مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الدائرة الحادية عشرة – الطعنان رقما 27029 و27784 لسنة 57 القضائية (عليا)
نوفمبر 9, 2020
مجلس الدولة المصري -القضاء الإداري
الفرض الأول ( إذا كان حكم الإحالة غير صحيح)
نوفمبر 19, 2020

الدائرة الثالثة – الطعن رقم 33293 لسنة 55 القضائية (عليا)

مجلس الدولة المصري - القضاء الإداري

جلسة 28 من يونيه سنة 2016

الطعن رقم 33293 لسنة 55 القضائية (عليا)

(الدائرة الثالثة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى خضري نوبي محمد

نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ حسن سيد عبد العزيز السيد، وأحمد عبد الراضي محمد، وجمال يوسف زكي علي، ومحمد محمد السعيد محمد.

نواب رئيس مجلس الدولة

المبادئ المستخلصة:

  • عقد إداري:

انعقاد العقد- التعبير عن إرادة جهة الإدارة- لا تستوي الإدارة مع الأفراد في حرية التعبيرعن الإرادة في إبرام العقود, إدارية كانت أم مدنية, بل تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وأوضاع رسمها المشرع في القوانين واللوائح، كفالةً لاختيار أفضل الأشخاص للتعاقد, وضمانا للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقا للمصلحة العامة- متى حدد المشرع طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة, فإن طريقة التعبير عن الإرادة تختلط بمشروعية الإرادة ذاتها، ومن ثم لا تكون الإرادة صحيحة ومعتبرة إلا باتباع هذه الطريقة, خاصة إذا كان المقبل على التعاقد مع جهة الإدارة يعلم حقيقة أو حكما (من خلال علمه المفترض بالقوانين واللوائح التي توجب هذه الطريقة سبيلا لإبرام العقد) بوجوب اتباع هذه الطريقة لتحقيق هذا الغرض.

  • عقد إداري:

طرق التعاقد- العقود التي تبرمها الهيئات العامة- كانت المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات (قبل تعديلها بموجب القانون رقم 82 لسنة 2013) تقضي بنفاذ أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، بما مؤداه خضوع جميع الهيئات العامة لأحكامه، بموجب نص آمر، وبصفة مطلقة، ودون أن يقيَّد ذلك بما قد يرد من أحكام في القوانين واللوائح المنظمة لها، ولو نُصَّ فيها على عدم تقيدها بالأحكام والنظم والقواعد المعمول بها في الجهات الحكومية([1])– لا يحاج في ذلك بأن قوانين ولوائح هذه الهيئات هي تشريعات خاصة، وأن قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه هو قانون عام، وأن القاعدة أن الخاص يقيد العام، وأن العام لا يلغي الخاص؛ ذلك أن العام يلغي الخاص بالنص صراحة على إلغائه، أو باستعمال عبارات في سن أحكامه لا يمكن معها تطبيق هذه الأحكام إلا بالقول بنسخ الأحكام الواردة في التشريع الخاص، تغليبًا لإرادة المشرع الحديثة على إرادته السابقة، كما هو الحال بما فعله المشرع في المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه (قبل تعديلها)، فقد جاءت عبارات هذا النص جلية المعنى قاطعة الدلالة على تطبيق أحكام ذلك القانون على الهيئات العامة، ودون أن يقيد ذلك بما خلت منه نصوص القوانين والقرارات المتعلقة بتلك الهيئات، كما كان الحال في القانون السابق، وهو ما لا يتأتى إعماله إلا بالقول بنسخ جميع الأحكام التي تضمنتها تلك القوانين والقرارات فيما تعارضت فيه مع أحكام هذا القانون.

ينطبق ذلك بشأن قواعد التصرف في الأراضي الفضاء المملوكة للدولة والمحافظات المنصوص عليها في قانون نظام الإدارة المحلية، وقانون الأراضي الصحراوية، والقانون رقم (7) لسنة 1991، وقانون ضمانات وحوافز الاستثمارـ لَمَّا كان قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 قد أفرد بابا مستقلا نظم فيه السبل الواجب ولوجها لبيع وتأجير العقارات والمنقولات، فإن مؤدى ذلك وجوب تقيد الجهات التي تنبسط عليها أحكامه (ومنها الهيئات العامة) في ذلك بأحكام هذا القانون- ألزمت المادة رقم (30) من هذا القانون الجهات الخاضعة لأحكامه أن يكون البيع عن طريق مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة أو بطريق الممارسة المحدودة في بعض الحالات المنصوص عليها قانونا، فإذا وَلَّتْ الجهة الإدارية وجهها عن هذه الاجراءات، كان تصرفها مخالفا للقانون، وعليها أن تعيد النظر في العقد بالتحلل منه كاملا أو بعضه في ضوء ما تسفر عنه المراجعة. 

  • المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، قبل تعديلها بموجب القانون رقم (82) لسنة 2013، والمادة (30) من هذا القانون.
  • عقد إداري:

القرارات المرتبطة بالعقد الإداري([2])تنبغي التفرقة بين نوعين من القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية في شأن العقود الإدارية:

(النوع الأول) هو القرارات التي تصدرها أثناء المراحل التمهيدية للتعاقد، وقبل إبرام العقد، وهذه تسمى القرارات المنفصلة المستقلة، ومن هذا القبيل: القرار الصادر بطرح العمل في مناقصة أو مزايدة، والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقصين او المتزايدين، والقرار الصادر بإلغاء المناقصة أو المزايدة، أو بإرسائها على شخص معين، فهذه القرارات هي قرارات إدارية نهائية، شأنها شأن أي قرار إداري نهائي، ومن ثم فإنها تخضع لما تخضع له القرارات الإدارية النهائية من أحكام في شأن طلب وقف تنفيذها أو إلغائها من خلال دعوى الإلغاء.

و(النوع الثاني) يشمل القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية تنفيذا لعقد من العقود الإدارية، واستنادا إلى نص من نصوصه، كالقرار الصادر بتوقيع غرامة التأخير، أو بسحب العمل ممن تعاقد معها والتنفيذ على حسابه، والقرار الصادر بمصادرة التأمين، أو بإلغاء العقد نفسه، فهذا القرار الصادر عن جهة الإدارة استنادا إلى نصوص العقد الإداري وتنفيذا له، لا يعد قرارا إداريا، بل ينبثق عن رابطة عقدية، ويدخل في منطقة العقد، ومن ثم لا يرد عليه طلب الإلغاء، بل يعد من قبيل المنازعات الحقوقية التي تعرض على قاضي العقد، وتستنهض فيه ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء.

تطبيق: قرار جهة الإدارة بسحب قرار إجراء ممارسة لبيع قطعة أرض مملوكة لها وطرحها للبيع بالمزاد العلني، وذلك بعد أن قامت بإبرام العقود بالفعل، هو في حقيقته قرار بإلغاء هذه العقود، فتعد المنازعة فيه منازعة عقدية، تخضع لولاية القضاء الكامل.

  • عقد إداري:

زوال العقد- العقد يزول بالانقضاء، والانحلال، والإبطال:

1- ينقضي العقد بتنفيذ الالتزامات الناشئة عنه.

2- ينحل العقد قبل انقضائه بإلغائه بالفسخ، أو بالتفاسخ (التقايل)، أو بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين:

(أ) الفسخ هو جزاء لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه العقدي في العقود الملزمة للجانبين، وقد يكون الفسخ قضائيا بناء على حكم يقضي به، أو اتفاقيا، أي باتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ تلقائيا عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه دون حاجة للتقاضي، وقد ينفسخ العقد بحكم القانون إذا انقضى الالتزام بسبب استحالة تنفيذه، وفي جميع حالات الفسخ ينشأ العقد صحيحا مستوفيا أركانه من الرضا والمحل والسبب.

(ب) يتحقق التفاسخ (التقايل) بتراضي الطرفين على إلغاء العقد، ولا يكون له أثر رجعي إلا إذا اتفقا على ترتيب هذا الأثر بالنسبة لكل أو بعض الحقوق والالتزامات المترتبة على العقد الذي تفاسخا عنه.

(ج) قد يجعل القانون لأحد المتعاقدين الحق في أن يستقل بإلغاء العقد بإرادته المنفردة، ومثل ذلك في عقود القانون الخاص: الوكالة والوديعة والمقاولة والشركة.

3- إبطال العقد يتحقق جزاءً على تخلف أركان العقد أو شروطه- الأصل في الإرادة هو المشروعية، فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفا للنظام العام أو الآداب، محلا أو سببا، أو كان على خلاف نص آمر أو ناهٍ في القانون، مما لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه.

في مجال القانون العام يكون للجهة الإدارية الحق في إنهاء العقود الإدارية التي تبرمها بإرادتها المنفردة إذا قدرت أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، وليس للطرف الآخر المتعاقد معها إلا الحق في التعويض إن كان له وجه حق- حق الإنهاء المخول للجهة الإدارية ليس مطلقا، بل إنه مشروط بأن تقتضي المصلحة العامة أو مصلحة المرفق إنهاء العقد، بأن تستجد ظروف تستدعي هذا الإنهاء، كما لو أصبح العقد غير ذي فائدة للمرفق العام، أو أضحى لا يحقق المصلحة العامة المقصودة في ظل تغير ظروف الحال عنها وقت التعاقد، وأن تتوفر لقرار الإنهاء جميع الشروط اللازمة لمشروعية الأعمال المبنية على سلطة تقديرية، بألا يكون القرار مشوبا بالانحراف بالسلطة.

 (هـ) عقد إداري:

إلغاء العقد لبطلانه- طبقا لأحكام القانون المدني فإنه إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام أو الآداب، كان العقد باطلا- إذا كان من المقرر أن العقد شريعة المتعاقدين، بما لازمه أن يكون لكل طرفٍ صاحبِ حقٍّ بموجب العقد أن يطالب المتعاقد الآخر بتنفيذ الالتزام، إلا أن هذا مقيد بألا يكون هذا الحق مناهضا للقانون، أو مخالفا للنظام العام.

