخروج من لجنة الامتحان، فأمر بتفتيشها عن طريق إحدى موظفات الكلية، إلا أنها (الطاعنة) امتنعت تمامًا وقامت بالصُرَاخ، فقام بإجراء مُضاهاةٍ بين ما دُوِّنَ من إجابةٍ بكراسة الإجابة الخاصة بها ومَلزمةٍ خارجية، فتبين له تطابقهما، بما يعني أن مصدرًا خارجيًّا كان يُمْلِي عليها الإجابة عن طريق الهاتف المحمول، وبتاريخ 20/5/2014 باشرت الشئون القانونية بالكلية التحقيق الذي اقتصر على سماع أقوال الطاعنة، فأنكرت ما نُسب إليها، مُقررةً أنه وبعد توقيعها للانصراف من لجنة الامتحان وتسليم ورقة الإجابة، قام مُحَرِّرُ محضر الضبط باستعادة ورقة الإجابة ومنعها من مغادرة اللجنة، ثم اصطحبها للتفتيش الذاتي الذي أجري بمعرفة إحدى السيدات، تاركةً متعلقاتها الشخصية داخل لجنة الامتحان، ولم يُسفر التحقيق عن شروعها في الغش، كما أن الثابت من الاطلاع على أوراق التحقيق -ما أثبته المحققُ من اطلاعه على الهاتف المحمول الخاص بالطاعنة- عدمُ وجود أية مكالمات أثناء توقيت الامتحان وكذا خُلُوُّ الهاتف من أية صور أو مستندات خاصة بمادة الامتحان.
وبتاريخ 21/5/2014 تقدَّمَ دكتور/ أسامة…- أستاذ مساعد بكلية الحقوق- جامعة القاهرة بمذكرةٍ إلى المطعون ضده الأول، تضمنت قيام الطاعنة بتهديد أساتذة وموظفي الكلية بإخبار والدها بأن إحدى الموظفات بالكلية قامت بإجبارها على خلع ملابسها بالقوة، واستتبع ذلك حضور والد الطاعنة وآخر (لواء شرطة) إلى الكلية، وقاما بالتعدي عليه، ومُحَرَّرٌ عن الواقعة محضر الضبط بالسب والقذف، وقد تأشر على المذكرة بضمها إلى أوراق التحقيق، وبسؤال الطاعنة عَمَّا تضمنته المذكرة الأخيرة، فقد أنكرت ما ورد بها.
وأُعِدَّت مذكرةٌ بنتيجة التحقيق، اخْتُتِمَتْ بقيد الواقعة مخالفةً تأديبية تطبيقًا لنص المادة (184 مكررًا) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ضد الطاعنة؛ لإخلالها بنظام الامتحان وإثارتها الشغب داخل اللجنة أثناء الامتحان بتاريخ 19/5/2014، وتهديد أعضاء هيئة التدريس، ثم اتصالها بوالدها الذي حضر برفقة لواء شرطة وتعديا على أعضاء هيئة التدريس بالكلية بالسب والقذف، وإذ عُرِضَت المذكرةُ المشار إليها على المطعون ضده الأول، فقد أصدر القرار المطعون عليه بفصل الطاعنة نهائيًّا من الكلية عملا بحكم المادة (184 مكررًا) من قانون تنظيم الجامعات.
وحيث إن المحكمة تمهِّدُ لقضائها بأنه إزاء ما شهدته الجامعاتُ في السنوات الأخيرة لتلك الصور من العنف تنفيذًا لمشروعات إجرامية -جماعية أو فردية- لم تكن تعرفها من قبل، مما يؤثر بالسلب على حركة النمو والتطور والمعرفة والتقدم -لاسيما في مجال العلم والبحث-، مما يؤثر على تقدم البلاد بحكم آثارها المدمرة، الأمر الذي كشف معه هذا الواقع عن وجوب التدخل التشريعي كأحد الأدوات التي تسهم في مواجهة تلك الصور من خلال عقوباتٍ رادعة وإجراءاتٍ سريعة حاسمة تلتزم باحترام الدستور والقانون، بما يحقق التوازن بين مكافحتها وحماية الحقوق والحريات، وبمراعاة أن نُبْلَ الغايةِ لا يغني عن شرعية الوسيلة، فكان تعديل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 بموجب القانون رقم 15 لسنة 2014، بإضافة المادة (184 مكررًا) والتي نصت على أنه: “لرئيس الجامعة أن يُوَقِّعَ عقوبةَ الفصلِ على الطالب الذي يمارسُ أعمالا تخريبية تَضُرُّ بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر أو تستهدف منشآت الجامعة أو الامتحانات أو العمل داخل الجامعة أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تحريض الطلاب على العنف واستخدام القوة أو المساهمة في أيِّ أمرٍ مما تقدم، …”.