مقصود النظام العام هو تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد، بحيث يجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت هذه الاتفاقات مصلحة فردية، سواء ورد نص في القانون يجرمها أو لم يرد- النص الذي يحظر على العاملين بالجهات الحكومية والهيئات العامة شراء أشياء من جهات عملهم، أو التقدم بعطاءات أو عروض لهذه الجهات، هو نص آمر، وغاية المشرع من ذلك هي حماية المال العام، وإبعاد الموظف عن أية شبهة تحيط به من جراء التعامل مع الجهة التي يتبعها، وحتى يسد أي منفذ لاستغلال الموظف لنفوذه، بما قد يسيء إلى مصلحة المرفق العام، فحظر المشرع كلية هذا التعاقد، وعلى أية صورة، سواء كانت بثمن المثل أو القيمة الحقيقية؛ إبعادا للموظفين عن الشبهة، وتنزيها لهم عن سوء الظن، وهذا أزكى لهم، وأكفلُ بقيامهم بواجبات وظائفهم، وهذه الاعتبارات تتصل اتصالا وثيقا بالنظام العام، ويلحق البطلان بأي اتفاقات أو عقود تنطوي على مخالفة لأحكام هذا الحظر.

ترتيبا على ذلك: إذا قامت جهة الإدارة باتخاذ إجراءات توزيع مساحة أرض مملوكة لها على العاملين بها، ودون مراعاة أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، وما تضمنه من إجراءات، ومنها أن يكون البيع بالمزاد العلني، وقامت بإبرام العقود معهم، فإنه متى تكشف لها بعد ذلك مخالفتها لأحكام القانون، فقامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعمال صحيح حكم القانون بإصدارها قرارا بطرح تلك المساحة بالمزاد العلني، فإن هذا القرار يكون متفقا وصحيح حكم القانون، ولو صدر بعد فوات ميعاد دعوى الإلغاء.

 (و) بطلان:

قاعدة “لا بطلان إلا بنص” أضحت قولا مهجورا في الفقه والقضاء، فكما أن البطلان يلحق بالتصرف بنص، فإنه قد يلحق به بغير نص، كما لو كانت المخالفة التي شابت التصرف تشكل خروجا على نص آمر- تطبيق: النص الذي يوجب المزايدة سبيلا لبيع أملاك الدولة هو نص آمر؛ لتعلقه بحماية الملكية العامة، كما أوجب الدستور، ولتجسيده لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، فضلا عن أنه يضمن لكل ذي حق حقه في المال العام([3]).

الإجراءات

في يوم الأربعاء الموافق 12/8/2009 أودع وكيل الطاعن (رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بصفته) قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن الماثل على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بقنا بجلسة 25/6/2009 في الدعوى رقم 3571 لسنة 14ق، القاضي بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الهيئة المدعى عليها (الطاعنة) المصروفات.

وطلب الطاعن (بصفته) -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، والزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.

وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.

وقد تدوول نظر الطعن أمام الدائرة الثالثة (فحص طعون) على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، والتي قررت بجلسة 15/5/2013 إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 5/11/2013، وبها نظر، ثم تدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 12/1/2016 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 26/4/2016، وبها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أن المطعون ضدهم كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 3571 لسنة 14ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بقنا بتاريخ 8/3/2006، طالبين في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي رقم 231 لسنة 2005 الصادر في 10/7/2005، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على سند من أنه بتاريخ 10/7/2005 صدر قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بجلسة مجلس الإدارة رقم (231) لسنة 2005، المتضمن سحب قرار مجلس الإدارة رقم (17) الصادر بجلسته رقم 224 في 23/1/2003 والخاص بتوزيع مساحة (12548)م2 توسع سكني بناحية وابورات أرمنت والضبعية والريانية، مركز أرمنت، وقد تضمن القرار المطعون فيه إعادة طرح هذه المساحة للبيع بالمزاد العلني طبقا لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998.

ونعى المدعون على القرار المطعون فيه صدوره بالمخالفة للقانون، ومشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة؛ لمضي أكثر من سنتين على صدور القرار المسحوب، ومن ثم يكون هذا القرار الأخير قد تحصن بمضي المدة ولا يجوز سحبه، كما أن عقود البيع التي صدرت لهم كانت على وفق الشروط المعلن عنها، ومن ثم لا يجوز فسخها من جانب واحد، كما لا يجوز إلغاؤها إلا بحكم قضائي.

وبجلسة 25/6/2009 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها المطعون فيه، الذي شيدته على أنه لما كان قرار مجلس إدارة الهيئة المدعى عليها (الطاعنة) رقم (17) بجلسته رقم (224) بتاريخ 23/1/2003 بشأن توزيع مساحة (12548)م2 توسع سكني بناحية وابورات أرمنت والضبعية والريانية بمركز أرمنت بمحافظة قنا، مقسمة إلى (139) قطعة، موزعة على عدد (139) مواطنا من العاملين بمنطقة أرمنت وأبنائها العاملين بمناطق المديرية، وكان المدعون (المطعون ضدهم) من بين من شملهم توزيع هذه القطع، وتحررت لهم بشأنها عقود، فقد اكتسب المدعون حقا ومركزا شخصيا لهم على هذه الأراضي الموزعة عليهم، ومن ثم لا يجوز لجهة الإدارة أن تصدر قرارا يتضمن المساس بهذا الحق والمراكز الشخصية المكتسبة للمدعين (المطعون ضدهم) بموجب قرار الهيئة رقم (17) المشار إليه.

ولا يغير من ذلك أن تكون الهيئة قد استندت في إصدارها للقرار الساحب موضوع الدعوى إلى مخالفة القرار رقم (17) المسحوب لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، بدعوى أنه لم تتبع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون المذكور بشأن توزيع الأراضي المشار إليها؛ إذ إن ذلك مردود بأنه ولئن كان لجهة الإدارة الحق في أن تسحب ما صدر منها من قرارات مخالفة للقانون تصويبا للوضع القانوني، إلا أن توقيت إعمال هذا الحق ينبغي أن يتم في الفترة المقررة للطعن على القرار أمام القضاء، فإذا ما انقضت هذه الفترة اكتسب القرار المخالف للقانون حصانة تعصمه ضد السحب والإلغاء، وطبق في شأنه ما يطبق على القرار الصحيح منذ نشأته من أحكام، أهمها عدم جواز السحب والمساس بالحقوق والمراكز المكتسبة للأفراد، ومتى كان ذلك، وإذ صدر القرار المطعون فيه بتاريخ 10/7/2005 متضمنا سحب القرار رقم (17) الصادر بتاريخ 23/1/2003، أي بعد انقضاء أكثر من عامين على صدور القرار الأخير، فإنه يكون -والحالة هذه- قد صدر بالمخالفة للقانون، جديرا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

……………………………………………………..

وحيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الإستدلال والقصور في التسبيب؛ وذلك تأسيسا على ما يلي:

  • عن الوجه المتعلق بمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله: أسست الهيئة الطاعنة هذا الوجه من الطعن على أن الثابت من المستندات المقدمة منها أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 10/7/2005، وقامت مديرية قنا للإصلاح الزراعي بمخاطبة منطقة أرمنت للإصلاح الزراعي (جهة عمل المطعون ضدهم) بصورة هذا القرار بالكتاب رقم 528 في 5/8/2005، وورد كتاب منطقة أرمنت للإصلاح الزراعي رقم 706 في 19/9/2005 متضمنا رفض جميع المستفيدين بالتوسع السكني التوقيع بالعلم على القرار الساحب، وهو ما يعد قرينة على علمهم بالقرار الطعين، ومن ثم تكون الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه قد أُقيمت بعد المواعيد المقررة قانونا لدعوى الإلغاء.
  • عن الوجه المتعلق بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب الذي شاب الحكم المطعون فيه: فإن هذا الحكم قد قام على أن القرار المسحوب -بالقرار المطعون فيه- قد أكسب المطعون ضدهم حقا ومركزا شخصيا على الأرض الموزعة عليهم، وأن مخالفة قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، ليست بالجسامة التي تنحدر بالقرار المسحوب إلى درجة الانعدام التي تجيز سحبه في أي وقت، وهذا في غير محله وغير سديد؛ لكون المبادئ التي استقرت عليها المحكمة الإدارية العليا تقضي بأن القرار الذي يصدر نتيجة غش أو تدليس من جانب المستفيد، أو يصدر بالمخالفة الجسيمة للقانون، يكون قرارا معدوما، ويجوز سحبه في أي وقت، ودون التقيد بميعاد الطعن القضائي، ولايرتب أية مراكز قانونية، تطبيقا لقاعدة “الغش يفسد كل شيء”.

……………………………………………………..

وحيث إنه –بادئ ذي بدء- تجدر الإشارة إلى أن  ما تبرمه الجهات الإدارية من عقود إنما تبرمها بوصفها  قوامة على الشأن العام، ومن الأصول المسلمة أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبيرعن الإرادة في إبرام العقود, إدارية كانت أو مدنية, ذلك أنها تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وأوضاع رسمها المشرع في القوانين واللوائح، كفالةً لاختيار أفضل الأشخاص للتعاقد, وضمانا في الوقت نفسه للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقا للمصلحة العامة.

وحيث إن مؤدى ما تقدم أنه متى حدد المشرع –بموجب ما يسنه من قوانين ولوائح– طريقة معينة وإجراءات محددة لإبرام عقود الإدارة, تقديرا من المشرع لكون هذه الطريقة هي التي تتحقق بها المساواة وتكافؤ الفرص –حسبما يوجبه الدستور–، فضلا عن حرية المنافسة وما تثمره من تنافس تتحقق به المصلحة العامة, حيث يتبارى المتقدمون في تقديم أفضل العروض، ففي هذه الحالة تختلط طريقة التعبير عن الإرادة –باتباع هذه الطريقة أو عدم اتباعها– بمشروعية الإرادة ذاتها، ومن ثم لا تكون الإرادة -التي هي قوام ركن الرضا في العقد- صحيحة ومعتبرة إلا باتباع هذه الطريقة, خاصة إذا كان المقبل على التعاقد مع جهة الإدارة يعلم حقيقة أو حكما –من خلال علمه المفترض بالقوانين واللوائح التي توجب هذه الطريقة سبيلا لإبرام العقد– بوجوب اتباع هذه الطريقة لتحقيق هذا الغرض. (في هذا الشأن: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 30952 و31314 لسنة 56 ق.ع بجلسة 14/9/2010).