وحيث إن مفاد النص المتقدم -والذي اتُّخِذَ سندًا للقرار المطعون عليه- أن المشرِّعَ ناط برئيس الجامعة توقيع عقوبة الفصل على الطالب إذا ما ثبت ممارسته لأعمالٍ تخريبية من شأنها الإضرار بالعملية التعليمية أو تعرضها للخطر أو استهداف منشآت الجامعة أو الامتحانات أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات -العامة أو الخاصة- أو المساهمة في أيِّ أمرٍ من هذا القبيل، وهو قرارٌ تأديبيٌّ -شأنه شأنُ كلِّ قرارٍ إداريٍّ- يجب أن يقوم على سببٍ يبرِّرُه يحملُ جهةَ الإدارة -ممثلة في رئيس الجامعة- على التدخل لإصداره، بسندٍ من حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخله، وهو ما يخضع لرقابة القضاء للوقوف على صحة هذه الحالة من حيث تحققها واقعًا، وإنتاجها -قانونًا- للنتيجة التي خلص إليها القرار، فإذا جاءت مُنتزعةً من غير أصول موجودة، أو كانت مُستخلصةً من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها ماديًّا لا يُنْتِجُ النتيجةَ التي يتطلبها القانون، كان القرارُ فاقِدًا لركنِ السبب المبرر له، وبات مخالفًا القانون.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن من المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية وجوبَ الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم من المتهم، وأن يقوم هذا الثبوتُ على أساس توفر أدلةٍ كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقينًا في ارتكاب المتهم الفعل المنسوب إليه، ولا يسوغ قانونًا أن تقوم الإدانة تأسيسًا على أدلةٍ مشكوك في صحتها أو في دلالتها، وإلا كانت تلك الإدانة مُزعزعةَ الأساسِ مُتناقضةَ المضمونِ مُفرغةً من ثبات اليقين، ومادام الأصل في الإنسان البراءة؛ فإذا ما شاب الشكُّ وقوعَ الفعل أو نسبته إلى فاعله، تعين تفسيرُ الشك لمصلحته، وحملُ أمره على الأصل وهو البراءة، ينعم بها ولا تنفك عنه، مادامت الأوراق لم تكن شاهدةً وواضحة في ثبوت نسبة الاتهام إليه.
لما كان ذلك وكان البين من الأوراق والتحقيقات، أن ما أسند إلى الطاعنة من الغش أو الشروع فيه أمرٌ لم يقم عليه شاهدٌ أو دليل من الأوراق، فمن ناحية فقد خلص الأمر في الاشتباه بسابقة إتيانها الغش -على نحو ما سطره مُحَرِّرُ المحضر- بمحاولتها الانصراف من اللجنة والتوقيع بما يفيد ذلك من قبل أن يكتشف أمرها، ومن ناحية أخرى، فقد خلت الأوراق- على ما يبين من ظاهرها- من امتناع الطاعنة عن استكمال إجراءات تفتيشها، إذ أجدبت الأوراق مما يفيد سماعَ شهادةِ أيٍّ من الموظفة التي قامت بالبدء بإجراء التفتيش للطاعنة أو زميلاتها -على نحو ما قرر محرر محضر الضبط بالمذكرة المقدمة منه إلى المطعون ضده الأول-، ومن ناحيةٍ أخيرة، فقد خلت الأوراق والتحقيقات من قيام الطاعنة بأيِّ أعمال تستهدف أعمال الامتحانات بما يضر بها أو يستهدفها، بما يضحى معه لا أساس من واقع أو قانون لِما أسند إليها في هذا الشأن.
وحيث إنه وعَمَّا أُسْنِدَ إلى الطاعنة وقام بسندٍ منه القرار الطعين بقيامها بتهديد أعضاء هيئة التدريس بالكلية ثم اتصالها بوالدها وحضوره بصحبة آخر (لواء شرطة) وتعديهما بالسب والقذف على أعضاء هيئة التدريس، فإنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه يجبُ تقديرُ مدى المسئولية التأديبية على أساس مقدار الخطأ الواقع من مُرتكِبِه، دون تحميله بالمسئولية عن العوامل الأخرى الواقعة بفعل الغير والخارجة عن إرادته والتي أدت إلى تفاقم الأضرار بعد ذلك. (الحكم في الطعن رقم 20867 لسنة 59 ق. عليا بجلسة 14/3/2015).