وحيث إن المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات تنص على أن: “يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة –من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة– وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية، ويلغى القانون رقم 147 لسنة 1962 بشأن تنفيذ أعمال خطة التنمية الاقتصادية، وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983، كما يلغى كل حكم آخر يخالف أحكام هذا القانون”([4]).

وحيث إن المشرع قرر في إفصاح جهير سريان أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 على وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، بما مفاده إخضاع هذه الجهات لأحكامه، دون تفرقة بين كون هذه الجهات تنتمي إلى وحدات الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية التي تطبق عليها الأنظمة الحكومية، أو تندرج في عداد الهيئات العامة التي تنظمها قوانين ولوائح خاصة، وهذا النهج الذي سلكه المشرع في هذا القانون يغاير نهج قانون المناقصات والمزايدات السابق الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983، الذي كان ينص على نفاذ أحكامه على الهيئات العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات المتعلقة بها، وإذ عمد المشرع إلى إلغاء ذلك القانون بموجب القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، وأخضع بنص آمر جميع الهيئات العامة لأحكامه بصفة مطلقة، ودون أن يقيد ذلك بما قد يرد من نصوص وقرارات متعلقة بتلك الهيئات([5])، فإنه لا محيص من القول بخضوع تلك الهيئات لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، دون الأحكام الواردة في القوانين واللوائح المنظمة لها، وهو ما يستوجب من هذه الهيئات أن تصدع لأحكام هذا القانون، ولا تتولى عنها حِوَلًا، بقالة إن لها قوانينها ولوائحها الخاصة، أو إن من سلطتها وضع لوائح خاصة بها، لا تتقيد فيها بالأحكام والنظم والقواعد المعمول بها في الجهات الحكومية.

ولا يحاج في ذلك بأن قوانين ولوائح هذه الهيئات هي تشريعات خاصة، وأن قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه هو قانون عام، وأن القاعدة أن الخاص يقيد العام، وأن العام لا يلغي الخاص؛ ذلك أنه من المقرر قانونًا أن العام يلغي الخاص بالنص صراحة على إلغائه، أو باستعمال عبارات في سن أحكامه لا يمكن معها تطبيق هذه الأحكام إلا بالقول بنسخ الأحكام الواردة في التشريع الخاص، تغليبًا لإرادة المشرع الحديثة على إرادته السابقة، كما هو الحال بما فعله المشرع في المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 المشار إليه، فقد جاءت عبارات هذا النص –على نحو ما سلف بيانه– جلية المعنى قاطعة الدلالة على تطبيق أحكام قانون المناقصات والمزايدات المشار إليه على الهيئات العامة، ودون أن يقيد ذلك بما خلت منه نصوص القوانين والقرارات المتعلقة بتلك الهيئات، كما كان الحال في القانون السابق، وهو ما لا يتأتى إعماله إلا بالقول بنسخ جميع الأحكام التي تضمنتها تلك القوانين والقرارات فيما تعارضت فيه مع أحكام هذا القانون، بما في ذلك قواعد التصرف في الأراضي الفضاء المملوكة للدولة والمحافظات المنصوص عليها في قانون نظام الإدارة المحلية، وقانون الأراضي الصحراوية، والقانون رقم (7) لسنة 1991، وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار.

وحاصل ما تقدم أن ما تبرمه الهيئات العامة من عقود اعتبارًا من تاريخ العمل بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه -مما تطبق في شأن إبرامها أحكام هذا القانون- يخضع في إجراءات إبرامه لأحكام هذا القانون، سواء كانت قوانين ولوائح هذه الهيئات وردت خلوًا من الأحكام التي تنظم إبرام  تلك العقود، أم كانت الأحكام التي تضمنتها في هذا الشأن مخالفة لأحكام هذا القانون.

ولما كان قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998 قد أفرد بابا مستقلا نظم فيه السبل الواجب ولوجها لبيع وتأجير العقارات والمنقولات، فإن مؤدى ذلك –إعمالا لما تقدم– وجوب تقيد  الجهات التي تنبسط عليها أحكامه (ومنها الهيئات العامة) فيما تبيعه من عقارات بأحكام هذا القانون، وقد ألزمت المادة رقم (30) من هذا القانون تلك الجهات أن يكون البيع عن طريق مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة أو بطريق الممارسة المحدودة في بعض الحالات المنصوص عليها قانونا، فإذا وَلَّتْ وجهها عن هذه الاجراءات، كان تصرفها مخالفا للقانون، وعليها أن تعيد النظر في العقد بالتحلل منه كاملا أو بعضه في ضوء ما تسفر عنه المراجعة (في هذا المعنى أيضا حكم هذه المحكمة– المرجع السابق).

وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القاضي ملزم بإعطاء الدعوى وصفها الحق، وإسباغ التكييف القانوني الصحيح عليها، دون تقيد بتكييف الخصوم لها، في حدود سبب الدعوى، والعبرة في التكييف هي بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها، لا بالألفاظ التي صيغت بها هذه الطلبات.

وحيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار مجلس إدارة الهيئة بجلسته رقم 231 المنعقدة بتاريخ 10/7/2005 بالموافقة على ما انتهى إليه رأي المستشار القانوني للهيئة من سحب قرار مجلس الإدارة رقم 17 الصادر بجلسته رقم 224 بتاريخ 23/1/2003 المشار إليه، وطرح تلك المساحة للبيع بالمزاد العلني طبقا لأحكام القانون رقم 89 لسنة 1998، وأن القرار المسحوب (رقم 17 جلسة 224 بتاريخ 23/1/2003) لا يعدو أن يكون قرارا إداريا منفصلا باختيار أسلوب الممارسة في التعاقد مع العاملين بالهيئة وغيرهم، يخضع الطعن فيه لدعوى الإلغاء، ثم أعقبه التعاقد مع هؤلاء بتوقيع العقود المرافقة لملف الدعوى، وأن القرار الساحب (رقم 231 بتاريخ 10/7/2005) بحسب التكييف القانوني الصحيح ينطوي على قرار بإلغاء العقود التي أبرمتها الهيئة مع العاملين بها، وأن المنازعة فى شأن هذا القرار تدخل فى منطقة العقد الإداري، فهي منازعة حقوقية، وتكون محلا للطعن على أساس ولاية القضاء الكامل لمحكمة القضاء الإداري دون ولاية قضاء الإلغاء؛ ذلك أن  قضاء هذه المحكمة جرى على أنه ينبغي التمييز في مقام التكييف بين العقد الذي تبرمه الإدارة والإجراءات التي تمهد بها لإبرام هذا العقد أو تهيئ لمولده، ذلك أنه بقطع النظر عن كون العقد مدنيا أو إداريا، فإن من هذه الإجراءات ما يتم بقرار من السلطة الإدارية المختصة، له خصائص القرار الإداري ومقوماته، من حيث كونه إفصاحا عن إرادتها الملزمة بناء على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني تحقيقا لمصلحة عامة يتغياها القانون، ومثل هذه القرارات وإن كانت تسهم في تكوين العقد وتستهدف إتمامه، فإنها تنفرد في طبيعتها عن العقد، مدنيا كان أو إداريا، وتنفصل عنه، ومن ثم يجوز لكل ذي شأن الطعن فيها بالإلغاء استقلالا.

وفى ضوء هذا التنظيم لعملية العقد الإداري المركبة تنبغي التفرقة بين نوعين من القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية في شأن العقود الإدارية: (النوع الأول) هو القرارات التي تصدرها أثناء المراحل التمهيدية للتعاقد، وقبل إبرام العقد، وهذه تسمى القرارات المنفصلة المستقلة، ومن هذا القبيل: القرار الصادر بطرح العمل في مناقصة أو مزايدة، والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقصين او المتزايدين، والقرار الصادر بإلغاء المناقصة أو المزايدة، أو بإرسائها على شخص معين، فهذه القرارات هي قرارات إدارية نهائية، شأنها شأن أي قرار إداري نهائي، ومن ثم فإنها تخضع لما تخضع له القرارات الإدارية النهائية من أحكام في شأن طلب وقف تنفيذها أو إلغائها من خلال دعوى الإلغاء. و(النوع الثاني) يشمل القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية تنفيذا لعقد من العقود الإدارية، واستنادا إلى نص من نصوصه، كالقرار الصادر بتوقيع غرامة التأخير، أو بسحب العمل ممن تعاقد معها والتنفيذ على حسابه، والقرار الصادر بمصادرة التأمين، أو بإلغاء العقد نفسه، فهذا القرار الصادر عن جهة الإدارة استنادا إلى نصوص العقد الإداري وتنفيذا له لا يعد قرارا إداريا، بل ينبثق عن رابطة عقدية، ويدخل في منطقة العقد، ومن ثم لا يرد عليه طلب الإلغاء، بل يعد من قبيل المنازعات الحقوقية التي تعرض على قاضي العقد، وتستنهض له ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء.

وحيث إنه فيما يتعلق بمدى مشروعية إلغاء هذه العقود، فإنه من المقرر أن العقد يزول بالانقضاء، والانحلال، والإبطال، فينقضي العقد بتنفيذ الالتزامات الناشئة عنه، وقد ينحل العقد قبل انقضائه بإلغائه بالتفاسخ (التقايل)، أو بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين، أو بالفسخ، ويتحقق التفاسخ (التقايل) بتراضي الطرفين على إلغاء العقد، ولا يكون له أثر رجعي إلا إذا اتفقا على ترتيب هذا الأثر بالنسبة لكل أو بعض الحقوق والالتزامات المترتبة على العقد الذي تفاسخا عنه، وقد يجعل القانون لأحد المتعاقدين الحق في أن يستقل بإلغاء العقد بإرادته المنفردة، كما في عقود القانون الخاص، ومنها الوكالة والوديعة والمقاولة والشركة.

وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني أن “الأصل أن إلغاء العقود لا يقع إلا بتراضي المتعاقدين… ولكن يجوز أن يقع الإلغاء دون حاجة إلى التراضي في أحوال ثلاث: أولاها حالة العقود التي تكون فيها شخصية المتعاقد ملحوظة لذاتها، كالزراعة، فيقع إلغاؤها بموت من كانت شخصيته محلا للاعتبار. والثانية حالة العقود التي يحتفظ فيها أحد المتعاقدين لنفسه بحق الإلغاء، فيكون له أن يلغي العقد بإرادته المنفردة، ويكون للعاقد الآخر أن يقتضي ما يجب له من التعويض عند إساءة استعمال هذا الحق. والحالة الثالثة هي حالة العقود التي ينص القانون بشأنها على تخويل حق الإلغاء بإرادة منفردة، والأصل في هذه العقود أن تكون غير محددة المدة، (كالشركة والإجارة)، أو أن تكون قابلة للنقض بطبيعتها (كالوكالة)، ويقع الإلغاء في هذه الحالة بالإرادة المنفردة التي خولها القانون ذلك”.

والفسخ هو جزاء لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه العقدي في العقود الملزمة للجانبين، وقد يكون الفسخ قضائيا بناء على حكم يقضي به، أو اتفاقيا، أي باتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ تلقائيا عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه دون حاجة للتقاضي. وقد ينفسخ العقد بحكم القانون إذا انقضى الالتزام بسبب استحالة تنفيذه. وفي جميع حالات الفسخ ينشأ العقد صحيحا مستوفيا أركانه من الرضا والمحل والسبب.

أما إبطال العقد فيتحقق جزاءً على تخلف أركان العقد أو شروطه.

وفى مجال القانون العام جرى قضاء هذه المحكمة على أن للجهة الإدارية الحق في إنهاء العقود الإدارية التي تبرمها بإرادتها المنفردة إذا قدرت أن المصلحة العامة تقتضى ذلك، وليس للطرف الآخر المتعاقد معها إلا الحق في التعويض إن كان له وجه حق، على أن حق الإنهاء المخول للجهة الإدارية ليس مطلقا، بل إنه مشروط بأن تقتضى المصلحة العامة أو مصلحة المرفق إنهاء العقد، بأن تستجد ظروف تستدعي هذا الإنهاء، كما لو أصبح العقد غير ذي فائدة للمرفق العام، أو أضحى لا يحقق المصلحة العامة المقصودة في ظل تغير ظروف الحال عنها وقت التعاقد، وأن تتوفر لقرار الإنهاء جميع الشروط اللازمة لمشروعية الأعمال المبنية على سلطة تقديرية، بألا يكون القرار مشوبا بالانحراف بالسلطة. (الطعن رقم 2289 لسنة 30 ق عليا بجلسة 20/3/1990، والطعن رقم 3986 لسنة 35 ق عليا بجلسة 15/11/1992).

وحيث إنه فيما يتعلق بإلغاء العقد لبطلانه، فإن المادة (135) من القانون المدني تنص على أنه: “إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام أو الآداب، كان العقد باطلا”، ومن المقرر أن العقد شريعة المتعاقدين، بما لازمه أن يكون لكل طرفٍ صاحبِ حقٍّ بموجب العقد أن يطالب المتعاقد الآخر بتنفيذ الالتزام، إلا أن يكون هذا الحق مناهضا للقانون أو مخالفا للنظام العام، والأصل في الإرادة هو المشروعية، فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفا للنظام العام أو الآداب، محلا أو سببا، أو كان على خلاف نص آمر أو ناهٍ في القانون، مما لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه.

ولما كان مقصود النظام العام هو تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد، بحيث يجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت هذه الاتفاقات مصلحة فردية، سواء ورد نص في القانون يجرمها أم لم يَرِدْ، وكان البين من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1989 أن الإدارة لا تستوي مع الأفراد في حرية التعبير عن الإرادة في إبرام العقود، إدارية كانت أو مدنية؛ ذلك أنها تلتزم في هذا السبيل بإجراءات وأوضاع رسمها الشارع في القوانين واللوائح؛ كفالةً لاختيار أفضل الأشخاص للتعاقد، سواء من حيث الأهلية أم حسن السمعة أم الكفاية الفنية أم المالية، وضمانا في الوقت نفسه للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقا للمصلحة العامة بحسب الغاية التي تستهدفها الإدارة من إبرام العقد حماية للمال العام.

وقد أوجب المشرع في المادة (30) على الجهات المخاطبة بأحكامه (ومنها الهيئات العامة) أن يكون بيع العقارات عن طريق مزايدة علنية عامة أو محلية أو بالمظاريف المغلقة، ونصت المادة (39) من هذا القانون (الواردة بالباب الرابع: أحكام عامة) على أنه: “يحظر على العاملين, بالجهات التي تسري عليها أحكام هذا القانون, التقدم -بالذات أو بالواسطة- بعطاءات أو عروض لتلك الجهات, كما لا يجوز شراء أشياء منهم أو تكليفهم بالقيام بأعمال, ولا يسري ذلك على شراء كتب من تأليفهم أو تكليفهم بالقيام بأعمال فنية كالرسم والتصوير وما يماثلهما أو شراء أعمال فنية منهم إذا كانت ذات صلة بالأعمال المصلحية, وبشرط ألا يشاركوا بأية صورة من الصور في إجراءات قرار الشراء أو التكليف وأن يتم كل منهما في الحدود ووفقا للقواعد والإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية.

كما يحظر على العاملين بتلك الجهات الدخول -بالذات أو بالواسطة- في المزايدات أو الممارسات بأنواعها, إلا إذا كانت الأشياء المشتراة لاستعمالهم الخاص، وكانت مطروحة للبيع عن طريق جهات أخرى غير جهة عملهم ولا تخضع لإشراف هذه الجهة”.