لما كان ذلك، وكانت الأوراق -حسب الظاهر منها- لا تسعف جهة الإدارة المطعون ضدها بقيام الطاعنة بأيِّ فعلٍ يعد مساهمة من قِبلها فيما آلت إليه الأمور فيما بعد من تعدٍ على هيئة التدريس من قِبل والدها وآخر على ما تزعم الجامعة المطعون ضدها؛ إذ خلت الأوراق من اتفاقٍ أو تحريضٍ أو مساعدةٍ من قِبل الطاعنة على ارتكاب الوقائع المشار إليها، وهي وقائع لم يثبت وقوعها ونسبتها إلى والد الطاعنة وآخر، كما لم يقم شاهدٌ من الأوراق- يُقَرُّ به قانونًا- على التحريض على ارتكاب تلك الوقائع، فضلا عما تقدم، فإنه على فرض ارتكاب والد الطاعنة وآخر لوقائع تمثل اعتداء على أعضاء هيئة التدريس بكلية الحقوق، فإنه لا يَصِحُّ في مجال المساءلة أن يُدَان شخصٌ بجريرة سواه، ولا يستقيم شرعًا ولا قانونًا أن تزر وازرةٌ وزرَ أخرى، وذلك جميعه في ضوء خلو الأوراق من إتيان الطاعنة لفعلٍ أسهم في ارتكاب الواقعة المشار إليها (على فرض حدوثها).
وحيث إنه وهديًا بما تقدم جميعه، يضحى القرار المطعون عليه مشوبًا -حسب الظاهر من الأوراق- بمخالفة القانون؛ لافتقاره السبب المبرر له، مما يتوفر معه ركنُ الجدية في طلب وقف تنفيذه، ولما كان من شأن الاستمرار في تنفيذ القرار الطعين حرمان الطاعنة من مواصلة حقها في التعليم مما يؤثر على مستقبلها العلمي، وهي آثار يتعذر تداركها إذا ما قضي بإلغاء القرار المشار إليه، الأمر الذي يستقيم معه طلب وقف تنفيذه على ركني الجدية والاستعجال، مما تقضي معه المحكمة بوقف تنفيذه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن من أصابه الخسر في الطعن يلزم المصاريف عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لدى محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء، وألزمت الجامعة المطعون ضدها المصروفات.
([1]) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 24/1/2015 في الطعنين رقمي 5879 و8580 لسنة 55ق.ع (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 60/1 مكتب فني، المبدأ رقم 29/هـ، ص286)، حيث انتهت المحكمة إلى أن اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات حال عدم اختصاصها لا يقطع أو يُوقِف الميعاد المقرر قانونًا للطعن القضائي, حتى لو تمَّ خلال الميعاد المقرر قانونًا.
([2]) يراجع في شأن تخويل رئيس جامعة الأزهر سلطة توقيع عقوبة الفصل على الطالب إذا ثبتت ممارسته لأعمالٍ تخريبية: الحكم المنشور في هذه المجموعة، الصادر في الطعن رقم 62932 لسنة 61 القضائية (عليا) بجلسة 11 من نوفمبر سنة 2015 (المبدأ رقم 9).
وفي شأن مناط المحكمة المختصة بنظر الطعن في هذا القرار، يراجع المبدآن رقما (43/ب) و(81/ب) في هذه المجموعة.
([3]) يراجع كذلك في شأن عدم المسئولية حال تفاقم الأضرار: الحكم المنشور في هذه المجموعة، الصادر بجلسة 14 من نوفمبر سنة 2015 في الطعن رقم 14811 لسنة 54 القضائية عليا (المبدأ 10/أ).
Cookie | Duration | Description |
---|---|---|
cookielawinfo-checkbox-analytics | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Analytics". |
cookielawinfo-checkbox-functional | 11 months | The cookie is set by GDPR cookie consent to record the user consent for the cookies in the category "Functional". |
cookielawinfo-checkbox-necessary | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookies is used to store the user consent for the cookies in the category "Necessary". |
cookielawinfo-checkbox-others | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Other. |
cookielawinfo-checkbox-performance | 11 months | This cookie is set by GDPR Cookie Consent plugin. The cookie is used to store the user consent for the cookies in the category "Performance". |
viewed_cookie_policy | 11 months | The cookie is set by the GDPR Cookie Consent plugin and is used to store whether or not user has consented to the use of cookies. It does not store any personal data. |