وهذا النص الآمر يحظر على العاملين بالجهات الحكومية والهيئات العامة شراء أشياء من جهات عملهم، أو التقدم بعطاءات أو عروض لهذه الجهات، وغاية المشرع من ذلك هي حماية المال العام، وإبعاد الموظف عن أية شبهة تحيط به من جراء التعامل مع الجهة التي يتبعها، وحتى يسد أي منفذ لاستغلال الموظف لنفوذه، بما قد يسيء إلى مصلحة المرفق العام، فحظر المشرع كلية هذا التعاقد، وعلى أية صورة، سواء كانت بثمن المثل أو القيمة الحقيقية؛ إبعادا للموظفين عن الشبهة، وتنزيها لهم عن سوء الظن، وهذا أزكى لهم، وأكفلُ بقيامهم بواجبات وظائفهم، وعدم الإفادة من أية منفعة شخصية نتيجة لها، أو تكون مظنة لذلك، وفي ذلك توطيد للثقة العامة بهم، وهذه الاعتبارات تتصل اتصالا وثيقا بالنظام العام، ويلحق البطلان بأي اتفاقات أو عقود تنطوي على مخالفة لأحكام هذا الحظر.

وقد أورد المشرع تطبيقات عملية لمخالفة النظام العام بنصه في المادة (471) من القانون المدني على أنه “لا يجوز للقضاة ولا لأعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم ولا للمحضرين أن يشتروا لا بأسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه، إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يباشرون أعمالهم في دائرتها، وإلا كان البيع باطلا”.

ولما كان الثابت من الأوراق أن الهيئة الطاعنة عند قيامها باتخاذ إجراءات بيع المساحة المشار إليها للعاملين بمنطقة أرمنت، قد قامت باتخاذ تلك الإجراءات دون مراعاة أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وما تضمنه من إجراءات، ومنها أن يكون بيع المساحة المذكورة بالمزاد العلني، فإذا ما تكشف لها بعد ذلك مخالفتها لأحكام القانون –على نحو ما سلف بيانه-، وقامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعمال صحيح حكم القانون بإصدارها القرار المطعون فيه بطرح المساحة المشار إليها بالمزاد العلني، فمن ثم يكون هذا القرار متفقا وصحيح حكم القانون .

وحيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى غير هذا النظر، فمن ثم يتعين إلغاؤه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها بطلان العقود المبرمة بين الهيئة الطاعنة والمطعون ضدهم.

ولا يحاج في ذلك بأن القاعدة أنه “لا بطلان إلا بنص”؛ ذلك أن هذا القول أضحى قولا مهجورا في الفقه والقضاء، فكما أن البطلان يلحق بالتصرف بنص، فإنه قد يلحق به بغير نص، كما لو كانت المخالفة التي شابت التصرف تشكل خروجا على نص آمر، ولا مراء في أن النص الذي يوجب المزايدة سبيلا لبيع أملاك الدولة هو نص آمر؛ لتعلقه بحماية الملكية العامة كما أوجب الدستور، ولتجسيده لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، فضلا عن أنه يضمن لكل ذي حق حقه في المال العام.

  وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها بطلان العقود المبرمة بين الهيئة الطاعنة والمطعون ضدهم، وألزمت المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.

[1])) اختلف الأمر بعد تعديل نص المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات بموجب القانون رقم (82) لسنة 2013، حيث يجري ذلك النص بعد تعديله بموجب هذا القانون على أن: “يُعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة -من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة- وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناءً على تلك القوانين والقرارات…”.

([2]) راجع في هذا كذلك الحكم الصادر عن الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 14115 لسنة 48 القضائية (عليا) بجلسة 22/3/2016 (منشور بهذه المجموعة- المبدأ 69/ب).

([3]) أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا أن البطلان كما يتقرر بالنص، فإنه يترتب تلقائيا على إغفال الإجراءات الجوهرية، ومن بينها تلك التي يقررها المشرع كضمانة لأصحاب المراكز القانونية (حكمها الصادر في الطعن رقم 2846 لسنة 46 القضائية عليا بجلسة 8/5/2003، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 53/ج، ص638).

[4])) تنويه: النص الوارد بمتن الحكم هو نص المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات قبل تعديله بموجب القانون رقم (82) لسنة 2013، حيث يجري ذلك النص بعد تعديله بموجب هذا القانون على أن: “يُعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة -من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة- وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناءً على تلك القوانين والقرارات. ويلغى القانون رقم 147 لسنة 1962 بشأن تنفيذ أعمال خطة التنمية الاقتصادية, وقانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983, كما يلغى كل حكم آخر يخالف أحكام القانون المرافق”.

[5])) اختلف الأمر بعد تعديل نص المادة الأولى من مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات بموجب القانون رقم (82) لسنة 2013، حيث يجري ذلك النص بعد تعديله بموجب هذا القانون على أن: “يُعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة -من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة- وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناءً على تلك القوانين والقرارات…”.

Comments are closed.

Violetporno Grande xxx Desi Jimo Arab XNXX Sex Arab Sex xxx bf sex x arab videos หนังAV